إذا ولينا وجهنا شطر التحكيم ، فإننا نجده يضرب بجذوره في أعماق التاريخ ، بل لا يكون هناك أدني تجاوز لحقيقة ، إذا قيل أنه سبق القضاء في الظهور ، لأن الأخير وجد مع وجود الدولة نفسها.
ولقد عرف الإنسان التحكيم ، منذ فجر التاريخ ، حيث كان وسيلة ارتقى بها من حالة فض المنازعات بالقوة ، فلقد كان يرجع الخصمان إليه للفصل بينهما في الأمر محل التحكيم ، وذلك عن طريق شيوخ العشائر ورؤسائها.
وتشير الأساطير المأثورة عن القبائل الجرمانية القديمة ، إلى مساجلات شعرية قد تنتهي بقتل المهزوم فيها . وتأييدا لهذه الفكرة ورد في مبادئ علم الاجتماع للعالم / هربث سبنسر - جزء 4 ص 423 - أن المعتدى عليه في جرينلاند قد يطلب خصمه إلى معركة غنائية ومن يبقى منهما أخيرا يكسب الدعوي .
وتتجلى هذه الصورة في نظم بعض الشعوب القديمة ، ففي تقاليد أهل أيسلاندا أنه إذا تنازع شخصان من أجل امرأة أو قطعة أرض احتكما إلى السلاح وصاحب الحق هو المنتصر فيهما ، وفي قوانين «إيرلندا» القديمة ، كانت المبارزة بين الخصمين هي الأسلوب الواضح والأمثل للفصل في أي نوع من أنواع النزاع ، متى اتفق الأطراف على ذلك، ويشترط أن يقع بحضور شهود وبعد دعوة أسرة المدعى عليه.
أن المبارزة لم تكن فقط مقصورة على المبارزة الفردية بين شخصين ، بل كانت أحيانا مبارزة جماعية بين عدة أشخاص يختارون مناصفة من كلا الفريقين ، من ذلك ما رواه المؤرخ اللاتيني تيت لايف عن النزاع الذي نشأ بين مدينتي روما وألبا في القرن السابع قبل الميلاد.