الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / تعريف التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن / اتفاق التحكيم: استقلاله وصياغته

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    335

التفاصيل طباعة نسخ

    التحكيم نظام قانوني يقوم على الإختيار بمعنى أن إرادة الأطراف يجب أن تتجه إليه بمحض اختيارها وأن يكون اتجاهها إليه سليماً خالياً من عيوب الإرادة وأن تكون غايتها منه مـشروعة. ولكي يلجأ الأطراف إلى التحكيم يجب إذن أن يتفقوا عليه، إذ بدون هذا الاتفاق يكـون التحكـيم متعذراً.

    واتفاق التحكيم عقد الأصل فيه الرضائية، وله نفس أركان العقود المدنية والتجارية، وهـي الرضا والمحل والسبب. ولكن في بعض التشريعات مثل التشريع المصري أصبح اتفاق التحكـيم عقداً شكلياً حيث أضيف إلى الأركان الثلاثة المذكورة فيه ركن الكتابة فأصبحت مشترطة لإنعقاد العقد AD SOLEMNITATEM وليست فقط لإثبات العقد AD PROBATIONEM كمـا هو الشأن في تشريعات أخرى. وقد أصبحت الصياغة شبه النهائية للقواعد الجديدة لليونسترال تسمح بأعمال اتفاق التحكيم الشفوي وترتيب آثار قانونية عليه كالإتفاق المكتوب سواء بسواء. ويبدو اتفاق التحكيم الشفوي أمراً شديد الهشاشة fragile وقد يبدو الأمر الوسط فيه هو أن يكون مكتوباً كتابة معدة للإثبات وليست للإنعقاد. وتزداد مساوئ فكرة اتفاق التحكيم الشفوي أو الممكن اثباته حتى بالبينة اذا شاهدنا ما يجري في بعض البلاد مما يسمى بعشوائيات التحكيم حيث يكثـر التزوير في استصدار أحكام تحكيم وهمية ليست مبنية على ارادة من المحكوم ضده وانمـا يـتم بالاتفاق مع بعض المزورين انشاء شرط تحكيم مزور وتشكيل هيئة تحكيم لا يعرف المجني عليه شيئاً عنها ويفاجأ بملكية أرض أو عقار جرى نزعها منه دون علمه وانما يفاجأ بالسلطة العامـة قادمة لتنفيذ حكم تحكيم مفتعل. وهذا يحدث كثيراً في المنطقة العربية بل وحدث في فرنسا. لذلك نحذر من ان قواعد اليوسنترال سوف تتم مقاطعتها من المحامين الشرفاء اذا ما أصر واضـعوها على اقرار اتفاق التحكيم غير الكتابي.

استقلال شرط التحكيم:

    وأهم ما يميز اتفاق التحكيم أنه في جميع التشريعات تقريبا ولدى جميع مراكز التحكـيم فـي العالم يعتبر اتفاقاً مستقلاً عن موضوع التعاقد بين الطرفين. ورغم أنه قد يدرج في بند من البنـود الا أنه لا يندمج مع سائر بنود العقد بل يحتفظ بذاتيته الخاصة. ويرجع استقلال شـرط أو اتفـاق التحكيم عن العقد الأصلي بين الطرفين إلى اختلاف الأركان في كل منهما وذلك على النحو التالي:

الركن الأول:

    ان الركن الأول في أي عقد هو ركن التراضي. فإذا افترضنا أن العقد الأصلي بين الطرفين هو إقامة وتجهيز مبان جامعية. فإن ركن التراضي في عقد الإنشاء هو توافق إرادتي الطـرفين على هذا العقد بالذات. أما في عقد التحكيم المحرر استقلالاً أو المدرج كشرط في عقد الإنشاءات فإن التراضي فيه ينصب على إيجاد طريق بديل لطريق إقامة الخصومات أمام الجهات القضائية وذلك تجنباً للوسائل الكيدية التي تستخدم أمام القضاء العادي وتجنبـاً لنظـر القـضية أمامـه فالتراضي مختلف فيهما مما يستوجب النظر اليهما على أنهما عقدين منفصلين.

 الركن الثاني:

    في عقد الإنشاءات هو المحل وهو يتكون من عنصرين: الأعمال الإنشائية المطلوبـة مـن المقاول، والمقابل الذي يستحق عنها لمقاول الإنشاء. أما المحل في عقد التحكيم فهو العمل علـى إزالة الخلافات التي تنشب بين الطرفين والتي يتعذر الاتفاق بشأنها وذلك بإيجاد جهـة قـضائية هي محكمة التحكيم لفض الخلافات والمنازعات. فركن المحل مختلف أيضاً فيهما وهـذا خاصة دليل آخر على الاستقلال التام بين العقدين.

الركن الثالث:

    وهو ركن السبب الموجود والمشروع، ويتمثل في عقد الإنشاءات في الغرض المنشود مـن إقامة وتجهيز المباني وهو في مثالنا استخدامها للأغراض الجامعية. أما السبب في عقد التحكـيم أيضاً سبب صحيح ومشروع وهو الحرص على تذليل العقبات أمام تنفيذ المشروع وعلـى استمرار العلاقات صافية بين الأطراف وفي اطار من الخصوصية والسرية لمصلحة المشروع. وهو سبب مختلف كما نرى عن السبب في عقد الإنشاءات.

    وبناء على ذلك فإن استقلال اتفاق أو شرط التحكيم عن العقد الأصلي ليس مجرد افتـراض بل هو واقع. وهو ليس اختلافاً يسيراً بل إنه اختلاف جذري لأنه لا يوجد ركن واحـد مـشترك بينهما. وسبب استقلال اتفاق أو شرط التحكيم عن العقد الأصلي سبب منطقي: ذلـك إن الاتفـاق الأصلي يعمل به عقب انعقاده الى أن ينتهي بأحد أسباب الانهاء أو الانتهاء، اما اتفاق أو شـرط التحكيم فإنه بعد الاتفاق عليه في العقد أو في وثيقة مستقلة عن العقد، يظل خاملاً طـوال فتـرة تنفيذ العقد ولا ينشط من غفوته إلا عندما يقع خلاف بين الطرفين وتشرف العلاقة بينهمـا علـى الانهيار بالإنهاء أو الفسخ فعندئذ يبدأ اتفاق أو شرط التحكيم عمله لإعادة العلاقات إلى ما كانـت عليه بإزالة الخلافات أو يعمل عمله لتصفية آثار هذه العلاقات إذا كان الإنهاء أو الفــسـخ حتميـاً ومن هنا يتضح أن اتفاق أو شرط التحكيم لا يبدأ عمله عادة إلا بعد أن يتوقف، أو يكـاد، تنفيـذ العقد الأصلي وتحيط به الخلافات وقد يفسخه أحد الطرفين وعندئذ لا يقال ان العقدين قد فسخاً وانما العقد الأصلي وحده هو الذي فسخ لكي تحل في اتفاق التحكيم الحياة اللازمـة للتسوية أو اعطاء كل ذي حق حقه، والعقد الثاني على التحكيم ليس بعقد تابع يتبع مصير العقد الأصلي وانما هو عقد أصلي مثله. ولو كان مصير اتفاق أو شرط التحكيم يتبع العقد الأصلي لكونه مندمجاً فيه، فإن اتفاق التحكيم أو شرط التحكيم سوف يصبح في معظم الحالات متعذراً اعماله. لذلك كـان لا بد من الإبقاء على اتفاق أو شرط التحكيم حياً ولو مات وانقضى العقد الأصلي لأن عمل شرط أو اتفاق التحكيم لا يظهر عادة إلا في المراحل الأخيرة من حياة العقد عادة أو بعد انقضاء العقـد. والسند القانوني الذي يمكننا من الإبقاء على اتفاق أو شرط التحكيم هو التمسك بالتحليل القـانوني الذي قدمناه لأركان كل عقد والاختلاف الجذري الذي رأيناه فيها.

   ويترتب على استقلال اتفاق أو شرط التحكيم عن العقد الأصلي النتائج التالية:

    أولاً: إن تقدير صحة العقد وبطلانه تختلف في كل من العقدين: فقد يكون العقـد الأصـلي باطلاً بينما يكون اتفاق التحكيم صحيحاً. والعكس بالعكس. فقد يقع في عقد الإنشاءات في المثـال المتقدم غلط في مسائل جوهرية في العقد بخصوص العمليات الإنشائية. ولكـن البنـد الخـاص بالاتفاق على التحكيم لا يقع في مثل هذا الغلط فيبقى صحيحاً ويعمل به للفصل فـي موضـوع بطلان العقد بطلاناً نسبياً للغلط.

    ثانياً: أن فسخ أو انفساخ العقد الأصلي لا يصحبه فسخ أو انفساخ الاتفاق علـى التحكـيم. فيبقى قائماً ويمكن العمل به.

    ثالثاً: إذا لحق بالتزامات العقد الأصلي وصف من أوصاف الالتزام كالشرط أو الأجل، فإن ذلك لا يلحق بالضرورة اتفاق التحكيم أو شرط التحكيم.

    رابعاً: إذا انتهت مدة العقد الأصلي فإن اتفاق التحكيم أو شرط التحكيم لا ينتهي بـل يظـل قائماً لإمكان استخدامه في تسوية حقوق الأطراف بعد الانتهاء. وقد تكون لإتفاق التحكـيـم مـدة محددة ينتهي بإنتهائها ولا تكون للعقد الأصلي مدة.

    وتعرف المادة العاشرة من قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994 (قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية) اتفاق التحكيم بأنه:

    "اتفاق الطرفين على الإلتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التـي نـشأت أو يمكن أن تنشأ بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية. ويجوز أن يكـون اتفـاق التحكيم سابقاً على قيام النزاع سواء قام مستقلاً بذاته أو ورد في عقد معين بشأن كل أو بعـض المنازعات التي قد تنشأ بين الطرفين وفي هذه الحالة يجب أن يحدد موضوع النزاع فـي بيـان الدعوى المشار إليه في الفقرة الأولى من المادة 30 من هذا القانون. كما يجوز أن يـتم اتفـاق يجب التحكيم بعد قيام النزاع ولو كانت قد أقيمت في شأنه دعوى أمام جهة قضائية، وفي هذه الحالـة أن يحدد الاتفاق المسائل التي يشملها التحكيم. ويعتبر اتفاقا على التحكيم كل حالة ترد فـي العقد إلى وثيقة تتضمن شرط التحكيم إذا كانت الإحالة واضحة في اعتبار هذا الشرط جزءا مـن العقد" .

   وتحدد المادة 11 من القانون المصري الأهلية اللازمة لاتفاق التحكيم وهي أهلية التصرف. فتقول "لا يجوز الإتفاق على التحكيم إلا للشخص الطبيعي أو الاعتباري الذي يملك التصرف في حقوقه. ولا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح". أما الأهلية في العقد الأصـلي فقد تكون أكثر من مجرد التصرف فتكون أهلية التبرع، أو أقل منها كـأن لا تتطلـب الا أهليـة لأعمال الادارة. و

   ولإتفاق التحكيم صور متعددة نذكرها فيما يلي:

   أولاً: من حيث وقت تحريره قد يحرر قبل وقوع النزاع فيسمى اتفاق التحكيم إذا كان فـي ورقة مستقلة عن العقد الأصلي أو يسمى شرط التحكيم إذا كان مدرجاً في بند من بنـود العقـد الأصلي. وقد يحرر بعد وقوع النزاع فيسمى مشارطة تحكيم. وهذه الصورة الأخيرة كانت هـي الغالبة في القرن التاسع عشر. أما صورتي الاتفاق أو الشرط التحكيمي فقد ظهرت فـي مطلـع القرن العشرين وأصبحت لها الغلبة بإعتبارها احتياطاً للمستقبل وفي وقت مبكر هو وقت انعقـاد الوقت الأصلي حيث أنه لوحظ أن الاتفاق على التحكيم بعد وقوع النزاع يتعذر فـي كثيـر مـن الحالات بسبب تخوف طرف أو آخر أن يصدر ضده حكم تحكيم. وقد تنتهي العلاقـة التعاقديـة بسلام ودون خلافات فلا يتم أعمال اتفاق أو شرط التحكيم،

    ثانياً: من حيث شكله قد يكون اتفاقاً شفهياً غير شكلي (إذا كان النظام القانوني الذي يطبـق عليه يسمح بذلك) وقد يكون مكتوباً. وقد تكون الكتابة فيه ركناً فلا ينعقد إلا بها وقد تكون للإثبات فيمكن عند تخلف الكتابة الإستعانة بوسائل إثبات أخرى.

    ثالثاً  : من حيث وسيلة إبرامه قد يكون في بند من العقد الأصلي وقد يكون في ورقة مستقلة. وقد يكون موقعاً من الأطراف أو يكون في وثيقتين تحمل إحداهما توقيع الطرف الأول وتحمـل الثانية توقيع الطرف الثاني. وقد يكون غير موقع نهائيا من الأطراف كما هو الحال فـي تبــادل الرسائل بالتلكس أو الإنترنت أو الوسائل الإلكترونية الأخرى الحديثـة. ولا ينصح بإستخدام الفاكس لكونه غير مأمون والتزوير فيه سهل. كذلك البرقيات العادية تكون غير موقعة. ورغـم عدم التوقيع الذي يعتبر خروجا على القواعد العامة في نظرية العقد إلا أن قوانين التحكيم الحديثة تنص على صحة ونفاذ شرط التحكيم غير الموقع.

    رابعاً: طبقاً لإتفاقية المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار (اكسيد) فإن الإتفـاق علـى التحكيم لا يلزم أن يكون في وثيقة واحدة موقعة من الطرفين، بل يكفي فيه أن تكون موافقة كـل طرف مستقلة عن موافقة الطرف الآخر وغير متزامنة معها. فمثلاً في قضية هـضبة الأهـرام اعتبرت محكمة تحكيم اكسيد أنه رغم عدم وجود اتفاق تحكيم بين مصر كدولة مـضيفة وبـين المستثمرين الأجانب في هذه القضية الا أنه توجد في مصر موافقة تشريعية مسبقة ومفتوحة لكل مستثمر يظهر مستقبلاً حيث أن قانون الاستثمار ينص على أن من بين طرق تسوية المنازعـات فيه الإلتجاء الى تحكيم اكسيد. وهذه الموافقة التشريعية المسبقة المفتوحة تسري في كـل قـضية ترفع ضد مصر أمام مركز اكسيد.

كيفية صياغة اتفاق أو شرط التحكيم:

     يجدر بمن يتولى صياغة اتفاق التحكيم أو شرط تحكيم أن يمعن النظر في النقاط التالية:

    أولاً: أن ينظر فيما إذا كان التحكيم سيجري عنـد الحاجـة تحكيمـاً مؤسـسياً أو نظاميـاً INSTITUTIONAL ARBITRATION أم أنـه سـيجري تحكيمـاً حـراً AD HOC ARBITRATION فهذه أول خطوة في تحديد اتجاه أطراف العلاقة القانونية ولذلك يجب أخـذ رأيهم فيها فقد يشيرون بأنهم يودون إدارة دفة التحكيم بأنفسهم ويضعون له القواعد التي تطبـق عليه فيختارون التحكيم الحر. وقد يكون اتجاههم هو الإعتماد على مركز تحكيم معين يثقون فيه ويستفيدون من خدماته، فيختارون التحكيم المؤسسي أو النظامي وفي هذه الحالة يجب أن يـذكر في اتفاق أو شرط التحكيم اسم المركز الذي اختاره الطرفان. ويحسن التدقيق فـي وضـع اسـم المركز فمثلاً كثير من حالات التحكيم التي عرضت على غرفـة التجـارة الدوليـة لا يحـسن الأطراف ذكر اسم هذه الغرفة. وجرت الغرفة على أن تفسر سوء الصياغة على أن المقصود هو غرفة التجارة الدولية بباريس. فإذا قيل مثلاً أن التحكيم يجري أمام "غرفة التجارة الدولية بجنيف" فسرت ذلك على أن المقصود هو غرفة التجارة الدولية التي مقرها الرئيسي في باريس علـى أن يكون مقر أو مكان التحكيم في جنيف. وغالباً ما يتبع ذلك مراكز التحكيم الأخرى.

   ومن المألوف أن يستضيف مركز للتحكيم حالات التحكيم الحر فيسمح بعقد جلساتها في مقره ويضع خدماته تحت تصرف الأطراف والمحكمين. ولكن الحكم يكون حكماً في تحكيم حر وليس في تحكيم نظامي.

    ومن المهم الحذر من تحويل تحكيم نظامي متفق عليه إلى تحكيم حر لأن ذلك يـؤدي إلـى نتائج خطيرة في بعض الحالات كما في المثال التالي: في القضية رقم 3383 بغرفـة التجـارة الدولية (كما يروي ذلك مستر ستيفن بوند السكرتير العام السابق لمحكمة التحكيم الدولية في مقال له) كان في عقد بين طرفين شرط تحكيم نظامي أمام الغرفة. وأغـرى المحكمـون الأطـراف بالتخلي عن غرفة التجارة الدولية وأن يستمر المحكمون معهم في نظر القضية على أنه تحكـيم حر. وقبل الأطراف وحرروا مشارطة تحكيم جديدة حددوا فيها ثلاثة أشهر لإصدار الحكم. ولـم يتمكن المحكمون من إصدار الحكم خلال هذه المدة فوافق الأطراف على تجديدها ثلاث مـرات وفي الرابعة زعم المدعى عليه أنه لا يستطيع أن يوافق على التجديد بحجة أنه مخالف للقانون في بلده فأعلنت هيئة التحكيم أن مهمتها قد انتهت دون حكم.

    ثم لجأ الطرف المدعى إلى غرفة التجارة الدولية مرة أخرى بموجب شرط التحكيم الأصلى وعينت الغرفة محكماً وحيداً ولكن هذا المحكم قضى بعدم اختصاصه حيث أن مشارطة التحكـيم الحر قد ألغت شرط التحكيم المؤسسي فلا يجوز الإلتجاء إليه إلا بإتفاق جديد مع الطرف الآخر.

   وفي صياغة شرط التحكيم يشار مع ذكر اسم مركز التحكيم إلى أن لائحة الإجراءات فـي هذا المركز تنطبق على النزاع. ولكن لوائح إجراءات التحكيم تتغير من حين لآخر. لذلك يحسن ذكر اللائحة المقصودة: هل هي اللائحة السارية وقت صياغة الشرط أو الاتفاق على التحكيم، أم أنها اللائحة التي تكون سارية وقت تقديم القضية لمركز التحكيم.

     ثانياً: يجب ذكر ما إذا كان التحكيم المتفق عليه دولياً أو محلياً: ويرجع ذلك إلى أن التحكيم المحلي يحتاج إلى مراجعة القواعد الآمرة في قانون الإجراءات المحلي لمعرفة ما إذا كانـت تخدم مصالح عميل القائم بالصياغة أم تضره. فإذا كان البلد الذي سيجري فيه التحكـيم المحلـي أجنبياً عن القائم بالصياغة فإنه عليه الرجوع إلى أحد مكاتب شركات المحاماة في ذلك البلد لكي يستمد منه استشارة حول الموضوع.

    ثالثاً: يجب أن يحدد القائم بالصياغة نطاق التحكيم. وهذا النطاق يمكن التوسع فيه كما يمكن تضييقه. فقد ينص على أن التحكيم يشمل المنازعات المتعلقة بتنفيذ العقـد الأصـلي. فينحـصر التحكيم في نقطة ما يتعلق بالنتفيذ. فلا يشمل ما يتعلق بإنعقاد العقد الأصلي مـثلاً ويـدخل هـذا الموضوع في اختصاص القضاء العادي. وبذلك توجد ازدواجية في نظر عناصر القضية الواحدة مما يؤدي إلى تضارب الأحكام الصادرة أحياناً فتقضى هيئة التحكيم بإلزام أحد الطرفين بالتنفيـذ العيني أو بالتعويض النقدي بينما يقضي القضاء العادي ببطلان العقد الأصلي. لذلك فإن الطريقة المثلي لصياغة شرط التحكيم هي طريقة التعميم والشمول فينص في اتفاق أو شرط التحكيم على أن: "أي نزاع أو خلاف ينشأ عن هذا العقد أو يكون متعلقاً به يحال إلى التحكيم". وقد جرت على هذه الطريقة مراكز التحكيم حيث تضع شرطاً نموذجياً بهذا المعنى يدرج في العقد. أما إذا كانت الصورة هي اتفاق تحكيم فإنه يجب أن يشار فيه إلى العقد الأصلي إشارة مفصلة تفصيلاً كافيـاً بذكر تاريخه وأطرافه وموضوعه ورقمه وغير ذلك مما يقطع النـزاع حـول العقـد الأصـلي المقصود. وتحديد نطاق التحكيم نقطة يجب أخذ رأي الطرفين فيها ويكون لهما الإختيـار بـين الأسلوبين بعد شرح المقصود لهما كما تقدم.

    رابعاً: يجب عند صياغة اتفاق أو شرط التحكيم أو مشارطة التحكيم تحديد ما إذا كان الحكم الذي سيصدر فيه يعتبر نهائياً أم غير نهائي أي يجوز الطعن فيه. وعادة ما تنص مراكز التحكيم في لوائح الإجراءات بها على أن الحكم سيكون نهائياً بمعنى أن الطرفين يتنازلان مقدماً عن كل طريق للطعن يجوز قانوناً النزول عنه مقدماً في القانون الإجرائي المطبق على التحكيم. وبالعكس لا يسقط حق أي من الطرفين في سلوك طريق طعن لا يجوز النزول عنه قبل نشوء الحق فيـه ولا شك في أن نهائية الأحكام ميزة كبيرة في التحكيم تختصر التطويل في الإجراءات.

    خامساً: يجب تحديد عدد المحكمين: وتحديد العدد قد يتدخل فيه حكـم القـانون الإجرائـي المطبق على التحكيم، فلا يجيز مثلاً أن يكون العدد زوجياً كالقانون الإنجليـزي أو يـشترط أن يكون العدد وتراً، أي واحد أو ثلاثة أو خمسة.. إلى آخره، والمحكم الوحيد يكون اختياره مناسباً للقضايا قليلة القيمة أو لشدة ثقة الطرفين فيه. وهو يوفر كثيراً في نفقـات التحكـيم. أمـا تعـدد المحكمين فإنه يكون مكلفاً وباعثاً على خلاف بين المحكمين مما يؤخر الفصل في القضية. كمـا يجب أن يحدد طريقة اختيار المحكمين المتعددين وهذا هو ما سنتحدث عنه في البند التالي.

    سادساً: طريقة تعيين المحكمين: الطريقة الشائعة في هذا المجال هي أن يختـار كـل مـن الطرفين محكماً وأن يختار المحكمان المختاران المحكم الثالث الذي يرأس محكمة التحكيم. وقـد يفوض الطرفان إلى مركز التحكيم اختيار المحكم أو المحكمين. وقد يفوضون إلى شخصية دولية أو هيئة دولية معروفة مثل محكمة التحكيم في لاهاي التي تنص عليهـا قواعـد اليوسنترال لا كسلطة تعيين وانما كسلطة لتعيين سلطة التحكيم. ويقوم الشخص أو الهيئة بإجراء اختيار المحكم أو المحكمين المختلف عليهم. بل أنه في التحكيم الحر قد يلجأ أحد الطرفين أو كلاهما إلى إسـنـاد الإختيار إلى مركز تحكيم معين.

    سابعاً: اختيار مكان أو مقر التحكيم: من المهم في صياغة اتفاق أو شرط التحكـيم تعيـين مكان أو مقر التحكيم. وكانت لفظتا المكان والمقر تعتبران مترادفتين، ولكن اسـتحدث مجلـس اللوردات البريطاني تفرقة بين اللفظتين في حكم صدر عام 1991 تقوم على ما إذا كانت هنـاك آثار قانونية تنعكس على قضية التحكيم نتيجة اختيـار موقـع معين لعقد جلسات التحكيم فيـه فإذا كانت قضية التحكيم تتأثر بقانون البلد الذي يجري فيه التحكيم فهذا البلد يكون مقراً للتحكـيم seat of arbitration ومن مظاهر التأثير القانوني هنا أن يحترم التحكيم الـضمانات الأساسـية للتقاضي في "مقر" التحكيم وأن هذا الحكم إذا أريد إبطاله لسبب من الأسباب فـإن هـذا الطعـن بالبطلان يتم أمام محاكم بلد "مقر" التحكيم، أما مكان التحكيم فهو الموقع الذي لا يكـون لـه أي تأثير قانوني على قضية التحكيم، وإنما هو مجرد موقع جغرافي تم اختياره من المحكمين أو من الأطراف لسهولة الوصول إليه والإجتماع فيه أو لغرض معين مثل سماع شهود كثيرين أو معاينة موقع معروض عليها، ولكن هذا المكان لا يترتب على اختياره شيء يتعلق بسريان الـضمانات الأساسية للتقاضي فيه على التحكيم ولا يطعن في الحكم أمام محاكمه. وفي عـام 1997 انتقلـت هذه التفرقة إلى فرنسا فقضت محكمة استئناف بـاريس. الـدائرة الأولـى المدنيـة بتـاريخ 28/10/1997 بأن: "مقر التحكيم فكرة قانونية بحتة تستتبع نتائج هامة وبصفة خاصة اختصاص الجهات القضائية للدولة بنظر الطعن بالبطلان، وليست فكرة مادية تعتمد علـى مكـان اجتمـاع محكمة التحكيم أو مكان توقيع الحكم" المصدر: مجلة التحكيم (بالفرنسية) العدد الثـاني 1998 – ص399 وما بعدها). ومعنى هذا أن هذه المحكمة تقول بنفس تفرقة مجلس اللوردات فتميـز مـا بين مكان التحكيم lieu de l'arbitrage وبين مقر التحكيم siege de l'arbitrage واختيار مقر التحكيم في وقت مبكر أثناء إعداد اتفاق أو شرط التحكيم من شأنه أن يقطع النزاع بين الأطراف عند الدخول في التحكيم حول اختيار هذا المقر.

     واختيار مقر التحكيم ليس عملية اختيار مكان سياحي يقضي فيه المحكمون بعض الوقت، بل هو أمر دقيق يحتاج إلى إمعان النظر لمعرفة مدى تأثر القضية بالأحكـام القانونيـة فـي مقـر التحكيم. وللتدليل على هذه الأهمية نذكر المثال العملي التالي:

     ففي قضية (يذكرها مستر ستيفن بوند في محاضرته سالفة الذكر) تتعلق بطرفين من استراليا وفنلندا يقوم أحدهما بتوزيع منتجات الآخر مقابل عمولة. واستحقت له عمولات تراكمت عن مدة ست سنوات. وبعد نهاية السنوات الست أقام دعوى تحكيم أمام غرفة التجارة الدوليـة واختـار الطرفان لندن مقراً للتحكيم كما اختارا تطبيق القانون الإنجليزي على النـزاع. وطبـق المحكـم الإنجليزي على المبالغ المطالب بها قواعد التقادم الخاصة بالقانون الإنجليزي والتي تقضي بـأن هذا النوع من الحقوق يتقادم بمضي ست سنوات، وأحكام التقادم في القانون الإنجليزي تعتبر من المسائل الإجرائية لا الموضوعية، والمسائل الإجرائية تتأثر بقانون مقر التحكـيم. وهكـذا فقـد الموزع حقوقه ولم يحكم لصالحه حيث أن العمولات التي كان يطالب بها كانت مستحقة حتى عام 1976 ولم يتقدم بدعواه للتحكيم إلا في عام 1982 حيث كانت مدة التقادم السداسي قد اكتملت.

    ثامناً: تحديد المؤهلات المتطلبة في المحكمين: وهذا لا يحدث دائماً في قضايا التحكيم وإنما يحدث فقط في بعضها حيث تحتاج القضية إلى نوع معين من التخصص، وهذا يحـدث بـصفة خاصة في قضايا الإنشاءات ولذلك حرصت وثائق الفيديك على ذكر بند مؤهلات المحكمين فـي نموذج اتفاق الأطراف على التحكيم.

    تاسعاً: القانون الواجب التطبيق على الإجراءات وعلى الموضوع: وهذا أمـر مـهـم لـمنـع التنازع حوله مستقبلاً، ومع ذلك فإن الأطراف في بعض قضايا التحكيم يتركون ذلك للمحكمـين أما بصفة مطلقة أو مع ذكر معايير استرشادية للتحديد طبقاً لقواعد القانون الدولي الخاص. وقـد يتفق الطرفان في شرط التحكيم على أن يكون الحكم غير متقيد بقانون وأن يصدر طبقاً لقواعـد العدالة والإنصاف ex aequo et bono.

    عاشراً: لغة التحكيم: قد يقوم الأطراف بإختيار لغة للتحكيم غالباً ما تكون هي نفسها لغـة العقد، وقد يتركون ذلك للمحكمين. وقد يتفق الأطراف على أن يستخدم كل منهما لغته ويـستعان في هذه الحالة بمترجمين إذا كانت تلك اللغة مجهولة للطرف الآخر. وتـصرح بعـض هيئـات التحكيم للأطراف الإستعانة بأية لغة خاصة في سويسرا حيث تتعدد لغات الشعب السويسري.

   حادي عشر: التفويض بالـصلح: amiable compositeurs (وبالإنجليزيـة amiable composition)، ومعناه أن يتفق في شرط أو اتفاق التحكيم (أو بعده) على إعطـاء المحكمـين سلطة الفصل في النزاع بين الطرفين دون التقيد بقانون معين فيحكمون بما تمليه عليهم ضمائرهم ويشعرون أنه يحقق العدالة. وهذا لا يمنع المحكم من اختيار قانون معين يطبقه وفي هذه الحالـة يكون ملزماً بأن يبدي من المبررات ما يكفي لمساندة اختياره، وبعبارة أخرى أن يدلل على أنه لم يجد أعدل من حكم القانون الذي طبقه وأن اختياره له يرجع إلى أنه قانون يحقق العدالة بأفـضل صورة ممكنة.

    ثاني عشر: يجب على القائم بصياغة الشرط أو اتفاق التحكيم أن يستفسر من الأطراف عما إذا كانوا يرغبون قبل الدخول في تحكيم أن يبذلوا محاولة للتوفيق بينهم، فإذا رغبوا فـي ذلـك وجب عليه أن يحدد بوضوح في الصيغة ما إذا كانت هذه المحاولـة للتوفيـق حتميـة، فتعتبـر الدعوى قد رفعت قبل الأوان في التحكيم إذا لم تستوف محاولة التوفيق ويكون ذلك سـبباً لـدفع بعدم القبول، أم أن هذه المحاولة ليست حتمية فيكون النص عليها بصورة مخففـة عـن صـيغة الحتم.

    ثالث عشر: النزول عن الحصانات: مما لا شك فيه أن قبول التحكيم الدولي بواسطة الدولة أو أحد فروعها والتوقيع على شرط تحكيم من شأنه أن يسقط حصانة الدولة ضد الخضوع لقضاء التحكيم وأن يجردها من حق التمسك بسيادتها. ولكن كثيراً ما يفضل القائمون بصياغة اتفـاق أو شرط التحكيم النص صراحة على نزول الدولة الطرف عن التمسك بالسيادة أو الحصانة سـواء بالنسبة لإجراءات التحكيم أو بالنسبة للإعتراف بالحكم الصادر فيه وتنفيذه.

    رابع عشر: الأحكام الوقتية والجزئية والإجراءات التحفظية: يمكن أيضاً أن يتفق الأطـراف على إعطاء السلطة للمحكمين في إصدار أحكام جزئية يعقبها حكم نهائي، أو إصدار أحكام وقتية لمواجهة ظروف معينة أو أن يأمروا بإجراء أو أكثر من الإجراءات التحفظية. كما يمكن الإتفاق على العكس أي على الفصل في النزاع بحكم واحد وأن تكون التدابير التحفظية من أختـصاص القضاء العادي أو من اختصاص محكمة التحكيم.

    خامس عشر: قد ينص في اتفاق أو شرط التحكيم على القواعد الإجرائية التي يرى الأطراف إلزام المحكمين بتطبيقها. فهم أصحاب المصلحة والصفة في ذلك دون أن يمسوا بقاعدة من النظام العام.

    سادس عشر: ومن أهم ما يجب الإنتباه إليه في صياغة شرط أو اتفاق التحكيم أن ينص على أن "الطريق المتفق عليه هو الطريق الوحيد الذي يجوز لأي من الطرفين أن يسلكه وأنه يمتنـع على أي منهما سلوك طريق قضائي أو تحكيمي غيره".

     والسبب في ذلك هو أنه في قضية هضبة الأهرام لجأ الطرف الأجنبي إلى استخدام تحكـيم الغرفة التجارية الدولية حيث أنه كان هو الطريق المتفق عليه. ولما أبطل حكم تحكيم هذه الغرفة الصادر لصالحه لجأ إلى التحكيم بمركز أكسيد التابع للبنك الدولي. وفي حكـم جزئـي بـصدد الإختصاص قرر هذا المركز أنه لا يوجد ما يمنع طرفاً من سلوك أي تحكيم آخر بغية الوصول إلى حقه، واعتبر هذا الحكم أن قانون الإستثمار المصري الذي يتضمن نصاً على تحكيم مركـز أكسيد يقدم موافقة تشريعية من الدولة لا يلزم بعدها وجود شرط أو اتفـاق تحكـيم لأن معاهـدة إنشاء المركز لم تشترط اتفاقاً وإنما اشترطت "موافقة" على الدخول في التحكيم وهـذه الموافقـة وضعتها جمهورية مصر العربية في صلب التشريع فتكفي وحدها. ولا يزال هذا النص موجوداً.

    سابع عشر: النص في حالة التحكيم الدولي على أن يكون رئيس محكمة التحكيم من جنسية غیر جنسية طرفي النزاع ضماناً للحيدة والإستقلال.

    ثامن عشر: النص على سرية الإجراءات وحكم التحكيم: وهو أمر مقرر دون حاجـة إلـى  نص ولكن لا بأس من ذكره في اتفاق التحكيم. كما وأن الأطراف من حقهم الإذن بالنشر أو بنشر ملخص أو بالنشر دون الإشارة الى اسماء الأطراف.

    تاسع عشر: يمكن النص في اتفاق التحكيم على ان يتضمن الحكم مراعاة الأوضاع القانونية في بلد التنفيذ خاصة ما يتصل بالنظام العام حتى يكون حكم التحكيم قابلاً للتنفيذ فيه.

    عشرون: يجب على القائم بصياغة شرط أو اتفاق التحكيم أن يطلع على العقد الأصلي كاملاً وخاصة ملاحقه حيث أنه في بعض الأحيان يوجد في موضع ما من هذه الوثـائق نـص علـى اختصاص محاكم دولة معينة أو على نوع آخر من التحكيم فيقع التناقض بين الشرط أو الإتفـاق وبين هذه المواضع المخالفة.

    حادي وعشرون: تقضى بعض القوانين (مثل القانون المصري والعماني) بأن يصدر حكـم التحكيم بالأغلبية. ولكن في بعض الأحيان تتعذر الأغلبية ويتشبث كل محكم برأيه. وفـي هـذه الحالة لا مفر من الإحتياط مقدماً حتى لا يفشل التحكيم وذلك بالنص في اتفاق التحكم على أنه إذا انقسمت آراء المحكمين بقدر عددهم وتعذر إيجاد أغلبية صدر حكم التحكيم برأي الرئيس كما لو كان محكماً منفرداً.