الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / تعريف التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 25 / تكوين هيئة التحكيم وأهمية العنصر الفني في عضويتها

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 25
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    29

التفاصيل طباعة نسخ

1- تزداد أهمية التحكيم بإتساع دائرة اللجوء اليه مع انتشار العلاقات التجارية الدولية التي تقوم بين افراد، أو كيانات اقتصادية، كبيرة أو صغيرة، تنتمي الى مناطق مختلفة من العالم، لكل منها نظامه القانوني وتقاليده القضائية التي لا يعرفها، بالضرورة، من ينتمي الـى منطقـة أخرى ذات نظام قانوني مختلف، وتقاليد قضائية مغايرة .

2- والمحكم يستمد ولايته من اتفاق الخصوم على تحكيمه، وهذا الاتفاق مبعثه الثقة فـي مـن تسند اليه ولاية التحكيم، وهو مقيد بما يتفق عليه الأطراف في شـأن إجـراءات التحكـيم وموضوعه، وبما تمليه الأصول العامة للتقاضي من مثل مبدأ المساواة بين الخـصوم، واحترام حق الدفاع، ومبدأ المواجهة، ونحو ذلك مما يوصف العمل القضائي بسببه بالصحة أو البطلان، سواء أكان هذا العمل حكم محكمة من محاكم الدولة أم حكم هيئة من هيئـات التحكيم.

3- والتحكيم –كما هو معروف- ليس نزولاً عن الحق في التقاضي، ولكنـه مـنـح لـسلطة الحكم، من جانب أطراف خصومة التحكيم، الى الشخص أو الأشخاص الذين يختارونهم للفصل في هذه الخصومة. ولذلك كان من الأمور بالغة الأهميـة أن يلـم المعرضـون للاشتغال بالتحكيم- محكمين أو محامين أو خبراء- أو المعرضون لولوج باب التحكيم - خصوماً- في شأن من شؤونهم، أن يلم هؤلاء جميعاً، بالقواعد التي تحكم أو تنظم اختيار المحكمين.

4- ويجوز للأطراف في خصومة التحكيم الاتفاق في العقد الذي يتضمن شرط التحكيم- على أشخاص المحكمين، كما يجوز أن يقع ذلك في اتفاق خاص، أو في وثيقة التحكـيـم نفـسها (صك التحكيم) والصورة الاخيرة هي الغالبة الأفضل عملاً.

ذلك أن تعيين المحكم في العقد المتضمن شرط التحكيم فيه استباق للأحداث، وتعجـل فـي الاختيار. فإن تنفيذ العقود يمتد زمناً ليس بالقصير، وقد يبلغ مداه سنين عديدة، ولا يمكـن للخصوم منذ لحظة ابرام العقد التنبؤ بنوع المنازعات التي ستنشأ عن تنفيذه أو بمناسبة هذا التنفيذ، وقد يكون الاختيار الذي يظن في أول الأمر مناسباً، هو في حقيقته غير مناسـب مما يوقع الأطراف في مشكلة استبدال محكمين آخرين بمن اختيروا أصلاً، الأمـر الـذي يسبب حرجاً بالغاً للأطراف جميعاً، فإذا لاحظنا أن الممارسين لكل نوع من أنواع النـشاط الصناعي أو التجاري أو المهني تربط بينهم علاقات من مستويات شـتى، أدركنـا مـدى الحرج الفعلي الذي قد يسببه تعيين اسم المحكم في مرحلة ما، ثم العدول عنـه واستبدال غيره به في مرحلة لاحقة.

5- وتعيين المحكم في اتفاق مستقل، عن الاتفاق على التحكيم، يتـضمن تكـراراً لاجـراءات التفاوض والتفاهم بين الخصوم أو بين ممثليهم القانونيين أو وكلائهم من المحـامين الـذين يتولون الدفاع نيابة عنهم، وهذا كله يؤخر اختيار المحكمين، ويعوق بدء الاجراءات، وهـو أمر غير ملائم لطبيعة نظام التحكيم، لما يؤدي إليه هذا التأخير من إضرار بالخصم الـذي التمس في اللجوء الى التحكيم دواء من أدواء التعامل مع خصمه أو من مـضاعفات بـطء التقاضي أمام المحاكم.

6- وعلى العكس من الصورتين السابقتين يكون تعيين المحكمين في اتفاق التحكيم، الذي يعقب نشوء النزاع، (أو عقده أو وثيقته أو صكه) سبيلاً إلى تجنب وجـوه الـصعوبة ومـصادر الحرج وأسباب الإضرار ببعض الخصوم، ويكون في الوقت نفـسـه سـبيلا الـى اختيـار محكمين قادرين على الفصل في مختلف جوانب المنازعة القائمة بين الخصوم بعد أن تكون عناصرها قد اتضحت بدرجة كافية، بما يضمن أن يتأكد كل طرف من اختيار المحكم الذي يطمئن إلى حسن تقديره للأمر وقدرته على أداء واجب الحكم. ولذلك يذهب الرأي الراجح في الفقه الى أن شرط التحكيم الأكثر شيوعاً، والأكثر نجاحاً هو الذي ينص علـى أن "أي نزاع ينشأ في أثناء نفاذ العقد سوف يحل عن طريق التحكيم أمام هيئة ثلاثيـة يـعـيـن كـل طرف محكماً عنه فيها ويختار المحكمان المعينان المحكم الرئيس"، ويعـود نـجـاح هـذه الصيغة الى توافق مسألة اختيار المحكمين بواسطة الأطراف مع الطبيعة الاتفاقية للتحكيم. وعلى الرغم من الصعوبة التي يثيرها تعيين المحكم بواسطة طرف من أطـراف النـزاع، ولاسيما في ما يتعلق بضرورة استقلال المحكم عمن عينه، فإنـه لا يبـدو أن المشتغلين بالتحكيم. من محكمين ومحامين، يجدون هذه الصعوبة عيباً مؤثراً في نظام التحكيم نفسه.

7- وتنص المادة (17) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية على ما يأتي:

  " 1- لطرفي التحكيم الاتفاق على اختيار المحكمين وعلى كيفية ووقت اختيارهم فإذا لم يتفقا اتبع ما يأتي: "(أ) اذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من محكم واحد تولت المحكمة المشار اليها في المادة (9) من هذا القانون اختياره بناء على طلب أحد الطرفين.

(ب) فإذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاثة محكمين اختار كل طرف محكماً، ثـم يتفـق المحكمان على اختيار المحكم الثالث، فإذا لم يعين أحد الطرفين محكمه خلال الثلاثين يوماً التالية لتسلمه طلباً بذلك من الطرف الآخر، أو اذا لم يتفق المحكمان المعينان على اختيـار المحكم الثالث خلال الثلاثين يوماً التالية لتاريخ تعيين آخرهما، تولت المحكم المشار اليهـا في المادة (9) من هذا القانون اختياره بناء على طلب أحد الطرفين. ويكون للمحكم الـذي اختاره المحكمان المعينان أو الذي اختارته المحكمة رئاسة هيئة التحكـيم، وتـسـري هـذه الأحكام في حالة تشكيل هيئة التحكيم من أكثر من ثلاثة محكمين.

   2- واذا خالف أحد الطرفين اجراءات اختيار المحكمين التي اتفقا عليهـا، أو لـم يتفـق المحكمان المعينان على أمر مما يلزم اتفاقهما عليه، أو إذا تخلف الغير عن أداء ما عهد به اليه في هذا الشأن، تولت المحكمة المشار اليها في المادة (9) من هذا القانون بنـاء علـى طلب أحد الطرفين القيام بالإجراء أو بالعمل المطلوب ما لم ينص في الاتفاق على كيفيـة أخرى لإتمام هذا الاجراء أو العمل.

   3- وتراعي المحكمة في المحكم الذي تختاره الشروط التي يتطلبها هذا القانون، وتلك التي اتفق عليها الطرفان، وتصدر قرارها بإختيار المحكم على وجه السرعة، ومع عدم الاخلال بأحكام المادتين (18) و(19) من هذا القانون لا يقبل هذا القرار الطعن فيه بأي من طـرق الطعن".

8- وهذا النص يعيد الى نظام التحكيم المصري ما كان مقرراً بمقتضى نص المادة (824) من قانون المرافعات القديم الصادر بالقانون رقم 77 لسنة 1949 التي كانت تجيـز للمحكمـة تعيين المحكم الذي يتقاعس عن تعيينه من يجب عليه ذلك أو الذي يتعذر تعيينه لأي سبب. ولكن نص المادة (17) من قانون التحكيم يمضي خطوة أبعد مما كان يجيزه نـص المـادة (824) من قانون المرافعات القديم، اذ يجيز للمحكمة المختصة تعيين المحكم سواء أكـان التحكيم عادياً (تحكيماً بالقانون) أم كان التحكيم مع التفويض بالصلح .

9- وعندما صدر قانون المرافعات المدنية والتجارية الحالي بالقانون رقم 13 لسنة 1968 خلت نصوصه من حكم مماثل لحكم المادة (824) من قانون سنة 1949. فذهب الرأي الغالب في الفقه الى انحسار سلطان المحاكم عن مسألة تعيين المحكمين، وأنه ليس أمام الطرف الـذي يحال بينه وبين اللجوء الى التحكيم بسبب تعنت الطرف الآخر في تعيين محكمه، إلا رفـع الدعوى بالحق الموضوعي أمام القضاء؟.

ولكن اتجاهاً آخر، رامياً إلى تأكيد صلاحية نظام التحكيم وارغام الافـراد علـى احتـرام اتفاقهم باللجوء اليه، رأى أن للمحكمة دوراً في تعيين المحكم، على الرغم من خلو قـانون المرافعات في باب التحكيم من نص يجيز اللجوء الى المحكمة في هذا الشأن. وذهب هـذا الاتجاه إلى أن الاتفاق على تعيين محكم عن كل طرف (وهو الشرط الشائع في العمل) ليس في حقيقته، إلا التزاماً عينياً على كل من الطرفين، مما يستحيل معه أن يقوم بـه غيـره. وشرط التحكيم ليس إلا عقداً بين الطرفين يوجب على كل منهما تنفيذ التزاماتـه المترتبـة عليه. فإذا قعد أحد الطرفين عن ذلك جاز للطرف الآخر اللجوء الـى المحكمـة المدنيـة المختصة بطلب الحكم عليه بإلزامه بتنفيذ الالتزام بتعيين محكم.

 ورأى هذا الاتجاه أنه يجوز عندئذ للطرف المتضرر من عدم تعيين محكم أن يطلب، مـع الحكم بالإلزام بتعيينه، الحكم بغرامة تهديدية في حالة الامتناع عن تنفيذ الحكـم بـالإلزام، إعمالا لنص المادة (213) من القانون المدني التي يقضي نص فقرتها (1) بأنه: "اذا كـان تنفيذ الالتزام عينا غير ممكن أو غير ملائم، إلا اذا قام به المدين نفسه، جـاز للـدائن ان يحصل على حكم بإلزام المدين بهذا التنفيذ وبدفع غرامة تهديدية اذا امتنع عن ذلك".

وبهذا الاتجاه أخذت بعض المحاكم المصرية قبل صدور قانون التحكيم في المواد المدنيـة والتجارية فقضت بإلزام الطرف الممتنع عن تعيين محكمه بتعيينه في خلال مـدة زمنيـة حددتها، وبدفع غرامة مقدارها ثلاثمائة دولار أميركي عن كل يوم يتأخر فيه عـن تنفيـذ الحكم بالإلزام.

10- ويلاحظ في هذا الشأن أن الرأي الفقهي الذي أيده حكم القضاء في الدعوى سالفة الذكر لا يخالف ما كان مستقراً فقهاً وقضاء من عدم جواز تعيين المحكمة محكماً لـم يتفـق عليـه الطرفان عملاً بنص المادة (503) من قانون المرافعات10. وانما تبدت قيمته العمليـة فـي اتاحة الفرصة لقضاء الدولة لحمل الطرف المتعنت بشأن الالتزام باتفـاق التحك علـى النزول عند هذا الاتفاق وتنفيذ التزامه بشأنه حتى يمكن لإجراءات التحكيم أن تأخذ طريقها المرسوم بلوغا الى الغاية منها بالحكم في النزاع بين طرفي التحكيم. وهي نتيجـة بالغـة الأهمية في تثبيت دعائم نظام التحكيم وتأكيد وجوب إعمال إرادة الاطراف بشأنه إعمالا لا يمكن أياً منهما من "نقض ما تم من جهته" وإلجاء الطرف الآخر إلى القضاء بمـا تنيحـه إجراءاته من إطالة زمن الفصل في النزاع، ثم اذا قضي فيه، من التحايل بوسائل شتى لعدم تنفيذ الحكم.

11- وفي ظل قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994 يكون اللجوء إلى المحكمة المنصوص عليهـا في المادة (9) من قانون التحكيم بالطرق المعتادة لرفع الدعوى بطلب تعيين المحكم الذي لم يعينه أحد الطرفين، أو بطلب تعيين المحكم الفرد إذا أخفق الطرفان في الاتفاق عليه. وهذا الاختصاص ينعقد للمحكمة المذكورة في شأن التحكيم الذي يجري في مصر، وفـي شـأن التحكيم الذي يجري في الخارج اذا اتفق الطرفان على خضوعه للقانون المصري. وتكون المحكمة المنصوص عليها في المادة (9) مختصة بمسألة تعيين المحكم، ولو كان الأطراف قد اتفقوا على تطبيق قانون أجنبي على موضوع النزاع أو اتفقوا على اجراءات تحكيم غير التي نص عليها القانون المصري، ما دام التحكيم يجـري ، وذلـك باعتبـار اختصاصها تابعاً لاختيار مصر مقرا للتحكيم

12- وتصدر المحكمة "حكماً" بتعيين المحكم الذي يطلب اليها تعيينه. ولا يجوز أن يكون التعيين بأمر يصدر على عريضة، وتعيين المحكم بهذه الطريقة يؤدي الى الحكـم بـبطلان حكـم التحكيم إعمالا لنص المادة (1/53/هـ) من قانون التحكيم. ولكن هذا البطلان، وعلى الرغم من تعلقه بالنظام العام لاتصاله بالولاية القضائية لمحاكم الدولة، يمكـن تجنبـه اذا اتفـق الطرفان بعد التعيين على القبول بتحكيمه. لأنه يستمد سلطته التحكيمية في هذه الحالة مـن اتفاق الطرفين وليس من الأمر الباطل الصادر على عريضة. وموافقة الطرفين على تحكيم المحكم المعين بأمر باطل صادر على عريضة قد تكون صريحة أو ضمنية، فإذا تحققـت منها المحكمة في أي من هاتين الصورتين انتفى البطلان المبني على هذا السبب، عن حكم التحكيم.

13- ولا يجوز للمحكمة المنصوص عليها في المادة (9) من قانون التحكيم، إلا اذا لم يوجد اتفاق بين الاطراف على وسيلة أخرى لتعيين المحكم الذي يتعذر تعيينه لأي سبب كـان. ومن أمثلة الاتفاق على وسيلة أخرى أن يتفق الطرفان على تفويض مؤسـسـة تحكـيم، أو نقيب مهنة ما، أو عميد إحدى الكليات (الحقوق أو غيرها) باختيار المحكـم الـذي يتعـذر تعيينه لأي سبب كان، وفي هذه الحالات ونظائرها لا يكون للمحكمة أن تـستجيب طلـب التعيين الذي يرفع أمامها، بل يجب عليها أن تقضي فيه بعدم الاختصاص، ويكون على ذي المصلحة، أو له، أن يلجأ إلى الجهة أو الشخص المتفق عليه لاختيار المحكم الـذي يـراد تعيينه.

14- والأصل أن يختار كل طرف شخص المحكم الذي يمثله في هيئة التحكيم إن كانت الهيئـة ثلاثية. ويختار المحكمان، أو يختار طرفا الخصومة بنفسيهما، أو تختار مؤسسة التحكيم في التحكيم المؤسسي، المحكم الرئيس أو المرجح الذي يرأس هيئة التحكيم .

15- فإذا كان المحكم فرداً فإن العمل جرى على أن يتفق الخصمان على شخصه. ومع ذلك فلا مانع من أن يتفق الخصمان على تحويل شخص ثالث. يعينانه باسمه أو بـصفته. سـلطة اختيار المحكم أو المحكمين. ولا مانع من الاتفاق على تخويل المحكمة المختصة أصـلاً بنظر النزاع، أو الجهة التي يجري التحكيم وفق قواعدها، مثل غرفة التجارة الدولية فـي باريس، أو محكمة تحكيم لندن، أو المركز الاقليمي للتحكيم التجاري الدولي بالقاهرة، سلطة تعيين المحكم أو المحكمين15. ولأن مثل هذا الاتفاق يتضمن تنازلاً من أطراف التحكيم عن حقهم في "اختيار قضاتهم، الذي هو حق أصيل في نظام التحكيم، فإن اللجوء اليه لا يكون عادة في التحكيم الداخلي، وانما في التحكيم الدولي، حيث يبحث الطرفان عن منتهى الحياد في أشخاص المحكمين وفي سلطة التعيين. وإذا اشترط الأطراف مؤهلات أو صفات معينة في المحكم، فإن سلطة التعيين يجب عليها أن تلتزم ذلك. ومخالفة ما اشترطه الأطراف قد تؤدي الى رفض المحكمة المختصة إصدار أمر بتنفيذ الحكم التحكيمي الصادر مـن هيئـة مشكلة على خلاف ما اشترطه الأطراف. وهو في القانون المصري سبب لبطلان حكـم التحكيم .

16- واذا عهد الى إحدى تلك الجهات بتعيين المحكم طبقا لقواعد لجنة الامـم المتحـدة لقـانون التجارة الدولي في شأن التحكيم، فإنها لا تستطيع أن تمارس حق التعيين، إلا إذا تعذر على الطرفين الاتفاق على شخص معين لتولي مهمة التحكيم ويشترط عندئذ أن تراعي الجهـة القائمة بالتعيين الاعتبارات التي تضمن استقلال الشخص الذي تعينه وحياده ومن أهمها عدم انتمائه الى جنسية أحد طرفي النزاع". أما إذا كان الاتفاق يحيل الى مركز مـن مراكـز التحكيم أو مؤسسة من مؤسساته دون نص على قواعد معينة فإن قواعد هـذا المركـز، أو المؤسسة، هي التي تتبع في تعيين المحكم.

17- وليس ضرورياً أن يكون تعيين المحكم، بشخصه، بل يجوز أن يكون تعيينه بصفته، كـأن يتفق على تحكيم نقيب المهندسين، أو نقيب المحامين، أو نقيب الاطبـاء، أو الـصيادلة، أو التجار، في نزاع له صلة بأي من هذه المهن، أو يتفق على أن يكون المحكـم الفـرد، أو المحكم الرئيس، هو عميد كلية الحقوق بجامعة معينة، أو المحاسب القانوني لأحد طرفـي النزاع.. وهكذا. وكل هذه الصور يصح فيها تعيين المحكم بصرف النظـر عـن شـاغل المنصب أو صاحب الصفة وقت وقوع النزاع، أو وقت بدء إجراءات التحكيم، أي سـواء أكان هو نفسه صاحب الصفة وقت الاتفاق على ذلك أم تغير شخصه وانتقلت الصفة الـ غيره.

والعبرة في هذه الحالات دائماً- بشاغل المنصب أو ذي الصفة وقـت بـدء اجـراءات التحكيم، وهو يستمر في أداء مهمة التحكيم حتى لو تغيرت صفته أو فقد منصبه في أثنـاء سريان الاجراءات.

18- ويقع في بعض العقود المتضمنة شرط التحكيم أن الطرفين يتفقـان علـى محـكـم معـين ويفوضانه سلطة تعيين محكمين آخرين وتكون له رئاسة هيئة التحكيم، أو يعينانه محكمـاً فرداً للفصل فيما ينشأ عن العقد أو بسببه من منازعات، وكل ذلك صحیح لا يترتب عليـه أي أثر من حيث بطلان الاتفاق على التحكيم .

19- أن الأصل في اللجوء الى التحكيم هو الثقة في حسن تقدير المحكم وفي حسن عدالتـه، إذ حقيقة المقصود من التحكيم الاستغناء به عن القضاء .

ولذلك فإن القوانين لا ترسم طريقاً معيناً لاختيار المحكم اتساقاً مع طبيعـة الاتفـاق علـى التحكيم، وتحقيقاً للغاية منه، وهي "احترام إرادة طرفي التحكيم فإفساح الحرية لهما لتنظيمه بالكيفية التي تناسبهما.. وكلما زاد مقدار هذه الحرية التي يهيئها التشريع لطرفي التحكـيم زادت ثقتهما فيه واطمئنانهما الى الحكم الذي ينتهي اليه. أو هي، أعني غايـة التحكـيم، تمكين الخصوم من اللجوء الى من يتقون بحسن تقديره وحسن عدالتـه"، سب تعبيـر المذكرة التفسيرية لقانون المرافعات المصري الصادر بالقانون رقـم 13 لـسنة 1968، ليقضي بينهم في النزاع المعروض على التحكيم.

20- ولكن الإتجاه الحديث في التحكيم. الذي أرسته قواعد القانون النموذجي للتحكيم التجـاري الدولي الصادرة عن الأمم المتحدة وأخذته عنها دول عديدة مـن بينهـا مـصـر والــمن والبحرين وإيران وسلطنة عمان. هذا الإتجاه يلزم المحكم بالإفصاح عن أي ظروف من شأنها أن تثير شكوكاً حول حيدته واستقلاله، وأن يفضي بتوافر هذه الظروف الى طرفـي النزاع وأعضاء هيئة التحكيم إذا طرأت في أثناء التحكيم.

ويلاحظ أن قانون التحكيم المصري المادة (3/16) أوجب على المحكم عند قبول مهمته أن يفصح "عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول حيدتـه أو استقلاله"، وأن المـادة (1/18) من القانون نفسه نصت على أنه: "لا يجوز رد المحكم إلا إذا قامت ظروف تثيـر شكوكاً جدية حول حيدته أو استقلاله". فالحيدة والإستقلال متطلبان يجب توافرهما ابتـداء وبقاء24. لكن المحكم، عند قبول مهمته، ملزم بالإفصاح عن أي ظروف "مـن شـأنها" أن تثير "شكوكاً" حول حيدته واستقلاله.

وتعبير "من شأنها" الذي يعني أن الأمر غير محقق، بل محتمل فقط؛ ولفظ "شـكوك" غيـر معرف ولا موصوف على ما اختار التعبير به نص المـادة (3/16) مـن قـانون التحكـيم المصري، يعنيان أن المحكم يجب أن يفصح عن أدنى علاقة وأوهي سبب يكون باعثاً للريبة، أو محتملاً لإثارتها في نفوس الأطراف. فيما يتعلق بتوافر شرطي الحيدة والإستقلال. أمـا تعبير "ظروف تثير شكوكا جدية" الوارد في المادة (1/18) من القانون نفسه، فإنه يشير الـى ضرورة أن تكون أسباب الرد سائغة. ولو من وجهة نظر طالب الرد وحده. وألا تكون مجرد أوهام أو تخرصات، مما يجري على الألسنة دون دليل أو شبهة دليل.

21- فالقانون كما يتشدد مع المحكم عند قبوله مهمة التحكيم، فيلزمه بالإفصاح عن أي ظـروف من شأنها أن تثير شكوكاً حول حيدته أو استقلاله، يتشدد مع طرفي التحكيم فيمنعهما مـن طلب رد المحكم، إلا اذا كانت الشكوك "جدية". وهو منهج يتفق مع الرغبة فـي أن تبلـغ اجراءات التحكيم مداها بالفصل في النزاع دون معوقات لا سبب لها، أو لها سـبب واه لا يسوغ تعطيل الإجراءات التحكيمية.

22- والمتفق عليه أن التحكيم قضاء خاص، ليس كقضاء الدولة من نواح متعددة أهمهـا حـق أطرافه في اختيار قضاتهم. وكونه "قضاء خاصا" جعل لأطرافه حقاً موسعاً فـي اختيـار المحكمين. وكونه "قضاء" أصلاً جعل هذا الحق مقيداً ببعض القيود التي تحول بين مهمـة الفصل في خصومة بحكم له حجية الأمر المقضي، وبين أن يقوم بها شخص ليس أهـلاً لذلك .

وللتوفيق بين الاعتبارين اشترطت التشريعات المختلفة شروطاً يجب توافرها فـي المحكـم حتى يصح تحكيمه وهذه الشروط -إجمالاً - هي:

23- الأهلية المدنية الكاملة، فلا يجوز أن يتولى التحكيم قاصر أو محجور عليه أو محروم مـن حقوقه المدنية بسبب الحكم عليه بعقوبة جناية أو جنحة مخلة بالشرف أو محكـوم بـشهر إفلاسه لم يرد اليه اعتباره (انظر مثلاً المادة 1/16 من قانون التحكيم المصري، والمـادة 1/13 من قانون التحكيم السوري رقم 4 لسنة 2008) وليس شـرطاً أن يتمتـع المحكـم بالأهلية السياسية، فيجوز أن يكون المحكم أجنبياً أو محروماً من مباشرة حقوقه الـسياسية في الدول التي تجيز تشريعاتها هذا الحرمان. ويجوز أن يكون المحكم شخـصاً اعتباريـاً كنقابة المهندسين. باعتبار الأشخاص المعنوية لا تباشر حقوقاً سياسية أصلاً. وباعتبار مهمة التحكيم لا يباشرها إلا شخص طبيعي، فيكون دور الشخص الاعتباري هو تنظيم التحكـيم واختيار المحكم أو المحكمين.

24- ألا يكون المحكم ممنوعاً من مباشرة التحكيم قانوناً، وهذا هو الوضع فيما يتـصل برجـال القضاء في مصر، فقد نصت المادة (2/63) من قانون السلطة القضائية رقـم 46 لـسنة 1972 على أنه لا يجوز بغير موافقة مجلس القضاء الأعلى، أن يقوم القاضي أيـاً كـانـت درجته بالتحكيم ولو بغير أجر إلا إذا كان أحد أطراف النزاع من أقاربه أو أصهاره لغايـة الدرجة الرابعة بدخول الغاية، أو كان أحد أطراف النزاع هي الدولة أو إحـدى الهيئـات العامة، ويتضمن مشروع قانون أصول المحاكمات اللبناني حكماً مشابهاً (المـادة 4/525) وكذلك الحال في قانون المرافعات العراقي (المادة 255).

ويجب أن يكون هذا القريب خصماً حقيقياً في النزاع. فإذا لم يكـن خـصماً أصـلياً فيـه واختصم أو تدخل لمجرد تحليل تعيين القاضي محكماً كان التحكيم بـاطلاً بطلانـاً مطلقـاً متصلاً بالنظام العام، لأنه يمس النظام القضائي، وينال من حياد القضاء واستقلاله، وهما الضمانتان الجوهريتان النهائيتان للحقوق والحريات كافة. والحرص على هاتين الضمانتين في بلاد تعاني ويلات ترسانة القوانين الإستثنائية "سيئة السمعة"، ومن تـوالي الإجـراءات التعسفية التي تحتاج كل يوم الى تدخل قضائي جديد يفض خصومة بين الدولة ومواطنيها، الحرص على هاتين الضمانتين، وغيرهما من ضمانات استقلال القضاء وحيـاده، واجـب يفوق كل مصلحة محتملة من السماح للقضاة بتولي مهمة التحكيم. فلكل بلد ظروفه، ولكـل نظام قضائي ضرورات اجتماعية وسياسية يجب مراعاتها.

25- ويلاحظ أن هذا البطلان لا يقع اذا كان المحكم من غير القضاة، ولو كان نظام الجهة التـي يعمل بها يوجب الحصول على إذنها قبل قبوله التحكيم. ذلك أن إذن مجلس القضاء الأعلى للقاضي بقبول التحكيم مقرر لاتصاله بولاية القضاء، وهي من النظام العام فلا يصح القياس عليها.

فلو كان المحكم عضواً في هيئة قضايا الدولة، أو النيابـة الإداريـة، أو إحـدى الإدارات القانونية في إحدى الوزارات أو المصالح القانونية أو القطاع العام، فإن قيامه بقبول مهمـة التحكيم دون اذن جهة عمله قد يعرضه لمسؤولية ادارية لكنه لا يبطل إجراءات التحكيم ولا يؤثر على الحكم الصادر فيه.

وفي الحالات التي يكون فيها أحد طرفي الخصومة في التحكيم هو الدولة أو هيئة عامـة، فإنه لا يجوز، في مصر، ندب القاضي ليكون محكماً، إلا بموافقة مجلس القضاء الأعلـى، ويتولى هذا المجلس وحده تحديد المكافأة التي يستحقها القاضي.

وفي هذا النص حماية للقضاة وللنظام القضائي من أن تتخذ السلطة التنفيذيـة مـن نـدب القضاة محكمين وسيلة للترغيب المهين، أو للترهيب المذل؛ وكلاهمـا منقـصة للقـضاء وللسلطة التي تمارسه على قدم سواء.

26- وعلى الرغم من ذلك فقد جرى العمل في مصر على السماح للقضاة بمباشرة التحكيم ولو لـم يتوافر شرط القرابة، أو شرط كون الدولة أو إحدى الهيئات العامة طرفاً في التحكيم. وقضى بجواز ذلك (محكمة استئناف القاهرة، الدائرة 91 التجارية، في الدعوى رقم 37 لسنة 119ق، الحكم الصادر بجلسة 2003/1/29). ومن الجدير بالذكر أن أطراف التحكيم يرون، أحياناً، في اختيار قاض عامل لعضوية هيئة التحكيم، أو بوجه خاص لرئاستها، ضمانة تجعلهم أكثر اطمئناناً الى قدرة هيئة التحكيم على الفصل في النزاع بطريقة تضمن مهنية عاليـة وحيـاداً حقيقيا، بسبب ما تمرس القضاة عليه من الفصل في المنازعات وما جبلوا عليـه - بحـ تدريبهم المهني- من التزام الحياد بين الخصوم. ومع وجاهة هذه المعاني، فإن الأمر يقتض تدخلاً تشريعياً ليصبح تولي القضاة التحكيم جائزاً بغير شبهة بطلان.

27- وليس شرطاً أن يكون المحكم عالماً بالقانون، ولا أن يكون أحد المحكمين متخصصاً فيـه، بـل إن الخبرة في موضوع النزاع ليست شرطاً في صـحة اختيـار المحكمـين، لأن التشريعات العربية المعاصرة لا تتطلب شيئا من ذلك. لكن سكوت المشرع عن تطلب مثل هـذه الخبـرة القانونية أو الفنية لا يعني أن يغفلها أصحاب الشأن من أطراف الخصومة، أو من الجهات التي تنظم التحكيم أو تنعقد في ظلها هيئاته أو يفوض اليها اختيار المحكمين (المؤسسات التحكيميـة) اذ لا شك أن الخبرة القانونية العالية المتميزة، وبالأخص الخبرة القضائية، تعين على التعـرف الدقيق على أوجه النزاع، والوصول الى حكم صحيح في شأنه يضمن لكل طرف من أطـراف الخصومة حقه، وإصدار حكم خال من العيوب الشكلية التي قد تؤدي الى القضاء ببطلانه.

28- كما أن الخبرة الفنية في مثل مسائل الهندسة بفروعهـا والطـب بتخصـصاته والزراعـة والصناعة والتجارة، كل ذلك يتيح. عند توافره لهيئة التحكيم حسب نوع النـزاع الـذي تنظره. الوصول الى حكم يتفق مع صحيح القانون، ويرضي العدالة، ويحـق الـحـق بـين أطراف النزاع.

29- وقد قضى في مصر بأن استعانة هيئة تحكيم مشكلة من مهندسين بخبير قانوني لا يؤدي الى بطلان حكم التحكيم، ولاسيما والمحكمون مفوضون بالصلح، ومن ثم فهم معفيون من التقيد بقواعد القانون التي لا تتعلق بالنظام العام.

30- بالإضافة إلى الممنوعين من تولي قضاء التحكيم، كالقضاة في النظم التي تمنعهم من توليه، والخصوم اذا حكموا لأنفسهم، فإنه لا يجوز أن يعين الدائن أو الكفيل محكماً في الخصومة بين المدين والغير، ولا الضامن في خصومة، بين المضمون والغيـر، تتعلـق بموضـوع الضمان. واذا سبقت اجراءات التحكيم محاولة للتوفيق، أو للصلح فلا يجوز لمن شارك فيها أن يكون محكماً في النزاع نفسه الذي كان محلاً لأي منها. ولا يجوز له كـذلك أن يكـون شاهداً أو خبيراً في تحكيم لاحق لمحاولة الصلح أو التوفيق التي قام بها أو شارك فيها.

31- وقضي في فرنسا بأن المهندس الذي أشرف على عملية ما أو قام بتهيئتها للتنفيذ لا يجـوز أن يكون محكماً في الخصومة بين رب العمل والمقاول الذي نفذ العملية. وبأنـه لا يجـوز للمساهم في شركة مساهمة أن يكون محكماً في نزاع بينها وبين خصومها. وبأنه لا يجـوز للمدين أن يكون محكماً بين الدائن والغير. وذلك لتعارض مصلحة هؤلاء جميعاً مع ما قـد تسفر عنه نتيجة التحكيم. وهذه الأحكام الفرنسية القديمة تتداولها المؤلفات الفقهية العربية، وقد يتأثر بها بعض من يطلب اليهم الحكم في دعاوى رد المحكمين. والـصحيح أن تلـك الأحكام صدرت في ظل علاقات محددة ومحصورة للمساهم بشركة يساهم فيهـا، وللـدائن بمدينه، أما اليوم: في ظل تشابك العلاقات التجارية، وفي ظل تطور طرق تداول الأسـهم وتملكها وإهمال أي اعتبار شخصي للشريك المساهم؛ فإن هذه الأحكام لم تعد. في نظرنـا. تعبر عن قاعدة قانونية ملزمة أو اجتهاد قضائي صحيح يجب اتباعه.

32- تعيين من لا يجوز تعيينه محكماً يبطل اجراءات التحكيم. وهو بطلان متعلق بالنظام العام، فلا يصححه حضور الخصوم أمامه أو الإدلاء بطلباتهم الموضوعية أو دفوعهم أو دفاعهم في الدعوى التي ينظرها، ولا يجوز لهم النزول مقدماً عن حقهم في الطعن على حكمـه أو التمسك ببطلانه. ولا أثر للنزول عن الحق فيه قبل صدور حكم التحكيم، وهو ما تقضي به المادة (1/54) من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية رقم 27 لسنة 1994. ويجوز للخصوم دائماً التمسك بالبطلان، والطعن على الحكم بسببه إعمـالاً لأحكـام النـصوص المنظمة لدعوى البطلان في التشريعات المختلفة.

33- وقد كان المستقر في الفقه أن هذه الأسباب المانعة من التحكيم تعمل في شأن المحكم الفـرد أو المحكم الرئيس الذي يرأس هيئة تحكيم متعددة الأعضاء. أما المحكم الذي يعينه كل من طرفي التحكيم لتمثيله في هذه الهيئة فلا غضاضة في أن يكون قريباً لأحـد الخـصوم، أو وكيلاً أو شريكاً له أو موظفاً لديه، حتى ولو كان الخصم الآخر يجهل ذلك وقت الإختيـار، لأن المحظور هو قيام الصلات المذكورة بالنسبة الى المحكمين الذين يتم اختيارهم باشتراك طرفي الخصومة معاً، أو الذين تختارهم مؤسسة تحكيمية عهد اليها باختيارهم، أما حيـث يكون لكل طرف اختيار محكم يمثله وتكون رئاسة هيئة التحكيم لثالث يتم الاتفاق عليه من الطرفين معاً، أو من المحكمين المعينين منهما، فإن الحكم الحقيقي الذي يجب أن تتوافر فيه صفتا الحياد والإستقلال هو هذا الرئيس. ولكن محكمة استئناف القاهرة حكمت مـؤخراً بعدم جواز أن يكون المحكم وكيلاً للخصم الذي عينه أو زميلاً له فـي مكتـب للمحامـاة يشتركان فيه، وقد التزم مركز القاهرة للتحكيم التجاري هذا النظر أيـضاً فـي الـدعوى التحكيمية رقم 169 لسنة 2000. وهذا التوجه هو الصحيح المتفق مع الطبيعة القضائية لعمل المحكمين، ولكن الإتجاه الذي كان مستقرا قبل ظهور هذا التوجه القـضائي الجديـد يتفق معه ما هو مقرر في منازعات التحكيم بين هيئات القطاع العام في مصر من أن يعين وزير العدل، في كل نزاع، رئيسا لهيئة التحكيم من بين المستشارين، فإذا كانـت الـدعوى تدخل أصلاً في اختصاص القضاء الإداري فيكون تعيين رئيس الهيئة من مستشاري مجلس الدولة مع اختيار كل خصم في النزاع محكماً ممثلاً لـه. فـالحكم الحقيقـي فـي فـي هـذه المنازعات هو رجل القضاء، أو عضو مجلس الدولة الذي يـرأس هيئـة التحكـيم، أمـا الأعضاء الممثلون للخصوم فليسوا في حقيقة الأمر إلا ممثلين لوجهات نظر الجهات التـ يتبعونها. والمشتغلون بالتحكيم يلاحظون، بانزعاج، تنامي ظاهرة – أو نزعة- تبني موقف الطرف الذي عين المحكم، لدى بعض المحكمين، حتى في التحكيم الذي ليس فيـه طـرف حكومي أو هيئة من هيئات القطاع العام. وهذه النزعة تفقد المحكم استقلاله وحياده، وتفقـد التحكيم وظيفته باعتباره قضاء يهدف الى تحقيق العدل وحده بين الخصوم. وفي القانون السوري حكم مماثل لحكم القانون المصري ورد في قانون عمران المـدن رقـم 9 لسنة 1974 (م/19) وكذلك في قانون الإستملاك رقم 20 لسنة 1974 (م/23).

34- والمقرر – إذن- في نظم التحكيم الحديثة أن حكم التحكيم قد يحكم ببطلانه اذا كـان أحـد المحكمين قد عين بالمخالفة للقانون أو لاتفاق الأطراف، كما أنه يجوز رد المحكم المعين بواسطة أحد الأطراف، اذا تبين للطرف الآخر أن العلاقة بين هذا المحكم والطرف الـذي عينه تثير شكوكاً جدية حول حياد المحكم واستقلاله. والمحكم المعين من قبل أحد طرفـي التحكيم يجب أن يكون محايداً ومستقلاً، في القانون الفرنسي، بنفس القدر الذي يشترط فيـه الحياد والإستقلال في المحكم الفرد أو في رئيس هيئة التحكيم. فالمحكم المعين مـن أحـد الطرفين لا يجوز أن يسمح له بألا يكون محايداً، وإلا فسد نظام التحكيم كله.

35- على الرغم مما سلف بيانه من عدم اشتراط أن يكون المحكم عالماً بالقـانون، أو اشـتراط خبرة المحكم في موضوع النزاع، فإنه لا خلاف في جواز اتفاق الأطراف على اشتراط أن يكون المحكم متمتعاً بخبرة معينة أو من مهنة معينة تتناسب مع طبيعة المهمة التي يكلـف بها (كأن يكون مهندساً أو محاسباً أو طبيباً... الخ).

36- ويذهب رأي الى أن المحكم يجب أن تتوافر لديه معرفة عامة general knowledge عن المسائل الفنية في موضوع النزاع. وتحديد مستوى هذه المعرفة العامة يختلـف بـاختلاف المسائل التي قد تثار في التحكيم. وليس من المعتاد أن يوجد محكم فرد لديه معرفة كافيـة بمهارات متعددة، بالإضافة إلى إلمام كاف بإجراءات التحكيم. لكن من المعتـاد أن يوجـد محكم كفؤ لديه خبرة كافية ومناسبة للفصل في منازعة تحكيمية تدور حول عقد إنـشاءات: كأن يكون متخصصاً في إنشاء الطرق والكباري، أو في إنشاء المباني، أو في مشروعات مياه... الخ.

37- وفي الفقه العربي يذهب رأي الى أنه قد يكون من الأوفق أن يختار الطرفان محكمـاً مـن ذوي الخبرة في مجال النزاع... على نحو يغني عن الإستعانة بالخبراء، ويؤدي الى سرعة الفصل في النزاع. أما أن يكون المحكم جاهلا بقواعد القانون التي تحكم النـزاع، وعـديم الخبرة بشأنه، فهو أمر يبدو غير مقبول.

 38- وليس ثمة ما يمنع أن يكون المحكم موظفاً في الحكومة، بل إنه كثيراً ما يتفق على تعيـين بعض مهندسيها - على وجه الخصوص- محكمين بين المقاول ورب العمل في المنازعات الهندسية.

39- ولا يعني ما سلف أن المحكم يقوم بعمل الخبير، بل أن لكل منهما مجال عمل ذي طبيعـة مختلفة عن مجال عمل الآخر، فالخبير شخص ذو كفاءة فنية ومهنية يعهد إليه بتقدير مسألة من مسائل النزاع، وينحصر دوره في إبداء الرأي وتقديم المشورة الفنية برأي غير ملـزم للأطراف، ولا لهيئة التحكيم ولا تعدو حجيته حجية أي مستند في الـدعوى تقـدره هيئـة التحكيم قدره في إصدار حكمها، أما المحكم فهو قاض يفصل في النزاع بحكم يحوز الحجية بمجرد صدوره .

40- ويؤكد جانب من الفقه أن شرط الخبرة العملية في التحكيم أصـبح يعتبـر مـن الـشروط الجوهرية التي يتعين أن تتوافر في المحكم، وذلك على أساس أنه من غير المنطقي اختيار محكم للفصل في نزاع من منازعات التجارة الدولية الهامة – وهي منازعـات ذات قيمـة مالية ضخمة عادة – دون أن تكون لديه الخبرة العملية التي تؤهله للقيـام بهـذه المهمـة الدقيقة. وتبدو أهمية هذا الشرط بوجه خاص اذا اتفق الطرفان على تعيين محكم فرد للقيام بالفصل في النزاع.

41- ومسألة اختيار المحكمين من الفنيين أو من رجال القانون تعتبر مسألة ملائمة، بحيث يجب أن يترك لأطراف النزاع الإختيار بين العنصرين، في هيئة التحكيم، وفقا لتقديرهم لما يحقق مصالحهم.

 ومن الأفضل اختيار أعضاء هيئة التحكيم في المنازعات الهندسية من الفنيين، بحيث يختار كل طرف محكماً مهندساً عنه، ويتفق الطرفان على أن يختار رئيس هيئة التحكيم من رجال القانون ذوي الخبرة، بحيث يمكنه أن يراقب صحة تطبيق القانون علـى المـسائل محـل النزاع.

42- ولا مراء في أن الخبرة الفنية في مثل مسائل الهندسـة بفروعهـا والطـب بتخصـصاته والزراعة والصناعة والتجارة، كل ذلك يتيح. عند توافره لهيئة التحكيم حسب نوع النـزاع الذي تنظره. الوصول الى حكم يتفق مع صحيح القانون، ويرضي العدالة، ويحق الحق بين أطراف النزاع. وتكرار ذلك، وشيوع العلم به يبعث على استقرار نظم التحكيم، واطمئنـان المتقاضين اليها، ويمضي بالمنازعات الى طريق تؤدي الى سرعة الفصل فيهـا وتسهيل اجراءاته وتقليل نفقاته. وهذه كلها مطالب مشروعة وملحة لجماهير المتقاضين بوجه عام، ولرجال الأعمال الصناعية والتجارية منهم بوجه خاص.