إذا ألقينا الضوء على موضوع الطعن على أحكام التحكيم وفقا للقانون المصري ، وجدنا أن مجموعة المرافعات الملغاة الصادرة سنة 1949 ، كانت تجيز الطعن على أحكام التحكيم ، بالاستئناف ، بالإضافة إلى التماس إعادة النظر .
- بعد صدور القانون 27 لسنة 94:
تنص المادة 1/52 من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 : «لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقا لأحكام هذا القانون الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية»
يجيب على هذا السؤال العالم الجليل الأستاذ الدكتور أكثم الخولى قائلا : بأن قانون التحكيم المصري ، قد جانبه التوفيق في هذا الصدد ، لأنه قد يقع غش من جانب أحد الخصوم ، أثر في الحكم ، أو قضى الحكم في القضية التحكيمية ، بناء على مستند مزور قضى بتزويره أو صدر إقرار بتزويره ، أو شهادة زور ، أو كانت هناك أوراق قاطعة في القضية التحكيمية ، حال أحد الخصوم دون تقديمها ، أو كان منطوق الحكم مناقضا بعضه لبعض . بالإضافة إلى عدم وجود نظام اعتراض الخارج عن الخصومة.
ويمكن لنا أن نقول بعد كل ما سبق أن القانون المصري ، يجعل الرجوع بدعوى البطلان ، هو الطريق الوحيد لبطلان حكم التحكيم . وهذا بخلاف القانون الإنجليزي الذي يجعل الرجوع بالبطلان على حكم التحكيم احتياطيا ، لا يلجأ إليه ، إلا إذا أغلق الباب أمام الأطراف في اللجوء إلى طريق الطعن على حكم التحكيم بالاستئناف . ونعتقد أن القانون الإنجليزي يفضل القانون المصري في هذا الصدد .
وها نحن في العصور الحديثة أحسسنا بما أحس به الأقدمون ، من رغبة في التحرر من قيود القوانين الوطنية تلك القيود ، التي من آثارها أن الكثير من القضايا يفصل فيها على مدى عشرات السنين ، وليس عدلا ذلك الحق الذي يصل إلى ذويه بعد حقبة من الزمن ، بل هو إلى الظلم أقرب وأدني.
ويمكن لنا القول بأنه ، عندما يسلك الأطراف سبيل التحكيم فإن المحافظة على العلاقات بينهم تكون في أذهانهم ، أما عندما يذهبون إلى القضاء فإن المحافظة على العلاقات بينهم تكون أقدامهم .
أما الآليات الحديثة لحل المنازعات - ومنها التحكيم - فقد خلقت من أجل رفعة ودفع عجلة التجارة الدولية ، لذا فهي متوائمة معها محيطة بظروفها وقواعدها ، مثل الثقة في المحكم ، لأن الأطراف هم الذين اختاروه ، بالإضافة إلى أن الإجراءات تتميز بالمرونة والسرعة واليسر - وهذا بخلاف الحال بالنسبة للقضاء العادي الذي قد يطبق القوانين الوطنية التي هي بالتأكيد غريبة عن الإحاطة بأصول التجارة الدولية - فضلا عن أن تنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية يكون بمقتضى اتفاقية دولية وهي اتفاقية نيويورك سنة 58 .
إذا كانت الآليات التقليدية لا تصلح لحل المنازعات خاصة على صعيد التجارة الدولية في صورتها البسيطة أي التي يكون أطرافها غير متعددين ، فمن باب أولى لا تصلح لحل المنازعات إذا كان هناك تعدد في الأطراف .
. «منذ عشرين عاما قال الأستاذ/ ساندرز في محاضرة له أن التحكيم التجارى الدولى يشبه الطائر الصغير ، يحاول أن يطير في الهواء ، ومن وقت لآخر يفشل في الرجوع إلى عشه ، لكن الطائر الصغير بالرغم من ذلك ينمو بسرعة ليطير بجناحيه في سماء الدولية في كثير من قضايا التحكيم الدولى ، فيتحرر التحكيم عندئذ من قيود القوانين الوطنية».
كما نفضل أيضا نظام التحكيم بالرغم من أن نظام التحكيم المنتشر على مستوى العالم والذي تهيمن عليه الكثير من المؤسسات . مثل غرفة التجارة الدولية بباريس ومحكمة تحكيم لندن وهيئة التحكيم الأمريكية. وهذا انعكاس لهيمنة دول العالم الأول على مقدرات التجارة الدولية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وما القضايا التي حدث فيها ظلم صارخ لدول العالم الثالث عنا ببعيدة .
ونفضل نظام التحكيم بالرغم من هذه الهيمنة والتي كانت مثار شكوى وضيق من جانب أقطاب رجال القانون في دول العالم الثالث ، بل إن هذه الهيمنة دعت البروفسور / Lalive إلى القول وذلك في مجلة الجمعية السويسرية للتحكيم ، المجلد الثالث سنة 1998 «إن أمركة التحكيم التجاري الدولي ناجمة عن رغبة المحامين الأمريكان المحمومة لكسب سوق الخدمة القانونية . وأضاف بأنهم يعملون على فرض قواعدهم المحلية على مسرح التحكيم التجارى الدولى برمته فارضين أيضا تكنيكهم القانوني ولغتهم» وتأييدا لأقواله استشهد برأي المحكم البريطاني ألان شيسترون.
سواء على الصعيد الداخلي أم الدولي عن طريق التحكيم للأسباب المشار إليها آنفا ، فهل يمكن أن نقبل بأن يكون حكم التحكيم محصنا ضد كل طرق الطعن ، بالإضافة إلى دعوى البطلان.
وإذا كنا نقبل فكرة وجود رقابة على أحكام التحكيم ، فإننا لا نقبل الإفراط في وجود تلك الرقابة ، وذلك بالطعن على أحكام التحكيم ، أو حتى الرجوع عليها بدعوى البطلان ، بذات وكل الأسباب التي يطعن بها على أحكام القضاء ، بل يجب أن تكون هذه الأسباب واضحة ومحددة على سبيل الحصر بحيث لا تصير المحكمة المنظور أمامها دعوى البطلان محكمة استئناف ، وبالتالي لا تتطرق مطلقا للنظر في موضوع النزاع ، أو تعییب اما قضى به حكم التحكيم في شأنه ، فلا يمتد إلى مراجعة الحكم ، وتقدير مدى ملائمته ، أو مراقبة حسن تقدير المحكمين .
وبعبارة أخرى، يجب أن نصل إلى نقطة توازن بين الرغبة في حل المنازعات ، وخاصة على الصعيد الدولى ، عن طريق التحكيم للمزايا العديدة ، التي يتسم بها ، القضاء العادي ، وبين الطعن على حكم التحكيم، بحيث لا ننحاز إلى أحدهما على حساب الآخر ، لأن أول سؤال يقفز إلى ذهن الطرف الذي خسر التحكيم كيف أقوم بالطعن ..
أما عن مرحلة تنفيذ الحكم تلك المرحلة التي يحاول كل من المنفذ ضده شحذ أسلحته لكي يستخدمها عندما تسنح له فرصة ذلك ، فالأول يحاول الإسراع بخطى التنفيذ والثاني يحاول وضع العراقيل لكي يتعثر، وكل منهما .
ولقد عمل مشرع التحكيم في الكثير من النظم القانونية ، على أن يوفق بين مصالح المنفذ والمنفذ ضده ، فلم يرتب على الطعن في حكم التحكيم - في النظم القانونية التي تجيز ذلك ومنها القانون الإنجليزي بأي طريق من طرق الطعن وقف تنفيذه إلا إذا كان مشمولا بالنفاذ المعجل .