الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / تعريف التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 25 / مدى إختصاص القضاء الوطني بالفصل في طلبات رد المحكمين في التحكيم المؤسسي

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 25
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    67

التفاصيل طباعة نسخ

 (1) تمهيد :

لأن التحكيم له طبيعة قضائية، وحكم التحكيم يعتبر عملاً قضائياً، فإنه يلـزم لكـي يقـوم المحكم بمهمته القضائية أن يكون محايداً ومستقلاً. ذلك أن حيدة المحكم وإستقلاله من الضمانات الأساسية في التقاضي. فبتوافرها يطمئن طرفا التحكيم إلى أن المحكم لا يصدر قضاءه إلا الحق وحده دون تحيز أو هوى". ويلزم توافر الحيدة والإستقلال في المحكم سواء كان التحكـيم حراً ad hoc أو مؤسسياً، وسواء كان المحكم فرداً أو عضواً في هيئة مشكلة من عدة محكمين أو رئيساً لهذه الهيئة.

    وبالنظر إلى أن حياد المحكم واستقلاله يعد من الضمانات الأساسية في التقاض ،، فإنـه لا يجوز للطرفين الإتفاق مقدماً على جواز أن يكون المحكم غير محايد أو غير مستقل، فمثل هـذا الإتفاق يعتبر باطلاً.

   ويرجع تقدير توافر الحيدة والإستقلال في محكم معين الى ثقة الطرفين فيـه فـإذا وافـق الطرفان على محكم معين رغم علمهما بما يشوبه من عدم الحيدة أو الإستقلال، فإن هـذا يعنـي أنهما يتقان في هذا المحكم، وقد اعتبراه محايداً ومستقلاً في القضية. فليس لأي منهما الإعتراض عليه بعد ذلك. كذلك فإنه اذا اختار أحد الطرفين في قضية معينة محكماً لا تتوافر فيـه الحيـدة والإستقلال مع علمه بذلك، أو كان الطرف الآخر يعلم بهذا العيب ولم يرده في الميعـاد المحـدد قانوناً للرد، أو شارك في اجراءات التحكيم ولم يعترض على المحكم، وفقاً للمادة 8 مـن قـانون التحكيم، فإن مفاد هذا أن الطرفين قد وافقا عليه ضمناً وقدرا توافر الحيدة والإستقلال فيه بالنسبة لتلك القضية.

    فإذا لم يتوافر أي من هذه الفروض، وتبين لأحد الطرفين عدم توافر الحيدة أو الإستقلال في المحكم المعين من الطرف الآخر أو من المحكمة أو من مؤسسة التحكيم أو من الغير، فإن مـن حقه الإعتراض على هذا التعيين، وتقديم طلب برده.

     وهنا يثور التساؤل عن الإختصاص بنظر طلب الرد وإجراءات نظره والفصل فيه.

(2) النصوص التشريعية المنظمة للرد:

    تحدد النصوص التشريعية في الدول المختلفة الجهة المختصة بنظر طلب الرد وإجـراءات الفصل فيه. ولا خلاف في تطبيق هذه النصوص على التحكيم الحـر ad hoc. فبالنسبة لهـذا التحكيم لا يجوز للطرفين ان يتفقا على اختصاص جهة بطلب الرد غير التي حددها المشرع، كما أنه ليس للطرفين الإتفاق على اجراءات غير الإجراءات تنص عليها تلك النصوص، ما لـم يخولهما القانون هذه السلطة. ولهذا، فإنه في القانون المصري، من المتفق عليه أنه في التحكـيم الحر، يخضع رد المحكم لإجراءات الرد التي ينص عليها قانون التحكـيم المـصري وتخـتص بالنظر في طلب الرد المحكمة التي تحددها المادة التاسعة من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994، اذا كان التحكيم يجري في مصر أو يجري في الخارج واتفق الطرفان على أخـضاعه للقـانون المصري. فهذا هو نطاق سريان قانون التحكيم المصري، وفقا للمادة (1) من قانون التحكيم.

    وليس للطرفين عندئذ- أن يتفقا على اجراءات للرد تخالف ما ينص عليه قانون التحكـيم المصري او على اختصاص آية هيئة او محكمة بطلب الرد غير ما ينص عليه هذا القانون، ذلك أن اختصاص المحكمة التي تنص عليها المادة 9 تحكيم – حيث ينعقد لهـا الإختـصاص- هـو اختصاص متعلق بالنظام العام لا يجوز الإتفاق على مخالفته. وقد نصت المادة 1/19 تحكيم على اختصاصها بطلب الرد، فتكون هي المختصة به اختصاصاً يتعلق بالنظام العام، ما دامت قواعـد وإجراءات الرد في القانون المصري واجبة التطبيق.

    ومن ناحية أخرى، فإنه يجب الإلتزام بإجراءات طلب الرد التي تنص عليها المادة 1/19 من قانون التحكيم. ذلك أن تحديد إجراءات الدعوى ونظرها مسألة متعلقة بالنظـام العـام لا يجـوز الإتفاق على مخالفتها. وقد حذفت اللجنة المشتركة بمجلس الشعب المادة 19 من مشروع قـانون التحكيم، والتي كانت تنص على أن "لطرفي التحكيم الإتفاق على إجراءات رد المحكمين". وأورد تقرير هذه اللجنة تبريراً لهذا الحذف كون أطراف التحكيم "ملزمين بإتباع الإجراءات المنصوص عليها في هذا القانون بشأن رد المحكمين ولا يجوز لهم الإتفاق على غيرها".

(3) مدى إنطباق نصوص الرد على التحكيم المؤسسي:

    اذا كانت لم تثر مشكلة بالنسبة للتحكيم الحر، فقد ثارت مـشكلة كبيـرة بالنسبة للتحكـيم المؤسسي، ذلك أن التشريع عادة يخول الأطراف حق الإتفاق على اخضاع التحكيم لقواعد التحكيم التي تنص عليها لائحة أي مركز أو مؤسسة تحكيم. وهكذا تنص المادة 25 من قـانون التحكـيم المصري رقم 27 لسنة 1994 على أنه: "لطرفي التحكيم الإتفاق على الإجراءات التي تتبعها هيئة التحكيم في أي منظمة أو مركز تحكيم في جمهورية مصر العربية أو خارجها". وتنظم لائحـة مركز التحكيم عادة إجراءات رد المحكمين في التحكيم الذي يجري وفقا لهذه اللائحة. فهل تطبق هذه القواعد والإجراءات أم يجب تطبيق ما ينص عليه تشريع الدولة التي يجري فيها هذا التحكيم المؤسسي؟".

(4) الفرض الأول: وجود نص تشريعي خاص:

   لا مشكلة إذا أورد التشريع نصاً خاصاً في هذا الشأن، ومثاله المرسوم بقـانون 2011-48 الفرنسي الصادر في 13 يناير 2011، اذ تنص المادة 1526 منها الواردة فـي شـأن التحكـيم الداخلي على أنه "عند حصول خلاف حول الإبقاء على المحكم، يبت هذا الخلاف الشخص المنوط به تنظيم التحكيم أو يفصل فيه القاضي المساند (اذا لم يكن تنظيم التحكيم منوطاً بشخص معـين) الذي يعرض عليه الخلاف خلال مهلة شهر تلي الكشف عن الواقعـة الخلافيـة أو اكتشافها." (وتنص المادة 2/1506 على تطبيقها على التحكيم الدولي). وهكذا، فإنه وفقا لهذا النص اذا اتفق الطرفان على تطبيق قواعد الـ ICC، فإن طلب الرد يفصل فيه من الجهة، ووفقاً للإجـراءات التي تنص عليها هذه القواعد.

    وهو اتجه اليه أيضاً نظام التحكيم الجديد في المملكة العربية السعودية. اذ تنص المـادة 1/17 منه على أنه: "1- إذا لم يكن هناك اتفاق بين طرفي التحكيم على اجراءات رد المحكـم يقدم طلب الرد – كتابة - الى هيئة التحكيم مبينا فيه أسباب الرد خلال خمسة أيام من تاريخ علـم طالب الرد بتشكيل الهيئة، أو بالظروف المسوغة للرد، فإذا لم يتنح المحكم المطلوب رده، او لـم يوافق الطرف الآخر على طلب الرد خلال خمسة ايام من تاريخ تقديمه، فعلى هيئة التحكيم أن تبت فيه خلال خمسة عشر يوماً من تاريخ تسليمه، ولطالب الرد في حالة رفض طلبه التقدم بـه الى المحكمة المختصة خلال (ثلاثين يوماً) ويكون حكمها في ذلك غير قابل للطعن بأي طريـق من طرق الطعن".

    وعلى هذا فإنه، وفقاً لنظام التحكيم الجديد في المملكة العربية السعودية، اذا اتفق الأطـراف على إخضاع التحكيم لنظام مؤسسة تحكيم معينة، فإن هذا الإتفاق يعتبر اتفاقاً أيضاً على إخضاع رد المحكم الى ما تنص عليه لائحة المؤسسة. وهو اتفاق صحيح، وفقاً لذلك النص.

    وهو أيضاً اتجاه القانون الجزائري (ق. رقم 8-9- 25 فبراير 2008 (قانون الإجـراءات المدنية والإدارية)، اذ تنص المادة 1016 على أن: "... تبلغ محكمة التحكيم الطرف الآخـر دون تأخير بسبب الرد. وفي حالة النزاع اذا لم يتضمن نظام التحكيم كيفيـة تـسويته أو لـم يـسـع الأطراف لتسوية اجراءات الرد، يفصل القاضي في ذلك بأمر بناء على طلب من يهمه التعجيل".

    وكذلك ما نصت عليه المادة (16) من مشروع قانون التحكيم الإتحادي بالإمارات العربيـة المتحدة في شأن التحكيم في المنازعات التجارية، اذ تنص على أنه "لأطراف التحكـيم الإتفـاق على إجراءات رد المحكم، وإلا اتبعت الإجراءات التالية...".

    (5) الفرض الثاني: عدم وجود نص تشريعي:

    ولكن ما الحل اذا لم يوجد في التشريع الوطني مثل هذه النصوص؟! اختلف الرأي في هـذا الشأن قضاء وفقها، على التفصيل التالي:

    الرأي الأول: يذهب رأي الى أنه بالنسبة للتحكيم المؤسسي، شأنه شأن التحكيم الحر، يجـب أيضاً اتباع ما ينص عليه المشرع من قواعد وإجراءات لرد المحكمين، فلا تطبق على الرد مـا تنص عليه لائحة المؤسسة.

    وقد أخذت بهذا الإتجاه محكمة استئناف القاهرة، اذ قضت بأنه يجب بالنسبة لإجراءات رد المحكم في تحكيم خاضع لقواعد التحكيم بمركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي تطبيـق اجراءات الرد التي ينظمها قانون التحكيم، وليست اجراءات الرد التي تنظمهـا لائحـة التحكـيم بالمركز. وقد استند الحكم في هذا الرأي الى أن الإجراءات الخاصة بالرد في قـانون التحكـيم تتعلق بالنظام العام، ولهذا لا يجوز الإتفاق على ما يخالفها. ذلك أن هـذه الإجـراءات تتعلـق بضمانتي الحيدة والإستقلال اللتين لا غنى عنهما لمباشرة السلطة القضائية أيا كـان مـصدرها. فالحق في رد قاض أو محكم معين عن نظر نزاع معين وثيق الصلة بحق التقاضي المنـصوص عليه في المادة 68 من الدستور.

   كما يستند هذا الرأي ايضاً الى أن نص المادة 19 من قانون التحكيم كان يتضمن النص على أن "لطرفي التحكيم الإتفاق على اجراءات رد المحكمين"، ولكنها حذفت، وأوضـحت الأعمـال التحضيرية أن هذا الحذف مقصود حتى يصبح أطراف التحكيم "ملـزمين بأتبـاع الإجـراءات المنصوص عليها في هذا القانون بشأن رد المحكمين ولا يجوز لهم الإتفاق على غيرها. (تقريـر اللجنة المشتركة من لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية ومكتب لجنة الشؤون الإقتصادية بمجلس الشعب. كتاب وزارة العدل. قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية والمذكرات الإيضاحية وجميع الأعمال التحضيرية المتعلقة به – 1995- ص 67). وأن "الفقرة الأولى من المادة الأولى من قواعد المركز تنص على أن هذه القواعد تطبق بإستثناء ما يتعارض منها وأحـد نـصوص القانون الواجب التطبيق، مما لا يجوز للطرفين مخالفته".

    وأضاف هذا الحكم أنه لا ينال مما انتهى اليه، القول بأن المادة السادسة من قانون التحكيم قد أجازت لطرفي التحكيم الإتفاق على إخضاع العلاقة القانونية بينهما لأحكـام عقـد نمـوذجي أو اتفاقية دولية أو وثيقة أخرى بما تشمله هذه الوثيقة من أحكام خاصة بالتحكيم، أو القول بأن المادة 25 من قانون التحكيم تنص على أن لطرفي التحكيم الإتفاق على الإجراءات التي تتبعهـا هيئـة التحكيم بما في ذلك حقهما في إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منظمـة أو مركـز تحكيم في جمهورية مصر العربية أو خارجها، لأن تطبيق حكم هاتين المادتين بالنسبة لإجراءات التحكيم مقيد بعدم مخالفة الإجراءات المتفق عليها للقواعد الآمرة في قانون التحكيم.

   وانتهى حكم الإستئناف الى القول بأن الفصل في طلب الرد لا بد من أن يكون بموجب حكم يصدر من جهة لها ولاية اصداره قانونا، ومركز القاهرة الإقليمي للتحك يم لا يـصدر أحكامـاً وبالتالي فإنه ليس له ولاية الفصل في طلب الرد. وعلى هذا فإن قراره الذي فصل في طلب الرد يكون منعدماً ولا يكتسب أية حجية، لأنه صادر ممن لا ولاية له قانوناً لإصداره.

    ويؤيد بعض الفقه هذا الرأي استناداً الى: 1- أن قواعد الرد التي ينص عليها قانون التحكيم من النظام العام، فلا يجوز للأطراف الإتفاق على مخالفتها، وهـو مـا يتـضـح مـن الأعمـال التحضيرية لمشروع قانون التحكيم. 2- أن مراكز التحكيم يقتصر دورها على اصدار قـرارات تنظيمية لتسيير إجراءات التحكيم، والفصل في طلب رد المحكمين يتجاوز مهمة تنظيم اجـراءات التحكيم التي عهد بها الأطراف للمركز. 3- ان تحويل مركز التحكيم سلطة الفصل في طلب الرد لا يوفر ضمانة كافية لمراقبة حيدة واستقلال المحكم خاصة اذا كان المركز هو الذي عين المحكم المطلوب رده. 4- إن قرار المركز بالفصل في طلب الرد يقبل رقابة القضاء، عند نظره دعوی بطلان حكم التحكيم. وهو ما يطيل أمد النزاع .

(6) الرأي المختار:

    وفي تقديرنا، أنه وفقاً لأحكام القانون المصري- اذا اتفق الطرفان على إخضاع التحكيم لقواعد مركز أو منظمة للتحكيم سواء في مصر أو في الخارج، أو إتفقا علـى اختيـار مـركـز للتحكيم كسلطة تعيين للمحكم، فإن هذا التحكيم يخضع لقواعد المركز بما فيهـا تلـك الخاصـة بالرد. وذلك إعمالا لنص المادة 25 تحكيم مصري، والتي تنص علـى أن "لطرفـي التحكـيم الإتفاق على إخضاع هذه الإجراءات للقواعد النافذة في أي منظمة او مركز تحكيم في جمهورية مصر العربية أو خارجها". فلا يجوز لأي من طرفي التحكيم- عند وجود مثل هـذا الإتفـاق - تجاهل هذه الإجراءات وتقديم طلب الرد وفقاً للإجراءات التي ينص عليهـا قـانون التحكـيم المصري.

    فإذا كان مركز التحكيم المختار لا تتضمن لائحته اجراءات خاصة بـالرد، فعندئـذ تطبـق اجراءات الرد الواردة في قانون التحكيم الواجب التطبيق.

    كذلك فإنه إذا نص قانون التحكيم أو لائحة المركز صراحة على أن رد المحكمين يتم أمـام محكمة الدولة، فعندئذ يجب احترام هذا النص ولو اتفق الطرفان على اختصاص المركز بطلـب التحكيم، أو كانت لائحة المركز تنـص على نظام للرد يختلف عن النظام الـذي يـنص عليـه القانون.

    وعلى هذا فإن التحكيم الذي يتفق الطرفان على اخضاعه لقواعد الـ ICC يتم رد المحكـم فيه وفقاً لإجراءات الرد التي تنص عليها قواعد الـ ICC سواء تم التحكيم في مصر أو فـي الخارج. والأمر نفسه بالنسبة للتحكيم الذي يتفق الطرفان على إخضاعه لقواعد مركـز القـاهرة الإقليمي، إذ يخضع رد المحكم فيه للإجراءات التي تنص عليها لائحة هذا المركـز. ذلـك أن اختيار الأطراف التحكيم وفقاً لمركز تحكيم معين، أو اختيارهم المركز سلطة تعيـين للمحكـم يعتبر متضمناً اتفاقاً على إتباع اجراءات الرد، وفقاً لنظام هذا المركز.

   وهذا هو الرأي الذي يسلم به الفقه الفرنسي وغالبية الفقه في مصر .

   وهو الرأي الذي اتجه اليه القضاء الفرنسي منذ وقت طويل في قضية جمهورية غينيا "فقـد طلب أحد الأطراف رد أحد المحكمين في تحكيم مؤسسي (ICC) أمام قضاء الدولة، على أساس أن مركز التحكيم ليس له إلا تنظيم التحكيم وليس له إصدار قرار في طلب الرد، إذ مثـل هـذا القرار له طبيعة قضائية لا تدخل في سلطته التنظيمية. فضلاً عن أن أحد المحكمـين المطلـوب ردهم كان هو رئيس المركز، مما يجعله خصماً وقاضياً في الوقت نفسه. وقـد فتـدت محكمـة باريس الكبرى كل هذه الحجج مقررة أنه: "بتعيين غرفة التحكيم كمركز مـنظم للتحكــم يكـون الأطراف قد وافقوا على لائحة المركز بما تنص عليه من إجراءات، وخولوا هذا المركز تنظيم عمليات التحكيم، وفقاً لنظمه ولائحته وسلطة الفصل في ما يثور من مشاكل. ويكفي ان يحتـرم المركز المبادئ الأساسية لمبدأ المواجهة وحقوق الدفاع.

 (7) وهذا الرأي أيضاً هو الذي اعتمدته أحكام القضاء في عدة دول عربية:

    فقد قضت محكمة التمييز (النقض) الكويتية بأنه اذا اتفق الطرفان في مشارطة التحكيم على خضوع اجراءات التحكيم المنعقدة بناء على هذه المشارطة لقواعد وأحكام مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون، فقد انصرفت إرادة الطرفين الى تطبيق هذه القواعد والأحكـام باعتبارهـا قانوناً خاصاً، بما مؤداه أن السبيل لطلب رد المحكمين المطعون ضدهم والمعينين لفض النـزاع طبقاً لمشارطة التحكيم هو اللجوء الى الأمين العام لمركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون، وطبقاً لأحكامه في هذا الشأن. ولما كانت الطاعنة قد حادت عن هذا الطريق وأقامـت دعواهـا بطلب رد المحكمين أمام المحكمة، فإنها تكون قد لجأت لجهة غير مختصة بنظـر النـزاع، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر فإنه يكون قد طبق صحيح القانون ويضحى النعي عليه بهذه الأسباب على غير أساس .

   كما قضت محكمة التمييز اللبنانية بأن اختيار مركز للتحكيم يجعل هذا الأخيـر صـالحاً لبـت المشاكل والصعوبات التي تتعلق بتعيين المحكم وعزله وفق المقرر في نظام المركز الذي هو شريعة المتعاقدين. فيكون لهذا المركز وحده بت طلب رد المحكم تحت رقابة قاضي البطلان اللاحقة.

    وفي حكم لمحكمة استئناف القاهرة- الدائرة 3 مدني- 2010/4/13، قضى الحكـم بـأن طلب الرد المقدم في تحكيم يخضع لقواعد مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجـاري الـدولي لا تختص المحكمة بنظره وعليها إحالته إلى مركز القاهرة الإقليمي لتحديد جلسة لنظره مـن هيئـة التحكيم المختصة. على أن هذا الحكم اشار – للأسف- الى المادة 19 من قانون التحكـيم قبـل تعديلها بموجب القانون رقم 8 لسنة 2000 التي كانت تخول هيئة التحكيم بالإختصاص.

(8) تفنيد الرأي المخالف:

    إن الحجة الأساسية للرأي المخالف هي أنه من المقرر أن "القواعد الإجرائية التي لا يجيـز المشرع المصري الخروج عليها لها الغلبة وتسمو على اتفاق الأطراف بشأن إحالة التحكيم الـى قواعد احدى المنظمات أو مراكز التحكيم" ، والمشرع المصري لا يجيز الخروج باتفاق الطرفين على ما ينص عليه من قواعد خاصة بالإختصاص والإجراءات المتعلقة برد المحكمين، وهو مـا يجعلها متعلقة بالنظام العام يجب احترامها ولو لجأ الطرفان الى التحكيم المؤسسي.

   وهذه الحجة لا تقوم على أساس سليم، ذلك أن نظام رد المحكمين في ذاته لا يتعلق بالنظـام العام. وآية ذلك أن للخصم أن يتمسك بسبب الرد أو لا يتمسك به، وليس للمحكم أن يحكم مـن تلقاء نفسه بعدم صلاحية المحكم، ولو قام فيه ما يؤكد عدم حيدته أو استقلاله. فالقـانون يتـرك للطرفين تقدير توافر الحيدة والإستقلال من عدمه. واذا كان لهما هذا التقدير فإن اختيار مركز أو مؤسسة تحكيم يتضمن تفويض هذا المركز القيام بهذا التقدير.

    واذا كان صحيحاً أن تحديد الإختصاص بدعوى الرد، وتحديد الإجراءات التي تتبع لنظ وفقا لقانون التحكيم، تتعلق بالنظام العام، فإن تطبيق النصوص المتعلقة بها يفترض أننـا بـصدد قضية يجب أن ينطبق عليها قانون التحكيم، فإذا اتفق الطرفان على اخضاع التحكيم لنظام مركز للتحكيم، وفقاً لما يخوله لهم هذا القانون، فإن هذا الإتفاق يشمل اخضاع طلب الرد الى ما تـنص عليه لائحة هذا المركز. فلا يكون هناك مجال لتطبيق نصوص قانون التحكيم، وبالتـالـي لـيس هناك مجال لتطبيق نصوص الرد الواردة به.   

   وليس صحيحاً أن القرار الصادر في طلب الرد يعتبر قراراً ذات صفة قضائية، والمركز - أو إحدى هيئاته- لا يصدر قضاء، فيكفي المركز – وهو يفصل في طلب الرد - إحترام المبـادئ الأساسية في المواجهة واحترام حق الدفاع.

    وليس في ما نقوله إهداراً لحق التقاضي المنصوص عليه في الدستور، فقد أجاز المشرع للأطراف استعمال حق التقاضي أمام هيئة تحكيم، وخولهم الحق في الخضوع لنظـام إجرائـي لمركز تحكيم يختارونه بدلا من إجراءات قضاء الدولة، فليس في قيام هذا المركز بتطبيق قواعده بالفصل في طلب الرد مخالفة للدستور أو إخلالا بالنظام العام في مصر.

(9) يلزم دائما توافر الحيدة والإستقلال وإحترام الحق في الدفاع:

    على أنه اذا كان رد المحكم في التحكيم المؤسسي يخضع لقواعد وإجراءات الرد التي تنص عليها لائحة مركز التحكيم، فإنه يجب أن يراعى في هذه القواعد تمتع من يفصل في طلب الـرد بالحيدة والإستقلال. ولهذا يجب أن يكون الفصل في هذا الطلب من اختـصاص هيئـة محايـدة تحددها لائحة مركز التحكيم .

    فلا يجوز أن تفصل هيئة التحكيم في طلب الرد، ولو خولتها لائحة مركز التحكـيم سـلطة الفصل فيه. وقد كان نص المادة 1/19 من قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 يخـول هيئة التحكيم التي تنظر النزاع الفصل في طلب الرد، سـواء كـان المحكـم واحـداً أو تعـدد المحكمون، وسواء انصب طلب الرد على واحد من الهيئة ولو كان رئيسها أو انصب على الهيئة بأكملها. ولكن المحكمة الدستورية العليا قضت بعدم دستورية هذا النص. وقد استند حكمها الى أنه "لما كان النص الطعين قد خول هيئة التحكيم الفصل في طلب ردها لتقول كلمتها في شأن يتعلـق بذاتها وينصب على حيادها. وكان ذلك مما ينافي قيم العدل ومبادئه وينقض مبدأ خضوع الدولـة للقانون وينتهك ضمانة الحيدة التي يقتضيها العمل القضائي بالنسبة الى فريق من المتقاضين بينما هي مكفولة لغيرهم، فإنه بذلك يكون قد خالف أحكام المـواد 40 و 65 و 67 و 68 و 69 مـن الدستور. لا ينال من ذلك أن يكون المشرع قد جعل التقاضي في خـصومة رد المحكـم علـى درجتين". ولهذا اضطر المشرع المصري الى اصدار القانون رقـم 8 لسنة 2000 مـستبدلاً بالمادة 19 تحكيم التي قضى الحكم بعدم دستوريتها نصاً جديداً يقرر اختصاص المحكمة المشار اليها في المادة (9) تحكيم بالفصل في طلب الرد.

   واحتراماً لهذا المبدأ، فإنه رغم نص المادة 16 من قانون التحكيم التجـاري فـي تـايوان الصادر في 29 يناير 1961 معدلا في 30 ديسمبر 25.2009 على اختـصاص هيئـة التحكـيم بالفصل في طلب الرد، إلا أن القضاء التيواني أصدر أحكاماً عديدة بأن المحكم الذي يطلـب رده ليس له نظر الطلب، بل يجب تعيين محكم جديد لكي يكمل الهيئة وينظـر الطـلـب مـع بـاقي المحكمين. فإذا كانت الهيئة مشكلة من محكم واحد، كان الإختصاص بطلب الرد للقضاء.

(10) تكييف القرار الصادر من مركز التحكيم في طلب الرد:

    ولا يعتبر القرار الصادر من مركز التحكيم والذي يفصل في طلب الرد عملاً قـضائياً، ولا يحوز حجية الأمر المقضي. ولهذا فإن القرار الصادر برفض طلب الرد على أسـاس تـوافر الحيدة والإستقلال لا يمنع من الطعن في حكم التحكيم الصادر من محكم رفض المركـز طلـب رده، بالطريق الذي رسمه القانون ، اذا كان حكم التحكيم قد صدر ممن لا تتوافر فيه الحيدة أو الإستقلال. فإن كان الحكم قد صدر في مصر، فإنه يمكن رفع دعوى ببطلانـه أمـام القـضـاء المصري وفقاً لقانون التحكيم المصري، وإن كان قد صدر في الخارج فيمكن الطعن فيـه وفقـاً لقانون البلد الذي صدر فيه. كما يمكن الاعتراض على تنفيذه في مصر لصدوره بالمخالفة لمبـدأ أساسي من مبادئ التقاضي يتعلق بالنظام العام وهو وجـوب تـوافر الحيـدة والإستقلال فـي المحكمين.

    ومن ناحية أخرى، فإن لمن رفض مركز التحكيم طلب الرد المقدم منه أن يطعن فـي هـذا القرار فوراً أمام القضاء. وتختص بهذا الطعن محكمة أول درجة المختصة وفقاً للقواعد العامـة في الإختصاص. فلا تختص به المحكمة المشار اليها في المادة (9) من قانون التحكيم، إذ هـذه المحكمة لا تختص إلا بالمسائل التي يحيلها قانون التحكيم اليها.

 ولا يؤدي رفع الطعن الى وقف اجراءات التحكيم.