1- إن معيار تقدم الأمم هو قياس مدى تطور بنيتها الأساسية، ونقصد بذلك مشروعات البنية الأساسية/ التحتية، والتي تتمثل في مشروعات الطرق والكبـاري، والأنفـاق، والمطارات، ومحطات الكهرباء، ومحطات تحلية المياه، وغيرها مـن المـشروعات ذات النفع العام. ولما كانت الأعباء تتزايد على كاهل الدول، فإنها تبحث عن وسـائل أو مصادر لتمويل المشروعات ذات النفع العام، فالدول تلجأ إمـا إلـى الاقتـراض (سواء الاقتراض الداخلي أي من مواطنيها على هيئة سندات حكومية أو مـا يـسمى أذون الخزانة العامة، أو الاقتراض الخارجي سواء مـن دول أخـرى أو مؤسـسـات وهيئات دولية كصندوق النقد الدولي، أو البنك الـدولي) وإمـا إلـى زيـادة نـسبة الضرائب المفروضة على مواطنيها، وإما إلى الاعتماد على مواردها المتمثلـة فـي عائدات مشروعاتها، ولكل وسيلة من تلك الوسائل السابقة مزاياها وعيوبها – والتـي لا يتسع المجال لعرضها في هذا الجزء من البحث -، إلا أنه تظـل الحاجـة ملحـة لإيجاد وسائل أخرى من شأنها أن ترفع عن كاهل الدولة أعبـاء مـشروعات بنيتهـا الأساسية.
ذلك لجأ العديد من الدول المتقدمة، وتلك التي في مرحلة التطور - بعدما عجزت عن تلبية احتياجاتها الاقتصادية والاستراتيجية – إلـى إشـراك القطـاع الخـاص فـي مشروعات بنيتها الأساسية.
2- ولما كانت الشراكة – أو المشاركة – بين القطاعين العام والخاص فـي مـشروعات البنية الأساسية من الأهمية لتحقيق الأهداف الاستراتيجية – خاصة في البلدان التـي شهدت ثورات أو حركات لتغيير الأنظمة الحاكمة والتي تعرف ببلدان الربيع العربـي وما استتبع ذلك من مقاومة والذي بدوره أدى إلى انهيار قطاعات كبيرة وواسعة فـي بنيتها الأساسية، فإن المنازعات التي قد تنشأ بين القطاعين العام والخاص أثناء تشييد المشروع أو حتى قبله، يجب تسويتها بطريقة لا تؤثر في الأهداف المرجوة منه.
3- تتعدد الوسائل البديلة من اللجوء إلى التقاضي لتسوية المنازعات التي تنشأ بمناسبة أو أثناء أو بعد مرحلة انتهاء إنشاء المشروع، شأنها شأن أية منازعات تنـشأ بمناسـبة علاقة تعاقدية. وتتعدد تلك الوسائل البديلة، إلا أنه يمكننا أن نذكر منها علـى المثال: الوساطة، والتوفيق، وأعمال الخبرة، والتحكيم. ويطلق علـى تلـك الوسـائل بيل المبحث الأول: الوساطة: - (Mediation) بالإنجليزية اختصارا (Alternative Disputes Resolutions (ADR.
4- نستعرض في هذا البحث جميع ما سبق ذكره مـن وسـائل سـلمية بديلـة لـتـسوية المنازعات على النحو التالي: المبحث الأول: الوساطة
المبحث الثاني: التوفيق
المبحث الثالث: أعمال الخبرة
المبحث الرابع: التحكيم
المبحث الأول: الوساطة
5- تمهيد: في هذا المبحث نستعرض تعريف الوساطة، وخصائصها المميزة (مطلب أول) والتشريعات والمؤسسات المنظمة لها (مطلب ثان). وذلك على النحو التالي:
المطلب الأول: التعريف والخصائص المميزة:
6- تعرف الوساطة بأنها "وسيلة بديلة اختيارية عن اللجوء إلى القضاء غير ملزمة لحسم الخلافات، يلجأ بموجبها الأطراف إلى طرف ثالث محايد يقوم بـدور الوســط فـي محاولة لحسم الخلاف ومساعدة أطرافه في الوصول إلى تسوية". وتتضمن الوساطة عادة ثلاثة أطراف هم: الطرفان المتنازعان والقائم بدور الوسيط، وتنتهي الوسـاطة بإقتراح لتقريب وجهات النظر وتحرير محضر يوقعه الخصوم والوسيط، ويعتبر هذا الاقتراح غير ملزم للأطراف إلا إذا وافقوا عليه.
7- إن الهدف من اللجوء إلى الوساطة، هو تمكين أطراف المنازعة مـن الحـديث بعضهم البعض بطريقة تهدف إلى حل المشكلات التي نشبت بينهم وإزالة سوء الفهـم حول النقاط التي ثارت بينهم ويقوم الوسيط بعمله من خلال الاجتماع بالطرفين معاً أو على انفراد ويناقش معهم أسباب عدم قبولهم للقرارات السابق صدورها في النزاع إن وجدت. وتتسم الوساطة بعدة ميزات- شأنها شأن بقية الوسائل السلمية البديلة لتسوية المنازعات – منها على سبيل المثال:
أ- كفالة الخصوصية، إذ يسعى طرفا النزاع للحفاظ علـى خـصوصية النـزاع القائم بينهما بعيدا عن إجراءات العلنية التي تتسم بهـا إجـراءات المحاكمـة القضائية إذ إنه في كثير من الأحيان يفضل طرفا النزاع حل النـزاع العـالق بينهما بعيداً عن إجراءات المحاكمة العلنية. وهنا تكمن فائـدة الوسـاطة المحافظة على تلك الخصوصية مما يشجع الاطراف المتنازعين على اللجـوء إلى ذلك النظام.
ب- تتسم الوساطة بأنها ذات كلفة مادية أقل من كلفة التقاضي، إذ أن اللجوء الـى المحاكم من شأنه أن يكبد الأطراف مصاريف ورسوم ونفقات يمكن تجنبها من خلال اللجوء إلى نظام الوساطة، ذلك أن إجراءات المحاكمة تتطلب وقتاً أطول من اجراءات الوساطة، ومن خلال الوساطة يمكن تسوية النزاع في الغالب في جلسة أو في جلستين، في حين أن إجراءات المحاكمة تتطلب وقتاً زمنياً أطول من ذلك، وما يستتبعه من رسوم ومصاريف ونفقات وجهد يمكن تفاديه باللجوء إلى نظام الوساطة، فالوساطة توفر الوقت والجهـد والرسـوم والمـصاريف والنفقات .
ج - تحقيق مكاسب مشتركة لطرفي النزاع، ذلك أن التسوية النهائية في الوسـاطة تكون قائمة على حل مرض لطرفي النزاع يتم التوصل اليه بإرادتيهما الحرة، ويكون قائماً على تحقيق مكاسبهما ومصالحهما المشتركة.
د- المحافظة على العلاقات الودية والمصالح المشتركة بين طرفي النـزاع، إذ أن من شأن تسوية النزاع بين الخصوم عن طريق الوساطة، التوصل الـى حـل مرض لطرفي النزاع ومحققاً لمصالحهما المشتركة، وإبقاء المجال مفتوحاً بين طرفي النزاع في استمرار وتطوير العلاقات التجارية المتبادلة بينهما، في حين أن نتيجة الخصومة القضائية تفضي في الغالب إلى قطع مثل تلك العلاقات.
هـ- تتسم إجراءات الوساطة بالسرية وتعتبر هذه الميزة إحدى الضمانات الهامة من ضمانات الوساطة، إذ أن من شأن السرية، تشجيع الأطراف على حرية الحوار والإدلاء بما لديهم من أقوال وإفادات وتقديم التنازلات في مرحلـة المفاوضـة بحرية تامة، دون أن يكون لذلك حجية أمام القضاء أو أي جهة أخرى فيما لو فشلت مساعي الوساطة، وهذا الأمر من شأنه أن يساعد الوسيط على تقريـب وجهات النظر بين طرفي النزاع بغية التوصل لتسوية النزاع.
و- حرية الانسحاب واللجوء الى التقاضي: فالوسيط لا يستطيع إلـزام الأطـراف بتسوية النزاع بطريق الوساطة، ولكن يتعين عليه أن يبذل قصارى جهده، وأن يستخدم أساليب الاتصال الفعالة وصولاً إلى تسوية النزاع كلياً أو جزئياً حسب مقتضى الحال.
ز- الوساطة مرنة، وسريعة وسرية، فهي مرنة لأنهـا غيـر مقيـدة بـإجراءات وشكليات وتعقيدات، وهي سريعة لأنها يجب أن تنجز خـلال مهلـة قـصيرة (شهران مثلاً)، وهي سرية بحيث لا يمكن الادلاء بأي تصريحات أو اقتراحات تمت أمام الوسيط ولا يمكن استعمالها لاحقاً خاصة في أية إجراءات قضائيـة أو تحكيميـة. كما يلتزم كل من يشارك في الوساطة بما فـي ذلـك الوسـيط والخصوم وممثلوهم والمستشارون والخبراء وكل من يحضر أثنـاء جلـسات الوساطة بعدم إفشاء ما يطلع عليه من معلومـات أو الاحتفـاظ بنـسـخ مـن المستندات المقدمة.
- بالإضافة إلى ذلك، فإن من شأن الوساطة تخفيف هوة الاختلاف، ونقل وجهة نظر كل طرف واقتراحاته إلى الطرف الآخر للوصول إلى التفـاوض، وإبـراز وجـه التسوية والتقليص من أوجه الخلاف، اقتراح الحلول، وضع مشروع تسوية متكاملة وتشخيص الحاجيات المستقبلية للتعاون بعد فض النزاع بين الاطراف.
8- وتقتصر وظيفة الوسيط على تسهيل وبناء سبل للمناقشة بين أطراف النـزاع، ومـن المحاور الأساسية التي على الوسيط توفيرها ووضعها على قائمة أولوياته:
أ- تأسيس سبل للمناقشة بصورة ترضي الطرفين.
ب - إشعار الأطراف بالمسؤولية تجاه حل النزاع.
ج- إشعار الأطراف بإستقلاليتهم.
د - تشجيع الأطراف على تبادل الآراء والمناقشة.
- هذا ولا بد لأطراف النزاع والوسيط من تحديد الطريقة والإجراءات التي سوف تتم بها الوساطة حتى تكون إجراءات الوساطة ملاءمة لنوع النزاع، ومن ثـم تحديـد وتجميع المعلومات مع التأكيد على السرية التامة لهذه المعلومات، من ثم يتم تحديد الأمور المتفق عليها ابتداء والأمور غير المتفق عليها والتي هي موضوع النزاع، ويتم ترتيب تلك المواضيع غير المتفق عليها حسب الأولويات وبالتـالي التعامـل معها تباعاً، وقد يتم التعامل مع موضوعات النـزاع جميعهـا أو وحـدة واحـدة لتسويتها، أو من الممكن تجزئة موضوعات النزاع إلى نقاط ومن ثم التعامل معها النقطة تلو الأخرى وتحديد أوجه اختلاف والتقاء وجهات النظر، ومن ثـم تقـويم الحلول التي تم التوصل إليها ومن ثم تلخيص تلك الحلول ووضعها في إطار اتفاقي حتى تكون قابلة للتنفيذ أو التطبيق.
المطلب الثاني: التشريعات المنظمة للوساطة ولوائح المؤسسات الدولية:
9- حظيت الوساطة بإعتبارها وسيلة من الوسائل البديلة لفض المنازعات بتنظيم تشريعي في عدد من التشريعات العربية والأجنبية.
بعض التشريعات العربية:
10- نظم المشرع الأردني الوساطة بالقانون رقم 12 لسنة 2006 تحت مسمى "قـانون الوساطة لتسوية المنازعات المدنية" والذي يضم 14 مادة، وصنف الوساطة إلى ثلاثة أنواع:
أ- الوساطة القضائية :- وفي هذا النوع من الوساطة يحال النزاع إلـى القاضـي المكلف بالقيام بمهام الوساطة بصفته الوظيفية (المادة 2 من القانون).
ب- الوساطة الاتفاقية:- وفي هذا النوع من الوساطة يتفق طرفا النزاع على احالـة النزاع إلى وسيط يسميانه بالاتفاق فيما بينهما (المادة 3 فقرة ب من القانون).
ج- الوساطة الخصوصية: وفي هذا النوع من الوساطة يحال النزاع إلى وسيط خاص من ضمن جدول الوسطاء الخصوصيين (المادة 3 فقرة أ من القانون).
- ومن المواد التي نرى أنها تفعل الوساطة بإعتبارها وسيلة سريعة لفض المنازعات، ما نص عليه المشرع في المادة 7 أنه على الوسيط الانتهاء من أعمـال الوسـاطة خلال مدة لا تزيد على ثلاثة أشهر من تاريخ إحالة النزاع اليه.
11- نظم المشرع الجزائري الوساطة بالقانون المؤقت رقم 37 لسنة 2003، والمـسمى "قانون الوساطة لتسوية النزاعات المدنية"، والذي يضم 14 مـادة، إلا أن المشرع الجزائري نظم سنة 2008 الوساطة ضمن نصوص مواد" قانون الإجراءات المدنيـة والإدارية" رقم 08-09، في الفصل الأول من الباب الأول في الكتاب الخامس تحـت عنوان "الطرق البديلة لحل النزاعات"، في المواد من 994 حتى 1005.
12- كذلك نظم المشرع المغربي الوساطة ضمن نصوص قانون "المسطرة المدنية" بالقانون رقم 08.05 في الفرع الثالث من الباب الثامن بعنوان "التحكيم والوساطة الاتفاقية" في المواد من 55 -327 وحتى 69 – 327، " والذي عرف اتفاق الوساطة في الفصل 327-56، بأنه "هو العقد الذي يتفق الأطراف بموجبه على تعيين وسيط يكلف بتسهيل إبرام صلح لإنهاء نزاع نشأ أو قد ينشأ فيما بعد"، ويسمى عقد الوساطة إذا تم إبرامـه بعد نشوء النزاع (الفصل 57-327).
بعض التشريعات الأجنبية:
13- نظم المشرع الاوسترالي الوساطة بالقانون رقم 61 لسنة 1997"، والمسمى "قـانون الوساطة"، والذي يضم 13 مادة، وينظم هذا القانون عملية الوساطة وكيفيـة اختيـار الوسيط وتسجيل اسمه في الوكالة المخصصة لذلك، وكذلك حصانة الوسيط.
14- نظم مشرع جزيرة مالطا الوساطة بالقانون رقم 16 لسنة 2004 والمعدل بالقانون رقم 9 لسنة 2010 والمسمى "قانون الوساطة" والذي يضم 32 مادة. وينظم هذا القـانون عملية الوساطة، وكذلك إنشاء مركز للوساطة وكيفية تعيين هيكلها الإداري، وكـذلك تعريف للوساطة بأنها "تلك العملية التي يقوم بها الوسيط لتسهيل المفاوضـات بـين الاطراف المتنازعة لمساعدتهم في الوصول إلى اتفاق طوعي بشأن النـزاع القـائم بينهم .
15- كذلك نظم المشرع البلغاري الوساطة بالقانون رقم 110 لسنة 2004 والمسمى "قانون الوساطة" والمعدل بالقانون رقم 86 لسنة 2007، ويحتوي هذا القانون على خمـسة فصول تضم 17 مادة. وينظم هذا القانون عملية الوساطة من ناحية التعريف والطبيعة وتنظيم عملية الوساطة ومبادئها وشروط ومعايير اختيار الوسيط وكيفيـة تـسجيل الوسيط في وزارة العدل، ومسؤولية الوسيط (الحقوق والواجبات).
16- نظم المشرع الصيني الوساطة بالقانون رقم 34 لسنة 2010 تحـت مسمى "قـانـون الوساطة الشعبية لجمهورية الصين الشعبية". ويحتوي هذا القانون على ستة فصول تضم 34 مادة. وينظم هذا القانون تعريفات خاصة بالوسـاطة وتكـوين لجنـة مـن الوسطاء وكيفية اختيار الوسطاء وإجراءات الوساطة واتفاق الوساطة.
17- صدر مشروع قانون الوساطة الموحد للولايات المتحدة الأمريكية تحت عنوان "قانون الوساطة الموحد "والذي قام بصياغته" المؤتمر الوطني للمفوضـين بـشأن القـوانين الموحدة"، وصدر في 2001 ويتضمن 16 مادة. ويتناول هذا القانون تعريف الوساطة والوسيط والأطراف المتنازعين، والتزامات الوسيط وسرية عملة الوسـاطة، واتفـاق الوساطة وكيفية المشاركة فيها.
- بجانب تلك التشريعات التي اهتمت بتنظيم الوساطة، نجد أيضاً أن هناك عدداً مـن المنظمات الدولية التي أفردت قواعد خاصة لتنظيم الوساطة:
أ- محكمة لندن للتحكيم الدولي (LCIA): أصدرت تلـك المنظمـة قواعـد الوساطة في 2012/7/1 تحت عنوان "قواعد محكمة لندن للتحكـيم الـدولي للوساطة"، وتتضمن 11 مادة تتناول كيفية تعيين الوسيط والقرار الذي ينتهي إليه، وتكاليف الوساطة والإجـراءات القـضائية أو التحكيميـة والـسرية والخصوصية وتحديد المسؤولية.
ب- المنظمة الدولية لحقوق الملكية الفكرية (WIPO): أصدرت تلك المنظمة قواعد للتحكيم والوساطة والخبرة في يناير 2009، وتتضمن تلك القواعد 27 مادة، تتناول التعريفات وكيفية تعيين الوسيط، وتمثيل الأطراف المتنـازعين، والقواعد التي يلتزم بها الوسيط أثناء عمله، والسرية، وإنهاء عملية الوساطة، والمصاريف الإدارية، وأتعاب الوسيط، ومسؤولية الوسيط.
ج- مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي (CRCICA)17: أصــدر مسمى المركز قواعد للتسوية الودية للمنازعات عن طريق الوساطة تحـد "قواعد الوساطة" في يناير 2013، وتحتوي تلك القواعـد علـى 18 مـادة تتضمن نطاق التطبيق، وبدء سريان عملية الوساطة، وطلـب اللجـوء إلـى الوساطة، والنيابة في الوساطة، وتعيين وتبديل الوسيط، وحيـدة واسـتقلال الوسيط، وإجراءات الوساطة، وانتهاء عملية الوساطة، والـسرية، وإعفـاء الوسطاء والمركز وموظفوه من المسؤولية الناتجة من الوساطة، ومصاريف الوساطة وأتعاب الوسيط، وإيداع المصاريف والنفقـات، وملحـق للقواعـد يتضمن نموذجاً لشرط اللجوء إلى الوساطة.
د- المركز الدولي لتسوية المنازعات (ICDR)': أصدر المركز قواعد تسوية المنازعات عن طريق الوساطة والتحكيم في 2009/6/1، وتتضمن تلـك القواعد 18 مادة، تتناول اتفاق الاطراف على اتخاذ الوساطة وسيلة لتسوية النزاع بينهم، والمستندات المطلوبة لتلك التسوية، وكيفية تمثيـل الأطـراف المتنازعين وكيفية تعيين الوسيط، وشروط اختيـار الوسيط ومـسؤوليته، وحقوق وواجبات الوسيط، ومسؤولية الأطـراف تجـاه بعـضهم البعض، والسرية والخصوصية، وكيفية إنهاء عملية الوساطة، ومصاريف الوساطة.
المبحث الثاني: التوفيق (Conciliation):
18- تمهيد: في هذا المبحث نستعرض مفهوم التوفيق، وأركانـه المميـزة (مطلـب أول) وكذلك التشريعات المنظمة له (مطلب ثان). وذلك على النحو التالي:
المطلب الأول: مفهوم التوفيق وأركانه:
المقصود بالتوفيق:
19- يقصد بمصطلح التوفيق "أي عملية يطلب فيها الطرفان شخصاً آخـر، أو أشخاصـاً آخرين لمساعدتهما في سعيهما إلى التوصل إلى تسوية ودية لنزاعهما الناشـئ عـن علاقة تعاقدية أو علاقة قانونية أخرى أو المتصل بتلك العلاقة. ولا يكـون للموفـق الصلاحية لفرض حل للنزاع على الطرفين وفي حكم المحكمة الدستورية العليـا المصرية عرف التوفيق بأنه "تسوية ودية لا تحوز التوصية الصادرة في شأنها قـوة الأمر المقضى، بل يكون معلقاً نفاذها على قبول أطرافها، فلا تنقيد بهـا إلا بشرط انضمامهم طواعية لها".
- ويتبين من ذلك أن إجراءات التوفيق تعني بذل مساع حميـدة بعيـداً عـن فـكـرة الخصومة، مما يمكن الأطراف من الاحتفاظ بعلاقات ودية، حيث أنه لكل طـرف كامل الحرية في قبول أو رفض مقترحات الموفق الذي يفترض فيه الحياد.
- وفي مجال مشروعات البنية الأساسية، أوصت الجمعية العامـة للأمـم المتحـدة باستخدام التوفيق كوسيلة لتسوية المنازعات عند نشوئها، إذ جاءت هذه التوصـية "أنه في حالة تسوية منازعات مشروعات البنية الأساسية ذات التمويل الخاص عن طريق التوفيق، يجب استخدام قواعد اليونسترال الخاصة بالتوفيق والسارية وقـت نشوء النزاع".
20- التوفيق والوساطة: يلاحظ أن العنصر المشترك بين التوفيق والوساطة باعتبارهما من وسائل تسوية المنازعات السلمية، أن القرار الذي ينتهى إليه الوسيط أو الموفق غيـر ملزم لأي منهما، وبالتالي فقد يوافق عليه الأطراف فيحل النزاع، وقد يعترضون عليه ويشرعون في البحث عن وسيلة أخرى لفض النزاع، أما بالنسبة للمزايا التي يقدمها التوفيق لأطراف النزاع، فهي ذات المزايا التي عرضنا لها أثناء الحديث عن مزايـا اللجوء إلى الوساطة لفض المنازعات
21- وينتهي التوفيق – في حالة رضاء الأطراف بقبول قرار الموفـق - باتفـاق تـسوية ينطوي على تنازلات جزئية متبادلة للتقريب بين الطلبات المتقابلة بين الأطـراف، والتي تكون عادة متعارضة، فالموفق يصدر توصية قد يرتضيها الطرفان أو يرفضان الأخذ بها، غير أن ذلك يعد ميزة تساعد على الأخذ بالتوفيق، لأنه يسمح للأطراف بأن يؤدوا دوراً إيجابياً في سبيل الوصول إليه، لأن ما يصدر عن الموفق هو في الحقيقة من صنع الأطراف ووليد اختيارهم، فلا يتم التوصل إليـه بعيـدا عـنهم أو خـارج توقعاتهم، وإنما ينبع مما تم من مفاوضات وما جرى من إبداء آراء وتقديم اعتراضات من جانبهم.
المطلب الثاني: التنظيم التشريعي والمؤسسي للتوفيق:
22- نظم المشرع الهندي التوفيق بالقانون رقم 26 لسنة 1996، والمسمى "قانون التحكـيم والتوفيق في المواد من 61 حتى 81، وتتضمن إجراءات التوفيق وعدد المـوفقين وكيفية الاختيار والتعيين والدور المنوط بالموفق، ودور أطراف المنازعة مع الموفق، ووسائل الاتصال بين الأطراف والموفق، واتفاق النسوية، وكيفيـة إنهـاء التوفيـق، والسرية، وسرية التوفيق، والتكلفة.
23- كذلك نظم المشرع العماني التوفيق بالمرسـوم الـسـلطاني رقـم 98 لسنة 2005، والمسمى "قانون التوفيق والمصالحة"، " وتضمن هذا القانون 19 مادة، تناولت نطاق تطبيقه، ووضع تعريفات للمصطلحات الواردة في القانون، وتنظيم إنشاء لجان التوفيق والمصالحة، وتحديد اختصاصاتها، ومسؤوليتها، وكيفية تـشكيلها، ومقـر انعقادهـا، وكيفية بدء إجراءات التوفيق، وتحديد فترة معينة لإنهاء التوفيق (مادة 13 حددت ستين يوما على الأكثر)، وتحرير محضر للصلح عند انتهاء اللجنة مـن عملهـا، وتحديـد مكافأة للقائم بدور الموفق.
24- كما نظم المشرع الإماراتي التوفيق بالقانون رقم 26 لسنة 1999، والمسمى "قـانون إنشاء لجان التوفيق والمصالحة بالمحاكم"، والمعدل بالقانون رقم 4 لسنة 2001، والذي تضمن 11 مادة تناولت اختصاصات لجنة التوفيق والمصالحة وصـلاحياتها، واجراءات قيد طلب التوفيق، وكيفية إخطار أطراف المنازعة، وتحدد فتـرة معينـة لإنهاء التوفيق (مادة 6 حددت ثلاثين يوماً على الأكثر)، وتحريـر اتفـاق التـسوية، وتكلفة عملية التوفيق والتي لا تستحق أية رسوم قضائية عن الطلبات التي تقدم إلـى اللجنة.
25- كذلك نظم المشرع الأوغندي التوفيق بالقانون رقـم 7 لسنة 2000، والمـسمى "قانون التحكيم والتوفيق" والذي نظم التوفيق في الباب الخامس من المـواد 48 حتى 66، وتناول في تلك المواد اجراءات التوفيق وعدد الموفقين وكيفية التعيين ودورهم في تسويـة النـزاع، ووسائل التواصل بين الموفـق والأطـراف، وسرية المعلومات والخصوصية، واتفاق التسوية، وإنهاء التوفيق، وتكلفة عمليـة التوفيق.
26- بجانب التشريعات التي اهتمت بتنظيم التوفيق باعتباره وسيلة بديلـة سـلمية لتسوية المنازعات، فقد اهتمت المنظمات الدولية بوضع قواعد لتنظيم عملية التوفيـق، علـى سبيل المثال:
أ- هيئة الأمم المتحدة: أصدرت هيئة الأمم المتحدة قانون اليونسترال النمـوذجي للتوفيق التجاري الدولي عام 2002، وذلك بهدف تقليل الحالات التي يفـضـ فيها النزاع إلى إنهاء العلاقة التجارية، وتيسير إدارة المعاملات الدولية من قبل الأطراف التجارية، وتحقيق وفورات في إقامة العدالة من جانب الدول، وكذلك اقتناعاً منها بأن إصدار تشريع نموذج عن هذه الطرق يكـون مقبـولاً للـدول بمختلف نظمها القانونية والاجتماعية والاقتصادية من شأنه أن يساهم في إقامـة علاقات اقتصادية دولية متجانسة "
- يتكون هذا النموذج من 14 مادة تتناول نطاق التطبيق، وتفـسير بعـض المصطلحات الواردة في النموذج، وكيفية بدء إجراءات التوفيق، وعـدد الموفقين وتعيينهم، وتسييـر إجـراءات التوفيـق، والاتصالات بـين الموفقين وتعيينهم، والخصوصية وسرية عملية التوفيق، وقبول الأدلة في إجراءات أخرى، وإنهاء إجراءات التوفيق، وقيام الموفق بدور المحكـم واللجوء إلى الاجراءات التحكيمية أو القضائية، ووجوب إنفـاذ اتفـاق التسوية.
ب- مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي: أصدر المركز قواعد التوفيـق عام 1990، وتضمنت تلك القواعد 7 مواد، تناولت إجـراءات بـدء التوفيـق والمستندات المطلوبة لتسجيل طلب التوفيق، وكيفية تعيين الموفق، والمـساعدة الإدارية من المركز للموفق، ومصاريف التوفيق.
ج - جامعة الدول العربية: أصدر المركز العربي للبحوث القانونية والقضائية التـابع لجامعة الدول العربية مشروع قانون عربي استرشادي للتوفيق والمـصالحة، تضمن 32 مادة مقسمة إلى خمسة أبواب تناولت أهـداف التوفيق،والتعـاريف ونطاق التطبيق، وإجراءات بدء التوفيق، وتعيين الموفق، والـشروط الواجـب توافرها فيه، وحقوق الموفق وواجباته، والعلاقة بين الموفق وطرفي النـزاع، وسرية الإجراءات والمعلومات، والأدلـة المقبولـة فـي إجـراءات التوفيـق والمصالحة، وانتهاء التوفيق، وتنفيذ اتفاق التسوية.
تجدر الإشارة إلى أن بعض نواب مجلس الشعب المصري ناقــشوا اقتراحـاً بمشروع قانون التوفيق في المنازعات التجارية والدولية، والـذي يتـضمن 14 مادة تهدف إلى تنظيم تسوية المنازعات في العلاقات التجارية، وتحفيـز رأس المال في ظل تكدس القضايا أمام القضاء ومواجهة ارتفاع تكلفة التحكيم، كمـا يهدف القانون إلى تسوية المنازعات الخاصة بالعلاقات التجارية سواء الداخلية أو الخارجية بطريقة تتسم بالسهولة، إلا أنه قوبل بالرفض من قبل المؤسسات المعنية كوزارة العدل ووزارة الصناعة.
د- قواعد التوفيق في الاتفاقيات العربية: ابرم العديد مـن الاتفاقيـات العربيـة المشتركة بخصوص تسوية منازعات الاستثمار، ومن تلك الاتفاقيات:
1- اتفاقية المؤسسة العربية لضمان الاستثمار 1970: تضمنت هذه الاتفاقيـة ملحقاً بعنوان "تسوية المنازعات" ونظمت المادة 3 من الملحـق المـذكور إجراءات التوفيق، كما نص في مادته الثانية على أنه لا يجوز اللجوء إلـى اجراءات التوفيق أو التحكيم إلا بعد استنفاد سبل التسوية عـن طـريـق المفاوضات.
2- اتفاقية تسوية منازعات الاستثمار بين الدول العربية المضيفة للاستثمارات العربية وبين مواطني الدول العربية الأخرى 1974: تهدف هذه الاتفاقيـة إلى حل أي نزاع قانوني ينشأ مباشرة عن أحد الاستثمارات بـين الـدول العربية المضيفة، أو إحدى هيئاتها، أو مؤسساتها العامة وبـيـن مـواطني الدول العربية الأخرى، سواء أكان شخصاً طبيعياً أم معنوياً، عن طريـق التوفيق أو التحكيم، ويتولى تنظيم وتطبيق قواعد التوفيق والتحكيم مجلـس يسمى "مجلس تسوية منازعات الاستثمار".
3- الاتفاقية الموحدة لاستثمار رؤوس الأموال العربية في الدول العربية 1980: المادة (25) من هذه الاتفاقية، بأن تتم تسوية المنازعات الناشئة عـن تطبيق هذه الاتفاقية عن طريق التوفيق أو التحكيم أو اللجوء إلـى محكمـة الاستثمار العربية. وتضمن ملحق الاتفاقية القواعد المنظمة لإجراء التوفيـق والتحكيم. ويتم التوفيق باتفاق الطرفين المتنازعين عليه بطلب يقدمانه إلـى الأمين العام لجامعة الدول العربية لاختيار من يتولى التوفيق بينهما.
المبحث الثالث: أعمال الخبرة (Expertise):
27- تمهيد: في هذا المبحث نستعرض تعريف الخبرة وخصائصها (مطلب أول) وكـذلك التنظيم المؤسسي لها (مطلب ثان). وذلك على النحو التالي:
المطلب الأول: التعريف والخصائص:
28- تتمثل الخبرة في مجرد إبداء الرأي والمشورة من متخصص لمن يطلبها دون التـزام من هذا الأخير بإتباعها. ولا يكون رأي الخبير ملزماً للخصوم، فهو لا يفصل فـي النزاع، وإنما يعين على استجلاء جانب غامض منه .
- يعتمد الخبير على معلوماته وخبراته في أدائه المهمة المنوطة به، فضلاً عما يقدمه له الأطراف من معلومات، فالخبير له التصدي وإبداء رأيه دون حاجة للرجوع الى الأطراف، وفي حالة اتفاق الأطراف على إضفاء الطابع الجبري على رأي الخبير، فيظل لازماً الإلتجاء إلى القضاء للفصل في موضوع النزاع وفقاً لرأي الخبير
29- يوجد العديد من أشكال اتفاق الأطراف على اللجوء إلى الخبرة لتسوية المنازعـات الناشئة بينهما، إلا أن الشكل الغالب هو اتفاق الأطراف على اختيار شـخص ثالـث (خبير) والذي اختير بناء على تخصصه في موضوع النزاع ليتخذ قراراً بشأنه. ولعل مزايا اللجوء إلى الخبرة – مقارنة بالتقاضي والتحكيم كوسيلة لتسوية المنازعـات - هي السرعة، والتكلفة، والبساطة وسهولة الإجراءات، ولعل ذلك راجع إلى عدم تنظيم أعمال الخبرة تشريعياً في العديد من البلدان، وتقتصر على تنظيمها مؤسسات عاملـة في مجال تسوية المنازعات.
30- فاتفاق الخبرة Ad hoc Expert يستخدم في العديد من العقود الدولية كوسيلة لتسوية المنازعات بجانب اتفاق التحكيم. فعلى سبيل المثال، في عقد بيع دولي يتعلق باتفـاق البيع والشراء للأعمال والشركات والتي عادة تأخذ شكل اتفاق شراء أو بيـع حـصة (Share Sale and Purchase Agreement (SPAa، فإن مهمة الخبير عادة تكون تحديد سعر الشراء النهائي. وكذلك فإن الخبرة تستخدم في صناعات التعدين والطاقـة والاستعانة بالخبير لتحديد السعر والكمية والموضوعات التقنيـة. بجانـب صـناعات مختلفة كاتفاقات الشراكة، والتأمين، ومشروعات الاتصالات، وعقـود الكمبيـوتر، وترخيص الملكية الصناعية والفكرية .
- يتعين التمييز بين أسلوبين لتدخل الخبراء في حسم النزاع، ففي أسلوب أول يعهـد أطراف النزاع إلى الخبير بمهمة تحديد نقاط النزاع وتقويم وضعه وإبداء اقتراحاته في شأن حسمه. ويكون للأطراف الاتفاق على مدى القوة الإلزامية لتقرير الخبير. أما الاسلوب الآخر لعمل الخبراء فهو يبرز بإعتباره عنصراً من عناصر الاثبـات في نزاع معروض على التحكيم أو القضاء .
المطلب الثاني: التنظيم المؤسسي لأعمال الخبرة:
31- اهتم عدد من المؤسسات الدولية بتنظيم الخبرة بإعتبارها وسيلة من وسائل التسوية السلمية للمنازعات وقامت بوضع لوائح تنظيمية لأعمال الخبرة، نذكر منها على سبيل المثال:
أ- مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي: نظم المركز أعمال الخبرة فـي القواعد الصادرة بتاريخ 1990 في 11 مادة تناولت تلك المواد كيفية تقديم طلب اللجوء إلى الخبير لمدير المركز، والبيانات الواجب توافرها في ذلـك الطلب والشروط الواجب توافرها في الخبير، وكذا استقلالية الخبيـر وحيدتـه، وعـدد الخبراء (مادة 5 والتي نصت على أن يكون العدد فردياً)، واستبدال الخبيـر، وتحديد متطلبات مباشرة الخبير مهماته من حيث الوقت والتكلفـة وذلـك قبـل تعيينه، ومصروفات المركز الإدارية، ومساعدة الأطراف للخبيـر مـن ناحيـة المستندات المطلوب تقديمها للخبير، وكذلك حريته في الاطلاع على المستندات والمسائل محل النزاع، ولا بد أن يكون رأي الخبير مكتوباً وموقعاً منه وتسليم صورة من الرأي لأطراف النزاع، وأن رأي الخبير غير ملزم مـا لـم يتفـق الأطراف على خلاف ذلك. الفق
ب - منظمة التجارة العالمية: (WTO) أصدرت تلك المنظمـة قواعـد لـتـسوية المنازعـات تحـت مــسمى (and Procedures Governing the Rules Settlement of Disputes) وهي تتضمن 27 مادة بالإضافة إلى 4 ملاحق، وتضمن الملحق رقم 4 مجلس الخبراء، وهي مجموعة تشكلها هيئة المنظمة، وتم تنظيم عملها في 6 فقرات تناولت مهمة المجموعة في نظر المسألة محل النـزاع ورفع تقرير الى هيئة المنظمة، وتكون تلك المجموعة مقصورة على الخبراء في مجال النزاع ذاته، ولا يجوز أن تكون جنسية أحد الخبراء هي ذات جنسية أحـد أطراف النزاع، إلا إذا تم اتفاق الأطراف على مخالفة ذلك، اللهـم إلا إذا كـان الخبير متخصص بذات النزاع ولا يمكن تغييره لخطورة النزاع، وكذلك التـزام الخبراء المتطلبات الأساسية في أساسيات أعمال الخبـرة فـي مجـال النـزاع، وللخبراء الاستعانة بالمعلومات التقنية من مصادر خارجية موثوق بها، وكـذلك لأطراف النزاع الاطلاع على المصادر التي استعانت بها مجموعة الخبراء، إلا إذا كانت تلك المصادر ذات طابع سري، وأخيراً بعد الانتهاء من المهمة، تصاغ مسودة الرأي لعرضها على الأطراف للبحث في ما إذا كانت لهم ملاحظات على الرأي أم لا.
ج- غرفة التجارة الدولية: (ICC) أصدرت تلك المنظمة قواعـد اللجـوء إلـى الخبرة، والتي دخلت حيز النفاذ في 1 يناير 2003، وتضمنت تلك القواعـد 17 مادة تناولت إجراءات تقديم طلب اللجوء إلى الخبرة، وكيفية تعيـين الخبـراء، وإجراءات سير عملية الخبرة، والمصروفات الإدارية للمركـز، والإخطـارات ووسائل الاتصال بين الأطراف والخبراء، واستقلال الخبير وكيفيـة استبداله، ومهمة الخبير، وواجبات ومسؤوليات الخبير والأطراف.
د- منظمة الفيديك (FIDIC): نشرت منظمة الفيديك مجموعة من النماذج العقدية التي تعنى بوضع بنود نموذجية يمكن لأي شخص طبيعي أو معنوي الاستعانة بتلك النماذج سواء كل البنود أو بعضها، ولقد درج الفيديك على إصدار نمـاذج لبنود التعاقد في مجال صناعة البناء والتشييد، منها على سبيل المثال بنود عقود التشييد (فيما يسمى الكتاب الأحمر)، عقود تسليم المفتاح (الكتاب الفضي)، أعمال الهندسة المدنية وعقود الأعمال الكهربائية والميكانيكية، وعقود التصميم والبنـاء وتسليم المفتاح (الكتاب الأصفر)، وهي نماذج تجرى مراجعتها دورياً استجابة للحاجات التي أظهرها التطبيق العملي لمثل هذه العقود.
- وفي تلك النماذج، تم تنظيم عملية تسوية المنازعات التي تنشأ بـين رب العمـل والمقاول ،أو بين أحدهما والغير، ، فقد تطور أسلوب الفيديك في معالجة خطوات ، تسوية منازعات نماذج العقود التي وضعتها خصيصاً في ما يتعلـق بالمراحـل السابقة على طرح النزاع على هيئات التحكيم أو المحاكم، فالاتجاه العام لإجراء التسوية يقوم على خطوتين: الأولى: تتمثل في طرح المطالبـات أو الخلافـات على المهندس الاستشاري (باعتباره خبيراً) للمشروع الذي يختاره فـي الغالـب لی رب العمل، والسبب في ذلك يرجع إلى انخـراط المهنـدس الاستشاري فـي المشروع منذ بداية أعماله مما يمكنه من معرفة أسباب الخلاف، ومن ثم التعامل معه بأسلوب مهني وتجاري في الوقت ذاته، فكما عرفته المـادة (1/1) مـن الشروط العامة للفيديك بأنه الشخص المعين من قبل صاحب العمـل كمهنـدس لغايات العقد، أي لغايات الإشراف على تنفيذ الأعمال وحسن سيرها، فهـو إذن يتم تعيينه من قبل صاحب العمل، إلا أنه يتوجب عليه أن يقوم بعمله ويمـارس سلطته بحياد ضمن شروط العقد وأحكامه، وبعد الأخذ في الاعتبار كل الظروف المحيطة. وتتمثل الصلاحيات المعطاة للمهندس، على سبيل المثـال، إصـدار تعليمات للمقاول، وتوضيح الأحكام الغامضة في العقد، واحتفاظـه بالتـصاميم الخاصة بالبناء، واصدار تصاميم تكميلية للمقاول، وموافقته على برنامج عمـل المقاول، وطلبه تعديل هذا البرنامج، وطلب فحص المواد المستخدمة في تنفيـذ الأعمال وتفقدها في الموقع وفحص وقياس الأعمال المنفذة أو أي جـزء منهـا وطلب إخراج أي مواد من الموقع يرى أنها غير مطابقة للمواصفات. أما الثانية فتتمثل في طرح النزاع على مجلس تسوية المنازعات .
المبحث الرابع: التحكيم : (Arbitration)
32- أضحى التحكيم – وبحق – واحداً من أهم الوسائل الأساسية لتسوية المنازعـات التجارية، محلياً ودولياً، وأكثرها ذيوعاً وانتشاراً، ولعل السبب الرئيسي الذي يـدعو المشتغلين بالتجارة إلى الإعراض عن القضاء العادي وتفضيل الالتجاء إلى التحكـيم هو ما يعيب القضاء العادي من بطء الإجراءات وكثرة النفقات، بينما يهيـئ التحكـيم قضاء سريعاً بنفقات مناسبة.
وإذا كان الأصل أن يختص القضاء كسلطة من سلطات الدولة، بالفصل في المنازعـات التي تثور بشأن المعاملات التجارية بين المتعاملين في هذا المجال، سواء على المستوى الوطني أو على المستوى الدولي، فإن طبيعة المعاملات التجارية - خاصة الدوليـة – فرضت نظاماً خاصاً لحسم المنازعات التي تنشأ في مجال التجارة الدولية، لذلك كـان من صالح ازدهار التجارة الدولية، أن يظهر نظام التحكيم التجاري في المجتمع كبـديل مقبول عن اللجوء إلى القضاء. ذلك أن طبيعة التقاضي أمام محاكم الدولة، غير قادرة على أن تلبي متطلبات المعاملات التجارية من سرعة الفصل والمرونة في الاجـراءات وغيرها، والتي يوفرها الالتجاء إلى التحكيم لتسوية مثل هذا النوع من المنازعات.
- ويظل التحكيم هو الوسيلة الفضلي لدى المشتغلين بالتجارة لتسوية ما ينشأ بينهم مـن منازعات، فهو لم يعد سلعة يجب استظهار محاسنها، بل أصبح ضـرورة يفرضـها واقع التجارة الدولية. ولم يعد قاصراً على فض المنازعات بعد نشوبها، بل أصـبح أداة فعالة يجب استخدامها لتفادي قيام المنازعات أثنـاء مفاوضـات إبـرام العقـود الدولية طويلة المدى أو أثناء تنفيذه، والتي تتعلـق بالتـصنيع أو نقـل التكنولوجيـا Know - how أو المشروعات المشتركة joint – venture أو مـشروعات الشراكة بين القطاعين العـام والخـاص (Public Private Partnerships (PPP. فأهمية التحكيم بصفة عامة، ولا سيما في المعاملات التجارية، وخاصة الدولية منها، تتمثل في أن طبيعة هذه المعاملات تتسم بالبساطة والسهولة والتخلص من الـشكليات وتستوجب السرعة والثقة واليسر في الإجراءات، بل والـسرية أيـضاً، لأن بعـض السلع والخدمات التجارية تتكتم المنظمات التجارية على مكوناتها حتـى لا تتجنـب عمليات التقليد والتزييف لمنتجاتها، وهذا من حقها حفاظاً على ملكيتها لها، وهو مـا يستوجب محاولات الوساطة والتوفيق منذ البداية وصولاً للحسم السريع لمثـل هـذه المنازعات في المعاملات التجارية باعتبارها أمراً هاماً وجوهرياً للطـرفين حفاظـاً على خصوصية التعامل والمودة التي تجمع الطرفين ومحاولة تقريب وجهات النظر بالتفاهم المتبادل، ولأن عنصر الوقت يكون مؤثراً جداً بالنسبة للتكلفة المادية وحجـم دوران رأس المال ومن ثم تفادي تفاقم الخلاف والخصومة بالـصلح وتقليـل حـجـم الخسارة المتوقعة أو زيادة الربح المأمول بالحسم السريع للخلاف في بدايته.
33- وهكذا تتبين أهمية التحكيم في تسوية المنازعات، خاصة التي تتسم بالطابع الـدولي. وبناء عليه، فإننا نستهل هذا المبحث بتعريف التحكيم (مطلب أول) ثم دور التحكيم في تسوية المنازعات التي تنشأ عن عقود المشاركة (مطلب ثان) وأخيراً تقييم التحكيم في مشروعات الشراكة (مطلب ثالث) وذلك على النحو الآتي بيانه:
المطلب الأول:
تعريف التحكيم:
34- تتعدد التعريفات التي قيلت في شأن التحكيم، وما يهمنا هو تعريف التحكيم التجـاري الدولي، فالمشرع المصري لم يعرف التحكيم بشكل مباشر، بل أظهر عناصر التحكيم في تعريفه لاتفاق التحكيم في الفقرة الأولى من المادة العاشرة من القانون رقـم 27 لسنة 1994 والمسمى "القانون رقم 27 لسنة 1994 بإصدار قانون في شأن التحكـيم في المواد المدنية والتجارية". أما تعريف التحكيم فقهاً، فقد تعددت التعريفـات، منهـا على سبيل المثال تعريف أستاذنا الدكتور محسن شفیق – رحمه الله – بأن التحكيم هو "نظام للقضاء الخاص تقضى فيه خصومة معينة عن اختصاص القضاء العادي، ويعهد بها إلى أشخاص يختارون للفصل فيها".
- أيضاً فإن التحكيم يعرف بأنه "نظام قانوني يتم بواسطته الفصل بحكم ملزم في نزاع قانوني بين طرفين أو أكثر بواسطة شخص أو أشخاص من الغير يستمدون مهمتهم من اتفاق أطراف النزاع".
- كما عرفته محكمة النقض المصرية في عديد من أحكامها بأنه "طريـق اسـتثنائي لفض الخصومات قوامه، الخروج عن طرق التقاضي العاديـة ومـا تكفلـه مـن ضمانات، وذلك بحكم ملزم للخصوم". ويكون مقصوراً على ما تنصرف إليه إرادة أطرافه".
المطلب الثاني: تسوية المنازعات في قانون الشراكة المصري:
35- نصت المادة 35 من قانون الشراكة المصري على أنه "يخضع عقد المشاركة لأحكام القانون المصري، ويقع باطلاً كل اتفاق يتم خلافاً لذلك. ويجوز بعد موافقـة اللجنـة العليا لشؤون المشاركة الاتفاق على تسوية المنازعات الناشئة عن عقد المـشاركة، أو غيره من وسائل تسوية المنازعات غير القضائية، وذلك طبقا لما يتفق عليه في عقـد المشاركة".
36- ويستفاد من ذلك النص النقاط الآتية:
أ- أن المشرع أجاز اللجوء إلى التحكيم بإعتباره وسيلة غير قضائية لتسوية أيـة منازعات تنشأ عن عقد المشاركة.
ب- أن المشرع أسبغ الطبيعة الإدارية على عقود المشاركة، على الرغم من النص في الفقرة الثانية من المادة الأولى من مواد الإصدار على عدم سريان أحكـام القوانين التالية على عقود الشراكة، وهي أحكام القانون رقم 129 لـسنة 1947 بالتزامات المرافق العامة، والقرار بالقانون رقم 61 لسنة 1958 في شأن مـنح الامتيازات المتعلقة باستثمار موارد الثورة الطبيعية والمرافق العامـة وتعـديل شروط الامتياز، وقانون المناقصات والمزايدات الصادر بالقانون رقم 89 لسنة 1998، وغيرها من القوانين الخاصة بمنح التزامات المرافق العامة، والتي يدل ظاهرها على عدم تبني المشرع للطبيعة الإدارية لعقود الشراكة، إلا أننا نـستند فيما ذهبنا إليه إلى حجتين":
الأولى- أنه قرر في المادة السابعة من القانون سالف البيان، للجهـة الإداريـة الحق في تعديل شروط البناء والتجهيز والتطوير بإرادتها المنفردة متى اقتضت المصلحة العامة ذلك، ويتضح أنه بتوافر هذا الحق فإنه قـد اكتـسـب الـصفة الإدارية، والتي من بين خصائصها وجود شروط استثنائية غيـر مألوفـة فـي العقود الخاضعة للقانون الخاص.
الثانية- أنه قرر في المادة الخامسة والثلاثين بجواز الاتفاق على التحكيم فـي حالة تسوية النزاعات بالطرق غير القضائية، ولكن بشرط موافقة اللجنة العليـا لشؤون المشاركة (وهي اللجنة المشكلة طبقاً للمادة 14 من القانون رقم 67 لسنة 2010 وتشكل برئاسة رئيس مجلس الوزراء، وعضوية الـوزراء المختصين ، بالشؤون المالية، والاستثمار، والتنمية الاقتصادية، والشؤون القانونية، والإسكان والمرافق، والنقل، ورئيس الوحدة المركزية للمشاركة، ويتولى الوزير المختص بالشؤون المالية رئاسة اللجنة في حالة غياب رئيس مجلس الوزراء)، وهو ذات الشرط الذي اشترطه المشرع في القانون رقم 27 لسنة 1994، والمسمى قانون "التحكيم في المواد المدنية والتجارية"، والذي أجاز في مادته الأولى التحكيم في العقود الإدارية، ولكن بموافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة ولا يجوز التفويض في ذلك. والذي أسبغ ضـمناً الطبيعة الإدارية على عقود الشراكة، وإلا لما اشترط موافقة اللجنة العليا لشؤون الشراكة، والتي تقابل موافقة من يتولى اختصاص الأشخاص الاعتبارية العامة. ولعل مسلك المشرع المصري في تبنيه الطبيعة الإدارية لعقود الـشراكة لـيس غريباً؛ ذلك أن المشرع المصري يتأثر بالنظام اللاتيني – على سبيل المثـال فرنسا- التي تبنت الطابع الإداري لعقود المشاركة.
ج – لم يشترط المشرع الالتجاء إلى التحكيم فقط لتسوية المنازعات، بل أجاز أيـضاً اللجوء إلى الوسائل غير القضائية، وحسناً فعل المشرع في تبنيه هذا المسلك، إذ أنه أرتأى تجنيب المنازعات الخاصة بعقود المشاركة مـن طرحهـا علـى ساحات القضاء، ويمكن تعليل ذلك بعدة أسباب:
- حرص المشرع على كفالة سير المشروعات المقامة بأسلوب الشراكة، وعدم تأثر المشروع بما يصاحب نظر النزاع أمام القضاء من تسليط الضوء على خصوصيات المشرع.
- ما يتمتع به التحكيم من سرية إجراءاته وجلساته بما يحـافظ علـى أسـرار المشروع خاصة إذا ما كان يستخدم تكنولوجيا متقدمة فـي بيل تشييد المشروع، فأمام ساحات القضاء من الصعب الحفاظ على تلك السرية، خاصة إذا كان المشرع متعلقاً بمرفق عام.
- ما يكتنف اللجوء إلى القضاء من بطء في الإجراءات والبيروقراطية التي من شأنها عرقلة سير المشروع، وهو ما من شأنه أن يسفر عـن انـصراف المستثمرين عن الدخول في عقود مشاركة مع القطاع العام.
- حرص المشرع على ذكر التحكيم باعتباره وسيلة من الوسائل غير القضائية، وبمفهوم المخالفة، فإن أي وسيلة أخرى من الوسائل غير القضائية، يمكـن اللجوء إليها لتسوية المنازعات.
- حرص المشرع على ذكر التحكيم كوسيلة اختياريـة لتسوية المنازعـات، وكذلك أي وسيلة أخرى غير قضائية، وفقاً لما يتم الاتفاق عليه بين الأطراف في عقد المشاركة. ويثور التساؤل حول صياغة نص تلك المـادة، فالمـادة ذكرت أن تسوية المنازعات الناشئة عن عقد المشاركة يكون عـن طريـق التحكيم أو غيره من الوسائل غير القضائية، بشرط موافقـة اللجنـة العليـا لشؤون المشاركة، فهل يفهم من ذلك أن المشرع لم يجز اللجوء إلى القضاء، وإنما اختص التحكيم وغيره من الوسائل غير القضائية فقـط بنظـر تلـك المنازعات؟
نرى أن المقصود من ذلك ليس منع الأطراف من اللجوء إلى القضاء، ذلـك أن الدستور المصري يكفل للمواطنين حق اللجوء إلى قاضـيهم الطبيعـي، وبالتالي فلا يتصور أن ينص المشرع في قانون الشراكة على سـلـب هـذا الحق، وإنما قصد من وراء هذا النص أنه في حالة اتفاق الأطـراف علـى اللجوء إلى جهة أخرى غير القضاء، فلا بد من الحصول على موافقة اللجنة العليا لشؤون المشاركة، وبمفهوم المخالفة فإن لجوء أحـد الأطـراف إلـى القضاء لا يستلزم معه الحصول على موافقة اللجنة، ما لم يتم الاتفاق علـ اللجوء إلى التحكيم ابتداء، ففي هذه الحالة، لا يمكن لأي من الطرفين اللجوء إلى القضاء مباشرة في ظل وجود اتفاق على التحكيم، وإلا قـضـت معـه المحكمة بعدم القبول لوجود اتفـاق التحكـيم (م 13 مـن قـانون التحكـيم المصري).
- وشرط الحصول على موافقة اللجنة العليا لشؤون المشاركة شأنه شأن شرط الحصول على موافقة الوزير المختص أو من يتولى اختصاصه فـي حالـة إدراج التحكيم في العقود الإدارية، والسبب في ذلك يكمن في الأهمية البالغة لتلك العقود وتأثيرها على المصالح الاقتصادية للدولة، فلا بد من إقرار هذا الشرط (اتفاق التحكيم) من قبل اللجنة حتى تتمكن من تقييم خطورته، خاصة أن عقود المشاركة عادة ما تكون في شأن المرافق العامة، والتي تبلغ قيمـة تشييدها مليارات الجنيهات. أما في حالة عدم الحصول على تلك الموافقـة مو فإننا نرى أن حكمها يأخذ ذات حكم عدم أخذ موافقة الوزير المخـتص شأن إبرام اتفاق التحكيم في العقود الإدارية، أي أنه لا يمكن التـذرع بعـدم موافقة الوزير المختص كسبب للانسحاب من التحكيم أو لعـدم الاعتـراف بالحكم الصادر عن هيئة التحكيم، وهو ما يسمى الاستوبل، إذ أن مـضمون المبدأ يتطلب من الدولة (أو الشخص) أن يكون سلوكها الحـالـي متناغمـاً ومتألفاً مع ما اتخذته سابقاً من أوضاع قانونية أو واقعية، استجابة لما يتطلبه حسن النية في ممارسة الحقوق وتنفيذ الالتزامات، كما أن هذه القاعدة تضمن لكل طرف ممارسة حقوقه وأداء واجباته دون الخشية من أن يقـوم طـرف آخر في يوم ما بتغيير سلوكه ومواقفه والتنكر لحقوق لم يتنكر لهـا سـابقاً. فمبدأ الاستوبل ينبع من معين حسن النية ليصب في محيط استقرار العلاقات القانونية، وهذا المبدأ يعرف في الشريعة الاسلامية بأنه من سعى لنقض مـا تم على يديه، فسعیه مردود عليه.
المطلب الثالث: تقييم الالتجاء إلى التحكيم لتسوية منازعات عقود المشاركة:
37- لا تخفى على أحد، المزايا التي يمنحها التحكيم إلى أطرافه، على سبيل المثال: - سرعة الفصل في المنازعات والمرونة والاقتصاد بالنفقات.
- عدم التقيد بتطبيق قانون معين أو اجراءات معينة، حيث إنه من الإمكان الاتفـاق على القانون الذي سيتم تطبيقه والذي سيتم على أساسه الفصل في النزاع، وهـذا يحل المشاكل في حال وجود أطراف من دول مختلفـة أو جـود دول ومنظمـات أجنبية كأطراف في النزاع، حيث يتم اختيار القانون الذي سيتم تطبيقه ولا يفرض قانون دولة معينة للفصل في النزاع.
- صدور الحكم عن خبراء بمجالات متخصصة بموضوع النزاع، بما إن التحكيم لا يشترط على المحكم إن يكون حائزاً شهادة بالقانون، كما هو الحال فـي القـضاء، وبعض الخلافات تتطلب خبراء بمجالات معينة للفصل فيها.
- وجود فرص أكبر لحل الخلافات عن طريق الصلح، حيث ان اعضاء هيئة التحكيم يختارهم أطراف النزاع فأنهم في الغالب يحاولون تقريب وجهـات النظـر بـين أطراف النزاع وصولاً إلى حل توافقي يرضي الطرفين.
- تناول الخلاف بشكل يكفل السرية، مما يحفظ للطرفين عدم إفشاء الأسرار التجارية التي ما أن تعلن إلا وقد يشكل ذلك خطراً على حقوقهم في الملكية الفكرية.
- تخفيف أعباء القضاء من حيث عدم العودة اليه في كل النزاعات التي قد تنشأ.
- يتيح التحكيم للأطراف حرية اختيار الأشخاص الذين سيقومون بالفصل في النزاع، الأمر الذي سيؤدي الى الاطمئنان لأحكامهم.
38- ولما كانت عقود الشراكة لا تنطوي على عقد وحيد أو عقدين فقط، بـل هـي آليـة تمويلية متكاملة تقتضي الدخول في علاقات تعاقدية متعددة بغـرض قيـام القطـاع الخاص بتمويل وتصميم وبناء وتمويل وتشغيل أحـد مـشروعات البنيـة الأساسـية الاقتصادية لفترة زمنية محددة. ويستلزم إتمام المشروع مـن المـستثمر عـادة - الدخول في أكثر من عشرين علاقة تعاقدية مرتبطة جميعها بعضها ببعض . فإنه في سبيل المحافظة على سريان المشروع بدون تهديده بشبح التوقف لوجود منازعات بين الأطراف، فإن اللجوء إلى التحكيم لتسوية تلك المنازعات يحقق كفالة سيره.
39- وحيث إن مشروعات الشراكة ترتبط عادة بمشروعات البنيـة الأساسية والمرافـق العامة، فإنه من الضروري الحرص على سير المشروع. فالتحكيم لا يتسبب بتوقـف العمل، بل هو كوسيلة لفض سلمية المنازعات تحافظ على العلاقات بين الأطـراف، ولا ينتهون من التحكيم أعداء، كما هو الحال عند فـض المنازعـات فـي سـاحات القضاء. وهذه الميزة تظهر فائدتها، خصوصاً في المنازعات الناشئة عـن عقـود الشراكة، وهي من العقود طويلة الأجل والتي تستلزم التعايش السلمي بين أطرافهـا. ولذا فإن التحكيم يعتبر من أنسب الوسائل التي يمكـن اللجـوء إليهـا خاصـة فـى المشروعات المتعلقة بالبنية الأساسية والمرافق العامة.
الخلاصة: خلصنا في بحثنا هذا إلى عدة نتائج نوجزها فيما يلي:
1- أن المشرع أجاز الاتفاق على اللجوء إلى التحكيم في عقود المشاركة، واشترط فـي ذلك الحصول على موافقة اللجنة العليا لشؤون المشاركة. و رأينا أن عدم الحـصول على تلك الموافقة لا يعني بالضرورة عدم جواز اتخاذ اجراءات التحكيم، كمـا هـو الحال في حالة عدم الحصول على موافقة الوزير المختص على اتفاق التحكـيم فـى العقود الإدارية، خاصة أن المشرع قد تبنى الطبيعة الإدارية لعقود المشاركة.
2- أن المشرع أجاز اللجوء إلى أية وسيلة غير قضائية، غير التحكيم، ولم يحـدد تلـك الوسائل، وإنما نص على التحكيم باعتباره من أهم الوسائل السلمية البديلة من التقاضي لتسوية المنازعات، وبالتالي ففي حالة الاتفاق على أية وسيلة أخرى بخلاف التحكيم، فيشترط أيضاً الحصول على موا افقة اللجنة العليا لشؤون المشاركة.
3- انتهينا إلى أن التحكيم في عقود المشاركة من أنسب الوسائل لتسوية المنازعات لمـا تتمتع به تلك العقود من أهمية بالغة على مستوى الاقتصاد الوطني لارتباطهـا بمشروعات البنية الأساسية والمرافق العامة، وكذلك لتشابك وتعدد العلاقات الناشـئة عن إبرام تلك العقود والقيمـة المرتفعة لتلك العقود والتـي تـصـل إلـى مليـارات و الجنيهات.