الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / تعريف التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن / اتفـاق التحكيـم والتحكيم المتعدد الأطراف في ظل قواعد اليونسترال وقواعد مراكز التحكيم المنظمة

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    241

التفاصيل طباعة نسخ

مقدمـة:

   يرتدي التحكيم كوسيلة بديلة لفض النزاعات المتعلقة بالتجارة الدولية اهمية متزايدة بإستمرار ويلقى اهتماماً مطردا تدل عليه مؤشرات متعددة منها:

 - تكاثر مراكز التحكيم المنشأة في شتى بلدان العالم والمرتبطة بمؤسسات عامة او خاصة.

- انتشار الكتابة التحكيمية التي تتجلى في تكاثر الكتب والمؤلفات والمقالات والمجـلات التـي تتناول شتى جوانب التحكيم والمشاكل التي يثيرها.

- العدد الهائل من الندوات والمؤتمرات التي تعقد في شتى انحاء المعمورة لبحث مختلف شؤون التحكيم.

- العدد المطرد من رجال القانون الذين يتجهون الى التحكيم دراسة وممارسة.

    ولقد تلاقت دول العالمين الصناعي والثالث على ضرورة ايجاد قواعـد تحقـق الـتـوازن المطلوب بين مصالح العالمين المذكورين، فكانت لجنة الأمم المتحدة لقـانون التجـارة الـدولي UNICITRAL التي تمكنت في عام 1976 من وضع قواعد جديدة للتحكيم اقرتهـا الجمعيـة العامة للأمم المتحدة في 15 كانون الاول عام 1976، وحرصت بموجبها ان توفق بين مـصالح مختلف الدول فتكون مقبولة من كافة البلدان، مهما كان نظامها الإقتصادي او القانوني، صـالحة للتحكيم الدولي وللتحكيم الداخلي في آن واحد.

    ان الصفة الأساسية لنظام UNICITRAL انه لا ينشيء نظاماً تحكيمياً لهيئة تحكيم دائمـة بل هو يرسي قواعد تحكيم خاصة قابلة للإعتماد من هيئات التحكيم الدائمة والمنظمة من جهة كما انها قابلة للتطبيق في حالات التحكيم غير المنظم من جهة اخرى.

   ان انقضاء اكثر من ثلاثين سنة على وضع احكام نظام اليونسيترال قد فتح باب المناقـشة، على ضوء تجارب السنين الماضية، حول موضوع ما اذا كان هذا النظام يستوجب التعديل ومـا هي المجالات التي يجب ان يشملها هذا التعديل، بهدف تفعيله وتسهيل تطبيقه.

   ان ملاحظاتنا ضمن اطار هذا البحث، سوف تتناول حـصراً، وتلافيـاً لأيـة ازدواجيـة، العقد التحكيمي في التحكيم المتعدد الأطراف وهو موضوع حديث يكتسب يوماً بعد يوم موضوع اهمية متزايدة تبعاً لإزدياد حالات مثل هذا التحكيم على الصعيد العملي.

   ولئن تعددت المسائل القانونية التي يثيرها التحكـيم المتعـدد الأطـراف، لا سيما لجهـة الإجراءات التحكيمية، الا ان هذه الورقة سوف تحصر البحث بمسألة مدى انطباق بنود التحكـيم التعاقدية المعتمدة حالياً على احتياجات التحكيم المتعدد الأطراف وما هي التعديلات التـي يمكـن اجراؤها لتأمين هذه الاحتياجات.

   ان موضوع التحكيم المتعدد الأطراف يثير منذ مدة اهتماماً متزايداً من قبل منظمات التحكيم والفقهاء والعاملين في ميدان التحكيم. وقد ترافق ذلك مع ازدياد الحالات العملية التي تثار فيهـا مسائل تتعلق بإمكانية ومدى تعدد الأطراف في البنود والإجراءات التحكيمية.

   والواقع ان هذا الموضوع يخفي وراء عنوائه عدة مسائل ومشاكل تختلـف الواحـدة عـن الأخرى بعناصرها المكونة وبالتالي تستلزم كل منها حلاً خاصاً بها قد يكون مختلفاً عـن الحـل المقرر للأخرى.

   وقبل اي شيء آخر، من الضروري التوضيح بأن الموضوع في الحقيقة يشمل مسألتين هما مبدئياً مختلفتان ومنفصلتان ولكن تجمعها نتيجة واحدة وهي وجود عدة اطـراف فـي التحكـيم الواحد. وهاتين المسألتين اللتين يقتضى التمييز بينهما هما:

1- مسألة تعدد الأطراف Multi party arbitration .

2- ومسألة تعدد العقود Multi contract arbitration .

   ففي الحالة الأولى، المسائل ناتجة عن مشروع او عقد واحد جرت المفاوضة عليه او تنفيذه من قبل عدة افراد او شركات منتمية الى مجموعة، وذلك دون ان يوقع هذا العقد من قبل جميـع الشركات المذكورة، بل من بعضها فقط.

   في حين انه في المسألة الثانية، المسائل ناتجة عن عدة عقود مرتبطـة ببعـضها ومكونـة لعملية اقتصادية واحدة، وهي موقعة من ذات الفرقاء او بعضهم، انما لا تتضمن جميعهـا بنـداً تحكيماً او لا تتضمن ذات البند التحكيمي.

   وبعبارة أخرى يقتضي التمييز بوضوح بين مسألة مد اثر البنـد التحكيمـي ضـمن اطـار مجموعة الشركات الى اطراف غير موقعين عليه من ضمن اعضاء هذه المجموعة مـن جهـة، ومسألة امكانية او مدى جواز ادخال ضمن اجراءات تحكيمية واحـدة جميـع الأطـراف التـي اشتركت في عملية اقتصادية واحدة من خلال عدة عقود، لأجل حل جميع المنازعات الناتجة عن هذه العقود المتعددة.

   فكل من تلك المسألتين، فضلاً عن كونها تتفرع عن كل منها عدة مسائل اخرى، قد ازدادت اثارتهما في ميدان التحكيم الدولي مؤخراً وهما تلقيان حلولاً عملية مختلفة بحسب القانون القـائم الذي يرعى التحكيم المعني، وجميع تلك المسائل تقع تحت العنوان العريض وهو: التحكيم المتعدد الأطراف.

    واننا لن نبحث هنا التحكيم المتعدد الأطراف الناتج عن مد اثر اتفاق التحكـيم الـى غيـر اطرافه الموقعين عليه بل سنقصر بحثنا في التحكيم المتعدد الأطراف المسند الى مساهمة اطراف متعددة في عقد او عدة عقود تشكل عملية اقتصادية واحدة.

    فالتحكيم هو مبدئيا مبني على اتفاق، والاتفاق هو عادة بين طرفين، وبالتـالـي فـإن اتفـاق التحكيم هو تعاقد ثنائي بين طرفين هما ذات طرفي الإتفاقية الأساسية الوارد مـن ضـمنها بنـد التحكيم. وعلى اساس هذه الثنائية المبدئية، اعتبرت قوانين التحكيم ومختلف انظمتهـا ان الهيئـة التحكيمية تكون مؤلفة اما من محكم واحد او من ثلاثة محكمين بحيث يكون اختيار المحكم الواحد او المحكم الثالث خاضعاً اما لإتفاق الطرفين أو لإتفاق المحكمين المعينين من قبلهما او للتعيـين من قبل سلطة التعيين المحددة في الإتفاقية او في القانون.

    فاذا تعددت اطراف التحكيم وزادت على اثنين، خصوصاً اذا تقدم الطرف المدعي بـدعواه التحكيمية ضد أكثر من مدعى عليه واحد ضمن اطار عملية اقتصادية واحدة مسندة الـي عقـد واحد او عدة عقود، فما هي الأصول والأحكام التي ترعى تشكيل الهيئة التحكيمية وعدد اعضائها وشروط تعيينهم؟ وما هي الأحكام التي يمكن لحظها في اتفاق التحكيم؟

    من مراجعة نظام اليونسيترال، يتبين انه لا يوجد اي نص يلحظ هذا الموضوع، لا بـل ان المادة الخامسة منه لا تلحظ سوى ان عدد المحكمين هو اما واحد او ثلاثة. كذلك، فـإن معظـم القوانين الحديثة لا تلحظ ايضاً اي امر حول هذا الموضوع. من هنا، الحاجة الى وجوب تنظــيم هذا الموضوع في البند التحكيمي نفسه أو من خلال الإحالة الى نظام تحكيم مؤسساتي يلحظ مثل هذا الموضوع.

    فما لا شك فيه انه لدى تعدد الأطراف في التحكيم، فإن المبدأ العام الذي يكـرس عمـلاً بمبدأ سلطان الإرادة، حق كل طرف بتسمية محكم من قبله، والمسند اساساً الى مبـدأ ثنائيـة اطراف التحكيم، والى نص المادة 7 من نظام اليونسترال كما والى نص بند التحكيم او القانون الواجب التطبيق، يضحى صعب التطبيق على الصعيد العملي، لما يؤدي اليه من اخلال فـي المساواة في التمثيل بين اطراف النزاع. وبالفعل، في حالة عدم تساوي عدد المدعين مع عـدد المدعى عليهم، فإن تطبيق مبدأ حق كل طرف بتسمية محكم من قبله يؤدي الى تعدي عـدد المحكمين الثلاثة والى جعل عدد المحكمين المعينين من قبل الطرف الأكثر عددا أكبر من عدد المحكمين المعينين من الطرف الآخر، وهذا غير مقبول قانوناً فضلاً من الصعوبات العمليـة التي قد تنشأ في مثل هذه الحالة، لا سيما لجهة تعدد عدد المحكمين ليصبح خمـسة او سـبعة الخ...

ففى مثل هذه الحالة، يثار التساؤل حول المسائل التالية:

1- ما هو عدد اعضاء الهيئة التحكيمية وكيف يتم تعيينهم؟

2- هل يمكن الإبقاء على مبدأ اعطاء كل طرف حق تعيين محكم له؟

3- هل يمكن الزام اعضاء الطرف الواحد (مدعون، او مدعى عليهم) بتسمية محكم واحد عنهم؟

4- وتبعاً لما تقدم، هل يمكن، في حال تعذر التسمية، اعطاء سلطة التعيين حق التسمية مكـان الطرف الذي تعذر اتفاق اعضائه؟

5- من هي سلطة التعيين في مثل هذه الحالات؟

6- هل يمكن في حال التحكيم المتعدد الأطراف، الغاء حق كل طرف بتسمية محكمه، واعطـاء سلطة التعيين حق تعيين جميع اعضاء الهيئة التحكيمية؟ وماذا يبقى مـن العنـصر الإرادي الذي هو اساس التحكيم والإتفاق عليه؟

7- ما هو مصير بند التحكيم الذي لا يلحظ صراحة او ضـمنا مقتضيات التحكيم المتعـدد الأطراف؟

    ان المسائل المبينة اعلاه والتي يثيرها التحكيم المتعدد الأطراف يتوقف حلها على مـضمون البند التحكيمي الموقع بين الأطراف.

   فالركن الأساسي في هذا الموضوع يبقى مضمون البند التحكيمي بما يعبر عنـه مـن ارادة اطرافه. وبهذا الخصوص، هناك عدة خيارات او احتمالات يمكن ان يلحظهـا البنـد التحكيمـي بالنسبة للتحكيم المتعدد الأطراف:

- ان يتضمن آلية صريحة لتعيين الهيئة التحكيمية.

- ان يحيل الى نظام مؤسسة تحكيمية قائمة وبالتالي الى التحكيم المؤسساتي المنظم.

- ان ينص على تحكيم ad hoc غير منظم دون ان يشير صراحة او ضمناً الى التحكيم المتعـدد الأطراف.

فما هو وضع التحكيم المتعدد الأطراف في كل من الحالات المشار اليها؟

أولاً- حالة توافر آلية صريحة للتحكيم المتعدد الأطراف في البند التحكيمي:

    يمكن للأطراف ان يلحظوا في البند التحكيمي آلية صريحة لتعيين الهيئـة التحكيميـة فـي التحكيم المتعدد الأطراف. وهذه الآلية يمكن ان تتخذ عدة اشكال وفقاً لما يرتأيه الأطراف بما لهم من سلطان الإرادة ولا سيما:

1- تكريس حق كل طرف بتعيين محكم عنه، وبالتالي لحظ هيئة تحكيمية يكون عـدد افرادهـا اكثر من ثلاثة او بقدر عدد اطراف التحكيم مع لحظ تعيين رئيس الهيئـة بموجـب اتفـاق المحكمين المعينين من قبل الأطراف والا من قبل سلطة تعيين يحددها الأطـراف والا مـن قبل رئيس المحكمة المختصة.

2- تنازل الأطراف عن حق تعيين محكم عن كل منهم، والتزام افراد كل جهة (الجهة المـدعى عليها مثلاً) بالإتفاق على تعيين محكم واحد عنهم والا في حال عدم الاتفاق، تفويض سلطة تعيين يحددها الأطراف بتعيين هذا المحكم، أو النص علـى وجـوب متابعـة الإجـراءات التحكيمية بوجه كل مدعى عليه بصورة مستقلة عن الآخر بحيث يـتـم فـصل الإجـراءات التحكيمة الى عدة مراجعات يوجه كل منها ضد مدعى عليه واحد بالإستقلال عن المراجعة الموجهة ضد الآخر.

ويمكن ايضاً ضمن هذا الخيار اتفاق الأطراف منذ البدء على تفويض سلطة تعيين يحددونها بتعيين جميع اعضاء الهيئة التحكيمية او محكم فرد اذا ارتأت هذه السلطة ذلك.

3- اتفاق الأطراف جميعها على تعيين كامل اعضاء الهيئة التحكيمية المحددين بثلاثة بموجـب قرار مشترك فيما بينهم، وفي حال عدم الإتفاق، تفويض سلطة تعيين يحـددها الأطـراف كغرفة التجارة الدولية مثلا بتعيين المحكمين جميعهم.

ثانياً- حالة احالة البند التحكيمي الى نظام مؤسسة تحكيمية قائمة:

    من الشائع جداً ان يلحظ الأطراف في بند تحكيمي، الإحالة الى نظام التحكيم المعمـول بـه لدى مؤسسة تحكيمية قائمة واعتماد هذا النظام من قبل الأطراف لأجل تنظيم التحكيم واجراءاتـه وتعيين المحكمين وغيرها من المسائل التي يطرحها السير بالتحكيم واجراءاته.

   ففي مثل هذه الحالة، تقوم الهيئة المسؤولة عن تطبيق نظام التحكيم لدى المؤسسة التحكيمية بالإشراف على تعيين الهيئة التحكيمية وفقا لنظامها وللسلطات المقررة لها بموجب هذا النظام.

    ولهذه الجهة، لقد لحظ نظام التحكيم المعمول به لدى المحكمة الدولية للتحكـيم التابعـة لغرفة التجارة الدولية (ICC Rules) موضوع التحكيم المتعدد الأطراف صراحة في المـادة 10 منه التي لحظت عند تعدد الأطراف، سواء كمدعين او كمدعى عليهم، واذا كان النـزاع مقـرر احالته الى ثلاثة محكمين، آلية من مرحلتين: 1- وجوب محاولة المدعين جميعهم من جهة، والمدعى عليهم جميعهم من جهـة اخـرى، ان يعينوا كل فيمـا خـص بـه محكما من قبله، على ان يتم تعيين رئيس الهيئة وفقا لنظـام الـ ICC اما من قبل المحكمين المعينين او من قبل رئيس المحكمة لدى الـ ICC.

2- في حال تعذر اتفاق المدعين او المدعى عليهم على تعيين محكم من قبلهم، أو في حال تعذر اتفاق الأطراف على آلية اخرى لتعيين الهيئة التحكيمية، تقوم المحكمة لدى الـ ICC بتعيين جميع اعضاء الهيئة التحكيمية وتختار من بينهم رئيسا. وفي مثل هذه الحالة يكون للمحكمة الحرية الكاملة لإختيار اي شخص تراه مناسبا للقيام بدور المحكم.

    وقد ذهب نظام محكمة لندن الدولية للتحكيم LCIA في نفس المنحى فنص في مادته الثامنة على قيام المحكمة لدى LCIA بتعيين جميع اعضاء الهيئة التحكيمية، فـي حـال عـدم اتفـاق المدعين او المدعى عليهم، على تعيين محكم واحد عن كل جهة.

   ولقد تبنى العديد من هيئات التحكيم المؤسساتي الدولية احكاماً مماثلة (الجمعيـة الأميركيـة للتحكيم، غرفة التحكيم في ستوكهولم، غرفة التجارة النمساوية، قواعد الـ WIPO الخ).

ثالثاً- حالة النص في البند التحكيمي على تحكيم غير منظمad hoc :

    في الكثير من الأحيان، يكتفي البند التحكيمي الوارد في العقـود، بلحـظ احكـام نموذجيـة مبسطة بالنسبة للتحكيم دون الأخذ بعين الإعتبار للتحكيم المتعدد الأطراف. وفي هذه الحالة يأتي النص متضمنا وجوب احالة كافة النزاعات الناشئة عن العقد الى التحكيم من قبل هيئة مؤلفة من ثلاثة محكمين بحيث يقوم كل فريق بتعيين محكم من قبله وبحيث يتم تعيين رئيس الهيئـة امـا بإتفاق المحكمين المعينين واما من قبل سلطة تعيين يحددها الأطراف واما اخيرا من قبل رئـيس المحكمة البدائية في محل التحكيم في حال عدم ورود اي نـص بهـذا الخـصوص فـي البنـد التحكيمي.

    فإذا نشأ نزاع متعدد الأطراف عن عملية اقتصادية واحدة سواء كانت شاملة لعقد واحـد او لعدة عقود، كأن يتقدم مدع واحد بمراجعة تحكيمية ضد مدعى عليهم اثنين، فكيـف يـتم تعيـين وتكوين الهيئة التحكيمية؟

   ان التطبيق الحرفي للبند التحكيمي يعطي كل فريق الحق بتسمية محكم مـن قبلـه بحيـث يصبح هناك محكم واحد عن المدعي ومحكمين اثنين عن المدعى عليهما، فتكون المساواة بـين الأطراف قد اختلت اذ يصبح للطرف المدعى عليه ترجيحا قويا على المدعي كما يـصبح عـدد اعضاء الهيئة التحكيمية اكثر من ثلاثة، كما يثير هذا الأمر مسألة تعيين رئيس الهيئة التحكيمية، ومن يعينه.

    والجدير بالذكر في مثل هذه الحالة وفي غياب اية احالة الى نظام تحكيم مؤسساتي، لا يمكن لا قانونا ولا تعاقديا الزام المدعى عليها بإختيار محكم واحد عنها كما لا يمكن اعطـاء رئـيس المحكمة المختصة صلاحية تعيين مثل هذا المحكم أو تعيين كامل اعضاء الهيئة التحكيمية، وذلك لإنعدام وجود اي نص في البند التحكيمي او اي نص في القانون الواجب التطبيق يلحظ الزاميـة تعيين محكم واحد من قبل اعضاء الطرف الواحد او الزامية تعيين كامل اعضاء الهيئة التحكيمية  فى مثل هذه الحالة من قبل اية سلطة قضائية او ادارية.

    ففي مثل هذه الحالة يصبح تكوين الهيئة التحكيمية متعذراً، اذ من جهة لا يمكن مـن حيـث المبدأ حرمان كل طرف من حقه بتعيين محكم من قبله، ومن جهة ثانية، لا يوجد لا في العقد ولا في القانون اي نص يلحظ موضوع تعدد الأطراف او يلحظ كيفية تعيين المحكمـين لـدى تعـدد الأطراف والسلطة التي تقوم بهذا التعيين ومدى صلاحياتها بهذا الخصوص. وبالأخص لا يوجـد اي نص عقدي او قانوني يعطي المحكمة القضائية المختصة بتعيين المحكمين سلطة تعيين محكم واحد عن عدة مدعى عليهم.

    ولقد كرس الإجتهاد الفرنسي صراحة بموجب قرار صادر عن محكمة التمييـز الفرنسية تاريخ 7 كانون الثاني 1992- المعروف بقرار Dutco، مبدأ المساواة بين الأطراف في تعيين المحكمين واعتبر ان هذا المبدأ هو مسألة تتعلق بالنظام العام الذي يجب احترامه وعدم مخالفته، وقضى نتيجة لذلك بإبطال القرار التحكيمي لعدم صحة تشكيل الهيئة التحكيمية بإعتبار انه يوجـد هناك حق اساسي لكل فريق بأن يعين محكم من قبله وان حرمان اي فريق من هذا الحق دون اي نص يشكل مخالفة لمبدأ المساواة المشار اليه.

   وبتاريخ لاحق، قضت محكمة استئناف اكس في فرنسا، في حالة نـص بنـد تحكيمـي عادي لا يلحظ التحكيم المتعدد الأطراف، برد طلب المدعي الذي كان قد طلب من المحكمـة ان تعين هيئتين تحكيميتين وتفصل الإجراءات التحكيمية الى مراجعتين بحيث يكـون هنـاك مدعى عليه واحد في كل مراجعة، معتبرة ان لا صلاحية لها لإجابة مثل هذا الطلب بإعتبـار انه يعود قانونا للهيئة التحكيمية نفسها ان تبت بموضوع ما اذا كانت مكونة اصولا، وانـه لا يحق لها كمحكمة قضائية ان تعين هيئة تحكيمية اذا كان ذلك يخالف البند التحكيمي او مبـدأ المساواة.

والواقع، ان النتيجة الواضحة لمثل هذا الموقف هو وجوب اعتبار ان البند التحكيمـي، اذ لا يسمح بحد ذاته بتعيين اعضاء الهيئة التحكيمية، هو بند باطل وبالتالي دون مفعول.

     ولقـد عرضـت مؤخـراً على القضاء اللبناني قضية مماثلة لما تقـدم، حيـث تقـدم المدعي بمراجعة تحكيمية ضد عدة مدعي عليهم في ظل بند تحكيمي يلحظ تـأليف الهيئـة التحكيمية من ثلاثة محكمين دون ان يلحظ آلية خاصة بالتحكيم المتعدد الأطراف. فقام كـل من المدعى عليهم بتعيين محكم من قبله بحيث اصبح هناك ثلاثة محكمين قبل تعيين الحكـم المرجح. فتقدم المدعي بإستدعاء الى رئيس المحكمة المختصة بالإستناد الـى المـادة 764 محاكمات مدنية طالباً من المحكمة تعيين محكماً واحداً عن المدعي عليهم بدلاً من المحكمين المعينين من قبلهم كونهم يمثلون فريقاً واحداً لإزالة العقبة التي تسببوا بهـا لتطبيـق البنـد التحكيمي.

    ولقد قضت المحكمة المختصة في هذه القضية برد الطلب، وكرست للوصول الـى هـذه النتيجة عدة مبادئ اساسية في موضوع التحكيم المتعدد الأطراف لا سيما:

1- ان تدخل القضاء لتعيين محكم عن المدعى عليه يكون عند تخلف هذا الأخير عن التعيين، وليس عندما يقوم كل مدعى عليه بتعيين محكم من قبله انفاذا للبند التحكيمي. 2- لا يسع القضاء اعتبار ممارسة المدعى عليهم بإختيار كل منهم محكم من قبله مخالفة للبنـد التحكيمي او لأي مبدأ آخر، كما انه لا يسعه تعديل ارادة الأطراف المتجليـة فـي تـعيـين المحكمين.

3- اذا لم يلحظ البند التحكيمي حالة تجاوز عدد المتنازعين عن اثنين وعدم اعتمادهم محكمـين فقط، فيكون البند خاليا من طريقة تعيين المحكم الواجب اعتمادها في مثـل هـذه الحالـة، وتكون العقبة المشكو منها ليست وليدة فعل الخصوم انما وليدة طريقة تعيين محكـم غيـر مكتملة.

4- ان البند التحكيمي يكون والحالة هذه غير كاف لتعيين المحكمين سواء من قبـل الخـصوم انفسهم او من قبل الرئاسة.

غير ان القرار اكتفى برد الاستدعاء دون اتخاذ اي موقف قاطع من البند التحكيمي وه كانت عدم كفايته لتعيين المحكمين تؤدي الى بطلان هذا البند ام لا.

والخلاصة،

   يتبين من الحالات والأمثلة المبينة اعلاه، ان المسائل التي يثيرها التحكيم المتعدد الأطـراف هي شديدة الأهمية وكثيرة التعقيد ولا يزال الفقه والإجتهاد والممارسة التحكيمية المحلية والدولية، في خضم معالجة تلك المسائل بما يؤدي الى تفعيل التحكيم واجراءاته وشل محـاولات العرقلـة والتأخير.

    كذلك، يتبين ان صياغة البند التحكيمي بصورة جيدة ومهنية بما يؤدي الى كفايته وامكانيـة تطبيقه في جميع الحالات ولا سيما في حالة التحكيم المتعدد الأطراف دون اثارة اي عقبـات او مشاكل تهدد صحته او نطاق تطبيقه، هي الركن الأساسي لفعالية التحكيم ولحسن سير اجراءاتـه بدءا من تعيين المحكمين ولغاية اقتران القرار التحكيمي بالصيغة التنفيذية.

واننا نأمل ان يولي رجال القانون الإخصائيين التحكيم المتعدد الأطراف الإهتمـام العلمـي الكافي بحيث ينكبون على دراسة مختلف جوانبه واغناء الفكر والممارسـة التحكيميـين بنتـائح ابحاثهم واقتراحاتهم.