التحكيم / تعريف التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن / تعديل قوانين التحكيم الدولي الصادرة في عام 1976 "قوانين اليونسترال"
ما هي الدواعي لعمل تعديلات على قوانين التحكيم الدولي التجارية؟
وما هي هذه التعديلات؟
أ. السياق:
قامت الجمعية العامة للأمم المتحدة في اجتماعها المنعقد بتاريخ 15 ديسمبر 1976 بإعتمــاد قوانين التحكيم الدولي للتجارة الدولية، ويشار إليها فيما بعد بالقوانين. ومنذ ذلك الحين تزايـدت المناداة على المستوى العالمي باللجوء إلى التحكيم لتسوية النزاعات التجارية نسبة لعدم الرضـا بإجراءات المحاكم المحلية.
وقد أبدى البعض ملاحظات مفادها أن تركيز المؤيدين للتحكيم في مركز المـؤتمرات فـي عام 1958 بنيويورك كان سبباً رئيسياً في إزدهار التحكيم، إذ طالب المـؤتمر الـدول الموقعـة والتي تربو على 140 دولة بالتأكد من أن أنظمتها القانونية تعترف بقرارات التحكـيم الـدولي. وفي واقع الأمر فإنه من الأسهل تنفيذ قرارات التحكيم الدولية في المحاكم الأجنبية فـي بعـض الدول.
وبرغم كل ما أسلفنا، إلا أن المشاكل لا تزال موجودة، فليست جميع الـدول الموقعـة فـى مؤتمر نيويورك تدعم التحكيم، علاوة على ذلك فإن التحكيم قد أخذ فـي محاكـاة الإجـراءات بالمحاكم من حيث التكلفة العالية والبطء وعدم إمكانية التبصر بالنتائج.
وقد تنبأ العديد من المعلقين بأن تستفيد الوساطة من المشاكل المحيطة بالتحكيم، وقد أدركت المحاكم المحلية ذات الإختصاص المحدد مثل المحاكم الإنجليزية التجارية أن خـدماتها سـتكون منافساً فعالاً للتحكيم.
وتبقى الحقيقة المؤكدة بأن المبادئ التوجيهية للتحكيم الدولي ستظل عادلة وغيـر رسـمية وناجزة في فض النزاعات كما أنها تستحق ما يصرف عليها من أموال.
وقد تمت مراعاة مراجعة هذه القوانين بناء على هذه الخلفية.
ب. القواعد:
تم اعتماد 41 قانوناً ليستخدمها أصحاب الأعمال التجارية في التعرف على إجراءات التحكيم وفهمها بسهولة، وكذلك استخدامها من قبل الأطراف ذات الدراية بالأنظمة القانونية المختلفة سواء كانت قائمة على القانون العام أو القانون المدني.
والملامح الرئيسية لهذه القوانين هو عدم ارتباطها بأية مؤسسة، خلافاً لما هو الحال عليه في قواعد محكمة العدل الدولية أو قواعد نادي لندن للتحكيم الدولي. وهذا يعني بأنه يمكن الـشروع في التحكيم بدون دفع أية رسوم، ولكن العيب الرئيسي في عدم وجود دعـم مؤسـسـي هـو أن الأطراف تظل تلاحق بعضها البعض حتى في المرحلة الحرجة من تعيين المحكمة، فقد يفشل أحد الأطراف في الموافقة على تعيين محكم وحيد أو في ترشيح محكمه ومن ثم يطلب التدخل مـن محكمة التحكيم الدائمة. وقد تم استخدام هذه القوانين كنماذج – بـالطبع بعـد إجـراء بعـض التعديلات عليها – لمختلف قواعد التحكيم المؤسساتي، وكذلك تقديم نماذج لإجراءات التحكيم.
علاوة على ذلك نجد أن العديد من العقود التجارية تسعى لتضمين هذه القوانين حتى تتمكن من وضع إطار لفض النزاعات، كما أن العديد من معاهدات الاستثمار الثنائية بين الدول وعددها 3000 دولة تنوي توفير الحماية للمستثمر الأجنبي ولذلك نجدها تشير لقوانين فض النزاعات.
وقد كشف الاستخدام الواسع النطاق لهذه القوانين على مدى ثلاثة عقود عن بعـض أوجـه العربية القصور، فمؤسسات التحكيم يمكن أن تغير قوانينها بسرعة وبشكل عادل، أما قوانين اليونـسترال فليست كذالك لأنها نتاج مؤسسة الأمم المتحدة التي تعتمد الإجماع عند تغيير قوانينها خاصة أنها ستستخدم عالمياً. إلا أن هناك تخوف بشأن الإجماع لأنه قد ينتج قوانيناً غير فعالة ومعقدة ولا يمكن استخدامها في بعض الأحيان.
نجد في أدناه بعض نصوص القوانين الرئيسية والتي نظر المعلقون ومجموعات الأمم المتحـدة فى أمر تعديلها.
وعلى القراء الإطلاع على التقارير الصادرة من الـدورات 49- 52 لمجموعـات الأمم المتحدة للحصول على المزيد من تفاصيل القوانين والتعديلات المقترحة على النصوص.
ت. التغييرات المحتملة على القوانين:
دعت الدورة 31 في اجتماع اليونسترال المنعقد في 1998 لتغيير القوانين، وفي السنة اللاحقة تـم القبول بإجراء التعديلات. أما الدورة 39 في يوليو 2006 فقد أعطت الأولوية لتعديل هذه القوانين.
وكان الغرض من التعديلات هو السعي لتحديث قوانين اليونسترال وتعزيز التحكيم ليكـون أكثر فعالية. وقد سعت مجموعة الأمم المتحدة لوضع حدود عند إجراء التعديلات بحيث لا يتغير النص أو روح النص مع مراعاة احترام مرونة النص والابتعاد عن التعقيد.
وكلنا نعلم بالمصاعب التي تحف عملية إعادة صياغة المستندات، فالمهمة ليست سهلة خاصة في وجود لجنة وحضور بعض الدول والمؤسسات ولا ننسى بالطبع وجود المراقبين المهتمين.
تعمل مجموعات الأمم المتحدة بدأب وتجتمع مرتين في العام في السنوات الأخيرة بغـرض الوصول إلى نصوص مكتملة للقوانين المزمع تعديلها.
د. قضايا رئيسية:
1. دعاوى معاهدات الاستثمار الثنائية:
لاحظ المراقبون بأن أحد القضايا الهامة والتي تحتاج لمعالجة عند تعديل القوانين هي قضية اعتماد تحكيم قائم على معاهدات الاستثمار الثنائية.
فعادة ما ترفع دعاوى معاهدات الاستثمار الثنائية ضد الدولة وغالباً ما تكون هنالك ادعاءات بتدخل الدولة في الاستثمارات الأجنبية، سواء كان تدخلاً تشريعياً أو خلافه وعليه فــإن دعــاوى معاهدات الاستثمار الثنائية هي قضايا تهتم بالمصلحة العامة وقد تدر عـشرات الملايـيـن مـن الدولارات إذا نجحت مطالباتها. وحدث إجماع مفاده عدم إحاطة هذه الدعاوى ببند السرية – وهي أمر طبيعي في أغلب حالات التحكيم – بل ستكون الإجراءات في غاية الشفافية حتـى نـضمن سيادة حكم القانون.
والمجالات الرئيسية التي تتعلق بدعاوى التحكيم في معاهدات الاستثمار الثنائيـة ومراجعـة القوانين هي:
1. تعيين محكمين نزيهين ومستقلين، وعليه يجب استبعاد المحامين اللائي يعملون كمستشارين في دعاوى معاهدات الاستثمار الثنائية أو في مكاتب محاماة تعمل في هذه المسائل.
2. حاجة الجمهور للاطلاع على مستندات التحكيم والسماع في مسائل التحكيم.
3. السماح بعمل موجز ودي وبمشاركة الطرف الثالث.
4. إمكانية توحيـــد دعــاوى التحكيم عندما يكون جوهر الدعاوى المختلفة موحـداً بمـا فيـه الكفاية.
5. توافر فرص الاستئناف.
تعمل مجموعات الأمم المتحدة بصورة أساسية على تعديل القوانين حتى تتمكن من معالجـة القضايا المحددة المتعلقة بمعاهدات الاستثمار الثنائية، إلا أنه لم يتم اتفاق بالإجماع، لأن الـبعض يطالب الدول بسن نصوص في معاهدات الاستثمار الثنائية إذا رغبت في التعامل بهذا الشكل مع دعاوی معاهدات الاستثمار الثنائية.
احتج البعض الآخر بأن القصد الرئيسي من القوانين هو النزاعات التجارية الخاصة والتـي تعد السرية من أهم بنودها، وبالتالي حافظوا عليها بشدة، وسيكون اختلاطها مع دعاوى معاهدات الاستثمار الثنائية مخالفاً للهدف الرئيسي.
وفي الدورة 41 من اجتماع مجموعة الأمم المتحدة بتاريخ يوليو 2006 تم تعديل القـوانين، وتم التوصل لقرار التعامل مع قضايا التحكيم القائمة على معاهدات الاستثمار الثنائيـة القائمـة بصورة منفصلة.
2. القضايا الإجرائية الرئيسية:
فيما يختص بالنزاعات التجارية الخاصة، نجد أدناه المجالات التي قـد يـتم تعـديل علـى قوانينها:
المادة 3:
هل يستوجب على المدعي تقديم تفاصيل الدعوى والمستندات الداعمة لها في الوقت الذي تم فيه تقديم طلب التحكيم؟
هل يستوجب على المدعي عليه تقديم الرد على طلب التحكيم قبل تكوين محكمة التحكيم؟
ميزات التعديلات على المادة 3 إنها تمكن الأطراف من فهم وضع كل منهما للآخر بشكل أفضل قبل تعيين المحكمة، كما أنه يمكن للأطراف التفاوض في التسوية بصورة أكثر فعالية فـي هذه المرحلة. وحتى بعد تعيين المحكمة فإن الصورة تكون أوضح وبالتالي يكون الأطراف فـي وضع أفضل.
المادة 5:
عدد المحكمين، هل هو محكم واحد أم ثلاثة؟
ينص القانون الحالي على أن عدد المحكمين هو ثلاثة إذا لم يتم الاتفاق على محكم واحـد. وفي الواقع فإن نصف قضايا التحكيم التي تتبع قوانين محكمة العدل الدولية وقـوانين سويسرا تكون أمام محكم واحد. ولا يرقى أي شك بأن التحكيم أمام محكم واحد يكون أرخص وأسرع لأنه من الصعب التنسيق بين ثلاث مذاكرات مختلفة لثلاثة محكمين مختلفين.
هل يكون الأطراف مستعدين لقبول المحكم الواحد عند عدم التحديد؟
المادة 6:
السلطة المعينة المفترضة:
عندما تفشل عملية تعيين محكم أو الوصول لاتفاق حول تكوين المحكمة، فإنه يمكن استدعاء السكرتير العام لمحكمة التحكيم الدائمة لاختيار سلطة تعيين. وهو إجراء يستغرق وقتا والفشل في تعيين محكم هو تكتيك يلجأ إليه الطرف الضعيف على أمل أن يقاوم أية محاولات لاحقة لتنفيـذ القرار على أساس أنه أجبر على قبول المحكم.
وعليه فقد كان هنالك اقتراح بأن تتعدل القوانين حتى تكون محكمة التحكيم الدائمـة هـي السلطة التي تعين.
المادة 6 – 12:
التعيين / الطعن في المحكمين:
تعلو صيحات الإنتقاد لعمل القانونين كمستشارين وفي الوقت نفسه كمحكمين في المسائل المختلفة ولذا نقترح أن تحتفظ سكرتارية الأمم المتحدة بقائمة تحوي أسماء كافة المحكمـين. وهذا الاقتراح يلاقي ترحيباً حاراً في مجال التحكيم في معاهدات الاستثمار الثنائية، حيث نجد عدداً من مكاتب المحاماة الناجحة والتي يعمل محاموها كمستشارين ومحكمين فـي الوقـت ذاته.
وهنالك قضية أخرى تشغل بالنا تتعلق بالمحكمين وشفافيتهم، فهل يكفي إعلانهم بأنه لـيس هنالك أي نوع من تضارب المصالح وبأنهم مستقلون ونزيهون؟
وما هو الموقف من المحكم الذي يتم تعيينه بإنتظام من قبل مكتب محاماة محدد أو طـرف محدد؟
وما هو الوضع عندما لا يكون هنالك تطوع أو اعتراف بأن هنالـك فعـلا تـضارب فـي المصالح، فهل يمكن للطرف الآخر الاعتماد على اجتهاده للتوصل لهذه المسائل؟
المادة 15:
سلطات إدارة القضايا:
تم تقديم اقتراح بضرورة وجود نص يمكن المحكمة من وضع جدول زمني إجرائي بأسرع وقت ممكن. واحتج البعض الآخر بأن مذكرات الأمم المتحدة للعام 1996 المتعلقـة بـإجراءات تنظيم التحكيم تشتمل على توجيهات كافية تمكن المحكمة من ممارسة سلطاتها التقديرية الواسـعة التي تكفلها لها المادة 15 بشكل فعال.
أما القضية الأخرى فتتعلق بتوحيد إجراءات التحكيم المختلفة – فالسؤال هو: هـل يمكـن توحيد الإجراءات المختلفة والتي تشمل نفس الأطراف وتنشأ من نفس العقد؟
هل يمكن لمحكمة التحكيم أن تضم طرفا ثالثا مثل المقاول الفرعي عندما يكـون المقـاول والمقاول الفرعي متفقين ورب العمل غير متفق معهما؟
المادة 19:
الإدعاء المضاد:
هل يمكن لأحد الأطراف التقدم بطلب دعوى مضادة ناشئة من نفس العلاقة القانونية إذ مـا كانت هذه العلاقة تعاقدية أم لا؟
وهل حقيقة أن الدفاع القانوني ينشئ دفاعاً موضوعياً في القضايا ذات الاختصاص المــدني تعني يجب السماح بعدد كبير من الدعاوى المضادة وليست فقط الدعاوى الناشئة مـن نفـس العقد أو العلاقة القانونية؟
المادة 25:
إثبات الشهود:
لا تسمح القوانين الإجرائية في بعض اختصاصات القانون المـدني لأطـراف أو مـوظفي الكيانات القانونية بالإدلاء بشهاداتهم كشهود. ولذا كانت المطالبة بتعديل القانون لينص بوضـوح على أنه يمكن لأي شخص أن يكون شاهداً.
المادة 26:
تدابير مؤقتة:
هل يجب السماح للمحكمة بأن تأمر باتخاذ تدابير مؤقتة وعدم اخطار الطـرف المتـضر بذلك؟
وهل يجب تعديل المادة 26 لتنص بوضوح على عدم اتخاذ مثل هذه التدابير فـي غيـاب الطرف المتضرر؟
المادة 31:
سلطة رئيس التحكيم:
في حالة عدم الوصول لقرار بالأغلبية لأن المحكمين المعينين لــديهم آراء متبابيـة وأو أنهـا لا تتفق مع آراء رئيس التحكيم، فهل يجب تعديل القانون حتى يتمكن رئيس التحكيم من إصدار قرارات؟
المادة 33:
القانون المطبق:
هل يجب تعديل القوانين بحيث يمكن الإشارة إليها "بسيادة حكم القانون" بدلا مـن "القـانون" (فالغرض هو تمكين المحكمة من مراعاة مبادئ القانون التجاري للأمم المتحدة مثلاً؟).
وهل يجب تعديل القوانين حتى يكون القانون المطبق – إذ ليس هنالك خيـار آخـر هـو القوانين الوثيقة الارتباط بالنزاع، مقابل القانون المحدد بقوانين تضارب المصالح والذي تعتبـره المحكمة هو القانون المطبق؟
وهل تعمل التعديلات المنشودة على جعل القوانين أكثر وضوحاً وتحديداً؟
ج. ملاحظات ختامية:
الخطوات التي تمر بها مراجعة القوانين خطوات مرهقة ومعقدة لأن هنالك ضرورة للتأكـد من تضمين المصالح المتعددة والمختلفة بما ينعكس بشكل نهائي في النص المعدل المقترح.
وهناك من يحتج بأن التعديلات المزمع عملها قد حصرت في إطار ضيق، فمثلاً هنالك قول بأن القوانين يجب أن تحتوي على نصوص صريحة تتعلق بالسرية وحصانة المحكم من الدعاوى القانونية والتكاليف وحدودها وكذلك تقديم "الوساطة – التحكيم" كإجراء هجين يستطيع المحكمون بواسطته من التعامل كوسطاء. وقد أعدت مفوضية المركز الفعال لتسوية النزاعات تقارير حديثة ممتازة واستبيانات حول الممارسات الدولية في هذا الشأن.
وقد شارفت مجموعة الأمم المتحدة العاملة على تعديل القوانين على الانتهاء من مجهوداتها ووضع النصوص المعدلة المقترحة. وسيكون الجميع قادرا على الإطلاع عليها وتحديـد مـا إذا كانت هذه التعديلات – بالطبع إذا تمت إجازتها من الجميعة العمومية – مناسبة للغـرض الـذي عدلت من أجله في الثلاثة عقود المقبلة.