التحكيم / تعريف التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 39-40 / الحوكمة في إدارة الهيئات الرياضية (اختصاص نظر النزاعات الرياضية بتونس مثالاً)
يتناول هذا المقال موضوع الحوكمة وآليات نظر النزاعات الرياضية بالدول العربية، ويستمد هذا الموضوع أهميته من التحولات الكبيرة والمتسارعة التي شملت كل مجالات الرياضة على مستوى التنظيم والتمويل وتقاطع المصالح بين مختلف المتدخلين.
وحيث شهد العالم عديد القضايا المرتبطة بالفساد في المجال الرياضي ونقص في الحوكمة والشفافية وقضايا أخرى عديدة تهم عمليات انتقال اللاعبين وغيرها، فإنّ الدول العربية لا تخرج عن هذا الإطار.
المقدمة:
في العقود الأخيرة، ومجاراة لما يحدث من حولها في العالم، تغيّر دور الرياضة في الدول العربية بشكل كبير، حيث أصبحت في الوقت الحاضر تهيمن عليها المصالح التجارية بشكل متزايد وتجذب اهتمام وسائل الإعلام بشكل واسع وتنتج عائدات مالية كبيرة، حيث أصبحت الأموال تتدفق بغزارة على عديد الأندية الرياضية العربية التي أصبح بإمكانها دفع رواتب عالية لجلب أفضل اللاعبين من المستوى المحلي، ولكن كذلك من الخارج (من أوروبا وافريقيا ومن البرازيل). كل ذلك في غياب تام للشفافية والحكومة الرشيدة.
وموازاة مع ذلك التطور الهام في حجم الأموال المتداولة في الرياضة العربية وبروز عديد النزاعات الرياضية المختلفة الناتجة من تعاظم مصالح الأطراف المعنية وتضاربها في بعض الأحيان، فإنّ التشريعات والقوانين المنظِّمة للقطاع الرياضي لا تزال تسجَّل قصوراً كبيراً في المضمون وفي شفافية الإجراءات المتّبعة سواءً في التسيير الرياضي أو في حلّ النزاعات الرياضية.
وحيث أنّ أغلب الدول العربية تسعى جاهدة إلى تطوير وتحديث تشريعاتها بما يواكب النظم واللوائح الصادرة عن الهيئات الرياضية الدولية لتفادي العقوبات أو إيقاف النشاط الرياضي الذي قد ينتج من عدم ملاءمة نصوصها الوطنية مع توجهات ولوائح الهيئات الرياضية الدولية. إلاّ أنّ الدول لا تزال تنظر إلى هذا الأمر على أنه تقليص من هامش تدخّل الحكومات لمجابهة أوجه سوء التسيير الإداري والفساد المالي وغياب الشفافية، خاصة ونحن نعلم أنّ أغلب موارد الأندية والاتحادات الرياضية العربية هي من الدعم الحكومي أي من المال العام. ذلك أنّ عديد الهيئات الرياضية العربية لم تأخذ من مفهوم استقلاليتها التي يفرضها الميثاق الأولمبي ولوائح الاتحادات الرياضية الدولية إلاّ الجزء الذي يخدم مصالحها، في حين أنّ الشفافية المالية والحوكمة الرشيدة تبقى هي الضامن الوحيد للاستقلالية، وهي الآلية التي تمكِّن الهيئات الرياضية من غلق الباب أمام أي تدخل خارجي.
وقد شهدت السنوات الأخيرة العديد من حالات سوء الإدارة والفساد في أوساط المؤسسات والمنظمات الرياضية الدولية على غرار فضيحة الفساد بالفيفا وباللجنة الأولمبية الدولية أخيراً، في شأن إجراءات منح تنظيم الألعاب الأولمبية وتفاقم ظاهرة الرشوة والتلاعب بنتائج المباريات وتبييض الأموال وصولاً الى تناول المنشطات في أوساط الرياضيين أو التنازع حول تأهيل اللاعبين وسلامة إجراءات تعاقدهم أو انتقالاتهم أو خلاص مستحقاتهم المالية.
وسنحاول من خلال ثنايا هذا المقال الإجابة عن التساؤل الآتي:
ما هو مفهوم الحوكمة في مجال الهيئات الرياضية؟
وما هي آليات حل النزاعات الرياضية المعتمدة في بعض الدول العربية (تونس نموذجاً)؟ فقه القضاء الرياضي في موضوع الاختصاص في التحكيم الرياضي من واقع الممارسة الفعلية.
الكلمات الدالة: الحوكمة، الفساد الرياضي، التسيير المالي، التسيير الإداري، المؤسسات الرياضية، النزاعات الرياضية. التحكيم.
1- الحوكمة في المنظمات الرياضية:
كان الغرض الأساسي من تشكيل الاتحادات الرياضية في السابق هو تنظيم السباقات والمباريات ووضع قوانين لها، ولهذا كانت إدارة تلك الاتحادات في ذلك الوقت تكاد تخلو من المشاكل. ولكننا نرى أنّ دور المنظمات ومفهوم عملها قد تغيّر الآن عما كان عليه في السابق، حيث أنّ المنافسات الرياضية أصبحت أكثر تعقيداً، ولم تعد فرجة فقط، بل منظومة مؤثرة في الرأي العام، كما توفّر فرصاً استثمارية هامة، وهو الأمر الذي أوجد رغبة كبيرة من قبل أكثر من جهة في السيطرة على الرياضة، بما جعلها كذلك أكثر عرضة للمساءلة والمحاسبة على عديد المستويات الفنية والمالية.
كل ذلك جعل اللجنة الأولمبية الدولية ومنظمات رياضية دولية ومنظمات رياضية وطنية في عدة دول تأخذ على عاتقها النظر في موضوع الحوكمة في الاتحادات الرياضية عن طريق الاقتباس من سوابق في المؤسسات التجارية والمؤسسات خارج الرياضة والاستفادة من خبراتهما في وضع الأطر التي تحدِّد الأدوار بين الجمعيات العمومية والمجالس الادارية والإدارة التنفيذية، ومن آخر هذه الاهتمامات كان إصدار وثيقة مبادئ عالمية للحوكمة الجيدة للحركة الاولمبية في كوبنهاغن في 3-5 أكتوبر 2009م، وكان لموضوع الحوكمة اهتمام بالغ في النقاشات. (تيرس عوديشو، ص9).
وقد ارتبط مفهوم الحوكمة بالشفافية التي تمثّل الوسيلة الضامنة لاستقلالية الهيئات الرياضية. وقد عرفت Sport and Recreation New Zealand (SPARC 2004)،(ASC2004) Australian Sports Commission الحوكمة الرياضية على أنها "الهيكلة والعمليات المستخدمة من طرف المنظمات الرياضية لتطوير أهدافها الاستراتيجية وتوجيهها ومراقبة آدائها لتحقيق هذه الأهداف، وضمان خدمة مجلس ادارتها لمصلحة الأعضاء".
ووصفت SPARC الحوكمة "بأنها العملية التي يحدِّد من خلالها المجلس التوجّهات الاستراتيجية والأولويات، ويحدِّد السياسات وتوقعات الأداء الإداري وإدارة المخاطر ويقيم الانجازات التنظيمية من أجل ممارسة المساءلة والشفافية من طرف المنظمات وأصحاب المصلحة في الرياضة المعنية ( Rossell Hoye Graham Cuskelly 2007, p10,)".
وتتضمّن الحوكمة الرياضية كذلك السيطرة على أنشطة المنظمة وأعضائها والموظفين بهدف التأكد من أنّ مجلس الادارة يسعى الى تحقيق نتائج لصالح المنظمة وأعضائها، ويتم رصد هذه النتائج على نحو فعّال. ويعزى سوء الأداء لانعدام الخبرة أو تضارب في المصالح أو فشل في إدارة المخاطر أو ضعف في الرقابة المالية أو سوء نظم العمل الداخلية وغيرها من المسائل.
وبناءً على ما سبق، تظهر لنا المعاني الأساسية لمفهوم الحوكمة كمجموعة من الأنظمة والقوانين والقواعد الخاصة بالرقابة على أداء المؤسسات:
• يُنظِّم العلاقات بين مجلس الادارة والمستثمرين والمساهمين وأصحاب المصالح الأخرى.
• مع التأكيد على أنّ المؤسسات يجب أن تدار لفائدة أصحاب المصالح.
• العمل بموجب مجموعة من القواعد لإدارة المؤسسة وممارسة الرقابة عليها وفق هيكل معيّن، يتضمّن توزيع الحقوق والواجبات.
• إيجاد آلية شفافة لحل النزاعات الرياضية بما يضمن حقوق كل الأطراف المتدخِّلة.
ومن جهة أخرى، وعلى الرغم من التدابير الاحترازية التي اتخذتها الهيئات الرياضية الدولية كاللجنة الأولمبية الدولية أو الاتحاد الدولي لكرة القدم، فإنّ ذلك لم يمنع بروز قضايا فساد كبيرة لا تزال منشورة أمام القضاء إلى اليوم.
2- أشكال ومجالات الفساد الرياضي:
التلاعب في نتائج المباريات: MATCHS TRUQUES:
تعتبر فضائح التلاعب في نتائج المباريات الأكثر خطورة وتهديداً، وقد لوحظت حالات التلاعب في نتائج المباريات حتى في البلدان ذات المستوى المنخفض من الفساد والحصول على أعلى الدرجات في مؤشر مدركات الفساد الصادرة عن منظمة الشفافية الدولية سنوياً، حيث أنه وفقاً لدراسة أجرتها عام 2009م رابطة كرة القدم الدانماركية فقد ثبت أنّ 29% من اللاعبين شملهم الاستطلاع يعتقدون أنّ التلاعب في النتائج يزداد في الدانمارك، وفي ألمانيا اندلعت أكبر قضية تلاعب في نتائج المباريات عام 2009م، وتم اتهام أربعة أشخاص برشوة اللاعبين والحكام للتأثير في نتائج المباريات.
الحوكمة السيئة:
يوجد بالهيئات الرياضية الدولية نظام حوكمة، ولكن ما تبيّن من خلال فضائح الفساد في "الفيفا" واللجنة الأولمبية الدولية قد أكد أنّ نظام حوكمتها ضعيف ومعتم بالرغم من الجهود المبذولة، فالمنظمات الرياضية تكافح من أجل نشر المعلومات المالية، وبالرغم من ذلك لا تزال اجراءات اتخاذ القرار سرية.
وأخيراً يمكن القول إنّ الحوكمة الضعيفة والسيئة يمكن أن تضرّ بالجهود والتضحيات لمكافحة الفساد، بل أنّ ضعف الحوكمة قد يمثِّل حماية للفاسدين.
تحويل اللاعبين:
وذلك من خلال استغلال العقود لتسهيل تحويل اللاعبين، حيث أنّ بعض الوكلاء يسيئون استخدام مراكزهم بوصفهم مفاوضين لغرض الإثراء الشخصي على حساب مصالح اللاعبين.
البنية التحتية:
الأحداث الرياضية الدولية التي تشمل بناء البنى التحتية الكبيرة في البلد المضيف، ونظراً الى ضيق الوقت وأهمية التمويل وعدم الشفافية حول هذه العمليات تولد بيئة مواتية للفساد، حيث أنّ بناء الملاعب لنهائيات كأس العالم التي أقيمت في جنوب افريقيا عام 2010م، كانت محل شكوك قوية بعد زيادة ميزانيتها 4 أضعاف المبلغ الأول.
الاعلام:
إنّ لاستقلال ونزاهة الصحافيين دوراً كبيراً في اكتشاف وإعلان حالات الفساد في الرياضة، ومع ذلك فإنها لا تستطيع القيام بهذا الدور إذا كانت مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بتنظيم الأحداث الرياضية (النشرات الكتابية الصحافية، والمقالات حول هذا الحدث والرياضيين)، علاوة على ذلك في الكثير من البلدان المباريات المهمة تباع لقنوات رياضية خاصة عن طريق مناقصات مبهمة، واذ كان بيع الحقوق يسمح بتمويل الاتحادات فيمكن القيام به من خلال سعر الممارسات الخاطئة، مثلاً عام 2008م محكمة سويسرا أثبتت أنّ مؤسسة الرياضة الدولية والترفية ISL وهي شركة تسويق دفعت 87.5 مليون أورو للعديد من الاتحادات المختلفة في مقابل الحصول على حقوق البث بين عامي 1989م و 2001م، وكانت لها أيضاً الحقوق الحصرية لعدة كؤوس عالم في كرة القدم.
وأمام تعقّد ظاهرة الفساد وامكانية تغلغلها في جميع جوانب المجال الرياضي، فإنّ:
- المحاسبة والمساءلة وهي خضوع الاشخاص الذين يتولون المناصب العامة للمساءلة القانونية والإدارية والأخلاقية عن نتائج أعمالهم.
- الشفافية وهي وضوح ما تقوم به المؤسسة ووضوح علاقتها مع الموظفين وعلنية الاجراءات والغايات والأهداف. يمثلان أساس الحوكمة في المجال الرياضي.
3- آليات حل النزاعات الرياضية المعتمدة في بعض الدول العربية (نموذج تطبيقي للتجربة التونسية):
من بين أسس الحوكمة الرشيدة في إدارة الهيئات الرياضية هو إيجاد هيئات قضائية (درجة أولى للتقاضي) وأخرى مستقلة تماماً (درجة ثانية للتقاضي) وذلك على المستوى الوطني بما يضمن سرعة الحسم في القضايا الرياضية مع ضمان حقوق مختلف الجهات.
وقد أصبح التحكيم اليوم الآلية العادية لحل النزاعات الرياضية، ويعود الفضل في ذلك إلى محكمة التحكيم الرياضي المحدثة في البداية من قبل اللجنة الأولمبية الدولية عام 1984. وبعد نجاح هذه التجربة، ظهرت عدة محاكم وهيئات تحكيم رياضية في عديد البلدان شبيهة بالنموذج السويسري، ومنها "الهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي" بالجمهورية التونسيةCNAS (Ahmad Ouerfelli 2011،p. 296) والتي أحدثت لديها محكمة رياضية تسيّر إجراءاتها وفق نظام تحكيمي على غرار ما هو معمول به لدى جلّ مؤسسات التحكيم.
اختصاص هيئات التحكيم الرياضي بمقتضى سند تعاقدي
(فقه القضاء الرياضي التونسي في شأن الاختصاص بموجب اتفاقية التحكيم)
لا تستمد الهيئات التحكيمية اختصاصاتها مباشرة من القانون، بل تستمده من العقد أي اتفاقية تحكيم. فالتحكيم ليس مفروضاً، لا على اللاعب ولا على النادي ولا على غيرهما من المتدخلين في المجال الرياضي من مستثمرين ووكلاء اللاعبين ومنظمي المباريات... وقد بيّنت المحكمة الفدرالية السويسرية في قضية الحارس المصري عصام الحضري ضد النادي الأهلي المصري أنّ اتفاقية التحكيم يجوز أن تكون وثيقة تعاقدية موقع عليها من الطرفين، كما يمكن أن تكون في شكل إشارة في عقد إلى وثيقة أخرى تقرّر الاختصاص التحكيمي، وأنه يكفي بالتالي أن يتعهد اللاعب بصفة عامة باحترام التراتيب الرياضية التي تنص من جهتها على منح الاختصاص لمحكمة التحكيم الرياضي TAS حتى توجد اتفاقية التحكيم قانوناً. وقد اعتبر الفقه الرياضي أنّ الواقع الحالي يكرّس تحكيماً دون عقد تحكيم حقيقي .
ونجد نفس التمشّي في أول قرارات محكمة الاستئناف بتونس في مجال الطعن بالإبطال في أحكام التحكيم، وهو القرار الصادر في 15 نوفمبر 2013 الذي جاء به:" في ما يخص المادة الرياضية التي شهدت تغيّرات كبيرة و سريعة على مستوى الهياكل والتنظيم والاطراف المتدخلة، وفي خضم هذا التوسّع تشبّعت العلاقات بين الأندية و الهياكل الرياضية والمسيرين والفنيين والحكام والمستشهرين والمزودين والاعلاميين فرض على المشرع الرياضي التونسي استجابة للاتفاقات الدولية والمرجعيات القانونية المتعدّدة اتباع اجراءات مرنة ومبسطة تضمن من جهة السرعة في الحسم والحياد والسرية. ومن جهة ثانية، مراعاة لخصوصيات القطاع الرياضي وتعدّد أطراف المتدخلين فيه. وفي هذا الإطار، تم تكوين هيكل رياضي متكوِّن من الجامعات الرياضية الدولية وهو اللجنة الوطنية الاولمبية التونسية الواقع إدراجها بالقانون الأساسي الصادر في 24/03/2006 المنقّح للقانون الأساسي عدد 49 المؤرخ في 24/7/2006، والتي خصّت نفسها حصرياً ببت في النزاع الرياضي عن طريق التحكيم، كما جاء ذلك في الفصل 43 من قانونها الأساسي، وذلك بواسطة الهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي التي تمثّل هيكلاً منبثقاً من اللجنة الوطنية التونسية. وقد أشار الفصل 54 من النظام الأساسي الى هذه الاخيرة الى أنّ الجامعات الرياضية الوطنية تنصّ في أنظمتها الداخلية على وجوب الرجوع في النزاعات الرياضية الى هيئة التحكيم الوطنية الرياضية وهو ما يعدّ اتفاقية تحكيم أمضت عليها الجامعات الرياضية باعتبار أنّ آلية التحكيم عامة تستوجب وجود اتفاقية تحكيم في شكل شرط سابق أو اتفاق لاحق، وأنّ التحكيم الرياضي لا يشذ عن هذه القاعدة، وقد أكد الفصل الثاني من دليل نظام التحكيم الرياضي على أنه "تختص الهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي ببت جميع الطعون المرفوعة اليها من كل من له الصفة والمصلحة، وذلك:
1- ضد القرارات النهائية الصادرة عن الجامعات الرياضية أو عن أحد هياكلها المختصة المتعلقة بمنخرطيها سواء كان ذلك في نطاق تسييرها للنشاط الرياضي الراجع لها بالنظر أو في نطاق ممارستها السلطة التأديبية على منظوريها.
2- ضد أعمال الجامعات الرياضية المتعلّقة بعقد جلساتها العامة أو تسيير أشغالها أو تنفيذ مقرّراتها، وكذلك الشأن بالنسبة للقرارات التي تشرف عليها تلك الجامعات.
3- ضد القرارات الصادرة عن المكتب التنفيذي أو عن أحد الهياكل الجامعية المختصة بقبول أو رفض مطلب الترشح لانتخابات المكتب الجامعية وأية انتخابات أخرى في الهياكل الراجعة لها بالنظر.
4- ضد القرارات النهائية الصادرة عن المكتب التنفيذي أو عن إحدى الهياكل الجامعية المختصة بخصوص النزاعات المرفوعة إليها والناشئة بين الجموع الرياضية ومعاقديها من لاعبين أو مدربين أو غيرهم. كما تنظر الهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي في سائر النزاعات المتصلة بالميدان متى وجد بين الأطراف المعنية شرط تحكيمي أو اتفاق على تحكيم يستند الاختصاص الى الهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي. وفي هذه الصورة تعتمد أحكام مجلة التحكيم التونسية بما لا يتعارض ومقتضيات هذا النظام وقواعد التحكيم الرياضي وتختص المحكمة الرياضية في جميع الصور ببت اختصاصها." ويفهم من هذا الفصل أنّ نيّة المشرِّع التونسي اتجهت نحو المحافظة على الخصوصية والتفرد الذي يميّز المجال الرياضي والاقرار به وسحب جميع النزاعات المحتملة بين الأطراف المتداخلة من تدخل القضاء العدلي خشية التأثير سلباً على الميدان الرياضي وأساساً روح المنافسة. ولذلك أرسى الهيئة الوطنية المشار إليها أعلاه للاحتكام إليها طبق نظامها المصادق عليه من طرف أعضاء اللجنة الوطنية الاولمبية التونسية وهم الجامعات الرياضية في مختلف الميادين الرياضية".
وبذلك تؤكد المحكمة أنّ التحكيم الرياضي يستند بالضرورة الى سند تعاقدي يتمثّل في اتفاقية تحكيم تتخذ شكل شرط تحكيمي أو اتفاق على التحكيم. كما تعتمد النظرية المرنة لشكل الشرط التحكيمي حيث تجيز أن يتخذ شكل الشرط بالإشارة ، مكتفية بأن تكون هذه الاشارة أو الإحالة واردة في القانون الأساسي أو نظام صادر عن إحدى الجامعات الرياضية ليمضي بالتالي على أعضاء تلك الجامعة أي الاندية الرياضية وتنسحب بذلك على اللاعبين أو المدربين والفنيين المتعاقدين مع تلك الاندية.
كما أنّ الهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي استندت الى هذا المبدأ في قضية هيئة الدفاع عن النادي الافريقي، حيث انطلقت هيئة التحكيم في تعريف التحكيم من أحكام مجلة التحكيم التونسية، مذكرة بالخصوص بأنّ هذه المجلة تقيم منظومة التحكيم على التراضي، ثم عرّجت على القانون الأساسي للجامعة التونسية لكرة القدم الذي يشير الى التحكيم في النزاعات المتعلقة بكرة القدم. ودون أن يتطرق بشكل خاص الى النزاعات الناشئة بين الأندية الرياضية ومنتسبيها من أعضاء في الجمعية العمومية، و بالتالي فإنّ النزاع الذي أثارته مجموعة من أحبّاء النادي الافريقي للمنازعة في صحة اجراءات عقد الجلسة العامة الانتخابية لا يدخل في اختصاص الهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي لغياب شرط تحكيمي، سواء تعلّق الأمر بشرط تحكيمي كلاسيكي مدرج في عقد مبرم بين أطراف النزاع (مثل القانون الأساسي للنادي) أو بشرط تحكيمي بالإشارة مدرج في وثيقة تقرّ اللجوء الى التحكيم في هذا النوع من النزاعات، وعدم وجود اتفاق على التحكيم مبرم بعد نشوب النزاع . ولاحظت الهيئة بطريقة خفيّة أنّ النزاع نفسه كان من الممكن أن يرفع الى هيئة التحكيم لو أنّ مجموعة الأحبّاء المعنية قامت بالاعتراض لدى الجامعة التونسية لكرة القدم على انخراط جمعية النادي الافريقي في الجامعة خلال الموسم الموالي للانتخابات، حيث يجوز لهم عندئذ الطعن أمام هيئة التحكيم في قرار الجامعة الرياضية. ومع ذلك فإنّ هذه الصيغة بدورها قابلة للنقاش، إذ أنّ نظام التحكيم الرياضي (2010) ينص في فصله الثاني على ما يأتي: "تختص الهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي ببت جميع الطعون المرفوعة اليها من كل من له الصفة والمصلحة:
1- ضد القرارات النهائية الصادرة عن الجامعات الرياضية أو عن إحدى هياكلها المختصة، المتعلقة بمنخرطيها سواء كان ذلك في نطاق تسييرها للنشاط الرياضي الراجع لها بالنظر، أو في نطاق ممارستها السلطة التأديبية على منظورها.
2- ضد أعمال الجامعات الرياضية المتعلِّقة بعقد جلساتها العامة أو بسير أشغالها أو بتنفيذ مقرّراتها، وكذلك الشأن بالنسبة الى الرابطات التي تشرف عليها تلك الجامعات.
3- ضد القرارات الصادرة عن المكتب الجامعي أو عن إحدى الهياكل الجامعية المختصة، بقبول أو رفض مطلب ترشح لانتخابات المكتب الجامعي أو أية انتخابات أخرى في الهياكل الراجعة لها بالنظر.
4- ضد القرارات النهائية الصادرة عن المكتب الجامعي أو عن إحدى الهياكل الجامعية المختصة بخصوص النزاعات المرفوعة إليها والناشئة بين الجمعيات الرياضية وبين معاقديها من لاعبين أو مدربين أو غيرهم. كما تنظر الهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي في سائر النزاعات المتصلة بالميدان الرياضي، متى وجد بين الأطراف المعنية شرط تحكيمي أو اتفاق على التحكيم يسند الاختصاص الى الهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي. وفي هذه الصورة تعتمد أحكام مجلة التحكيم التونسية بما لا يتعارض ومقتضيات هذا النظام وقواعد التحكيم الرياضي. وتختص المحكمة الرياضية في جميع الصور ببت اختصاصها." وهو يشترط بالتالي أن يكون النزاع بين الجامعة وأعضائها، أي الاندية المنخرطة في شخص من يمثلّها قانوناً، حال أنّ مجموعة الاحبّاء ليست لها الصفة القانونية لتمثيل جمعية النادي الافريقي بأي حال من الأحوال، فليست لها الصفة للتظلم الى هيئة التحكيم الوطني الرياضي، إلاّ بناءً على اتفاقية تحكيم مبرمة مباشرة بينها وبين الهيئة المديرة للنادي الافريقي أو بموجب شرط صريح في القانون الأساسي للجمعية. وبيّنت هيئة التحكيم على وجه الخصوص أنّ "المحكمة الرياضية ليست لها ولاية مطلقة وعامة على جميع النزاعات الرياضية، بل لا بد من أن يتركّز اختصاصها على إرادة الأطراف في إطار اتفاقية تحكيم"، كما أضافت أنه لا يمكن تطبيق المبدأ القائل "مَنْ أمكَنَه الأكثر أمكَنَه الأقل" لاستنتاج أنه بإمكان محكمة التحكيم الرياضي ببت النزاعات المتعلّقة بالجلسات العامة للأندية الرياضية لمجرد أنها مختصة بالنظر في النزاعات المتعلّقة بالجلسات العامة للجامعات الرياضية. وطالما أنّ النادي المدّعى عليه عارض صراحة في تعهدّ هيئة التحكيم بالنزاع فإنّ غياب اتفاقية تحكيم يطبّق ما ينص عليه الفصل 6 من مجلة التحكيم وينتفي به اختصاص هيئة التحكيم".
وفي الحكم المدني الصادر عن المحكمة الابتدائية بتونس في قضية اللاعب أسامة البوغانمي ضد نادي الترجّي الرياضي التونسي ، وردّت الدائرة المدنية 28 الدفع بعدم الاختصاص القضائي لوجود شرط (تحكيمي) في عقد اللاعب المحترف (المطابق للنموذج المعتمد من الجامعة التونسية لكرة القدم الذي ينص الفصل 11 منه أنّ "كل النزاعات التي تنشأ عن تنفيذ هذا العقد يجب أن تعرض مسبقاً على اللجنة الفيدرالية القانونية للجامعة التونسية لكرة القدم") باعتبار أنّ: "اللجنة الفيدرالية لجامعة تونس لكرة القدم ليست هيئة قضائية للتعهد بالنزاع"، مضيفة ما يأتي:
"حيث أنّ البند التعاقدي الوارد بالفصل 11 ينص على إجراء المصالحة بواسطة اللجنة الفيدرالية لجامعة تونس لكرة القدم.
حيث أنّ الفصل 11 من العقد سند الدعوى لا ينص على شرط تحكيم أو إسناد الاختصاص القضائي لهيئة تحكيمية أو لمؤسسة تحكيمية، والتي بموجبها تتخلّى المحكمة عن اختصاصها لفائدتها طبق الفصل 19 من مجلة التحكيم.
حيث أنّ الفصل 11 من العقد ينص فقط على عرض النزاع على اللجنة للنظر في امكانية الصلح لا أكثر ولا أقل ولا شيء في العقد يشير الى وجود شرط تحكيمي يسند النزاع الى التحكيم.
حيث اقتضى الفصل 2 من مجلة التحكيم أنّ اتفاقية التحكيم هي التزام أطراف على أن يفضّوا بواسطة التحكيم كل أو بعض النزاعات القائمة أو التي تقوم بينهم بشأن علاقة قانونية معيّنة تعاقدية أو غير تعاقدية وتكتسي الاتفاقية صيغة الشرط التحكيمي أو صيغة الاتفاق على التحكيم.
حيث اقتضى الفصل 3 من مجلة التحكيم أنّ الشرط التحكيمي هو التزام أطراف عقد بإخضاع النزاعات التي قد تتولد من ذلك العقد للتحكيم.
حيث اشترط الفصل 17 أنه يجب تعيين موضوع النزاع في الاتفاق على التحكيم مع بيان أسماء المحكمين صراحة أو دلالة، وإلاّ كان الاتفاق باطلاً.
حيث أنّ الشرط الوارد بالفصل 11 من العقد موضوع النزاع لا يرتقي الى شرط تحكيمي، بل هو مجرد إشارة الى عرض النزاع على اللجنة الفيدرالية لإجراء محاولة صلحية بين الأطراف ولا يؤدي الى التصريح بعدم اختصاص المحكمة بالنزاع حسب ما يقتضيه الفصل 19 من مجلة التحكيم الذي ينص على أنه إذا رفع أمام المحكمة نزاع منشور أمام هيئة تحكيم بموجب اتفاقية تحكيم فعليها التصريح بعدم اختصاصها بطلب من أحد الأطراف."
حيث لا يكتسي شرط المصالحة الصبغة الالزامية التي يكتسبها الشرط التحكيمي والذي يجب أن يحدِّد أسماء المحكمين صراحة أو دلالة، وإلاّ كان باطلاً، والذي بموجبه تتخلّى المحكمة عن النظر في القضية .
حيث لا تكتسي المصالحة الصفة الالزامية الي يكتسبها الشرط التحكيمي والذي يجب أن يحدِّد أسماء المحكمين صراحة أو دلالة، وإلاّ كان باطلاً، والذي بموجبه تتخلى المحكمة عن النظر في القضية.
حيث أنّ تمسّك المدعي عليها بعدم الاختصاص في غير طريقه باعتبار أن المحكمة الابتدائية لها اختصاص عام ومبدئي للنظر في جميع النزاعات طبق الفصل 40 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية. (رفض الدفع بعدم الاختصاص).
غير أنه تجدر الاشارة الى أنّ امكانية اللجوء الى التحكيم أو قابلية النزاعات الرياضية للتحكيم تظل مشكلة في القانون التونسي لعدم وجود نص تشريعي يقرّها، مقابل وجود الفصل 7 من مجلة التحكيم الذي يمنع التحكيم في كل مسألة لها مساس بالنظام العام. ومعلوم أنّ اللاعب المحترف في الرياضات الجماعية ككرة القدم وكرة اليد والكرة الطائرة والركبي والسلة يعدّ أجيراً على معنى قانون الشغل ويرتبط بالنادي بعقد الشغل، وهو بالضرورة عقد شغل محدود المدّة ولا يمكن أن يكون أبدياً غير محدّد المدّة باعتبار أنه لا يمكن أن يبرم لمدّة تتجاوز الخمسة أعوام، وبالنسبة للاعبين الذين لا يتجاوز عمرهم 18 سنة، لا يمكن أن يكون لمدة تتجاوز ثلاثة أعوام. ومعلوم أنّ قانون الشغل يعتبر برمته من المواد التي لها مساس بالنظام العام الاجتماعي حسب ما استقر عليه فقه القضاء التونسي على مدى نصف قرن على الأقل، وهو ما يطرح التساؤل عن مدى كفاية أحكام النظام الأساسي للجنة الوطنية الاولمبية التونسية، كما نقّح بموجب قرارات الجلسة العامة المنعقدة في 5 مارس 2010 لتأسيس اختصاص محكمة التحكيم الرياضي في النزاعات الناشئة بين الاندية والجامعات الرياضية، من جهة، واللاعبين والمدربين وباقي أعضاء الاطار الفني الخاضعين لسلطتها بموجب عقود شغل، من جهة أخرى ، في حين أنّ فقه القضاء التونسي اعتبر في أكثر من قرار أنّ النزاع لا يكون مقصياً من مجال التحكيم بمجرد وجود أحكام تهم النظام العام لها صلة به ، بل ينبغي أن يكون جوهر النزاع خاضعاً لأحكام تهم النظام العام، وهو الأمر المتحقِق دون ريب بالنسبة للمادة الشغلية. وبتطبيق هذا التحليل، كان على الدائرة المدنية لدى المحكمة الابتدائية بتونس أن تعلن بدورها عدم اختصاصها بالنظر في النزاع الناشب بين اللاعب والنادي في خصوص مستحقات مالية (أجور ومنح) متولدة من عقد شغل بالنظر الى الصبغة الشغلية للنزاع ، هذا إن لم تعتبر أنّ النزاعات الشغلية الرياضية يمكن أن تخضع للتحكيم بتعليل مماثل لتعليل قرار "سترتفورد" المعتمد من قبل محكمة الاستئناف الانكليزية التي رفضت التصريح ببطلان الشرط التحكيمي الموقع عليه من قبل وكيل لاعبين بالنظر "الى الآثار البعيدة (والمقصود "المزلزلة") و"غير المرغوبة" التي يمكن أن تنشأ عن هذا التوجّه ، كل ذلك بشرط وجود اتفاقية تحكيم صحيحة تم التوقيع عليها بكامل الحرية.
وفي قضية اللاعب شمس الدين الذوادي التي رفعها النادي الرياضي الصفاقسي ضد النادي الرياضي بحمام الانف مع إدخال اللاعب في النزاع ، خصّصت هيئة التحكيم مقطعاً من تحليلها لمسألة الاختصاص، فورد بالفرع الثاني من حكمها ما يأتي:
"اختصاص هيئة التحكيم:
ينبني اختصاص محكمة التحكيم الرياضي التابعة للهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي على أحكام الفصل 56 من القانون الأساسي للجامعة التونسية لكرة القدم المصادق عليه من قبل الجلسة العامة غير العادية بتاريخ 2 اكتوبر 2009، والذي تمنح فقرته الفرعية الاختصاص في النزاعات الرياضية الداخلية الى الهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي، والفقرة الثانية من الفصل 6 من مجلة التحكيم التونسية الصادرة بموجب القانون عدد 42 لسنة 1993 المؤرخ في 26 افريل 1993 والفصل 45 من النظام الأساسي للجنة الاولمبية التونسية والفصل الثاني من نظام التحكيم الرياضي الصادر عن الهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي المصادق عليه في 13 افريل 2010.
5. كما يتأسس على عدم منازعة المطلوبين في اختصاص الهيئة عملاً بأحكام الفصول 6 (الفقرة الثانية) و13 و50 من مجلة التحكيم".
ويتّضح من هذا القرار أنّ هيئة التحكيم لا تقتصر على أحكام القانون الأساسي للجامعة التونسية لكرة القدم، طالما أنّ هذا القانون الأساسي هو عقد مبرم بين أعضاء الجامعة المذكورة، التي لها صفة الجمعية حسب الفصل الأول من قانونها الأساسي نفسه وحسب أحكام قانون الهياكل الرياضية لسنة 1994 الذي يصنّف الجامعات الرياضية كهياكل رياضة خاصة، في حين أنّ النزاع يهم لاعباً لم يوقع على القانون الأساسي المذكور ولم يكن من أطرافه بما أنّ أطراف عقد تأسيس الجامعة الرياضية هي الأندية. كما لم تقتصر هيئة التحكيم على نظام التحكيم المعتمد من قبل الهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي، بل اعتمدت خصوصاً على أحكام الفصول 6 و13 و50 من مجلة التحكيم. فالفصل 6 يشير في فقرته الثانية الى صورة إدّعاء طرف وجود اتفاقية تحكيم وعدم انكار الآخر لها، كما وقع في هذه القضية، والفصل 13 يقتضي تطبيق المبادئ الاجرائية الأساسية في كل نزاع تحكيمي، دون ضبط قائمة فيها، فيما ينص الفصل 50 على مبدأ النزاهة وعدم جواز التناقض للأضرار بالغير، وهو ما أولته محكمة الاستئناف بتونس على أنه يعني أنه إذا لم يثر المطلوب الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم منذ أول وهلة وقدّم جوابه في أصل النزاع فلا يحق له بعد ذلك أن يثير أي دفع بعدم الاختصاص لما في ذلك من مخالفة لمبدأ النزاهة باتخاذ مواقف متناقضة تضرّ بالخصم. فالهيئة تبني اختصاصها بالأساس على أحكام القانون الصادر عن الدولة الذي له العلوية على النصوص الخاصة كالقوانين الأساسية للجامعات والجمعيات الرياضية وأنظمة التحكيم المؤسسي. وبما أنّ اللاعب المعني كلّف من ينوبه أمام هيئة التحكيم وقدّم جوابه في أصل النزاع ولم يتمسك بعدم اختصاص هيئة التحكيم فإنّ الهيئة تكون مختصة، وتحدِّد قواعد اختصاصها عندئذ وفق التحكيم .
ويمكن أن يعتري اتفاقية التحكيم خلل أو اعتلال يجعل اختصاص المحكم موضع شك. وفي هذا الإطار بيّنت المحكمة الفيدرالية السويسرية أنه في صورة اعتلال اتفاقية التحكيم ينبغي البحث عن الارادة الحقيقية للأطراف وازالة مواطن الغموض أو الاضطراب تبعاً لذلك، توصّلاً الى تحقيق فاعلية الشرط التحكيمي. فإذا نصّ العقد على منح الاختصاص التحكيمي في نزاع بين لاعب وشركة وساطة في تنقّلات اللاعبين الى الهياكل القضائية التابعة "للفيفا" أو "الويفا" واعتبرت هذه الهياكل أنها غير مختصة باعتبار أنها لا تنظر في النزاعات بين اللاعبين والوسطاء في التنقلات إذا كان لهم شكل شركة (بخلاف صورة ما إذا كان الأمر متعلقاً بشخص طبيعي يمارس نشاط وكيل لاعبين)، ينبغي أن يتم تأويل الشرط على أنه لو علم الأطراف بأن هياكل "الفيفا" سترفض الاختصاص فإنهم كانوا سيمنحون الاختصاص محكمة التحكيم الرياضي عوضاً عنها .
وكذلك الشأن بالنسبة للشروط المدرجة في العقد النموذجي للاعب محترف المعدّ من قبل الجامعة التونسية لكرة القدم والمعتمد وجوباً من قبل كافة الاندية والذي ينص على فضّ جميع النزاعات بين اللاعب والنادي عن طريق اللجنة الفيدرالية للنزاعات ولا يذكر التحكيم صراحة في حين أنّ لوائح الجامعة التونسية لكرة القدم تنص على أنه في صورة صدور قرار من اللجنة المذكورة، يحق للطرف المحكوم ضده أن يطعن فيه أمام اللجنة الوطنية للاستئناف التي تصدر قرارات نهائية الدرجة يمكن الطعن فيها أمام الهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي، وهو ما يعني أنّ شرط إسناد الاختصاص الى اللجنة الجامعية يعني حتماً اختيار التحكيم كآليه للنظر في ذات النزاع في آخر طور، فيكون هذا الشرط ملزماً لأطرافه، وهو شرط أشمل من الشرط التحكيمي ومستوعب له، خلافاً لما قضت به الدائرة 28 بالمحكمة الابتدائية بتونس في قضية اللاعب أسامة البوغانمي ضد الترجي الرياضي التونسي السالف ذكرها.
وعلى خلاف اتفاقيات التحكيم العادية التي تمنح المحكم اختصاص محكمة درجة أولى فإنّ اتفاقية التحكيم في المجال الرياضي تعهد المحكم بطعن في قرار ذي صبغة قضائية غالباً ما يكون استئنافياً، كما هو الشأن بالنسبة لصورة الطعن في قرارات اللجنة الوطنية للاستئناف التابعة للجامعة التونسية لكرة القدم. فقد أوضح قرار ((الذوادي)) أنّ "هيئة التحكيم الرياضي تتعهد بموجب طعن لا بموجب دعوى مبتدئه... وأنّ الطعن الحالي هو من عائلة الطعون العادية لأن له مفعولاً انتقالياً، إذ ينتقل الى هيئة التحكيم النزاع برمته فيجوز لها أن تعيد النظر فيه بكافة جوانبه القانونية والواقعية والاجرامية، وبالتالي، يجوز أن يطبّق عليه المبدأ الإجرامي العام وهو مبدأ استقرار النزاع الذي لا يبيح تقديم طلبات جديدة أمام الجهة المتعهدة بالطعن إلاّ في الأحوال الاستثنائية وفي حدود ما يبيحه النص التشريعي،" وانتهت من وراء ذلك الى نتيجة إجرائية تتمثّل في رفض الطلبات الجديدة التي قدّمها الطاعن لأول مرة أمام هيئة التحكيم والرامية الى الحكم لفائدته بتعويض عن الضرر الناجم عن فسخ العقد بصفة غير مبرّرة باعتبار أنها "لا تستجيب للشروط الشكلية والاجرائية المشار إليها، فاتّجه لذلك رفضها شكلاً بقطع النظر عن مدى وجاهتها من ناحية الأصل".
وفي حين تعتبر التجربة التونسية تجربة نموذجية في العالم العربي، وقد تم الاستئناس بها في عديد الدول العربية غير أنّ موضوع تنازع اختصاص نظر النزاعات الرياضية بين الهيئات الرياضية والمحاكم العادية لايزال يمثّل إشكالاً فعلياً، حيث – وفقاً لما ذكر أعلاه – يمكن للأطراف الرياضية أن تتوجه إلى القضاء الوطني لعرض النزاعات الرياضية عليها. وحيث يجيز القانون بأن تقرِّر تلك الجهات باختصاصها في القضية المعروضة عليها وإصدار أحكام ملزمة في شأنها. وإذ يعتبر ذلك مخالفة صريحة للأنظمة واللوائح الصادرة عن الهيئات الرياضية الدولية (قد تنتج منه عقوبات دولية تصل إلى إيقاف نشاط الاتحادات الرياضية الوطنية وتجميد نشاط منتخباتها) فإنّ هذه الوضعية جعلت عديد البلدان العربية تتعرض لتهديدات من قبل "الفيفا" أو للجنة الأولمبية الدولية بالإيقاف الدولي.
وآخر ما حدث في هذا الخصوص "ما عرف بقضية نادي قرمبالية ضد الاتحاد التونسي لكرة القدم":
حيث قرّرت هيئة التحكيم الرياضية التونسية الأربعاء 16-3-2016 تأجيل عقد الجلسة العمومية الانتخابية للاتحاد التونسي لكرة القدم، بينما تمسّك الأخير بإجرائها في موعدها المقرّر. وجاء قرار محكمة التحكيم الرياضية التونسية بعد احتجاج نادي قرمبالية الرياضية الذي ينافس في دوري الدرجة الثانية على عقد الجمعية العمومية الانتخابية لاتحاد الكرة.
وقالت الهيئة، وهي أعلى سلطة قضائية رياضية في تونس، في بيان أنّها "قرّرت إيقاف تنفيذ قرار الدعوة للجلسة العامة الانتخابية للجامعة التونسية لكرة القدم المعيّنة ليوم الجمعة 18 مارس، وتأجيلها إلى حين بت أصل النزاع".
وبرّرت هيئة التحكيم الرياضية قرارها بأنّ "فتح باب الترشيحات للجلسة العامة الانتخابية كان بالاعتماد على شروط ترشح اقصائية وقع إبطالها على قرار المحكمة الرياضية بتاريخ 28 ديسمبر 2015".
وترشّحت لانتخابات الاتحاد التونسي لكرة القدم قائمتان، ترأّس الأولى الرئيس الحالي لاتحاد الكرة وديع الجريء، بينما ترأّس الثانية جلال تقية رئيس الجامعة التونسية للرياضة للجميع.
وكان الاتحاد التونسي لكرة القدم عقد اجتماعاً للجمعية العمومية غير العادية غيّر فيها عدة قوانين أبرزها إلغاء الاحتكام إلى محكمة التحكيم الرياضية المحلية، وتغيير شروط الترشح للانتخابات.
لكن بعض الأندية التونسية من بينها قرمبالية الرياضية والنادي الإفريقي، أكدتا عدم قانونيتها متهمة رئيس الاتحاد وديع الجريء بالسعي لتغيير القوانين من أجل ضمان الاستمرار في المنصب.
والجدير بالذكر هنا أنّ اللجنة الأولمبية التونسية قد دخلت على الخط لتدعو الجامعة التونسية لكرة القدم إلى ضرورة احترام قرار الهيئة التحكيمية.
وأمام ما تقدّم، تمسّك الاتحاد بعدم الانصياع إلى قرار الهيئة التحكيمية الرياضية متشبثاً باستقلالية قرار جمعيته العمومية بإلغاء اللجوء إلى تلك الهيئة لحل النزاعات الرياضية والاكتفاء – استثنائياً وإلى حين إيجاد آلية أخرى – باللجوء إلى محكمة التحكيم الرياضي الدولية بلوزان.
وحيث رفع النادي المتظلِّم دعوى ثانية أمام القضاء الإداري التونسي، والذي حكم باختصاصه، ومن ثم أصدر حكماً يتفق مع ما ذهبت إليه الهيئة الوطنية للتحكيم الرياضي بإلغاء أعمال الجمعية العمومية والنتائج المنبثقة منها.
وأمام هذه الوضعية المعقّدة، جاء ردّ الهيئات الرياضية الدولية واضحاً وصريحاً، بأن الجمعية العمومية للاتحاد هي السلطة الأعلى في الهيئات الرياضية، وهي صاحبة القرار في الالتجاء إلى الهيئة التحكيمية ومنحها الاختصاص من عدمه بموجب النظام الأساسي الذي يعدّ الوثيقة "سند التحكيم" أو بالتراجع عن هذا الالتزام وفقاً لإرادتها الحرة دون تدخّل أي جهة خارجية.
كما جاء ردّ الاتحاد الدولي لكرة القدم مُحذّراً من مغبّة تطبيق أحكام المحكمة الإدارية على اعتبار أنّ هذا الإجراء مخالف للوائح الاتحاد الدولي ونظامه الأساسي الذي يدعو إلى الالتزام بعدم اللجوء إلى المحاكم العادية بالبلدان والتقيد بالاحتكام إلى اللجان القانونية بالاتحادات الوطنية أو بالعودة الى محكمة التحكيم الرياضي بلوزان بحسب الحالة.
هذه الوضعية عاشتها عديد الدول العربية ولاتزال، وبالرغم من حداثة تجربتها في هذا الشأن، فإنّ سلطنة عُمان قد أوجدت صيغة قانونية لقطع الطريق أمام عرض أي نزاع رياضي على أنظار المحاكم العادية، وذلك بموجب القانون "المرسوم السلطاني 57/2012 وهو المرسوم الذي منح الهيئات الرياضية استقلاليتها في إدارة شؤونها الداخلية بما يتفق مع القانون الوطني والدولي وفي ذات المرسوم تمت الدعوة إلى استحداث لجان لحل النزاعات الرياضية ضمن الأنظمة الأساسية للهيئات الرياضية ومنحها الصلاحية الحصرية لنظر النزاعات الرياضية.