يضرب التحكيم بجذوره في عمق التاريخ، فهو كنظام لفض المنازعات نشأ معها لفضها، والمنازعات نشأت مع الإنسانية منذ خلق الإنسان، ونشأ التحكيم لتحقيق العدل بين بني الإنسان، وتطور لتسوية المنازعات بين القبائل والدول. وسوف نعرض فيما يلي لمراحل التحكيم في الحضارات القديمة.
التحكيم في القرآن الكريم:
ثمة آيات قرآنية تناولت مبدأ التحكيم، الآية الأولى قوله تعالى
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا
بالعدل). وهذه الآية تدل على مشروعية التحكيم، فلم يمنعه الشارع بل ألقى التزاما على المحكم أن يحكم بين الناس بالعدل.
إذا كانت الآية السابقة عامة ولكل المنازعات فإن الشارع خص منازعات الزوجية بآية أخرى في كتابه العزيز، هي قوله تعالى : وان خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها إن ریدا اصلاحا يوفق الله بينهما إن الله كان عليم خبيرا) وفي هذه الآية الكريمة يخبرنا الله عز وجل بإجازة الالتجاء إلى التحكيم لفض المنازعات بين الزوجين؛ خشية الشقاق بينهما).وهناك آيات غير الآيتين السابقتين ، منها: .
إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله . فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم.
فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين)
وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم .
إذ دخلوا على داوود فزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغی بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط).
يا داوود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ) وقال الطبري في تفسير قوله تعالى : لتحكم بين الناس : لتقضي بين الناس فتفصل بينهم". وقال في تفسير قوله : فاحكم بيننا بالحق
فاقضي بيننا بالعدل. . وقال الطبري في تفسير قوله تعالى: حتى يحكموك حتى يجعلوك حكما بينهم فيما اختلط بهم من أمورهم فالتبس
عليهم حكمه. وقال في تفسير قوله تعالى: فاحكم بين الناس بالحق : يعني بالعدل . والإنصاف. ومنها ما هو النوبة . التحكيم في السنة الشريفة: رضي رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحكيم سعد بن معاذ رضي الله عنه في أمر يهود بني قريظة حين جنحوا إلى ذلك ورضوا بالنزول على حكمه.
تكنى أبا الحكم؟ " فقال: إن قومي إذا اختلفوا في شيء أتوني، فحكمت بينهم، فرضي كل الفريقان. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" ما أحسن هذا! فما لك من الولد؟". قال: لي شريح ومسلم وعبد الله. فقال:" من أكبرهم؟" قلت "شريح". قال : "فأنت أبو شريح"، ودعا له ولولده".
كما رضى النبي صلى الله عليه وسلم بتحكيم، الأعور بن بشامة في أمر بني العنبر حين انتهبوا أموال الزكاة)، وهذا يعتبر إقرارا م ن النبي صلى الله عليه وسلم بشرعية التحكيم.
وروى مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لا يقض أحدكم بين أثنين وهو غضبان" .
وروى الحكيم الترمذي في نوادر الأصول أن النبي ص لى الله عليه وسلم قال: " طوبى للسابقين إلى ظل الله تعالی" . قيل : ومن هم یا رسول الله ؟ قال: الذين إذا أعطوا الحق قبلوه، وإذا سئلوه بذلوه، والذين يحكمون للناس بحكمهم لأنفسهم ) . • التحكيم في الإجماع التحكيم ا الند.
أجمع الصحابة رضوان الله عليهم على مشروعية التحكيم، ولم / يعرف لهم مخالف فصار ذلك إجماعا منهم على التحكيم). 9 فقد كان بين عمر وأبي بن كعب رضي الله عنهما منازعة في نخل، فحكم بينهما زيد بن ثابت رضي الله عنهم.
وكذلك اختلف عمر رضي الله عنه مع رجل في أمر فرس اشتراها عمر بشرط السوم، فتحاكما إلى القاضي شريح). والتحكيم مشروع دل عليه الكتاب والسنة والإجماع)، وذهب الفقهاء إلى جوازه.