1- عندما أعاود التأمل والتفكير في التجارب التحكيمية التي مررت بها خلال الأربعـين سـنة الماضية، تحضرني فكرة رئيسية مقتضاها أن الهيئات التحكيمية التي توصلت إلى أحكـام صادرة بإجماع آراء أعضائها قد توصلت في غالبيتها إلى حلول تتسم بالعدالة التي تعكـس ضميراً أخلاقياً يتوخى أكبر قدر ممكن من النزاهة والتجرد عن دوافع شخصية لهذا العضو أو للآخر بحكم ثقافته الذاتية والبيئة التي نشأ فيها.
2- وأول ما يرد على خاطري في هذا المجال صورة فريدة لمحكم فرد هـو شـيـخ القـضاة السويديين/ جونار لاجرنجن (Gunnar Lagrengen) الذي جلس وحيداً للفصل في قضية مرفوعة أمام غرفة التجارة الدولية بباريس أوائل الستينات من القرن الماضـي، رفعهـا مواطن من إحدى دول أميركا الجنوبية يطالب فيها بعمولة مقدارها عـدة ملايـيـن مـن الجنيهات الإسترلينية من شركة تصنيع طائرات حربية بريطانية تم توريدها لصالح حكومة تلك الدولة اللاتينو أمريكية، ذلك أنه بحدس القاضي الذي يبحث عن الحقيقة بادر المحكـم لانجرنجن بسؤال المحتكم الحاضر أمامه عن الإعتبارات التي دعت الشركة البريطانيـة العملاقة كي تختاره هو شخصيا لتسند إليه عملية معاونتها في الحصول علـى الـصفقة. وجاءت الإجابة عفوية من المحتكم مجيباً عن هذا السؤال بأنه الشخص الوحيد الذي كـان ه يمكنه إتمام الصفقة – بحكم أن شقيقه هو وزير الدفاع الذي يصدر قرار الإسناد.
3- فما كان من القاضي الجليل/لانجرنجن – إلا أن أصدر حكمه التاريخي برفض سماع دعوى المحتكم المقر بإستغلال إسم شقيقه الوزير المسؤول بإعتبار أن من يلجأ إلى التحكيم الدولي يجب أن تكون أياديه نظيفة (clean hands)، ولا يسعى إلى الحصول علـى مـغـنـم عـن طريق إستغلال نفوذ المسؤول الحكومي، وهي صورة الفساد المعروفة بإسـم Traffic of Influence. لقد كان لعدالة النتيجة التي خلص إليها هذا المحكم الجليل، أياً تكن وجهـات النظر حول سلامة التأصيل الذي خلص إليه بوصفه محكماً منفرداً، وهل كان الأفضل أن يحكم برفض الدعوى موضوعياً بسبب مخالفة النظام العام الدولي بالمعنى الذي ينادي بـه الكثير من الفقهاء من أمثال المرحوم العلامة Pierre Lalive. أن دخل هذا المحكم الجليل التاريخ من أوسع أبوابه بحكم رئاسته لكل من تحكيم النزاع الحدودي بين الهند وباكستان حول ما يعرف بالـ Run of Kutch وتحكيم النزاع الحدودي بـين مـصر وإسـرائيل المعروف بإسم تحكيم طابا.
4- وينتقل بي شريط الأحداث إلى قضية أدت دوراً حاسماً في حياتي التحكيمية، وهي قـضية تأميم عمليات شركة أمينويل في دولة الكويت في العقد التالي، عندما جلـس ثلاثـة مـن الحكماء على ذات المستوى المتميز وهم ســر جيـرارد فيتـز مـوريس Gerard Fitz) (Maurice الرئيس الأسبق لمحكمة العـدل الدوليـة، مـع أسـتاذنا الجليـل المرحـوم الدكتور/حامد سلطان – وأحد أعلام الفقه الفرنسي بـول روتيـر (Paul Reuter الـذي إختاره رئيس محكمة العدل الدولية حينذاك لرئاسة هيئة التحكيم المنوط بها الفـصـل فـي مطالبات الشركة الأمريكية التي وصلت حينذاك إلى رقم غير مسبوق يربو علـى الثلاثـة مليارات دولار أمريكي كتعويض لإنهاء الإمتياز البترولي عام 1977، بينما كان مفروضاً أن يستمر لستين سنة تنتهي عام 2008، ويزعم أن هذا التأميم عمل غير مشروع دوليـاً لمخالفته عقدا إتفق طرفاه على سريانه وعدم جواز المساس به تشريعيا أو تنفيـذيـا بـإرادة منفردة قبل حلول أجله، وهو ما أدى إلى فقدان الشركة الأرباح التي كان متوقعاً أن تحققها خلال قرابة العقود الثلاثة المتبقية من ذلك العقد الذي كفل لها حقوقا مؤكدة وثابتـة بحكـم النص العقدي المعرف إصطلاحا بالـ Stabilization Clause.
5- لقد كان لي شرف تولي مهمة الدفاع عن حكومة الكويت في ذلك التحكيم التـاريخي فـي خصوص ما يتعلق بمشروعية قرار التأميم وآثاره، وفـي ضـوء آلاف الـصفحات مـن المستندات التي إحتوت آراء قانونية لإثني عشر فقيها من أعلام المتخصصين في أوروبـا والولايات المتحدة مع فقهاء عرب، وتقارير أعدها كبار الخبراء في تقييم المشروعات على أساس ما يعرف بنظام الـ Discounted Cash Flow الذي يحدد قيمتها في ضـوء مـا كانت ستحققه من ربح مستقبلاً وما يقابله في صـورة تعويـض نقـدي مـستحق وقـت التأميم.
كانت مهمتي الأصلية التركيز على التطورات التي حدثت في مجال العقود البترولية بعـد عام 1948، وبالذات في إطار التقابل القانوني اللازم بين مبدأ قدسية العقـد Pacta Sunt Servanda و Rebus Sic Stantibus الذي لا يقل ثبوتاً عنه وهو أثر تغير الظروف الذي يعتبر الوجه الآخر لذات العملة. وهو المبدأ الذي قننته معاهدة فيينا للإتفاقيات الدولية وكافة النظم القانونية الوطنية والدولية، بما فيها الأمم المتحدة، في إطار تقنينها مبدأ السيادة الدائمة للدولة على مصادر ثرواتها الطبيعية وحقها الأصيل في إدخال التعديلات المناسـبة كلمـا إقتضت الظروف إعادة النظر في التوازن التعاقدي القائم سابقاً.
6- وبعد مذكرات كتابية متداولة بين الطرفين ومرافعة شفوية حول هذه النقطة بالذات وآثارها التي استمرت من جانبي لمدة اسبوع كامل أمام الحكماء الثلاثة المرمـوقين، جـاء الحكـم الإجماعي الصادر في مايو 1982 مقراً بضرورة إعمال الأثر المترتب على التطور الذي لحق المعاملات البترولية في مختلف الدول، والذي أدى في إطار مقررات منظمة الأوبـك إلى الإعتراف بوجوب إستبدال الإمتيازات البترولية الموروثة عـن العهـد الإستعماري بإتفاقيات مشاركة تضمن للدول صاحبة السيادة السيطرة على مصادر ثرواتهـا الطبيعيـة، فالشركات العالمية المحتكرة لعمليات الإستكشاف والإستخراج والنقل (123 شركة كبـرى على وجه التحديد بعد مفاوضات إستمرت أشهراً في نيويورك مع ممثل الأوبك الشيخ/أحمد زكي يماني- الوزير السعودي حينذاك) قد تنازلت عن إمتيازاتها القديمة التي كونت لها ذلك الثراء الفاحش في السابق لتتحول إلى مقاول يقوم بمهمات معينة مقابل جعل مناسب يتفـق عليه من حين لآخر.
7- وصاحب هذا الشرح للتطورات التي حدثت في إطار مقررات منظمـة الأوبـك والـدول المشاركة فيها أو في الأقطار الأخرى المستفيدة من تجربتها، نمو مناخ جديد إنعكـس فـ قیام نوع جديد من التوقعات المشروعة لدى مختلف الأطراف جعلت فكرة التعويض عـن أرباح لأعوام كثيرة قادمة ضرباً من الخيال. وفي مرافعاتي في قضية أمينويل فـي شـقها الثاني المتعلق بمقدار التعويض المستحق مقابل التأميم الذي تقرر عام 1977 قمت بالتركيز على ما تم من تفاوض بين ممثلي الشركة ومندوبي الحكومة خلال الأسابيع القليلة السابقة على التأميم، حيث عرض الحاضرون عن الشركة النزول عن إمتياز عام 1948 مقابل عقد خدمات يكفل عائداً صافياً من الضرائب مقداره 10 ملايين دولار سنوياً، ولمدة 10 سنوات. في حين أصر المسؤولون الحكوميون على ما يمثل نصف ذلك، وحيث تعذر الوصول إلى حل مقبول تم اللجوء إلى التأميم وإنهاء العقد.
8- ومن ثم، نستطيع أن نقرر بإطمئنان أن هيئة التحكيم إقتنعت بأن ما حدث من تطـور فـي المجال البترولي يجعل من العبث التمسك بشروط تثبت العلاقة العقدية بعـد أن إسـتردت الشركة المعنية إستثماراتها أضعافاً كثيرة، وأنه سيكون من العبث الجري وراء إفتراضات حول ما كان يمكن تحقيقه من أرباح خلال قرابة الثلاثين سنة المقبلـة، بعـد أن إنقـرض عصر الإمتيازات البترولية الإستعمارية وصارت غير قائمة لا في الكويت ولا في الـدول المجاورة لها، وجاء التعويض عن العقد المنتهي مبلغا لا يتجاوز العـشرات مـن مـلايـين الدولارات وليس المليارات الثلاثة المطالب بها، حيث تبخرت تماماً وصارت نسياً منسياً. وفي تقديري أن الحكم الإجماعي للحكماء الثلاثـة جـاء معلنـاً نهايـة عـصـر الأحـلام الإستعمارية الناشئة عن التحكيم في مجال إنتاج البترول وتسويقه بواسطة الشركات الكبرى المحتكرة، وإيذانا بمرحلة صار فيها مبدأ اللجوء إلى التفاوض لإعادة التوازن الإقتـصادي الى العقد أمراً ضرورياً، بإعتبارها سمة من سمات العصر الجديد.
9- ولا أدل على صحة ذلك القيام بمراجعة الأحكام الصادرة عن المحكمة الإيرانية الأمريكيـة التي فصلت في المنازعات البترولية بعد الثورة الإسلامية وإنهاء العقـود مـع الـشركات الأمريكية الكبرى التي كانت قد عادت لمباشرة نشاطها في ظل حكم الـشاه بعـد إسـقاط حكومة الدكتور مصدق وتأميمه للنفط الإيراني.
فالثابت أن جميع القضايا البترولية مع إيران تمت تسويتها على النهج الذي استنته هيئـة الحكماء الثلاثة التي أصدرت حكم أمينويل، والجدير بالذكر أنه بعد إستدعائي للـشهادة كخبير في إحدى تلك القضايا، حدث تطور غريب للغاية، حيث إنسحب العضو الإيراني في قضايا أخرى وتم تعييني محكماً بدلاً منه، وكان من جراء ذلك تسوية تلك القـضايا صلحاً بمقتضى أحكام كنت أحد الموقعين عليها، ولمن يرغب في الإطلاع عليها الرجوع إلى المجلد رقم 28 من مجموعة مبادئ المحكمة الإيرانية الأمريكية، صفحة 392 ومـ بعدها.
10- وبعيداً عن أشجان القضايا البترولية والإستثمارات بما تحمله من منازعـات مـع الدولـة المضيفة وسلطاتها العامة، أود الإشارة إلى قضية محورية في حياتي. ذلك أنه كـان لـي شرف أن أكون واحداً من خمسة محكمين أنيط بهم حل مشكلة موضـوع الـسيادة علـى مجموعة الجزر الواقعة قرب باب المندب بين اليمن وإريتريا فقد كادت تقوم حرب مفتوحة بين الدولتين عندما إستولى على جزيرة حنيش بعض العسكريين التابعين لدولـة أريتريـا حديثة العهد بالإستقلال حينذاك، ولتفادي تدخل عسكري من جانب اليمن تـولى الـدكتور بطرس غالي أمين عام الأمم المتحدة حينذاك دوراً هاماً لمنع تصعيد الموقـف والتفـاوض وصولاً إلى حل سلمي عن طريق تشكيل هيئة تحكيمية تتكون من خمسة أعضاء تختار كل من الدولتين المتنازعتين إثنين ويتفق الأربعة على عضو خامس يرتـضونه رئيساً لهـم وتكون مهمة هيئة التحكيم في مرحلتها الأولى تحديد السيادة على كل من الجزر المتنــازع عليها، وفي المرحلة الثانية، وفي ضوء ما يتقرر في المرحلة الأولى، ترسيم حدود الميـاه الإقليمية والمنطقة المجاورة الإقتصادية بين الدولتين بمقتضى حكم تصدره الهيئة، موضحاً معالم الخط الفاصل بين الحدود البحرية لكل من الدولتين.
وكنت مع زميل أمريكي فاضل ذي خبرة واسعة هـو المرحـوم كيـث هایـت Keith) (Height الممثلين اللذين إختارتهما اليمن لعضوية هيئة التحكيم، بينما قامت إريتريا بتعيين عضوين مختارين هما ستيف شوبيل (Steve Schewbel) الرئيس حينذاك لمحكمة العدل الدولية، والأستاذة البريطانية روزالين هيجنز (Rosalyn Higgins) التي صارت فيما بعد قاضية، ثم رئيسة لمحكمة العدل الدولية، وتم الإتفاق بين الأربعة بعد مشاروات مع ممثلـي الدولتين على إختيار المرحوم السير روبرت جنينغز (Robert Jennings) الرئيس الأسبق لمحكمة العدل الدولية رئيساً لهيئة التحكيم، وللحقيقة وللتاريخ فإن أداء رئيس الهيئة وحيدته كان أمراً مبهراً بكل المقاييس، حيث قاد التحكيم بجلساته ومداولاته على نحو مثالي تجلـى في الوصول إلى حكم إجماعي، سواء في مرحلة تحديد السيادة أو فـي ترســم الحـدود البحرية بين إقليمي الدولتين.
11- وإذا كان لي – دون إفشاء سرية المداولات- أن أسجل بعض الملاحظات التي تعبر عـن عظمة الإنجاز الذي أوصلنا إليه رئيس متجرد يسعى إلى الحلول العادلة على أساس متـين من المتطلبات القانونية، فيكفي أن أذكر أنه إستطاع بحكمته أن ينزل بنا مـن أربعـة آراء متباينة، منها من يميل إلى رفض دعوى كل دولة لعجزها عن تقديم دليـل مقنـع بوجهـة نظرها، إلى إجماع تم التوصل اليه عقب إعادة فتح باب المرافعة لإتاحة الفرصة أمام كـل فريق لتقديم الأدلة ومستندات كنت قد قرأت عنها ولم تتم الإشارة اليها خـلال المرافعـات الأصلية، خاصة وأنني كنت العضو الوحيد العربي اللسان والمسلم الديانة الذي قرأ ما لـم يكن في متناول زملائي الآخرين الوصول إليه. فقد كانت المعلومات التي طلبناهـا، وتـم تقديمها بعد إعادة فتح باب المرافعة، وناقشها الطرفان في جلسات حضورية، عاملاً حاسماً في الوصول إلى رأي إقتنع به الجميع وبصياغة مقبولة على نحو اجمـاعي. وقـد لعبـت الشريعة الإسلامية التي كانت مطبقة لقرون عدة على جانبي البحـر الأحمـر دوراً بـالغ الأهمية في الوصول إلى الإجماع المطلوب عندما قررت الهيئة الحفـاظ علـى الحقـوق التاريخية لصيادي الجانب الأفريقي في الصيد التقليدي الذي كان يغطي المنطقـة بأكملهـا ويضمن لقاطني الجانب الأريتري أن يبيعوا حصيلة أسماكهم في ميناء الحديدة باليمن، فقـد أقرت الهيئة حق إرتفاق بالصيد لفرادي المشتغلين بالصيد البـدائي التقليـدي فـي الميـاه الإقليمية اليمنية إعمالا للقاعدة الإسلامية القائلة "الناس شركاء في ثـلاث، المـاء، والنـار والكلأ" وللتاريخ كانت روزالين هيجنز أكثر السعداء بتطبيق قاعدة أصولية إسلامية الأصل في هذا النزاع.
وهذا التحكيم، الذي أعتز به، أعتبره نموذجاً للإجماع النابع من شـعور خمـسة محكمـين قادمين من مشارب ثقافية مختلفة وصولاً إلى حل يرتضونه جميعاً لما يمثلـه مـن عدالـة مجردة تعالت في مثاليتها عن كل الخصوصيات التي تفـصل بـين الثقافـات والمـدارس القانونية.
12- وأخيراً، أعود إلى حكم إجماعي حديث يؤكد أول ما قدمته من أمثلة في حديثي هـذا، فمـا أشبه اليوم بالبارحة التي تعود إلى مستهل الستينات من القرن الماضـي عنـدمـا نــادى لاجرنجن منفرداً بأن التحكيم يرتبط وجوداً وعدماً بالأيدي النظيفة.
ذلك أنه في حكم إجماعي هام صدر في العام الماضي أصدرت هيئة تحكيمية مشكلة مـن ثلاثة أعضاء في إطار الـ ICSID حكماً إجماعياً يؤكد مجدداً المبـدأ القـانوني القائـل بضرورة إنكار أي أثر قانوني لتعامل تم عن طريق إستغلال نفوذ مسؤولي الدولة المضيفة للإستثمار (وهو ما يطلق عليه الـ Traffic of Influence)، بوصفه صورة شائعة مـن الفساد الذي تدينه الشرائع الوضعية المعاصرة محلياً ودولياً).
والحكم الإجماعي الذي أعنيه قد صدر بتاريخ 4 أكتوبر 2013 مـن الهيئـة التحكيميـة والمشكلة في إطار الـ ICSID فـي القـضية التحكيميـة رقـم 10/3/ARB برئاسـة البروفسورة Gabrielle Kaufmon Kohler وعضوية كل من المحكم John Towsend والمحكم Claus Von Wobessr وهي القضية المسجلة بإسـم: METAL - TECD LTD – الشركة المدعية الإسرائيلية الجنسية والموطن ضد جمهورية أوزبكستان.
13- وتتلخص وقائع القضية في أن الشركة المدعية سعت إلى إقامة مشروع مشترك فـي ظـل قانون الإستثمار الأوزبكستاني لتصنيع مادة أولية تستخدم في عمليات البناء وطلاء الأبنية، وكان رأسمال المشروع مليون دولار أمريكي يقسم مناصفة بين الشركة الإسرائيلية وبـين شركة القطاع العام الأوزبكستانية. وصادف المشروع الذي بدأ منتصف التسعينات مـن القرن الماضي وإستمر إلى عام 2005، صعوبات جمة أدت إلى توقفه عن الإنتاج ورفـع الأمر الى القضاء المحلي الذي انتهى إلى إعلان إفلاس الشركة المشتركة وتـصفية مقوماتها.
وعندئذ رفعت الشركة الإسرائيلية قضية تحكيم دولي أمام ICSID فـي 26 يناير 2010 على أساس أن الدولة المحتكم ضدها قد أخلت بإلتزاماتها في ظل كل من قانون الإستثمار الذي نشأ المشروع في ظله والإتفاقية الثنائية لتشجيع وحماية الإستثمارات المبرمـة بـين إسرائيل وجمهورية أوزبكستان.
وعندما تمسكت الدولة المحتكم ضدها بدفوع مقتضاها عدم الإختصاص وعدم جواز قبـول الدعوى، قررت هيئة التحكيم المشكلة في إطار إتفاقية الـ ICSID ضـم هـذه الـدفوع لنظرها مع الموضوع، بمعنى أنها رفضت تقسيم التحكيم إلى مرحلتين تقوم خلال المرحلة الأولى بالفصل في الدفوع وتخصص الثانية لنظر الموضوع.
وعقب إستكمال المراحل الكتابية لتبادل المذكرات تمت عدة جلسات لسماع الشهود، خاصة في ما يتعلق بموضوع المبالغ الباهظة التي تقارب الـ 5 مليون دولار، والتي تم الإدعـاء بأنها أتعاب إستشارية لثلاثة من الأشخاص، وبإسم شركة مدعاة بالإستشارية تم تأسيسها في كل من سويسرا وفرنسا- تضمن ذات الأشخاص ذوي المكانة في الدولة المضيفة.
14- وقد كشفت المواجهات بين الطرفين أثناء سماع شهادة ممثل الشركة الإسرائيلية بواسـطة هيئة التحكيم عن وجود مبالغ تلقاها إثنان من المدعى بأنهم إستشاريون قدموا خدمات لإقامة المشروع، أحدهما كان مسؤولاً كبيراً في رئاسة الجمهورية ويدعى Chijenok والآخـر شقيق رئيس الوزراء وإسمه Sultanov، ولم تستطع الشركة الإسرائيلية إثبات أن أيهما قام إستقلالا بعمل إستشاري لصالح المشروع سوى تسهيل الحصول على الموافقة عليه بحكـم علاقتهما برئاسة الجمهورية ورئيس الوزراء حينذاك.
فقد حصل أولهما على حصة في الشركة السويسرية MPC بمبلغ 2,5 مليون دولار وحصة بمبلغ 775 ألف دولار في الشركة الفرنسية Lacey، وبمبلغ 95 ألف دولار نقـدا، بينمـا حصل الثاني على المبالغ المماثلة نقدا وحصة فـي الـشركتين المـذكورتين المؤسـستين خصيصا خارج البلاد تنفيذا للعقد المبرم معها بزعم العمل الإستشاري، (البنود 209 و211 من حكم التحكيم – صفحة 68).
15- وإنتهت هيئة التحكيم في البند 243 من حكمها الإجماعي (ص 79) إلى القول بأن مـن واجبها أن تحدد وفقا لعناصر الإثبات التي في حوزتها ما اذا كان الفساد يمكن التثبت منـه أســس معقولـة Whether corruption has been established with) علـى reasonable) certainly وذلـــك بــــاللجوء إلـى القـرائن المحيطـة Through) .circumstantial evidence)
16- وإعمالاً لذلك قامت بالتحليل الدقيق لكل ما توافر لديها من أقوال الشهود وخلصت في البند 327 (ص 112) إلى أن الشركة المدعية قامت بجريمة إستغلال نفوذ الـسيد Chijenok للحصول على الموافقة الإستثمارية، مما يجعل هذا الإستثمار عملاً غير مشروع وفقاً للمادة 1 (1) من الإتفاقية الإسرائيلية الأوزبكستانية، وإنتهت إلى ذات النتيجـة بالنسبة للـسيد Sultanov في الفقرة 362 من الحكم (ص 121).
17- وبناء على ذلك خلصت الهيئة التحكيمية بالبندين 372 و 373 في حكمها الإجمـاعي إلـى تقرير الآتي:
372. On the basis of the forgoing analysis, the Tribunal comes to the conclusion that corruption is established of the Claimant's investment in Uzbekistan. As a consequences the investment has not been "implemented in accordance with the laws and regulations of the contracting party in where territory the investment is made" as required by Article (1) of the BIT.
373. Uzebekistain's consent to ICSID arbitration, as expressed in Article 8 (1) of the BIT, is restricted to disputes "concerning an investment, and Article 1(1) of the BIT define investments to mean only investments implemented in compliance with local law. Accordingly, the present dispute does not come within the reach of Article 8(1) and is not covered by Uzbekistain's consent. This means that this dispute does not meet the consent requirement set in Article 25(1) of the ICSID Convention. Thus, this Tribunal lacks jurisdiction over this dispute".
هكذا تكون العدالة يا قضاة ومحكمي مصر وسائر الدول العربية...