(1) يقول البروفيسور Edmond CAHN في كتابه New) The Sense Of Injustice 55.York University Press – 1949- p ): إن الأشجار اذا لم تمد جذورها إلى ما يغـذيها تموت، وكذلك النظم القانونية.
ولما كان كل شئ في الحياة يتحرك ويتطور: الأفـراد والمجتمعـات، الأفكـار والمبـادئ والمعتقدات، انماط السلوك والأخلاقيات، وسائل الإتصالات والتنقلات، فإن هذا التطور يؤثر في القواعد القانونية فيجعلها غير قادرة على حكم المراكز والعلاقات القانونية في أطرهـا الجديـدة. ولكي تتحقق هذه القدرة يجب تطوير هذه القواعد بإستمرار بما يتفق مع تلك التطورات.
وقد أفرز التطور في المجتمعات البشرية بعض المبـادئ النبيلـة مثـل حريـة الإنـسان والمساواة والعدالة والديمقراطية، ولهذا فإن تطوير القواعد القانونية يجب أن يكون هدفـه لـيس فقط مواجهة ما حدث من تغيرات اجتماعية واقتصادية وعلمية، وانما أيضاً تحقيق تلك المبادئ النبيلة.
(2) والقاعدة القانونية توضع كقاعدة مجردة لتطبيقها على واقعة نموذجية، فهي لا توضـع لتطبق على شخص معين أو على واقعة معينة بل تكون صالحة للتطبيق بصورة غير محصورة. وعندما يجري تطبيقها يكتشف القائمون على تطبيقها ان هناك بعض الوقائع التي لا تصلح القاعدة لحكمها، وانه يجب اعادة صياغة هذه القاعدة أو وضع قاعدة مكملة لحكم تلك الوقائع. وهو أيضاً ما يدعو إلى تطوير القواعد القانونية وتعديلها لمواجهة ما يثيره تطبيقها في الحياة العمليـة مـن مشكلات.
(3) وما تقدم من أسباب هي التي تدعو واضعي القواعد القانونية المختلفة الى القيام بتعديلها من وقت لآخر.
والأسباب الداعية الى "اطلاق تعديل قواعد تحكيم اليونسترال". هي نفس الاسباب التي تدعو المشرعين الى تطوير مختلف النظم القانونية، وخاصة تلك الأكثر تأثراً بعوامل التغيير والتطـور في المجتمع الذي تحكمه تلك النظم. ذلك أن قواعد اليونسترال قد تم وضعها منذ أكثر من ثلاثـة وثلاثين عاماً، فقد تمت صياغتها في 28/9/1976بواسطة لجنة الامم المتحدة لقـانون التجـارة الدولية (UNCITRAL)، وأقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة بموجب قرارها رقم 98 بتاريخ 15/12/1976. ومنذ ذلك التاريخ جرت مياه كثيرة تحت الجسر، فقد حدثت تطورات اجتماعيـة واقتصادية وفنية هائلة، أدت الى ضرورة التفكير في تعديل قواعد اليونـسترال لمواجهـة هـذه التطورات.
(4) وفي اجتماعها التاسع والثلاثين الذي انعقد في مدينة نيويورك في الفترة من 19 يونيـو الى 7 يوليو 2006، وافقت لجنة الأمم المتحدة لقـانون التجـارة الدوليـة (Nations United Commission on International Trade Law) على ان تكون الأولوية لفريق العمل هـو اعادة النظر في قواعد تحكيم اليونسترال (Rules Arbitration Uncitral). ورأت اللجنـة أن التعديلات يجب الا تمس هيكل structure النص أو روحه spirit او اسلوب صياغته، وأن تحترم مرونة النصوص فلا تجعلها أكثر تعقيداً. وفي اجتماعها بمدينة فيينا (من 29 يونيـو الـى 17 يوليو 2009)، اكدت الهيئة وجوب أن يأخذ التعديل في اعتبـاره التـأثيرimpact الـدولي للقواعد.
وقد عقد فريق العمل عدة اجتماعات لإجراء التعديلات بدءاً مـن اجتمـاع فيينـا (11-15 سبتمبر 2006) الى اجتماع نيويورك (في الفترة من 1-5 فبراير 2010). ونكتفي في هذه الورقة بالإشارة إلى أهم هذه التعديلات والأسباب الداعية اليها:
أولاً: التعديلات التي ترجع إلى أسباب خلقية:
عندما تم وضع قواعد اليونسترال، كانت الإستقامة والأمانة والإلتزام أموراً مفترضة. ولكن اخلاق البشر تغيرت، وظهر الى جانب المحكم Arbitrator الأمين الملتزم بما تعهد به عند قبوله مهمة التحكيم، المحكم غير الأمين الذي لا يسلك في قيامه بالتحكيم السلوك القويم. وقد بدا هذا في ظاهرتين خطيرتين:
1- تنحي المحكم دون سبب قبل اتمام المداولة:
(1) بدأت ظاهرة خطيرة تنتشر بين بعض المحكمين المختارين من أطراف النزاع، إذ يعتبر المحكم نفسه وكيلاً عن الطرف الذي اختاره مهمته الدفاع عن مصلحة هذا الطرف وليس البحث عن الحقيقة للفصل في النزاع وفقاً لما يتبينه من وقائع القضية بعد التداول مع باقي أعضاء هيئة التحكيم. فاذا تبين للمحكم من المداولة مع باقي اعضاء الهيئة، انها ستنتهى الى قرار ضد مصلحة الطرف الذي اختاره، بادر الى التنحي عن أداء مهمته لكي يمنع اصدار القرار أو يعطل إصداره. فإن قرر باقي اعضاء الهيئة أن يردوا عليه قصده السيء، وأصدروا حكم التحكيم بالأغلبية – بعد إثبات امتناع احد المحكمين عن التوقيع على ورقة الحكم – تمسك الطرف الذي صدر الحكم ضده ببطلانه بإعتبار ان احد المحكمين قد تنحي قبل تمام المداولة.
وهذه الظاهرة يمكن أن تؤدي – إن تفاقمت وإستشرت - الى القضاء على نظام التحكـيم برمته.
(2) ولمحاربة هذه الظاهرة، نصت المادة 1030/3 من قانون المرافعات الهولندي على أنه بعد تعيين محكم بدلاً من المحكم المتنحي، لا تعاد الإجراءات مرة أخرى وانما تستكمل الهيئـة بتشكيلها الجديد إجراءات التحكيم بعد حدوث التنحي. واقترح بعض الفقه الا يكون تعيين المحكـم اسطة الطرف الذي عين المحكم المتنحي، وانما يعينه شخص من الغير أو يـتم تعيينـه البديل بوا بواسطة القاضي.
ونصت لائحة جمعية التحكيم الامريكية (AAA) للتحكيم الدولي في المادة 11/1 منها على انه اذا كانت هيئة التحكيم مشكلة من ثلاثة محكمين ولم يشارك أحدهم في اجراءات التحكيم حتى نهايتها، كان للمحكمين الآخرين أن يستمرا في الاجراءات وان يصدرا القرارات أو الأوامـر او الأحكام رغم عدم اشتراك المحكم المتنحي.
ووفقاً للبند 12/4 و5 من قواعد الـ ICC: عندما يجب ان يستبدل محكم، فإن لمحكمة التحكيم ان تقرر ما اذا كانت تتبع الإجراءات الأصلية لتعيين المحكم. وعندما يعين محكـم بديل، فإن لهيئة التحكيم، بعد سماع الطرفين، ان تقرر ما اذا كانت تعاد الإجراءات السابقة أو بعضها بعد هذا التعيين. واذا حدث سبب من اسباب استبدال المحكـم بعـد قفـل بـاب المرافعة، فإن لمحكمة التحكيم ان تقدر ما اذا كان من المناسب – بدلاً من استبدال المحكم - استمرار الإجراءات دون هذا الاستبدال، وذلك بعد اخـذ رأي باقي المحكمـين واطـراف النزاع.
(3) وشعوراً بتفاقم تلك الظاهرة، كان لا بد للجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدوليـة ان تواجه المشكلة، فوافقت في اجتماعها الأخير بمدينة نيويورك ( 1-5 فبراير 2010 )، على نص المادة 14، الذي أورد أحكاماً تؤدي الى الحد من تلك الظاهرة.
وتنص الفقرة الاولى من هذه المادة على انه اذا تم استبدال محكم وحيـد او رئيس هيئـة التحكيم، فإن أي اجراءات سابقة يجب أن تعاد. وفي غير هاتين الحالتين، تكون إعادة الاجراءات بناء على تقدير هيئة التحكيم.
وتنـص الفقرة الثانية من نفس المادة على أن: "لسلطة التعيين – بناء علـى طلـب أحـد الاطراف – وبالنظر إلى الظروف الإستثنائية للقضية ان تقرر حرمان الطرف من حقه في تعيين المحكم البديل. ولسلطة التعيين، بعد أخذ رأي الأطراف ومن بقي من المحكمـين: أ- ان تعـين المحكم البديل، أو ب- اذا كان مبرر التعيين قد حدث بعد قفل باب المرافعـة، أن تـأذن لبـاقي المحكمين بالسير في اجراءات التحكيم وإصدار أي قرار أو حكم".
كما وافقت اللجنة في نفس الإجتماع على نص المادة 15 والذي يقضي انه "اذا تم استبدال محكم فإن الإجراءات تستأنف سيرها من الحالة التي توقف فيها المحكم المستبدل عـن مباشـرة مهمته، ما لم تقرر هيئة التحكيم غير ذلك".
2- مفاجأة الاطراف بأتعاب ضخمة للمحكمين:
(1) احياناً يفاجأ الاطراف بقيام هيئة التحكيم بتقدير اتعاب للمحكمين لا تتناسب مع ظـروف القضية، ودون مراعاة أسس تحديد الاتعاب، أو جدول الأتعاب الذي تنص عليه لائحـة سـلطة التعيين أو مركز التحكيم. ولهذا بدت الحاجة ماسة إلى وضع قيود على سلطة المحكمين في تحديد اتعابهم، حماية لهم من جشع انفسهم، وتشجيعاً للاطراف على الإلتجاء الى التحكيم دون التعرض لمصروفات مبالغ فيه.
(2) وقد حرصت لجنة الأمم المتحدة لقانون التجارة الدولية على مواجهة هذه المشكلة فـي المادة 341 من مشروعها الجديد الذي اقرته في اجتماعات نيويورك (1-5 فبراير 2010). وقد نصت الفقرة الأولى منها على ان اتعاب المحكمين يجب ان تكـون معقولـة reasonable فـى مقدارها وان تأخذ في اعتبارها قيمة النزاع وتعقيد موضوعه، والوقت الذي بذله المحكمون وأية ظروف في القضية منتجة في هذا التحديد. ونظمت الفقرة الثالثة من نفس المادة وسيلة لتمكــين الأطراف، منذ بداية اجراءات التحكيم، من معرفة الطريقة التي سوف تحدد على اساسها اتعـاب المحكمين، وخولت اياً من الأطراف حق الإعتراض على الأتعاب لدى سلطة التعيين. وعندئذ تقدر سلطة التعيين ما اذا كان تحديد هيئة التحكيم للأتعاب يتوافق مع المعايير التي تنص عليهـا الفقرة الأولى من المادة 41. وفي ضوء هذه المعايير تقوم سلطة التعيين بتعديل الأتعاب المحددة من هيئة التحكيم، ويكون هذا التعديل ملزما لهيئة التحكيم.
ثانياً: التعديلات التي ترجع إلى تطور النشاط الإقتصادي:
بسبب تطور النشاط الاقتصادي، وتعدد الأطراف المشاركين في هذا النشاط، بـدأت تكثـر التحكيمات المتعلقة بروابط قانونية غير تعاقدية أو بروابط قانونية متعددة الأطراف. وقد إنعكـس تأثير ذلك على اجراءات التحكيم التي تنظمها قواعد اليونسترال، فلم تعد كافية لحكم هذه الروابط، مما اضطر لجنة قواعد تحكيم اليونسترال الى اضافة قواعد جديدة على النحو التالي:
1- العلاقات القانونية غير التعاقدية:
(1) عند وضع قواعد تحكيم اليونسترال افترضت هذه القواعد ان محل التحكـيم منازعـة تتعلق برابطة تعاقدية، ولهذا نصت المادة الأولى منها بعنوانScope of Application على أن هذه القواعد تنطبق "عندما يتفق الأطراف كتابة في عقد على ان المنازعات المتعلقة بهذا العقـد سوف تحال إلى التحكيم وفقا لقواعد الـ Uncitral".
(2) ولم يعد هذا النص صالحاً بالنسبة للمنازعات الجديدة المتعددة التي تنشأ عن علاقـات قانونية ذات الطابع الإقتصادي. فهذه قد يكون مصدرها عقد أو غيره من المصادر غير التعاقدية.
ولهذا عمدت التشريعات المختلفة إلى توسيع نطاق التحكيم بحيث يشمل المنازعات ذات الطـابع الإقتصادي سواء كان مصدر الحق عقداً او ارادة منفردة أو غير ذلك من مصادر الإلتزام. ومن هذه قانون التحكيم المصري رقم 27 لسنة 1994، اذ تنص المادة العاشرة منه على ان "(1) اتفاق التحكيم هو اتفاق الطرفين على الإلتجاء الى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نـشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية".
وهو ما انتهت اليه لجنة تحكيم الـ Uncitral في اجتماعاتها الأخيرة (فبراير 2010) اذ تنص المادة الأولى من مشروعها على أن
"Where parties have agreed that disputes between them in respect of a defined legal relationship whether contractual or not shall be referred to arbitration under the Uncitral Arbitration Rules...".
2-تعدد أطراف المنازعة الواحدة:
(1) تنظم قواعد تحكيم اليونسترال الحالية تحكيماً يتعلق بمنازعة بسيطة بين طرفين، ولكـن مع تطور النشاط الإقتصادي، نشأت روابط قانونية مركبة ومتعددة الأطراف، كمـا هـو الحـال بالنسبة لعملية إقامة مصنع معين بنظام تسليم مفتاح، اذ هو يتطلب عقوداً مترابطة تشمل عقـد مقاولة مباني وعقود توريد معدات وعقود نقل تكنولوجيا... الخ، كما ان مقاولة المباني تقتـض ابرام عقد اساسات وعقد مقاولة للخرسانة وعقد مقاولة للألومنيـوم والزجـاج وعقـد مقاولـة للتشطيبات... الخ من العقود. ولهذا فإن النزاع الذي يتعلق بهذا المشروع يمكن ان يشمل أكثر من عقد واكثر من طرف.
ومن هنا كان يجب النظر في تعديل قواعد تحكيم اليونسترال لمواجهـة هـذه المنازعـات المعقدة. ذلك أن هذه المنازعات تقوم عادة بين أكثر من طرفين. واذا تعدد الأطراف، فإن تحديد عدد المحكمين ووسيلة اختيارهم تثير مشكلة. ففي التحكيم بين طرفين يمكن ان يتفـق الطرفـان على محكم واحد يختاراه او يتفقان على عدد وتر من المحكمين يختار كل طرف محكماً واحداً او اثنين منهم ويتم الإتفاق على طريقة اختيار المحكم المكمل للهيئـة. ولكـن اذا تعـدد الأطـراف وتنوعت مصالحهم، فكم يكون عدد المحكمين وكيف يتم اختيارهم؟
(2) لا مشكلة إذا اتفق الأطراف على اختيار اشخاص هيئة التحكيم. ولكن المشكلة تثور اذا لم يحدث هذا الإتفاق، ذلك أنه لكي تصل الهيئة الى حكم بالأغلبية يجب أن يكون عدد المحكمين وترا. فإن كان الأطراف ثلاثة اشخاص متعارضي المصالح، فإنه يكون من الصعب تحديد عـدد أعضاء الهيئة أو كيفية اختيارهم.
وقد أوردت بعض التشريعات مثل قانون المرافعات الايطالي (مادة 816 مكرر (4) مضافة بلائحة بقانون رقم (40) لسنة 2006)، ولوائح بعض مراكز التحكيم (مادة "10" من لائحة مركز التحكيم بغرفة التجارة الدولية ICC، ومادة "8 مكرر" من قواعد مركز القاهرة الإقليمي للتحكـيم التجاري الدولي) نصوصاً تنظم هذه المسألة. اما قواعد الـ Uncitral الحالية، فإنها لم تواجـه فرض تعدد الاطراف.
(3) ولهذا كان على لجنة الـ Uncitral مواجهة هذه المشكلة. فنصت المـادة (10) مـن مشروعها الأخير على انه "1- لتحقيق أهداف المادة 9/1، حيث يجب أن يعين ثلاثـة محكمـين وتعدد الأطراف كمدعين أو كمدعى عليهم و لم يتفق الأطراف علـى وسـيلة أخـرى لتعيـين المحكمين، فإن الأطراف المتعددين مدعين أو مدعى عليهم – يختـارون مجتمعـين محكمـاً واحداً. 2- واذا كان الأطراف قد اتفقوا على ان تشكل هيئة التحكيم من عدد خـلاف واحـد أو ثلاثة، فإن الهيئة تشكل بالوسيلة التي يتفق عليها الأطراف. 3- فإن لم يتم تعيين هيئـة التحكـيم وفقاً لهذه القواعد، تقوم سلطة التعيين، بناء على طلب أي طرف بتشكيل هيئة التحكيم. ويجوز لها عندئذ ان تلغي اي تعيين يكون قد تم (من اي طرف) وان تعين او تعيد تعيـيـن كـل المحكمـين وتختار واحداً منهم رئيساً".
3- إدخال الغير في خصومة التحكيم:
(1) عندما تتعدد العقود المتعلقة بمشروع استثماري واحد، قد يتعـدد اطـراف المنازعـة الواحدة، ويقوم أحد اطرافها ببدء اجراءات التحكيم ضد أحد الأطراف دون اختـصام الأخـرين. ولما كان لا يجوز لهيئة التحكيم ان تفصل في النزاع الا بعد سماع دفاع كل أطراف المنازعـة فإنه يجب وضع نظام يسمح بإدخال او تدخل أطراف المنازعة إذ إنهم يعتبرون من الغير بالنسبة لخصومة التحكيم رغم أنهم أطراف في اتفاق التحكيم.
(2) ولهذا وافقت لجنة الـ Uncitral في جلستها الأخيرة (فبراير 2010) على حكم جديـد يواجه هذه المشكلة تضمنه نص المادة 17/5 يقضي بأنه:" لهيئة التحكيم – بناء على طلب اي من الطرفين – السماح بأن يصبح شخص من الغير طرفاً في التحكيم بشرط أن يكون هذا الشخص طرفاً في اتفاق التحكيم، وذلك ما لم يتبين للهيئة – بعد سماع الطـرفين وهـذا الـشخص – ان اشتراكه في الخصومة سيسبب ضرراً لأي من هؤلاء. وللهيئة ان تصدر حكماً واحـداً أو عـدة أحكام بالنسبة لأطراف التحكيم".
(3) والواضح من صياغة النص، انه يجب لتطبيقه أن يكون الـشخص - الـذي يـراد ان يصبح طرفاً في خصومة التحكيم – طرفاً في اتفاق التحكيم، والا يكون إدخاله فيها من شـأنه ان يسبب ضرراً له أو لأطراف التحكيم.
كما أن من الواضح أن هذا النص يجيز ادخال الغير في الخصومة، ولو بغير رضاه، ولكنه لا يجيز تدخل الغير بإرادته دون طلب من طرف من أطراف اجراءات التحكيم. ولهذا فإننا نرى أنه نص غير كـاف، ذلك أن طرفي خصومة التحكيم قد يتواطآن اضراراً بهـذا الغيـر دون ان يتمكن من التدخل فيها، رغم أنه طرف في اتفاق التحكيم، ومن مصلحة هذا الشخص التدخل في خصومة التحكيم سواء للمطالبة بحق له أو للإنضمام الى احد الطرفين دفاعاً عن مصالحة. ولهذا فإننا تقترح ان تضيف لجنة اليونسترال نصاً يسمح لهيئة التحكيم بأن تأمر بإدخال الغير الطـرف في إتفاق التحكيم في الخصومة إذا رأت أن من مصلحة العدالة أو لإظهار الحقيقة وجوب إدخاله، و يسمح للغير الطرف في اتفاق التحكيم بالتدخل بإرادته في خصومة التحكيم سواء كـان تدخلـه هجوميا او انضماميا، دون حاجة لموافقة طرفي خصومة التحكيم.
4- وضع نظام كامل للتدابير الوقتية:
(1) بسبب تعقد الأنشطة الإقتصادية وتعدد صورها مما لم يكن له وجود او انتـشـار عنـد وضع قواعد اليونسترال الحالية، ازدادت الحاجة الى تدابير وقتية interim measures تتخـذها هيئات التحكيم قبل اصدار الحكم المنهي لخصومة التحكيم. ولم يعد النص الذي تتضمنه قواعـد اليونسترال الحالية، وهو نص المادة 26، كافياً.
ولهذا عمدت لجنة اليونسترال الى وضع مشروع نص جديد هو نص المادة 26 مكوناً مـن عشر فقرات تتضمن تنظيما تفصيليا للتدابير الوقتية استمدته اللجنة من القانون النموذجي Model Law. وأهم ما يميز النص الجديد:
1- أنه أعطى تعريفاً للتدبير الوقتي مستمداً من وظيفته، تعرفه بأنه اي تدبير وقتي تتخذه هيئـة التحكيم، قبل إصدار حكم التحكيم المنهي للخصومة، يتضمن امرا الى طرف بما يلي:
أ- ان يبقى الحال على ما هو عليه أو يعيده الى ما كان عليه حتى الفصل في النزاع. ب- ان يقوم بإجراء من شأنه ان يمنع او يوقف أي اجراء قد يسبب ضرراً حالاً أو وشـيك الوقوع أو الأضرار بخصومة التحكيم ذاتها.
ج- أن يوفر وسيلة للمحافظة على الأصول التي يمكن ان تكون محلاً لتنفيذ حكم التحكـيم الذي سيصدر.
د- أن يحافظ على ادلة الاثبات التي يمكن ان تكون متعلقة بحل النزاع ومنتجة في اثباتها.
وأوضحت هذه الفقرة أن هذه مجرد تطبيقات فهي ليـست واردة علـى سـبيل الحـصر. والحالات التي أوردها النص تتضمن صوراً لا تنص عليهـا المـادة 26 مـن قواعـد تحكـيم اليونسترال الحالية التي أشارت فقط الى تطبيق واحد هو "المحافظة على البضائع التي تكون محل النزاع مثل الأمر بايداعها لدى شخص ثالث أو بيع البضائع المعرضة للتلف".
2- تطلبت الفقرة الثالثة لقبول طلب التدبير الوقتي، في الحالات التي تنص عليهـا الفقـرة (أ) و(ب) و(ج) سالفة الذكر أن يقدم الطالب لهيئة التحكيم ما يثبت ان لديه وسائل كافية لحفـظ المال الذي يتعلق به التدبير الوقتي، وأن يقدم للهيئة ما يدل على ان دعـواه الموضـوعية مرجحة الكسب.
3- نصت الفقرة (5) من المادة على أن لهيئة التحكيم أن تعدل أو توقف او تلغى تدبيراً وقتيـاً امرت به، بناء على طلب من طرف التحكيم او من تلقاء نفسها.
4- نصت الفقرة السابعة على ان لهيئة التحكيم ان تطلب من اي من الطرفين الإفصاح عن أي تغيير في الظروف التي على اساسها طلب اتخاذ التدبير أو تم الامر به.
5- نصت الفقرة (8) من المادة على مسئولية من قدم الطلب اذا تبين أن الأمر ما كان يجب ان يصدر.
5- المرونة في تطبيق الجزاءات الاجرائية:
(1) لمواجهة الظروف التي قد تجعل بعض قواعد اليونسترال معوقة للتحكيم، كـان لا بـد من تخويل هيئة التحكيم سلطة مراعاة الظروف عند تطبيق بعض الجزاءات التي تنص عليهـا قواعد اليونسترال. ولهذا عمدت لجنة قواعد تحكيم اليونسترال الى تخويل هيئة التحكـيم مرونـة في تطبيق النصوص المتعلقة بسقوط بعض الحقوق الإجرائية في خصومة التحكيم. ومن أمثلـة ذلك :
- ما تنص عليه المادة 17/2 من ان لهيئة التحكيم، في آية حالة كانت عليها الاجراءات دعوة الاطراف لإبداء رايهم مد او تقصير أي ميعاد تنص عليه هذه القواعد او اتفق عليه الاطراف.
- ما تنص عليه المادة 23/2 من أن لهيئة التحكيم ان تقبل الدفع بعدم اختصاص الهيئة بعد الوقت الذي يجب أن يقدم فيه الدفع اذا وجدت أن التأخير في تقديمه كان له ما يبرره.
- ما تنص عليه المادة 32، بعد ان قررت ان عدم الإعتراض فوراً على مخالفة اجراء ما لإتفاق التحكيم أو لقواعد التحكيم يعتبر تنازلاً عن حق الإعتراض على المخالفة، من ان للهيئـة أن تقبل الإعتراض ولو لم يبد فوراً، إذا تبين لها أنه كانت هناك ظروف تبرر عدم الإعتـراض الفوري.
- ما تنص عليه المادة 39/2 التي حولت هيئة التحكيم سلطة تجاوز ميعاد الستين يوماً الذي يجب ان تصدر فيه الهيئة الحكم الإضافي المطلوب، إذا وجدت ضرورة لهذا التجاوز.
(2) ولا شك ان في اعطاء هيئة التحكيم مرونة في تطبيق نـصوص تحكـيم اليونـسترال المتعلقة بالجزاءات من شأنه أن يمكن هيئة التحكيم من مراعاة ظروف كل قضية بمـا يجعلهـا تحقق الضمانات التي ترمي النصوص الإجرائية إلى تحقيقها. على ان هذه السلطة التقديرية التي منحتها النصوص لهيئة التحكيم تتطلب محكمين يتمتعون بما يجب أن يتمتع به المحكم مـن علـم وخبرة وقوة شخصية وحيدة بين الخصوم واستقلال يبعده عن التأثر بأي مصلحة خاصـة لـه وبغير توافر هذه الصفات لا يمكن مهما حسنت التعديلات في قواعد تحكيم اليونسترال، ضـمان قضاء تحكيمي عادل.