الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / تعريف التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن / الاتفاق على التحكيم في ظل قواعد اليونسترال وصوره، اشكاله، الرضى به، محله

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    291

التفاصيل طباعة نسخ

      من سنن الحياة التطور، وبالنسبة للقواعد او النصوص القانونية ان يطرأ تعديل عليها لأنهـا بطبيعتها جامدة، ولأن الحياة العملية التجارية الدولية ينشأ عنها نزاعات متعددة وتتكشف حلـول نتيجة لذلك، فقد وضعت لبنة اساسية في العام 1976 قامت بها لجنـة الأمـم المتحـدة للـتحكم التجاري الدولي. ومن ثم اصدرت قانون التحكيم النموذجي والمعـروف باليونــسترال بتـاريخ 21/6/1985، واوصت الجمعية العامة للأمم المتحدة الدول الأعضاء فيها على وضـع القـانون النموذجي المعروف باليونسترال باللغـة الانكليزيـة .U.N.C.I.T.R.A.L وباللغـة الفرنسية C.N.U.D.C.I موضع الإعتبار في تشريعاتها الداخلية.

اولاً: صور الاتفاق التحكيمي:

    من المعلوم ان اتفاق التحكيم او ما يسمى مشارطة التحكيم او عقد التحكيم، يعتبر عقـداً يتم بإتفاق اطرافه. وهو عقد ذو طبيعة اجرائية طالما انه يؤثر مباشرة فـي الخـصومة، ويتـيح للخصوم الآخرين اثارة الدفع بوجود الاتفاق التحكيمي، ومنع عرض النـزاع علـى القاضـي وتنظيمه لبعض الإجراءات التي يمارس فيها المتعاقدون خيارا في تنظيمها او وضعها. وقد ذهب رأي يفيد ان اتفاق التحكيم له طابع خاص وليس له طابع اجرائي. وخلاف الفقهاء في هذا الشأن لا أثر له على موضوعنا، ذلك ان ما يهمنا هنا هو ان اتفاق التحكيم له صورتان. وقـد يكـون موجوداً في مرحلة ما قبل نشوء النزاع بين الأطراف. وهذه الصورة الأولى تسمى في لبنان البند التحكيمي وفـي بعـض الـدول العربيـة شـرط التحكيم، وباللغـة الفرنسية la clause compromissoire، والصورة الثانية تحصل في مرحلة ما بعد نشوء النزاع بينهم، وتسمى في لبنان العقد التحكيمي او اتفاق التحكيم، لا فرق في ذلك، او مشارطة التحكيم في معظـم الـدول العربية، وباللغة الفرنسية le compromise.

     وهناك صورة اخرى او ثالثة إنما لم تأخذ بها معظم الدول. وهي صورة الإحالة الى امـر ثالث عندما يتضمن شرط التحكيم احالة الى قواعد معينة او قانون معين. ونحن نرى ان ذلك مما يندرج في اطار البند التحكيمي. ولا نرى فائدة في مناقشة ما اذا كان من الأفضل وصف الاتفاق التحكيمي بأنه اتفاقية تحكيم او عقد تحكيمي او مشارطة التحكيم واستنباط الفروقات التي توصـل اليها الفقه، لأنها غير منتجة على حقوق الأفراد من الناحية التطبيقية او العملية.

    وعلى ذلك نكتفي بالتقسيم الثنائي لصور الإتفاق التحكيمي.

1- في شرط التحكيم او البند التحكيمي:

    ان شرط التحكيم او البند التحكيمي ينبغي ان يكون طبقاً لأحكام المادة 763 اصول مدنيـة لبناني مكتوباً في العقد الأساسي او في وثيقة يحيل اليها هذا العقد. ومدلول هذا البند التحكيمي انه يندرج في اطار الإتفاق الملزم لأطرافه. وبمقتضاه يتم اللجوء الى التحكيم من دون الخضوع الى قضاء الدولة. فإذا ورد البند التحكيمي في اتفاق مستقل من دون علاقة تعاقدية مسبقة، فهو يبقـى مستقلاً عن العقد. ويعتبر هذا الشرط احد بنود العقد او الإتفاق. ونصت المادة السابعة، الفقـرة 2 من القانون النموذجي الصادر عن لجنة الأمم المتحدة للتحكيم التجاري الدولي (اليونسترال) سـنـة 1985، ان الإشارة في عقد ما الى مستند يشتمل على شرط تحكيم هو بمثابة اتفاق تحكيم، علـى ان يكون العقد مكتوباً، بحيث يكون هذا البند جزءاً من العقد. ويعتبر ورود شرط التحكيم في العقد انه يغني عن ابرام العقد التحكيمي اذا تضمن مثل هذا البند اشارة الى ان كافة المسائل المتنـازع بشأنها تحل بواسطة التحكيم. الا انه في الغالب يكفي الاتفاق على التحكيم من حيث المبدأ، اذ انه يستبعد ان يكون المتعاقدون قد توقعوا فيما بينهم تفسيراً ما او تنفيذاً للالتزامات المتبادلة المترتبة على كل منهم، ولم ينشأ النزاع بينهم بعد. واذا ورد شرط التحكيم او بند التحكيم في احد العقود، فإن بطلان احدهما لا يؤثر على الآخر. وان بند التحكيم يجب بحسب طبيعته وأيلولته وغايته ان يتضمن اطاراً لحل كافة المسائل التي قد تثار نزاعات بشأنها. وقد يرد شرط التحكيم ضمن بنود العقد المطبوع او غير المطبوع معه اي بالإستقلال عنه. الا ان القانون اللبناني اشـترط لـصحة البند التحكيمي ان يكون مكتوباً في العقد الأساسي لأنه شرط وجود وليس وسيلة للإثبات، وذلـك بخلاف ما هو عليه الحال بالنسبة لعقد التحكيم الذي لا يثبت الا بالكتابة طبقاً لما تنص عليه المادة 766 اصول محاكمات لبناني. فالمادة السابعة من القانون النموذجي توجب ان يكون بند التحكـيم مكتوباً، ويماثله في ذلك اذا ورد في وثيقة موقعة من الطرفين او في تبادل رسائل او برقيات او غيرها من وسائل الاتصال السلكي واللاسلكي.

2- في عقد التحكيم او مشارطة التحكيم او اتفاقية التحكيم:

    إن مشارطة التحكيم او عقد التحكيم او اتفاقية التحكيم هو اتفاق يتم بين الأطراف المتنازعة وذلك بعد قيام النزاع لعرضه على التحكيم من دون قضاء الدولة الرسمي. ومن سـمات اتفـاق التحكيم من حيث الموضوع او المحل انه اتفاق قابل للتجزئة. وان بطلان شق منه لا يبطل سائر اجزاءه ما لم تكن مرتبطة به ارتباطاً غير قابل للتجزئة. واذا افترضنا جدلاً ان اتفـاق التحكـيم اشتمل على وجوب حل موضوع بعض النزاعات التي لا يجوز فيها الصلح وبالتـالي لا تقبـل التحكيم، فإنه يكون صحيحاً بالنسبة لما يجوز فيه التحكيم فحسب، ويقتصر فيه البطلان على الشق الباطل وحده، ما لم يثبت مدعي البطلان ان الشق الباطل او القابل للابطال لا ينفصل عن جملـة مواد التعاقد الأخرى. علماً بأن الإرتباط بعدم التجزئة هو من مسائل الواقع التي تخضع لتقـدير محكمة الأساس. واتفاق التحكيم هو مصدر سلطة المحكمين. وهو ملزم لأطرافه عمـلاً بقاعـدة نسبية التحكيم، فلا يمتد الى الغير او يسري عليه ولا يحتج به بمواجهته. وينصرف ايضاً أثـره للخلف العام او الخاص لأنهم ليسوا من الغير كمفهوم قانوني. ونقصد بالخلف العام كل من يخلف طرفاً في ذمته المالية اي في كامل حقوقه وموجباته أو في جزء منها بإعتباره مجموعاً من المال كالوارث والموصى له. ويعتبر من الخلف العام في اتفاق التحكـيم الـشركة الدامجـة للـشركة المندمجة، فيمتد أثر اتفاق التحكيم الذي أبرمته الشركة المندمجة للشركة الجديدة بعد الإندماج مـا لم يرد نص خاص يمنع من ذلك. اما بالنسبة للخلف الخاص فهو كل من يخلف شخصاً في عين معينة بالذات او في حق عيني يملكه. والخلف الخاص يلتزم بإتفاق التحكيم ويسري عليه كما كان يسري على سلفه. وأطراف عقد التحكيم سواء أكانوا أصليين او خلف عام او خاص فإنه ينبغـ ان تتوافر فيهم أهلية التصرف في الحق موضوع الإتفاق. فإذا لم تتوافر مثل هذه الأهلية فـيهم، فلا يعتبر اتفاق التحكيم صحيحاً بالنسبة لهم ولا يمتد بالتالي للخلف العام أو الخاص. الا انه يقـع استثناء من قاعدة نسبية أثر اتفاق التحكيم وذلك في حالة الإشتراط لمصلحة الغير وحالة التعهـد عن الغير. واتفاق التحكيم قد يمتد لنزاعات ليست كلها مدنية او تجارية صرفة. الا انه من المقرر ان التحكيم لا يجوز الا فيما يجوز فيها الصلح. وعلى ذلك تخرج عن اتفاق التحكيم المنازعـات الجزائية، اذ لا يجوز الإتفاق على التحكيم لتحديد المسؤولية الجزائية للظنـين او المـتهم، الا ان ذلك لا يمنع من ان يتم الاتفاق على التحكيم في المسائل المالية المترتبة على تلك المسؤولية، على اساس ان المسائل المالية من حيث المبدأ يجوز فيها الصلح. والى جانب ذلك، فإن التحكيم يبقـى جائزاً في كل ما لا يتعارض مع النظام العام ايضاً. والقاعدة المعتمدة اليوم في الفقه الـدولي ان القابلية للتحكيم هي الأصل وعدم القابلية للتحكيم هي الإستثناء. ومن مراجعة معظـم نـصوص التشريعات العربية يتضح انها تكاد تتفق على اجازة التحكيم في كل المنازعات التي يجوز فيهـا الصلح ولا تتعارض مع النظام العام للمجتمع. وفي اطار ذلك يتحدد موضوع اتفاق التحكيم. وهذا الموضوع ينصب عليه اتفاق التحكيم ويتميز عما يرتبه هذا الاتفاق من آثـار يلحظهـا القـانون ويحددها بمجرد توقيع الأطراف على اتفاق التحكيم. فإذا خالف احدهم هذا الاتفاق على التحكـيم ولجأ الى القضاء الرسمي لإقتضاء حقه جاز للطرف الآخر التمسك بوجود اتفاق تحكيمي، وذلك قبل المناقشة في الأساس. فيترتب على اتفاق التحكيم بالتالي وبمجرد توقيعه عدم جواز اللجـوء الى القضاء، والإلتزام باللجوء الى التحكيم، وقبول الحكم الصادر من هيئة التحكيم الناظرة فـي النزاع. الا ان التمسك بوجود اتفاق التحكيم لا يتم تلقائياً لعدم تعلق ذلك بالنظام العام. كما انـه لا يجوز للمحكمة ان تقضي به من تلقاء نفسها ذلك انه يتعين على الخصم المتضرر من الدعوى ان يثير هذا الدفع. فإذا لم يثره، فإنه يعد راضخاً لصلاحية القضاء الرسمي ومتنازلاً بالتـالي عـن التذرع بالتحكيم. وتفسير ذلك ان المسائل التي يجوز فيها الصلح تتعلق بمصالح خاصـة يملكهـا الافراد ولا تتعلق بالنظام العام للمجتمع او بمصالحه العليا. ولا يجوز ان يمتد نطاق اتفاق التحكيم الى نزاع لا يجوز فيه الصلح او يتعارض مع النظام العام للمجتمع كمثل عدم جواز التحكيم فـي مسائل الأحوال الشخصية او الجنسية أو المسؤولية الجزائية. ونرى ان تفسير موضوع التحكـيم ونطاقه ينبغي ان يكون تفسيراً ضيقاً دون توسيع ان بالنسبة لأطرافه او للمسائل المنازع فيهـا او جعله منصرفاً الى غيره من العقود الأخرى، ما لم تتوضح ارادة اطراف التحكيم على غير ذلك، مع مراعاة ما قد ينشأ اثناء نظر النزاع من تقديم طلبات طارئة او مسائل فرعية.

ثانياً: اركان وشروط اتفاق التحكيم:

عمومیات،

    سوف نعمد الى اتباع التقسيمات التي يأخذ بها الفقه بشأن شروط صحة اتفاق التحكيم. وهو يقسمها الى شروط شكلية وشروط موضوعية. وبعضهم يفرق بين الـشروط العامـة والـشروط الخاصة لإتفاق التحكيم من دون ان يميز بين ارکان اتفاق التحكيم وشروط صحته. ومرد ذلك هو ان بعض التشريعات تمنح حكم المحكمين حجية القضية المقضية كما تنص على ذلك المادة 794 اصول مدنية لبناني بالنسبة للقرار التحكيمي الداخلي، وانه بمجرد صدوره، فإن القضية تخرج من يد المحكم سنداً للمادة 792 منه. علماً بأن بعض القوانين العربية تمنع الطعن بالقرار التحكيمـي بأي طريق من طرق المراجعة. وبعضها تقصر المراجعة ضده من خلال رفع دعوى الـبطلان. وهذه الدعوى لا تتعلق بالرقابة على حكم المحكمين من الناحية الموضوعية، بل على الرقابة من الناحية الاجرائية فحسب. ولا نرى فائدة في بيان وضع القانون اللبناني بهذا الخصوص وشروط الإبطال. الا انه لا بد من الإشارة الى ان الطعن بدعوى البطلان ضد حكم المحكمين يقلـل مـن اهمية التمييز بين اركان وشروط اتفاق التحكيم، اذ يجوز رفع دعوى بطلان ضد مثل هذا الحكم التحكيمي، وذلك على خلاف القواعد العامة المعروفة بقانون اصول المحاكمات المدنية الملحوظة في المادة 613 اصول محاكمات مدنية.

    ان اتفاق التحكيم بإعتباره عقداً او اتفاقاً من نوع خاص يقوم على مجموعة من الأركـان التي تتمثل في الرضى والموضوع والسبب. اما ركن الرضى، فإنه يتمثل في اجتمـاع ارادة اطرافه. والموضوع هو محل هذا الإتفاق، اما السبب فيتمثل بالأساس القانوني الذي يقوم عليه الإتفاق. ويترتب على تخلف احد هذه الأركان انعدام اتفاق التحكيم واعتباره كأن لم يكن وذلك بخلاف شروط اتفاق التحكيم، فهي لازمة لصحة وجوده اذ يترتب على تخلفها بطلان اتفـاق التحكيم مثل الكتابة وغيرها من الشروط الشكلية. وان اهمية التمييز بين اركان وشروط اتفاق التحكيم هي في ان حالات انعدام الإتفاق لا تحتاج لنص، بينما حالة البطلان يفتـرض وجـود نص من جانب المشترع يقضي بالبطلان عملاً بالقاعدة الكلية بأن لا بطلان بغيـر او بـدون نص، كما تشير الى ذلك المادة 59 اصول محاكمات مدنية لبناني، بأنه لا يجوز اعلان بطلان اي اجراء لعيب في الشكل الا اذا ورد بشأنه نص صريح في القانون. وانه اذا تحققت الغايـة من الاجراء فلا بطلان كما ورد في المادة 59، الفقرتان الثانية والثالثة منه والتي تنص علـى زوال البطلان فيما اذا تنازل عنه من شرع لمصلحته او بتصحيح لاحق للاجراء ولـو بعـد التمسك بالبطلان.

الفقرة الأولى: في الشروط الموضوعية للاتفاق التحكيمي الدولي:

   أ- في ماهية أركان اتفاق التحكيم:

    ان اتفاق التحكيم يقوم على اركان ثلاثة هي الرضى والموضوع والسبب، كما أسلفنا القول، ويترتب على عدم توافر اي ركن من هذه الأركان انعدام اتفاق التحكيم اي عدم وجوده.

  • في الرضى:

     يتوافر الرضى بإجتماع ارادة الأطراف المتعاقدة على ابرام اتفاقية التحكيم سواء في صورة شرط او بند تحكيمي او مشارطة التحكيم او عقد تحكيمي، وذلك انطلاقاً مما تنص عليه المـادة 765 اصول مدنية لبناني، في نطاق قواعد التحكيم في القانون الداخلي المشتركة مـع قواعـد التحكيم الدولي الواردة فيه، وما تشير اليه قواعد اليونسترال. ويشير الفقه الى ان الرضى يندرج في اطار الشروط الموضوعية اللازمة لإنعقاد اتفاق التحكيم. وهو يتوافر بتلاقـي اي بإجتمـاع الإيجاب والقبول بأي شكل او صورة. ويتحقق بتدخل المتعاقد في خصومة التحكيم وموافقـة المتعاقد الآخر على ذلك، او في الخضوع لنظام قانوني معين. وان قبول التعامل به يعتبـر مـن قبيل الرضي بالتحكيم، كما ان الاعتياد على عمل معين في نطاق التحكيم التجاري الدولي يعتبـر من قبيل العرف المعبر عن الرضى في اتفاق التحكيم. مع لفت النظر الى ان مجرد الرضـى لا يؤدي الى انعقاد اتفاق التحكيم، اذ يتعين ان يكون الاتفاق مكتوباً والا كان بـاطـلاً وليس غيـر موجود. ووجود الرضى يتميز عن صحة الرضي، اذ ينبغي ان يكون خالياً من عيوب الرضـى وفقاً للقواعد العامة المقررة في العقود مثل الغلط او الخداع او الإكراه او الغبن او انتفاء الأهلية. ويتعين ان يكون التعبير صريحاً اي لا يشوبه لبس او غموض، وان يأتي قـاطـع الدلالـة فـى انصراف ما تتجه اليه الإرادة من آثار. اما التعبير الضمني فهو التعبير المستخلص من الظروف او الإتفاق. وفي جميع هذه الأحوال يتعين ان يكون التعبير عن الإرادة كتابة، والا كـان اتفـاق التحكيم باطلاً. والتعبير عن الإرادة يجب ان يكون ابداء الرغبـة الـصريحة لـدى الأطـراف المتنازعة في اللجوء الى التحكيم او الإستمرار فيه من دون قضاء الدولة. وفي حال عدم وضوح الإتفاق فإنه يقتضي تفسير العقود وفقا للقصد المشترك للمتعاقدين دون التوقـف عنـد المعنـى  الحرفي لعبارات العقد وذلك عملاً بقواعد تفسير الأعمال القانونية الملحوظـة فـي المـادة 366 موجبات وعقود لبناني وما يليها، مع التعرف الى طبيعة التعامل وما ينبغي ان يتوافر من أمانـة وثقة بين المتعاقدين وفقاً للعرف الجاري في التعامل، وان الشك يفسر لمصلحة المدين ضد الدائن الخ...

    كما انه يشترط ان يكون اتفاق التحكيم صادراً ممن له اهلية التصرف في الحـق موضـوع اتفاق التحكيم. والأهلية هي القدرة او الصلاحية على ابرام عمل قانوني ما. والأهلية تعتبر مـن شروط صحة اتفاق التحكيم. ويترتب على تخلفها بطلان الإتفاق. ويشترط فيمن يكون طرفا ف اتفاق التحكيم ان تكون لديه أهلية التصرف في الحق موضوع الإتفاق. وهي اهليـة الأداء التـى تثبت للشخص بإكتماله الثمانية عشرة سنة من عمره طبقاً لأحكام قانون الموجبات والعقود اللبناني (المادة 15 منه). وعلة ذلك انه قد يترتب على اتفاق التحكيم صـدور حكـم ضـد شـخص او لمصلحته، مما يعتبر تصرفاً في امواله. ومثل هذا التصرف يندرج في اطار الأعمـال الـضارة ضرراً محضاً، مما يستلزم توافر اهلية الأداء، حماية له بالذات. فلا يكفي مجرد اهلية الوجوب او أهلية التقاضي لإبرام اتفاق التحكيم. وهناك رأي يشير الى ان الأهلية هي مـن شـروط صـحة الخصومة وليست من شروط قبول الدعوى امام القضاء الرسمي. ويشترط لإبرام اتفاق التحكـيم بالنيابة وجود وكالة خاصة اذ لا تكفي الوكالة العامة لإبرام الاتفاق التحكيمي (المادة 381 اصول محاكمات مدنية لبناني). وتثبت الأهلية بالنسبة للأشخاص المعنويين من الحق الخاص او العـام للممثل القانوني للشخص الإعتباري. فلا يجوز لغير الممثل القانوني للشخص الإعتبـاري ابـرام الإتفاق بإسم الشخص الإعتباري هذا.

    ونشدد بصورة خاصة على وجوب ان يكون اتفاق التحكيم صادراً ممن له أهلية التـصرف في الحق موضوع اتفاق التحكيم.

* في موضوع اتفاق التحكيم:

     من المعلوم ان لكل عقد موضوع يجب ان ينصب عليه. ويقصد بذلك ما يلتزم المدين بـأن يقوم به. وفي اتفاق التحكيم يلتزم اطرافه بعدم اللجوء الى القضاء الرسمي وباللجوء الى القضاء التحكيمي، اي الى حل المنازعة المراد حسمها عبره.

    وان الموضوع يتعلق حقيقة بالمنازعة المراد فصلها عبر الإلتجـاء الـى التحكـيم. وهـذا الموضوع يتميز عن موضوع التزام المتعاقدين في اتفاق التحكيم، ويتعين دوما ان يتعلق بإتفـاق التحكيم اي بنزاع يجوز فيه الصلح ولا يتعارض مع النظام العام. ويكفي ايراد مبدأ الإتفاق على التحكيم من دون الدخول الى تفاصيله، كما ان الأمر مماثل عندما يتم الإتفاق على التحكـيم فـي شرط التحكيم او البند التحكيمي من حيث المبدأ دون الدخول في التفاصيل. وهو ما يكفي بنظرنا للقول بتوافر احد اركان اتفاق التحكيم هذا. وقد نصت المادة الثامنة، الفقرة الأولى مـن القـانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الصادر عن الأمم المتحدة عام 1985، على ان المحكمة التي يرفع امامها دعوى في مسألة أبرمت بشأنها اتفاقية تحكيم ان تحيل الطرفين الى التحكيم، ما لـم يتضح لها ان الاتفاق باطل ولاغ وعديم الأثر، او انه لا يمكن تنفيذه.

     وصفوة القول،

    ان موضوع اتفاق التحكيم ينبغي ان يكون موجوداً او ممكناً وان لا يكـون مـستحيلاً مـن الناحية العملية.

    * في سبب اتفاق التحكيم:

    هناك نظرية تقليدية بشأن سبب اتفاق التحكيم واخرى حديثة. في النظرية التقليديـة، فإنـه يتعين ذكر سبب رغبة المتعاقدين في ابرام اتفاق تحكيم من دون الإلتجاء الى قضاء الدولـة والا كان الإتفاق غير موجود. الا ان النظرية الحديثة للسبب تعتبر انه الدافع والباعث علـى التعاقـد بإعتبارها الإرادة الظاهرة المجردة من عيوب الإرادة او الرضى. والسبب أصبح اليوم بحـسب نظرية الفقيه الفرنسي موتولسكي هي الوقائع المولدة للحق. ومن الناحية العملية ان سبب اتفـاق التحكيم يكفي عبر ايراد رغبة الأطراف المتنازعة في اقصاء منازعـاتهم عـن قـضاء الدولـة وطرحها على هيئة التحكيم. كما انه ينبغي التمييز ما بين عدم وجود السبب وما يترتب عليه من انعدام وجود اتفاق التحكيم اصلاً، وعدم مشروعية السبب والتي يترتب عليها البطلان. والمعيـار بين الوضعين هو في مدى امكانية الطعن في التصرف المنعدم والتصرف الباطل. فمن المقـرر انه لا دعوى بطلان ضد الأحكام، وان تصحيح البطلان لا يكون الا بإستعمال طرق الطعن التي يحددها القانون.

أ- ما هي الشروط الموضوعية لصحة اتفاق التحكيم؟

    يذهب بعض الفقه الى اعتبار الرضى والموضوع من الشروط الموضوعية لـصحة اتفـاق التحكيم. وهذه نظرة خاطئة بنظرنا، اذ ان الرضى والموضوع يعتبران ركنين اساسيين من اتفاق التحكيم. والأهلية تعتبر شرطاً من الشروط الشكلية لصحته. اما الشروط الموضوعية لصحة اتفاق التحكيم فتتمثل في تعلق اتفاق التحكيم في موضوع يجوز فيه الصلح وعدم مخالفة موضـوعه او تعارضه مع النظام العام وان يكون ممكناً وغير مستحيل.

    1- يشترط لصحة اتفاق التحكيم من حيث موضوعه ألا يكون مخالفاً للنظام العام:

     الانطلاقة ان اتفاق التحكيم لا يجوز الا فيما يجوز فيه الصلح. والنظام العام فكرة نسبية تختلف من نظام الى آخر، كما تختلف في المجتمع الواحد في فترة زمنية معينة عن فترة زمنيـة أخرى، ومن مكان الى مكان آخر في المجتمع. والنظام العام في اطـار التجـارة الدوليـة هـو مجموعة المبادئ التي تشكل الأسس التي يقوم عليها مجتمع التجار الدولي. وهذه الأسس قد تتفق مع النظام العام للدولة، وقد تختلف عنه. فالنظام العام يختلف من نظام قانوني الى نظام قــانوني آخر. فالنظام العام في الدول الإسلامية والعربية يختلف عن النظـام العـام فـي الـدول غيـر الإسلامية. وأياً كان الخلاف بين النظام العام الدولي والنظام العام الداخلي، فإن تنفيذ حكم التحكيم في داخل الدول الأخرى يجب ان يتعلق بموضوع لا يتعارض مع النظام العام الـداخلي. وهـذا الأخير هو مجموعة الأسس والمبادئ التي يقوم عليها المجتمع، ولا يمـس نـسيجه الاجتمـاعي والاقتصادي والسياسي ولا يخل بقيمه الاخلاقية او العقائدية. ويقصد بعدم مخالفة اتفاق التحكـيم للنظام العام ان هذا الإتفاق يتعلق من حيث موضوعه بمسائل يجوز فيها الصلح ولا تتعارض مع القيم والأسس التي يقوم عليها المجتمع. وهذا الإتفاق يتعلق بإرادة الأطراف وليس بالنظام العام.

    واذا كان يجوز الإتفاق على التحكيم في بعض المسائل الجزائية، الا ان ذلك لا يمنـع مـن الإتفاق على التحكيم بالنسبة للحقوق المالية المترتبة على تلك الجرائم. والعبرة دوما هي بكـون المسألة التي يجوز فيها التحكيم مما يجوز المصالحة عليها حيث تتغلب فيها مصلحة الفرد علـى مصلحة المجتمع وعدم تنظيمها بقاعدة من القواعد الآمرة التي لا يجوز الإتفاق على مخالفتهـا. وان اتفاق التحكيم يمكن ابطاله قبل صدور حكم المحكمين لمخالفته النظام العام. وفـي الحـالات التي تتوافر فيها النزاعات ويوجب القانون اختصام النيابة العامة فإنه لا يجوز التحكـيـم بـشأنها. والدعوى الجزائية هي ملك للمجتمع. والنيابة العامة تباشرها نيابة عن هذا المجتمع. والمصالحة لا تعد تنازلاً عن الدعوى العامة وانما سبباً لانقضاء الدعوى الجزائية. كما انه لا يجوز التحكـيم بمسائل الإفلاس لتعلقه بالنظام العام. ونرى ايضاً انه لا يجوز ابرام اتفاق تحكـيم فـي بعـض المسائل المستعجلة أو المؤقتة. كما انه يتعين ان يكون موضوع كل اتفاق تحكيمي قابلا للتحكيم او ممكناً وان لا يكون مستحيلاً. وقد نصت المادة 18، الفقرة الأولى من قانون التحكـيم التجـاري الدولي (اليونسترال) ان على المحكمة التي ترفع امامها دعوى في مسألة ابــرم بـشأنها اتفـاق تحكيمي ان تحيل الطرفين الى التحكيم اذا طلب منها ذلك احد الطرفين في موعد اقصاه تـاريخ تقديم بيانه الأول بموضوع النزاع، ما لم يتضح لها ان الإتفاق باطل ولاغ وعـديم الأثـر او لا يمكن تنفيذه.

الفقرة الثانية: في الشروط الشكلية المتعلقة بصحة التحكيمي الدولي:

1- يشترط لصحة اتفاق التحكيم ان يكون مكتوباً:

    ويقصد بالكتابة ان يرد هذا الإتفاق في محرر مكتوب وهو شرط لصحة اتفاق التحكيم. ولـم يشترط النموذج يونسترال شكلية محددة للكتابة. فيجوز ايراد الإتفاق في اي شكل او صورة. وقد نصت المادة السابعة فقرة 2 من قانون التحكيم التجاري الدولي (يونسترال) على انـه يجـب ان يكون اتفاق التحكيم مكتوباً بنصها. وان الإتفاق يعتبر مكتوباً اذا ورد فـي وثيقـة موقعـة مـن الطرفين او في تبادل رسائل او تلكسات او برقيات او غيرها مـن وسـائل الاتصال الـسلكي واللاسلكي، وتكون بمثابة سجل للإتفاق او في تبادل المطالبات والدفاع التي يـدعي فيهـا احـد الطرفين وجود اتفاق، ولا ينكره الطرف الآخر. وتعتبر الإشارة في عقد ما الى مـستند يـشتمل على شرط التحكيم بمثابة اتفاق تحكيم شريطة ان يكون العقد مكتوباً. وان تكون الإشارة قد وردت فيه صراحة بحيث تجعل ذلك الشرط جزءاً من العقد. ونفيد ان الكتابة ليست مجرد شرط لإثبات اتفاق التحكيم، بل هي شرط من شروط صحته. ومن يدقق ببعض التشريعات العربية يتضح لـه انها خلطت بين الكتابة كشرط لصحة اتفاق التحكيم وبين الكتابة كوسيلة لإثبات اتفاق التحكيم هذا. والتمييز بين حالتين يتلخص بأنه يترتب على اعتبار الكتابة من شروط صحة اتفاق التحكيم انه اذا تخلفت هذه الكتابة يتحصل بطلان لشرط التحكيم، مما يجعل اتفاقية التحكيم من نـوع الإتفاقيـات الشكلية. وانه اذا كانت الكتابة وسيلة لإثبات اتفاق التحكيم فلا يترتب على تخلفها بطـلان اتفـاق التحكيم. وان الحكمة في اشتراط الكتابة كشرط لصحة اتفاق التحكيم تتمثل في اعطاء هذا الإتفاق اولوية خاصة على قواعد الاختصاص الولائي والنوعي المقررة لمحاكم الدولة، الى جانب حرص هذه القواعد على تأكيد الجانب الإرادي لاتفاق التحكيم. فلا يصح الا اذا كان مكتوباً من اطرافه. ونرى انه لا يجوز الإعتداد بالتعامل للتدليل على صحة اتفاق التحكيم. كما انه في حالة الـبطلان المبنية على عدم توافر الكتابة فهو بطلان مقرر لمصلحة الأطراف، فلا يجوز القضاء بـه مـن تلقاء نفس المحكمة اي ان تثيره عفواً. والكتابة قد تكون رسمية او عرفية اي خاصة. ولا يشترط

نوع معين من الكتابة. فيمكن أن تكون اما يدوية أو طباعة أو على الكمبيوتر لأن الأهم من كـل ذلك ان يكون الإتفاق موقعاً من أطرافه، عادية أو في صورة رسـائل أو برقيـات أو فاكـسـات متبادلة بينهم مع ثبوت نسبتها اليهم. كما نرى انه يصح تنظيم اتفاق تحكيمي عبر الإلكترون طالما ان التجارة عبر شبكة الانترنت أصبحت واقعاً جديداً على الساحة الدولية. والتخوف الذي أبـداه بعض الفقهاء في الأصل قد تبدد بعدما أنت المادة 6، الفقرة الأولـى مـن قـانون اليونـسترال النموذجي بشأن التوقيعات الإلكترونية الصادرة عن الأمم المتحدة في 13/7/2001 على لحظـه واعتبرت حيثما يشترط القانون توقيعاً من شخص ما، يعد ذلك الاشتراط مستوفياً بالنـسبة الـى رسالة البيانات اذا استخدم توقيع الكتروني موثوق به بالقدر المناسب للغرض الـذي انـشئت أو ابلغت من أجله البيانات في ضوء الظروف، بما في ذلك أي اتفاق ذي صلة.

    Art 6-1 Uncitral Model Law on electronic signatures 2001: "where the law requires a signature of a person, that requirement is met in relation to a data message if an electronic signature is used that is as reliable as was appropriate for the purpose for which the data message was generated or communicated, in the light of all the circumstances, including any relevant agreement".

   ونلاحظ، أنه بعدما صدر قانون التوقيع الإلكتروني في القانون الفرنسي بتاريخ 3/3/2000 برقم 230/2000 وبعد العمل بقانون التحكيم التجاري الدولي (اليونسترال) عمدت العديـد مـن الدول الى تعديل تشريعاتها بما يتناسب مع واقع التجارة الإلكترونية كالقانون المصري والإماراتي والبحريني والتونسي والأردني من دون القانون اللبناني، وان اتفاق التحكيم الإلكتروني شأنه شأن كل اتفاق تحكيمي قد يتم قبل قيام النزاع أو بعد قيامه، وذلك في اتفاق لاحق او اتفـاق تحكيمـي الكتروني يكون مستقلاً عن الإتفاق الأساسي، وهو تعبير عن ارادتـين متطـــابقتين للمتعاقــدين لإختيار التحكيم كوسيلة لحل النزاع الذي نشأ او سينشأ في المستقبل بينهمـا بـسبب علاقاتهمـا التعاقدية أو غير التعاقدية. وان اتفاق التحكيم الإلكتروني يأخذ حكـم اتفـاق او شـرط التحكـيم المطبوع. وبطلان عقد التحكيم يسمح لنا بالتساؤل عن طبيعة هذا البطلان، وهـل أنـه يجـوز للمحكمة أن تثيره من تلقاء نفسها؟ نجيب على ذلك، بأن هذا البطلان يتعلق بمصالح خاصة عائدة للأفراد وعلى أساس أن اتفاق التحكيم بحد ذاته لا يتعلق بالنظام العام. وما ينسب الـى الأصـل ينسب الى الفرع. وان الكتابة هي شرط لحماية المتعاقـدين فـي اتفاقيـة التحكـيم، ولا تتعلـق بالمصلحة العامة العائدة للمجتمع.

    ونرى في الختام، أن القواعد الأساسية التي تطبق على عقد التحكيم مـن منظار اليونسترال لا تخرج في اطارها العام عن آية عقود أخرى داخلة في اطار التشريع الـداخلي. ولذلك، فليس من جديد فيها سوى عرض لأعمال تطبيقية لما تعرفه الهيئات التحكيمية الدولية في اطار المنازعات الدولية.