لم تتعرض غالبية الأنظمة القانونية ومنها القانون المصري إلى تعريف التحكيم وذلك تلافياً لصعوبات وضع التعريف وإكتفت بالإشارة إلى عناصر التحكيم ومفترضاته، وقد عرفه بعض الفقه بأنه الإتفاق على طرح النزاع على شخص أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون المحاكم المختصة ، أو هو "مكنة الأطراف في إقصاء منازعاتهم عن قضاء الدولة و إختيار الخصوم لقاضيهم
وإن كنا نسلم بأهمية تعريف التحكيم بالنظر إلى عناصره، إلا أننا لانسلم بأن هدف التحكيم هو إقامة العدل والحفاظ على السلام بين الخصوم،ای حل النزاع مع رغبة في المصالحة والبعد عن ليد الخصومة . فهذا المعنى يتحقق في كافة سبل التسوية الودية من التفاوض إلى التوفيق والصلح ومن ثم لا يصلح معياراً لتعريف التحكيم او تحديد الهدف منه. فالتحكيم يقوم على عدة عناصر تكاتف معاً لتحديد مضمونه والهدف منه، قد لايكون أي منها كافية في ذاته لتحقيق هذا الغرض، وليس حاسمة في تعريف عملية التحكيم، غير إن هذه العناصر مجتمعة تحدد هدف التحكيم وتعرفه. ومن هذه العناصر:
* وضوح الإتفاق وعناصره إلى إتجاه نية الأطراف إلى إختيار نظام التحكيم . • الإفصاح عن وجوب صدور حکم ملزم لأطرافه .
وعند تخلف أحد هذه العناصر يفقد التحكيم أحد ركائزه التي تسهم في تعريفه لينسحب التحكيم تاركاً مكانه لغيره من الأنظمة، وننتهي إلى تعريف التحكيم بأنه:" إتفاق الأطراف على تفويض المحكم سلطة حسم النزاع بحكم ملزم وقابل للتنفيذ".
مع ملاحظة أن هناك بعض العناصر الثانوية التي تسهم في تحديد التحكيم وتمييزه وإن لم تدخل في التعريف لأنها ليست شرطة لازمة لوجوده، ومن هذه العناصر التزام المحكم بتطبيق أحكام القانون الموضوعي أو إتباع الإجراءات القضائية الحقيقة، فقد يتفق الأطراف على التحكيم بالصلح وهو وإن كان تحكيماً بمعناه الصحيح إلا أنه يعطى الأطراف مكنة إعفاء المحكم من تطبيق القانون الموضوعي، ومن شأن تعريف التحكيم بأنه نظام يلتزم المحكم فيه بتطبيق أحكام القانون الموضوعي استبعاد التحكيم بالصلح كلية وهو ما لايجوز ، ومن ثم لاتستطيع أن نعتبر الإجراءات القضائية الدقيقة عنصراً من عناصر التحكيم ،وإن كان إعمالها يعد دليلاً على اختيار التحكيم، ويميزه عن الأنظمة الأخرى .
ومن العناصر الثانوية أيضاً معاونة القضاء للمحكم في إتخاذ إجراءات الإثبات أو الإجراءات التحفظية، فضلاً عن إمكانية تدخل القضاء في عملية التحكيم أثناء أوبعد إنتهاء الإجراءات فهذه العناصر وإن ميزت التحكيم عن الأساليب الأخرى لتسوية المنازعات إلا أن الأطراف لا تلتزم بها جبراً وإنما يمكنهم دائما الإستعانة بالقضاء كأحد مزايا التحكيم وهو ما لايتسنى لهم في أي نظام آخر من أنظمة التسوية الودية كالتوفيق أو الوساطة .