وهناك من يرى أن نشأة التحكيم والعمل به كانت في القرون الوسطى، وذلك نتيجة لعدة عوامل منها ازدهار الحركة التجارية الدولية فيما بين الدول الأوروبية، وظهور المعارض الدولية ونشوء ما يسمى بعدالة الأسواق، وكانت لكل سوق عادات وأعراف وتقاليد تم توارثها بين التجار، وكانت تلك العادات هي قانون الأسواق واعتبرت كقواعد قانونية تنظم كيفية التعامل في الأسواق، وتعتبر تلك القواعد في ذلك الوقت أول مجموعة قواعد مادية تسري على التجارة الدولية، وكان يطلق على تلك القواعد "Les Mectovia"، وبموجب تلك القواعد فكان التجار إذا وجدت بينهم خلافات يحكمون رجلاً شريفاً من التجار مشهوراً برجاحة العقل والدهاء والذكاء، ويثقون في قدرته على حل خلافهم، ويتم ذلك بإرادتهم المطلقة، وكان المحكم يسمى "Arbitrium"، والحكم الذي يصدره ذلك المحكم يكون ملزماً للأطراف ويتم تنفيذه ويجد رضا من قبل الأطراف المتنازعة بذلك الحكم.
أيضا عرف عند بعض قبائل الفال التي كانت تسكن بجوار المحيط الأطلسي نظام يسمى المصادفة، وتعني أنهم كانوا يلجأون إلى طريقة غريبة لحل خصوماتهم بأن يقوم الخصوم بعرض طعام معين في مكان يمتاز بكثرة الغربان ومن أكلت تلك الغربان طعامه فيعتبر خاسراً لما يدعيه، وهناك صورة أخرى . النظام التحكيم في الاستناد إلى مهارة الخصمين الفنية في الغناء وهذه الصورة كانت منتشرة بين بعض الجماعات اليونانية القديمة التي كانت تلجأ إلي تقديم
مساجلات غنائية بين المتنازعين، ومن يتابع غناؤه حتى النهاية يعتبر هو صاحب الحق المدعي به .
ويتضح لنا أن نظام التحكيم من أهم الوسائل لحل النزاعات عبر الحقب التاريخية للإنسان، ولكن إجراءات التحكيم التي تتبع كانت تتخذ صورا وأشكالا وأساليب تختلف باختلاف الحقبة والدولة والجماعة، ومع ذلك فإن تلك الصور والأشكال والأساليب كلها تنصب وتؤكد بأن نظام التحكيم كان أحد الأدوات الهامة والرئيسية لحل المنازعات والخلافات التي قد تثور في تلك الحقب أو العصور.