إذا ألقينا الضوء على موضوع الطعن على أحكام التحكيم وفقا للقانون المصرى ، وجدنا أن مجموعة المرافعات الملغاة الصادرة سنة ١٩٤٩ ، كانت تجيز الطعن على أحكام التحكيم ، بالاستئناف ، بالإضافة إلى التماس إعادة النظر .
وغنى عن البيان فى هذا المقام ، أنه بالإضافة إلى جواز الطعن على أحكام التحكيم بالاستئناف والتماس إعادة النظر ، فإنه يجوز الرجوع عليها أيضا بدعوى البطلان .
ولما صدرت مجموعة المرافعات المعمول بها حاليا ، وهي المجموعة الصادرة سنة ١٩٦٨ نصت المادة ٥١٠ منها على التماس إعادة النظر ، كطريق وحيد للطعن ضد أحكام التحكيم ، وألغت بذلك الطعن بالاستئناف ، مع جواز الرجوع على حكم التحكيم ، بدعوى البطلان.
٢ - بعد صدور القانون ٢٧ لسنة ٩٤ :
تنص المادة ١/٥٢ من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ : «لا تقبل أحكام التحكيم التى تصدر طبقا لأحكام هذا القانون الطعن فيها بأى طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية».
كما تنص الفقرة الثانية من المادة ٥٢ من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ بأنه «يجوز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وفقا للأحكام المبينة في المادتين التاليتين».
وبتحليل هذين النصين ، يتضح بجلاء ، أن قانون التحكيم المصرى، جعل الطريق الوحيد للرجوع على حكم التحكيم هو دعوى قضائيا ، وبالتالي يجوز حجية الأمر المقضى ، مما يستتبع عدم جواز المساس به ، إلا بواسطة طريق من طرق الطعن التي ينص عليها القانون بالنسبة له ، وهذا الحكم لا يمكن أن يصدر إلا باتفاق طرفي النزاع على الالتجاء إلى التحكيم ، وهذا الاتفاق على التحكيم هو عقد من عقود القانون الخاص يخضع كأى عقد آخر للقواعد العامة ، وإن كان هذا لا يمنع من خضوعه لبعض القواعد التي تتفق مع طبيعته ، ويترتب على الطبيعة العقدية له فتح السبيل للرجوع بدعوى البطلان ضد حكم التحكيم .
وبتحليل هذين النصين ، يتضح بجلاء ، أن قانون التحكيم المصرى، جعل الطريق الوحيد للرجوع على حكم التحكيم هو دعوى البطلان ، وبذلك لا يمكن الطعن على حكم التحكيم، وفقا لأحكامه ، بأى طريق من طرق الطعن.
ثم نصت المادة ١/٥٣ من القانون المصرى الجديد للتحكيم ٢٧ لسنة ٩٤ على أنه لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم إلا في الأحوال الآتية» وهي حالات بعضها يتعلق ببطلان اتفاق التحكيم وهي خمس حالات والبعض الآخر يتعلق بخصومة التحكيم وهي ثلاث حالات .
والسؤال الذي يثار الآن هو ، مدى توفيق القانون المصرى الجديد للتحكيم ۲۷ لسنة ۱۹۹٤ ، فى إلغاء طريق الطعن بالتماس إعادة النظر ( طريق طعن غير عادى ) ، والذى كان ينص عليه فى قانون المرافعات رقم ١٣ لسنة ١٩٦٨ ؟ .
ويستطرد سيادته متسائلا هل هناك سبب ، يبرر تحصين أحكام التحكيم في هذه الحالات ؟ . وعلى أي أساس يكون حكم التحكيم هنا في مركز أفضل من حكم القضاء؟ .
وأعتقد أنه لا مناص ، إلا بالأخذ ، بما ذهب إليه سيادة الأستاذ الدكتور : أكثم الخولى فى هذا الصدد ، فبالإضافة إلى الحجج التي ساقها سيادته ، فإن أخذ قانون التحكيم المصرى بنظام الطعن بالتماس إعادة النظر ، لا يؤدى به إلى أن يكون بدعا من القوانين ، إذ أن بعضها يأخذ بجانب الرجوع على حكم التحكيم بالبطلان بالطعن على حكم التحكيم بالتماس إعادة النظر وبالاستئناف أيضا ، مثال ذلك من قانون الإجراءات المدنية الهولندى (المادة (١٠٦٤) والمادة ٢/٥٨ من قانون التحكيم الإنجليزى الصادر سنة ١٩٩٦.
ويمكن لنا أن نقول بعد كل ما سبق أن القانون المصرى ، يجعل الرجوع بدعوى البطلان ، هو الطريق الوحيد لبطلان حكم التحكيم. وهذا بخلاف القانون الإنجليزى الذى يجعل الرجوع بالبطلان على حكم التحكيم احتياطيا، لا يلجأ إليه ، إلا إذا أغلق الباب أمام الأطراف في اللجوء إلى طريق الطعن على حكم التحكيم بالاستئناف . ونعتقد أن القانون الإنجليزي يفضل القانون المصري في هذا الصدد.
ويمكن لنا القول بأنه ، عندما يسلك الأطراف سبيل التحكيم فإن المحافظة على العلاقات بينهم تكون فى أذهانهم، أما عندما يذهبون إلى القضاء فإن المحافظة على العلاقات بينهم تكون أقدامهم .
وهنا يجعلنا نذكر أن تطبيق القوانين الوطنية بقيودها وأغلالها على المنازعات التي قد تحدث فى مجال التجارة الدولية ، سيترتب عليها بلا ريب ركود حركة التجارة الدولية وشل حركة الاقتصاد العالمي .
ولعل فيما أعتقد ، أن أهم سبب يجعل الأطراف يفرون إلى التحكيم هو فشل القضاة الذين يفتقرون إلى المعرفة المباشرة بعالم التجارة - ، وإن كان لهم بعض العذر - خاصة على صعيد العلاقات الخاصة الدولية في الربط بين القانون وجوهر الممارسات الاقتصادية والاجتماعية للمجتمع .
وغنى عن البيان أنه ، إذا كانت الآليات التقليدية لا تصلح لحل المنازعات خاصة على صعيد التجارة الدولية في صورتها البسيطة أي التي يكون أطرافها غير متعددين ، فمن باب أولى لا تصلح لحل المنازعات إذا كان هناك تعدد في الأطراف . لذلك وجد ما يسمى بالتحكيم متعدد الأطراف الذي يكون فيه على الأقل تعدد في أحد أطرافه - فلا يشترط إذن توافر التعدد في كلا الجانبين ، سواء المحتكمين أم المحتكم ضدهم . وقد يتمثل التحكيم متعدد الأطراف فى صورة التعدد الأفقى خذ مثلا : مجموعة شركات تبرم عقدا مع إحدى الحكومات للتنقيب عن البترول أو قيام مجموعة
شركات بإبرام عقد مع عدة حكومات لتنفيذ مشروع ربط كهربائی بین دول تلك الحكومات وفى هذه الحالة الأخيرة نلحظ التعدد في كلا الجانبين .
«منذ عشرين عاما قال الأستاذ / ساندرز فى محاضرة له أن التحكيم التجارى الدولى يشبه الطائر الصغير ، يحاول أن يطير في الهواء ، ومن وقت لآخر يفشل في الرجوع إلى عشه ، لكن الطائر الصغير بالرغم من ذلك ينمو بسرعة ليطير بجناحيه فى سماء الدولية فى كثير من قضايا التحكيم الدولى ، فيتحرر التحكيم عندئذ من قيود القوانين الوطنية».
كما نفضل أيضا نظام التحكيم بالرغم من أن نظام التحكيم المنتشر على مستوى العالم والذى تهيمن عليه الكثير من المؤسسات . مثل غرفة التجارة الدولية بباريس ومحكمة تحكيم لندن وهيئة التحكيم الأمريكية . وهذا انعكاس لهيمنة دول العالم الأول على مقدرات التجارة الدولية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية، وما القضايا التى حدث فيها ظلم صارخ لدول العالم الثالث عنا ببعيدة .
ونفضل نظام التحكيم بالرغم من هذه الهيمنة والتي كانت مثار شكوى وضيق من جانب أقطاب رجال القانون في دول العالم الثالث ، بل إن هذه الهيمنة دعت البروفسور / Lalive إلى القول وذلك في مجلة الجمعية السويسرية للتحكيم ، المجلد الثالث سنة ۱۹۹۸ «إن أمركـــة التحكيم التجارى الدولى ناجمة عن رغبة المحامين الأمريكان المحمومة لكسب سوق الخدمة القانونية .
على أنه إذا كنا نفضل حل المنازعات ، سواء على الصعيد الداخلي أم الدولي عن طريق التحكيم للأسباب المشار إليها آنها ، فهل يمكن أن نقبل بأن يكون حكم التحكيم محصنا ضد كل طرق الطعن ، بالإضافة إلى دعوى البطلان ، وإذا كانت هناك عيوب فى حكم التحكيم واضحة وجوهرية ، فهل نحبذ عدم الاقتراب من حكم التحكيم والتغاضى عن تلك المثالب ، ونحتج بالمميزات المخلوعة على نظام التحكيم والغير موجودة في النظم القانونية الوطنية ، ونحتج أيضا بخطورة الرقابة على أحكام التحكيم ، لأنها مضيعة للجهد والوقت والمصاريف ؟.
نجيب على هذا السؤال ، بالقول بضرورة وجود رقابة قضائية على محتجين بأنه مادام الأطراف قد اختاروا طريق التحكيم فهذا يعنى استبعاد اللجوء إلى القضاء العادي للرجوع على حكم التحكيم .
وإذا كنا نقبل فكرة وجود رقابة على أحكام التحكيم ، فإننا لا نقبل الإفراط فى وجود تلك الرقابة ، وذلك بالطعن على أحكام التحكيم ، أو حتى الرجوع عليها بدعوى البطلان ، بذات وكل الأسباب التي يطعن بها على أحكام القضاء ، بل يجب أن تكون هذه الأسباب واضحة ومحددة على سبيل الحصر بحيث لا تصير المحكمة المنظور أمامها دعوى البطلان محكمة استئناف ، وبالتالي لا تتطرق مطلقا للنظر في موضوع النزاع ، أو تعييب ما قضى به حكم التحكيم فى شأنه، فلا يمتد إلى مراجعة الحكم ، وتقدير مدى ملاءمته ، أو مراقبة حسن تقدير المحكمين ، وصواب أو خطأ اجتهادهم، سواء فى فهم الواقع وتكييفه أم فى تفسير القانون وتطبيقه . لأنه لو فتح الباب على مصراعيه لكى يطعن على أحكام التحكيم، بذات وكل الأسباب التي يطعن بها على أحكام القضاء العادى ، نكون قد جردنا التحكيم من المميزات المخلوعة عليه ، وساعدنا بالتالي على عرقلة الحكم في المنازعات أكثر من الالتجاء إلى القضاء الوطنى مباشرة . وهذا بلا شك ليس في صالح التجارة الدولية .
على أنه يجب أيضا الأخذ فى الاعتبار التفرقة بين التحكيمـات الوطنية والتحكميات الدولية ، التي تصدر في إقليم الدولة ، التي يجرى فيها التحكيم ، وأحكام التحكيم الدولية ، الصادرة فى الخارج .
أما عن مرحلة تنفيذ الحكم تلك المرحلة التي يحاول كل من المنفذ ضده شحذ أسلحته لكى يستخدمها عندما تسنح له فرصة ذلك ، فالأول يحاول الإسراع بخطى التنفيذ والثاني يحاول وضع العراقيل لكي يتعثر، وكل منهما ، قد يكون محقا فيما يزعم ، وقد يكون مخطئا أيضا ، وقد يكون محقا في جزء ومخطئا في الجزء الآخر ، فنرى المكر والدهاء والغفلة والسذاجة فى هذا الصراع الذى يعمل مشرع التحكيم على وضع قواعده وأسسه حتى لا يخرج أحدهما عما يقصده الشارع الذي لا يعمل على حمايتهما فقط ولكنه يحمى الغير أيضا . فإذا تبين لمشرع التحكيم وجود قصور ، أو ثغرات ، قد ينفذ منها الأطراف ، فإنه يعمل على معالجتها وسدها.
ولقد عمل مشرع التحكيم فى الكثير من النظم القانونية ، على أن يوفق بين مصالح المنفذ والمنفذ ضده، فلم يرتب على الطعن في حكم التحكيم - فى النظم القانونية التى تجيز ذلك ومنها القانون الإنجليزي بأى طريق من طرق الطعن وقف تنفيذه إلا إذا كان مشمولا بالنفاذ المعجل ، كما رتب هذه النتيجة أيضا فى النظم القانونية التى تجمع في الرجوع على أحكام التحكيم بين طرق الطعن ودعوى البطلان ومنها القانون الإنجليزي أيضا . وينطبق هذا أيضا على النظم القانونية التي تجعل الطريق الوحيد للرجوع على حكم التحكيم هو دعوى البطلان ومنها القانون المصرى والقانون الإيطالي . وإذا أراد المنفذ ضده وقف تنفيذ حكم التحكيم فليتقدم بطلب بذلك إلى المحكمة المختصة التى تكون لها سلطة تقديرية واسعة في هذا الصدد ، فإما أن ترفض طلبه إذا كان هناك ما يبرر ذلك ، وإما أن تأمر بوقف التنفيذ إذا توافرت شروطه ولها أن تأخذ الضمانات الكافية عندما تأمر بوقف التنفيذ .