الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / تعريف التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 25 / دور القضاء الفرنسي في جعل باريس مكانا ملائما للتحكيم الدولي

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 25
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    23

التفاصيل طباعة نسخ

1. إن جعل بلد أو مدينة مكاناً ملائماً للتحكيم يرتكز على إقامة شراكة قوية بين القضاء والمؤسسات التحكيمية ونقابة المحامين.

2. وجهت محكمة النقض الفرنسية، على وجه الخصوص، موضوع الدعاوى المقامة أمام القضاء في ثلاثة اتجاهات أساسية:

   i) اقتصار تدخل المحكمة فقط على ما هو ضروري لتقديم المساعدة في تفعيل الإجراءات التحكيمية في بداية التحكيم، ويكون هذا التدخل في الأساس لتسمية المحكمة التحكيمية؛

  ii) تركز تدخل المحكمة على رقابة القرار التحكيمي، بعد انتهاء التحكيم؛

iii ) عدم جواز تدخل المحكمة خلال التحكيم، سواء كان تحكيماً حراً ad hoc أو تحكيماً مؤسساتياً  institutional.   

كيف تطبق هذه الفرضيات؟

3. في بداية الستينات، أطلقت محكمة النقض سياسة قضائية وصلت إلى ذروتها عام 1991، حيث يكون الإتفاق التحكيمي، وفقا لهذه السياسة، خاضعا لمجموعة من القواعد الدولية الخاصة به. إن الإتفاق التحكيمي هو اتفاق مستقل عن القوانين الوطنية مما يسمح بإبرام اتفاق تحكيمي صحيح على الرغم من أنه قد يكون غير صحيح في ظلّ القانون الوطني المطبق.

4. من الناحية العملية، إن مقاربة عدم التدخل تنجم عن مثل هذا الإقتراح لصالح الإستقلالية. طورت محكمة النقض على هذا الأساس سياسة تعطي مبدأ الإختصاص بالإختصاص قوة مطلقة من خلال منع المحاكم النظامية من التدخل في قرارات المحكمين المتعلقة بوجود وصحة الإتفاق التحكيمي قبل اتخاذ أي قرار حول هذه المسائل بالذات من قبل المحكمة التحكيمية.

5. بالتالي، يتم تجميد اختصاص المحاكم النظامية لاتخاذ قرار حول وجود وصحة الإتفاق التحكيمي لحين فصل المحكمة التحكيمية هذه المسائل أولا، واللجوء إلى أي محكمة من المحاكم النظامية لا يتم عندما تكون الإجراءات التحكيمية قد بدأت. في الوقت الذي تكون فيه المحكمة التحكيمية لم تعين بعد، وبالتالي يكون من غير الممكن توقع اتخاذ قرار حول الإتفاق التحكيمي من قبل المحكمين، ينحصر فصل المحكمة بدراسة ظاهرية لوجود الإتفاق التحكيمي ونطاقه. هذا الحصر منطقي لأنه لو كان من الممكن التأكد بشكل واضح من أن الإتفاق التحكيمي باطل وغير مطبق، فلا جدوى من إحالة الأطراف إلى التحكيم، إذ يكون من الواضح أن المحكمة التحكيمية ستتوصل إلى قرار يقضي ببطلان الإتفاق التحكيمي وعدم إمكانية تطبيقه.

6. هذا الموقف القضائي مستوحى من الرغبة في توسيع مبدأ الإختصاص بالإختصاص عبر تأجيل قرار المحكمة حول وجود وصحة الإتفاق التحكيمي حتى صدور القرار التحكيمي. كما أن عدة أسباب عملية تفسر أيضاً هذه السياسة. إن القرارات التحكيمية المتعلقة بالإختصاص والتي يتم الطعن فيها أمام المحاكم غالباً ما تصادق عليها هذه المحاكم.

بخلاف ذلك، يكون من غير المنطقي إحالة الأطراف إلى التحكيم لفصل مسألة صحة الإتفاق التحكيمي، إذ يكون الأطراف أفضل حالاً في الحالة التي يفصل فيها القضاء أولاً مثل هذه المسائل.

7. عبرت أيضاً محكمة النقض عن رؤيتها للتحكيم الدولي من خلال تطوير سياسة تحافظ على الفعالية الدولية للتحكيم. في سلسلة من القرارات التي تعود إلى عام 1984، قضت محكمة النقض بأن القرار التحكيمي الدولي هو عمل من أعمال القانون الدولي قائم بذاته، بصرف النظر عن قرارات الهيئات القضائية الوطنية التي تقضي بإبطاله.

8. عبر توضيحها في قرار عام 2007، أن القرار التحكيمي الدولي يجب اعتباره كقرار يتعلق بالعدالة الدولية، تعتبر محكمة النقض أن القرار التحكيمي ليس قراراً صادراً وفقاً للنظام القانوني الوطني لبلد مكان التحكيم، ولكنه قرار دولي يشكل جزءاً من النظام القانوني الدولي الذي يختلف عن الأنظمة القانونية الوطنية.

9. نتيجة ذلك، قضت محكمة النقض بأن القرار التحكيمي الذي أبطلته من قبل المحاكم النظامية لبلد مكان التحكيم يجوز أن يبقى قابلا للتنفيذ في بلد آخر، بالطبع شرط أن تتوافر في هذا القرار شروط القابلية للتنفيذ في ذلك البلد. وعليه، لا يمنح أي قبول دولي لقرار يقضي بإبطال القرار التحكيمي. إن القرار التحكيمي، كما أشرنا سابقا، كونه قرار من قرارات القانون الدولي، لا يرفض إدخاله في النظام القانوني الوطني لبلد مكان التحكيم إلا من خلال محكمة الإبطال. إن المحاكم النظامية لذلك البلد لا سلطة لها لإبطال القرار التحكيمي ذي المفاعيل الدولية بالنسبة لكل المحاكم حول العالم. القول بخلاف ذلك من الممكن أن يعني أن القرار التحكيمي هو قرار وطني يشكل جزءاً من النظام القانوني الداخلي لبلد مكان التحكيم.

10. إن مثل هذا الرأي في القرارات التحكيمية الدولية له نتائج مباشرة بالنسبة لنطاق الرقابة التي تمارسها المحاكم النظامية على القرار التحكيمي. إن قانون التحكيم الفرنسي لا يميز بين قرارات التحكيم الأجنبية والداخلية. بدلا من ذلك، يجري التمييز بين القرارات التحكيمية التي صدرت في الخارج والقرارات التحكيمية الدولية التي صدرت في فرنسا. إضافة إلى ذلك، لا تمييز بين أسباب إعادة النظر عندما يتعلق الأمر بدعوى تنفيذ القرار التحكيمي أو عندما يتعلق الأمر بدعوى إبطال القرار التحكيمي.

11. تكون المرة الأولى لإعادة النظر باختصاص المحكمة التحكيمية خلال مرحلة ما بعد صدور القرار التحكيمي. تجري إعادة النظر هذه في ضوء الحجج التي يثيرها الأطراف أمام المحكمين، لكن لا شيء يمنع الأطراف من إثارة حجج جديدة وأدلة جديدة أمام المحكمة النظامية. إن سلطة المحاكم النظامية لا يمكن حصرها بعد الآن بمقاربة دراسة ظاهرية، كما من قبل، بل يجب تحريرها من القيود.

12. إن استقلالية وحياد المحكمين ومخالفة المهمة الموكلة إليهم أو مخالفة الوجاهية من قبل المحكمة التحكيمية (التي تشكل أيضاً جزءا من النظام العام الدولي)، تعتبر أسباباً لإعادة النظر يمكن فقط التحقق منها إذا كانت خاضعة لمراجعة مستقلة وقائمة على أساس واقعي وقانوني من قبل المحكمة الناظرة في ذلك. إن مرحلة ما بعد صدور القرار التحكيمي هي أيضاً الوقت الذي تناقش فيه استقلالية المحكم الذي تم رد الطعن فيه من قبل المؤسسة التحكيمية خلال الإجراءات التحكيمية. إن قرارات المؤسسة التحكيمية المتعلقة بتشكيل المحكمة التحكيمية لا تزال غير خاضعة لأية مراجعة. فقط الآثار التي تترتب على قرارات المؤسسة التحكيمية، باستثناء القرارات نفسها، هي التي يتم النظر فيها عند إجراء الرقابة على القرارات التحكيمية. إن الأسباب المقبولة لإعادة النظر في القرار التحكيمي هي فقط الأسباب المتعلقة باختصاص المحكم وبالتشكيل الصحيح للمحكمة التحكيمية وباحترام مهمة المحكم أو قواعد المحاكمة العادلة والنظام العام الدولي، وليست تلك المتعلقة بموضوع النزاع.

13. على العكس، إن التطبيق الصحيح لقواعد القانون من قبل المحكمة التحكيمية، كما تعليل القرار التحكيمي وتسبيبه لا يخضعان لأية رقابة. القول بخلاف ذلك من الممكن أن يعني التغيير في تعليل المحكمين والغوص في مراجعة مضمون القرار التحكيمي وموضوع النزاع. لا وجود لتسلسل هرمي بين المحكمة النظامية والمحكمة التحكيمية، التي هي محكمة دولية، كما هي الحال بين المحاكم الأدنى درجة وأية محكمة عليا تسمح لهذه الأخيرة بمراقبة التطبيق الصحيح للقانون ولتعليل المحاكم الأدنى درجة.

14. إن القرارات التحكيمية ليست قرارات صادرة عن أفراد عاديين، ولكنها قرارات تتعلق بالعدالة الدولية تستحق مراعاة واحتراماً في ما يتعلق بالموضوع بقدر أي حكم صادر عن محكمة أجنبية سيطلب تنفيذه في فرنسا. إن أساس الحكم الأجنبي لا يخضع لإعادة نظر، بل ما يخضع لذلك هو الاختصاص وإقامة العدل من قبل المحكمة الأجنبية.

15. مهمة محكمة إعادة النظر لا تكمن في إعادة كتابة القرار التحكيمي، أو في إعادة النظر فيه على ضوء الأدلة الجديدة المقدمة من الأطراف أو الحجج الجديدة المثارة منهم بعد تلاوة القرار التحكيمي. يحظر قانون التحكيم الفرنسي إعادة النظر في الوقائع، كإفادة الشهود، أو في القانون. يتضمن ذلك المسائل المتعلقة بالنظام العام.

16. مهمة القضاء الوطني تكمن في تطوير القواعد التي تضمن للأطراف والمحكمين اليقين القانوني وإمكانية التكهن في الأجوبة المقدمة ردا على المشاكل التي تصادف في التحكيم. هناك حاجة الى الوضوح والترابط في الإجتهاد المتعلق بالتحكيم. يجب توجيه جهودنا نحو تقديم إطار قانوني للمؤسسات التحكيمية ولمن يمارسون التحكيم، يمكن من خلاله تطوير مبادراتهم.