وكان الخصوم أيضا يحتكمون إلى نظام المبارزة ، التي خفت وطأتها وبقيت الملجأ والمحل الأخير إذا لم يرض أحد الخصمين بنتيجة التحكيم من خلال الصور المشار إليها سابقا والاحتكار إلى المبارزة هو التجاء صريح إلى تحكيم القوة لفض النزاع ، ومن كان النصر حليفه كان الحق في جانبه . فالمبارزة كانت مجرد حرب بين طرفي النزاع .
ولما طال أمد الانتظار ، اتفق كل من ملك روما تولوس وحكام ألبا على اختيار ستة من أبطال الجيشين، وهم أخوة ثلاثة من الرومان ومثلهم من ألبا ، وتم تكليفهم بالقتال نيابة عن جيش المدينتين ، على أن يعد انتصار أحد الفريقين في القتال نصرا لمدينته التي يمثلها ، وقد وقع القتال بالفعل ، واستولت روما على مدينة ألبا ، بفضل انتصار أبطالها على أبطال ألبا . وجدير بالذكر في هذا المقام ، أن للشاعر الفرنسى المشهور / كونى ، مسرحية تسمى هويس ، يحكى موضوعها ، حول هذه المبارزة ، التي وقعت ، بين الأخوة الرومان الثلاثة، والأخوة الثلاثة ، أبطال ألبا .
وهناك العديد من صور التحكيم عند العرب قبل الإسلام ، مثل الكهانة وأبرز مثال عليها حادثة هند بنت عتبه حينما اتهمها زوجها الفاكه بن المغيرة بالزنا مع رجل شاهده في مكان الضيافة ببيته واحتكموا إلى أحد كهنة اليمن ، والتطير ومفاده إذا عزم أحدهم على السفر مثلا أتى بطائر وحبسه ثم أطلقه فإذا طار إلى ناحية معينة سافر وإذا طار إلى ناحية أخرى قعد ، والأزلام وهى قداح مكتوب عليها عدة أمور ثم يجيلونها ويحكم بمقتضاها ، والمنافرة وهى التنافس بين المتحاكمين في النسب والخصال وقد اشتهر العديد من المحكمين العرب فى هذا الصدد ، وقد كان سيدنا أبو
بكر الصديق رضي الله عنه من هؤلاء قبل إسلامه . وجدير بالتنويه أن أشهر موضوع تحكيم حدث قبيل البعثة المحمدية هو تحكيم الرسول ﷺ في وضع الحجر الأسود.
