التحكيم / تعريف التحكيم / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / اتفاق التحكيم وفقاً لقانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994 / تعريف التحكيم في قانون التحكيم المصرى الجديد
يخرج المشرع المصري على المألوف في التشريعات فيكثر من وضع التعريفات إنسجاما مع فكرة التحكيم وخاصة التحكيم التجاري الدولي.
ولو رجعنا الى نص المادة الأولـى سالفة الذكـر مـن قـانون التحكيم الجديد يتضح لنا أن المشرع عرف التحكيم أولا بأنه التحكيم الـذي يـكـون بيـن أطـراف من أشخاص القانون العام أو القانون الخاص أيا كانت طبيعة العلاقة القانونيـة التـي يدور حولها النزاع اذا كان هذا التحكيـم يجرى في مصر أو كان تحكيما تجاريا دوليا يسري في الخارج واتفق أطرافه على اخضاعه لأحكام هذا القانون.
ثم جاءت بعد ذلك الفقرة الأولى من المادة الرابعة في باب الأحكام العامة من ذات القانون لتزيد الأمر أيضاحا فنصت على أنه "ينصرف لفظ "التحكيم" في حكم هذا القانون الى التحكيم الذي يتفق عليه طرفا النزاع بارادتهما الحرة سواء كانت الجهة التي تتولى اجراءات التحكيم، بمقتضى اتفاق الطرفين، منظمة أو مركز دائم للتحكيم أو لم تكن كذلك".
يتضح مما سبق ما يلي:
يبدأ وبشكل منطقى المشرع تعريف التحكيـم فـي الباب الأول من هذا القانون تحـت بـاب الأحكـام العامـة قبـل أن يعـرف أشكاله . وبذلـك يتيـح ابـراز الطبيعـة القضائيـة Juridictionnelle للتحكيم والتي تختلف عن الوكالة "Mandat" مثلا.
ومن الأصوال الايجابية لهذا النص هو اعلان القانون المصرى جهرا عن حريـة الأطـراف الكاملة لوضع أسس اجراءات التحكيم.
فلفظ التحكيم هنا ينصرف للاتفاق الذي يجريه طرفاه بارادتهما الحرة، فالاتفاق اذن هو جوهر التحكيم. وسبب وجوده، بمعنى أن مناطه هو اتجاه ارادة الأطراف الى ممارسة الحرية المكفولة بمقتضى مبدأ سلطان الارادة للاتفاق على التحكيـم لـنـوع من القضاء الخاص بعيدا عـن قضاء الدولة.
فالمقصود بالتحكيم في ظل قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ هو التحكيم الاختياري البحر بين طرفيه مع التزامهما ببعض الضوابط التي نص عليها المشرع والتي سوف ندرسها في موضعها.
فالأصل في التحكيم هو الاتفاق الحر حتى ولو الشرح الطرفان بأنفسهما اجراءاته، كما يجوز أيضا أن يلجأ الطرفان في تنظيم هذا الاتفاق الى هيئة منظمة مثل هيئة التحكيم الدولية التابعة لغرفة التجارة الدولية بفرنسا والمعروفة باسم "ICC" أو مركز دائم للتحكيم مثل مركز القاهرة الاقليمي للتحكيم التجاري الدولي، أو مركز أبو ظبي للتوفيق والتحكيم التجاري أو مركز البحرين للتحكيم التجاري الدولي أو مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية بالبحرين وغيرها من المراكز.
ومن جهة أخرى، أي تحكيم يدخل فيه صفة الاجبار من قريب أو من بعيـد يخرج بالقطع عن نطاق تطبيق هذا القانون، فقانون التحكيم الجديد لا يتناول التحكيم الاجباري الذي يذهب الى اقتضائه المشرع الوطني في بعض الحالات.
وجوب توافر الارادة الصحيحة في اتفاق التحكيم:
والتصرف الارادي الذي يعنيه نص المادتين الأولى والرابعة من هذا القانون والسابق الاشارة اليهما يجب أن يكون منصبا على اسناد مهمة الفصل الى شخص أو أكثر يحتكم اليهـم للقيام بوظيفة قضاء خاص، بمعنى أنهم يمارسون عملا حاسما للنزاع المطروح على نحو يستتبع اخراجه عن اختصاص محاكم الدولة وهيئاتها القضائية بمختلف صورها.
وهذه الخصيصة هي التي تميز التحكيـم عمـا عـداه من الصـور الأخرى لحل المنازعات كالتوفيق، والتصالح، واللجوء الى نوع من الخبرة الفنية لمحاولة الوصول الى تسوية عن طريق أحد الأشخاص أو الهيئات المتخصصة كما سبق القول.
ومن مقتضيات هذه الخصيصة:
- اسناد وظيفة أقرب الى ممارسة سلطة القضاء الى أشخاص يتميزون بأنهم ليسوا قضـاة معينين من قبل سلطة عامة.
- وأن أولئك الأشخاص الذين يطلق عليهم اسم المحكمين يقومون بمهمة حاسمة بذاتها للنزاع وغير قابلة للمشاركة من جانب أية جهة أخرى.
ويثور السؤال هل هناك مسائل يجب القيام بها للتأكد من أن هناك اتفاقا ينصب على ما يصدق في شأنه وصف التحكيم الاختياري؟
يمكن الأخذ بالعناصر الجوهرية للتنظيم الذي استقر في ظل اتفاقية نيويورك لسنة 1958 في هذا الصدد وهي:
- يجب أن يشير الأطراف الى الطريقة التي يتم بها هذا التحكيم فلا يكفي أن يتفق الأطراف على الاحالة للتحكيم في عبارة عامة مجهلة.
- يكفي أن يشير الأطراف الى أسلوب تعيين المحكمين أو اسناد ذلك الى احدى هيئات التحكيم الدائمة بالتطبيق لنظمها ولوائحها الموضوعة سلفا حيث لا يشترط أن يقوم الأطراف في اتفاقهم باختيار المحكمين بأسمائهم.
- يجب أن تكفل الهيئات الدائمة والتي أحال الأطراف التحكيم الى نظمها ولوائحها علم الأطراف بأشخاص المحكمين الذين يتولون الفصل في نزاعهم قبل أن يبدأ هؤلاء في مباشرة مهمتهم.
- يجب أن تكون المهمة المسندة للمحكمين من شأنها منحهم سلطة الفصل في النزاع على نحو حاسم ودون مشاركة من جانب أية جهة أخرى.
هيئة التحكيم:
تشير الفقرة الثانية من المادة الرابعة الى أن عبارة (هيئة التحكيم) تنصرف الى الهيئة المشكلة من محكـم واحـد أو أكثر للفصل في النزاع المحال الى التحكيم. أما (لفظ المحكمة) فينصرف الى المحكمة التابعة للنظام القضائي في الدولة.
ونتفق مع المشرع المصري في اتجاه تسمية الجهة التي تتولى التحكيم "هيئة التحكيم".
أطراف اتفاق التحكيم:
تشير الفقرة الثالثة من المادة الرابعة والتي نحن بصددهـا الى أطراف النزاع فتقول تتصرف عبارة" طرفي التحكيم "في هذا القانون الى أطراف التحكيم ولو تعددوا" .
يتضح من النص السابق أن عبارة طرفي التحكيم أينما وجدت في النصوص قد تصرف أيضا الى أطراف التحكيم ولو تعددوا اذ قد يزيد عدد أطراف النزاع على اثنين في كثير من الحالات وبالتالي سيستتبع ذلك زيادة عدد أطراف التحكيم.
وجدير بالذكر أن المشرع المصـرى جـاء أعـم وأشـمل مـن القـانون النموذجـى "Model Law" في الشـق الخـاص بأطراف النزاع . فالمادة السابعة من القانون النموذجي تعرف التحكيم بأنه اتفاق بين "الطرفين.. الى نهايـة المـادة. ولم يتعرض القانون النموذجي صراحة بعد ذلك للتحكيم متعدد الأطراف.
وقد أخذنا من قبل على القانون النموذجي هذه المسألة وقولنـا هـل تعنى عبارة "الطرفين الواردة في هذا القانون أنها تلغي التحكيم المتعدد الأطراف المنتشر حاليا في ميدان الهندسة والأشغال الكبرى، أم أن هذه العبارة تعنى طرفين فأكثر !!
وقد سبق أن رجحنا ذات الاتجاه الذي حرص عليه المشرع المصرى في قانون التحكيـم الجديد رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤.