تعددت التعريفات التشريعية والقانونية والقضائية وهي جميعها متقاربة لجميع الدول، إلا أنها تأثرت بوضوح بتعريف اتفاقية نيويورك لعام 1958م بشأن الاعتراف بأحكام التحكيم وتنفيذها، وكذا القانون النموذجي الصادر عام 1985م، والمعدلة في دورتها (39) لعام 2006م، والذي اعتمدته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (يونسيترال) حيث عرفت المادة (1/7) على أن: (اتفاق الحكيم هو اتفاق بين الطرفين على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات المحددة التي نشأت أو قد تنشأ بينهما بشأن علاقة قانونية محددة عقدية كانت أو غير عقدية وهذا ما سارت عليه قوانين التحكيم لدول مجلـ التعاون الخليجي لدول الخليج العربية: فقد نص نظام التحكيم السعودي الجديد رقم (34) لعام 1433هـ في المادة (1/1) منه على أنه: اتفاق بين طرفين أو أكثر على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات المحددة التي نشأت أو قد تنشأ بينهما في شأن علاقة نظامية محددة، تعاقدية كانت أم غير تعاقدية ، سواءً أكان اتفاق التحكيم في صورة شرط تحكيم وارد في عقد أم في صورة مشارطة تحكيم مستقلة ) . كما نصت المادة(1/203) من قانون الإجراءات المدنية لدولة الإمارات العربية رقم (11) لسنة 1992م، على أنه: (يجوز للمتعاقدين بصفة عامة أن يشترطوا في العقد الأساسي أو باتفاق لاحق عرض ما قد ينشأ بينهم من التراع في تنفيذ عقد معين على محكم أو أكثر كما يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين بشروط خاصة. وكما أكد ذلك صراحة مشروع القانون الاتحادي الجديد رقم (43) لعام 2006م، في المادة (1/1) على أنه : اتفاق أطراف التحكيم بإرادتهم الحرة على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو ممكن أن تنشأ . بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية. كما ونص قانون التحكيم القضائي في المواد المدنية والتجارية الكويتي قانون رقم (11) لسنة 1995م، المادة (1/173) على أنه: (يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين كما يجوز الاتفاق على التحكيم في جميع المنازعات التي تنشأ عن تنفيذ عقد معين ). كما نص قانون التحكيم العماني مرسوم سلطاني رقم (47) لعام 1997م، قانون التحكيم في المنازعات المدنية والتجارية والمعـــــدل بالمرسوم رقم (3) لعام 2007م، حيث نصت المادة (1/10) على أن: (اتفاق التحكيم: هو الاتفاق الذي يقرر فيه طرفا الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية ).
وكذلك قانون التحكيم القطري رقم (8) في المادة (1/190) من قانون المرافعات المدنية والتجارية، حيث نص على أنه يجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين بوثيقة تحكيم خاصة كما يجوز الاتفاق على التحكيم في جميع المنازعات التي تنشأ تنفيذ عقد من معين) . كما نصت المادة (1/233) من قانون المرافعات المدنية والتجارية البحريني على أنه: (يجوز للمتعاقدين أن يشترطوا بصفة عامة عرض ما قد ينشأ بينهم من التراع في تنفيذ عقد معين على محكمين ويجوز الاتفاق على التحكيم في نزاع معين بوثيقة تحكيم خاصة ). |
أن هذه التعريفات تجعلنا من بداية الوهلة الأولى لهذه الرسالة نلحظ أن اتفاق التحكيم هو حجر الزاوية للعملية التحكيمية وهو الأساس الذي يؤكد لنا إظهار توافق الإرادة للخصوم في اللجوء إلى ذلك التحكيم لحل المنازعات التي تحصل بينهم بحيث يضفي عليه صفته ومداه كونه الأساس الذي تنطلق منه هيئة التحكيم في عملها وتكون لها الشرعية كونه المصدر الرئيسي لسلطتهم .
فيرد اتفاقهم في هذه الحالة في شكل شرط، أو بند من بنود العقد، أو الاتفاق الذي ينظم علاقتهم الأصلية . وقد يحررون وثيقة اتفاق مستقلة بحيث تضمن اتفاقهم على إحالة النزاع أو ما قد يثور بينهم من منازعات بمناسبة العقد الأصلي إلى التحكــيم مشارطة التحكيم والقاسم المشترك بين الصورتين أن الاتفاق على التحكيم له طابع ((مـا يتحسب له الأطراف في المستقبل ، ويسمى مثل هذا الاتفاق في صورتيه، بشرط التحكيم ويجوز للأطراف الانتظار حتى نشوب النزاع فيما بينهم؛ ليقوموا بإبرام اتفاق على إحالته للتحكيم، ويسمى في هذا الحال باتفاق التحكيم أو وثيقة التحكيم. ويعني اتفاق الأطراف على الالتجاء للتحكيم سواء أخذ شكل شرط أو مشارطة، بحيث يكون التحكيم أمرًا لازمًا للأطراف متى ما كانوا متمسكين بذلك الاتفاق، كونه لا يجوز الرجوع عنه بإرادة أحد الأطراف منفرداً بذاته بل لابد من توافق جميع أطراف الاتفاق، وبما أن التحكيم هو اتجاه إرادة الأطراف المشتركة ورضاهم إلا أنه يترتب على ذلك الاتفاق أثران قانونيان هما:
الأثر الأول : منع قضاء الدولة الذي كان يتحتم عليه طرح التراع في حال لم يوجد اتفاق التحكيم، لأن هذا الاتفاق له أثر مانع مقتضاه التزام القاضي بعدم نظر النزاع طالما وجد بشأنه اتفاق التحكيم وتمسك به أحد الأطراف حتى لو نكص أحد الأطراف علــى عقبيه محاولا الاستمرار في التقاضي لفصل النزاع .
وبناءً على ما سبق والمستقر عليه أنه لا يجوز ولا يصح أن يعرض أي نزاع علـــى التحكيم إلا باتفاق أطراف التراع بحيث يكون الاتفاق واضحا لا لبس فيه للفصل في النزاع عن طريق التحكيم، بعيدا عن القضاء العادي كون اتفاق التحكيم هو الأساسي لسلطة المحكمين والذي من خلاله يحدد موضوع النزاع ونطاق التحكيم والمسائل التي يتضمنها ذلك الاتفاق شريطة ألا يكون مخالفا للنظام العام أو المسائل التي لا يجوز فيها الصلح والتحكيم.
و تكريساً لمبدأ حرية الأطراف في الاتفاق على حل منازعاتهم التي نشأت، أو قد تنشأ عن طريق التحكيم بمناسبة علاقة قانونية فإنه يتبين من خلال هذه المواد الخليجية وخاصة نظام التحكيم السعودي الجديد وكذلك مشروع القانون الاتحادي لدولة الإمارات في حال تم العمل به - أنها قد تطابقت تقريبًا مع نص المادة (7) للقانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي للجنة الأمم المتحدة.
-أن اتفاق التحكيم يتم بين طرفين أو أكثر بشأن حل نزاع قد نشأ أوقد ينشأ يعد طريقًا استثنائيا لحل النزاع شريطة أن لا يكون هذا الاتفاق يخالف الشريعة فيما حرمته أو القانون فيما منعه، وأن يكون في حدود القواعد التي وضعها القانون، وأن يكون أساسه حــل النزاع ورفعـه للوصول إلى الحق المشروع بواسطة محكم أو أكثر أو مركز من مراكز التحكيم، وليس شرطًا ذكر أسماء المحكمين، ويكون الحكم مُلزم للأطراف بعــد تــصديقه مـــن المحكمة المختصمة).