الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / تعريف التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 24 / كيف يصنع القرار التحكيمي؟!

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 24
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    297

التفاصيل طباعة نسخ

    يكتسب هذا البحث أهميته من الكشف عن مدى علمية وجدية الإتجاهات التي صار العرض لها في مؤلفات عديدة لمعرفة الطبيعة القانونية للقرار التحكيمي، تمييزا له عن القرار الصادر عن المحاكم العادية. عدم

  ولا بد لنا بداية من إيضاح هام ينطلق من كون التحكيم يشكل عقدا يلزم طرفيه ما دام يحترم القوانين المعمول بها في مكان التحكيم وفي مكان التنفيذ، ولا توجد مخالفة فيه للنظام العـام، ولا سيما في مكان الإعتراف به وتنفيذه: "Recognition and Enforcement“ الأمر الذي يجعل العملية التحكيمية مماثلة للعملية القضائية في منطلقاتها وتطبيقاتها المختلفة في المبدأ والأصـول، وعلى رأس هذه المبادئ إحترام حقوق الدفاع ومعاملة الطرفين المتنازعين على قدم المساواة، بحيث يكون ما يمنح أحدهما ممنوحـاً للطـرف الآخـر، وهـو مبـدأ نـص عليـه القـانون النموذجي Model Law، ويعتبر البعض أنه يتعين الأخذ به حتى ولو لم يتم النص عليـه، وإن عدم الأخذ به يعرض القرار التحكيمي للبطلان وعدم الإعتراف به وتنفيذه مع عدم مخالفة النظام العام .

    ومن الأمور المعتبرة من قبيل الإخلال بحق الدفاع أن يسمح لأحد الطرفين بتوكيل محام وحرمان الطرف الآخر من هذا الحق، كما سماع دفاع أحد الخصوم في بغياب الطرف الآخر.

    * باختصار، وكخطوة مبكرة على الهيئة التحكيمية أن تضع سريعاً – وتبلغ الأمر من الفرقاء – مجموعة من القواعد الاجرائية "Procedural Rules" اذا لم يكن هؤلاء الفرقاء قد فعلوا ذلك بعد.

    * ثم تعيين لغة الإجراءات ولاسيما في جلسات الإستماع إلى الفرقاء والحاجة اذا دعت إلى مترجمين قانونيين سواء شفاهة أو المطلوب من الوثائق المبرزة وكلفة هذه الترجمة.

    * مكان الإجراءات العتيدة، اذا لم يكن الفرقاء قد فعلوا ذلك؛ كما الإشارة إلى إمكانية طرح مكان الإستماع، وبالتالي الإجراءات خارج المكان المحدد للإجراءات.

   * الخدمات الإدارية، ففي حالة عدم اللجوء إلى مؤسسة تحكيمية، يمكن للهيئة التحكيميـة أن تشير إلى الجهات التي تقدم تلك الخدمات مع تعيين سكرتير تنفيذي لعمل الهيئة والأمـور التي يمكن أن تطلب منه.

    * تحديد المبلغ المطلوب بما فيه السلفة المسبقة – والتكاليف المطلوب دفعهـا مقـابلا لهـا لتأمين الإدارة مستقبلاً.

* بإمكان الهيئة التحكيمية الإشارة إلى الإجراءات المطلوبة لضمان سرية المداولات.   

 * التحديد المسبق لأدوات ضمان التواصل بين الأطراف وبينهم وبين الهيئة، وهي وسـائل تواصل أصبحت متقدمة، وان كانت تقتصر سابقاً – وفي أحسن الأحوال – على الفـاكس وما شابهها من وسائل مماثلة.

  * تحديد كيفية تزويد الهيئة التحكيمية المستندات المطلوبة وبالشكل المكتوب، وعـدد تلـك الأوراق والطرق والوقت المحدد لهكذا عملية.

  * تعريف نقاط الخلاف بين الأطراف المتنازعة.

  * بالنسبة للوثائق – الأدلة؛ بإمكان الهيئة تحديد الأوقات المسموح خلالهـا وأزمنتهـا مـن تاريخ طلبها للعمل على أساسها وتحديد المضاعفات المتوقعة عند عـدم ابرازهـا، كمـا الإشارة إلى إمكانية هذه الهيئة اللجوء إلى إلزامية هذا الإبراز.

  * بإمكان الهيئة التحكيمية؛ وحتى حدود معقولة، عرض بعض الحلول التفاوضـيـة حـول الخلاف المزمع عرضه عليها لاحقاً في حال عدم الوصول الى مثل تلك الحلول.   

  * بالنسبة للأدلة الواقعية؛ بإمكان الهيئة تنظيم عملية إبراز الأدلة الواقعية المطلوبـة مـن الأطراف أو أحدهم.

  * عن الشهود؛ بإمكان الهيئة التحكيمية إبلاغ الأطراف:

   - ملاحظات مسبقة حول الشهود ومحتوياتها وطبيعتها.

   - امكانية الإستماع المسبق الى هؤلاء الشهود.

   - طريقة أو وسائل سماع هؤلاء الشهود ودرجة ضبط عملية الإستماع إليهم.

   * الخبراء، والخبراء الشهود؛ للهيئة التحكيمية تعيين خبير أو أكثر ووسائل الإختيار وكيفية تقديم هؤلاء الخبراء تقاريرهم، كما تقرر الهيئة كيف سيلجأ أطراف النزاع للتعليق على ما ورد في هذه التقارير مستقبلاً.

* الإستماع:

    للهيئة أن تقرر المواضيع التي سيتم الإستماع إليها من الجهات التالية، على سبيل المثال لا الحصر؛ وفي ضوء الأسئلة أدناه:

   - هل يجري الإستماع أم لا؟ وإذا جرى تعليق هذا الإستماع فكيف يتم ذلك؟

   - هل يكون هناك وقت محدد للإستماع إلى كل من الأطراف وبأية آلية على هؤلاء تقديم مناقشاتهم مستقبلا؟

   - طول مدة الإستماع، وما إذا كان من سجل يحفظ ما سيرد في الإستماع، وآلية الإحتفاظ بمحتوياته.

   - وما اذا كان الأطراف بإمكانهم تقديم مذكرة كتابية مختصرة لما صار الإستماع إليه شفوياً.

   - في حال تعددية أطراف الهيئة التحكيمية، على أفرادها الإنتباه إلى نقاط الخلاف وتسلسلها وطريقة مشاركة الأطراف في النقاش مستقبلاً.

* لناحية توثيق القرار التحكيمي؛ وبأنواعه المختلفة، من سيلجأ إلى هذا التوثيق، تحديد ذلك مسبقاً.

    بعيداً عن العملية التحكيمية يمكن أن تبرز مواضيع وإشكالات أخرى غير التي عرض لها الأطراف المتنازعون، فبإمكان الهيئة التحكيمية معالجة ما سيرد مستقبلاً من تلك الإشكالات.

     هذا ويعود الى الهيئة، توفيراً للوقت والمال؛ حصر نقاط الخلاف بين الأطراف ودعوتهم الى المناقشة في محتوياتها بدلاً من اللهو عنها بنقاط غير ذات علاقة مباشرة أو هامة بصلب الخلاف الحاصل بينهم. وباللجوء إلى هذه التفرقة بين نقاط الخلاف الهامة والأقل أهمية وتلك التي لا أهمية لها أو علاقة ببحثها لحل الخلاف تكون الهيئة التحكيمية، والأمر ينطبق كذلك على ما ورد سابقاً، قد ميزت نفسها عن المحاكم العادية والتي لا تستطيع – قانوناً أو عرفاً – اللجوء إلى الوسائل أو طرق الإستماع المشار إليها أعلاه؛ مما يعتبر مرة أخرى أحد الدلائل المميزة للقرارات التحكيمية عن القرارات الصادرة عن المحاكم الرسمية، علماً أنه في أوائل التسعينات لم يكن بإمكان الهيئات التحكيمية اللجوء إلى ما جرى عرضه أعلاه؛ إلى أن تجرأ البعض منها الولوج إلى هكذا مخرج، الأمر الذي فعل وسرع العملية التحكيمية وجعلها مرغوباً فيها.

   ولكن كيف يمكن تجنب البطء والعمل بسرعة دون تسرع لإنجاز العمل التحكيمي؟

     خلال عقد التسعينات من القرن الماضي، لوحظ وجود تأخير واضح في إنجاز العمل التحكيمي في جو يكتنفه حل الخلافات بين تجار ذلك الزمن بالسرعة الممكنة، وقد نوقش هذا الموضوع بمجموعات عمل في المجلس الدولي للتحكيم التجاري بدءاً من عقد الثمانينات أيضاً.

   وكما أسلفنا – وقد أصبح الأمر مكرراً – أن التحكيم يعتمد على السرعة وقلة النفقات، وهو ما يساعد على استمراره بديلا للجوء إلى المحاكم الرسمية وهذا ما أشارت إليه بعض التشريعات والمؤسسات التحكيمية بالذات. ومهما يكن من أمر فالمهم أن تكون الأصول الإجرائية التي تضعها الهيئة التحكيمية حسنة ومفيدة، وهذا ما يدعو إليه البعض لإيجاد وسيلة تعمل عليها الهيئة من خصائصها التوازن بين السرعة والجودة.

    هذا التوازن يختلف بين قضية وأخرى ولا يوجد وقت محدد بالدقائق أو حتى بالأيام لإنجاز حل الخلاف، علماً أن فرقاء النزاع لهم دور فعال لحل مشكلة التأخير؛ بمعنى أن قواعد الإجراءات التي يمكن الإعتماد عليها للإنجاز السريع يقتضي الأخذ بها بما يتناسب مع طبيعة  النزاع التجاري وللهيئة التحكيمية إتخاذ مثل هذه القواعد بحرية مع أخذها بعين الإعتبار متطلبات فرقاء النزاع؛ ذلك أن الإجراءات المطروحة من هؤلاء الفرقاء وبالشكل التفصيلي يمكن أن يعيق الهيئة التحكيمية في عملها نحو السرعة المطلوبة.  

   أن تجنب التأخير بانتهاء النزاع يصبح أمراً سهلاً باختيار مجموعة محكمين ذات حكمة "wise choice" في تشكيل الهيئة بدلاً من الإفراط في حشر الإجراءات التفصيلية في العقد التحكيمي الذي ينظمه أطراف النزاع؛ مما يعوق العمل السريع لحل النزاع.

    في السياق نفسه إقترح البعض اللجوء إلى الأساليب التالية :

  - الأفضل تعيين محكم منفرد بدلاً من ثلاثة أو خمسة محكمين.

  - على المحكم أن يشجع فرقاء النزاع على إيجاد حلول وسطية للخلاف بينهم. على الجهة الإدارية أن تكون مجهزة بالتقنيات التكنولوجية لتبادل الملاحظات والوثائق والمراسلات وأهمها البريد الالكتروني.

  - على المحكم أن يبرز نقاط الخلاف الأساسية بين الفرقاء بالسرعة الممكنة بعد اختياره، ويمكن أن يحصل ذلك من خلال مؤتمر هاتفي بينه وبين هؤلاء الفرقاء.

  - يجب تحديد عدد الصفحات التي تحتوي نقاط النزاع بحيث تبتعد عن المبالغة والتكرار أو عن صلب الخلاف.

  - تحديد مهلة قصوى، معقولة، لتبادل الوثائق أو الأوراق الخطية.

  - على المحكم – وبالتشاور مع فرقاء النزاع – تحديد سماع الشهود المحتملين ومدى جدية هذه الشهادة؛ والسعي إلى تقديمها خطياً للإطلاع المسبق على محتوياتها قبل اتخاذ القرار بالسماع شفهياً.

   - على الفرقاء تقديـم وثائقهم للمحكم عشرة أيام على الأقل قبل تاريخ الإستماع إلى الشهود.

   - على المحكم تحديد مجمل الوقت المطلوب لسماع الشهادة الشفوية، وتحديد تاريخ هذا السماع مع الأخذ بعين الإعتبار الوقت الملائم لأجراء هذا السماع.

على المحكم تحديد الوقت مسبقاً لافتتاح وإغلاق جلسة سماع الشهود.

- من المستحسن بالقرار التحكيمي – من أي نوع كان - الا تكون أسباب حيثياته كثيرة ومفصلة، أي مختصرة بقدر الإمكان؛ عليه فقط الاشارة الى الإعتبارات التي ذكرها الفرقاء لإيضاح أقوالهم ونقاط دفوعهم، بحيث يتمكن هؤلاء الفرقاء من فهم النقاط التي اشتغل عليها المحكم.

- كل التقنيات المتبعة للإستئناف (غير التي يجب اللجوء اليها الى المحاكم العادية للطعن في القرار التحكيمي) يجب استبعادها؛ وهو أمر يجب أن يحتوي عليه العقد التحكيمي المنظم بين فرقاء النزاع.

 - على المحكمين لفت نظر فرقاء النزاع إلى وجوب اللجوء اليهم قبل مراجعة المحاكم الوطنية، ولا سيما في الأمور المتعلقة بالإجراءات المستعجلة، اذ يمكن حل المشكلة المثارة على مستوى الهيئة التحكيمية بدلاً من اللجوء الى المحاكم العادية والمعروف عنها تمهلها أو تأخرها في بت النزاعات بشكل عام؛ وإن كان المطلوب اجراء مستعجلاً.

    ان غالبية الفقهاء"، في ضوء ما صار شرحه أعلاه يلاحظون ما يلي: على مدى السنين العشرين الماضية أو ما يقاربها لوحظ تطور في القانون والتحكيم الدولي بميل واضح نحو استبعاد تدخل المحاكم الرسمية في شؤون التحكيم، ولعل موقف بريطانيا في هذا المعنى أوضح من غيره حيث استبعد تدخل تلك المحاكم في عمل اللجان التحكيمية، حتى وإن كان الاجراء مسانداً "لتلك الهيئات التحكيمية" مما يعني بالنتيجة أن التدخل الحاصل يجب ألا يكون إلا على سبيل الدعم؛.. إذا حصل.

الطبيعة الخاصة للحكم التحكيمي:

    اذا كان من المنطقي القول ان الهيئات التحكيمية تعمل عادة على إصدار قراراتها بصيغة نهائية وحاسمة، فذلك لا يعني أن بإمكان الهيئات العمل على حل مسألة عارضة مستعجلة أو مؤقتة أو تعود إلى المحاكم الرسمية، ما لم يأت العقد التحكيمي مخالفاً لاتخاذ مثل هذه القرارات غير النهائية أو المبرمة، وهذا الأمر يعود لمطلق ارادتهم، والتي على المحكمين وجوب احترامها، مثال ذلك ما جاء في القانون الإيطالي لعام 1994، والذي سمح للمحكمين بإصدار قرارات مستعجلة أو جزئية؛ دون أن يؤدي ذلك إلى إقفال إجراءات التحكيم، مع إمكانية تمديد مهلة إصدار القرار التحكيمي النهائي الحاسم بسبب إصدار القرار المؤقت أو الجزئي.

     تجدر الإشارة، ودون الدخول في تفاصيل تقنية معروفة، أن القرار التحكيمي من أي نوع كان، يجب أن يكون خطياً، وهذا ما جاء في قواعد الـ Uncitral بشكل واضحة؛ كما جاء في قواعد التحكيم المعتمدة لدى الـ ICC بالقول: كل قرار تحكيمي يجب أن يكون ملزماً للطرفين، فذهاب الفرقاء أصحاب النزاع نحو التحكيم، يوجب الخروج بقرار ما دون أي تأخير.

     إن أهمية القرارات العارضة أو المؤقتة تكمن في أن بت الهيئة التحكيمية مسألة عارضة يساعد على عدم العودة إلى معالجة هذه المشكلة العارضة مجدداً، فإذا طرح أحد الأطراف مسألة تحتاج إلى حل سريع؛ كان على الهيئة التحكيمية العمل على إيجاد مثل هذا الحل قبل متابعة البحث في الموضوع الأساسي لنزاع الطرفين..

    هذه الفروق بين القرارات التحكيمية وقرارات المحاكم العادية من شأنها المساعدة في حل النزاع النهائي، وبكل الأحوال على الهيئة التحكيمية أن تبذل أقصى جهودها ليس لإصدار القرار المطلوب فحسب؛ بشكل صحيح، وأنما أيضاً أن يكون صالحاً للتنفيذ عبر الحدود، أي في البلد المنوي التنفيذ فيه، وهذا ما جاء في قواعد مركز غرفة التجارة الدولية في باريس على سبيل المثال:

 "    In all matters not expressly provided for in these rules, the court and the arbitral tribunal shall act in the spirit of these rules and shall make every effort to make sure that the award is enforceable at law,

  وفي السياق نفسه، وللوصول إلى ما ذكرنا أعلاه، على الهيئة التحكيميـة أن تنسجم فـى عملها مع القواعد الإجرائية التي تغطي التحكيم المتعلقة مثلا بمكان إجـراء التحكـيم؛ أو جعـل العملية التحكيمية مقبولة من مؤسسة تحكيمية، وعلى الهيئة أن تؤرخ وتوقع القرار التحكيمي من أي نوع كان، بحسب المرجع المعتمد في الإتفاق التحكيمي بين فرقاء النزاع. فإذا قامـت الهيئـة بعملها هذا بالشكل الصحيح تكون قد انهت مهمتها وإلا فسوف تدعى للإجتماع لاحقـا لتوضـيح القرار أو تصحيحه؛ وهذا يستدعي معرفة واضحة وسليمة للقانون الذي سوف يعتـرف بـالقرار اياه وبتنفيذه بالشكل المطلوب ووفقا لقواعد الاعتراف والتنفيذ في البلد المعني... وهذا يستدعي بدوره معرفة واضحة وأكيدة بمواد اتفاقية نيويورك لعام 1958 والتي وافق عليها الكثيـر مـن دول العالم، إذ أن ذلك يساعد اللجنة في السير بمسار تلك الإتفاقيـة لجعـل القـرار التحكيمـي الصادر عنها معترفاً به ونافذاً في البلد الذي صادق ت حكومتـه علـى محتويـات اتفاقيـة نيويورك.

   ولكن ما هو تعريف القرار التحكيمي Award ؟

    دوليا لا يوجد تعريف حاسم للقرار التحكيمي، إذ لم تحتو الاتفاقيات الدولية على ذلك، ومن أهمها بالطبع: إتفاقيات جنيف ونيويورك، والقانون النموذجي، وبالرغم من ذلـك فـإن إتفاقيـة نيويورك لعام 1958، وفي معرض ذكرها للاعتراف والتنفيذ قاربت تعريف هذا القرار، بـالقول في المادة الأولى؛ الفقرة الثانية ما يلي:

    "The term 'arbitral award' shall include not only awards made by arbitrators appointed for each case but also those made by permanent arbitral bodies to which the parties have submitted".

    هذا حسن، ولكن غيـر كـاف لتعريـف القـرار التحكيمـي، وكـان مـشروع قواعـد الـ "UNCITRAL“ قد أشار الى مثل هذا التعريف ولكن لم يؤخذ به لاحقاً، وقد نصت المادة 13 منه على ما يلي:

    “Award' means a final award which disposes of all issues submitted to the arbitral tribunal and any other decision of the arbitral tribunal which finally determines any question of substance or the question of its competence or any other question of procedure but, in the latter case, only if the arbitral tribunal terms its decision an award". .

     عملياً يتراءى لنا أنه يجب الأخذ بالمعنى النهائي لكلمة "Award“ بحيث تنطبق فقط على هذه النهائية لحل مختلف نقاط النزاع المثارة بين الأطراف المتنازعة ما يعني استبعاد القرارات التي يمكن أن تصدر عن الهيئة التحكيمية بشأن سماع شهود أو إبراز وثائق أو أوراق، أو أية أمور لها علاقة بالقضايا الإجرائية أو تقديم الأدلة الخطية، كل هذه الأمور لا تنطبق عليها كلمة  Award.

إن القرارات التحكيمية يمكن أن تتناول مروحة واسعة من نقاط الخلاف منها:

   - التعويضات المادية.

   - الأضرار.

   - معالجة خطأ أو تصحيحه.

   - وضع إتفاقيات أو ملء ثغرات.

   - إعادة الحال إلى ما كانت عليه.

   - قرار بإلزام شخص ما على القيام بعمل أو الامتناع عنه  injunction.   

   -  إعلان ترك شيء ما.

   - المصاريف، من رسوم وأتعاب خاصة بالمحكمين .

كيف يصنع القرار التحكيمي؟

    عندما يقوم "المحكم المنفرد The ad hoc arbitrator" بمهمة فض النزاع يتطلب الأمر إجراءات منفردة وبموجبها يستلم أوراقاً من الفرقاء ووثائق محددة، كما يمكن أن يعقد جلسات مع هؤلاء الفرقاء لتحديد النقاط المثارة وفقاً لقواعد الـICC، على سبيل المثال، وهذا يفسح في المجال لمعرفة ما يمكن اثارته مستقبلاً، سواء في الأدلة من الناحية الواقعية أو ما جاء به القانون، وعندها بإمكان المحكم المنفرد هذا طرح الأسئلة التي يجيب عنها الفرقاء، وسنداً إلى ذلك ينشر القرار؛ بينما إذا كانت الهيئة التحكيمية من ثلاثة محكمين فيكون إصدار القرار التحكيمي أكثر تعقيداً، ولكن ذلك لن يحول بالطبع دون صدور القرار العتيد من جراء تعاون الفرقاء على ذلك؛ ومن مقاربة المحكمين أنفسهم موضوع الخلاف يمكن الخروج بقرار تحكيمي ثلاثي المصدر.

    بالنسبة لكيفية صدور القرار التحكيمي فيتم بشكل إفرادي إذا كان المحكم منفرداً، أما إذا كان مصدر القرار الهيئة الثلاثية العدد فيمكن أن يكون هناك إختلاف بين هؤلاء، غالباً يحسمه صوت الرئيس (رئيس اللجنة) والا فيصدر القرار بالأكثرية، وهذا ما أشارت إليه قواعد الـ Uncitral بالقول:

     "When there are three arbitrators, any award or other decision of the arbitral tribunal shall be made by a majority of the arbitrators¹³.”

    على أن المادة (2) 31 من القواعد نفسها تترك لرئيس الهيئة اتخاذ القرارات الملائمة اذا كانت تتعلق بأصول التحكيم؛ إلا أن هذا الحل يواجه عدداً من الصعوبات يمكن إجمالها بإثنتين:

   - الصعوبة الأولى: مسألة تحديد الأسئلة التي تعتبر قضايا تتعلق بالأصول.

   مثال ذلك تحديد مكان التحكيم وفقا للمادة 16 من قواعد الـ Uncitral، مسألة إجراءات أم لا؟

وفي حال غياب الأغلبية، فإن رئيس الهيئة التحكيمية هو صاحب القرار. وقد كان لأمانـة سـر الـ Uncitral من هذه المسألة (مثلاً) أن إعتبرت أنها لا تتعلق بالإجراءات، وهي لا تدخل فـي صلاحيات رئيس الهيئة التحكيمية وحده؛ لاتخاذ القرار المطلوب.

    - الصعوبة الثانية: وهي تتعلق بقاعدة الأغلبية majority rules في حال لم يتم التوصل اطلاقاً إلى إصدار قرار تحكيمي، لعدم وجود أغلبية مصوتة عليه. كان الجواب أن على المحكمين جميعهم متابعة مداولاتهم حتى الوصول إلى قرار بالأغلبية أو قرار توافقي يتوصلون إليه؛ وهذه الصعوبة تظهر بوضوح في عقود الإنشاءات والمرافق المشابهة كالجسور وغيرها، حيث يكون لكل من المحكمين الفنيين، خاصة في الهيئة التحكيمية، رأي خاص به يختلف عن زملائه في هذه الهيئة يطال مختلف نقاط الخلاف بين المتعاقدين، حتى يمكن أن تثار بينهم مسألة النصاب في الهيئة، بدون الوصول إلى حل توافقي فيما بينهم لإصدار قرار تحكيمي أكثري A majority award وكل ما تقدم يؤدي بوضوح إلى إلزام الفرقاء بصرف المال وإضاعة الوقت...

   تجدر الإشارة إلى أن مقاربة قواعد غرفة التجارة الدولية ICC لهذه الصعوبة مختلفة عما سبقتها، اذ نصت صراحة على أن قرار المحكمين بالأكثرية يؤخذ به، وفي حال عدم التمكن من الحصول على هذه النتيجة.

    فبإمكان رئيس الهيئة إصدار القرار بمفرده، والمقاربة نفسها أخذ بها القانون السويسري (1989) والقانون الإنكليزي (1996) والقواعد المعمول بها في مركز لندن للتحكيم التجاري الدولي (LCIA). واضح أن الضغط في قواعد ال (ICC) أو الـ (LCIA) هو ليس على رئيس الهيئة لإتخاذ القرار بمفرده وإنما على باقي المحكمين للعمل على إيجاد أكثرية لإصدار القرار بدلاً من تعطيل صدوره.

   وبالعودة إلى قواعد الـ Uncitral نجد أنها تتيح المجال للتفاوض أو ما يشبه المفاوضة بين رئيس الهيئة التحكيمية وأحد أعضاء هذه الهيئة لإصدار القرار التحكيمي، بدلاً من أن يصدر عن الرئيس بمفرده فيما جاء في المادة 48 الفقرة (1) من اتفاقية واشنطن ما يلي:

     "The tribunal shall decide questions by a majority of the votes of all its members''.

 وهذا الإتجاه أخذت به قواعد مركز لندن في المادة 16 الفقرة (1) بما يلي:

    "Decisions of the tribunal shall be taken by a majority of the votes of all its members abstention shall count as a negative vote".

    إن عدم التوصل إلى إتخاذ قرار تحكيمي بأكثرية يقود إلى اللاقرار، الأمر غير المقبول في مختلف قواعد ومراكز التحكيم، وقد لاحظته ولفتت إليه بأهمية قواعد الـ ICSID (بموجب إتفاقية واشنطن)" وبصدد شرح هذه القواعد، جاء في الملاحظات حولها على أنه متى وضعت هذه القواعد كان هناك إتجاه نحو إمكانية عدم تصور وصول الهيئة التحكيمية إلى قرار بالأكثرية؛ وأن الإمتناع عن التصويت يعتبر بمثابة عدم الموافقة على القرار، وقد جاء في شرح قواعد إتفاقية واشنطن التوضيح الآتي:

    Where the question was not capable of being answered by a simple «yes» or «no» (as in the determination of the amount of compensation to be awarded) it was concluded that «<a decision can normally be reached by a successively proper sequence of votes by which alternatives eliminated, are '»>.

    وجاء في قواعد ستراسبورغ ما يلي (كحل لعدم التوصل إلى قرار يالأكثرية):

     <<except where otherwise stipulated, if the arbitrators are to award a sum the of money, and a majority cannot be obtained for any particular sum, votes for the highest sum shall be counted as votes for the next highest sum until a majority is obtained».

     كل ما تقدم عرضه يبين أن الغاية من إصدار القرار بالأكثرية هو صدور القرار؛ وأن البدائل المطروحة ليست سوى الطلقة الأخيرة – غير المحببة – بدلاً من إعطاء رئيس الهيئة التحكيمية إصدار القرار بمفرده اذ أنه كما قيل: «Two heads are better than one».

    وماذا عن المداولات؟ « Deliberations»؟

    من الواضح؛ أنه عندما شكلت الهيئة التحكيمية، بالطبع من أكثر من عضو، هذا يعني أنه ستجرى مناقشة بين أعضائها؛ قبل صدور القرار النهائي، وذلك تكريساً لعدة نصوص كرست هذه القاعدة من المناقشة والتداول، علماً أن تلك المناقشات ليس من الضروري إجراؤها في مكان إنعقاد الهيئة التحكيمية، وإذا حصل ولم يتمكن أحد من أعضاء الهيئة المذكورة من الحضور لسبب أو لآخر يستمر باقي المحكمين في عملهم حتى الوصول إلى إصدار القرار التحكيمي العتيد؛ إلا إذا كان القانون المطبق يلزم جميع أعضاء الهيئة بالمداولة تمهيداً لإعطاء القرار.

    الملفت هنا أن بعض الدول المصادقة على نصوص إتفاقية نيويورك ترفض منح الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي المراد تنفيذه في أراضيها ان لم يكن من أصدره (العضوان والرئيس) قد تشاركوا معا في المناقشة والمداولة قبل اصداره بالشكل النهائي، ما يعني وبالنسبة إلى هذه الدول على الأقل، أن عدم المناقشة بالقرار سوف يؤدي إلى اعتباره بحكم غير الموجود.

- الحالة النفسية للهيئة التحكيمية:

    إن المناقشات السابقة لإصدار القرار – تعتبر عملياً من أهم خطوات الوصول إلى القرار العتيد، وهذا يعني – عملياً – أن يكون بين أعضاء الهيئة التحكيمية شكل من أشكال الإهتمام المتبادل بأفكار واتجاهات بعضهم البعض لتجنب الوصول إلى يوم لا توجد فيه أكثرية تصدر هذا القرار، وهنا من النادر معرفة موقف أعضاء الهيئة من أحد الأعضاء الذي يسعى إلى الوقوف – عشوائياً – إلى جانب الطرف الذي سماه عضواً في الهيئة. ومن هنا يمكن القول أن الفريق في النزاع الذي يسمي محكمه دون الأخذ بعين الإعتبار محيطه وشخصيته ووجهة نظره العامة، لا يمكن أن يعمل حتى لمصلحته في الحصول على قرار تحكيمي نهائي صحيح قابل للتنفيذ في البلد المعني بذلك؛ وهذا يقود إلى الإعتقاد أن شخصية رئيس الهيئة تلعب دوراً مهماً في (المداولة – النفسية) بينه وبين العضوين الآخرين، بحيث يعرض أفكاراً ويطرح أسئلة من شأنها المساعدة على الوصول إلى النتيجة الصحيحة المرتجاة؛ كل ذلك من منطلق ما يعتبره – بحكم موقعه – صحيحاً ومنصفاً وعادلا؛ إلى كونه قانونيا في حل النزاع بمختلف مراحل الحل.

الخاتمة:

   إن ما صار العرض له بإيجاز لجهة كيفية صنع القرار التحكيمي يبدو برهانا مثبتا إلى حد كبير على مدى الطبيعة شبه القضائية للعملية التحكيمية واقترابها شيئا فشيئا للحلول محل المحاكم الرسمية دفعاً لنشاط العمل التحكيمي في المنازعات ذات الطابع التجاري الدولي، والتي لا تحتمل التأخير في حلها بالنظر الى موضوع مجموع الأموال الكبيرة المتنازع عليها بين فرقاء عالم الأعمال والإستثمار، وهو آخذ في الإتساع والنمو الهائل؛ الأمر الذي أمسى واقعاً حقيقياً لا خلاف عليه.