الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / تعريف التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 24 / الطعن في حكم المحكمين وفق قانون التحكيم السوري والمقارن

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 24
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    259

التفاصيل طباعة نسخ

    إذا كان نظام الطعن في أحكام القضاء قد وصل إلى درجة متقدمة من الاستقرار بعد أن وضحت الأسس التي يقوم عليها واستقطب ما لا يحصى من الأبحاث، فإن دراسة نظام الطعن في قرارات المحكمين لم تجتز بعد مرحلة الاستقرار، رغم أن المجتمع البشري عرف التحكيم كوسيلة لحل المنازعات قبل أن يعرف القضاء.

أحكام المحكمين القابلة للطعن:

    1- لا تقبل القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف المدنية التي يتم التحكيم ضمن دائرة اختصاصها بتسمية المحكمين وفق المادة /14/ من قانون التحكيم رقم /4/ لعام 2008، أي طريق من طرق الطعن. أما القرارات التي تصدر برد طلب تسمية المحكمين فتقبل الطعن فيها أمام محكمة النقض خلال /30/ يوماً التالية لتبليغ القرار إلى مقدم الطلب، وتبت محكمة النقض الطعن خلال /30/ يوماً من تاريخ وصول الملف إليها.

2- إن الأحكام التي تصدر عن هيئة التحكيم بمقتضى المادة /21/ من قانون التحكيم في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها، بما في ذلك الدفوع المتعلقة بعدم وجود اتفاق على التحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو بعدم شموله موضوع النزاع سواء صدر الحكم على وجه الانفراد، أم تم ضمه إلى الحكم النهائي، لا يقبل الطعن على وجه الانفراد، ولكن من رفضت دفوعه يحق له أن يتمسك بها عن طريق رفع دعوى بطلان التحكيم وفق المادة /51/ من القانون المذكور.

3- بمقتضى المادة /49/ من قانون التحكيم المنوه عنه تصدر أحكام هذا القانون مبرمة غير خاضعة لأي طريق من طرق الطعن، ومع ذلك يجوز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم.

4- بمقتضى المادة /52/ من قانون التحكيم يقبل حكم محكمة الاستئناف الناظرة في دعوى البطلان، الطعن أمام محكمة النقض خلال /30/ يوماً التالية لتبليغ الحكم إلى المحكوم عليه. وتبت محكمة النقض الطعن في القرار الصادر بإبطال حكم التحكيم خلال مدة /90/ يوماً من تاريخ وصول ملف الدعوى إليها.

    أما قرار رفـض دعوى البطلان فالقانون لم يتطرق اليها. ونرى أنه كان من الأفضل أن يقبل الطعن أيضاً في هذه الحالة حتى تكون هناك مساواة في كلا الحالتين، وذلك أقرب الى العدالة.

   وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن التنازل عن دعوى البطلان قبل صدور حكم التحكيم ليس له أثر قانوني، ولا يحول دون إقامة دعوى البطلان بعد صدور حكم التحكيم. وإن كانت هيئة التحكيم مفوضة بالصلح، أما التنازل عن دعوى البطلان بعد صدور حكم التحكيم فجائز ومنتج لآثاره القانونية.

    من جانب آخر، نجد أنه ليس هناك نصوص خاصة يتعين اتباعها بشأن الطعن في أحكام المحكمين الصادرة في قضايا النزاعات الإدارية... وبالتالي تطبق القواعد العامة المنصوص عنها في قانون أصول المحاكمات عملاً بالمادة /3/ من قانون مجلس الدولة، حيث نصت المادة /532/ أصول (الملغاة في قانون التحكيم الجديد) على ما يلي:

  «1- يجوز استئناف الأحكام الصادرة عن المحكمين طبقاً للقواعد والمهل المقررة لاستئناف الأحكام الصادرة عن المحاكم، ولا تقبل الاستئناف إذا كان المحكمون مفوضين بالصلح أو كانوا محكمين في الاستئناف، أو إذا كان الخصوم قد تنازلوا صراحة عن حق الاستئناف أو إذا كان موضوع أو قيمة النزاع الجاري بشأنه التحكيم مما يفصل فيه بحكم غير قابل للاستئناف.

    2- يرفع الاستئناف إلى المحكمة التي تختص بنظره فيما لو كان النزاع قد صدر فيه حكم ابتدائي من المحكمة المختصة.

    3- لا يقبل الحكم الصادر عن محكمة الاستئناف الطعن بطريق النقض».

  وعلى ضوء ذلك، فإن حكم المحكمين يصدر قابلاً للاستئناف طبقاً للقواعد والمهل المقررة لاستئناف أحكام المحكمين.

    ولا تستطيع الإدارات العامة تنفيذ حكم المحكمين إلا بعد استيفاء شرط قضائي وشرط استشاري، وهما: إعطاء صيغة التنفيذ من قبل رئيس محكمة القضاء الإداري، وإقرار حكم المحكمين من قبل اللجنة المختصة في القسم الاستشاري بمجلس الدولة.

    وقد حكم أن مشارطة الطرفين في صك التحكيم أن تكون قرارات لجنة التحكيم ملزمة وغير قابلة للمراجعة أو لدعوى الإبطال هو تنازل صريح عن حقهما في الطعن بالقرارات التي تصدرها لجنة التحكيم بخصوص خلافاتهما، وفي هذه الحالة، إذا لم يكن في الإجراءات التي اتبعتها لجنة التحكيم وفصلت فيها ما يخالف النظام العام أو ما يخرج من دائرة النزاع المطلوب فضه عن طريق التحكيم أو ما يجاوز المدة الضرورية لإنجاز مهمة التحكيم بشكل فاضح فيعتبر باب الطعن مغلقا في وجه الطرفين.

    أما بالنسبة الى الطعن بقرار رئيس محكمة القضاء الإداري المتعلق بطلب إكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ: فإن قرار رئيس محكمة القضاء الإداري بإعطاء حكم المحكمين صيغة التنفيذ أو رفض ذلك يخضع للطعن أمام المحكمة الإدارية العليا.

    كما حكم بأن القرارات التي تصدر عن رئيس محكمة القضاء الإداري بإعطاء أو رفض إعطاء أحكام المحكمين صيغة التنفيذ، تقبل الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا بوصفها مرجعاً للطعن المنصب على هذه القرارات التي تتسم بطابع الاستعجال تطبيقاً للمادة /229/ من قانون أصول المحاكمات؟. وإن دور رئيس محكمة القضاء الإداري في إعطاء أو رفض إعطاء صيغة التنفيذ يقتصر على مراقبة إجراءات التحكيم والتحقق من وجود مشارطة التحكيم وحضور الأطراف المعنية، ولا يتعدى ذلك إلى الدخول في مناقشة موضوع الخلاف المعروض هو الذي اختصاص لجنة التحكيم حصراً.

    وفي هذا الصدد، فإن قرار رئيس محكمة القضاء الإداري، بصفته قاضياً للأمور المستعجلة، مهلة الطعن في قراره يجب أن تكون هي ذاتها المتعلقة بالطعن في القضايا المستعجلة، وهي خمسة أيام سنداً لأحكام المادة /229/ من قانون أصول المحاكمات، إلا أن مجلس الدولة السوري وحرصاً منه على إعمال الأصول النافذة لديه جعل الطعن بطلب إلغاء القرار الصادر عن رئيس القضاء الإداري بإكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ، خاضعاً للمواعيد المحددة للطعن بالأحكام الصادرة عن القضاء الإداري ومدتها ستون يوماً من تاريخ صدورها".

    ولا بد من التنويه أنه ورد في المادة /52/ من قانون التحكيم المصري

   «1- لا تقبل أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً لأحكام هذا القانون الطعن فيها بأي طريق من أنه: طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجارية.

    2- يجوز رفع دعوى بطلان حكم التحكيم ...».

    وذلك عكس الاجتهاد السائد لدى المحكمة الإدارية العليا في مجلس الدولة السوري.

    وإني أرى أنه ينبغي أن يكون حكم الهيئة التحكيمية قطعياً وملزماً، ولا يحتاج تنفيذه إلا إلى إكسائه صيغة التنفيذ من قبل رئيس المحكمة المختصة أصلاً في نظر النزاع مع إمكانية إقامة دعوى بطلان حكم التحكيم في حال توافرت حالات البطلان المقررة. وذلك وفق ما نصت عليه المادتان /49 و 50/ من قانون التحكيم السوري الجديد.

    وحكم في فرنسا بأن التنازل عن الطعن في حكم المحكمين يسري على كل طرق الطعن حتى التماس إعادة النظر، فيما عدا الغش وأحوال التدليس.

     والأحوال التي يهدر فيها الحكم قاعدة متعلقة بالنظام العام كإهدار حق الدفاع. وبرفع الالتماس إلى المحكمة التي كانت من اختصاصها أصلاً نظر الدعوى (المادة 2/511) مع مراعاة شروط الالتماس والإجراءات المعتادة في رفعه، ولا يجوز استئناف الحكم الصادر في الطعن بالتماس إعادة النظر، لأن الاستئناف وهو طريق طعن عادي لا يقبل بعد ولوج طريق طعن غير عادي وهو التماس إعادة النظر، ويجوز الطعن في الحكم الصادر في التماس إعادة النظر بشرط أن تتوافر الشروط العامة للطعن في فرنسا بالنسبة لحكم المحكمين من تاريخ إعلانه، وفقاً للأصل العام المقر في التشريع.

 

دعوى بطلان حكم التحكيم

أ) طبيعة الطعن بالبطلان لأحكامه:

    يرمي الطعن بالبطلان إلى إبطال حكم المحكمين، وليس التثبت من بطلانه أو انعدامه فمثل هذا الطعن هو درب من دروب النقض، وتأكد ذلك بطريقة إيجابية في بعض النظم، كالقانون السويسري، حيث يفرض على المحكمة التي تقرر البطلان إحالة الحكم إلى محكمة التحكيم التي أصدرته، وليس لها سلطة الفصل فيه أو إصلاحه أو تعديله أو تكملته، وترتيباً على ذلك إذا قضت محكمة الطعن بعدم اختصاصها فإنها تقتصر على تقرير ذلك دون أن تحيله إلى محكمة التحكيم بقصد تعديل حكمها إلى هذا المعنى.

    ويبدو أن الطعن بالبطلان يتمتع ببعض خصائص الطعن بالنقض، حيث إنه في قانون التحكيم السوري رقم /4/ لعام 2008، لا يترتب على مجرد رفع دعوى البطلان وقف تنفيذ حكم التحكيم، ومع ذلك يجوز للمحكمة أن تقرر في غرفة المذاكرة وقف التنفيذ لمدة أقصاها (60) يوماً إذا طلب المدعي العام ذلك في صحيفة الدعوى، وكان يخشى من التنفيذ وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه، ويجوز للمحكمة أن تلزم المدعي بتقديم كفالة مالية تضمن لخصمه أضرار وقف التنفيذ إذا قضت برد الدعوى /م55 تحكيم/، ويرجع ذلك إلى أن المشرع نص على عدم جواز الطعن في أحكام المحكمين بأي طريق من طرق الطعن المقررة قانوناً (م 49 من قانون التحكيم السوري).

    وإن دعوى البطلان ليست طريقاً من طرق الطعن المقررة للأعمال القضائية، وإنما هي الطريق الطبيعي للطعن في الأعمال القانونية كالعقود والتصرفات القانونية.

    كما أن دعوى البطلان شأنها شأن أي دعوى يجب أن تتوافر لها شروط قبولها، وهي المصلحة والصفة، وأن تنتفي بالنسبة لها الموانع التي تمنع من نظرها كسقوطها بالتقادم.

    وتختلف التشريعات في بيان أوجه الطعن بالبطلان، ففي بعض التشريعات كالتشريع الإنكليزي لا يحدد أسباباً محددة للطعن بالبطلان، كما هو حال قوانين التحكيم في سوريا ومصر وفرنسا. :

ب) أسباب البطلان التي نصت عليها المادة 1/50 من قانون التحكيم السوري رقـم /4/ لـعـام 2008 :

    * 1- لا تقبل دعوى بطلان حكم التحكيم، إلا في الأحوال الآتية:

شرح حالات البطلان التي نص عليها قانون التحكيم الجديد :

مقدمة:

    يتضح من النص المشار إليه أن حالات الطعن بالبطلان هي حالات محددة حصراً فلا يجوز القياس عليها. وتبقى دعوى البطلان جائزة حتى لو اتفق طرفا النزاع قبل صدور الحكم على غير ذلك، أي على أن الحكم الذي سيصدر هو حكم قطعي غير قابل لأي طريق من طرق الطعن. ولكن إذا كان الحكم مخالفاً للنظام العام، فإنه يتوجب على المحكمة المختصة عدم تنفيذ الحكم.

    والواقع فإنه تتفق قوانين معظم الدول على تقسيم أسباب البطلان إلى قسمين:

    الأول - أسباب لابد أن يثيرها الطاعن حتى تتصدى لها المحكمة.

    الثاني- أسباب تثيرها المحكمة من تلقاء نفسها، وهي حالة وحيدة تتعلق بمخالفة النظام. ويدخل ضمنها كون موضوع النزاع من المسائل التي لا يجوز التحكيم فيها. ولا شك أن المشرع قد قصد من تحديد حالات البطلان حماية أحكام التحكيم، بحيث لا يجوز إبطالها، إلا في حالات محددة وواضحة يتصف فيها العيب الذي يشوب الحكم بجسامة بالغة تبرر إبطاله.

    الحالة الأولى: إذا لم يوجـد اتفـاق تحكيـم أو كان هذا الاتفاق بـاطلاً أو سـقط بأنتهـاء مدته.  

    تتضمن هذه الحالة عدداً من الأسباب التي تؤدي في حال تحقق أي منها إلى بطلان التحكيم هي جميعاً تتعلق باتفاق التحكيم، سواء كان اتفاق التحكيم بصورة اتفاق مستقل أو كان مجرد شرط من شروط العقد الأصلي.

     إن الأساس الذي يقوم عليه التحكيم هو الاتفاق، فإذا بطل أو فقد الأساس الذي بني عليه التحكيم بطل تبعاً لذلك التحكيم نفسه. وكذلك الحال إذا كان اتفاق التحكيم باطلاً بسبب عيب من عيوب الإرادة كالغلط والإكراه والتدليس، لأن بطلان اتفاق التحكيم بمنزلة عدم وجوده أصلاً.

    فاتفاق التحكيم يكون باطلاً إذا كان غير مكتوب، أو شابه سبب من أسباب البطلان المطلق طبقاً للقواعد العامة، أو جاء مخالفاً لأحكام القانون الآمرة، كما في حالة الاتفاق على عدد غير وتر من المحكمين، كأن يكون عددهم اثنين أو أربعة، أما إذا كان اتفاق التحكيم قابلا للإبطال، أي مشوباً ببطلان نسبي فلا محل للطعن في الحكم إذا صدرت إجازة صحيحة من الطرف الذي تقرر البطلان لمصلحته. أما عن سقوط الاتفاق بانتهاء مدته، فلا محل له إذا صدر الحكم في حدود ميعاد امتد بقرار الطرفين أو المحكمين أو المحكمة.

    وكما يسقط اتفاق التحكيم بانتهاء مدته (خلاف الحالة السابقة)، فإنه ينتهي بسبب استحالة تنفيذه، فعلى سبيل المثال: إذا كان هناك ارتباط لا يقبل التجزئة بين النزاع محل التحكيم وبين نزاع آخر لا يصلح لأن يكون محلاً للتحكيم، أو لا يدخل في التحكيم، وهذا النزاع مطروح للقضاء. ففي هذه الحالة يستحيل الفصل في موضوع النزاع المطروح على التحكيم، وبالتالي يجعل القضاء هو المختص في كل النزاع. ومع ذلك يبقى اتفاق التحكيم قائماً بين الطرفين في ما يتعلق بالنزاعات الأخرى بموضوع النزاعات الحالية.

    الحالة الثانية: إذا كان أحد طرفي اتفاق التحكيم وقت إبرامه فاقداً الأهلية أو ناقصها، وفقاً للقانون الذي يحكم أهليته.

    إذا كان سبب البطلان متعلقاً باتفاق التحكيم، وراجعاً إلى نقص الأهلية وقت إبرام اتفاق التحكيم، فهو بطلان نسبي بالنسبة لناقص الأهلية فلا يجوز للطرف الآخر رفع دعوى البطلان لانتفاء مصلحته15، إذ لا يتمسك بالبطلان إلا من شرع لمصلحته، ولكن نرى أن البطلان يكون مطلقاً ومتعلقاً بالنظام العام، إذا كان من أبرم اتفاق التحكيم عديم الأهلية. ويجوز التمسك به حتى من المتعاقد الآخر ولهيئة التحكيم أن تقضي به من تلقاء نفسها.

    وطبقاً للقانون المدني السوري تخضع أهلية الشخص الطبيعي للقانون المدني الذي ينتمي إليه الشخص حسب جنسيته بمقتضى المادة /12/ وتخضع أهلية الشخص الاعتباري، إذا كـان مـن الأشخاص الاعتبارية الأجنبية من شركات وجمعيات ومؤسسات وغيرها، لقانون الدولـة التـي يوجد فيها مركز إدارتها الفعلي متى كانت لا تباشر نشاطها في سورية. وهي تمتلك إبرام اتفـاق التحكيم وفقاً لهذا القانون، أما إذا كانت تباشر هذا النشاط في سـورية فيسري عليهـا القـانون السوري بصرف النظر عن وجود مركز إدارتها الرئيسي في دولة أجنبية.

   الحالة الثالثة: إذا تعذر على أحد طرفي التحكيم تقديم دفاعه بسبب عدم إعلانه إعلاناً صحيحاً بتعيين محكم أو بإجراءات التحكيم أو لأي سبب آخر خارج إرادته، المقصود بالإعلان في هذه الحالة من حالات البطلان هو التبليغ.

     وتشمل هذه الحالة طبقاً لظاهر النص كل إخلال بحق الدفاع يكون طالب البطلان قد تعرض له، كما إذا وقع ضحية إخلال بالمساواة بين الطرفين في فرص الدفاع والمواعيد، أو حرم من تقديم شهود تكون شهادتهم منتجة أو من تقديم خبير فني. وكذلك إذا كان طالب البطلان هو المدعى عليه ولكنه حرم التعقيب على دفاع المدعي خلافاً لقاعدة أن المدعى عليه هو آخر من يتكلم، وغير ذلك من الصور التي يحدث فيها إخلال بالضمانات الأساسية للتقاضي وبمبدأ المواجهة بين الطرفين.

    الحالة الرابعة: إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الأطراف على تطبيقه على موضوع النزاع.

    إن المقصود هنا هو اتفاق الأطراف صراحة على اختيار قـانون معـين لحكـم النـزاع. والمقصود بالقانون هو القانون الموضوعي، سواء أكان قانوناً وضعياً أم غير وضعي، واختيـار قانون لحل النزاع لا يقصد به الحالات التي تؤدي فيها أحكام تنازع القوانين إلى تطبيـق قـانون معين، ولكن هل تدخل ضمن نطاق هذا النص الحالات التي يقع فيها خطأ جسيم في تطبيق ذلـك القانون المختار يعادل في جسامته استبعاداً غير مباشر لتطبيق ذلك القانون؟ نجيب بالإيجاب، لأن هذا يعتبر استبعاداً غير مباشر لتطبيق ذلك القانون يعادل في أثره وخطورته استبعاده مباشرة.

   أما إذا ترك الأمر إلى هيئة التحكيم لتختار قواعد التنازع التي تراها، فهذا لا يعد اختياراً من جانب الأطـراف، وفي حالة سكوت الأطراف عن تحديـد القـانون الواجـب التطبيـق علـى الموضوع.

    فهذا ما يستخلص من أنهم عهدوا إلى هيئة التحكيم اختيار القانون الملائم والذي تراه الأكثر ارتباطا.

    الحالة الخامسة: إذا تم تشكيل هيئة التحكيم أو تعيين المحكمين على وجه مخالف لهذا القانون أو لاتفاق الطرفين.

    فلا يجوز تشكيل هيئة التحكيم من عدد ليس وتراً، وكذلك يجب أن يكون المحكم غير قاصر أو محجوزاً عليه أو محروماً من حقوقه المدنية أو مفلساً.

   كما أن حرية أطراف النزاع في اختيار المحكمين تستوجب إعمال مبدأ المساواة بينهم فالمقصود بمخالفة القانون في هذه الحالة هو مخالفة أحكامه الأمرة وحدها.

    ولكن ما الحكم إذا اشترك في إصدار الحكم محكم لم يقم بما يوجبه عليه القانون من الإفصاح عند قبوله عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول استقلاله أو حياده، وبالتالي لم يطلب رده، ثم علم الطرف الخاسر بعد صدور الحكم بتلك الظروف التي تنفي استقلال ذلك المحكم أو حياده، أو هل تعتبر هذه الهيئة في هذه الحالة مشكلة على وجه يخالف القانون بحيث يجوز إبطال الحكم؟ نجيب بالإيجاب، لأن تشكيل هيئة التحكيم من محكمين مستقلين عن الطرفين ومحايدين قاعدة أساسية من قواعد القانون، إضافة إلى أنه لا يقبل أن يؤدي إخلال ذلك المحكم بواجب الإفصاح من البداية إلى تحصين الحكم الذي شارك في إصداره دون وجه حق.

    وضمن هذا الإطار لابد من التنويه بأنه يجب أن تكون وكالة الوكيل تتضمن نصاً خاصاً بالتحكيم، وإلا اعتبر حكم المحكم باطلاً.

   الحالة السادسة: إذا فصل حكم التحكيم في مسائل لا يشملها اتفاق التحكيم أو جاوز حدود هذا الاتفاق، ومع ذلك إذا أمكن فصل أجزاء الحكم الخاصة بالمسائل الخاضعة للتحكيم عن أجزائه الخاضعة بالمسائل غير الخاصة له فلا يقع البطلان إلا على الأجزاء الأخيرة وحدها.

   على هيئة التحكيم التقيد في حدود المهمة التي كلفت بها من قبل أطراف النزاع فلا يجوز لها تجاوزها، كما لا يجوز لها أن تحكم بما لا يشمله اتفاق التحكيم، احتراماً لإرادة أطراف النزاع. وهذه الحالة في الواقع العملي من أوضح حالات البطلان وأكثرها شيوعاً.

    وقد جرى القضاء السوري على الأخذ بتفسير ضيق لشروط التحكيم، باعتبار أن التحكيم طريق استثنائي لحسم المنازعات بينما يأخذ القضاء الأمريكي على العكس بمبدأ التفسير الواسع لشروط التحكيم.

    وإذا تجاوز حكم المحكمين حدود النزاع في جزء منه، فإن البطلان يقتصر على الشق الذي تم فيه، ولا يطال حكم المحكمين إذا كان قابلا للتجزئة، وإلا أدى الأمر إلى بطلان الحكم بالكامل.

    وعندما تعرض دعوى البطلان على المحكمة للفصل في هذا السبب لها أن تتصدى لتفسير وثيقة التحكيم في ضوء وقائع النزاع، وما انصرفت إليه الإرادة المشتركة للطرفين للتحقق من حدود سلطة المحكمة وبيان مدى خروج هيئة التحكيم أو فصلها في مسألة لم تتضمنها أو لا تمت لموضوع النزاع، ولها في سبيل ذلك إعطاء الوقائع التكييف القانوني الصحيح، وبشرط التزامها الطلبات المطروحة.

   الحالة السابعة: إذا وقع بطلان في حكم التحكيم أو إذا كانت إجراءات التحكيم باطلة بطلاناً أثر في الحكم.

    إن التساؤل الذي ينشأ في هذه الحالة عن ماهية الأحوال التي يقع فيها بطـلان فـي حـكـم التحكيم، وهل يقع هذا البطلان إذا خلا الحكم من توقيع المحكمين أو أســباب الحكـم أو أسـماء المحكمين أو عناوينهم أو جنسيتهم أو ملخص لطلبات الخصوم وأقوالهم أو تاريخ ومكان إصـدار الحكم؟ وللإجابة عن ذلك نقول أنه من المفروض ألا يقع البطلان، إلا إذا كان البيـان النـاقص جوهريا، ولكن ما هو معيار التفرقة بين ما هو جوهري من البيانات، وما هو غير جوهري مـن البيانات؟ فهل تعتبر عناوين المحكمين مثلا بيانا جوهريا؟ وهل يبطل الحكم حتما إذا خـلاف صلبه من صورة اتفاق التحكيم، ومن مكان إصداره؟ وما حكم القصور في تسبيب الحكم؟ أو عدم صدور الحكم باسم الشعب العربي في سورية؟ لقد فصل القضاء السوري في ظل القانون السابق في كثير من هذه القضايا، وكان اتجاهه يميل إلى إبطال أحكام المحكمين، ولو لأسـبـاب شـكلية محضة كعدم صدور الحكم باسم الشعب العربي في سورية أو كعدم ذكر شرط التحكيم في صلب الحكم أو إغفال ذكر مكان صدور الحكم. فضلاً عن البطلان للقصور في التسبيب، إلا إذا اتفـق طرفا التحكيم على غير ذلك، أو كان القانون الواجب التطبيق على الإجراءات لا يشترط ذكـر أسباب الحكم، وذلك وفق المادة 3/42 من قانون التحكيم السوري رقم /4/ لعام 2008، أو لوقوع تناقض في الحكم، وكان يفضل أن يوضح قانون التحكيم الجديد كافة الحالات، ولكنه لـم يفعـل، وهذا الفراغ يدفع للعودة إلى القواعد العامة في قانون الأصول ونظرية بطلان الأحكام في هـذا القانون.

    وقد فرق بعض الفقهاء بين مدى تعلق هذه الأحكام بمصلحة أطراف النزاع بشكل مباشر، وبين كونها مجرد قواعد شرعت لتسهيل تنفيذ الحكم ليس أكثر، ولما كانت هذه القواعد ليس من شأنها الإضرار بأطراف النزاع أو المساس بمصالحهم؛ فإنه لا يترتب بطلان حكم التحكيم على إغفال هذه البيانات.

    الحالة الثامنة: تقضي المحكمة التي تنظر دعوى البطلان من تلقاء نفسها ببطلان حكم التحكيم إذا تضمن ما يخالف النظام في الجمهورية العربية السورية.

    تنص الفقرة الثانية من المادة /50/ من القانون الجديد على ما ورد في الحالة الثامنة وبمقتضى هذا النص يتوجب على المحكمة أن تقضي ببطلان حكم المحكمين المخالف للنظام العام حتى وإن كانت دعوى البطلان تستند في رفعها إلى سبب آخر من أسباب البطلان، وكان لا سند في القانون لهذا السبب الذي أقيمت عليه الدعوى ومن أسباب البطلان التي تتعلق بالنظام العام في سورية التالي:

   1) التجارة غير المشروعة مثل تجارة الأسلحة والمخدرات.

   2) النزاعات التي أساسها الرشوة والفساد واستغلال النفوذ.

   3) الاتفاقات بين الورثة التي تتعلق بالتركة المستقبلية.

   4) النزاع حول ما يجاوز الحد الأعلى من الفوائد القانونية.

   5) دين القمار والتعويض عن المعاشرة غير المشروعة، وكل ما يتعلق بالدعارة.

   6) الاتفاقات المتعلقة بارتكاب جرائم.

   7) الاتفاقات التي تتعلق بغسل الأموال.

    وإن مخالفة المحكم القواعد الإجرائية المتعلقة بالنظام العام لكي يمكن أن يبرر في حد ذاته إبطال حكم المحكمين.

 * 2- إذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو كان هذا الاتفاق باطلا أو سقط بانتهاء مدته:

   ولو ربطنا بين هذه الحالات، سواء في القانون السوري أو الفرنسي، وطبيعة التحكيم نجد أن بعض هذه الأسباب ترتبط بالأساس الاتفاقي.

    ولا يحول دون قبول دعوى البطلان نزول مدعي البطلان عن حقه في رفع دعوى البطلان قبل صدور حكم التحكيم، ولكن ليس هناك ما يمنعه من التنازل عن حقـه بعـد صـدوره، لأن التنازل عن الحق بعد ثبوته جائز. أما قبل ثبوته فغير جائز.

   وإذا رفعت دعوى البطلان إلى محكمة غير مختصة يتوجب عليها إحالتها إلى المحكمة المختصة شريطة أن تصل إلى المحكمة خلال مدة الثلاثين يوما التالية لتبليغ الحكم للمحكوم عليه.

   وإذا قام المحكوم عليه بتنفيذه تنفيذاً اختيارياً دون تحفظ، وكذلك إذا طلب تبليغه إلى خصمه دون تحفظ، سقط حق المحكوم له في رفع دعوى البطلان لعدم وجود موضوع لها.

   ومما لا شك فيه أن الحكم ببطلان صحيفة إبطال حكم التحكيم بسبب عدم توقيعها من قبل محام، أو ترك خصومة البطلان، أو سقوط الحق فيها بسبب رفعها بعد الميعاد القانوني، يترتب عليه عدم قبول طلب وقف التنفيذ المقدم من المدعي لتعذر بقاء هذا الطلب بشكل مستقل بسبب الارتباط القانوني للطلبين الذي يجعل العمل السابق شرطاً لصحة العمل اللاحق.

ج) أثر رفع دعوى البطلان على تنفيذ حكم التحكيم:

   لا يترتب على رفع دعوى البطلان وقف التنفيذ (م55) وبذلك فإن المشرع عالج المشكلة الرئيسية التي أدت إلى شل فاعلية التحكيم والانصراف عنه، لأن رفع دعوى البطلان كان لها أثر الإشكال الأول في التنفيذ. وكان المحكوم عليه يبادر إلى رفع البطلان حتى يتوقف التنفيذ، وذلك في كثير من الدول التي كانت تأخذ بدعوى البطلان، وإن لم تكن هذه المشكلة موجودة في سورية في ظل القانون القديم، لأن دعوى البطلان لم ترد في المواد الخاصة للتحكيم ضمن قانون الأصول.

    ولما كانت هناك حالات تستدعي وقف التنفيذ، فإن المشرع أجاز وقف التنفيذ إذا طلب المدعي ذلك في صحيفة الدعوى، وكان الطلب مبنياً على أسباب جديدة، كأن يخشى من التنفيذ وقوع ضرر جسيم يتعذر تداركه، ويجوز للمحكمة أن تلزم المدعي بتقديم كفالة مالية تضمن لخصمه أضرار وقف التنفيذ إذا قضت برد الدعوى، وإذا أمرت بوقف التنفيذ كان عليها الفصل في موضوع البطلان خلال مدة (90) يوماً تبدأ من تاريخ اكتمال الخصومة.

د) ميعاد رفع دعوى بطلان حكم التحكيم وإجراءاتها:

   تنص المادة /51/ من قانون التحكيم السوري رقم /4/ لعام 2008 على التالي:

   1- ترفع دعوى بطلان حكم التحكيم خلال مدة (30) يوماً التالية لتاريخ تبليغ حكم التحكيم للمحكوم عليه ولا يحول دون قبول دعوى البطلان نزول مدعي البطلان عن حقه في رفعها قبل صدور حكم التحكيم.

   2- تختص بنظر دعوى البطلان في التحكيم المحكمة المعرفة في المادة (3) من هذا القانون.

  3- تفصل المحكمة في دعوى البطلان خلال مدة (90) يوماً تبدأ من تاريخ الخصومة.

  4- إذا قررت المحكمة رد دعوى البطلان فإن قرارها يقوم مقام إكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ.

ميعاد رفع الدعوى وإجراءاتها:

    حدد قانون التحكيم الجديد مهلة رفع دعوى البطلان بتسعين يوماً، وتبدأ هذه المهلة من اليوم التالي لتاريخ تبليغ حكم التحكيم. ويتم هذا الإعلان على يد محضر وفقاً للقواعد العامة لإعلان أوراق المحضرين، وتقبل دعوى البطلان ولو نزل المدعي عن حقه في الطعن في حكم التحكيم. إن دعوى البطلان لا تعتبر طريقا للطعن بالمعنى الصحيح، ومن جهة أخرى، فإنه إذا نزل الخصم عن حقه في دعوى البطلان قبل صدور حكم التحكيم، فإن هذا النزول لا يحول دون قبول دعواه.

    ذلك لأن الحق في دعوى البطلان لا ينشأ، إلا بصدور حكم التحكيم، وليس لأحد النزول عن حق قبل نشأته له.

المحكمة المختصة:

     تختص بنظر دعوى البطلان محكمة الاستئناف التي يجري ضمن دائرتها التحكيم ما لم يتفق الطرفان على اختصاص محكمة استئناف أخرى في سورية.

    وبهذا خالف المشرع القاعدة العامة في الاختصاص التي تقضي باختصاص محاكم الدرجة الأولى بالدعاوى التي ترفع ابتداء. وقد كان هدف المشرع من ذلك حرصه على سر عة الفصل في دعوى البطلان، فضلاً عن أن الأمر يتعلق بصحة أو بطلان حكم، فمن المناسب طرحها على محكمة أعلى من الدرجة الأولى باعتبار أنها الأقدر في تقييم حالات دعوى البطلان.

المدة المتوجبة لبت دعوى البطلان:

    أوجب المشرع على المحكمة المختصة أن تفصل دعوى البطلان المنظورة أمامها خلال مدة تسعين يوماً تبدأ من تاريخ اكتمال الخصومة، والباعث الذي انطلق منه المشرع السوري لتحديد المدة هو عدم إطالة أمد دعاوى البطلان، مما يفقد التحكيم أهم مرتكزاته وهو سرعة بت قضايا التحكيم. وهذه ميزة إيجابية تميز بها قانون التحكيم السوري عن غيره من قوانين الدول العربية، فإذا رفعت دعوى البطلان بعد انقضاء تلك المدة ترد الدعوى شكلاً، وهي مسألة من النظام العام، يجوز للمحكمة أن تثيرها من تلقاء نفسها حتى لو لم يثرها المطعون ضده، إضافة إلى ميزة أخرى، وهي أن الفقرة الرابعة من هذه المادة جعلت قرار المحكمة برد دعوى البطلان تقوم مقام إكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ.

مادة /52/:

  1- يقبل قرار المحكمة بإبطال حكم التحكيم الطعن أمام محكمة النقض خلال مدة (30) يوماً التالية لتبليغ الحكم.

  2- تبت محكمة النقض القرار الصادر بإبطال حكم التحكيم خلال مدة (90) يوماً من تاريخ وصول ملف الدعوى إليها.

  - وهذا النص لا مجال لتطبيقه أمام مجلس الدولة، لأنه لا يوجد في مجلس الدولة محكمة للنقض.

الأصول الإجرائية للتحكيم الإداري في سورية

تمهيد :

    لم يطبق مجلس الدولة قانون التحكيم رقم /4/ لعام 2008، تأسيساً على أن التحكيم في منازعات العقود الإدارية تبقى خاضعة لأحكام المادة /66/ من نظام العقود رقم /51/ دون الأخذ بعين الاعتبار أن مواد قانون أصول المحاكمات التي تنص على التحكيم قد ألغيت بصدور قانون التحكيم الجديد، وحلت محلها أحكام خاصة نظمت بموجب المادة /64/ من التحكيم وإجراءاته. وإن تطبيق التحكيم على العقود الإدارية لا يتعارض ونص المادة 2/2 من قانون التحكيم، ولقد تم تخصيص هذا المبحث لدراسة الأصول الإجرائية للتحكيم في سوريا، نظراً لأهميته العملية، والتي دأب مجلس الدولة السوري على تطبيقها منذ عشرات السنين، كما تم فيه التطرق إلى طرق المراجعة بقرار إعطاء الصيغة التنفيذية في القانون السوري.

    ومن الواضح أن هناك فروقاً جوهرية بين التحكيم في القانون الخاص وبين التحكيم في القانون الإداري. ومن الطبيعي أن هذه الفروق لا بد من أن تجر معها فروقاً في الإجراءات، بحيث يمكن إنشاء نظرية عامة في التحكيم في القانون الإداري، لا غنى عن الإفصاح عنها وتحليل مضمونها لكي يأتي البحث في الإجراءات بالشكل المرضي.

   الاستثناء الذي أوجدته الفقرة الثانية من المادة الثانية شكل وضعاً شاذاً:

    لا شك في أن ما تضمنته الفقرة الثانية من المادة الثانية من قانون التحكيم الجديد التي نصت على أن «يبقى التحكيم في منازعات العقود الإدارية خاضعاً لأحكام المادة /66/ من نظام العقود الصادر بالقانون رقم /51/ تاريخ 2004/12/9»، يخالف توجهات الدولة في جلب الاستثمارات العربية والأجنبية، إضافة إلى أن ذلك يتعارض ومفهوم التحكيم الاختياري ليقترب من التحكيم مجلة التحكيم الإجباري، وتوضيح الآثار السلبية لذلك لا بد من التعرض لما نصت عليه المادة /66/ من نظام العقود الصادر بالقانون رقم /51/ تاريخ 2004/12/9.

تنص الفقرة /ت/ من المادة المذكورة على التالي:

    «يجوز أن ينص في دفاتر الشروط الخاصة والعقد على اللجوء إلى التحكيم، وفقاً للأصول المتبعة أمام القضاء الإداري، وتتشكل لجنة التحكيم برئاسة مستشار من مجلس الدولة يسميه رئيس مجلس الدولة وعضوين تختار أحدهما الجهة العامة ويختار المتعهد العضو الآخر».

كما نصت الفقرة (ج) من المادة نفسها على أنه:

   «يمكن أن ينص في العقود الخارجية بموافقة الوزير المختص بالذات على جهة تحكيمية خاصة خلافاً لأحكام البند (ب)».

    وبما أن النظام الجديد أصبح مطبقاً على كل الجهات العامة في الجمهورية العربية السورية، فإنه يمكن القول أن نظام التحكيم في العقود الإدارية أصبح واحداً النسبة لكل عقود الجهات العامة دون تفريق بين جهات ذات طابع إداري أو ذات طابع اقتصادي.

    والواقع فإن المادة /66/ ميزت بين هيئتين تحكيميتين لبت الخلافات، الأولى أطلق عليها اسم "لجنة التحكيم"، ويمكن أن ينص على تشكيلها في كافة العقود سواء أكانت داخلية أو خارجية. والثانية سماها "لجنة التحكيم الخاصة" ولا يمكن أن ينص على تشكليها أمام القضاء الإداري .

   وسواء أكان العقد الإداري داخلياً أو خارجياً، فإن التشريع السوري هو المرجع الوحيد أمام المحكمين لبت كل ما يتعلق بصحة العقد وبطلانه وفسخه وتفسير أحكامه، وفي كل نزاع ينشأ نتيجة تنفيذه، ويأتي ضمن هذا التشريع قانون العقود رقم /51/ لعام 2004، ودفتر الشروط العامة بالمرسوم رقم /450/ تاریخ /2004/12/9، وصلك إحداث الجهة العامة المتعاقدة والقانون الذي صدر بالاستناد إليه والسلطة الوصائية عليها ومراجع التصديق على العقود....الخ.

- المشكلة القائمة في الفقرة الثانية من المادة الثانية:

    إن هذا الاستثناء الوارد في قانون التحكيم السوري الجديد أوجد مشكلة حقيقية في توجهات الدولة للنهوض الاقتصادي على كافة المجالات من خلال تحقيق الإطار القانوني السليم في نمو الاستثمارات الوافدة.

- إن السلبيات الناشئة عن وجود هذا النص تتمثل في ما يلي:

   1)- تعارض هذا النص مع التحكيم الاختياري، فالأسلوب الذي ورد فيه الاستثناء يصبغ على التحكيم في العقود الإدارية نوعا من التحكيم الإلزامي.

   2)- ألزمت المادة /66/ أن تكون رئاسة لجنة التحكيم حصراً لمستشار من مجلس الدولة يسميه رئيس المجلس وعضوين آخرين تختار أحدهما الجهة العامة ويختار المتعهد العضو الآخر. إن ذلك يتعارض مع خطة الدولة لاستقدام الاستثمارات الخارجية.

  3)- لقد ألغى المشرع المواد من (506-534) المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات، مما جعلها معدومة، وبالتالي فمن غير المستساغ العمل بموجبها في التحكيم الإداري.

4)- ارتقى المشرع بالتحكيم في القضايا المدنية بموجب قانون التحكيم فليس من المنطق أن يبقى التحكيم في العقود الإدارية دون هذا الارتقاء، والمثال على ذلك، أن إجراءات التحكيم كانت تتم أمام المحكمة المختصة في أصل النزاع والتحكيم على درجة مماثلة لها، فليس من المنطق أن تشرف على التحكيم، مما جعل المشرع يخضعها لمحكمة الاستئناف، وهي أعلى درجة من المحكمة المختصة في أصل النزاع. وهذا ما يجب أن يتم أمام مجلس الدولة. أي أن تصبح المحكمة الإدارية العليا هي المرجع في قضايا التحكيم، بدل محكمة القضاء الإداري .

5)- إن القانون الجديد هو أقرب لتحقيق العدالة من قانون أصول المحاكمات في مجال التحكيم، وهو مستمد من قواعد التحكيم التي أقرتها لجنة الأمم المتحدة، والتي أصبحت موحدة لدى أغلب دول العالم.

6)- إن آلية التحكيم التي تتم في مجلس الدولة بواقعها الحالي غير موجودة في جميع الدول العربية التي تتبع النظام اللاتيني، ولا بد من إعادة النظر فيها حتى تنسجم مع العدالة وتطورات قوانين التحكيم على الساحة الدولية.

المطلب الأول: الرؤيا القانونية الخاصة لمجلس الدولة السوري بالنسبة إلى التحكيم:

    لا ريب أن التحكيم ولاية قضائية بكل ما للكلمة من معنى، ولكن بينما الولاية القضائية العادية تقوم على إلزام المتقاضين إلزاماً يتناول عدم الالتفات إلى رضائهم بحكم القاضي أو عدم رضائهم به. كما تقوم على عصمة القاضي عن عزل المتقاضين له وامتداد الحكم على المتقاضي على ورثته في الدعوى التي حكم بها، إذا بالتحكيم في القانون الإداري يقوم على النقيض من ذلك تماماً، فالمحكم لا عصمة له من العزل، وامتداد آثار الحكم، إنما يسري في قسم من الحالات.

    وفي المقابل، فإنه بينما يمتد حكم القضاء إلى فروع الدعوى، يقتصر حكم المحكمين على النزاع موضوع الصك. لهذا يصح القول بأن القضاء ولاية قضائية ممتدة أفقياً، وأن التحكيم ولاية قضائية ممتدة بصورة عامودية.

أولاً- الولاية القضائية ذات الامتداد العامودي:

    تتجلى هذه الولاية القضائية الواضحة في صلاحية لجنة التحكيم في تجاوز قواعد الاختصاص النوعي، فهي قادرة على اتخاذ تدابير منوعة لو أن القضاء العدلي كان ينظر في الدعوى لاستلزم الأمر أن تقوم أكثر من محكمة في اتخاذ هذه التدابير، كتجميد المال ووقف التنفيذ ووصف الحالة الراهنة كل هذا دفعة واحدة.

   لهذا امتنعت اللجنة المختصة عن إبداء الرأي في هذه التدابير عندما تكون لجنة التحكيم واضعة اليد على القضية.

    وإذا كانت اللجنة، بنص في شرط التحكيم، معفاة من التقيد بضوابط الشكل والأساس، استطاعت أن تعتبر أحد الطرفين معفى من اتباع تلك الطرق التي نص عليها قانون من القوانين الخاصة أو العامة أو مراعاة المهل التي نص عليها. مثال ذلك: لو أن العقد الإداري نص على شرط إلزام المتعهد لدى الإدارة العامة على تقديم طلب في حينه إذا أراد المطالبة بقيمة الأعمال الإضافية تحت طائلة اعتبارها غير جديرة بالاستجابة، لكان للجنة التحكيم الحق في عدم التقيد بهذا الشرط لحل النزاع، إلا أن هناك خلافاً في الآراء، فبعضهم يحصر حق الإعفاء في تقديم الطلبات إلى اللجنة من بعد أن تتولى التحكيم، والبعض الآخر يطلقه لكي يشمل الطلبات التي كان على المتعهد أن يقدمها الى الإدارة للتعويض عليه أثناء تنفيذ العقد، وقبل تولي لجنة التحكيم، ومنهم أيضاً من يفسر ضوابط الشكل والأساس هنا بالضوابط المنصوص عليها في قانون أصول المحاكمات مثل تبليغ الطرفين موعد الكشف الذي تزمع اللجنة إجراءه لوصف حالة راهنة مثلاً.

    ورأينا في الموضوع أن المطلق يجري على إطلاقه، فيشمل عدم التقيد بضوابط العقد الإداري وقواعد الأصول التي ليست من النظام العام فقط دون تلك التي تعتبر منه مثل تحليف اليمين.

   ويرى الفقيه الدكتور عبد الإله الخاني إن ساحة التحكيم الأفقية ضيقة جدا، ذلك أن اللجنة لن تستطيع أن تنظر إلا في حدود النزاع الذي فوضت بحله دون غيره، أما القضاء فينظر في النزاع برمته  مع ملحقاته وفروعه والطلبات العارضة له. لهذا قيل إنه في مجال القانون الإداري لا تسري في التحكيم ما يسمى قاعدة: قاضي الأصل هو قاضي الفرع.

   هنا يبدو فارق مميز آخر بين التحكيم في ظل القانون الخاص وهذا التحكيم في ظل القانون الإداري، ففي ظل الأول تقاس حدود النزاع بما اتفقت إرادة الطرفين على تفويضه لأمر المحكمين. بينما في ظل الثاني، هناك رقيب على هذه الإرادة هو اللجنة المختصة في مجلس الدولة.

ثانياً- نقطة انطلاقة التحكيم:

    ضمن أصول التحكيم يحسن أن نبحث كيف يبدأ التحكيم أو بالأحرى تحريك التحكيم، وبهذا الصدد فإن التحكيم ينقسم إلى إداري وقضائي:

    أ- التحكيم الإداري: ويقصد به التحكيم الطوعي المتفق عليه بين الطرفين والمتفق بينهما على إجرائه بالرضى، حيث يكون العقد أو دفتر الشروط بين المتعهد والإدارة قد تضمن شرطاً صريحاً بالتحكيم، يتعهد كل من الطرفين بموجبه بأن يحل أي نزاع ينشأ بينه وبين الطرف الآخر عن طريق المحكمين.

    عندما ينشأ مثل هذا النزاع ويتعذر تسويته ودياً ورضائياً، يتقدم غالباً المتعهد إلى السيد رئيس مجلس الدولة بعريضة طالباً تسمية رئيس لجنة التحكيم، إذ غالباً ما ينص دفتر الشروط على صلاحية هذا المرجع لتعيين المحكم الثالث، عندئذ يغدو على رئيس مجلس الدولة مهمة تبليغ الإدارة صورة عن هذه العريضة يطلب فيها منها بيان رأيها في الطلب حتى إذا كان إيجابياً يكلف الإدارة بأمرين: الأول أن تسمي محكمها، والثاني أن توافيه بملف النزاع كاملاً بما فيه من عقد أو ملاحق عقد ودفتر شروط وكشوف مؤقتة وكشف نهائي وضبط استلام مؤقت ونهائي الخ إذا ما نفذت الإدارة هذا التكليف يصدر رئيس المجلس قراراً بتسمية رئيس لجنة التحكيم يبلغه إلى الطرفين، وتبدأ أولى مراحل التحكيم الإداري، ثم المراحل الباقية بالتتابع بعد تسليم المحكمين المهمة.

   ب- التحكيم القضائي: إذا ما تبلغت الإدارة تكليف رئيس مجلس الدولة بتسمية محكمها وامتنعت عن السير في طريق التحكيم لتسوية النزاع، يبلغ رئيس المجلس طالب التحكيم رفض الإدارة هذا، ويكون معنى ذلك أن طريق التحكيم الإداري مغلق في وجهه، ويكون عليه إذا أراد متابعة طريق التحكيم أن يطرق باب القضاء لمداعاة الإدارة والاستحصال على حكم قضائي مكتسب الدرجة القطعية بإلزامها بحل النزاع بطريق التحكيم، وغالبا ما تصدر الفقرة الحكمية في القضية بهذه الصورة:

   1- قبول الدعوى شكلاً.

   2- قبول الدعوى موضوعاً وتسمية (فلان) محكماً عن الإدارة وتثبيـت تـسمية المتعهـد لـ (فلان) محكماً عنه.

   3- تسطير كتاب إلى السيد رئيس مجلس الدولة لتسمية رئيس لجنة التحكيم.

   4- ترك الأمر، أمر بت النزاع إلى لجنة التحكيم المشكلة لهذه الغاية.

   5- إعادة ما سلفه المدعي من رسوم وما تجشمه من مصروفات إليه.

    حتى إذا ما سمي رئيس مجلس الدولة رئيساً للجنة التحكيم، سار هذا التحكيم سيره الطبيعي على يد لجنة التحكيم

   فإذا ما اتفقت إرادة الطرفين على تحديد النزاع، لم يصبح هذا التحديد نهائياً ما لم تجزه اللجنة المختصة في قسم الفتوى والتشريع . فقد تجيز جزء منه وقد لا تجيزه البتة. ويجب على لجنة التحكيم أن تنقيد بما أجيز من قبل هذه اللجنة، فلا تتعدى في مهمتها ما قد رسمته، وإلا بطل حكمها كله .

 ثالثاً- الحرية ضمن التقييد:

    يقول الدكتور عبد الإله الخاني: حقاً إنها لحرية ضمن حدود التقييد، حدود مقيدة أن يكون للجنة التحكيم الحق في أن تتصرف بموضوع النزاع، من حيث الأساس، كما يحلو لها، وكما تراه مع روح الإنصاف، دون أن يكون لأي طرف، حتى ولا للمحكمة التي تعطى صيغة التنفيذ أن تنعي عليها تقديرها هذا.

   إذن فالطعن في حكم المحكمين ينصب على مخالفة الإجراءات فقط، فهو إلى حد ما طعن في الشكل. وهنا يكمن سر النظرية العامة في التحكيم الإداري.

    ولعل الحرية تتجلى أكثر ما يكون في الصلح في التحكيم ويجب أن ينص في شرط التحكيم على أن المحكمين يصبحون في مهمتهم معفيين من ضوابط الشكل والأساس بمجرد النص على تفويضهم بالصلح، كما يغدو الطرفان ملزمين بقبول قرار المحكمين دون أن يكون لهما أي حق في الطعن في الحكم ولو لم ينص فيه على قطيعة ما لهذه القرارات.

   وهكذا يتميز صك التحكيم عن عقد الصلح المحض، بأن الطرفين في الأول -خلاف الأمر في الثاني- لا يتنازلان عن حقيهما لا كلاً ولا جزءاً، ولكنهما يكلفان المحكمين تحديد هذه الحقوق. أما في الصلح في التحكيم، فإنهما يفوضان المحكمين بهذا التنازل.

    إن عقد الصلح المحض غير قابل للتنفيذ بذاته، إلا إذا كان عقداً قضائياً أو سنداً تنفيذياً غير معترض عليه، بخلاف عقد التحكيم الذي يصدر حائزا قوة الإبرام بعد إجازته من قبل اللجنة المختصة.

   وأخيراً، فإن حكم المحكمين وحكم الصلح لا يقبلان الطعن إلا من ناحية الإجراءات.

المطلب الثاني: إجراءات التحكيم من منظور القضاء الإداري في سورية:

    لا شك في أن الإجراءات تعتبر العامل الأساسي والحاسم في نجاح التحكيم والوصول فيه إلى خط الأمان، لأنها تمثل في الواقع أصل التحكيم، لأنه متى جرت بشكل قانوني وسليم سلم التحكيم كله من البطلان.

أولاً- سير الدعوى التحكيمية:

    متى وجد شرط التحكيم، ثم صك التحكيم، بدأ التحكيم عمله كالعادة مثل دعوى ترى أمام القضاء. إن أول نقطة فيه هي تدوين الجلسات والوقائع في محاضر، فليس هناك نص يعفي لجنة التحكيم من التدوين.

   إن غالبية شروط التحكيم في العقود الإدارية تشترط على لجنة التحكيم أن تحدد بقرار منها مهمتها شهراً فشهراً، ضمن حدود المدة القصوى وهي ستة شهور، فلو أريد التقيد بهذا الشرط فإن حكم المحكمين يعتبر باطلا إذا لم يراع هذا الشرط. لكن المحكمة الإدارية العليا تساهلت في ذلك واعتبرت مجرد رضي الطرفين بمتابعة التحكيم دليلاً على عدم اهتمامهما بالشرط ومجرد تأجيل الجلسات تمديداً ضمنياً للمهمة.

   ومع أن بعض شروط التحكيم تغفل ذكر المدة القصوى لصدور الحكم، وأن المادة /520/ من قانون أصول المحاكمات قضت بأن المدة في حالة هذا الإغفال هي ثلاثة شهور فقد اجتهدت المحكمة الإدارية العليا بأن تجاوز اللجنة هذه المدة عند عدم وجود ذكر للمدة القصوى في شرط التحكيم لا يفسده  .

   وفي الواقع فإننا نخالف هذا الاجتهاد، لأن النص جازم ونأمل إعادة النظر فيه. ذلك أن من أهم وأبرز مزايا التحكيم هو سرعة بت النزاع، خاصة أن النزاعات بمجملها تتصل بدواعي السرعة التجارية، وبالتالي فهي لا تحتمل إطالة الأماد، فإذا أسقطنا هذا الاعتبار لم يعد ثمة موجب لقيام مؤسسة التحكيم، (قانون التحكيم السوري).

   ومن الأمور الهامة أيضاً ضمن هذا الإطار، ألا ينفرد محكم واحد أو محكمان بقرار، ولو كان إعدادياً إذا كان عدد المحكمين ثلاثة، وإلا أضحى حكم المحكمين في النهاية باطلاً. وبدون أدنى شك، فإننا نرى أن هذا الاعتبار واجب الرعاية ولو كان شرط التحكيم يعفي منه باعتبار أن أهم ركن في التحكيم هو اشتراك كل المحكمين في كل إجراءاته.

   وقد تبين من بعض العقود الإدارية، مثل العقد الأبيض لوزارة الأشغال العامة، أن الإدارة احتفظت لنفسها بحق الرجوع عن التحكيم واللجوء إلى القضاء. ولهذا حكمت المحكمة الإدارية العليا بأنه: «ليس للإدارة أن تتمسك بشرط التحكيم بعد أن تصرفت على أساس أنه غير ذي موضوع وأحلت نفسها منه». ولكن المحكمة ذاتها، في حكم آخر لها، بموضوع طعن مقدم من أحد المتعهدين، حكمت بعدم اختصاصها للنظر في النزاع، لأن دفتر الشروط العامة المطبق على عقود وزارة الدفاع جعلت هي نفسها النظر في مثل هذا النزاع من اختصاص لجنة التحكيم ويستنتج من كل ذلك أن الرجوع عن شرط التحكيم للأفراد غير جائز، وفي هذا يتفق القضاء الإداري والعدلي، بينما رجوع الإدارة عن التمسك بهذا الشرط يعيد اختصاص القضاء الإداري إلى سيرته الأولى... للنظر في النزاع. وهذا كله مستقى من فكرة تغليب مصلحة المرفق العام على المصالح الفردية، ولا سيما إذا كانت الإدارة وجدت من الأصلح لهذا المرفق عدم التمسك بشرط التحكيم، بل طرح النزاع على القضاء للنظر فيه.

وضمن هذا الإطار يطرح السؤال الآتي:

    إذا امتنع أحد الطرفين الذي قبل الدعوى التحكيمية عن تسمية محكمه، فهل يسوغ للقضاء أن يتولى هذا الأمر؟

   ليس ثمة ما يسعف في تسمية محكم الممتنع سـوى المـادة /512/ مـن قـانون أصـول المحاكمات، ولكن أسباب الحكم بالتسمية الواردة في هذه المادة ليس بينهـ هـذه الحالـة، إلا أن القضاء الإداري وسع مفهوم المادة وجعل الامتناع أحد هذه الأسباب.

    ومن نتائج مبدأ تغليب المصلحة العامة في هذا المضمار أن الدفع بعدم الاختصاص المبدي من الإدارات العامة في قضايا اشتراط التحكيم أن تطرح أولاً على هيئة محكمين، يمكن أن يثار في أية حالة كانت عليها الدعوى، وهو الدفع الذي تقول فيه الإدارة بعدم اختصاص لجنة التحكيم للنظر في النزاع بسبب كون القضاء هو المختص.

    وفي المقابل إذا صح أن احتج أحد الطرفين في دعوى ترى أمام محكمة القضاء الإداري أن النزاع من اختصاص لجنة التحكيم لا القضاء الإداري، وفقاً لشرط التحكيم، فإن مثل هذا الدفع إذا صح ينزع يد كل قضاء عن النظر في النزاع.

    وطبيعي أن لجنة التحكيم المعنية هنا هي لجنة التحكيم بالمعنى القانوني، فليست كل لجنة تحكيم، وخاصة إذا لم تقترن بشرط تحكيم يسميها بهذه التسمية ويرسم مهمتها وكيفية تأليفها، فإذا لم تكن كل هذا ولم تتوافر فيها المساواة والحرية في انتقاء الأطراف محكميهم مثل اللجنة المسماة التحكيمية في قانون وزارة الدفاع. (أي المرسوم التشريعي رقم 80) اعتبرت لجنة إدارية لا إلزام لأحكامها.

   ومن الطبيعي أن يثير مثل هذا الدفع مسألة قضائية غاية في الأهمية: هل هو دفع بعدم الاختصاص أم دفع بعدم قبول الدعوى؟

   في الواقع تبدو أهمية هذه الزاوية من البحث في أمرين:

   الأول- أن الدفع بعدم الاختصاص إذا ما أريد به أو إذا أرادت المحكمة إصدار حكمها بالدعوى يأتي قبل أي دفع في الشكل أو في الأساس، ما لم يكن متصلاً بالنظام العام، بينما الدفع بعدم قبول الدعوى ممكن في أية حالة تكون فيها الدعوى.

   الثاني- إن الحكم بعدم القبول في بعض الأحوال يزيل الخصومة ويجعلها، كأن لم تكن دون أن يعتبر رفع الدعوى قاطعاً لمدة السقوط، سقوط الحقوق بالتقادم. فلقد نصت المادة /380/ من القانون المدني على أنه: «ينقطع التقادم بالمطالبة القضائية، ولو رفعت الدعوى إلى محكمة غير مختصة وبالتنبيه والحجز والطلب...الخ».

   مما تقدم نستنتج أن المطالبة القضائية التي تقطع التقادم هي المطالبة القضائية الجديدة بهذه التسمية لا المطالبة الباطلة أي الدعوى غير المقبولة، أما رفع الدعوى أمام محكمة غير مختصة... فهي قاطعة للتقادم بصريح نص القانون

    والآن للجواب عن التساؤل الذي سبق أن أثبتناه، نرجع إلى طبيعة كل من الدفعين، فمخالفة قواعد الاختصاص، أي القواعد التي توزع الاختصاص على المحاكم المختلفة هي وحدها التي تنشئ دفعاً الاختصاص، بينما إنكار سلطة الخصم في الالتجاء إلى القضاء. أياً كانت المحكمة المرفوع إليها الخلاف، هو وحده الذي ينشئ دفعا بعدم القبول. إن المحكمة بعدم محكمة القضاء الإداري- متخصصة أصلاً في المادة /8/ من قانون مجلس الدولة بنظر التزام شيء بمناسبة تنفيذ هذا العقد الإداري المتفق على التحكيم فيه، وإنما هي تفقد سلطة الفصل فيه لوجود حائل هو شرط التحكيم.

    وهكذا يكون الاحتجاج بصك التحكيم هو دفع بعدم القبول لنزول الخصوم بإرادتهم عن الالتجاء إلى القضاء. وتكون الدعوى فاقدة لشرط من شروطها الأساسية للقبول، وقد يعود هذا الشرط إلى التوافر والوجود بزوال البطلان النسبي مثلاً أو لأسباب أخرى.

ثانياً- قرارات وأحكام المحكمين:

   ضمن هذا الإطار، يطرح السؤال الآتي: إذا ما قدرت هيئة التحكيم أنها استوفت أسباب إصدار قرار إعدادي، فما هي الطبيعة القانونية لهذا القرار؟

    تستمد طبيعة هذا القرار، مثل إجراء الكشف أو ما شاكل ذلك من نهائية حكم المحكمين ذاته، فمادام لا تعقيب على أحكامها، إلا بالطعن في الإجراءات، فهذه القرارات ليست إلا جملة من الإجراءات التي يترتب على عدم قانونيتها إبطال حكم المحكمين، وليس لها بمضي الوقت أي حصانة. ولكن بما أنها تتخذ وتدور في محيط مغلق هو محيط التحكيم، فإن لها صفة النفاذ منذ صدورها، ولو صدرت بالأكثرية أو بامتناع أحد المحكمين عن التوقيع.

    إذا ما قدرت هيئة التحكيم أنها استوفت أسباب إصدار حكمها النهائي، فما هي طبيعة هذا الحكم؟

    في الواقع لقد تناقضت، كما كثرت، الآراء في الطبيعة الحقوقية للقرارات التي يصدرها المحكمون، سواء في الفقه أو في القضاء.

ثالثاً- الحكم التحكيمي في القانون الخاص:

   بعض الفقهاء يرى أن لقرار المحكمين طبيعة التحكيم التعاقدية، وآخرون من الفقهاء ذهبوا إلى أن له، إضافة إلى ذلك، قابلية التنفيذ، أي التنفيذ الجبري.

   ويقول الدكتور عبد الإله الخاني إن كلاً من هذين القولين يحالفه الصواب، ذلك إن كل القوانين تقريباً اعتبرت الحكم صالحاً للتنفيذ، ولو لم يعط صيغة التنفيذ إذا ما تواضع الطرفان على تنفيذه طوعا. وما إكساء هذا الحكم صيغة التنفيذ إلا وسيلة لإجبار الممتنع عنه على الإذعان له.

    إلا أن هناك فقهاء يرون أنه بمثابة حكم قضائي تماماً، ويعزو هؤلاء هذا الرأي إلى استقصاء حكم القانون سواء في فرنسا أو بلجيكا أو مصر أو سورية، مع أنه لا شيء في هذه القوانين يعطي حكم المحكمين هذه الخصيصة، والأرجح على ما نرى، هو الرأي الأول.

   ویری برنارد، أن لهذا القرار صفة الحكم من تاريخ اكتسابه صيغة التنفيذ، أما قبل ذلك فتكون له صفة التعاقدية وهو رأي ليس فيه تناقض مع الرأي الأول، إلا أن جمهرة من الفقهاء الفرنسيين هم منضمون إلى الرأي الثاني القائل بأن حكم المحكمين حكم قضائي، وعلى كل حال، لا خلاف بين أي فقيه وفقيه في أن تنفيذ الحكم ينسحب من تاريخ صدوره، لأنه بهذا التاريخ يكتسب الصفة القطعية، وما صيغة التنفيذ إلا إجراء ينقله من حالة النفاذ إلى حالة التنفيذ. ويتفرع عن ذلك أن هذه القرارات لا تقبل إثبات العكس، بل هي قابلة للطعن بالتزوير فقط. ويستوي في ذلك أن يكون القرار قد صدر في خلال الميعاد المتفق عليه بين الخصوم أم صدر من خلال الميعاد الذي كان مقرراً لذلك في القانون.  

    كما أن بطلانها لا يمنع من الاستناد إلى الحجية التي اقترنت بها البيانات الصادرة عن الخصوم أمام المحكم أو المحكمين. كما ينجم عن ذلك أن المحكم لا يستطيع تعديل حكمه، ولو لم يكتسب التنفيذ. كما لا يستطيع محكمون آخرون ندبوا لكي يحكموا في نواح أخرى من النزاع، ممارسة هذا التعديل ما لم يكن قرار المحكم الأول تحضيرياً أو إعدادياً.

أما في ما يتعلق بتفسير القرار، فلا يملكه المحكم إلا في حالتين:

    الحالة الأولى- أن لا يكون ميعاد التقاضي قد انقضى، لأنه إذا فات هذا الميعاد تعود سلطة التفسير إلى القضاء، ما لم يتفق من جديد على التحكيم بقصد تفسير القرار ذاته.

    الحالة الثانية- أن لا يكون قد تم إيداع القرار الموضوعي قلم كتاب المحكمة (كما محتوم قانوناً إيداع الحكم قلم المحكمة التي كان من اختصاصها النظر في النزاع لو لم تنظر فيه هو هيئة التحكيم).

    وضمن هذا الإطار لا بد من التنويه إلى أن التفسير كالحكم المفسر، خاضع لإعطاء صيغة التنفيذ لكي يكون نافذاً.

رابعاً- الحكم التحكيمي:

   في الواقع كان القضاء الإداري السوري يعتبر حتى عام 1962 أن قرار إعطاء صيغة التنفيذ ليس سوى إجراء عادي ينقل الحكم الصادر عن المحكمين من صفة النفاذ إلى التنفيذ، فلو تواضع الطرفان على تنفيذه لما منعهما منه عدم اقترانه بصيغة التنفيذ، إلا أنه ما لبث هذا الاتجاه أن تكشف الخطأ الكامن فيه، ذلك أنه بالنسبة للإدارات العامة، لا تستطيع تنفيذ حكم محكمين، عن إلا بعد استيفاء شرط قضائي وشرط استشاري هما:

  1- إعطاء صيغة التنفيذ من قبل رئيس محكمة القضاء الإداري.

  2- إقرار حكم المحكمين من قبل اللجنة المختصة في القسم الاستشاري في مجلس الدولة. إن ذلك ما تمليه أحكام المادة /44/ من قانون المجلس، وعلى الأقل فإن أحدهما إجباري حتماً وهو رأي اللجنة المختصة.

   مما تقدم نستنتج أن حكم المحكمين ليس في القانون الإداري سوى عنصر من عناصر جسم الحكم التحكيمي بين عناصره العديدة. حتى لقد ثار الجدل أول الأمر مفاده إنكار البعض سلطة رئيس محكمة القضاء الإداري في إعطاء سلطة التنفيذ على اعتبار أن اللجنة المختصة هي صاحبة الاختصاص حصراً دون غيرها، إذ لا نص في قانون مجلس الدولة، إلا على هذا الطريق (المادة 44)، وزاد بعضهم، فأعطى اللجنة المختصة حق مراقبة الشروط الموضوعية في الحكم وعدم الاكتفاء بمراقبة أي من الإجراءات.

    والحقيقة أن المبالغة التي مفادها إعطاء اللجنة رقابة موضوع (أي رقابة موضوعية) مبالغة خطرة جدا، فهي تنشئ مرجع طعن بأحكام المحكمين هي في الحقيقة والواقع دعوى إيطال، في حين أن المشرع استبعد دعوى الإبطال عمداً في قانون أصول المحاكمات، ولم يبق سوی الاستئناف بعكس المشرع المصري الذي أقر الطريقتين معاً، ومن جهة أخرى، يمكن حل الإشكال على الشكل الآتي:

   إن حل هذه المسألة كامن في المادة /44/ ذاتها، فإنها وردت ناظمة لتنفيذ قرارات المحكمين حين يكون هذا التنفيذ طوعياً بين الإدارة والفرد المواطن ذي الشأن. ومعنى ذلك أن رأي اللجنة في القسم الاستشاري من مجلس الدولة شرط ضروري لنفاذ قرارات صادرة عن المحكمين، لا شرطاً لتنفيذها. ولو أراد المشرع أن يكون شرطاً لتنفيذه لأضاف إليها تنفيذ قرارات المحكمين الحائزة الدرجة القطعية، إلا أن حكمة المشرع اقتضت أن يكون رأي اللجنة المختصة مقترناً بقرار المحكمين يشكل معه كلاً لا يتجزأ، يعرض ككل هكذا على رئيس محكمة القضاء الإداري لإكسائه صيغة التنفيذ إذا أريد به التنفيذ الجبري، ولا يعرض إذا أريد التنفيذ الطوعي. ولا تناقض بین اختصاص رئيس المحكمة وبين اختصاص اللجنة المختصة.

خامساً- التنفيذ وطرق المراجعة:

   كان القضاء الإداري السوري يسير على أساس طرح أحكامه في دائرة التنفيذ لتنفيذها. ويتبع ذلك أن أحكام المحكمين تتبع في تنفيذها الطريق ذاته.

    ولكن مجلس الدولة وجد هذه الطريقة مضيعة للوقت، فدائرة التنفيذ إنما يستنجد بها حين تكون الدعوى بين الأفراد لأنها سلطة عامة تعلوهم جميعاً وتكرههم. أما في الدعوى التي تكون هذه السلطة العامة أو غيرها من الإدارات العامة طرفا فيها (المرسوم الجديد المخالف)، فعليها هي أن تنفذ، إذ تصبح هي دائرة تنفيذ، وهذا هو الرأي الصحيح.

    أما المراجعة ضد حكم المحكمين، فقد كان المجلس يسير على أساس أنه لا يتخصص بالنظر في الطعون الموجهة ضد أحكام المحكمين وفي الوقت ذاته، لما كان المجلس يميل إلى تبني نظرة القضاء العدلي باعتبار قرارات رئيس محكمة القضاء الإداري مجرد إجراء تنفيذي فهو قد جرى على عدم الاعتداد بقابليته للطعن.

   ولكن التفكير أسفر عن خطأ هذا السلوك، إذ أصبحت أخطاء المحكم أو المحكمين ذات حصانة، وربما هي غير جديرة بها، لهذا فقد اتخذ اتجاهاً جديداً مفاده:

   1- تعتبر أحكام المحكمين قابلة للطعن أمام المحكمة، أي المحكمة الإدارية العليا إذا كان شرط التحكيم قد سلبها القطعية ولم يعتبرها غير قابلة لطريق من طرق المراجعة. أما إذا نص على أنها قابلة لذلك فإن المحكمة الإدارية تتخصص بالنظر في الطعون الموجهة إليها. وكذلك الأمر إذا سكت الصاك عن قابليتها للطعن .

   2- تعتبر قرارات رئيس محكمة القضاء الإداري، استنادا الى ما سبق ذكره من خضوع الأحكام لرقابة اللجنة المختصة في القسم الاستشاري بمجلس الدولة، قرارات قضائية خاضعة للطعن أمام المحكمة الإدارية العليا.

    أما مهلة الطعن، فإنه حرصاً من المجلس على إعمال الأصول التي هي نافذة لديه، اعتبرها ستين يوما، وضرب صفحاً عن مهلة الاستئناف (بهذا الموضوع) الماثلة في قانون أصول المحاكمات.

    على كل حال، لا تتوقف قوة الأمر المقضي لحكم المحكمين على أن يعطى الحكم المذكور صيغة التنفيذ، ذلك أن إكساء حكم المحكمين ليس درجة من درجات التقاضي أو الطعن، فلا يسوغ القول بأن النزاع ما زال قائماً طالما لم يعط حكم المحكمين صيغة التنفيذ، لأن هذه الصيغة، إجراء قصد به إلباس حكم المحكمين الصفة الرسمية تسهيلاً لتنفيذه لا أكثر.

إن مؤدي النص في مشارطة التحكيم على أن تكون قرارات لجنة التحكيم ملزمة ونافذة غير قابلة لأي طريق من طرق المراجعة أو دعوى الإبطال، هو أن الطرفين تنازلا صراحة عن حقهما في الطعن بالقرارات التي تصدرها لجنة التحكيم بخصوص خلافاتها، وارتضيا الالتزام والتقيد بمضمونها والمبادرة إلى تنفيذها دون تعليق ذلك على نتيجة الطعن فيها، مما يستوجب عدم قبول الطعن.

   وفي هذه الحالة أيضاً، إذا لم يكن في الإجراءات التي اتبعتها لجنة التحكيم أو الأمور التي ناقشتها وفصلت فيها ما يخالف النظام العام أو ما يخرج عن دائرة النزاع المطلوب فضته عن طريق التحكيم أو ما يجاوز المدة الضرورية لإنجاز مهمة التحكيم، بشكل فاضح، فيعتبر باب الطعن مغلقاً في وجه الطرفين.

   ومن جهة أخرى، يعتبر حكم المحكمين قرينة قضائية لا تدفع بخصوص الوقائع من كل نوع، التي استثبتها هذا الحكم". ذلك أن هذه الأحكام بعد إكسائها صيغ التنفيذ يصبح شأنها شأن الأحكام القضائية التي لها قوة الأمر المقضي في كل شيء حتى في الأتعاب التي تقررها عادة.

   على أن اختصاص المحكمة الإدارية العليا بالنظر في أحكام المحكمين الخاضعة للطعن هو اختصاص مطلق، بمعنى أنه ليس اختصاص نقض فقط، ومن ثم كان لها أن تنشر الوقائع أي النزاع على أنها محكمة أساس مثل أي محكمة أساس أيضاً.

    وقد اعتبر القضاء الإداري قرارات لجنة التحكيم بخصوص الأتعاب المقررة للمحكمين قراراً ولائياً، لا قراراً قضائياً، وليس له أي تأثير، فلا يعيب الحكم الفاصل في النزاع، وللمحكم الذي تنكبت الإدارة عن النهج الذي يتبع في هذه الوصية، فحرمته النصاب الوارد فيه كلاً أو جزءاً أن يسلك الطريق القانوني للحفاظ على ما يعتبر حقاً مجزياً له. كما اعتبر مجلس الدولة السوري تنفيذ حكم محكمين قبل استفتاء المجلس باطلاً.

   ومن جهة ثانية، امتنع عن اعتبار الدعوى المرفوعة على المتعهد عن أعمال جرمية أو شبه جرمية، مستأخرة لصدور حكم لجنة التحكيم، نظراً لأن الإدارة تستطيع بملء الحق تنفيذ الحكم الجزائي بفرض أنه صدر بالالتزامات المدنية على ما حكمت به لجنة التحكيم.

سادساً- إكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ وفق قانون مجلس الدولة السوري:

    إن مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري هو المختص دون غيره بالفصل في المنازعات الخاصة بعقود الالتزام، والأشغال العامة، والتوريد، أو بأي عقد إداري آخر وفق المادة /10/ من قانون مجلس الدولة، وعليه فإن محكمة القضاء الإداري هي المحكمة المختصة أصلاً بنظر النزاع حول تلك العقود لاختصاصها الموضوعي.

    وحيث أن المادة /534/ من قانون أصول المحاكمات تنص على أن المحكمة المختصة بإكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ هي المختصة أصلاً بنظر النزاع، بالتالي فإن محكمة القضاء الإداري هي المرجع المختص بالنظر في إكساء حكم المحكمين الصادر حول العقود الإدارية صيغة التنفيذ.

    لذلك فإن رئيس محكمة القضاء الإداري ينظر في طلب إكساء حكم المحكمين صيغة التنفيذ بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة، وفي جلسة علنية يدعو إليها الخصوم. وفي الواقع فإن سلطته تنحصر في حدود الرقابة الشكلية لحكم المحكمين، وعدم مخالفة النظام العام دون التطرق الى الموضوع، مما يجعل الرقابة تتعلق بالشكل.

    وضمن هذا الإطار لا بد من التنويه إلى أن الاجراء المتبع في القضاء الإداري أن يرسل ملف التحكيم مع الحكم إلى ديوان محكمة القضاء الإداري من قبل رئيس لجنة التحكيم للإيداع ويثبت ذلك بمحضر إيداع.

   ولاشك في أن المشرع عندما منح رئيس المحكمة المختصة عند إعطائه صيغة التنفيذ لقرار المحكمين مناقشة هذا القرار أو إبطاله له لعيب في الشكل، إنما منحه السلطة لوقف تنفيذ الحكم المشوب بالبطلان المتعلق بالنظام العام.

    وهذا ما أكدته المحكمة الإدارية العليا في قراراتها حتى استقر الاجتهاد على أن: «ولاية قاضي الأمور المستعجلة عند إصداره القرار بإعطاء حكم المحكمين الصيغة التنفيذية تتحدد بمراقبة الشكل الذي يوجبه القانون لإصدار حكم المحكمين والتحقق من توافر أهلية الخصوم والاستيثاق من كون الحكم المذكور لا يخالف النظام العام في شيء، بحسب ما يتراءى له من تدقيق ملف التحكيم، ومن ثم لا يدخل في ولاية قاضي الأمور المستعجلة أن يتحقق من عدالة الحكم أو ينظر في سلامة أو صحة قضاء الحكم، لأنه ليس مرجعاً استئنافياً في هذا الصدد».

     وفي ما يتعلق بالمحكمة المختصة محلياً، فإن القاعدة في إكساء أحكام المحكمين الصادرة في منازعات العقود الإدارية، يحصر هذه الوظيفة بمحكمة القضاء الإداري في دمشق تبعاً لاختصاصها الموضوعي في تلك المنازعات، عملاً بأحكام قانوني مجلس الدولة والأصول المدنية، في حين أن إكساء أحكام المحكمين الصادرة في القضايا المدنية يكون من اختصاص المحكمة المختصة محلياً في أصل النزاع.

   وتتحدد هذه المحكمة وفق معايير قانونية منصوص عليها في قواعد الاختصاص المحلي للمحاكم القضائية.

    هذا وإن حكم المحكمين وقرار رئيس محكمة القضاء الإداري بإعطائه أو عدم إعطائه صيغة التنفيذ يقبلان الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا، والتعليل في ذلك مستند إلى أحكام المادة /227/ أصول محاكمات بجواز الاستئناف للأحكام الصادرة في المواد المستعجلة أياً كانت المحكمة التي أصدرتها.

   كذلك فإن حكم التحكيم الأجنبي ذا الطبيعة الإدارية على النطاق الوطني، إذا أريد تنفيذه في سوريا لابد من إيداعه وفقا للشروط التي حددتها المادة /529/ من قانون أصول المحاكمات المدنية. ويتم الإيداع في ديوان محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة باعتبارها المرجع القضائي الذي كان من اختصاصه أصلاً النظر في المنازعة المتولدة عن العقد الإداري الدولي.

   وقد استقر الاجتهاد القضائي في مجلس الدولة على أن رئيس محكمة القضاء الإداري هو الذي يتولى إكساء أحكام المحكمين الأجنبية التي يراد تنفيذها في سوريا إذا كانت متولدة عن عقد دولي ذي طبيعة وطنية إدارية، وليس محكمة القضاء الإداري بالهيئة الكاملة. وإن القرار الذي يصدر عنه يخضع للطعن بطلب الإلغاء أمام المحكمة الإدارية العليا ضمن مهلة ستين يوماً من تاريخ صدوره.

   أما إذا كان حكم المحكمين متولداً من عقد دولي ذي طبيعة تجارية، فقد أفرد له المشرع حكماً خاصاً تناولته المادة /309/ بدلالة المادة /307/ أصول محاكمات.

   ولا بد من الإشارة الى إنه وبشكل عام ضرورة الإكساء بالتنفيذ توجد حتى عندما يكون المحكمون معفيين من إتباع الإجراءات الأصولية القضائية أو كانوا مفوضين بالصلح فنص المادة /529 و534/ صريح وشامل في هذا الشأن. إضافة إلى ذلك، فإن الإعفاء الصريح أو الضمني من مراعاة قواعد القانون وقانون المرافعات لا يستهدف إلا أعمال المحكمين ذاتهم ولا يمس حق الدفاع ضد إجراء التنفيذ الجبري بموجب صكوك لم تكس صيغة التنفيذ.

    وقد استقر الاجتهاد القضائي لدى المحكمة الإدارية العليا السورية على أن: «سلوك سبيل التنفيذ قبل بت مسألة إكساء قرار لجنة التحكيم صيغة التنفيذ يعتبر تجاوزاً للأصول الواجبة الإتباع في هذا الصدد».

   كذلك فإن شرط التحكيم في العقود الإدارية هو كغيره من الشروط العقدية الأخرى التي تعتبر ملزمة للطرفين المتعاقدين تأسيساً على أن العقد الإداري لا يخرج عن كونه عقداً بالمعنى القانوني الدقيق أي أنه توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني، وليس في خصائص العقد الإداري ما يمكن أن يؤدي إلى إهدار القوة الملزمة لأي من شروطه القانونية.

سابعاً- قواعد تشكيل المحكمة التحكيمية وأصول المحاكمات في التحكيم الجاري خارج سورية:

   عندما يصدر حكم تحكيمي خارج سورية، ويطلب إكساؤه صيغة التنفيذ في سورية، يطبق عندئذ القاضي السوري قواعد تختلف تماما عن القواعد التي يطبقها عندما يطلب إليه تنفيذ حكم تحكيمي صدر في سورية، سواء في ما يتعلق بقواعد تشكيل المحكمة التحكيمية أو في ما يتعلق بأصول المحاكمة في التحكيم. ذلك لأنه لا تطبق عندئذ قواعد التحكيم في القانون السوري، وإنما تطبق القواعد الواردة في اتفاقية نيويورك الدولية لعام 1958، باعتبار أن سورية منضمة إليها.

    1- قواعد تشكيل المحكمة التحكيمية في التحكيم الجاري خارج سورية: من المعلوم أن المادة /5/ من اتفاقية نيويورك لعام 1958 الخاصة بالاعتراف بالأحكام التحكيمية الأجنبية وتنفيذها قد عددت الحالات التي يرفض فيها الاعتراف بالحكم التحكيمي الأجنبي وتنفيذه، ومن هذه الحالات الحالة التي نصت عليها المادة 1/5 (د) التي جاء فيها «أن الاعتراف بالحكم التحكيمي الأجنبي وتنفيذه يرفضان إذا أثبتت الجهة المطلوب الاعتراف بالحكم المذكور أو تنفيذها أن تشكيل المحكمة التحكيمية لم يكن مطابقاً لقانون البلد الذي جرى فيه التحكيم».

    ومن هنا يتضح أن القاضي السوري الناظر في طلب إكساء الحكم التحكيمي الأجنبي صيغة التنفيذ، عندما يثار أمامه دفع يتعلق بصحة تشكيل المحكمة التحكيمية، لا يطبق عندئذ القانون السوري، بل يطبق اتفاق الطرفين على تشكليها، فإن لم يوجد يطبق في قانون البلد الذي صدر فيه الحكم التحكيمي. وهكذا نستبعد في هذه الحالة كافة النصوص السورية المتعلقة بتشكيل المحكمة التحكيمية، بما في ذلك نصوص قانون أصول المحاكمات السوري الخاصة بالتحكيم، وتطبق على تشكيل المحكمة التحكيمية القواعد التي اتفق عليها الطرفان، وإن لم يوجد مثل هذا الاتفاق تطبق قواعد أصول المحاكمات النافذة في البلد الذي جرى فيه التحكيم.

    2- قواعد أصول المحاكمات في التحكيم الجاري خارج سورية: تنص المادة 1/5(د) نفسها من اتفاقية نيويورك على أن الاعتراف بالحكم التحكيمي الأجنبي وتنفيذه يرفضان إذا أثبتت الجهة المطلوب التنفيذ ضدها أن أصول المحاكمات المطبقة في التحكيم الجاري لم تكن مطابقة لقواعد أصول المحاكمات المتفق عليها بين الطرفين، وإن لم يوجد مثل هذا الاتفاق، إن لم تكن مطابقة لقانون أصول المحاكمات النافذ في البلد الذي جرى فيه التحكيم.

    وقد قدمنا أن القاضي السوري ملزم بتطبيق اتفاقية نيويورك الدولية وباستبعاد تطبيق القانون الداخلي السوري عند التعارض بين هذا الأخير وبين الاتفاقية الدولية، وذلك حسب المادة /27/ من اتفاقية فيينا المؤرخة في 1969/5/23 حول المعاهدات الدولية والمادة /311/ من قانون أصول المحاكمات السوري اللتين توجبان تغليب الاتفاقية الدولية عند تعارضها مع النصوص الداخلية.

   ويحدث أن تغيب هذه الحقائق عن ذهن القضاء السوري، فعلى سبيل المثال، قضت إحدى محاكم البداية في سورية بأن إحدى الشركات العامة السورية ذات الطابع الاقتصادي، وهي طرف في تحكيم دولي مركزه في باريس، يجب أن تمثل في هذا التحكيم من قبل إدارة قضايا الدولة السورية، بمقولة أن التمثيل من النظام العام، وأن الحكم التحكيمي الذي سيصدر في باريس سينفذ في سورية.

    وهذا بلا شك يخالف اتفاقية نيويورك التي توجب تطبيق قواعد الأصول النافذة في بلد التحكيم إن لم يتفق الطرفان على قواعد أخرى، بحيث نستبعد في مطلق الأحوال قواعد القانون السوري.

 ثامناً- دعوى البطلان:

    إن دعوى البطلان في قضايا التحكيم (القانون الجديد الإداري) غير مسموعة في التشريع السوري، وقد أيد هذا الرأي الفقه والاجتهاد السوريان.

    فقد حكمت محكمة النقض السورية بأنه «لما كانت المادة /534/ من قانون أصول المحاكمات نصت على أن حكم المحكمين لا يصير واجب التنفيذ، إلا بقرار يصدره رئیس المحكمة التي أودع لديها ذلك الحكم، بوصفه قاضياً للأمور المستعجلة بناء على طلب أحد ذوي الشأن. وكان هذا النص يفيد أن حكم المحكمين لا مفعول له قبل صدور القرار المذكور، وكان الادعاء بطلب إبطال حكم المحكمين من المحكوم عليه لا محل له ما دام هذا الحكم لا ينفذ بحقه قبل عرضه على القاضي ودعوته لسماع أقواله بشأنه، وهناك يستطيع أن يدلي بمطالبه بشأن حكم المحكمين قابلاً للاستئناف بموجب المادة /532/ من قانون أصول المحاكمات ».

    كما جاء في حكم آخر للمحكمة نفسها «لما كان قانون أصول المحاكمات لم يأت في بحث التحكيم على ذكر للادعاء ببطلان حكم المحكمين رغم وجود ذلك في قانون المرافعات المصري الذي أخذ منه أكثر مواده، مما يدل على قصد استبعاد هذا المبدأ في القانون السوري والاكتفاء بعرض الأمر من جميع وجوهه على قاضي الأمور المستعجلة، إذ لا يكون حكم المحكمين قابلاً للتنفيذ، إلا بإعطائه صيغة التنفيذ من قبل هذا القاضي بعد جمع الطرفين وإصدار قرار علني قابل للطعن، كما يفهم من المادة /534/ من القانون السوري التي عدلت صيغتها عن صيغة المادة المماثلة لها في القانون المصري لإفادة المعنى المذكور».

    وجاء في قرار آخر للمحكمة ذاتها أيضاً «بما أن غاية المشرع قد استبانت من إيجاد هذه المؤسسة (مؤسسة التحكيم) فإنه يتعين التقيد بطرق المراجعة التي نص عليها قانون الأصول بصورة لا يسوغ معها سلوك طرق أخرى لم يرد عليها النص، وهذه النظرة معززة بما نصت عليه المادة /533/ من قانون أصول المحاكمات التي أجازت الطعن في أحكام المحكمين عن طريق إعادة المحاكمة فأخضعتها للطعن بهذه الطريقة الاستثنائية في الحالات التي يجوز سلوكها ضد الأحكام المبرمة باستثناء حالة الحكم بما لم يطلبه الخصوم أو بأكثر مما طلبوه، مما يفيد استبعاد الادعاء بالإبطال بدعوى جديدة».