يعتبر البطلان على وجه العموم وسيلة طعن شاذة الا انه يرتدي فيما خص التحكيم أهميـة كبرى لأن الاستئناف مستبعد في اكثر الاحيان بحيث يبدو البطلان وكأنه الوسيلة الطبيعية التـي يتأمن من خلالها التظلم من القرار التحكيمي. لا مجال طبعاً في اطار هـذا العـرض الـسريع للتطرق تفصيلا الى هذا الموضوع المتشعب والشائك، لذلك اكتفي بإبراز دور الاجتهاد الحـديث في وضع حدود لأسباب البطلان عن طريق حصرها في اطار معين. هذا اولاً ثم، ثانياً دوره في التخفيف من وطأة البطلان عن طريق الالتفاف عليه.
القسم الاول: حصر اسباب البطلان:
ان اسباب البطلان ترتكز على فكرتين: وجود عقد تحكيمي من جهة ووجود سلطة معينـة لبت النزاع التحكيمي، من جهة اخرى. ولقد ضيق الاجتهاد من اسباب البطلان في الحالتين انما اظهر ليونة اكثر في التعاطي مع الاسباب المبنية على الفكرة الاولى.
البند الاول: فيما خص اسباب البطلان المبنية على وجود العقد:
- فيما خص وجود البند التحكيمي لم يفرض الاجتهاد، حتى في التحكيم الـداخلي، الـدليل الكتابي الكامل رغم صراحة النص، مكتفيا بالبند الوارد في فاتورة او مـستند او ملحـق حتى ولو كان غير موقع. (اما في التحكيم الدولي فالسند الخطي غير مفـروض) تمييـز غرفة خامسة 2001/11/20 رقم 2001/141 شركة الطاقـة، و2002/10/19 رقـم 2002/22 عيادي.
- فيما خص صحة العقد الذي ورد فيه البند التحكيمي اقر الاجتهـاد مبـدأين: الاول هـو استقلال البند التحكيمي عن العقد حتى في اطار التحكيم الداخلي. الثاني هـو ان النظـام العام لا يحول دون اعمال الولاية التحكيمية طالما يبقى بإمكان المحكم ان يبطـل العقـد المخالف للقواعد الآمرة.
Paris 23-3-99 N. Boursier R.A. 2003 p. 179
وسنتناول لاحقا الوجه الاول.
- فيما خص انقضاء مهلة التحكيم، اقر الاجتهاد انه يعود للفرقاء ان يمددوا المهلة ضـمناً واستخرج الموافقة الضمنية ليس فقط من الدلائل الايجابية انما ايضا من سكوتهم عنـدما يكون محاطا بظروف معينة. تمييز غرفة خامسة 2004/3/18 قرار رقم 2004/40.
Cass. 18 oct. 2001 Hochtief RA 2002, p 899، حتى انه اعتبـر ان الموافقـة المذكورة يمكن ان ترد بعد انقضاء المهلة. على اننا نرى انه من الافضل في هذه الحالة اللجوء الى فكرة العدول عن المطالبة بانقضاء مهلة التحكيم (تعليق Cohen) وهـذا مـا اعتمدته محكمة التمييز اللبنانية. (الا ان البند الذي يمنح المحكم بمقتضاه حق تمديد المهلة يعد باطلا (تمييز فرنسي 2002/12/7 مجلة التحكيم 2003 صفحة 115). وقد خرجـت بذلك المحكمة العليا عن الليونة التي كانت قـد اتجهـت اليهـا سـابقا- .Cass. Civ 167 .Bull. 96 II p 20/6/1996 وايضاً Loquin sub arrêt précité.
- فيما خص الموضوع، ابدى الاجتهاد الحديث تساهلاً واضحاً، وقد اقر للمحكم الحق:
1- في التطرق الى المسائل الاولية.
2- في فصل الطلبات المتلازمة على اعتبار ان التحكيم يؤدي الـى استبعاد الولايـة القضائية ليس فقط بالنسبة للنزاع انما ايضاً بالنسبة لكل ما يرتبط بـه عـن طريـق العلاقة النسبية او التلازم.
3- كما اوكل الى المحكم حق تفسير البنود الغامضة او غيـر الدقيقـة لتوسيع نطـاق اختصاصه. ومن الافضل ان يصاغ البند التحكيمي بعبارات عامة حتى لا يتعطل هذا الاختصاص.
"L'excès de précision peut restreindre considérablement l'office des arbitres’’ Level.
والبنود الغامضة يجب ان تفسر انطلاقاً من مبدأ حسن النية وضـد الفريـق الـذي وضعها وان اعمال النص خير من اهماله principe d'effet utile.
Appel Paris Alfac 7.II. 2002 RA. 2002, 413 N. Fouchard.
4- فيما خص الموضوع ايضاً يقتضي الاشارة الى ان الدعوى ليست عالماً جامداً بعيـداً عن الواقع انما هي تتفاعل مع الحياة. فموضوع النزاع لا يحدد بشكل نهائي في العقد انما يبقى قابلا للتطور حتى تاريخ صدور الحكم فيعود للفريقين بتصرف صـريح او ضمني توسيع الموضـوع المعـروض علـى المحكـم. (تمييـز غرفـة خامـسة 2001/11/20 رقم 2001/142 قبيطر).
5- نشير اخيراً الى ان الولاية التحكيمية تعطى للمحكم حق اتخاذ التدابير المؤقتة كالسلفة المستعجلة دونما حاجة لوجود نص في العقد. (تمييز غرفـة خامـسة 2002/1/29 رقم 6).
وننتقل الآن الى اسباب البطلان المبنية على فكرة الولاية القضائية. والاجتهاد قد ابدى على وجه العموم تساهلاً الا انه لا يخلو في بعض الاحيان من التشدد.
البند الثاني: فيما خص اسباب البطلان المستمدة من السلطة المعطاة للمحكم:
أوجه التساهل:
أ- فيما خص الاجراءات، اذا كان صحيحاً ان مبدأ الوجاهية مفروض حتى في التحكـيم المطلق الا ان الاجتهاد قد حد من اسباب البطلان المتعلقة بعـدم احترامـه بإعتمـاد مبدأين.
1- الاول يقوم على ان لا بطلان دون ضرر.
2- الثاني يقوم على حصر هذا السبب بالوقائع. اما فيما خص القواعد القانونية فلـيـس من المفروض ان تطرح قيد المناقشة، ولو اثيرت عفواً، متى كانت متواجدة بشكل ضمني في النزاع.
Bolard: << Le juge et les droits de la défense. Mel. Bellet 1991.60.
Le Moyen était nécessairement dans la cause.
Les dispositions contractuelles sont nécessairement dans le débat ».
Paris 25.III.93 RA. 95 p. 468.
Paris 3.VI.93 RA. 95 p. 468.
ب- فيما خص القرارات التحكيمية، ضيق الاجتهاد بشكل واضح نطاق البطلان. فهو يكتفي بوجود التعليل الذي اصبح عبارة عن معاملة شبه شكلية اذ لا ينظر قاضي البطلان لا في صحته ولا في مدى انطباقه على احكام القانون، حتى ان التناقض في الاسباب لا يفضي الى البطلان وكذلك التشويه. وقد جرت محاولات عديدة لادخالهما تحت سـبب آخر، كعدم وجود التعليل بالنسبة للتناقض او تجاوز المحكم حـدود مهمتـه بالنـسبة للتشويه الا ان هذه المحاولات قد فشلت جميعاً على اعتبار ان على الفرقـاء الـذين اولوا المحكم حق فصل النزاع ان يتحملوا وحدهم مغبة عدم القضاء به علـى شـكل صحيح باستبعادهم الاستئناف. وكذلك بالنسبة للنقص في التعليل. (تمييز غرفة خامسة 2001/12/27 رقم 163 فلكون، و2002/12/10 رقم 162 اللبنانية العربية للفنادق).
Paris 13.06.2002 et 4.7.2002 RA p. 791
« Le moyen fondé sur une contradiction des motifs tend en réalité à critiquer au fond la décision, il est donc irrecevable.
Dès lors que la sentence est motivée le tribunal arbitral n'est pas tenu de suivre les parties dans le détail de leur argumentation. Paris 20-V-93 ; Cass. 20-XII-93
L'annulation d'une sentence pour cause de violation par les arbitres d'une règle d'O.P... ou de l'obligation de statuer conformément à leur mission ne s'étend pas au cas où la dénaturation est alléguée ».
يبدي الاجتهاد التساهل نفسه فيما خص البيانات الجوهرية المتعلقة بالمداولـة او بـصدور القرار في المحل المعين للتحكيم، او بعدم توقيع احد المحكمين.
Cass. 22.IX.95 R.A. 96. P.100.
تمييز غرفة خامسة 2001/5/9 رقم 86 شركة التنمية، و2003/6/24 رقم 112 المصري.
(فيما خص المكان هو مفهوم قانوني يتعلق بإرادة الفرقاء لا المحل الفعلي الذي صدر فيـه القرار).
ولكن ظهرت مؤخرا بعض ملامح التشدد فيما خص امـرين الاول هـو مفهـوم التحكـيم المطلق، الثاني يتعلق بتجرد المحكم.
1- التحكيم المطلق:
إن لجوء المحكم في التحكيم العادي الى التذكير بقواعد الانصاف لا يؤدي الى ابطال القرار التحكيمي اذا تبين فعلا ان المحكم قد طبق القاعدة القانونية. (تمييز غرفة خامسة 2003/11/29 رقم 41 /2003 بستاني).
اما في التحكيم المطلق فلم يأخذ الاجتهاد الحديث بالقاعدة نفسها القائمة على توازن الـصيغ والتي كان في الامس يطبقها اذ اظهر منحى في التشدد عندما فرض على المحكم ان يطبق مبادئ العدالة تحت طائلة ابطال القرار المخالف لعدم التزام المحكم لحدود مهمته اذا كان تطبيق قواعـد الانصاف امراً غير مفروض على المحكم في التحكيم المطلق لأن الفرقاء قد اولوه خيارا في هذا الخصوص يقوم على منحه سلطة في تخفيف نتائج القاعدة القانونية او الالتزام التعاقـدي وفقـا للظروف التي يستقل في تقديرها دون تعقيب عليه من قاضي البطلان. ولم يكن الاجتهاد يبطـل القرارات التي اكتفت بتطبيق القانون على اعتبار ان العدالة مفترضة فيه. كما انه كـان يكتفـي بالعبارات الواردة في القرار والمصاغة بشكل عام والمتعلقة بتطبيق قواعد العدالة على اعتبار ان لا رقابة على التعليل.
ولكن خرج الاجتهاد عن هذا الاتجاه المعتدل اخيراً وفرض على المحكم ان يبين الاســباب التي حملته على تطبيق القاعدة القانونية ومدى انطباق احكامها على قواعـد العدالـة. الاتجـاه الحديث الذي اكدته محكمة التمييز في قرارها 2001 .Cass. 15.II كرسه الاجتهاد اللاحق.
Cass. 18 oct. 2001 R.A. 2002 II p. 360 N. Jarosson.
Cass. 10 VII. 2003 Pion. R.A. 2993 p. 361 N. Betto.
Paris 27 V. 2003 Guigui.
2- حياد المحكم وتجرده:
ان التساهل الواضح في مراقبة مضمون القرار التحكيمي يفترض ثقة متزايدة فـي تجـرده ووقوفه على مسافة واحدة من الفريقين. انطلاقا من هذا الاعتبار اخذ الاجتهاد الحديث يتشدد في تفسیر مضمون واجب الاعلام الذي القته المادة 769 ا.م.م. فلم يعد هذا الواجب مقتصرا علـى توافر سبب الرد فعلاً، انما اصبح يتناول كل ما يمكن ان يدعو الفرقاء الى التشكيك في حيـاده. ذلك ان العبرة ليست لتقدير المحكم انما هي لنظرة الفرقاء الى حياده.
Cass. 6.XII. 2001 Fremarc.
Appel Paris 2.04.2004 sur renvoi R.A. 2004 p. 241 N. Gaillard.
« L'arbitre doit révéler aux parties toute circonstance de nature à affecter son jugement et à provoquer dans l'esprit des parties, un doute raisonnable sur les qualités d'indépendance et d'impartialité qui sont de l'essence même de la fonction arbitrale ».
ان هذه الوجهة في التشدد ذاتها سارت عليها محكمة التمييز اللبنانية (تمييز 2003/11/28) فقد اكدت ان المادة 769 اذ هي فرضت على المحكم اذا "قام سبب رد في شخصه ان يعلـم بـه الاطراف" تكون قد وضعت قاعدة هدفها تأمين الحقوق الاساسية للمتقاضين في الحصول علـى محاكمة عادلة متوازية لا يكون فيها حياد المحكم موضع شك مقبول.
ثم انتهت الى ان:
"قبول احد الفريقين بوضع المحكم كوكيل سابق لا يعني بالضرورة الموافقة على بقـاء الوضع هذا خلال المحاكمة التحكيمية فكان على المحكم ان يعلـم المميـزة بإرادتـه فـي الاستمرار بأهمال الوكالة لأن الجمع بين هاتين الصفتين بعد القبول يعد فـي المبـدأ جائز".
القسم الثاني: الالتفاف على اسباب البطلان:
لقد رأينا في القسم الاول من البحث كيف ان الاجتهاد قد حاول على وجه العموم التخفيـف من حدة البطلان من خلال تفسير ضيق اعتمده لمفهوم اسبابه ولمفهوم رقابة القاضي عليهـا. الا انه ذهب الى ابعد من ذلك عندما اوجد وسائل عامة لمعالجة اسباب البطلان ونتائجه. وهـذا مـا سنتطرق اليه الآن وقد جرى من خلال الامور الآتية:
1- تحصين قرارات رئيس المحكمة الابتدائية:
يتولى رئيس الغرفة الابتدائية وظيفة تقوم على مساعدة اطراف التحكيم اذ هو يزيل العقبات التي تحول دون تعيين المحكم وكذلك تلك المتعلقة برد المحكم وتمديد مهلة التحكيم. اقر الاجتهاد مبدأ هاماً هو ان القرارات الصادرة عن رئيس المحكمة والتي لا تقبل الطعن اصلاً، الا اذا تجاوز القاضي حدود سلطته، هذه القرارات لها حجية الشيء المحكوم به تجاه قاضي البطلان فلا يمكن استعادة اسباب تتعلق بتشكيل هيئة التحكيم او انصرام مدته، امامه. وهذا يــؤدي لا ريـب الـى تحصين المرحلة الاولية من التحكيم بشكل نهائي، وهو ما يميز التحكيم الفردي AD HOC عن التحكيم المنظم اذ ان القرارات التي تتخذها مؤسسات التحكيم بهذا الشأن تبقى عرضة للابطال.
يتوقف هذا التحصين اذا على شرطين:
أ- أن صدور قرار قضائي عن رئيس المحكمة في مواجهة الفريقين.
ب- ان لا يكون هذا القرار قد شابه عيب تجاوز حدود السلطة.
La décision du juge d'appui statuant sur une difficulté relative à la durée de l'arbitrage et à une demande de prorogation de délai n'est pas susceptible d'aucun recours hors le cas d'excès de pouvoir ».
«Constitue un excès de pouvoir non seulement la méconnaissance par le juge de ses attributions mais également la violation des règles essentielles de la procédure ».
D. Foussard, Le R.E.P. dans le domaine de l'arbitrage R.A. 2001 p.579.
2-قاعدة لا بطلان دون ضرر:
إن المخالفات والعيوب التي ترتكب في نطاق التحقيق او المحاكمة لا تؤثر في صحة القرار الا اذا اصاب المدعي ضرراً من جرائها اثر في النتيجة (في هذا المعنى، تمييز غرفـة خامـسة 2003/11/29 رقم 146). وقد ذهب الاجتهاد بعيداً في هذا المجال اذ انه طبق هذه القاعدة على مخالفة قواعد النظام العام فاعتبر ان هذه المخالفة يجب ان تقع في منطوق القرار التحكيمي لا في اسبابه، اذ لا رقابة للقضاء على صحة التعليل.
Le contrôle de la cour d'appel exclusif de tout pouvoir de révision au fond doit porter non sur l'appréciation du droit des parties au regard des dispositions d'O.P. mais sur la solution donnée au litige. La nullité n'étant si son exécution heurte l'O.P.
encourue que
Paris 27 oct. 94 Lebanese Traders.
اذا العبرة هي لتنفيذ منطوق القرار. اما اذا تحقق المحكم من ان شروط القاعدة القائلـة ان الجزاء يعقل الحقوق غير متوافرة وكان تعليله خاطئاً فإن الحل لا يتعارض مع النظام العـام ولا مجال لإعادة النظر فيما قضى به المحكم.
Paris 16.06.94. R.A. 96 p.198 Bouyssou. Obs. Pellerin
اذا الرقابة المتعلقة بمخالفة النظام العام اصبحت رقابة شكلية.
3- استقلال البند التحكيمي:
إن بطلان العقد الاساسي لا يؤثر على صحة البند التحكيمي على اعتباره اتفاقاً مستقلاً يتعلق باجراءات المحاكمة. هذا المبدأ قد اقره الاجتهاد اولا في المجال الدولي ولكنه اصبح الآن مبـدأ ثابتا في التحكيم الداخلي.
Cass. 4-04-2002, Barbot. R.A. 2003 p. 103.
Cass. 7-04-2002 Toulouzy R.A. 2003 p.103
En droit interne la clause compromissoire présente par rapport à la convention principale dans laquelle elle s'inscrit une autonomie juridique qui exclut qu'elle puisse être affectée par une éventuelle inefficacité de cette convention.
ان استقلال البند التحكيمي يكون من شأنه تحصين التحكيم ضد البطلان وهو استقلال عـن العقد في التحكيم الداخلي وعن العقد والقانون معا في التحكيم الدولي.
ففي المجال الداخلي يبقى القانون الداخلي الذي يمنع التحكيم واجب التطبيـق ولكـن البنـد التحكيمي لا يتأثر حتى بعدم وجود العقد وليس فقط ببطلانه (قرار SAM.).
اما في المجال الدولي، فإن الاستقلال هذا يعني ليس فقط عدم ارتباط البند التحكيمي بمصير العقد وانما ايضاً عدم ارتباطه بأي نظام قانوني من شأنه تحريم اللجوء الى التحكيم، بمعنـى ان خضوع العقد الى التحكيم arbitrabilité يشكل قاعدة موضـوعية règle matérielle تفـرض ذاتها تستقل تماما عن اية قاعدة قانونية مانعة. هذا هو التحديد الدقيق لمفهـوم استقلال البنـد التحكيمي كما وضعه قرار لمحكمة التمييز اللبنانية صدر في 2003/2/20 اذ ان هـذا المبـدأ لا يمكن ان يقر ابدا انسلاخ البند بشكل عام عن اي قانون.
بقي لنا ان نشير الى امرين:
اولاً، ان استقلال البند التحكيمي تجاه العقد لا يعني عدم ارتباطه به بدليل ان البند التحكيمي ينتقل بانتقال الالتزام الاصلي. انما يعني فقط انه ليس عبارة عن فرع يتبع اصل ليتأثر بمصيره.
N. Didier sub arrest précités.
ثانياً، ان قاعدة استقلال البند التحكيمي تتعلق بالاساس في حين ان الولاية المعطاة للمحكـم في فصل المنازعات الدائرة حول مبدأ او مدى اختصاصه تعتبر قاعدة اجرائية مختلفة المضمون والاهداف رغم اوجه الشبه القائمة في الحالتين:
1- التعامل مع اسباب البطلان وفقا لمبدأ حسن النية.
2- انطلق الاجتهاد الفرنسي من فكرة العدول المفترض ليفرض على الفريق الذي يشكو من عيب يطال التحكيم في موضوعه او شكله ليفرض عليه واجب التـذرع بـه اثنـاء المحاكمـة التحكيمية وليؤسس على سكوته المقرون بالعلم دليل تنازل، له صفة ملزمة، فيكون بذلك قد اوجد قاعدة جديدة تفرض على الطرف الذي يشكو من اي خلل ان يتذرع به قبل الطعن فـي القـرار تحت طائلة رد هذا الطعن اذا ورد لاحقا للمرة الاولى.
Cadiet: "La rénonciation à se prévaloir des irrégularités de la procédure arbitrale".
يلاحظ ان الاجتهاد الفرنسي يرتكز في هذا المجال على مبدأ التنازل الضمني عن التـذرع بالعيوب التي شابت المحاكمة التحكيمية، ولم يذهب الى القـول بوجـود مبـدأ يفـرض علـى المتحاكمين التذرع بأسباب البطلان امام هيئة التحكيم تحت طائلة سقوط حقهم حتماً فـي واللجوء الى مبدأ التنازل الضمني يسمح في بعض الاحوال بالتملص منه على اعتبار انه لـيـس قرينة قاطعة بدليل ان محكمة استئناف باريس في قرارهـا الـصادر فـي 97/1/21 رفـضت ذلـك. استخراج مثل هكذا قرينة في حالة معينة.
Paris 21.91.1997 R.A. 1997. 429.
A.Tanelian, l'Estoppel p.30.
اما اعتماد مبدأ عدم التناقض Estoppel كأساس والتركيز عليه لرد طلب الابطال اللاحـق فهو يغني عن التحري عن الارادة الضمنية وعن افتراضها بقرينة قضائية قد لا تعبر فعلا عـن الواقع وهي تقبل الاثبات المعاكس من حيث المبدأ.
ان الاجتهاد اللبناني الاخير قد خطا خطوة اوسع اذ عمد الى فرض عدم التناقض كمبدأ ملزم انطلاقاً من القاعدة الكلية الواردة في المجلة القائلة بأنه لا يسع المرء ان ينقض ما تم من جهته.
وقد طبقت الغرفة الخامسة المبدأ في قرارها الصادر في 2000/4/4 الصادر فـي دعـوى مستعجلة موضوعها الاخلاء (قرار رقم 2000/56 شقير) ثم اعتمدت المبدأ ذاتـه فـي قـضـايا التحكيم وذلك في عدة قرارات. وقد جاء في القرار الصادر في 2000/11/20 شركة قبيطر.
"حيث ان رئيس مجلس الادارة يتمتع بسلطة تمثيل الشركة امام القضائين العادي والتحكيمي، وكان بإمكانه بصفته هذه ان يتذرع ببطلان البند التحكيمي كما يفعل حالياً، الا انه رغم ذلك لـم يتمسك به انما تمادى في السكوت عنه خافيا على الفريق الآخر امر وجوده رغم وضوح صورته فلم يعد بإمكانه امام قاضي البطلان ان يطالب به بعد ان جاء التحكيم لغير صالحه، فيرد ادعاؤه لأنه خرج بكل تأكيد عن حدود حسن النية، وذلك تطبيقاً للقاعدة العامة الواردة في المجلة والقائلة بأن من سعى الى نقض ما تم من جهته يكون سعيه مردوداً عليه، وهـي جـزء مـن القـانون الوضعي اللبناني اذ انها لا تخالف او تجاوز اية قاعدة اخرى واردة في قانون الموجبات".
وبذلك جعلت محكمة التمييز من هذا المبدأ دفعاً يؤدي الى عدم قبول التذرع بأسباب البطلان متی ورد بصورة متأخرة فارضة بذلك على المتحاكمين اثارة العيوب حتى تلك المتعلقة بالنظـام العام الحمائي، امام المحكمين.
في النتيجة،
يمكن القول ان تعامل الاجتهاد الحديث مع اسباب البطلان كـان هدفـه تحـصين العمـل التحكيمي بوجه هؤلاء الذين ارتضوا التحكيم ساعة توقيع العقد ليتملصوا منه ساعة صدور القرار .(Motulsky).