التحكيم / تعريف التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 39-40 / الآثار المترتبة على حكم التحكيم الالكتروني (دراسة مقارنة بالتحكيم التقليدي)
يترتب على صدور حكم التحكيم الالكتروني مجموعة من الآثار قد تشبه الآثار المترتبة على حكم التحكيم التقليدي وقد تختلف عنها بسبب خصوصية اجراءات التحكيم الالكتروني وطبيعته.
وتهدف هذه الدراسة الى البحث في آثار حكم التحكيم الالكتروني من خلال القواعد المنظمة لهذا النوع من التحكيم والآراء الفقهية التي قيلت ومقارنتها بالتحكيم العادي للوقوف على أوجه الاتفاق والاختلاف فيما بينهما لتقييم وتطوير هذه القواعد بحيث تكون مقبولة في معظم دول العالم.
حيث يقوم الباحث باستخدام المنهج المقارن من أساليب البحث العملي وكذلك المنهج التحليلي في هذه الدراسة.
وسوف يحاول الباحث الاجابة على مجموعة من الاسئلة وهي:
1– هل يكتسب حكم التحكيم الالكتروني حجية الأمر المقضي؟
2– هل يجوز الطعن في حكم التحكيم الالكتروني؟
3– كيف يتم حفظ حكم التحكيم الالكتروني؟
4– كيف يستطيع الطرف الرابح تنفيذ حكم التحكيم الالكتروني؟
ولذا سوف يقسم الباحث هذه الآثار الى اربعة مباحث في المبحث الأول يتناول، الحجية لحكم التحكيم الالكتروني مقارنة بالتحكيم التقليدي. وفي المبحث الثاني يتناول الطعن في حكم التحكيم الالكتروني مقارنة بالتحكيم التقليدي. وفي المبحث الثالث يبحث في، حفظ وايداع حكم التحكيم الالكتروني ومقارنته بحكم التحكيم التقليدي وفي المبحث الرابع يتناول، اجراءات تنفيذ حكم التحكيم الالكتروني ومقارنته بحكم التحكيم التقليدي.
المبحث الاول
حجية حكم التحكيم الالكتروني مقارنة بالتحكيم التقليدي
يقسم الباحث هذا المبحث الى مطلبين يتناول في المطلب الأول حجية حكم التحكيم التقليدي وفي المطلب الثاني يتناول حجية حكم التحكيم الالكتروني.
المطلب الاول
حجية حكم التحكيم التقليدي
يقصد بداية بحجية الحكم القضائي، أن المنازعات التي سبق وعرضت على القضاء وتم الفصل فيها بحكم قضائي، لا يجوز طرحها مرة أخرى أمام القضاء إلا بطرق الطعن التي حددها القانون وضمن شروط معينة، سواء كانت طريق طعن عادية (الاستئناف) أو طرق طعن غير عادية (التمييز، والتماس إعادة النظر). (صاوي، أحمد،2002، ص255).
وتعتبر هذه الحجية من النظام العام، حيث نصت على ذلك المادة (101) من قانون الاثبات المصري بقولها: (الأحكام التي حازت قوة الأمر المقضي تكون حجة فيما فصلت فيه من الحقوق، ولا يجوز قبول دليل ينقض هذه الحجية.... وتقضي المحكمة بهذه الحجية من تلقاء نفسها). وهذه المادة تطابق المادة (41) من قانون البينات الاردني في المعنى، حيث يتوخى المشرع من هذا النص مجموعة من الاهداف هي:
أولاً- تجنب تناقض الأحكام القضائية.
ثانياً- الاحترام الكامل لهذه الأحكام وكفالة استقرار المراكز القانونية للأشخاص.
ثالثاً- عدم تأبيد المنازعات بين الخصوم، بنظر الدعاوي التي تم الفصل فيها مرة أخرى والى ما لا نهاية، مما سيؤدي الى تعطيل الهدف من مرفق القضاء برمته.
اما بالنسبة لحكم التحكيم، فإن قانون التحكيم الاردني، قد نص في المادة (52) منه على أن: (تحوز أحكام المحكمين الصادرة طبقاً لهذا القانون حجية الأمر المقضي به وتكون واجبة النفاذ بمراعاة الاحكام المنصوص عليها فيه).
وهذه المادة تطابق معنى المادة (55) من قانون التحكيم المصري والمادة (3/1) من اتفاقية نيويورك لعام 1958م الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين.
ويرى بعض الفقه أن حكم المحكم يكتسب حجية أحكام القضاء وتلتصق به بمجرد صدوره حتى ولو كان قابلاً للطعن به، وأن هذه الحجية تبقى له وتزول بزواله، فنفاذ حكم المحكم يسري من التاريخ الذي صدر فيه ولكن تنفيذه لا يتم جبراً إلا بعد صدور الأمر بتنفيذه. (ابو الوفا، أحمد، 1988، ص 278-280).
وقد نصت على ذلك محكمة النقض المصرية بقولها: (أحكام المحكمين شأن أحكام القضاء تحوز حجية الشيء المحكوم به بمجرد صدورها وتبقى هذه الحجية طالما بقي هذا الحكم قائماً ولم يقضِ ببطلانه). (الطعن رقم 1004 لسنة 61 ق، تاريخ 27/12/1997، غير منشور).
بل أن محكمة استئناف القاهرة اعتبرت أن حكم المحكم يعتبر ورقة رسمية وأنه لا يجوز إثبات عكس ما تضمنه إلا بالطعن عليه بالتزوير. (الطعن رقم 28 لسنة 123 ق، تحكيم، تاريخ 5/9/2006، غير منشور).
والتساؤل المطروح هنا، هل تعتبر حجية أحكام التحكيم من النظام العام؟
يرى بعض الفقه أن حكم التحكيم لا يكتسب قوة الأمر المقضي به فقط، بل يتعداها ويحوز أيضا حجية الأمر المقضي (عمر، نبيل، 2004، ص 206).
ويرى فقيه آخر أن أحكام التحكيم تسمو على أحكام القضاء فهي لا تخضع للمراجعة موضوعاً وشكلاً كما في الاستئناف ولا يتم الطعن عليها بالتمييز ولا التماس اعادة النظر (بريري، مختار، 1995، ص227).
يظهر مما سبق أن اصحاب الآراء يعتبرون حجية أحكام المحكمين كالحجية لأحكام القضاء وبالتالي فهي تتعلق بالنظام العام.
إلا أن جانب آخر من الفقه يرى عكس ذلك، ولا يعتبرها من النظام العام، وسنده في ذلك أن حجية الحكم القضائي أساسها القانون، وتحكمها اعتبارات المصلحة العامة، بينما حجية أحكام التحكيم اساسها إرادة أطراف التحكيم وهي خاصة بهم ومرهونة بمشيئتهم، وبما يتناسب مع مصالحهم الخاصة وليست مصلحة عامة للمجتمع (صاوي، احمد، مرجع سابق، ص257).
ويميل الباحث في هذه المسألة الى الرأي الثاني الذي لا يعتبر هذه الحجية من النظام العام، لعدة أسباب ففي حال اتفق الطرفان على اهدار حكم التحكيم واللجوء الى القضاء فليس هنالك نص يمنعهما من ذلك، ولا يستطيع القاضي من تلقاء نفسه عند عرض الدعوى عليه للمرة الاولى ان يحكم بعدم قبولها لسبق الفصل فيها، الا اذا دفع أحد الطرفين بسبق الفصل فيها لأن حكم التحكيم في هذه الحالة ملزم لطرفيه ولا يستطيع احدهما التهرب منه بإرادته المنفردة، وهنا صاحب المصلحة (الطرف الكاسب) هو الذي منع الطرف الخاسر من اللجوء الى القضاء وليس المصلحة العامة أو النظام العام.
أما بالنسبة لقاعدة نسبية حجية الاحكام من حيث الأشخاص والموضوع والتي نصت عليها المادة (41/1) من قانون البينات الأردني: بأن الاحكام التي حازت حجية الأمر المقضي به تكون حجة فيما فصلت فيه من حقوق، بشرط أن تكون في نزاع قائم بين الخصوم أنفسهم دون أن تتغير أي من صفاتهم وأن تتعلق بذات الحقوق موضوعاً وسبباً.
فإن معظم الفقه يرى أن ما ينطبق على حجيته أحكام القضاء ينطبق أيضاً على حجية أحكام التحكيم، فلا يكون للحكم حجية إلا في حدود ما فصل فيه من المنازعات التي شملها اتفاق التحكيم، وأنه لا يستفيد منه إلا من صدر الحكم لصالحه، ولا يحتج به إلا على من صدر ضده، ولا حجية له في مواجهة الغير (قصاص، عيد، 2007م، ص185، شحاته، محمد نور، 2000م، ص133) إلا بنص القانون.
المطلب الثاني
حجية حكم التحكيم الالكتروني
بالنسبة لقواعد محكمة الفضاء يعتبر القرار الصادر من المحكمين ملزماً لأطراف التحكيم فور صدوره، حيث نصت المادة (25/5) من تنظيم المحكمة على أن: أحكام التحكيم التي تصدر من خلال محكمة الفضاء تعد نهائية وغير قابلة للطعن بها في الاستئناف، وهو ما اكدته ايضاً المادة (25/6) من نفس التنظيم: أن مجرد أن تم الاتفاق بين الخصوم على تسوية منازعاتهم عن طريق قواعد محكمة الفضاء الالكترونية، فهذا في ذاته يعتبر اتفاقاً على تنازلهم عن جميع طرق الطعن التي نصت عليها القوانين التقليدية ضد هذا الحكم. (تنظيم محكمة الفضاء على الموقع الالكتروني www.cybertribuml.org).
وبالتالي فإن محكمة الفضاء الالكترونية قد اوضحت بشكل غير مباشر أن حكم التحكيم الالكتروني ملزم لطرفيه، وبالتالي فهو يتمتع بحجية الأمر المقضي بمجرد صدوره.
وكذلك نصت المادة (62،63) من نظام مركز تحكيم ووساطة (الويبو) الالكتروني على أن حكم التحكيم يعتبر ملزماً للأطراف بمجرد استلامه من قبل الأطراف، حيث تقوم هيئة التحكيم بتزويد المركز بالقرار ليتم تسليمه للأطراف.
وكذلك نصت المادة (28/6) من نظام التحكيم الالكتروني التابع لغرفة التجارة الدولية في باريس (ICC) انه عند تبليغ حكم التحكيم للأطراف يكون ملزما لهم ويجب تنفيذه دون تأخير.
أما بالنسبة للائحة منظمة الايكان، فيتم تعليق تنفيذ حكم التحكيم على فوات مدة (10) أيام من إعلان الحكم للخصوم، فإن لم يقم أحد الخصوم بالرجوع الى المحاكم الوطنية يصبح قابلاً للتنفيذ (خالدي، ايناس، 2009، ص460).
وهذا يعني عدم تمتع حكم التحكيم بحجية الأمر المقضي فور صدوره كما هو الحال في التحكيم التقليدي.
مما سبق فإن حجية حكم التحكيم الالكتروني تنقسم الى قسمين: 1- تحكيم ملزم وهو الذي يكون من لحظة صدوره، وهذا يحوز حجية الامر المقضي 2- تحكيم ملزم ولكن مشروط بقبول حكم التحكيم أو رفضه من أحد الطرفين خلال مدة محددة، ولكن يصبح بعدها ملزماً للطرفين أن لم يرجع أحدهما الى المحاكم الوطنية، وبالتالي لا يحوز حجية الأمر المقضي فور صدوره بل يعتمد ذلك على رغبة الخصوم.
المبحث الثاني
الطعن في حكم التحكيم الالكتروني مقارنة بالتحكيم التقليدي
يتناول الباحث في هذا المبحث الطعن في حكم التحكيم التقليدي في مطلب أول، ثم يتناول الطعن في حكم التحكيم الالكتروني في مطلب ثانٍ.
المطلب الاول
الطعن في حكم التحكيم التقليدي
لقد نصت المادة (48) من قانون التحكيم الاردني على أنه: "لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً لأحكام هذا القانون الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون اصول المحاكمات المدنية، ولكن يجوز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وفقاً للأحكام المبينة في المواد (49) و (50) و(51) من هذا القانون".
ويتطابق نص المادة (48) من قانون التحكيم الاردني مع نص المادة (52) من قانون التحكيم المصري، حيث نصت على أنه: "1- لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً لأحكام هذا القانون الطعن فيها بأي طريقة من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية. 2- يجوز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وفقاً للأحكام المبينة في المادتين التاليتين". ويقصد المشرع هنا المادة (53 و54).
وهو أيضاً ما نص عليه القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي في المادة (34) بقوله: "1- لا يجوز الطعن في قرار التحكيم أمام أحدى المحاكم، إلا بطلب إلغاء يقدم وفقاً للفقرتين (2) و (3) من هذه المادة" (قانون اليونسترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لعام 1985 مع تعديلاته فهذه المادة تنص على أن الطريق الوحيد المتاح للطعن في حكم التحكيم هو التقدم بطلب الغاء، ويجب أن يقدم هذا الطلب في خلال ثلاثة أشهر من تسلم حكم التحكيم (المادة 34/3)، ولكنها لا تمنع أحد الاطراف أن يقدم استئنافاً الى هيئة تحكيم من الدرجة الثانية إذا كان الطرفان قد اتفقا على ذلك، وهذا الاتفاق يتكرر في أنواع معينة من التجارة مثل التجارة بالسلع الاساسية. (المذكرة الإيضاحية الصادرة عن أمانة اليونسترال بشأن القانون النموذجي التجاري الدولي العام 1985 وتعديلاته، ص35).
وبالرجوع الى أحكام المادة (50) من قانون التحكيم الاردني نجدها تبين ان دعوى بطلان حكم التحكيم ترفع خلال 30 يوماً التالية لتبليغ المحكوم عليه حكم التحكيم، ولا يحول دون قبول دعوى البطلان قيام المدعي بالبطلان بالنزول عن حقه في رفعها إذا كان قبل صدور حكم التحكيم، وهي تطابق نص المادة (54) من قانون التحكيم المصري مع اختلاف المدة فقط وهي (90) يوماً.
أما المادة (51) من قانون التحكيم الاردني فقد قررت أنه في حال قضت المحكمة بتأييد الحكم وجب أن تأمر بتنفيذه، ويكون قرارها قطعياً، أما في حال قضت ببطلانه فيكون قرارها قابلاً للتمييز وذلك خلال (30) يوماً من اليوم التالي للتبليغ، وقررت أنه في حال أصبح القرار القضائي قطعياً ببطلان حكم التحكيم يسقط اتفاق التحكيم، ولا يوجد لهذه المادة مقابل في قانون التحكيم المصري.
وقد حددت المادة (49) من قانون التحكيم الاردني الحالات التي تقبل فيها دعوى بطلان حكم التحكيم ومن خلال صياغة هذه المادة يفهم أنها أتت على سبيل الحصر وهي تقابل نص المادة (53) من قانون التحكيم المصري وتقابل نص المادة (34/2) من قانون اليونسترال النموذجي للتحكيم للدولي ومقتبسة من المادة الخامسة من اتفاقية نيويورك لعام 1958م.
حيث يمكن حصر هذه الحالات في خمس رئيسة هي:
أولاً- حالات تتعلق بالاتفاق على التحكيم وهي:
إذا لم يوجد اتفاق تحكيم صحيح أو مكتوب أو كان باطلاً أو سقط بانتهاء مدته، أو كان أحد طرفي الاتفاق فاقداً الأهلية أو ناقصها وقت إبرامه حسب القانون الذي يحكم أهليته.
ثانياً- حالات تتعلق بإجراءات التحكيم وهي:
إذا تعذر على أحد أطراف التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم تبليغه تبليغاً صحيحاً بإجراءات التحكيم أو بتعيين محكم أو لأي سبب آخر خارج عن إرادته، أو تم تعيين أو تشكيل هيئة التحكيم على وجه مخالف لقانون التحكيم أو اتفاق الطرفين.
ثالثاً- حالات تتعلق باختصاص هيئة التحكيم وهي:
في حال فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو تجاوز حدود الاتفاق، ولكن إذا كان بالإمكان فصل الاجزاء الخاضعة للتحكيم عن الأجزاء غير الخاضعة للتحكيم، فيكون صحيحاً في الأجزاء الخاضعة للتحكيم ويجوز الطعن في الاجزاء غير الخاضعة للتحكيم.
رابعاً- حالات تتعلق بمحتوى القرار التحكيمي وهي:
في حالة استبعاد المحكم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع أو لم يراع المحكم الشروط الواجب توافرها في الحكم على نحو أثرت في مضمون حكمه أو أنه استند في حكمه على إجراءات تحكيم باطلة أثرت فيه.
خامساً- حالات تستند الى مخالفة قواعد النظام العام:
حيث تقضي المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا خالف النظام العام في المملكة أو كان موضوع النزاع محل الحكم من المسائل التي لا يجوز فيها التحكيم.
مما سبق تتفق القوانين على أن حكم التحكيم النهائي، حكم قطعي وغير قابل للطعن بطرق الطعن العادية المنصوص عليها في القوانين الاجرائية، وهي تتفق على طريق استثنائي للطعن في حكم التحكيم، وهو الطعن بإبطال الحكم أو ما يسمى عند بعضها بطلب الغاء الحكم، حيث يتم إبطال الحكم بدعوى مبتدأه أو متقابلة، وكذلك فإن رقابة الدولة على هذا الحكم تقتصر على رقابة شكلية خارجية، وليست رقابة موضوعية (شحاته، محمد، 2000، ص301؛ صاوي، احمد، 2002، ص219؛ احدب، عبد الحميد، 2008، الكتاب الاول، ص140؛ عبد المجيد، منير، 2000، ص. 473-474).
المطلب الثاني
الطعن في حكم التحكيم الالكتروني
لقد نصت المادة (25/5) من تنظيم محكمة الفضاء الكندية أن حكم التحكيم الذي يصدر عن هذه المحكمة يعد حكماً نهائياً لا يقبل الطعن به بالاستئناف، وقد نصت الفقرة السادسة من نفس المادة (25) على اعتبار اتفاق الأطراف على خضوع نزاعهم الى التحكيم وفقاً لنظام المحكمة الفضائية هو تنازلاً منهم عن الطعن بهذا الحكم بأية طريقة من طرق الطعن. وهذا الحكم يتفق مع ما يقرره نظام القاضي الافتراضي الذي نشأ ويطبق في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 1996م (زمزم، عبد المنعم، 2011، ص 342، 343).
وكذلك نصت المادة (28/6) من نظام التحكيم الالكتروني التابع لغرفة التجارة الدولية في باريس أن حكم التحكيم ملزم للأطراف ويتعهد الخصوم بمجرد احالتهم النزاع للتحكيم بتنفيذ حكم التحكيم دون أي تأخير ويعتبرون أنهم قد تنازلوا عن كل سبل الطعن المتاحة لهم في القانون.
ومع وجود هذا النص في نظام التحكيم الإلكتروني لغرفة التجارة الدولية في باريس، إلا أن الواقع في كثير من هذه الأحكام يتم الطعن بها أمام القضاء إما بشكل مباشر في البلد الذي صدر فيه الحكم أو في البلد المعين لتنفيذ الحكم عند طلب تنفيذه خاصة عندما يتعلق الطعن بالنظام العام، لذلك نصت قواعد الغرفة أن مثل هذا التنازل يعتد به إذا كان ذلك ممكناً. (حداد، حمزة، بحث منشور على الموقع www.lac.com.jo).
نستنتج مما سبق أن حكم التحكيم لا يجوز الطعن به بطرق الطعن العادية إذا كان صادراً بطريقة الكترونية وهذا يتفق مع التحكيم التقليدي فهو حكم قطعي وغير قابل لأي طريق من طرق الطعن العادية المنصوص عليها في معظم القوانين الإجرائية.
إلا أن بعض الأنظمة الالكترونية قد أجازت الطعن بالاستئناف على الأحكام الصادرة عنها، مثل نظام محكمة التحكيم الفضائية التي أُنشئت في الولايات المتحدة الأمريكية سنة 2001 بموجب قانون رقم 262 ويسمى (public act) في ولاية (ميتشغان)، حيث أجازت استئناف الأحكام التي تصدر عنها أمام المحكمة التي يجوز الطعن في أحكام محكمة الدرجة الأولى أمامها، وبالتالي لا يستطيع الطرف الرابح أن يطلب تنفيذ حكم هذه المحكمة الالكترونية قبل فوات ميعاد الطعن بالاستئناف أو التنازل عن هذا الطعن بعد صدوره، بمحض إرادته سواء كان تنازلاً صريحاً أو ضمنياً بتنفيذه مثلاً وإلا سيضطر إلى انتظار حكم محكمة الاستئناف (خالدي، إيناس، 2009، ص 462).
نستنتج من كل مما سبق أن أغلبية أنظمة التحكيم الالكترونية لا تجيز الطعن بأحكام التحكيم الإلكترونية بالطرق العادية أو غير العادية مثل الاستئناف والتمييز أو التماس إعادة النظر، ولكنها تجيز الطعن بها بالبطلان فقط، والبعض يجيز الطعن بها بالاستئناف وبالتالي فإن الطعن ببطلان الحكم كما هو في التحكيم العادي يكون بدعوى مبتدأه ترفع لدى المحكمة المختصة، أما الطعن بها بالاستئناف فيكون في الدرجة الثانية من التقاضي وبالتالي يجوز فحص النزاع مرة أخرى ويحل حكم القاضي محل حكم المحكم.
والسؤال المطروح هنا، ما هي الحالات التي تقبل فيها الدعوى ببطلان حكم التحكيم الالكتروني؟
نجيب على هذا السؤال من خلال استعراض حالات بطلان حكم التحكيم السابق ذكرها في التحكيم العادي كما يلي:
أولاً- من حيث حالات البطلان المرتبطة بالاتفاق على التحكيم:
ويرى الباحث أنه لا اختلاف بين التحكيم الالكتروني والتحكيم العادي من حيث توافر شروط الاتفاق الموضوعية اللازمة لانعقاده مثل الرضا والمحل والسبب. إلاّ انه يختلف في الشروط الشكلية للانعقاد وهي الكتابة التقليدية عند معظم المشرعين.
وبالتالي فإن وجود اتفاق تحكيم إلكتروني يتوقف على القانون المطبق على هذا الاتفاق أو الدولة المطلوب تنفيذ حكم التحكيم الالكتروني على أراضيها.
ومن هنا فإن كانت الدولة تعترف بالاتفاق بالوسائل الالكترونية المختلفة فلا يستطيع الخصم الطعن بعدم وجود اتفاق تحكيم، أما إذا كانت الدولة محل التنفيذ لا تعترف بالكتابة الالكترونية فيستطيع الخصم الطعن بالبطلان على الحكم بسبب عدم وجود اتفاق تحكيم بينه وبين خصمه.
ثانياً- من حيث حالات البطلان المرتبطة بإجراءات التحكيم الالكترونية:
وهي الحالات التي يتعذر قيام أحد طرفي النزاع بتقديم دفاعه بسبب عدم تبليغه تبليغاً صحيحاً بإجراءات التحكيم أو بتعيين محكم، والتي تعد تطبيقاً لاحترام حقوق الدفاع واحتراماً من المحكمين لمبدأ المواجهة بين الخصوم. (معاني، جعفر ذيب، 2014، ص.245-246).
ويرى الباحث أن نظام محكمة التحكيم الالكترونية هو الذي يحدد هذه الإجراءات وان قبول الخصمين باللجوء الى هذا المركز التحكيمي الالكتروني بمحض إرادتهما هو قبول منهما بطرق التبليغ المنصوص عليها في هذا المركز التحكيمي وكذلك قبولاً منهما لآلية تعيين المحكمين ما دامت تكفل حقوق الدفاع لكلا الطرفين ومبدأ المواجهة، فسواء تم التبليغ بواسطة البريد الالكتروني أو الفاكس أو التلكس أو الواتس أب أو الفيس بوك أو غيرها من الوسائل الالكترونية، فإن التبليغ يكون صحيحاً، ويجوز أيضاً سماع الشهود والخبراء عبر التلفون أو مؤتمرات الفيديو وكذلك نقل المستندات الكترونياً من والى الخصوم.
ثالثاً- من حيث الحالات التي تتعلق باختصاص هيئة التحكيم الالكترونية:
مثل فصل هيئة التحكيم بمسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو تجاوزها حدود اتفاق التحكيم، أو أنه ثبت عدم اختصاص هيئة التحكيم بالنظر في موضوع النزاع. (معاني، جعفر، مرجع سابق، ص. 243-245).
ويرى الباحث أنه لا يختلف التحكيم العادي عن التحكيم الالكتروني في هذه الحلات السابقة حيث يستطيع الخصم أن يطعن بالبطلان في قرار التحكيم الالكتروني بسبب عدم اختصاص هيئة التحكيم لأي من هذه الأسباب أمام المحكمة المختصة.
رابعاً- من حيث الحالات التي تتعلق بمحتوى القرار التحكيمي الالكتروني:
حيث يرى الباحث ضرورة تقيّد هيئة التحكيم الالكترونية بالقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع والذي اتفق الاطراف على تطبيقه وإلا كان حكمها عرضه للبطلان.
وكذلك على هيئة التحكيم الالكترونية مراعاة الشروط الواجب توافرها في حكم التحكيم الالكتروني والتي قد تؤثر في مضمون الحكم وأن لا يستند على إجراءات تحكيم باطلة تؤثر فيه، وإلا يكون عرضه للبطلان.
وكذلك فإن محتويات حكم التحكيم العادي لا تتعارض مع الشكل الالكتروني مثل التسبيب وأسماء الخصوم وعناوينهم واسماء المحكمين وعناوينهم وجنسياتهم وصفاتهم.
خامساً- من حيث الحالات التي تتعلق بمخالفة حكم التحكيم الالكتروني لقواعد النظام العام:
وهنا تتفق أيضاً قواعد التحكيم العادية مع قواعد التحكيم الالكترونية في عدم مخالفة حكم التحكيم لقواعد النظام العام في مكان صدوره أو مكان تنفيذه وأن يكون موضوع النزاع الالكتروني محل الحكم من المسائل التي يجوز التحكيم فيها في مكان تنفيذه.
المبحث الثالث
حفظ وإيداع حكم التحكيم الالكتروني مقارنة بالتحكيم التقليدي
يقسم الباحث هذا المبحث الى مطلبين، يتناول في المطلب الأول حفظ وإيداع حكم التحكيم التقليدي وفي المطلب الثاني يتناول حفظ وإيداع حكم التحكيم الإلكتروني.
المطلب الاول
حفظ وإيداع حكم التحكيم التقليدي
بداية، يتم حفظ حكم التحكيم التقليدي بإيداعه في المحكمة المختصة بالتصديق عليه أو في مركز التحكيم الذي اصدره إذا كان التحكيم مؤسسياً، وقد نصت المادة (47) من قانون التحكيم المصري رقم (27) لسنة 1994 على أنه يجب على الطرف الرابح في التحكيم ايداع أصل الحكم أو صورة موقعة منه باللغة التي صدر بها، أو ترجمته الى اللغة العربية إذا كان صادراً بلغة غيرها، وذلك في قلم كتاب المحكمة المشار اليها في المادة (9) من قانون التحكيم.
وقد صدر في مصر القرار رقم (8310) لوزير العدل يبين تنظيم إجراءات هذا الايداع بتاريخ 12 سبتمبر 2008، ثم صدر قرار آخر من وزير العدل رقم (6570) في 7 يوليو 2009 بتعديل تلك الإجراءات، ثم صدر قرار ثالث من وزير العدل رقم (9739) بتاريخ 15 اكتوبر 2011 بتعديل هذه الاجراءات كما يلي:
أولاً- يتم انشاء دفتر بقلم كتاب المحكمة لقيد طلبات إيداع أحكام التحكيم بأرقام مسلسلة ويتضمن تاريخ تقديم الطلب وبيانات وافيه عن مقدمه وصفته ومحل إقامته، وبيانات الحكم.
ثانياً- يتم تقديم طلب الايداع إما من المحكوم له أو وكيله بموجب توكيل رسمي، ويرسل هذا الطلب إلى المكتب الفني للتحكيم بوزارة العدل لإبداء الرأي بشأنه.
ثالثاً- يبدي بعد ذلك المكتب الفني رأيه بقبول الطلب أو عدم قبوله بعد التحقق مما يلي:
1- أن حكم التحكيم المطلوب إيداعه لا يتضمن ما يخالف النظام العام في مصر، وأن التحكيم جائز في موضوعه.
2- أن المحكمة المطلوب الايداع فيها مختصة به حسب نص المادتين (9،47) من قانون التحكيم المصري.
رابعاً- إذا صدر قرار المكتب الفني بقبول الايداع يحرر الكاتب المختص في المحكمة محضراً بالإيداع يتضمن تاريخ صدوره وأسماء المحكمين الذين أصدروه وعناوينهم وصفاتهم واسماء الخصوم وعناوينهم ومنطوق الحكم واسم طالب الايداع وعنوانه وصفته ايضاً.
خامساً- أجاز القرار لكل طرف في التحكيم الحصول على صورة من محضر إيداع الحكم ولكن لا يجوز إعطاء صورة رسمية من الحكم المودع.
سادساً- بعد تمام الايداع، يختص رئيس المحكمة المودع لديها الحكم أو من يندبه الرئيس من قضاتها إصدار الأمر بتنفيذ حكم التحكيم ولكن بعد التحقق من توافر المواعيد والشروط التي نصت عليها المادة (58) من قانون التحكيم المصري. (نصوص قرارات الوزراء على الموقع
يفهم من هذه النصوص السابقة أنّ المشرع المصري يشترط لصدور الأمر بالتنفيذ أن يكون حكم التحكيم قد أودع في المحكمة وتم صدور قرار من المكتب الفني بقبول الإيداع، وهذا يعني أن حكم التحكيم المطلوب إيداعه لا يتضمن ما يخالف النظام العام، ويتعلق بمسألة يجوز فيها التحكيم وأن المحكمة المطلوب الايداع فيها مختصة بالإيداع، وفي حال تخلف احد الشروط سيقوم المكتب الفني بوزارة العدل برفض الايداع وبالتالي سيمتنع التنفيذ، إلا أنه يجوز للمحكوم لصالحه أو وكيله الذهاب إلى المحكمة المختصة بعد رفضه وطلب إيداع جديد من المحكمة المختصة، وقبول الايداع يعني بالضرورة أنه تم حفظ هذا الحكم بشكل ورقي في ارشيف المحكمة وسجلاتها بحيث يمكن الرجوع لها وقت الحاجة.
وقد نصت قواعد غرفة التجارة الدولية في باريس في المادة (28/4) على حفظ حكم التحكيم عن طريق إيداعه لدى أمانة الهيئة إلا أنها لم تبين آلية وشروط هذا الايداع، أما اتفاقية نيويورك لعام 1958م فلم تتعرض قطعياً لمسألة حفظ أو أيداع حكم التحكيم وتبعتها كذلك قواعد اليونسترال النموذجية للتحكيم، والقانون الاردني ايضاً.
المطلب الثاني
حفظ وايداع حكم التحكيم الالكتروني
أن حفظ حكم التحكيم الالكتروني سيتم من خلال موقع الانترنت الذي تباشر من خلاله هيئة التحكيم عملها أو على قرص صلب الكتروني في مقر المؤسسة التحكيمية الالكترونية إن كان التحكيم مؤسسياً على الارجح، ولكن عملية حفظ حكم التحكيم الالكتروني تفرض على المودع لديه الحكم التزامين هما:
الاول: ضمان الكمال بالنسبة لهذا الحكم (أي بقاءه كما هو يوم صدوره).
الثاني: أن يسمح هذا الحفظ للحكم ببقائه سرياً وغير متاح للعلن إن اراد الأطراف ذلك (خالدي، ايناس، مرجع سابق، ص 476).
وبالرجوع لنص المادة (25/4) من قواعد محكمة الفضاء الكندي نرى أنها ألزمت السكرتارية بمهمة نشر الحكم على موقع الدعوى ولم تحدد هذه المادة تاريخ إزالة هذا الحكم عن موقع الدعوى، بعكس جمعية التحكيم الأمريكية التي نصت في المادة (11) من الاجراءات التكميلية الخاصة بالتحكيم الالكتروني بأنه يجب على المحكم إعلان الحكم بنفسه (وليس السكرتارياً) على الموقع، ويظل موقع الدعوى متاحاً للأطراف خلال ثلاثين يوماً من تاريخ إعلان الحكم على الموقع، إلا أن هذه المادة لم تبين مصير الموقع بعد انتهاء هذه المدة هل سيتم إزالته أم سيبقى قائماً مع عدم استطاعة الاطراف الوصول اليه من أجل حفظ الحكم عليه!
على كل حال لا يهم سواء تم حفظ الحكم الالكتروني في المؤسسة التحكيمية على قرص صلب بشكل الكتروني أو على شبكة الانترنت أو غيرها من الوسائل الالكترونية، فالمهم أن يسمح هذا النظام بتحقق الشرطين السابق ذكرهما وهما ضمان الكمال والسرية، وقد بين القانون النموذجي للتجارة الالكترونية لسنة 1996، في المادة العاشرة منه، ثلاثة ضوابط من أجل حفظ الوثائق الالكترونية حيث يمكن الاعتماد عليها في حفظ حكم التحكيم الالكتروني هي:
"1- سهولة الاطلاع على المعلومات التي تتضمنها هذه الوثائق في وقت لاحق.
2- الاحتفاظ برسائل البيانات بالشكل الذي انشئت أو ارسلت أو تم استلامها به.
3- الاحتفاظ بالمعلومات التي تتعلق بمنشأ رسالة البيانات وجهة وصولها وتاريخ ووقت إرسالها واستلامها".
وبالتالي فإن مراعاة هذه الشروط الثلاثة في حفظ حكم التحكيم الالكتروني يؤدي الى الوثوق في هذا الحكم بأنه لم يتم التلاعب به بالزيادة عليه أو تبديله او الانتقاص منه أو فقده ويعطي الاطراف الثقة في مركز التحكيم الالكتروني.
المبحث الرابع
اجراءات تنفيذ حكم التحكيم الالكتروني مقارنة بالتحكيم التقليدي
يقسم الباحث هذا المبحث الى مطلبين يتناول في المطلب الأول إجراءات تنفيذ حكم التحكيم التقليدي وفي المطلب الثاني يتناول إجراءات تنفيذ حكم التحكيم الالكتروني.
المطلب الاول
إجراءات تنفيذ حكم التحكيم التقليدي
بداية فقد يقوم الطرف الخاسر في التحكيم بتنفيذ حكم التحكيم طواعية بدون إجباره على ذلك، وهو الاصل في التحكيم (محسن، شفيق، 1988، ص37)، وهو ما نصت عليه لائحة غرفة التجارة الدولية في باريس في المادة (28/6) حيث قررت أن حكم التحكيم ملزم لأطرافه، ويتعهد هؤلاء الاطراف بتنفيذه دون تأخير. وتتراوح نسبة تنفيذ أحكام التحكيم لما يصل نسبته الى 95% طواعية بدون إجبار السلطات عليه (أحدب، عبد الحميد، موسوعة التحكيم ج2، 1998، ص324).
إلا أنه تبقى نسبة من الخاسرين في التحكيم لا تقبل تنفيذ الحكم طواعية، وبالتالي يجب اللجوء الى السلطات العامة لتنفيذ هذا الحكم التحكيمي وخاصة ان حكم التحكيم لا يعتبر في ذاته سنداً تنفيذياً، حتى ولو أجاز القانون اللجوء للتحكيم كوسيلة لفض المنازعات ومنحه حجية الأمر المقضي، فهو يحتاج إلى صدور قرار خاص من قاضي الموضوع النظامي في الدولة يسمى أمر تنفيذ من أجل قبول قاضي التنفيذ القيام بتنفيذه جبراً عن إرادة الخاسر في التحكيم (والي، فتحي، 2007، ص 480؛ ناصف، حسام الدين، 2005، ص 68 ؛ قصاص، عيد، 2007، ص 291-292).
ويرى بعض الفقه أن عدم تمتع حكم التحكيم بالقوة التنفيذية قياساً على حكم القاضي العادي مرده أن المحكم لا يعتبر جهة رسمية بل هو فرد خاص يستمد سلطاته من اتفاق الخصوم، وبالتالي فهو لا يملك سلطة اعطاء أمر لقاضي التنفيذ من أجل تنفيذ حكمه جبراً عن إرادة المحكوم ضده (ابو الوفا، أحمد، 1988، ص 293).
وقد بينت اتفاقية نيويورك لعام 1958م، الخاصة بالاعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين في المادة (4/1) منها إجراءات تنفيذ احكام التحكيم والمستندات المطلوبة لذلك.
حيث نصت أن: على من يطلب الاعتراف والتنفيذ لحكم المحكمين أن يقدم مع الطلب:
أ- أصل الحكم الرسمي أو صورة منه تجمع الشروط الرسمية للسند. ب- أصل الاتفاق أو صورة تجمع الشروط الرسمية للسند.
وقد بنيت على هذا النص - السابق ذكره لاتفاقية نيويورك - قواعد القانون النموذجي للتحكيم التجاري لعام 1985 حيث بينت هذه القواعد في المادة 35 منها على أن قرار التحكيم ملزم بصرف النظر عن البلد الذي صدر فيه، وينفذ بناء على طلب كتابي يقدم الى المحكمة المختصة، على الطرف الذي يقدم طلباً لتنفيذه أن يقدم القرار الأصلي الموثق حسب الأصول او صورة منه مصدقة كذلك حسب الأصول، واتفاق التحكيم الاصلي أو صورة له مصدقة حسب الاصول، أما إذا كان قرار التحكيم غير صادر بلغه رسمية لهذه الدولة فيجب تقديم ترجمة له الى لغة الدولة مصدقة حسب الأصول.
وقد تبنى القانون الاردني للتحكيم رقم (31) لسنة 2001 هذه الشروط في المادة (53) وكذلك فعل المشرع المصري في قانون التحكيم المصري رقم (27) لسنة 1994 في المادة (56)، حيث بينت هذه المادة أن رئيس المحكمة المشار اليها في المادة (9) من هذا القانون يختص هو أو من يندبه من قضاتها بإصدار الأمر بتنفيذ أحكام المحكمين، حيث يقدم طلب تنفيذ الحكم مرفقاً به: 1- أصل الحكم أو صورة موقعه منه. 2- صورة من اتفاق التحكيم.
3- ترجمة مصدقة من جهة معتمدة إلى اللغة العربية إن لم يكن صادراً بها 4- صورة من المحضر الذي يدل على أنه تم إيداع الحكم حسب المادة (47) من قانون التحكيم.
وقد بينت المادة (9/1) من قانون التحكيم المصري أن الاختصاص بنظر مسائل التحكيم التي يحيلها قانون التحكيم للقضاء المصري تكون للمحكمة المختصة أصلاً بنظر هذا النزاع أما إذا كان التحكيم تجارياً دولياً وقد جرى في مصر أو خارجها فيكون الاختصاص لمحكمة استئناف القاهرة، ما لم يتفق الاطراف على اختصاص محكمة استئناف أخرى داخل مصر، والذي يختص بتنفيذ الحكم هو رئيس هذه المحكمة أو من يندبه من قضاتها.
وقد اشترطت المادة (58) من قانون التحكيم المصري أنه لا يقبل طلب تنفيذ حكم المحكم إذا لم يكن ميعاد رفع دعوى بطلان الحكم قد انقضى، ولا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم إلا بعد التحقق مما يلي:
1- أنه لا يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية.
2- أن الحكم لا يتضمن ما يخالف النظام العام في مصر.
3- أنه قد تم اعلان الحكم إعلاناً صحيحاً للمحكوم عليه.
وهذه المادة تقابل المادة (54) من قانون التحكيم الأردني.
اما بالنسبة لجواز التظلم من الامر الصادر بتنفيذ أو رفض تنفيذ حكم التحكيم فقد بينت المادة (58) في الفرع الثالث منها أن الامر الصادر برفض التنفيذ يجوز التظلم منه إلى المحكمة المختصة وفقاً لحكم المادة (9) من قانون التحكيم وذلك خلال ثلاثين يوماً من تاريخ صدوره، أما التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم فلا يجوز التظلم منه، إلا أن المحكمة الدستورية العليا في الطعن رقم (92) لسنة (31) ق في جلسة (6) يناير 2001 قضت بعدم دستورية النص على عدم جواز التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ أو برفض تنفيذ حكم التحكيم، وبالتالي اصبح من الجائز التظلم من الامر الصادر بتنفيذ أو برفض تنفيذ حكم التحكيم (الجريدة الرسمية المصرية، 18 يناير 2001).
مما سبق يستنتج الباحث أنه إذا توافرت الشروط السابق ذكرها وتقدم الطرف الكاسب بطلب تنفيذ حكم التحكيم الوطني بأمر على عريضة وفقاً لنص المادة (194) من قانون المرافعات المصرية، ومرفقاً بطلب المستندات التي حددتها المادة (56) من قانون التحكيم المصري ولم يوجد مانع من الموانع المنصوص عليها في المادة (58) من قانون التحكيم، فإنه يجب على القاضي أن يصدر أمره كتابة على إحدى نسختي العريضة في اليوم التالي لتقديمها على الأكثر حسب نص المادة (195) من قانون المرافعات المصرية.
المطلب الثاني
إجراءات تنفيذ حكم التحكيم الالكتروني
لقد جرى الواقع العملي على تنفيذ حكم التحكيم الالكتروني طواعية في معظم الأحيان، وذلك بسبب حرص المتعاملين بواسطة الانترنت على ديمومة مصالحهم الخاصة، وبالتالي فلا حاجة في معظم الأحيان إلى اللجوء إلى المحاكم النظامية من أجل اجبار الطرف الخاسر في التحكيم على تنفيذ الحكم (Linyu, H.& Nasir, M.2003, p.47).
وبالنسبة لمحكمة الفضاء الكندية نجد نص المادة (25/6) قد بينت أن الاطراف يتعهدون بمجرد خضوعهم لهذا التنظيم بتنفيذ حكم التحكيم دون تأخير ولم تحدد شروطاً معينة أو طريقة معينة لتنفيذ هذا الحكم، فهي ليست دولة ذات سيادة، وكذلك فليس لها اقليم حتى تقوم بتحديد أسلوب معين لتنفيذ أحكامها، وكذلك فإن هذا الحكم سيقرر تنفيذه على اقليم دولة معينة لها قوانينها الخاصة أو قد تكون عضواً في اتفاقية نيويورك وبالتالي ستطبق قواعد الاتفاقية.
وإن صدور حكم التحكيم بصورة الكترونية وبتوقيع الكتروني قد يثير صعوبة في تنفيذه في الدول التي لا تعترف إلا بالكتابة التقليدية كوسيلة وحيدة مطلقة في الاثبات وليس لديها قانون خاص بالتجارة الالكترونية التوقيع الالكتروني ((Horg,ue, 2003, p.13.
وكذلك لم تتطرق القواعد التكميلية لجمعية التحكيم الأمريكية الخاصة بالتحكيم الالكتروني الى طريقة معينة أو شروط معينة لتنفيذ حكم التحكيم الالكتروني، وبالتالي يجب الرجوع إلى القواعد التقليدية في التحكيم العادي في حال عدم وجود نص في القواعد التكميلية، وقد نصت قواعد جمعية التحكيم الأمريكية، في المادة (42/أ) على انه يقتضي تنفيذ حكم التحكيم الصادر عن الجمعية وفقاً للطريقة التي يحددها القانون.
وبالتالي فقد ساوت قواعد جمعية التحكيم الأمريكية بين شروط وطريقة تنفيذ حكم التحكيم التقليدي الصادر عن الجمعية مع شروط وطريقة تنفيذ حكم التحكيم الالكتروني المقررة في القوانين الداخلية لتنفيذ أحكام التحكيم في إقليم دولة التنفيذ.
وبالرجوع إلى اتفاقية نيويورك لعام 1958م، نرى أنها بينت في المادة الأولى في الفقرة الثانية أن المقصود بأحكام التحكيم، جميع الأحكام الصادرة من هيئات تحكيم دائمة يحتكم اليها الأطراف وليست الأحكام الصادرة عن محكمين معينين بشكل مباشر (التحكيم الحر) فقط، وبالتالي فإن أحكام التحكيم سواء المؤسسي التقليدي أو الكتروني أو تحكيم حر تعتبر من نفس الدرجة والطبيعة بالمفهوم الواسع للنص.
وهو كذلك ما نصت عليه اتفاقية واشنطن الخاصة بتسوية منازعات الاستثمار في المادة (54/3) حيث يخضع تنفيذ كلا النوعين من التحكيم، سواء المؤسسي أو الحر، للقوانين الخاصة بتنفيذ الأحكام لقواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية في باريس في المادة (28/6) وكذلك لقواعد محكمة التحكيم في لندن في المادة (30/1).
وهنالك آليات مختلفة لتنفيذ حكم التحكيم بشكل الكتروني، نتناول ثلاث منها على سبيل المثال:
أولاً- عن طريق ربط مركز التحكيم الالكتروني بمصدر بطاقة الائتمان:
حيث يقوم مركز التحكيم الالكتروني بإبرام اتفاق مع أحد مصدري بطاقات الائتمان مثل شركة ماستر كارد أو فيزا، ويكون أطراف اتفاق التحكيم قد ابرموا اتفاقا مع نفس شركة الائتمان، حيث يتضمن كلا العقدين شرطاً يخول مصدر بطاقة الائتمان ويلزمه برد الثمن الى حساب المشتري إذا تلقى قراراً تحكيمياً من مركز التحكيم الالكتروني يفيد ذلك.
ثانياً- عن طريق خدمات التعهد بالتنفيذ:
ويجب هنا ابرام عقد بين طرفي العقد الالكتروني (البائع والمشتري) وبين متعهد قبل إبرام عقد البيع، بحيث يتضمن عقد البيع شرطاً لتنفيذ التحكيم الالكتروني تحت مظلة أحد مراكز التحكيم.
ثالثاً- عن طريق صندوق تمويل الأحكام:
حيث يتم إنشاء صندوق لتمويل تنفيذ الاحكام يساهم فيه تجار السوق الالكترونية، ويتولى إدارته والاشراف عليه مركز تحكيم الكتروني معتمد من قبلهم، بحيث يضمن هذا الصندوق تنفيذ احكام التحكيم الالكترونية مباشرة من خلال الأموال المودعة لديه. (ادريس، اسامة، 2017؛ مطر، عصام، 2009، ص292).
أما اذا لم تتوافر الوسائل الالكترونية لتنفيذ الحكم الإلكتروني فسيجبر الطرف الرابح الى الذهاب الى إقليم الدولة التي توجد بها أموال الطرف الخاسر لطلب تنفيذ الحكم، فإذا كانت هذه الدولة تعترف بالكتابة الالكترونية والتوقيع الإلكتروني (كالقانون المصري والاردني) فإن قرارات التحكيم الالكترونية الصادرة والناشئة بموجب اتفاق تحكيم استخدمت فيه الوسائل الالكترونية، سوف تلقى كل اعتراف وتمنح الصيغة التنفيذية التي تمنح لقرارات التحكيم التقليدية.
وإلا فلا يمكن إجبار الدولة على قبول حكم التحكيم الالكتروني لأن اتفاقية نيويورك لا تنص على ذلك حتى ولو كانت هذه الدولة قد انضمت الى الاتفاقية ومن باب أولى إذا لم تكن قد أنظمت الى الاتفاقية.
ويرى بعض الفقه أن اعتماد حكم التحكيم الالكتروني يثير مشكلة لسببين: الاول: أن نظم المعلومات الالكترونية لا تميز بين الاصل والصورة. والثاني: يعود الى الصعوبات التي تثيرها رسمية المستند الالكتروني. (إبراهيم، خالد،2008، ص456).
وبالرجوع الى القانون النموذجي للتجارة الالكترونية لسنة 1996، نجد المادة (8/1) قد بينت أنه: عند اشتراط القانون تقديم المعلومات أو الاحتفاظ بها في شكلها الأصلي، فإن رسالة البيانات (الصورة) تستوفي هذا الشرط في حال:
1- وجد كما يعتمد عليه لتأكيد سلامة المعلومات في الوقت الذي أنشئت فيه للمرة الأولى في شكلها النهائي.
2- كان يمكن عرضها على الشخص المقرر أن تقدم إليه عندما يشترط تقديم تلك المعلومات.
وكذلك نصت المادة (8/3/أ) في الفقرة الاولى من نفس القانون على أن معيار تقييم سلامة المعلومات هو تحديد ما إذا كانت قد بقيت كما هي دون تغيير، ولكن باستثناء التظهير أو التغيير الذي يطرأ اثناء المجرى الطبيعي للإبلاغ والتخزين والعرض حيث تقدر درجة الاعتماد المطلوب على ضوء الغرض الذي أنشئت من أجله المعلومات والظروف ذات الصلة بها.
وقد اخذت بهذه الحلول اتفاقية الأمم المتحدة المتعلقة باستخدام الخطابات الالكترونية في العقود الدولية لسنة 2005 في المادة (9/4) والتي تطابق ما نص عليه القانون النموذجي وبهذه النصوص تكون المشكلة الأولى قد حلّت.
أما اعتبار قرار التحكيم الالكتروني غير رسمي لأنه قرار صادر عن محكم الكتروني، فإن إفراغه في قالب مكتوب قابل للعرض لدى المحاكم الوطنية لأجل إقراره، يؤدي بعد إقراره الى أن يصبح قراراً تحكيمياً الكترونياً رسمياً قابلاً للتنفيذ، حيث أنه لا يختلف هنا عن قرار التحكيم التقليدي الذي لا يعتبر قراراً تحكيمياً رسمياً إلا بعد إقراره من القضاء المختص. وبهذا تكون المشكلة الثانية قد حلت.
يستنتج الباحث مما سبق أن الدول سوف تعطي الصيغة التنفيذية لحكم التحكيم الالكتروني بالاعتماد على قوانينها الداخلية، فإن كانت قوانينها الداخلية تعترف بالعقود الالكترونية، والتواقيع الالكترونية أو تكون قد انضمت الى اتفاقيات تعترف بالعقود الالكترونية والتواقيع الالكترونية، وقد استوفى الحكم الالكتروني كافة الشروط المنصوص عليها في القانون ولا يوجد فيه سبب من اسباب البطلان المتعلقة بالنظام العام في تلك الدولة، فسوف يمنح الصيغة التنفيذية ذاتها الممنوحة لأحكام التحكيم التقليدية والتي تتضمن الكتابة التقليدية للحكم والتوقيع التقليدي على الحكم.
الخاتمة
ويقسم الباحث الخاتمة الى قسمين يتناول القسم الأول نتائج الدراسة وفي القسم الثاني توصيات الدراسة.
القسم الأول- نتائج الدراسة:
1- لقد كانت هذه الدراسة تعتمد على تناول المبدأ المستقر عليه في التحكيم التقليدي بالرجوع الى قواعد تحكيم اليونسترال، وبعض الاتفاقيات الدولية وقانون التحكيم الاردني والمصري، وأنظمة وقواعد بعض المؤسسات وهيئات التحكيم المؤسسي، وهذا يعني أن كل المبادئ في التحكيم التقليدي هي ذاتها ولكن مع بعض الاختلاف في بعض التفصيلات، مما يدل على أن هذه المبادئ تقترب من كونها مبادئ عالمية مشتركة بين الانظمة القانونية المختلفة في العالم.
2- إن الآثار المترتبة على حكم التحكيم الالكتروني قريبة من الآثار المترتبة على حكم التحكيم التقليدي لأن كلاهما اخذ احكامه من اتفاقية نيويورك لعام 1958، وقانون اليونسترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي.
3- إن تنفيذ حكم التحكيم الالكتروني سواء كان حراً أو مؤسسياً لا يختلف، عن تنفيذ حكم التحكيم التقليدي، وخاصة في الدول التي أصدر مشرعوها قوانين للتجارة الالكترونية والتوقيع الالكتروني حيث تمت المساواة بين الكتابة الالكترونية والكتابة التقليدية في الاثبات. أما الدول التي لا توجد بها قوانين للتجارة الالكترونية أو التوقيع الالكتروني فهي التي تختلف آثار حكم التحكيم الالكتروني فيها عن التحكيم التقليدي وقد يرفض تنفيذه.
القسم الثاني: التوصيات:
1- ضرورة تعديل وإعادة صياغة اتفاقية نيويورك لعام 1958، وكذلك قواعد اليونسترال النموذجية للتحكيم بالشكل الذي ينص على الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الالكترونية.
2- أن تنص مؤسسات التحكيم الالكترونية جميعها على عدم جواز الطعن في حكم التحكيم، بحيث لا يكون أمام الاطراف سوى الطعن ببطلان الحكم فقط للأسباب التي نصت عليها الاتفاقيات الدولية كقواعد اليونسترال للتحكيم.