يعيش العالم منذ أكثر من عام على وقع شبح جائحة (كوفيد -19)، إذ يعـد هـذا الوضـع إستثنائياً وخطيراً من مختلف الجوانب بسبب ما رتبه من آثار وخيمة على المستوى الـصـحي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي كذلك، فكما هو معروف أثارت مخاطر الأوبئة والأمـراض عبر العصور الكثير من الأسئلة والإشكاليات، وهو نفس النقـاش الـذي تطرحـه الآن جائحـة كوفيد-19 بإعتبارها وباءاً عالمياً، أثر بشكل مباشر على المعاملات الدولية، حيث فرض علـى الدول إتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير الإحترازية، كالعزل والحجر الصحي والتباعـد الجسدي، وغلق الحدود البحرية والبرية وتعليق الرحلات الجوية والإغلاق الجزئـي أو الكل للعديد من المنشآت الاقتصادية، مما انعكس سلباً على الإقتصاد العالمي الذي دخل في حالة ركود وانكماش مفاجئ، وبالتالي ظهور بوادر أزمة اقتصادية عالمية غير متوقعة.
وقد أملت علينا إشتراطات التباعد الجسدي والعزل الصحي أن نمـارس أنـشطتنا اليوميـة عن بعد كالعمل والدراسة والتسوق وإمتد ذلك لعقد إجتماعـات ولقـاءات إفتراضـية بالـصوت والصورة عبر شبكة الإنترنت مما ساعد على التغلب على قيود التنقل والسفر من خـلال تفعيـل تطبيقات برامج مؤتمرات الفيديو كونفرنس بطريقة آمنة وموثوق بها.
ولم يكن التحكيم – الداخلي أو الدولي – بمعزل عن إستخدام تلك التطبيقات الإلكترونية بـل تبين أنه كان في أشد الحاجة إليها بهدف إستمرار عمل هيئات التحكـيم فـي نظـر الـدعاوى المطروحة أمامها ولتسهيل أداء مراكز التحكيم لعملها وتقديم خدمات تسجيل الـدعاوى وإسـتلام وتبادل المذكرات وتشكيل هيئات التحكيم وعقد جلسات التحكيم وإصدار الأحكام تباعاً.
وقد أتجه التفكير سريعاً نحو الإستفادة من الإمكانات التي تتيحها شبكة الإنترنـت والوسـائل الإلكترونية السمعية والبصرية الحديثة التي يمكن إستخدام وسائطها في مجال التحكيم بشكل آمـن وفعال لإيجاد حلول لتخطي هذه الفترة العسيرة والتغلب على بعض التحديات التي فرضتها الجائحة.
وإذا كان التحكيم الإلكتروني قد لاقى نجاحاً إلى حد كبير مستفيداً من المزايا التـي تحققهـا التكنولوجيا في عالمنا المعاصر خاصة سرعة الفصل في النزاع، وقلة التكاليف وأصبح له إطاراً تنظيمياً معاصراً في الكثير من الدول خاصة بالنسبة للفصل في الخلافات التي تنشأ عـن تنفيـذ عقود التجارة الإلكترونية.
والحقيقة أن ظهور التحكيم الإلكتروني، الذي تتم كامل إجراءاته عبـر شـبكة الاتصالات الدولية ودون الحاجة إلى التواجد المادي لأطراف النزاع والمحكمين في مكان معين، كان نتيجة طبيعية لظهور شبكة الإنترنت كوسيلة رئيسية لإبرام العديد من العقود والصفقات التجارية. وقـد تمكنت التجارة الإلكترونية من إيجاد تنظيم قانوني لها على المستوى الوطني في صورة قـوانين للمعاملات الإلكترونية في العديد من الدولة، أو في صورة تعديل لأحكام القانون المـدنـي فـي بعض الدول لتتماشى نصوصه مع طبيعة وخصوصية التجارة الإلكترونيـة. أو تنظيمـاً علـى المستوى الدولي في صورة اتفاقيات دولية وتوجيهات أوروبية.
إلا أن التطورات السريعة التي عمت معظـم دول الـعـالـم مـؤخراً وظـروف الإغـلاق القسرية التي فرضها انتشار جائحة كوفيد-19 جعل الشركات تبحث عن إيجاد وسائل للتواصـل الأمن لضمان استمرار علاقاتها مع عملائها بسهولة ويسر وتقديم خـدماتها وفقـا للإمكانيـات المتاحة.
كذلك حين أجتاح وباء كوفيد-19 دول العالم دون إستثناء وتوقفت بالتالي مظـاهر الحيـاة الطبيعية بسبب الزيادة المطردة في عدد الإصابات والوفايات وإلغاء العديد من المؤتمرات الدولية والملتقيات الأقتصادية واللقاءات الرياضية والعروض الفنية، تبادر إلى الذهن مصير الكثير مـن العقود المبرمة التي تواجه صعوبات بالغة في التنفيذ والبحث عن التكييف القانوني الصحيح لهذه الجائحة ما بين القوة القاهرة أو الظرف الطارئ والتي قد ينتج عنها لجوء أحد أطراف العقـد إلى القضاء أو إلى التحكيم للبت في الخلاف.
كما أعلنت مراكز التحكيم في بداية إنتشار فيروس كوفيد-19 عن بعض القرارات الخاصة بالعمل عن بعد وطمأنت أطراف الدعاوى التحكيمية القائمة أمامها بإستمرار السير في الإجراءات وفقا للجداول الزمنية المحددة سلفاً.
وبشكل معاصر لإزدياد التدابير الإحترازية المطبقة، أصدرت العديد من مؤسسات ومراكـز التحكيم توجيهات أو ما أطلق عليه "بروتوكولات" بشأن التدابير التي يمكن إتخاذها لإستمرار نظر الدعاوى التحكيمية وللتخفيف من آثار جائحة فيروس كوفيد-19 مثل "بروتوكول ســـول" بـشأن إستخدام تطبيق الفيديو كونفرنس في التحكيم الدولي وغيره بهدف وضـع دليـل يبـين أفـضـل الممارسات للتخطيط وتنظيم وإدارة الجلسات المرئية في التحكيم الدولي .
وما من شك أن هذه الجائحة قد شكلت العديد من التحديات أمام إستمرار مراكز التحكيم في أداء مهمتها وخاصة مساندة ودعم هيئات التحكيم وإمدادها بالإرشادات في إيجـاد سـبل بديلـة لإجراءات التحكيم التقليدية وعقد الجلسات دون الحضور الشخـصي للأطـراف أو ممثلـيهم أو وكلائهم وأعضاء هيئة التحكيم بجانب الشهود والخبراء بهدف إقتصاد الوقـت وتقليـل النفقـات والحفاظ على مصالح الأطراف.
وقد جاءت التحديات من نوعين أحدهما تحديات قانونية تتمثل في غياب نصوص قانونية سواء في تشريعات التحكيم الوطنية أو في لوائح التحكيم المطبقة في المراكز المؤسسية للتحكيم تـصرح لهيئات التحكيم بعقد جلسة تحكيم مرئية بشكل يتقارب مع تلك التي تعقد وجهاً لوجه، خاصـة وأن هذه التشريعات تكرس مبدأ حرية الأطراف في تحديد الإجراءات المطبقة وأن معارضـة أي مـن الطرفين لعقد جلسة مرئية قد تمنع هيئة التحكيم عن الإقدام على هذا الإجراء والنوع الآخـر مـن التحديات الفنية التي قد تواجه الأطراف وهيئة التحكيم فيما يخص ضرورة معرفة جميع المشاركين بالتقنيات الحديثة في إستخدام منصات التواصل وكيفية إستعراض الأدلة المقدمة وضرورة المحافظة على السرية خلال الجلسات عن بعد والحماية من إختراق الغير لهذه المنصات وكيفيـة اسـتجواب الشهود مرئياً على وجه الخصوص وصاحب ذلك بعض التخوف من أن هذه الوسائل التكنولوجيـة قد لا توفر الضمانات الأساسية للتقاضي خاصة في احترام مبدأ المواجهة أو توفير المعاملة العادلة للطرفين والتي تمثل خطراً في حالة الإدعاء ببطلان أحكام التحكيم الصادرة.
أهمية البحث:
وتتمثل أهمية هذا البحث في السعي لتسليط الضوء على مشروعية إجراء جلسات التحكـيم عن بعد، وكيفية توفير الضمانات التقنية والقانونية في مراحلها المختلفة، والتي مـن شـأنها أن تحدث تغييراً جذرياً في نظام التحكيم لا سيما أن إعتماد تقنيات الاتصال المرئي والمسموع سيسهم بشكل واضح في تقليل النفقات والأعباء المادية على أطراف الدعوى.
إشكالية البحث:
حيث أن هذا البحث يطرح مجموعة من الأسئلة:
- هل يوجد في القانون الإجرائي المطبق بمكان التحكيم نصاً يسمح لهيئـة التحكـيم عقـد الجلسات عن طريق الفيديو كونفرنس أو الهاتف أو وسائل الإتصالات المماثلة إذا كـان الحضور الشخصي للجلسة غير ممكن أو غير متاح؟
- هل يوجد في القواعد الإجرائية لمركز التحكيم نصاً يجيز يسمح لهيئـة التحكـيم عقـد الجلسات عن طريق الفيديو كونفرنس أو الهاتف أو وسائل الإتصالات المماثلة في حالـة غياب أي نص تشريعي؟
- ما موقف هيئة التحكيم في حالة غياب تام لأي نصوص تنظيمية بشأن إجراء الجلسات في مثل الظروف القائمة؟
- هل تملك هيئة التحكيم سلطة تقرير عقد الجلسات عن بعد بنفسها دون التشاور مع الأطراف؟
- هل يجوز لهيئة التحكيم – بعد التشاور مع الأطراف – الإتفاق على تحويـل الحـضور الشخصي إلى حضور عن بعد بإستخدام الوسائل التكنولوجية الحديثة؟
- هل يملك الأطراف أو أحدهما على الأقل حق معارضة عقد الجلسة عن بعـد إذا كانـت مشارطة التحكيم وثيقة التحكيم لم تشر إلى أي طريقة أخرى؟
تقسیم:
وبناءا على ما سبق، تم تقسيم البحث إلى مطلبين، نستعرض في المطلب الأول كيفية تحديد وتنظيم إجراءات التحكيم بين سلطان إرادة الأطراف من ناحية أولى وسلطة هيئة التحكـيـم مـن ناحية ثانية والمنهجية المقترحة لإيجاد الحلول الصحيحة، ونستعرض في المطلب الثاني التنظـي المقترح لعقد الجلسات عن بعد وما تحتويه أغلبية البروتوكولات الصادرة في هذا الشأن وكيفيـة التغلب على بعض الصعوبات التي قد تعتري حسن سير الإجراءات وكيفية تحصين أحكام التحكيم ضد البطلان في حال إدعاء أحد الأطراف بإنتهاك الضمانات الأساسية في التقاضي نتيجة لذلك .
وفي الختام، نقترح بعض التوصيات بهدف إضفاء المزيد من الثقة في التحكـيـم عـن بعـد والتوسع في استخدام تطبيقات التواصل المرئي شريطة توفير كافة الضمانات القانونية والإجرائية لها.
المطلب الأول: تنظيم إجراءات التحكيم بين سلطان إرادة الأطراف وسلطة هيئـة التحكيم:
يقصد بإجراءات التحكيم مجموعة الأعمال الإجرائية المتتابعة التي تقوم بها هيئـة التحكـيم بشكل منتظم مثل دعوة الأطراف لتقديم مذكراتهم المشفوعة بمستنداتهم الثبوتية وفقاً لجدول زمني محدد وإدارة الجلسات والنظر في طلبات الأطراف وتعيين خبير - إذا لزم الأمـر - للإدلاء بالرأي في مسألة فنية وغير ذلك من الأمور، وتتميز تلك الإجراءات مقارنة بمثيلاتهـا المطبقـة أمام قضاء الدولة بالمرونة وبأساسها الاتفاقي حيث أن للأطراف حرية الإتفـاق علـى القواعـد الإجرائية الواجب إتباعها والأسلوب الذي تتبعه هيئة التحكيم في تسيير إجـراءات التحكـيم - إنطلاقاً من مبدأ سلطان الإرادة وإعتباراً أن هيئة التحكـيـم تـستمد سـلطتها مـن تلـك الإرادة المشتركة – وذلك رهناً بالأحكام الإلزامية والقواعد الآمرة المنصوص عليها في قانون التحكـيم المطبق في مكان التحكيم.
كما تتسم الاستقلالية الذاتية للأطراف في تحديد القواعد الإجرائية إما بأنفسهم كما هو الحال في التحكيم الحر أو غير المؤسسي حيث يسمح للأطراف إختيار الإجـراءات وفقـاً لرغبـاتهم واحتياجاتهم الخاصة. وإما بالإحالة إلى قواعد التحكيم لأي مؤسسة أو مركـز تحكـيم لتنظــيم إجراءات التحكيم .
وأما في حالة غياب الإتفاق بين الأطراف على تلك الإجراءات، تبادر التشريعات ولـو مراكز التحكيم إلى تمتع هيئة التحكيم عندئذ بسلطة تقديرية في إتخاذ الإجراءات وتنظيم السير في الدعوى وفقا لما تراه مناسبا.
كذلك من الثابت أن سلطات هيئة التحكيم تستمد من المصدر الوحيـد المتمثـل فـي إرادة الأطراف، وهذا ما يخلق نوعاً من التلازم والإرتباط بين إرادة الأطراف من ناحية أولى وسلطات هيئة التحكيم من جهة ثانية، حيث تتسع هذه السلطات وتضيق وفقا لإرادة الأطراف المشتركة.
وننوه في هذا الصدد أن حدوث هذه الجائحة والآثار المترتبة عليها لم تكن حاضرة في ذهن الأطراف عند بدء الإجراءات ولذلك نادرا ما كان هناك تنظيم دقيق لكيفية عقد الجلسات أو إجازة إستخدام منصات تواصل إلكترونية حيث لم تكن هناك قيود على السفر أو قواعد للتباعد جعلـت الكثير في حيرة من أمرهم. لذلك كان الأمر مرتبطاً بالبحث عن أي نص صريح أو إشـارة مـا تمكن هيئة التحكيم من الإستناد إليها لتقرير عقد الجلسة دون تـأخير بطريقـة مرئيـة تـحـاكي الحضور الشخصي. فالبحث يبدأ من خلال النصوص الخاصة بإجراءات التحكيم (قانون مـستقل بالتحكيم أو مواد ضمن قانون المرافعات بحسب الدولة التي يتم فيها التحكيم) ثـم مـن خـلال النصوص الإجرائية لمركز التحكيم التي عادة تحتوي على الكثير من القواعد التفصيلية، فـإذا عجزت هذة القواعد وتلك النصوص عن توفير السند القانوني، أصبح لزاماً لهيئـة التحكـيم أن تستخدم سلطتها التقديرية مراعية احترام مبدأ العدالة بين الخصوم.
وعليه يتبين لنا أن هناك إرتباط وثيق في إستبيان كل من نصوص القانون الإجرائي المطبق في مكان التحكيم وقواعد التحكيم المؤسسية لتحديد سلطة هيئة التحكيم في تقرير عقد جلسة عـن بعد.
أولا- موقف القوانين الإجرائية المطبقة في مكان التحكيم:
حيث أن نصوص القانون النموذجي للتحكيم الصادر عن الأونسترال لم تشر إلى أي بـدائل للحضور الشخصي للجلسات أو لجواز استخدام وسائل الإتصال السمعية والبصرية.
فالمادة 19 (تحديد قواعد الإجراءات) من قانون الأونسترال النموذجي للتحكـیم التجـاري الدولي لعام 1985 مع التعديلات التي إعتمدت في عام 2006 تنص:
1- مع مراعاة أحكام هذا القانون، يكون للطرفين حرية الاتفاق على الإجراءات التي يتعين على هيئة التحكيم إتباعها لدى السير في التحكيم.
2- فإذا لم يكن هناك مثل هـذا الإتفـاق، كـان لهيئـة التحكـيم، مـع مراعـاة أحكـام هذا القانون، أن تسير في التحكيم بالكيفية التـي تراهـا مناسـبة، وتشتمل السلطة المخولة لهيئة التحكيم البت في مقبولية الأدلة المقدمة وصـلتها بالموضـوع وجـدواها وأهميتها.
وعلى هذا الأساس الذي يمنح للطرفين حرية الاتفاق على الإجراءات التي يتعين على هيئة التحكيم إتباعها لدى السير في التحكيم ودون أي عبارة أو إشارة لإستخدام وسـائل الإتـصـال الإلكترونية في تلك الإجراءات، جاءت نصوص متطابقة15 كالقانون البحريني رقم 9 لسنة 2015 أو مشابهة في كل من:
- المادة 19 من القانون القطري للتحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر في 2017:
1- مع مراعاة أحكام هذا القانون، للأطراف الإتفاق على إجراءات التحكيم، بما فـي ذلـك قواعد الإثبات، التي يتعين على هيئة التحكيم إتباعها، ويكون لهم الحق في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي مؤسسة أو مركز تحكيم في الدولة أو خارجها.
2- يجوز لهيئة التحكيم، مع مراعاة أحكام هذا القانون، أن تطبق الإجراءات التي تراهـا مناسبة، بما في ذلك سلطتها في قبول الأدلة المقدمة وتقدير مـدى صـلتها بموضـوع النزاع وجدواها وأهميتها، ما لم يكن هناك اتفاق بين الأطراف على تحديـد إجـراءات التحكيم وفقا للبند السابق من هذه المادة.
وكذلك المادة 25 من النظام السعودي للتحكيم الصادر بالمرسوم الملكي رقم م /34 بتاريخ 1433/5/24 هجريا،
1- لطرفي التحكيم الاتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم، بما في ذلك حقهما في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منظمة، أو هيئة، أو مركز تحكـيم فـي المملكة أو خارجها، بشرط عدم مخالفتها لأحكام الشريعة الإسلامية.
2- إذا لم يوجد مثل هذا الاتفاق كان لهيئة التحكيم ـ مع مراعاة أحكام الشريعة الإسلامية، وأحكام هذا النظام ـ أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة.
والمادة 23 من القانون الإتحادي الإماراتي رقم 6 لسنة 2018 بشأن التحكيم 2018،
1- مع مراعاة المادة 2/10 من هذا القانون للأطراف الإتفاق على الإجراءات التي يتعـين على هيئة التحكيم إتباعها للسير في التحكيم بما في ذلك إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أية منظمة أو مؤسسة تحكيم في الدولة أو خارجها.
2- إذا لم يوجد اتفاق على اتباع إجراءات معينة، كان لهيئة التحكيم أن تحـدد الإجـراءات التي تراها مناسبة وذلك مع مراعاة أحكام هذا القانون وبما لا يتعارض مـع المبـادئ الأساسية في التقاضي والإتفاقيات الدولية التي تكون الدولة طرفا فيها.
والمادة 25 من القانون المصري للتحكيم في المواد المدنية والتجارية الصادر بالقـانون رقم 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية،
لطرفي التحكيم الإتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم بما في ذلك حقهمـا فـي إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منظمة أو مركز تحكيم في جمهورية مـصر العربية أو خارجها فإذا لم يوجد مثل هذا الإتفاق كان لهيئة التحكيم مع مراعاة أحكام هـذا القانون أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة.
والمادة 25 من القانون العماني للتحكيم الصادر بالمرسوم السلطاني رقم 47/97 بإصـدار قانون التحكيم في المنازعات المدنية والتجارية 1997، التي نصت:
" لطرفي التحكيم الإتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم بما في ذلك حقهمـا فـي إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منظمة أو مركز تحكيم في سلطنة عمـان أو خارجها فإذا لم يوجد مثل هذا الإتفاق كان لهيئة التحكيم مع مراعاة أحكام هذا القانون أن تختار إجراءات التحكيم التي تراها مناسبة".
وجاء القانون الأردني للتحكيم الصادر فـي 2001 والمعـدل فـي 2018 حيـث نـصت المادة 24:
أ. لطرفي التحكيم الإتفاق على الاجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم وترتيب ادوار الطرفين في تقديم اللوائح والبينات والمرافعات ووسائل تقديم تلك البينات، كما يجـوز للطـرفين الإحالة الى القواعد المتبعة لهذه الغاية لدى أي مركز تحكيم داخل المملكة أو خارجها.
ب. على هيئة التحكيم أن تصدر قراراً إجرائياً تحدد بموجبه إجـراءات التحكيم الواجـب إتباعها بما في ذلك البرنامج الزمني للتحكيم والمسائل الواردة في الفقرة السابقة وذلـك مع مراعاة أي اتفـاق للطرفين بهذا الشأن.
نخلص مما سبق، أن هناك غياب تام لأي نص يبيح أو يحظر أو يشير إلى إستخدام وسـائل الإتصال الحديثة وأن كل تشريعات التحكيم المذكورة سارت على نفس المبدأ بإعتبار أن الأصـل هو إتفاق الأطراف على إجراءات التحكيم، ويشمل ذلك إمكانية إتفاقهم على سـريان قواعـد أي مؤسسة أو مركز تحكيم في الدولة أو خارجها، وأن يترك لهيئة التحكيم – في حالة غياب إتفـاق الأطراف- سلطة تطبيق الإجراءات التي تراها مناسبة، شريطة – كما هو الحـال فـي قـانون التحكيم السعودي - ألا تخالف هذه الإجراءات أحكام الشريعة الإسلامية.
ثانياً- موقف قواعد التحكيم المؤسسية التي يتم التحكيم وفقا لإجراءاتها:
وكان لزاماً – ووفقاً لتطبيق قاعدة إرادة الأطراف في تنظيم إجراءات التحكيم – أن نبحـث عن مدى وجود أي نصوص في لوائح مراكز التحكيم العالمية أو العربية التي قد تعطى إشـارة واضحة لقبول الأطراف إستخدام الوسائل التكنولوجية، إلا أنه أتضح لنا أن بعض مراكز التحكيم العالمية التي عدلت قواعدها مؤخراً قد تنبهت لأهمية إدراج قواعد تفصيلية تسمح لهيئة التحكـيم بعقد الجلسات دون التواجد المادي للأطراف ونضرب مثالين هما كالتالي:
أ- قواعد تحكيم محكمة لندن للتحكيم التجاري LCIA حيث أن الفقرة 2 من المادة 19 قررت:
19.2 تنظم هيئة التحكيم مسبقاً وبالتشاور مع الأطراف إجـراءات جلـسة الاستماع. ويكون لهيئة التحكيم السلطة الكاملة بموجب اتفاق التحكيم فـي تنظـيـم ســر جلـسة الإستماع، بما في ذلك تحديد تاريخها ومدتها وشكلها ومحتواهـا وإجراءاتهـا ومـدتها الزمنية ومكان إنعقادها (في حالة إنطباقه). فيما يتعلق بالشكل الذي سوف تنعقـد فيـه الجلسة، قد تتم بالحضور الشخصي، أو عن بعد بطريق تنظيم مكالمة جماعية أو فيديو كونفرانس أو بإستخدام تقنية إتصالات أخرى مع مشاركين متواجدين في أماكن جغرافية مختلفة (أو بشكل مشترك). وفيما يتعلق بالمحتوى، يجوز لهيئة التحكيم أن تطلب مـن الأطراف طرح أسئلة أو قضايا محددة متصلة بالنزاع. كما يجوز لهيئة التحكيم أيضاً أن تحدد نطاق الأسئلة أو المسائل المطروحة.
وجاء في متن الملاحظات الإرشادية الموجهة للمحكمين LCIA بأنه:
"قد يكون من المناسب، في بعض الحالات أن تعقد جلسات إستماع معينـة (مثـل الجلـسة الإجرائية الأولى) الإجرائية عبر الهاتف أو عن طريق الفيديو كونفرنس، ولـيس بطريـق الحضور الشخصي، كما يجب على هيئة التحكيم أن تقرر، عند الاقتضاء، فيما إذا كان يجب على بعض أو كل الأشخاص الواجب إشتراكهم في حضور أي اجتماع أو جلسة استماع بأن يتم ذلك عن طريق الفيديوكونفرنس وليس بالحضور الشخصي (مثل عدم قدرة أحد الـشهود على السفر بسبب مشاكل صحية).
ب- وكذلك قواعد التحكيم لمركز طوكيو للتحكيم التجاري الـدولي 25JCAA: حيث نصت المادة 50 فقرة 3:
"حالة (قررت هيئة التحكيم) عقد جلسات الاستماع، يجب على هيئة التحكيم اختيار الوسائل المناسبة لعقد جلسة الاستماع، بما في ذلك عن طريق الفيـديـو كـونفرنس أو طرق أخرى.
في في إدارة الجلسة التمهيدية للتحكيم عن بعد:
من الملاحظ أن بعض مراكز التحكيم الدولية مثل محكمة التحكيم التابعـة لغرفـة التجـارة الدولية ICC قد أشارت في قواعدها المعدلة الصادرة في 2021 إلى استخدام الوسائل الحديثـة في الجلسة التمهيدية للتحكيم (أو مـا يـسمى "جلـسة إدارة الـدعوى" Case Management Conference) أو بشأن إجراءات "التحكيم المعجل" للمطالبات الصغيرة إختصاراً للوقت أو في حالة ما إذا تم تعيين "محكم الطوارئ" في حالات الضرورة والإستعجال.
كذلك فإن مراكز التحكيم التي إستلهمت قواعدها من تلك التي أعدتها الأونسترال سارت على نهجها في شأن إستجواب الشهود دون باقي ترتيبات الجلسة فصرحت في الفقرة الرابعة من المادة 28 أنه يجوز لهيئة التحكيم أن توعز باستجواب الشهود، بمن فيهم الشهود الخبراء، مـن خـلال وسائل إتصال لا تتطلب حضورهم شخصياً في جلسة الإستماع (مثـل التـداول بالإتـصـالات المرئية).
وفي حقيقة الأمر، سارت الغالبية العظمى لقواعد التحكيم الصادرة من المراكز العربية نفس مسار قوانين التحكيم فيما عدا بعض الإستثناءات، بإعتبار أن الحضور الشخصي هـو الأصـل بالنسبة لأطراف النزاع. فالغالبية العظمى من قواعد مراكز التحكيم ظلت ساكنة صامتة تماماً إمكانية قبول أن تعقد الجلسات الرئيسية باستخدام أي من وسائل الإتصالات الحديثة بطريقة نقـل الصوت والصورة المتزامن مع باقي المشاركين.
من ففي لائحة التحكيم الخاصة بمركز دبي للتحكيم الدولي DIAC، نجد المادة (28) "جلـسات السماع" التي تنص:
1- بناءاً على طلب أحد الأطراف، تعقد الهيئة جلسة سماع لتقديم البينات من خلال الشهود، بمن فيهم شهود الخبرة، أو لعقد جلسة مناقشة شفوية، أو لكليهما. وفي غياب مثل هـذا الطلب، تقرر الهيئة ما إذا كانت ستعقد مثل تلك الجلسة أو الجلسات أم لا، وأن تحـدد المدد الزمنية لعقدها. وإذا لم يتم عقد جلسات استماع، يستمر السير فـي الإجـراءات وذلك فقط على أساس المستندات وأية مواد أخرى تم تقديمها.
بينما المادة 16 (إدارة التحكيم) لقواعد التحكيم المطبقة لدى مركز القاهرة الإقليمي للتحكـيم التجاري الدولي تشير إلى أنه:
1-16 لهيئة التحكيم إدارة التحكيم بأي طريقة تراها مناسبة ضمن ضوابط هذه القواعد، بما في ذلك اتخاذ القرارات في مسائل أولية وفصل التحكيم إلى أكثر من جزء، شرط أن يعامل الأطراف بعدالة ويعطى كل طرف الفرصة لسماع أقواله وعرض قضيته.
2-16 على هيئة التحكيم إدارة التحكيم بشكل يسرع الفصل في النزاع، متفادية أي تأخير أو نفقات غير ضروريين.
3-16 يجب على هيئة التحكيم بعد تعيينها ومن دون إبطاء عقد اجتماع أولي مع الأطراف حضوريا أو عن طريق التواصل عبر الفيديو أو عبر الهاتف بغرض تنظيم وجدولة والإتفاق على إجراءات السير في التحكيم بما في ذلك تحديد المدد لتقديم أي مذكرات من الأطراف. وللهيئة وللأطراف، عند تحديد الإجراءات للقضية، الأخـذ بعـين الإعتبار كيف يمكن استعمال وسـائل التكنولوجيـا، بمـا فـي ذلـك الاتصالات الإلكترونية، لجعل الإجراءات أكثر فعالية واقتصادا.
وقد أشار مركز القاهرة الأقليمي للتحكيم التجاري الدولي على موقعـه الإلكترونـي تحـت عنوان (ضوابط عقد الجلسات والاجتماعات بالمركز): بأنه يسترعي انتباه هيئات التحكـيم إلـى النصوص التالية في قواعد التحكيم، ويوصي بتطبيقها في الظروف الحالية وذلك حسبما يتـراءى لهيئات التحكيم وفقا لسلطتها التقديرية:
1- تنص المادة 17-3 من القواعد على ما يلي: "تعقد هيئة التحكيم، بناء على طلب يقدمـه أي طرف في مرحلة مناسبة من الإجراءات، جلسات مرافعة لسماع شهادة الشهود، بمن ذلك الشهود الخبراء، أو لسماع المرافعات الشفهية، فإذا لم يتقدم أي طرف بمثل هذا في الطلب، فإن هيئة التحكيم تقرر ما إذا كان من الأوفق عقد الجلسات أو الـسير فـي الإجراءات على أساس المذكرات وغيرها من المستندات".
2- تنص المادة 28-4 من القواعد على ما يلي: "لهيئة التحكيم أن تأمر بمناقشة الشهود بمن في ذلك الشهود الخبراء بواسطة وسائل الاتصال التي لا تتطلب حضورهم شخصياً في جلسة المرافعة (ومنها على سبيل المثال الفيديو كونفرنس).
كما أكد المركز على انعقاد عدد كبير من الجلسات الإفتراضية عن بعد من خلال الوسـائل الإلكترونية والمنصات الإفتراضية (مثل تطبيقات Zoom و Webex و Microsoft Teams) وفر لها المركز المساعدة الفنية والتقنية اللازمة. وتعلقت هذه الجلسات بقضايا تحكـيـم مؤسـسي وفقا لقواعد المركز، وبقضايا تحكيم مؤسسي وفقا لقواعد مؤسسات تحكيميـة أخـرى، وأيـضاً بقضايا تحكيم حر. ويوصي المركز مستخدميه بالاستمرار في عقد الجلسات عن بعد خلال هـذه الأوقات الصعبة.
أما المركز السعودي للتحكيم التجاري قد نص في المادة 20. 2 مـن قواعـد التحكـيم الصادرة في عام 2016 (1437 هـ) بأن:
"...... للهيئة لدى إعتماد إجراءات الدعوى النظر في كيفية إستخدام الوسائل التقنية، بمـ في ذلك الإتصالات الإلكترونية".
وأما قواعد التحكيم لمركز عمان للتحكيم التجاري الصادرة في عام 2020: المـادة 22-2 (مقر التحكيم) تنص:
يجوز لهيئة التحكيم، بعد التشاور مع الأطراف، أن تعقد جلسات استماع و/أو اجتماعات في مقر تراه مناسباً، شخصياً، أو عبر وسائل الإتصال الإلكترونية، بما في ذلك المؤتمرات عبر الهاتف أو الفيديو ....".
والمادة 30-1 (جلسات الإستماع) تنص: بناء على طلب أحد الأطراف، تعقد هيئة التحكـيم جلسة أو جلسات استماع لتقديم البينات أو للمرافعة الشفوية، أو لكليهما، وفي غيـاب هـذا الطلب، لهيئة التحكيم السلطة التقديرية في تحديد ما إذا كانـت سـتعقد تلـك الجلـسة، أو الجلسات، ولها كذلك تحديد ما إذا كانت ستعقد تلك الجلسة أو الجلسات شخصياً، وسائل الإتصال الإلكترونية، وتاريخ عقدها، والمدد الزمنية لعقدها ....".
والمادة 16 "إدارة التحكيم" من قواعد التحكيم لغرفة البحرين لتسوية المنازعات الصادرة سنة 2017 تنص:
3-16 يجب على هيئة التحكيم بعد تعيينها ومن دون إبطاء عقد اجتماع أولي مع الأطراف حضوريا أو عن طريق التواصل عبر الفيديو أو عبر الهاتف بغرض تنظيم وجدولة والاتفاق على إجراءات السير في التحكيم بما في ذلك تحديد المدد لتقديم أي مذكرات من الأطراف. وللهيئة وللأطراف، عند تحديد الإجراءات للقضية، الأخـذ بعـين الإعتبار كيف يمكن استعمال وسائل التكنولوجيا، بما في ذلك الاتصالات الإلكترونية، لجعل الإجراءات أكثر فعالية واقتصادا.
والمادة 18 "إدارة التحكيم" من قواعد التحكيم لمركز قطر الدولي للتوفيق والتحكيم تنص:
7-18: تمارس هيئة التحكيم، في إطار استخدامها لسلطتها التقديرية، إجراءات التحكيم على نحو فعال بما يكفل تجنب التأخير والنفقات غير الضرورية التي من شأنها أن تزيد من مصاريف التحكيم دون مبرر.
ثالثا- المنهجية المقترحة:
لقد أختلفت الآراء في كيفية إستنباط الحل القانوني الصحيح لتحديد مدى تمتع هيئة التحكـيم بسلطة الأمر بعقد جلسة إستماع عن بعد حال سكوت النصوص القانونية أو القواعد المؤسسية عن تنظيم ذلك.
فذهب رأي أول إلى القول بأنه لا يجوز لهيئة التحكيم الأمر بعقد الجلسة مرئياً أو عن بعـد إلا بإتفاق جميع الأطراف استناداً إلى أن هيئة التحكيم تستمد جميع سلطاتها من الإرادة المشتركة للطرفين وأن هذه الإرادة المشتركة هي التي تحدد شكل الإجراءات والكيفية الواجب اتباعها، بينما ذهب رأي ثان إلى القول بأن لهيئة التحكيم سلطة مطلقة في تحديد وتقرير الشكل الذي يـتـم فيـه عقد الجلسات إنطلاقاً من القاعدة التي تسمح لهيئة التحكيم بأن تسير التحكيم على النحو الذي تراه مناسباً وأن من واجبات هيئة التحكيم السير في الإجـراءات لــدى ممارســـــــتها صـلاحيتها التقديرية، على نحو يتفادي الإبطـاء والمصروفات أو أية أعباء مالية أخرى بـلا داع.
إلا أنه ما بين تبني الرأي الأول أو الثاني فيما إذا كان لهيئة التحكيم – بهدف الـسير الإجراءات بدلاً من تعليقها له- سلطة تقرير عقد الجلسة عن بعد، ظهر مؤخراً رأي ثالث يتبـع منهجية من خلال طرح مجموعة من الأسئلة المرتبطة بكل من القانون الإجرائي للتحكيم المطبق المكان الذي يجري به التحكيم وقواعد التحكيم المؤسسي الذي يتم التحكيم وفقاً له33، حيث يبدأ البحث عما إذا كان القانون الإجرائي للتحكيم يشتمل على أي قاعدة آمرة (أو نـص صـريح أو إشارة واضحة) يحظر عقد جلسات التحكيم إلا بالحضور الشخصي؟ ومـا إذا كـان المعنـى المقصود بـ "الشخصي" يقتصر بالضرورة على التواجد الجسدي أم أنه يقصد به التواجد المرئي المتزامن في الوقت ولو إختلف المكان؟ فإذا كانت الإجابة بالجزم، أصبحت هيئة التحكيم لا تملك سوى أن تؤجل جلسة الإستماع إلى ميعاد لاحق طالما هناك نص صريح خشية أن يكون هنـاك خلل بالإجراءات، أما إذا كانت الإجابة بالنفي (وهو الوضع الغالب)، أصبح هنــاك حاجـة إلـى مراجعة نصوص قواعد التحكيم المؤسسي لإستبيان إشتمالها على أي نص يسمح لهيئة التحكيم أن تقرر عقد جلسة التحكيم بإستخدام الوسائل التكنولوجية في الحضور عن بعد؟
وعليه يستكمل البحث عما إذا كانت القواعد الإجرائية لمؤسسة أو مركز التحكيم التي تباشر الإجراءات في ظله تشتمل على أي نص صريح أو إشارة ما:
أ- تبيح إنعقاد جلسات التحكيم بإستخدام وسائل الإتصالات الحديثة ودون أن يتطلب ذلـك الحضور الشخصي، أو
ب- تشير إلى تمتع هيئة التحكيم بسلطة تقديرية أن تطبق الإجراءات التي تراها مناسبة؟ فإذا كانت الإجابة بالجزم، أصبح بإستطاعة هيئة التحكيم أن تتشاور مع الأطراف فـي تحويل الشكل الذي تنعقد به جلسة الإستماع إلى إستخدام وسائل الإتصالات الحديثة وأنه لهيئة التحكيم أن تقرر بمفردها – في حالة إعتراض أحد الأطراف - وبعـد موازنـة الظروف الخاصة بالدعوى وموضوع النزاع ومدى مقدرة الأطـراف علـى إسـتخدام التكنولوجيا الحديثة في الإتصالات عن بعد وفي عرض دعواهم بشكل منصف وعـادل على ذلك الشكل- في تقرير عقد الجلسة من عدمه.
إلا أن الرأي الأكثر ملاءمة هو الذي يطالب هيئة التحكيم- قبل أن تقرر عقـد جلـسة استماع عن بعد من عدمه- أن توازن بين إعتبارين أساسيين: أولهما هو إحترام حـق الأطراف في المعاملة على قدم المساواة وحصول كل طرف علـى فرصـة معقولـة لعرض دعواه. وثانيهما هو إتمام الإجراءات بطريقة سريعة وفعالة ودون تراخ وبتكلفة معقولة.
فإذا توافرت لديها قناعة بأن الإمكانيات التي يوفرها مركـز التحكـيم، خاصـة التقنيـات التكنولوجية والتجهيزات الفنية تجعل من السهل عقد الجلـسة عـن بعـد خاصـة أن التـدابير الإحترازية بلغت حداً من الصرامة مما يشكل مشقة على الأطراف ووكلائهم أو ممثليهم وكـذلك للشهود والخبراء الإنتقال إلى مكان التحكيم، ليصبح من المتصور ومن المنطقي تماماً أن تـسعى هيئة التحكيم إلى إتخاذ القرار وإصدار الأمر الإجرائي تبعاً لذلك.
المطلب الثاني: ترتيبات عقد الجلسات عن بعد والتغلب على بعض التحديات:
سارعت معظم مراكز التحكيم الدولية وكذلك بعض مكاتب المحاماة العالمية وغيرهـا مـن الجهات المعنية بالتحكيم – عقب تفشي الجائحة إلى إصدار مجموعة من الإرشادات أو القوائم أو القواعد المرنة التي تعطي توجيهات خاصة بشأن كيفية السير في الإجراءات بواسـطة إستخدام التقنيات الحديثة في الإتصالات ومنصات التواصل المتاحة مثل زووم وووبكـس وجوتـوميتينج وغيرها.
وحيث أن تقنية البث الحي للصوت والصورة لأطراف النزاع في مواجهة هيئـة التحكـيم المتوافرة على شبكة الأنترنت قد ساهمت في دعم التحكيم المرئي من خلال مشاهدة حية لبعضهم البعض، دون الحضور المادي لهم في مكان واحد.
وقد أطلق على هذه الترتيبات إسم (البروتوكولات) والتي ساهمت إلى حـد بعيـد لوضـع إطـار تنظيمي لعقد الجلسات كما أن الكثير من هيئات التحكيم قد إسـتلهمت قواعـدها الإجرائيـة مـن تلـك الإرشادات وصدرت في العديد من دعاوى التحكيم قرارات لعقد تلك الجلسات بواسطة أوامر إجرائية.
لذلك، نستعرض فيما بعد أهمية هذه البروتوكولات التي صدرت مؤخراً كما أدرجنا ضـمن هذا البحث نموذج لأمر إجرائي صادر عن هيئة التحكيم بشأن تنظيم جلسات الاستماع عن بعد.
أولا- البروتوكولات الصادرة:
يأتي على رأس هذة البروتوكولات بروتوكول ســول بـشأن إستخدام تطبيـق الفيـديو كونفرنس في التحكيم الدولي Seoul Protocol on Video Conference in International Arbitration ("بروتوكول سيول") والذي تم إعداده منذ عام 2018 من خلال أعمـال المـؤتمر السابع للتحكيم لدول آسيا والباسيفيك إلا أنه قد عاد إلى الأضواء مرة أخرى في مـارس 2020 وقد جاء في مقدمته، أن الهدف من إعداده هو أن يكون بمثابة دليل لأفضل الممارسات لإجـراء الجلسات المرئية في التحكيم الدولي .
كذلك أصدرت غرفة التجارة الدولية في أبريل 2020 المذكرة التوجيهية بـشأن التـدابير الممكن إتخاذها للتخفيف من آثـار جائحـة فيـروس كورونا ICC Guidance Note on Possible Measures Aimed at Mitigating the Effects of the COVID-19 Pandemic بهدف تعزيز فعالية إجراءات التحكيم والتذكير بالأدوات الإجرائية المتاحة للأطراف ووكلائهم وهيئات التحكيم للتخفيف من حالات التأخير الناتجة عن الجائحة، وفق ما جاء في الفقرة 8 من المذكرة التوجيهية.
وإستنادا إلى نص المادة 24 من قواعد التحكيم لدى غرفة التجارة الدولية التي تجيز لهيئـة التحكيم إتخاذ المزيد من التدابير الإجرائية أو تعديل الجدول الزمني للإجراءات من خلال الجلسة الإفتتاحية التي يطلق عليها جلسة إدارة الدعوى Case Management Conference أو غيـر ذلك. فقد ضربت غرفة التجارة الدولية العديد من الأمثلة لتلك التدابير بهدف المضي بـإجراءات التحكيم بشكل سريع وفعال وبتكلفة معقولة.
وفي سبيل ضمان معاملة الأطراف على قدم المساواة وإعطاء كل منهم فرصة كاملة لعرض قضيته أثناء جلسة المرافعة الافتراضية، فقد ذكرت الفقرة 28 من المذكرة التوجيهية أنه ينبغـي لهيئة التحكيم أن تعتني بما يلي:
أ- مناطق التوقيت الزمني المختلفة في تحديد مواعيد جلسات المرافعـة، أوقـات البـدء والانتهاء، فترات الراحة وطول كل يوم جلسة؛
ب- العدد الإجمالي للمشاركين، لوجستيات مواقع المشاركين، مدى وجود المشاركين في نفس المكان الفعلي، مدى إمكانية وجود أعضاء هيئة التحكيم في نفس المكان الفعلي و/أو في نفس المكان الفعلي مع المشاركين الآخرين، وتوافر غرف المحادثة والتحكم فيها؛
ت- التسجيل المتزامن للجلسة مع متابعتها الفورية عن طريق عرضها كتابة علـى شـاشـة العرض المشتركة؛
ث- إجراءات التحقق من وجود جميع المشاركين وتحديدهم، بما في ذلك المسؤولين الفنيين من فريق الدعم الفني؛
ج- إمكانيات إستخدام العروض التوضيحية كعرض الشرائح PowerPoint، بما في ذلـك عن طريق عرض الشاشة المشتركة.
ح- اللجوء إلى خدمات الترجمة الفورية، إذا لزم الأمر.
كما أصدرت الجمعية الأمريكية للتحكيم AAA-ICDR مجموعة من التوجيهات للمحكمين وللأطراف بشأن التحكيم المرئي.
وأيضاً أصدر مركز فيينا للتحكيم الدولي VIAC بدوره "بروتوكول فيينا" الذي أحتوى على قائمة مراجعة عملية لجلسات الاستماع عن بعد .
وبشكل مماثل أصدرت الأكاديمية الأفريقيـة للتحكيم Africa Arbitration Academy بروتوكول خاص بالتحكيم المرئي في عام 2020 لإستخدامه في الدول الأفريقية مما يوضح مدى إهتمام القارة السمراء بمسايرة المتغيرات في مجال التحكيم .
كذلك أصدرت بعض مكاتب المحاماة العالمية مثل مكتب هوجان لـوفلز Hogan Lovells بروتوكولات مشابهة تسمح بإستخدام التكنولوجيا خلال جلسات الإستماع عن بعد .
ثانياً- نموذج لأمر إجرائي صادر من هيئة التحكيم بشأن تنظيم جلسات الاستماع عن بعد:
- إسم مركز التحكيم.
- رقم الدعوى التحكيمية.
- أسماء الأطراف وصفاتهم.
- أسماء ممثليهم القانونيين.
- أسماء وكلائهم القانونيين.
- أسماء أعضاء هيئة التحكيم وصفاتهم.
أمر إجرائي رقم (--) الصادر بتاريخ (اليوم الشهر السنة)
بروتوكول تنظيم ترتيبات جلسة الإستماع عن بعد
(اليوم أو الأيام المحددة للجلسات)
الفرض الأول: في حالة إتفاق الأطراف:
"تأمر هيئة التحكيم وبناءا على إتفاق الطرفين أن تعقد جلسة المرافعة واستجواب الشهود عن طريق استخدام منصة التواصل (زووم) عن بعد ووفقا للشروط والإجراءات الموضحة أدناه وبإعتبار أن الجلسة سوف تعقد في ذات مقر التحكيم المتفق عليه.
وقد أقر الطرفان بالتحقق من أن إستخدام هذه المنصة الإلكترونية توفر خصائص الـسرية والخصوصية والأمان وفقاً لما هو معمول به في التحكيم."
الفرض الثاني: في حالة إعتراض أحد الأطراف:
"قررت هيئة التحكيم – وبعد فحص آراء الأطراف بشأن إمكانية عقد جلسة عن بعد بـأن تعقد جلسة المرافعة واستجواب الشهود عن طريق استخدام منصة التواصـل (زووم) وفقـاً للشروط والإجراءات الموضحة أدناه وبإعتبار أن الجلسة تعقد في ذات مقر التحكيم المتفـق عليه.
كما تعتبر هيئة التحكيم أن هذا القرار هو أنسب الحلول البديلة لجلسة الإستماع الشخـصية بسبب ظروف الجائحة وإشتراطات التباعد الجسدي، كما أن إسـتخدام منـصة التواصـل (زووم) توفر بشكل مرض فرصة عادلة ومناسبة لكل طرف في عرض دعواه ويؤدي إلى الإلتزام بالمواعيد الإجرائية المحددة سلفاً بدلاً من التأجيل".
تمهيد:
1- يكون موضوع هذا الأمر الإجرائي تنظيم جلسة الإستماع عن بعد والتي إتفق الأطراف فيهـا على عقدها عن طريق إستخدام تقنية الفيديو كونفرانس في الفترة مـن --/--/---- إلـى --/--/---- (مع حجز اليومين التاليين و -------- على سبيل الإحتياط).
2- تتطلب جلسة الإستماع عن بعد ما يلي:
أ- أجهزة حاسوب مزودة بأنظمة حديثة (كمبيوتر محمول أو كمبيوتر لوحي) ولــديها خاصية التواصل على شبكة الأنترنت بسرعة عالية.
ب- كاميرات وميكروفونات عالية الجودة.
ت- أجهزة تليفون ذكية تستخدم إحتياطياً في حالة حدوث أي أعطال مفاجئـة لمنـصة التواصل.
ث- إمكانية تبادل الصورة والصوت والمستندات، بشكل متزامن وبسرعة عالية بـين الأطراف وهيئة التحكيم والشهود أثناء إستجوابهم والخبراء عند مناقشتهم.
3- خلال إنعقاد جلسات الإستماع، يقسم المشاركون من الأطـراف والـوكلاء القـانونيون والخبراء والشهود إلى طائفتين: المشاركون النشطين Active أي من لهم حق التحدث والمناقشة والمشاركون غير النشطين Passive or Non-Active مـمـن يـسمح لهـم بالإستماع والمتابعة وذلك بناءا على طبيعة دورهم.
أولا- إقرار:
يقر الطرفان بقبولهم إستخدام تقنية الفيديو كونفرانس كوسيلة لإجـراء جلـسة التحكـيم وبإعتبارها وسيلة اتصال مقبولة ولن يسعى أي طرف للإعتراض أو للطعن على حكم التحكـيم تأسيساً على أن جلسة الإستماع لم تعقد بالحضور الشخصي.
ثانياً- ترتيبات ما قبل عقد الجلسة:
1- يتعهد الأطراف القيام بالترتيبات الآتية – بالتنسيق مع مزود الخدمة – فيما قبـل عقـد الجلسة:
أ- القيام بتجربة حية (صوت وصورة) للتطبيقات التي سوف يتم استخدامها بما فيهـا إستخدام الملف الإلكتروني للمستندات Electronic Bundle of Documents.
ب- القيام بتجربة أو إختبار إستخدام الغرف الإفتراضية (غرفـة الإسـتماع وغـرف الإستراحة للأطراف وهيئة التحكيم).
ت- القيام بتجربة إرسال وإستقبال المستندات إلكترونياً وعرضها على الشاشة.
ث- تجربة تحرير المحاضر الحرفية بشكل متزامن مع الوقت الفعلي لجلسة الإسـتماع وتخزينها عن بعد.
2- يتم إستخدام منصة التواصل (زوووم) كما هو متعاقد عليه مع مزود الخدمة.
3- يقر الأطراف وجميع المشاركين أنهم تلقوا تدريباً من مزود الخدمة على كيفية استخدام منصة التواصل وإجادة استخدام ما فيها من إمكانيات.
ثالثاً- تحديد أسماء المشاركين في الجلسة الإفتراضية:
- تقتصر حضور الجلسات على الأشخاص المذكورين وفقا للجدول المبين بالملحق رقم (1) المرفق المشاركون من الأطراف والخبراء والـشهود المشاركون النشطين Active والمشاركون غير النشطين Passive or Non-Active حيـث يعطـى للمـشاركين النشطين السبل الفنية للمشاركة في جلسة الإستماع بالصوت والصورة بينمـا لا يكـون لباقي المشاركين سوى حق تتبع الإجراءات السارية عن بعد.
- لا يجوز لأي شخص من غير المذكورين في الجدول الملحق رقم (1) المـشاركة فـي الجلسة من الموقع الجغرافي المحدد ما لم تقرر هيئة التحكيم خلاف ذلك.
- يقوم كل مشارك بإشعار هيئة التحكيم على الفور بأي تغيير قـد يطـرأ علـى موقعـه الجغرافي عند تسجيل دخوله على منصة التواصل.
- أتفق جميع المشاركين على أنه سوف يستعين كل منهم خلال جلسة الإستماع بشخص أو أكثر من ذوي الكفاءة والخبرة لتقديم الدعم الفني اللازم.
رابعاً- قواعد إستخدام الكاميرا والترتيبات الخاصة أثناء مناقشة الشهود:
يوصى بإستخدام كاميرا عالية الدقة تمكن من مشاهدة الشاهد الذي سوف يدلى بـشهادته بشكل واضح في غرفة ذات إضاءة مناسبة ومن المستحسن استخدام كاميرا ذات عدسـة مدارية 360 درجة تعطي رؤية كاملة.
- يلتزم جميع المشاركين بعدم وضـع أي خلفيـة أثنـاء الظهـور، وبإستخدام إضـاءة مناسبة أثناء الظهور وكذلك ضبط الكاميرات بطريقة تسمح بظهور رأس المشارك وجزء من الجذع.
- لا يجوز لأي شخص أن يكون حاضراً في الغرفة مع الشاهد أو الخبير الشاهد.
- يظل الشاهد أو الخبير الشاهد مرئيا في جميع الأوقات أثناء الإستجواب أو المناقشة.
- تؤدى الشهادة شفاهة (بعد حلـف اليمـين إذا كـان ذلـك إلزاميـا بمقتـضـى القـانـون الإجرائي المطبق في مكان التحكيم)43، وفي جميع الأحوال للهيئة دعوة الشاهد أمامهـا للمناقشة.
- يتم استخدام كاميرا ذات عدسة عادية مع التحقق – قبل استجواب الشاهد – بأن القاعـة خالية من أي شخص آخر قد يقوم بتلقين الشاهد فيما سوف يدلي به حفاظاً على مصداقية هذا الأخير.
- أن تتمكن هيئة التحكيم من ملاحظة تعبيرات الوجه وإيماءات العين والتواصل البـصري والإشارات غير اللفظية (إيحاءات لغة الجسد) ورصد الإستجابة المرئية للشاهد بوضوح لتقييم مصداقية الشاهد .
- يجوز أن تقرر هيئة التحكيم أن تطلب تقديم شهادة الشهود كتابـة، سـواء علـى شـكل تصريحات موقعة أو على شكل إفادات مشفوعة باليمين.
- لهيئة التحكيم سلطة تقييـد حضور أي شاهد، وذلك على أساس تجنب تكـرار البينـة عدم إرتباطه بالدعوى.
خامسا- عرض المستندات الثبوتية وإستخدام وسائل الإيضاح:
- أتفق الطرفان على أنه خلال جلسة الإستماع، سيتم عرض المـستندات الثبوتيـة وأيـة مستندات أخرى من خلال وظيفة "مشاركة الشاشة" Screen Sharing يمكن التي يمكـن متابعتها بالرؤية بالتزامن في ذات الوقت.
- للأطراف الحرية في إستخدام وسائل الإيضاح (مثـل PowerPoint) أو غيرها من الوسائل المرئية أثناء جلسة الاستماع عن بعد، مع الإشارة إلى الرقم الخاص بالمستند أو الدليل المستخدم في الملف الإلكتروني للمستندات.
سادساً- التسجيل الصوتي وإعداد النسخ الورقية:
- يجب أن يتم تسجيل صوتي كامل لجلسة الاستماع الإفتراضية عن بعد من جانب مـزود الخدمة. على أن يتاح التسجيل الصوتي للأطراف ولهيئة التحكيم عقب إنتهاء الجلسة عن طريق تزويد الأطراف بالنسخ الورقية.
- يجوز لمزود الخدمة والذي يتولى أيضاً تسجيل وقائع الجلسة صوتياً أي من المشاركين المتحدثين لإستيضاح بعض الألفاظ إذا لزم الأمر حسب الحاجة أثناء جلسة الاستماع عن بعد.
- يتم تسليم تسجيلات ورقية كاملة لوقائع الجلسة بنهاية كل يوم ويجوز لأي من الأطـراف أن يطلب من هيئة التحكيم أي تصحيحات لها للموافقة عليها.
- تحوز هذه النسخ الورقية الخاصة بتسجيلات جلسة الاستماع عن بعد ذات الحجية فيما بين الطرفين، مع مراعاة القيام بأي تصحيحات أتفق عليها الطرفان أو قررته هيئة التحكـيم بناء على طلب أي منهما.
سابعاً- مواجهة حالة إنقطاع الإتصال:
- في حالة تعرض أي مشارك لأعطال فنية أو إنقطاع للإتصال أثناء جلسة الإستماع، وجب على هيئة التحكيم تأجيل الإجراءات مؤقتاً لحين التمكن مـن إصـلاح العطـل وإعـادة الإتصال.
- يجوز لهيئة التحكيم تعليق جلسة الإستماع بشكل مؤقت أو دائم إذا تبين لها أو إذا قـدرت أن نظام الفيديو كونفرانس لا يعمل بشكل مرض أو أنه من المحتمل أن يخـل بـسلامة الإجراءات أو حقوق الدفاع لدى أي من الطرفين.
ثامناً- وجود مشاركين في مناطق ذات توقيت زمني مختلف:
حيث يمكن القول أنه يمكن في بعض الحالات التي تعقد فيها جلسات مرئية تمهيدية كالجلسة الإفتتاحية للمرافعة oral openings أو الجلسة الختامية oral closings أو التي لا يكون فيهـا ضرورة المواجهة بين الخصوم، التغلب على الصعوبات الناتجة عن وجود مشاركين في مناطق ذات توقيت زمني مختلف بأن تتم الجلسة بشكل غير متزامن asynchronous أي أن يقوم أحـد الأطراف بتقديم مرافعته وفقا للتوقيت الزمني المناسب له و يرسلها علـى منـصة التواصـل ليشاهدها بعده الطرف الآخر والذي يقدم مرافعته بدوره في التوقيت المناسـب لـه، إلا أن هـذا الفرض لا يجوز تفعيله إلا عندما يكون من غير الضروري المواجهة بين الشهود والأطـراف الأخرى واستجوابهم.
تاسعاً- المحافظة على سرية المعلومات المحفوظة والمتداولة إلكترونياً:
يتم توفير الحماية للمعلومات من المخاطر التي تهدد سريتها أو ضد أي إختراق أو تعديل أو تخريب والتي قد تتخذ أشكالاً عديدة مثل تجسس شخص ما على شاشة الحاسوب لسرقة كلمـات سر الدخول، أو الإطلاع على بيانات سرية بدون علم مالكها.
عاشراً- إقتسام المصروفات:
- إتفق الطرفان على إقتسام المصروفات المرتبطة بجلسة الإستماع عن بعد بالتساوي.
أسماء وتوقيعات أعضاء هيئة التحكيم
أسماء وتوقيعات الأطراف وممثليهم ووكلائهم
الملحق رقم (1):
أسماء جميع المشاركين بمن فيهم الشهود والخبراء وفريق الدعم الفني والمترجمين:
ثالثا- تحصين حكم التحكيم ضد البطلان في حالة إدعاء أحد الأطراف وقوع إخلال بالضمانات الأساسية في التقاضي:
حيث أنه من المتصور أن يتعرض حكم التحكيم النهائي والذي صدر وفقا لإجراءات تم فيها التحكيم عن بعد لدعوى بطلان يرفعها من صدر الحكم لغير صالحه متذرعاً بأن مخالفة إجرائية جسيمة قد وقعت مما أخل بمبدأ المواجهة أو الوجاهية والمساواة بين الأطراف وبالتالي أنتهكـت الضمانات الأساسية في التقاضي وحرمته بالتالي من عرض دعواه وتقديم حججه.
لذا يكون من المستحسن على هيئة التحكيم التحقق من إحترام كافـة الـضمانات الأساسـية للتقاضي خلال الإجراءات ومن ثم ضمان تحصين الحكم الصادر ضـد الـبطلان أو رفـض الإعتراف والتنفيذ بحسب ما إذا كنا بصدد حكم تحكيم وطني أو أجنبي.
فقد ذكرت الفقرة الأولى من المادة 36 من قانون الأونسترال من ضـمـن أسـباب رفـض الاعتراف أو التنفيذ حالة "الطرف الذي لم يستطع عرض قضيته" أو بأن "الإجراء المتبـع فـي التحكيم كان مخالفاً لإتفاق الطرفين أو، في حالة عدم وجود مثل هذا الإتفاق، مخالفا لقانون البلـد الذي جرى فيه التحكيم" أو تعذر على طالب الإبطال تقديم دفاعه لأي سبب آخر خـارج عـن إرادته.
وكذلك نصتت أغلبية تشريعات التحكيم الوطنيـة أن الإخـلال بحـق أحـد الأطـراف في تقديم دعواه ودفاعه وحججه لأي سـبـب خـارج عـن إرادتـه يعـد سـبباً للـبطلان أو أن إجراءات التحكيم تمت بالمخالفـة لمـا إتفـق عليـه الأطـراف أو علـى وجـه مـخـالف للقانون" ، أو إذا كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلاناً أثر في الحكم، أو إذا صدر الحكم نتيجة إخلال هيئة التحكيم بأسس التقاضي .
وفي حالة كون حكم التحكيم أجنبياً، فقد نصت الفقرة الأولى (ب) من المادة الخامـسـة مـن إتفاقية الأمم المتحدة بشأن الإعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية (نيويورك 1958)، يعد ســبباً للمحكمة المختصة برفض تنفيذ حكم التحكيم الأجنبي حالة غير قدرة الطرف الـذي يحـتـج فـي مواجهته بالحكم على عرض قضيته لأي سبب".
وعليه، يكون على هيئة التحكيم الإلتزام بالحرص على توفير الضمانات الأساسـية فـي التقاضي والتحقق من كفالة الحق في المواجهة لكل من الخصمين، ومعاملتهما على قدم المساواة وتمكين الخصم من مناقشة الآخر فيما يقدمه من وسائل دفاع في الخصومة والرد عليها.
وإذا كان الهدف من التحكيم عن بعد التغلب على عدم التمكن مـن الحـضور الشخـصي للجلسات، فإن ذلك لا يعني بأية حال من الأحوال عدم مراعاة هيئة التحكيم لضمانات التقاضـي الأساسية المقررة للمتخاصمين وبصفة خاصة حق الدفاع ومبدأ المواجهة بين الخصوم.
ويقصد بإحترام مبدأ المساواة بين الأطراف هو إقامة العدالة الإجرائية فـي سـماع حجـج ودفوع كل طرف وتقديم أدلتهم الثبوتية والوقت المخصص لكل منهم، بما في ذلك التحقق من عدم تواصل أحد الأطراف مع هيئة التحكيم مبكراً قبل عقد الجلسة عن بعـد أو فـي حالـة إنقطـاع الإتصال المرئي عن الطرف الآخر في أثناء عرض الطرف الأول دعواه. كمـا يقـصد بمبـداً المواجهة بين الخصوم إعطاء كل خصم الحق في العلم بكل ما يقدمه الطرف الآخر من إدعاءات والإطلاع على أدلة إثبات في وقت ملائم لمناقشته والرد عليه.
كما يتوجب على هيئة التحكيم أيضاً إحترام حق الدفاع بالنسبة لجميع أطراف النزاع ويتطلب ذلك حق الخصم في أن تسمع هيئة التحكيم وجهة نظره وعدم وقوع أي مخالفة أو إخلال في أثناء إستجواب أحد الشهود مثل قيام شخص غير مأذون له بالتواجد في غرفة مناقشة الشاهد بأن يلقن ذلك الشاهد الإجابات على الأسئلة المطروحة.
خاتمة:
إن اللجوء إلى التحكيم عن بعد ليس من شأنه الإنتقاص من العدالـة الإجرائيـة طالمـا أن الإجراءات التحكيمية تضمن إحترام حقوق ومبادىء التقاضي الرئيسية، وأن مجرد تغيير الوسيلة المستخدمة في التواصل لا يعد خرقاً أو هدراً لهذه العدالة طالما تمت بشكل تقني آمن ونجحت في نقل الصورة والصوت بشكل فوري عن بعد، وأدت نفس الدور الذي يؤديه الحضور الشخصى للأطراف وحققت ذات الغاية من إستجواب الشهود ومناقشة الخبراء.
وإذا أتيح لنا في خطوة إستباقية تقديم بعض التوصيات بهدف منح مساحة حرية أرحب لهيئة التحكيم في إستخدام وسائل الإتصال عن بعد ودون الحاجة إلى الإلتزام بالحضور الشخصي وأن تقع ضمن ممارستها لسلطتها التقديرية – بعد أن توازن بين موقف الطرفين وبعد التشاور معهـم ووفقاً لظروف الدعوى – إصدار أمراً إجرائياً يقرر ذلك أو مما يسمح بمواجهـة التعنـت أو الإعتراض من أحد الأطراف على إتباع هذه الطريقة. وبناءا عليه، قد يكون من المناسب إضافة عبارة أو عبارتين إلى شرط التحكيم عند إبرام العقد يمنح لهيئة التحكيم إستخدام الوسائل الحديثة للإتصال للقيام بأي إجراء من إجراءات التحكيم كما لو تم النص على "لهيئة التحكـيم استخدام الوسائل الحديثة للإتصال للقيام بأي إجراء من إجراءات التحكيم"، مما يفيد أن إجراءات التحك سوف تكون صحيحة بإستخدام أي طريقة من طرق الإتصالات بما فيها الفيديو كونفرانس. وإذا كنا بصدد تحرير وثيقة التحكيم أو المشارطة بعد نشوب النزاع، نوصي بإضافة فقـرة تـرخص لهيئة التحكيم صراحة – إذا رأت أن ذلك يكون لازماً باللجوء لإستخدام الإتصال المرئـي فـي عقد الجلسات وإستجواب الشهود وغيرها من الإجراءات وأخيراً إذا كان التحكيم قد جرى بالفعل بالإستعانة بهذة الوسائل، فإننا نوصي هيئة التحكيم بتضمين محاضر الجلسات مـا يفيـد قبـول الطرفين إجراء الجلسة بهذا الشكل وأن كل طرف قد سنحت له الفرصة كاملة للإطـلاع علـى جميع مستندات وإدعاءات وأقوال وطلبات الطرف الآخر وأن الطرفان يعلنـان بـذلك تنازلهمـا صراحة عن أي إعتراض على الإجراءات أو على حكم التحكيم النهائي أو عن أي نتائج تترتـب بناءا على هذه الإجراءات بما فيها الطعن بالبطلان على حكم التحكيم.
والحقيقة أن مراكز التحكيم والجهات التي تستخدم التحكيم سوف يخرجـون بـالكثير مـن الدروس المستفادة بعد زوال هذه الجائحة بإذن الله حيث سوف تتوسع بالضرورة إستخدامات وسائل الإتصالات الحديثة وتطبيقات منصات التواصل الإلكتروني الأمنة لعقد جلسات التحكيم عن بعد، بالتوازي مع تقديم التدريب اللازم على التقنيات السمعية والبصرية الحديثة وتوفير وسـائل توضيحية لرفع الوعي بأهميتها لمن يرغب من المحكمين والأطراف والمحامين وغيرهم.
كذلك نوصي بضرورة تعديل قواعد التحكيم المؤسسي فيما يخص كيفية إتمـام الإجـراءات لتواكب التطورات التكنولوجية المعاصرة بحيث يكون لهيئة التحكيم سلطة إصدار أوامر إجرائية توضح الشكل الذي تعقد به جلسات المرافعة وفقاً لظروف كل دعوى علـى حـدة مـع تـوفير ضمانات التقاضي الأساسية وأن تتاح للأطراف – بطبيعة الحال – الفرصة كاملة فـي عـرض دعواهم وحقوقهم.
وما من شك أن الأوامر الإجرائية (أو البروتوكولات الإرشادية التي يحال إليها) قد وضعت إطاراً تنظيمياً لضمان المحافظة على سرية الجلسات وحماية البيانات المتداولة ومنع إختراقها من الغير.