الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / تعريف التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 39-40 / "دور التحكيم الالكتروني في تسوية المنازعات" وآليات تفعيله

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 39-40
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    295

التفاصيل طباعة نسخ

مقدمـة:

    نعيش الآن في ما يسمى عصر المعلوميات، هذه الأخيرة التي أصبحت تشكّل ظاهرة عالمية نتيجة التبادل الالكتروني للمعطيات مع سائر الدول،  ما أدى إلى تنوع المعاملات وتطورها، وبالمقابل تطور أسباب النزاعات بين مستخدمي هذه التقنية، وكذا سبل فضّها.

   فإذا كان واقع شبكة الانترنت في بداية إستعمالها يعكس ميلاد مواقع النشر الالكتروني، التي تتضمّن معلومات عامة وإعلامية، فإنّه بفضل الخدمات الفعّالة والمتنوعة التي أصبحت تقدّمها اليوم، كالبريد الإلكتروني، والتجارة الالكترونية، إضافة إلى فضّ المنازعات عن بعد أدى إلى توسيع الرقعة التي تغطيها هذه الشبكة العنكبوتية.

   ويعدّ فضّ المنازعات عن بعد، أو ما يطلق عليه تسميات من قبيل "التحكيم الإلكتروني"، أو "التحكيم بواسطة الانترنت"، أو "التحكيم عن بعد"، من أبرز مظاهر الثورة المعلوماتية في الوقت الحاضر، إذ خرج التحكيم كآلية لفضّ المنازعات عن نمطه التقليدي، واتخذ من شبكة الانترنت مسرحا له، وذلك لمجاراة ازدياد العقود المبرمة بين أشخاص ينتشرون في شتى بقاع المعمورة يصعب الجمع بينهم إلاّ عن طريق الانترنت، وكذلك انسجاما مع الخلافات المنازعة الناتجة من العقود المبرمة بواسطة هذه التقنية، والتي تنامى عددها بشكل ملحوظ.

    وهكذا فإنّ المزاوجة بين التحكيم والمعلوميات، قد عملت على الجمع بين مجالين جديدين هما: أولاً، المعلوميات في خدمة التحكيم، هذا النوع تتداخل فيه الحوسبة ليأخذ الطابع الالكتروني لتكون المعلوميات عاملاً مساعداً يساهم في فضّ المنازعات وهو التحكيم العادي/ الإلكتروني، ثم ثانياً، التحكيم في خدمة المعلوميات حيث يكون موضوعه أموراً رقمية متكاملة لما يتناسب معها التحكيم الالكتروني في السرعة والدقة والانسجام في التقنية على خلاف القضاء العادي.

    ويكتسي موضوع التحكيم الالكتروني أهمية بالغة، تنبع من دوره في فضّ المنازعات بطرق عصرية وحديثة، ممّا يستلزم تسليط الضوء على هذه الطرق، وكذا الكشف عن المشاكل والإكراهات التي تحد من فعالية هذه الآلية الجديدة في فض النزاعات، دون نسيان ما للثورة المعلوماتية من دور في عملية التنمية الشاملة بنوعيها: الاقتصادي والاجتماعي، ومنه الحاجة إلى بحث المشاكل القانونية المتعلقة بها، ومحاولة الوصول إلى حلول مناسبة لها.

   ويطرح موضوع التحكيم الالكتروني العديد من الإشكاليات من قبيل تلك المرتبطة بالتوقيع الإلكتروني، وأيضاً تلك المترتّبة عن الإثبات في المجال الالكتروني، وأيضا الإشكالات التي تثيرها التجارة الالكترونية، وكذا الانتهاكات التي تتعرض لها شبكة الانترنت بصفة عامة، إلا أنّ دراسة كل نقطة تستلزم بحثاً مستقلاً، ولهذا سنقتصر على دراسة الإشكالية المتمثلة في:

   ما مدى فعالية التحكيم الالكتروني في تسوية النزاعات؟ وكيف تسير عملية التحكيم عن بعد؟

   وما هي سبل تفعيله في المغرب بصفة خاصة؟ وما هي الإكراهات التي تعوق فعاليته؟

    هذا ما سنحاول الإجابة عنه، عن طريق تبنّي تقسيم ثنائي من مبحثين: الأول سنخصصه لرصد أهمية التحكيم الإلكتروني ودوره في فضّ النزاعات، وكذا إجراءاته، والثاني سنرصد فيه آليات تفعليه على المستوى الوطني، وكذا الاكراهات التي تحدّ من فعاليته.

المبحث الأول- أهمية ودور التحكيم الإلكتروني في تسوية النزاعات:

   نتيجة للتقدم العلمي في المجال الإلكتروني وما تبعه من تنمية معلوماتية واتساع في حجم  التجارة الإلكترونية واتجاه التجارة الدولية نحو هذا النوع من التجارة التي تقوم على السرعة في إبرام العقود وتنفيذها، تأثر الكثير من جوانب المعاملات بين الأفراد، ومنها التأثير البالغ على المراكز القانونية وأسس المسؤولية المدنية والجنائية، وبرزت تساؤلات عن تكييف المعاملات الإلكترونية والقانون الواجب التطبيق وما إلى ذلك من تساؤلات، لكن وأمام اتساع مجال التجارة الالكترونية وما ينجم عنه من إبرام عقود الكترونية فإنّ من شأن ذلك أن يؤدي إلى بروز خلافات بين المتعاملين في هذا الإطار، ممّا يستدعي حلّها، وبالتالي البحث عن وسائل أكثر فاعلية لوضع حد لهذه الخلافات، ومن هذه الوسائل نجد التحكيم الالكتروني أو  التحكيم عبر الانترنت باعتباره وسيلة تقوم على أساس السرعة وما يؤديه من دور مهم في ذلك، خاصة وأنّ له مميّزات تجعله قادراً على ذلك مقارنة مع التحكيم العادي (المطلب الأول) كما أنّ إجراءاته تختلف نوعاً ما عن إجراءات القضاء العادي (المطلب الثاني(.

المطلب الأول- دور التحكيم الإلكتروني وخصائصه:

   قبل الخوض في الدور الذي يؤديه التحكيم الالكتروني في تسوية المنازعات، لا بأس من تسليط الضوء على ماهية التحكيم الالكتروني أو مفهومه.

    ويقصد بالتحكيم الالكتروني في الاصطلاح القانوني، إتفاق أطراف علاقة قانونية معينة عقدية أو غير عقدية على الفصل في المنازعة التي ثارت بينهم أو التي تحتمل أن تنشأ مستقبلاً، وذلك عن طريق أشخاص يتم اختيارهم كمحكمين ، ويتولى الأطراف المتنازعون تحديد هيئة التحكيم أو على الأقل يضمّنون اتفاقهم على اللجوء إلى التحكيم وبيان كيفية اختيار المحكمين، أو أن يعهدوا الى هيئة أو مركز من مراكز التحكيم الدائمة لتتولى تنظيم عملية التحكيم وفقا للقواعد أو اللوائح الخاصة بهذه الهيئات أو المراكز .

   أمّا على مستوى الفقه، فقد تعدّدت التعريفات الفقهية واختلفت في تحديد مفهوم التحكيم الالكتروني، فقد عرّفه البعض بأنّه" نظام للقضاء الخاص تقضي فيه خصومه بعيدة عن القضاء العادي، ويعهد إلى أشخاص يختارون للفصل فيها" ، في حين عرّفه البعض الآخر بأنه "إجراء قضائي من نوع خاص، ويتم بأسلوب مشابه للقضاء ويكون لحكم التحكيم قوة إلزامية على الأطراف بخصوص النزاع المطروح أمام هيئة التحكيم" .

   فالتحكيم يقوم على اتفاق يبرم بين أطرافه، ثم يمر بإجراءات معيّنة إلى أن يصدر في النهاية حكم من الجهة التي عهد إليها الحكم، وهنا يكون التحكيم اختيارياً أو اتفاقياً، ويختار فيه المحكم ويتم تحديد القانون الواجب التطبيق وإجراءات التحكيم، وهذا النوع من التحكيم يقوم على أساس مبدأ سلطان الإرادة.

   ولما كان الاختلاف بين كيفية إبرام وتنفيذ الصفقات التجارية التقليدية عن تنفيذ وإبرام الصفقات التجارية الالكترونية في مجال التجارة الالكترونية قد أدى إلى ضرورة تبنّي قواعد قانونية جديدة تتلاءم وتتوافق مع هذا النوع الجديد من التجارة، فإنّ التبنّي يجب أن يصاحبه اعتماد آليات ووسائل جديدة لحل المنازعات الناشئة عنها.

   وعليه، نخلص إلى أنّ التحكيم الالكتروني عبارة عن نظام قضائي من نوع خاص، ينشأ من خلال الاتفاق بين الأطراف ومن خلال الوسائل الالكترونية على إحالة النزاع وبشكل اختياري لفضّ النزاع القائم بينهم والمتعلّق في الغالب بالتجارة الالكترونية، ويصدر الحكم باستخدام وسائل الاتصال الحديثة ، ومن تمّ فإنّ التحكيم الالكتروني يتم عبر وسائط الكترونية وشبكة الأنترنت، ولذلك فهو يعني القيام بتسوية المنازعات والخلافات عبر شبكة الأنترنت دون حاجة إلى التواجد المادي لأطراف عملية التحكيم في مكان واحد.

أ‌- دور التحكيم الالكتروني في تسوية النزاعات:

   مع ازدياد حجم العقود المبرمة عن طريق الانترنت والتجارة الالكترونية ازداد بالطبع حجم النزاعات الناجمة عن ذلك، ولما يمثّله اللجوء الى القضاء من عبء كبير على المتعاقدين بواسطة شبكة الانترنت باعتبارها عقوداً عن بعد، وإشكالية القانون الواجب التطبيق عند حدوث النزاع والخشية من فقدان التجارة الإلكترونية موقعها البارز أخيراً في التبادل التجاري الدولي،  برزت فكرة التحكيم الإلكتروني كوسيلة لفضّ النزاعات المترتّبة على التعاقد الالكتروني حيث بدأ التفكير في إنشاء مراكز للتحكيم الالكتروني.

   ويؤدي التحكيم الالكتروني دوراً مهماً في الحفاظ على إيقاع التجارة الالكترونية واستقرارها لما يتميز به من سرعة ودقة، فالتحكيم الالكتروني تتجلّى أهميته أو دوره في اعتماده على طرق عصرية حديثة لم يألفها المتقاضون من قبل، وكذلك رجال القانون حيث يقع على عاتقهم عبء مواجهة هذا التطور المذهل في ثورة الاتصالات.

   ولعل الدور الذي يؤديه التحكيم الالكتروني في تسوية النزاعات يستمدّه أو ينبع من دوافع اللجوء إلى هذا النوع من التحكيم وهي الرغبة في عرض النزاع على أشخاص ذوي خبرة فنية خاصة وتجنّب بطء القضاء ونفقاته، وكذلك الرغبة في عدم التعرض لعلانية القضاء.

   ولتجسيد الدور الذي يؤديه التحكيم الالكتروني في تسوية النزاعات، فإنه تم إنشاء مراكز التحكيم الالكتروني أو التحكيم عن بعد، والتي هي عبارة عن وسيط محايد ونزيه موجود في شكل مراكز على شبكة الانترنت يوافق أطراف النزاع على العمل معه للوصول إلى حل فرضي للنزاع مع إعطاء السلطة الكاملة للأطراف لحل النزاع دون أي قرارات يفرضها الوسيط أو غيره.

   فالتحكيم الالكتروني يهدف أساساً إلى تنقية وتأمين العمل الالكتروني، وما يرتبط به من خلال تسوية المنازعات الالكترونية القائمة وتقديم الخدمات الاستشارية التي من شأنها منع حدوث المنازعات من أجل مجتمع رقمي، وذلك من خلال تقديم خدمات التحكيم عن طريق محكمين خارجيين عبر وسائط الاتصالات الالكترونية.

   لكن يجب ألاّ ننسى أنّ التحكيم الالكتروني يؤدي دوراً مهماً في تشجيع الاستثمار وتنمية عجلة الاقتصاد، دونما نسيان توفير الوقت من خلال عدم تكليف الأطراف المتنازعين في التنقل إلى المكان المختار لإجراء عملية التحكيم، ذلك أن عملية التحكيم الإلكتروني تتم بين الأطراف وكل واحد منهم في مكانه بالاقتصار فقط على الجلوس أمام الحاسوب والإبحار عبر شبكة الانترنت للقيام بعملية التحكيم الالكتروني.

   ولتفعيل دور التحكيم الالكتروني في تسوية المنازعات بين الأفراد تم إنشاء عدة مراكز تختص بذلك، ذلك أن الانطلاقة كانت من خلال إعداد مشاريع لحل النزاعات الناجمة عن التجارة الالكترونية، حيث تم وضع أسس وقواعد تنظيم إجراءات التحكيم منذ إبداء الرغبة في عرض النزاع للتحكيم لحين إصدار حكم التحكيم. فأولى هذه المشروعات أنشأتها شركة (Cyber Settle) سنة 1996 لتضع بذلك حجر الأساس في حل النزاعات عبر الانترنت، محاولة بذلك البعد عن الروتين الإجرائي ومداهمته لوقت المتنازعين، عارضة مشروعها على الموقع www cyber settle.com  مضمنّة إياه ما يهم المتنازعين من إجراءات رفع النزاع وكيفية فضه، وبعد ذلك بلغ عدد مراكز التحكيم عبر الانترنت 20 مركزاً.

    ومن التطبيقات التي كان التحكيم الالكتروني موضوعاً لها، نذكر واقعة العلامة التجارية الشهيرة TOYOTA والتي استعملت كعنوان الكتروني www.Toyota.com من قبل شخص لا يملك الحق في استعمال واستغلال هذه العلامة، وهي القضية التي بتّ النزاع القائم بشأنها مركز الويبو للتحكيم والوساطة، وأيضاً واقعة العلامة التجارية المشهورة ADIDAS في العنوان الالكتروني www.ADIDAS.com، وكذلك العلامة الشهيرة Pepsicola في العنوان الالكتروني www.pepsicola.com . وأيضاً قرار مركز التحكيم والوساطة الويبو بشطب العنوان الالكتروني www.sheel.com لاعتدائه على العلامة التجارية المشهورة Sheel، إذ أن الخطأ المطبعي لدى المستخدم قد ينقله إلى الموقع الجديد الذي قد يفيد من شهرة هذه العلامة في جذب الزوار بما يتأكد معه سوء النية في التسجيل.

   من جهة أخرى، يتم تقديم طلبات التحكيم والوثائق والمستندات من خلال مذكرات ترسل عبر البريد الالكتروني، وإذا رغب الأطراف في مناقشة بعض المسائل والتفاصيل المرتبطة بعملية التحكيم، فإنه يتم اللقاء بينهم من خلال ما يسمى غرف المخاطبة أو الدردشة والحوار عبر الأنترنت Chat-Room، ويعقد في هذه الحالة لقاء عن بعد بين جميع الأطراف المختصين بواسطة video- conference يتناولون فيه الجوانب المتعلقة بموضوع التحكيم .

   لكن تجدر الإشارة إلى أنّ مراكز التحكيم الالكتروني لم تتوقف عند تقديم الإستشارات، إذ أخذت تقدّم ما يعرف بالتحكيم المعجّل . هذا النوع من التحكيم يحضّ على آلية أسرع لبت النزاع نظراً لما قد يطرأ على النازلة من خسارة مادية في حالة تأخّرها، وخصوصاً في مجال التجارة الإلكترونية وما يستدعي من ضرورة السرعة والكفاءة في العمل، وقد ظهر هذا النوع سنة 1998  وما على طالب التحكيم، إلاّ أن ينقر على التحكيم المعجل، ثم على مفتاح creatacaxللطلب ومقدار رسوم التسجيل وآلية الدفع، ويعمل هذا الأخير على إخطار المحتكم ضده بالدعوى وأنه تم إعداد صفحة النزاع على موقع المركز وتزويده باسم المرور Password ليتمكن من الدخول إلى موقع المركز وتقديم الجواب، ليعمل المركز بذلك على إخطار الهيئة وتزويدها الصفحة أعلاه واسم المرور ليتسنى لها الاتصال بالأطراف، ويحق للطرفين معاً الدخول بنقرهما على مفتاح Appending case  وكلمة المرور ليشاهدا الوثائق والبيانات المدلى بها من الطرف الخصم والتعليق عليها عن طريق البريد الالكتروني E.Mail ، وتخزن هذه البيانات على شكلين: الأول Pockel  وهي البيانات والوثائق التي يمكن أن يطلّع عليها فريقا النزاع والهيئة والمراكز، والثاني correspondance وهو الذي يطبع عليه المرسل إليه فقط. (Expedited Arbitration) منظمة إياه بقواعد تختلف عن التحكيم العادي .

  وفي نفس الإطار، فإنّه تم عقد العديد من المؤتمرات الدولية من طرف الدول سواء العربية أو الغربية، وذلك وعياً منها بالدور الأساسي الذي يؤديه التحكيم الالكتروني في فضّ النزاعات؛ حيث تم انعقاد المؤتمر الرابع للتحكيم الدولي بصنعاء خلال الفترة مابين 14 و15 شتنبر 2002 تحت عنوان مستجدات جديدة في التحكيم الإلكتروني؛ حيث تميزت الدورة بالتركيز على السمات الأساسية في التحكيم وسلوكيات المحكم، إضافة إلى حلّ نزاعات التجارة الالكترونية عن طريق الانترنت، وتمت الإشارة إلى المشكلة عند رجال القانون في حل هذه النزاعات، حيث أنّ المفروض أن تحلّ عبر الانترنت خلال دقائق أو أيام معدودة بحضور المحكمين، وكذا المحامين  من خلال تواصلهم عبر هذه الشبكة.

   كما تمّ تأسيس الاتحاد العربي للتحكيم الالكتروني بتاريخ 1 شتنبر 2007 بالقاهرة، حيث يهدف إلى فضّ منازعات التجارة الالكترونية والملكية الفكرية باعتبارها تساهم في حل مشكلة الاختصاص والقانون الواجب التطبيق.

ب- خصائص التحكيم الالكتروني:

   نتيجة لتطور معاملات التجارة، وبروز ما يعرف بالتجارة الالكترونية والتي انبثق منها إبرام عقود الكترونية بين الأفراد، هذه العقود التي تتميّز بكونها تقوم على أساس الرضا بمجرد تلاقي الإيجاب والقبول، وباعتبار هذه العقود تتم عن بعد وما يطغى عليها من إذعان ، فإنّها بدورها لا تسلم من نزاعات بين أصحابها حيث يلتجئون إلى إعمال نظام التحكيم الالكتروني لما له من خصائص مميزة عن التحكيم العادي.

   ويتميّز التحكيم الالكتروني بعدة مزايا منها: سرعة إصدار الأحكام نظراً لسهولة الإجراءات، حيث يتم تقديم المستندات والأوراق عبر البريد الالكتروني، وهو ما يتماشى مع طبيعة التجارة الالكترونية التي تقوم على أساس السرعة في إبرام العقود وتنفيذها، كما يمكن الاتصال المباشر بالخبراء أو بتبادل الحديث معهم عبر الانترنت، لذا انتشرت محاكم وهيئات التحكيم الالكتروني ، كما يتميّز التحكيم الالكتروني بالسرعة في إنجاز الأعمال على غرار التعاقد الالكتروني، ذلك أنه يتم اختصار الوقت والجهد، إضافة إلى التكاليف ، حيث أنه لا يلزم في التحكيم الالكتروني انتقال أطراف النزاع أو الحضور المادي أمام المحكمين، بل يمكن سماع المتخاصمين عبر وسائط الاتصال الالكترونية عبر الأقمار الاصطناعية.

   كما يتميّز التحكيم الالكتروني بكون موضوعه يتمثّل في أمور تتعلّق بالاقتصاد والتجارة ومشاريع اقتصادية أو من حيث ترتيب تداخل الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية "ICSID" واتفاقية نيويورك سنة 1958 بشأن تنفيذ الأحكام الأجنبية، كما يتميّز هذا النوع من التحكيم بكون إجراءاته هي إجراءات رقمية  وبسيطة. فهو يتجاوز القوانين الوطنية والعوائق التي تفرضها هذه القوانين عند اللجوء إلى المحاكم الوطنية سواء من الناحية الشكلية أو من الناحية الموضوعية.

   ومن المزايا أو الخصائص التي يتمتع بها التحكيم الالكتروني نجد سرية المعلومات المتعلقة بالتحكيم، فالراجح أنّ السرية من أهم سماة هذا النوع من التحكيم، لكن مع ذلك ليس ثمة من إجابة واحدة في القوانين الوطنية عن مدى إلزام المشتركين في قضية تحكيم بواجب الحفاظ على سرية المعلومات ذات الصلة بالقضية، فقد يشمل اتفاق التحكيم الالكتروني على السرية، على سبيل المثال، بخصوص واحدة أو أكثر من المسائل التالية، المواد أو المعلومات التي ينبغي أن تبقى سرية كالأدلة والمرافقات المكتوبة وهوية المحكمين ومضمون قرار التحكيم  ... كما يتيح التحكيم الالكتروني سبل تبادل الاتصالات الكتابية بين الأطراف والمحكمين بسهولة وبساطة وبالعدد المناسب من النسخ من خلال اعتماد الفاكس مثلاً أو البريد الإلكتروني أو القرص المغناطيسي....

   لكن، وأمام كل هذه المزايا يطرح العديد من الإشكاليات التي قد تعصف بالتحكيم الالكتروني ومزاياه، خاصة ما يتعلق بالجرائم المعلوماتية التي من خلال استخدام شبكة الانترنت قد يتم المساس بالمعلومات المقدمة من الأطراف أو فرضها وتحريفها أو إخفاءها جملة وتفصيلا ناهيك عن صعوبة الإثبات، خاصة في ما يتعلق بالمحررات الالكترونية وحجيتها.

   فالجرائم المعلوماتية التي تتم عبر الانترنت، والتي تمس التحكيم الالكتروني، هي التي تتم بواسطة الحاسب الآلي عن بعد، من خلال الدخول إلى البيانات الخاصة بأطراف النزاع والمحكمين والقيام بتغييرها أو حذفها. فهذه الجرائم لا تعرف الحدود الجغرافية، وقد تتم هذه الجرائم من خلال استخدام الفيروسات، لكن مع ذلك يصعب اكتشافها وإثباتها ومتابعة مرتكبها ، دون إغفال الجرائم المرتبطة بقرصنة المعلومات والمعطيات الخاصة للأفراد، وأيضاً إختراق بنوك المعطيات والمواقع الالكترونية لمراكز التحكيم الالكتروني، ممّا يؤدي إلى بعث نوع من القلق والشك والخوف من المخاطرة من لدن الأفراد الراغبين في سلوك مسطرة التحكيم الالكتروني.

   أما بالنسبة الى حجية المحرّرات الالكترونية وإثباتها، فإنه يثور الخلاف بشأن الاعتداد بها، نظراً لكون عدم الاعتداد بهذه المحررات في التحكيم الالكتروني من شأنه أن يساهم في إفقاده خصوصياته، مع العلم أنّ مشروعية الإثبات الالكتروني ليست بالأمر الجديد، ذلك أنّ بعض الفقهاء أضفوا القوة الثبوتية على المحررات الالكترونية، ذلك أنّ هناك نوعاً من هذه المحررات، وهي المخرجات الورقية المغناطيسية والميكروفيلم اللذين يحتوي كل منهما على كتابة قراراتها بالعين المجردة، وهذا النوع له قوته الثبوتية في مجال التحكيم الالكتروني.  ولأجل ذلك فقد حدد المشرع المغربي من خلال القانون رقم 53-05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية مجموعة من الشروط  الواجب توافرها في المحرر الالكتروني حتى ينعقد بكيفية صحيحة، وذلك من خلال الفصل 5-65 من هذا القانون، وحتى يكون بذلك للمحرر الالكتروني الحجية الكاملة للإثبات وإمكانية مساواته بالمحررات التقليدية، ألا وهي الكتابة والتوقيع والتوثيق، ثم إمكانية الاحتفاظ بالمحرر الالكتروني في شكله الأصلي المتفق عليه، وأخيراً إمكانية استرجاع المحررات الالكترونية المحفوظة.

 

المطلب الثاني- الخطوات العملية للتحكيم الالكتروني:

   إنّ وقوع النزاع بين أطراف العقود الإلكترونية، يطرح إشكالات عديدة بخصوص معالجة هذا النزاع، لكن الأمر يصعب شيئاً ما بعد اختيار هؤلاء الأطراف التحكيم الالكتروني لحل هذا الخلاف، ذلك أنه تثار مسألة مباشرة الإجراءات المتعلقة به الخطوات الواجب إتباعها في هذا الصدد، والتحكيم الالكتروني كغيره من الوسائل البديلة لفضّ المنازعات له مراحل يمر بها ويجب على الأطراف المتنازعين سلوكها، حيث تبدأ بعرض النزاع على التحكيم وبدء الإجراءات التحكيمية لانتهاء أداء الرسوم الواجبة.

أ‌-عرض النزاع على التحكيم:

   قبل الحديث عن عرض النزاع على التحكيم الالكتروني، تجدر الإشارة إلى أنه بخصوص اتفاق التحكيم الالكتروني، والذي يتضمّن اللجوء إليه في حالة النزاع، فإنه لابد من أن يتضمّن شرط الكتابة، بمعنى التوسع في مفهوم الكتابة التقليدية واستخدام الكتابة الالكترونية، لأنّ الكتابة شرط أساسي وفق ما جاء في المادة 7 من القانون النموذجي الصادر عن الهيئة العامة للأمم المتحدة، خاصة في الفقرتين الأولى والثانية، نفس الأمر تعرّضت له المادة 2 من اتفاقية نيويورك 1958 .

   أما بخصوص عرض النزاع فإنّه يتم رفعه الكترونياً، إذ تكون هناك استمارة معدّة سلفاً ترسل بواسطة الانترنت وترفق بها صورة من الاتفاق الوساطة، بالإضافة إلى بيانات المدّعي واختياره وسيطاً أو ترك ذلك المركز، مع دفع مبلغ مقدّم لأجل الرسوم ، ويتعيّن على المحتكم أن يكتب في طلب التحكيم إيجازاً عن طبيعة وظروف النزاع وأية حلول يراها مناسبة له، ذكر أسماء ممثليه في نظر النزاع وتحديد وسيلة الاتصال بهم وتحديد عدد المحكّمين (1-3) وعند إغفال ذلك سيعتبر أنه اختار محكماً وحيداً لنظر النزاع ، وأيضاً اختيار الإجراءات المتّبعة خلال نظر النزاع مع الإشارة إلى أنّ المركز سيحذر المحتكم إلى ضرورة اختيار هذه الإجراءات، وذلك في بحر أسبوع من استلام المركز طلب التحكيم، مع منح مهلة يومين لتحديد هذه الإجراءات .

   وبعد إستلام مركز التحكيم الطلب المقدم للجوء الى الوساطة كحل للنزاع يأتي دوره في قبول أو رفض نظر النزاع، ومن أشهر مراكز التحكيم الالكترونية مركز منظمه الملكية الفكرية وموقعه، وبقبوله المركز يتم إخطار الطرف الثاني (المدعى عليه) بواسطة البريد الالكتروني مع تزويده نموذجاً للردّ (لائحة جوابية) فإن ردّ المدعي عليه وقبل بالوساطة، فإنه يتعيّن عليه إرفاق بياناته التي يعتمد عليها مع اختيار وسيط أو ترك الاختيار لمركز التحكيم، وبعد ذلك يقوم مركز التحكيم بإعداد صفحة عرض النزاع على موقع الكتروني مُعدّ لذلك ويعطي الطرفين كلمة مرور تخولهما دخول الموقع والإطلاع على صفحة النزاع، ويقوم بعدها المركز بإخطار الوسيط وإعلامه بمهمته تاركاً له الخيار في نظر النزاع أولاً .

   وإن رفض الوسيط النظر في النزاع، فإنه يتم إخطار الطرفين لاختيار وسيط أخر أو ترك الاختيار للمركز وبموافقة الوسيط تبدأ مهمته بالنظر في النزاع، ويطلع على ما قدّمه الطرفان ومدى إمكانية التنازل لتحقيق المصلحة العامة خلال مدة مثلاً (10-14) يوماً، كما حدّدها مركز « square trade » للتحكم والوساطة، اعتماداً على سرعة استجابة الطرفين وقبولهما الحل المقترح .

   وتحاط عملية التحكيم والوساطة بالسرية الكاملة منذ إرسال الطلب إلى حين إبرام التسوية النهائية المرضية للطرفين، وفي حالة عدم التوصل للاتفاق فإنه يحق لكل طرف اللجوء إلى القضاء، كما يحق له الانسحاب من عملية الوساطة في أي وقت بعد انعقاد أولى الجلسات، وإلى ما قبل التسوية النهائية مع حقه في استرداد البيانات، مع الإشارة إلى انّ المحتكمين ملزمون أداء الرسوم الإدارية، كما أنّ إعلان المحتكم ضده بطلب التحكيم يمنح مهلة 20 يوما لإرسال جواب للمركز على كل ما قدّم ضده.

ب- بدء إجراءات التحكيم الإلكتروني:

   تبدأ إجراءات التحكيم بواسطة شبكة الانترنت أمام هيئة التحكيم في اليوم المعلن عنه مسبقاً؛ والذي أخطر به أطراف النزاع بعد تسلّم مركز التحكيم الإلكتروني رد وبيانات المحتكم ضده ومنح قدرة كافية لتقديم بيانات إضافة أو التعديل فيها، والسماح لأطراف النزاع بتوكيل ممثليهم بغض النظر عن جنسية أو مؤهلات الوكلاء، والذين تم رفع أسمائهم مسبقا للمركز. لتمثيلهم أثناء جلسات التحكيم .

   وتقتصر إجراءات التحكيم على بيانات محدّدة مقدّمة مع الإدعاء والرد عليه أو التقدم بطلب من هيئة التحكيم وتتمثل هذه الإجراءات في البيّنة الخطيّة، البيّنة الشخصية والخبرة الفنية.

   فالبيّنة الشخصية تُعدّ إحدى البيّنات المعمول بها في شتى قنوات الإثبات وهو ما أخذت به مراكز التحكيم عن بعد تاركة لأطراف النزاع حرية الاستعانة بشهادة الشهود مع تحديد آلية سماع الشاهد والاتصال به بعد إخطار هيئة التحكيم بأسماء وعناوين الشهود وتحديد الوقائع المطلوب سماع الشهود بخصوصها، وبعد موافقة الهيئة تعمل على تحديد آلية سماعهم وهي إمّا بالهاتف، أو استدعائهم لجلسة سرية بواسطة كاميرا دائرة تلفزيونية لاستجوابهم ومناقشتهم وإبداء آرائهم حول النقاط المتعلقة بالنزاع، وتكون نفقات سماع الشاهد على من طلبه.

   أما البيّنة الخطية فهي تقنية تخوّل الأطراف تقديم البيانات سواء خلال مرحلة الإدعاء أو خلال مرحلة الجواب شرط أن يكون مؤشراً عليها في قائمة البيانات المرسلة إليها، إلاّ أنه يجوز لها قبول بعض البيانات إذا تبيّن لها أهميتها في النزاع ، ويحق للهيئة ومن تلقاء نفسها أن تطلب أية بيّنة إضافية تراها ضرورية لتأييد أية واقعة للفصل في النزاع.

   أما طلب الخبرة الفنية فإنّ مراكز التحكيم عن بعد- التحكيم الالكتروني- سمحت لأطراف النزاع في طلب الخبرة الفنية لإثبات وقائع تتعلق بموضوع النزاع كالعيب في المبيع مثلاً، وتحديد مقدار الضرر الذي وقع للمشتري وتقدير ثمن المبيع مثلاً، وتحدّد شروط الاستعانة بالخبرة الفنية من قبل مراكز التحكيم، على أنه وبعد إخطار الهيئة بطلب  الخبرة الفنية والخصم قبل الفصل بوقت معقول وسماع رد الخصم في الطلب بالموافقة أو الرفض والفصل في ذلك بالسرعة المطلوبة، ذلك أنه عند موافقة الهيئة على الطلب يقوم الخبير بتقسيم القسم القانوني ويمنح مهلة 30 يوماً لتسليم تقرير الخبرة، ليقوم الأطراف بعدها بمناقشة الخبير وسؤاله عن أية نقطة في تقريره .

   وبعد الانتهاء من تقديم البيانات يعاد إلى الفصل في النزاع خلال فترة أقصاها شهر واحد، ويصدر القرار كتابة وتكفي الأغلبية لصدوره مع توقيعه بواسطة رئيس الهيئة والأعضاء مع ذكر ملاحظات وآراء العضو المخالف إن لم يكن الحكم بالإجماع، ويتضمّن القرار، بالإضافة إلى الحكم، تاريخه ومكان صدوره وأجور المحكمين ونفقاتهم وأجور الخبراء وأية نفقات أخرى، وتسبيب القرار ما لم يتفق الأطراف على عدم التعليل ، على أنه يحق للهيئة القيام بطلب الخبرة الفنية من تلقاء نفسها.

   لكن ثمة إشكال يطرح ويتعلق بمصير الإجراءات التحكيمية المتخذة في حالة وفاة أحد المحكمين أو فقدانه لأهليته. ففي هذا الإطار، فإنّ مراكز التحكيم نصّت على ما يعرف باستبدال المحكم كمحاولة منها لضمان استقرار العملية التحكيمية، خاصة من الناحية الزمنية، وقد تمّ التنصيص بهذا الخصوص على حالات معيّنة حيث عند تحقق أحدها يتم إخبار الأطراف المعنية بالأمر لاختيار محكم بديل ، ومن جملة هذه الحالات نجد الوفاة، فقدان المحكم لأهليته، العجز....

ج- تسوية النزاع وإنهاؤه:

   نصّت مراكز التحكيم الإلكتروني على حق أطراف النزاع في طلب إنهائه في حال توصلهم إلى تسوية ودية لحل هذا النزاع، شرط أن يسبق طلبهم هذا صدور القرار التحكيمي، حيث يتم تقديمهم طلب تسوية النزاع إلى مركز التحكيم وفق النموذج المخصص لذلك، نفس الحق مخول لمركز التحكيم، وذلك بدعوة أطراف النزاع وحضهم على تسوية ودية .

   وبخصوص القرار التحكيمي الرامي لحل النزاع فإنه يصدر كتابة خلال شهر واحد من فضّ النزاع، ويوقّع عليه الرئيس والأعضاء، مع ذكر رأي العضو المخالف إن لم يكن بالإجماع، ويتضمّن القرار التحكيمي تاريخ ومكان صدور الحكم وأجور المحكمين والخبراء ونفقاتهم وتعليل القرار ما لم يتفق الأطراف على عدم التعليل.

   وتقوم الهيئة التحكيمية بتزويد المركز القرار ليسلم الى الأطراف، ويٌعدّ الحكم ملزماً لهم بمجرد الاستلام ، على أنه يحق للهيئة التحكيمية القيام بتصحيح الأخطاء التي يمكن أن تشوب القرار التحكيمي داخل أجل 30 يوماً.

د- رسـوم التحكيم الالكتروني:

   بعد قيام أطراف النزاع بمباشرة إجراءات التحكيم الالكتروني قصد تسوية خلافاتهم، فإنّ هذه الإجراءات أو اعتماد وسيلة التحكيم الالكتروني تتطلب واجبات مادية أو رسوم يجب تأديتها لصالح مركز التحكيم في شكل أتعاب للمحكمين والنفقات الضرورية لمختلف مراحل العملية التحكيمية.

   فأولى الرسوم التي يلزم المحتكمون بأدائها نجد رسوم التسجيل والتي تدفع بالدولار الأمريكي وتحتسب بمقدار المبلغ المتنازع عليه، لكن إذا كان هذا المبلغ غير محدّد وقت رفع النزاع، فإنه يتعين دفع 1000 دولار مع طلب التحكيم، ويدفع ذات الرسم إذا كان موضوع النزاع ليس مالياً .

   أما بخصوص الرسوم الإدارية فهي تسدّد خلال 30 يوماً من إرسال طلب التحكيم وتحسب وفق جدول الرسوم المطبّق وقت بدء التحكيم بالنسبة للمحتكم، ومن تاريخ إرسال طلب الإدعاء المقابل أو زيادته بالنسبة للمحتكم فيه على أنه في حالة التأخّر عن أداء هذه الرسوم يُمنع من تأخّر عن أدائها مدة 15 يوماً أجلاً لأدائها، وذلك من تاريخ الإخطار الكتابي، وإلاّ اعتبر راجعاً عن إدعائه أو إدعائه المقابل أو عن الزيادة فيه ، ويقوم المركز التحكيمي بتقدير الرسوم الإدارية بحيث لا تنقص عن 1000 دولار ولا تزيد على 35.000 دولار إذا لم يكن النزاع المعروض نزاعاً مالياً .

   وأخيراً هناك رسوم المحكّمين وتشمل أتعاب المحكّمين والنفقات اللازمة لصيرورة عملية فضّ النزاع، وذلك بعد استشارة المحكمين أطراف النزاع بمقدار هذه الرسوم، ويتم توزيعها إذا كانت الهيئة مكوّنة من 3 أعضاء، ومع الإشارة إلى أنّ هناك مراكز للتحكيم الإلكتروني لم تنصّ على العدد المعيّن أو اللازم للمحكمين قصد تشكيلهم هيئة التحكيم بغية الفصل في النزاع إلكترونياً، مع العلم أنّ مراكز التحكيم تقوم بداية باستيفاء مبلغ التأمين، وذلك بعد إخطارها للمحتكمين، ويتم دفع مبلغ التأمين خلال 30 يوماً من إحالة النزاع إليها .

هـ- التحكيم المعجّل:

   تستدعي طبيعة بعض النزاعات البحث عن آلية أسرع للفصل فيها خاصة في مجال التجارة الالكترونية، لهذا يتم اللجوء للعمل بهذا النظام أو هذه التقنية السريعة جداً، والتي تم العمل بها سنة 1998، ذلك أنه ما على المحتكم سوى النقر على مفتاح التحكيم المعجل

 « expedited arbitration » ثم النقر على مفتاح « créât a case » وملئه الطلب الموجود أمامه على شاشة الكومبيوتر الخاص به وإرساله الى مركز التحكيم الذي بدوره يرسل له رسالة إلكترونية لإبلاغه باستلام الطلب ومقدار رسوم التسجيل والرسوم الإدارية وكيفية دفعها،  وباستلام المركز الرسوم يقوم بإخطار المحتكم ضده بالدعوى، حيث تمّ إعداد صفحة للنزاع على موقع المركز ويتم تزويده باسم مرور« password » لتمكينه من دخول النزاع وتقديم الجواب، حيث يقوم المركز بعد ذلك بإبلاغ الهيئة وتزويدها الصفحة أعلاه  لكي تتصل بأطراف النزاع.

   ووفق هذه الإجراءات السريعة وخلال شهر واحد من تقديم الرد على الدعوى أو تشكيل هيئة التحكيم يصدر الحكم من محكم فرد .

المبحث الثاني- آليات تفعيل التحكيم الالكتروني وإكراهات:

   أصبح من الواضح أن هناك اتجاهاً متزايداً للتحكيم الالكتروني على المستوى العالمي، لما له من فاعلية قصوى وأهمية في فضّ المنازعات بطرق عصرية لم يألفها المتقاضون من قبل، وكذلك رجال القانون.

   وإثر دخول المغرب في مسيرة التنمية البشرية، وما تولد عنها من نتائج وسياسات إصلاحية على صعيد جميع المجالات، وفتحه الباب للاستثمار على مصراعيه، ما أدّى إلى ضخ الكم الهائل من رؤوس الأموال الأجنبية في إطار انجاز أوراش كبرى، وكذا لارتفاع عدد المعاملات في إطار التجارة الدولية، إضافة إلى تنامي التعامل في إطار التجارة الالكترونية في المغرب والعالم أجمع، أصبح معه اللجوء إلى التحكيم الالكتروني أمراً مسوغاً، لما يوفّره من مزايا وخصائص كما سبقت الإشارة إليها.

   لذا كان لزاماً توفير الآليات المناسبة لتفعيل التحكيم الالكتروني على المستوى الوطني، وإذا ما تم تفعليه يجب رصد الإكراهات والمعوقات التي تحدّ من فعاليته، ومن ثمّ محاولة التوصل إلى الحلول التي تخفف من وطأتها وآثارها السلبية.

فما هي الآليات التي يجب أن يعمل المغرب على توفيرها حتى يتم تفعيل التحكيم الالكتروني (الفقرة الأولى).

وما هي الإكراهات التي تحدّ من فعالية التحكيم الإلكتروني؟ (الفقرة الثانية).

 

المطلب الأول- آليات تفعيل التحكيم الإلكتروني:

   قصد الاستفادة من الإيجابيات التي توفّرها المعلومات، وتشجيع الإقبال على الخدمات المقدمة في إطارها، والذي يُعدّ التحكيم الالكتروني من أوجهها، يجب توفير آليات تساهم في تفعيله، وكذا لمواجهة المشاكل والسلبيات الناجمة عن استعمالها، من قبيل توفير غطاء تشريعي يمنح الثقة للمحتكمين، وكذا توفير البنيات التحتية المناسبة، والاهتمام بالجانب الثقافي الذي يتمثل في تكوين الموارد البشرية في هذا المجال.

1- امتلاك الترسانة القانونية:

   أضحى الانترنت والمعلومات بصفة عامة باعتبارها ظاهرة إنسانية واقتصادية واجتماعية، لا يمكن أن تتطور دون أن تتوافر لها القواعد القانونية  لتنظمها، خصوصاً نظراً لتطورها المتزايد والذي يحمل في طياته الجانب المظلم، الذي يتجسد في مدى توافر التنظيم القانوني والحماية القانونية من مخاطر هذه التقنية والتي تتصف بالتشعب والتعقيد ، إذ في ظل انعدام توفير  الغطاء القانوني المنظم لعملية التحكيم الإلكتروني خاصة، والمعاملات في إطار شبكة الانترنت بصفة عامة، وعدم توفير حماية من مخاطرها، لا محالة سيؤدي إلى عدم اللجوء إلى التحكيم الإلكتروني من طرف فريقي النزاع، وبالتالي سيلجآن لأساليب التحكيم التقليدية سواء من حيث الاتفاق أو سير العملية لفضّ نزاعاتهم ، خوفاً من الوصول إلى حكم تحكمي غير مفعّل ولا قيمة له.

   والمغرب لا يتوفر على قانون للمعلومات بمعنى الكلمة، وإنما هناك قانون رقم 53-05 المتعلّق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية، والذي يحدّد النظام المطبّق على المعطيات القانونية التي يتم تبادلها بطريقة إلكترونية وعلى المعادلة بين الوثائق المحررة على الورق، وكذا الإطار القانوني المطبق على العمليات المنجزة من قبل مقدمي خدمات المصادقة الإلكترونية، وأيضاً القواعد الواجب التقيد بها من لدن مقدمي الخدمة المذكورين. لذلك يتعيّن وجود قانون يعنى بالمجال المعلوماتي بشكل يجعله يتماشى مع إفراز الواقع التكنولوجي الحديث طرح إشكالية تغير التصور الفقهي والبناء القانوني بالنظر إلى طبيعة المسائل القانونية التي أنشأتها تقنيات المعلومات .

   إلاّ أنه توجد العديد من المقتضيات القانونية المتناثرة هنا وهناك، التي منها ما تجرِّم الأفعال التي تسبّب ضرراً لمستعملي تقنية الانترنت كتلك المنصوص عليها في:

- القانون رقم 03.03  وهو القانون المتمّم لمجموعة القانون الجنائي (الباب الأول مكرر من الجزء الأول من الكتاب الثالث)، والمتعلق "بالإرهاب"، والذي في الفصل 1-218 منه نص "على أنه تعتبر الجرائم الآتية أفعالاً إرهابية إذا كانت لها علاقة عمداً بمشروع فردي أو جماعي يهدف إلى المس الخطير بالنظام العام بواسطة التخويف أو الترهيب، أو العنف، ... الجرائم المتعلقة بنظم المعالجة الآلية للمعطيات...".

- القانون رقم 07.03  وهو القانون المتمم لمجموعة القانون الجنائي (الباب العاشر من الجزء الأول من الكتاب الثالث) المتعلق بالمس بنظم المعالجة الآلية للمعطيات، والذي جاء فيه تجريم بعض الأفعال المتعلقة بنظم المعلوميات، كالفصول 5-607 و6-607 التي جرّمت الاعتداء على سلامة نظام المعالجة الآلية للمعطيات، وكذا الفصلين

3-607- 4-607 اللذين جرّما التزوير أو التزييف في وثائق معلوماتية واستعمالها، وقد ورد في هذا الباب عدة عقوبات بالحبس وغرامات، وكذا تدابير مصاحبة من قبيل مصادرة الأدوات المستعملة في ارتكاب الجرم.

- القانون رقم 00-2  وهو القانون المتعلق بحقوق المؤلف والحقوق المجاورة والذي نص على استفادة" برامج الحاسوب" من الحماية المقررة للمصنفات الأدبية والفنية وذلك في مادته الثالثة.

- القانون رقم 96-24 المتعلق بالبريد والمواصلات لسنة 1997: إذ ورد في المادة 81 وما بعدها النص على عقوبات مالية تتراوح ما بين 500 درهم إلى 1500 درهم على كل من قام بعدم احتياط أو عن غير عمد بارتكاب فعل مادي من شأنه عرقلة خدمات المواصلات، أو بتعييب أو إتلاف الخطوط الهوائية أو المدفوعة أو أجهزة المواصلات أو كل منشأة مواصلاتية بأية طريقة كانت.

- القانون رقم 95-15 المتعلّق بمدوّنة التجارة ، حيث نصّت المادة 331 منها على العقوبات الواجبة في حالة تزييف أو تزوير وسيلة أداء، وكل من استعمل عن علم أو حاول استعمال وسيلة أداء مزيفة أو مزورة، وكل من قبل عن علم أداء بواسطة وسيلة أداء مزيفة أو مزورة، هذه المادة التي أحالت على العقوبات المنصوص عليها في المادة 316 من نفس القانون والتي تتراوح ما بين سنة إلى خمس سنوات حبساً، وغرامة ما بين 2000 و10.000 درهم.

   إضافة إلى هذه النصوص القانونية المجرّمة للأفعال التي تلحق الضرر بمرتادي الشبكة المعلوماتية، هناك نصوص عُنيت بتنظيم التبادل الإلكتروني للمعطيات وهو القانون رقم 53-05 ، وكذا المتعلّق بالمعادلة في الوثائق المحررة على الورق وتلك المُعدّة على دعامة الكترونية، ونظم التوقيع الالكتروني والتشفير، وعالج العملية المتعلقة بمقدمي خدمات التصديق الالكتروني والتشفير، والقواعد الواجبة التطبيق من طرف مقدمي الخدمة ومن طرف الحاصلين على الشهادات الالكترونية المسلّمة، إذ بمقتضى هذا القانون جعل المشرع المغربي قوة لإثبات الوثائق الإلكترونية مثلها مثل المستند الورقي .

   وسمح المشرّع المغربي في الفصل 3-65 استخدام المسائل الالكترونية لوضع عروض تعاقدية أو معلومات متعلقة بسلع أو خدمات رهن الإشارة ومن أجل إبرام العقد، مؤكدا على أنه يفترض الوثوق في الوسيلة المستعملة في التوقيع الالكتروني إلى أن يثبت ما يخالف ذلك عندما تتيح هذه الوسيلة استخدام توقيع الكتروني مؤمّن، والتوفّر على شهادة مطابقة التوقيع الإلكتروني المسلّمة من طرف السلطة الوطنية، كما أنّ خدمات التشفير هي خاضعة للترخيص، وقد عمد المشرع في المادة 15 من الباب الأول على اختصاص السلطة الوطنية المتعلقة باعتماد ومراقبة المصادقة وشروط قبول الطلبات، كما رتّب عقوبات حبسية ومالية على كل من أدلى بتصاريح كاذبة أو تسلم وثائق مزورة إلى مقدم خدمات ... أو من استعمل التشفير دون تصريح.

   إضافة إلى ما نصّت عليه المادة 329 من مدوّنة التجارة التي اعتبرت وسيلة أداء وفق المادة 6 من قانون 03-34  لسنة 2006 بمثابة قانون يتعلق بنشاط مؤسسات الائتمان والهيئات المعتبرة في حكمها، كل وسيلة تمكّن كل شخص من تحويل أموال كيفما كانت الطريقة أو الخطة التقنية المستعملة لذلك.

  وأخيراً الفقرة الأخيرة من المادة 29 من القانون رقم 31-08 القاضي بتحديد تدابير

    لحماية المستهلك والتي تحيل على المقتضيات المنصوص عليها في القانون رقم 53-05 المتعلق بالتبادل الالكتروني للمعطيات القانونية. إلاّ أنه يبقى كل ذلك ناقصاً إذا لم يتم أساساً تنظيم آلية التحكيم بصفة عامة، وذلك عن طريق سن مدوّنة التحكيم وتحريرها من بين قواعد المسطرة المدنية.

   لكن تجدر الإشارة إلى أنّ التوافر على المقتضيات القانونية، القليلة منها أو الكثيرة، لا يوفر ضمانة كافية، بل حسن تطبيقها هو الأهم وهو الشيء الرهين بمدى كفاءة القائمين على تنفيذها ومستوى تكوينهم وخبرتهم، وأيضاً إدراكهم خبايا المعلوميات، وتوفير الأدوات والبنيات التحتية التي تسهّل ذلك.

2- توفير الموارد البشرية المتخصصة والبنيات التحتية:

   تبيّن جلّ الدراسات التي تهتم بالتربية كمادة أولية في مجال التنمية التكنولوجية بصورة عامة، بأن انخفاض المستوى الثقافي للسكان يشكّل نقصاً رئيسياً لدول العالم الثالث، ومن ثم فإن إنشاء طاقة عملية وتقنية وطنية يتطلب الموازاة مع تبنّي التكنولوجيا، موافقة وإنعاش البنيات التكنولوجية المحلية.

  وقد عملت تنمية المعلوميات على إبراز الحاجات إلى التكوين، وذلك على مستويين:

- التكوين المهني بالنسبة للمعلومياتيين، وذلك للحاجة إلى أشخاص أكفاء للعمل في قطاع المعلوميات سواء منهم متصوري الأنظمةconcepteurs de systèmes ، بالإضافة إلى المحللين والمبرمجين ومسيّري الآلات وتشكل جميع هذه الفئات المحيط الإنساني لمراكز المعالجة المعلوماتية التي تعتمد عليها مراكز التحكيم الالكتروني، ولتوفير هذه الحاجيات يقتضي الأمر تنظيم تكوين مستمر على مستوى هذه الفئات التقنية، ومن تم نهج سياسة تكوينية ذات مستوى عال تماثل مستويات التأهيل من نفس الدرجة التي تعرفها الدول المتقدمة.

- تكوين غير المعلومياتيين ونخص هنا بالذكر رجال القانون، وأنسب طريقة تمكّنهم بصورة خاصة من استيعاب المعرفة المعلومياتية هي العمل على تدريسها في المؤسسات القانونية والقضائية ودراستها في نطاق ارتباطها بالمحيط القانوني، وذلك عن طريق ربط القواعد القانونية بالواقع التكنولوجي الحديث، وبالتالي إعادة قراءتها على ضوء المعطيات المستحدثة في مجتمع المعلوميات، وذلك لأنه لم يعد من الأنسب أن يظل دور القانوني سلبياً ومجرد متفرج إزاء دخول المعلوميات بصورة عامة إلى المجتمع، بل يجب أن يصبح فاعلاً في التعامل معها بدراسة أوجه علاقتها بالقانون على المستوى العلمي والنظري، بالإضافة إلى الوقوف على تقنيات استعمالها على مستوى التطبيق العملي ، الشيء الذي سيجد صداه في تفعيل التحكيم الإلكتروني والتشجيع على الاحتكام إليه.

   إلاّ أنه يجب النظر إلى تخطيط التكوين في إطار تخطيط شامل للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، فمن المفروض أن تحدّد أهداف الإنتاج وحجم الاستثمار ومعدلات النمو في القطاعات الاقتصادية والاحتياجات إلى القوى العاملة، وبالتالي تحويل هذا الطلب إلى احتياجات تعليمية وتكوينية، إضافة إلى توفير بنيات تحتية عن طريق إنشاء شبكة للمعلوميات، وتسهيل إنشاء مراكز للتحكيم الالكتروني.

   فإذا كانت هذه بعض الآليات التي من شأن توافرها والسهر على فعاليتها أن تؤدي إلى تفعيل التحكيم الالكتروني على المستوى الوطني، فما هي الإكراهات التي تحد من فعالية التحكيم الالكتروني بصفته آلية لفضّ النزاعات؟

هذا ما سنحاول الإجابة عنه في الفقرة الآتية:

المطلب الثاني- الإكراهات التي تحدّ من فعالية التحكيم الالكتروني:

   إنّ استخدام التكنولوجيا في إجراء عمليات التحكيم هو أمر من المفيد تشجيعه والعمل على ترويجه وزيادة العمل به، إلاّ أنّ هناك بعض الصعوبات والمعوقات التي تعترض التحكيم الالكتروني، تعزى فئة منها للإشكالات العملية التي يثيرها التعاقد عن طريق الانترنت، وفئة أخرى لصيقة بآلية التحكيم بصفة خاصة.

1- الإكراهات الناجمة عن التعاقد بواسطة الانترنت بصفة عامة:

   تمثّل التجارة الالكترونية أهمية قصوى، وخصوصاً في الدول الرأسمالية كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، وتدور فكرتها الرئيسية حول تجمع البائعين في معارض أو مراكز تجارية افتراضية، ومن ثم إتمام عمليات الشراء في فضائها، ويثير التعاقد بهذه الطريقة العديد من المشكلات القانونية، ومنها الإثبات، الوفاء، الملكية الفردية، الجانب الجنائي... الشيء الذي يصعب معه إجراء التحكيم الالكتروني في مثل هذه الحالة بيسر وسهولة.

2- الإكراهات الناجمة عن إعمال إجراءات التحكيم الإلكتروني:

   لا يكاد يخلو نظام بشري من القصور في بعض جوانبه، والذي يظهر في الغالب بعد الطرح للتنفيذ، وكذلك الحال بالنسبة للتحكيم الإلكتروني، كمشروع وضع للتيسير على المتنازعين، وما ألمّ به من قصور ظهر على شكل معوقات في النظام

   وأبرز المشكلات التي رافقت العملية التحكيمية تتمثّل في تحديد ومعرفة أهلية فريقي النزاع، وكذا صعوبة إجراء بعض الإجراءات اللازمة عن طريق الوسائل التكنولوجية، إضافة إلى مدى ضمان سرية عملية التحكيم الالكتروني.

أ- الأهليـة:

   اشترطت سائر أنظمة وتشريعات التحكيم على وجوب توافر الأهلية القانونية  في كل من فريقي النزاع والفيصل والمحكمين، ولذا يترتّب على نقص أو انعدام أهلية أحد فريقي النزاع عند توقيع اتفاق التحكيم اعتبار هذا الأخير باطلاً وما يترتب عليه من بطلان حكم التحكيم الصادر.

   وإذا كان بحث الأهلية في المحكمين لا ضرورة له، وذلك لأنّ التحكيم الإلكتروني يمارس في إطار مراكز كبرى تحرص على الدقة في شتى الجوانب، وخصوصاً الأمور الأساسية فيها كأهلية المحكمين. لكن يبقى إشكال التحقق من الأهلية القانونية لطرفي النزاع عائقاً أمام آلية التحكيم الالكتروني.

ب- صعوبة إجراء بعض الإجراءات اللازمة عن طريق الوسائل الإلكترونية:

   رغم أنّ استخدام الوسائل الإلكترونية ييسر الكثير من الإجراءات، ويوفر الكثير من الجهد إلاّ أنّه هناك إجراءات نادراً ما يخلو منها أي تحكيم، لا يمكن أن تتم إلاّ بالوسائل التي يمكن أن نطلق عليها في ظل هذا التقدم التكنولوجي "وسائل تقليدية" إلى أن يتم تقنين الحلول الالكترونية التي يمكن اللجوء إليها، من بينها إجراء المعاينات سواء كانت ستتم بواسطة هيئة التحكيم نفسها أو بواسطة خبير تعيّنه هيئة التحكيم متى كانت لها الصلاحية في اتخاذ مثل هذا الإجراء أو ذلك من أجل استجلاء وجه الحقيقة في موضوع النزاع، وتوضيح ما قد يخفى من أمور على أعضاء هيئة التحكيم.

   وقد يقول البعض أنه يمكن إجراء هذه العمليات عن طريق التكنولوجيا الحديثة، وذلك بواسطة التصوير عبر شبكة الانترنت، إلاّ أنّ هذه الطريقة قد لا تنجح في تحقيق العدالة، إذ أن المعاينة عندما تتم بانتقال هيئة التحكيم أو من تعيّنهم من خبراء مختصين يؤدي إلى استبعاد شبه محاولة إخفاء أو تعديل الحقيقة.

   وأيضاً تبرز هذه الصعوبة في حالة ضرورة مناقشة الشهود والخبراء، إذ يمكن القيام بذلك بواسطة وسائل الاتصال، اللاسلكية، إلاّ أنّ مناقشتهم بالطريقة التقليدية تعدّ طريقة أكثر قوة ووضوح في استجلاء الحقيقة، وذلك لما تمكّنه من مشاهدة تعبيرات وجه الشاهد ودرجة توتره ومدى اتزانه... وهي عوامل مهمة في تقدير صحة شهادته.

 

ج- ضمان سرية عملية التحكيم الالكتروني:

   تُعد صيانة وحفظ سرية التحكيم شرطاً جوهرياً غالباً ما يحرص عليه المحتكمون لما قد يلحقهم من أضرار في حال نشر أو إذاعة حكم التحكيم أو حتى نشر أية وثائق قدّمت إبّان النظر في النزاع، وهي من ضمن المزايا التي يتمتع بها التحكيم كآلية لفضّ النزاعات، بخلاف القضاء الذي أساسه مبدأ العلنية.

   وقد دأبت مراكز التحكيم الالكتروني في صيانة ذلك بتضمينها نصوصاً تحفظ سرية أية معلومة تتعلق بالنزاع، لتؤكد على كل من يطلع عليها التعهد بعدم نشر ما أطلع عليه، وخصوصاً من الشهود والخبراء.

   إلاّ أنّ طبيعة الانترنت فرضت تحدياً آخر وهو الاختراق القادم من الخارج أو القرصنة، وبالرغم من تعدد المحاولات في وضع جدران الحماية وإتباع أنظمة التشفير، يبقى الاختراق قائما في شتى بحور الانترنت، ممّا يلحق الضرر بطرفي النزاع الآملين السرية والحرصين عليها، وكذا إلحاق الضرر بعملية التحكيم الإلكتروني وما ينجم عن ذلك من النفور عن إتباع هذه الوسيلة الفعالة في فض المنازعات

   إلا أنه في الأخير يجب الإشارة إلى أنه تبقى الإشكالية المحورية التي تعوق وتحدّ من فعالية التحكيم الالكتروني تتجلّى في مدى إمكانية الإحاطة بالقواعد القانونية التي تحكم التجارة الالكترونية بصفة خاصة، والمعلوميات بصفة أخص، وآلية التحكيم وكذا مدى العمل على نشر ثقافة تحكيمية، لأنّ القوانين الوطنية لا يمكن الاعتماد عليها بمفردها، لكون المزود والمستهلك الالكترونيين وطرفي النزاع والمحكمين الإلكترونيين أيضاً، سيدخلان في فضاء افتراضي لا يعترف بالحدود الإقليمية، من خلال المراسلات التي تتم عبر الأقمار الاصطناعية، الأمر الذي يتطلب قواعد قانونية متنوعة وشديدة التدقيق.

   فقوانين التجارة الإلكترونية وقانون المعلوميات والانترنت أضحت من الأولويات التي أضحت التشريعات الحديثة تهتم بها  وتوليها عناية كبرى، ممّا يستدعي وجود نظام قانوني يعالج هذه الظاهرة ويقنّنها، وكذلك يسهر على مواكبة التطورات التي يلحقها، دون نسيان ضرورة تذييل المقرر التحكيمي الإلكتروني بالصيغة التنفيذية، حتى لا يبقى دعامة محفوظة في جهاز الحاسب أو الإشكالية المترتبة على ذلك، خصوصاً في الدول التي لا تعترف بأي حجية لهذه المقرّرات، ولماذا لا التخلي عن شرط وجوب التذييل بالصيغة التنفيذية طالما أنّ طرفي النزاع ارتضيا الحكم التحكيمي، وكضمانة تنظيم طرق الطعن في الأحكام التحكيمية.

 

خاتمـة:

   لا يختلف إثنان في أنّ التحكيم الالكتروني تولّد من التطورات العلمية التي لحقت بوسائل نقل المعلومات والاتصال عن بعد، وهو ما حاولنا تسليط الضوء بخصوصه، ولاسيما في ما يتعلق بفضّ المنازعات والتعرف إلى مختلف أطوار هذا النوع من التحكيم، وكذا استجلاء آليات تفعيله على المستوى الوطني، ثم رصد الإكراهات التي تحدّ من فعاليته.

   وفي الأخير يمكن إبداء بعض المقترحات التي من الممكن انّ تساهم في التشجيع على الإقبال على التحكيم الالكتروني من جهة وضمان تفعيله على أحسن وجه إذا ما اتخذت بعين الاعتبار، وذلك من قبيل:

- ضرورة العمل المشترك بين رجال القانون والمعلومياتيين بغية الوصول لصياغة قانونية مُحكمة توفر ضمانات حقيقية للمحتكمين ولمراكز التحكيم على حد سواء.

- ضرورة العمل على وضع مدوّنة رقمية تأخذ في الاعتبار خصوصيات التحكيم ودوره الأساسي في تسوية المنازعات.

- الخروج من إطار العمل المحلي والوطني إلى العمل في إطار دولي، وذلك بتحرّي ودراسة كافة القوانين المتعلقة بالتجارة الالكترونية خصوصاً، والمعلوميات عموماً، للتعرف إلى الطريقة المثلى لسن التشريع المناسب سواء بتعديل الأحكام القانونية المعمول بها أو بإصدار قانون خاص وجديد ينظم المعاملات التي يقام بها في إطار شبكة المعلوميات، وكذا إيجاد إطار قانوني موحد للتحكيم الالكتروني.

- توفير الأمن القانوني للمعاملات التي تتم عن طريق الانترنت، وذلك بإنشاء جهات متخصّصة ترعى سير العملية، لحماية هذه المعاملات وتشجيع الاستثمار الوطني والأجنبي.

- التكوين والتكوين المستمر لرجال القانون (القضاة والمحامون، الشرطة) في المجال المعلوماتي، وكذا تدريب الخبراء ومساعدتهم على التخصص في الحقول الإلكترونية في إطار سياسة شاملة لمحو الأمية المعلوماتية.

  والتأكيد على إدراج المعلوميات ضمن برامج التعليم القانوني في إطار قانون المعلوميات كتخصص يتجاوز تقسيم القانون إلى عام وخاص.