الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / تعريف التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن / تطبيق مركز القاهرة لقواعد تحكيم اليونسترال والتعديلات التي سوف تقررها لجنة اليونسترال

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    97

التفاصيل طباعة نسخ

مقدمة:

     صباح الخير جميعاً...

    اود ان استهـل حديث ي بتقديم خالص الشكر لجميع القائمين على تنظيم هذا المـؤتمر الهام، واخص بالشكر بـل وأشيـد بمجهود الدكتورة حفيظة الحـداد والـدكتور عبـد الحميـد الأحدب.

    مداخلتي اليوم عنوانها مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم التجاري الدولي وتبني قواعد تحكـيم اليونسترال (في ضوء تعديل القواعد). ولكن قبل ان ابدأ اجد من المناسب الإشـارة الـى نبـذة تاريخية حول ولادة مركز اليونسترال في خريف 1966، انشئ المركز عام 1979 ضمن خطـة شاملة لإنشاء عدة مراكز تحكيم تطبق قواعد تحكيم اليونسترال في الدول الأفروأسيوية وكان ذلك من شأنه تشكيل خطوة طموحة بعيدة المدى نحو توحيد القواعد المتعلقة بإجراءات التحكـيم فـي آسيا وافريقا، وهو ما يعود بالنفع على تسوية المنازعات التجارية.

    وبناء على هذا القرار تم ابرام اتفاقية مقر بين حكومة جمهورية مصر العربيـة واللجنـة القانونية الإستشارية لدول آسيا وأفريقيا AALCO على أن تطبق قواعد تحكيم اليونسترال بعـد اضافة تعديلات طفيفة لها لجعلها ملائمة للتحكيم المؤسسي.

   مداخلتي تنقسم الى ثلاثة اقسام تدور حول تطبيق مركز القاهرة لقواعد تحكيم اليونـسترال والتعديلات التي سوف تقررها لجنة اليونسترال.

القسم الأول: التعديلات التي أدخلها المركز بالفعل على قواعد اليونسترال

    كان طبيعياً أن يسفر التطبيق العملي للقواعد عن احتياجات جديدة لأطراف المنازعات ممـا أوجب تعديلها واضافة بعض التغيرات التي تخرجها عن الروح والفلسفة التي تقوم عليهـا هـذه القواعد. وقد تم تعديل قواعد المركز بالفعل في اعـوام 1998 و2000 و2002 و2007. ومـن ضمن التعديلات التي أضافها مركز القاهرة:

1- تعديل يستوجب من المحتكم ضده إيداع رد مبدئي على أخطار التحكيم قبل تـشكيل هيئـة التحكيم وقبل تقديم المدعى لبيان دعواه التحكيمية.

2- تعديل يجيز امكانية ان يختار الأطراف اشخاصاً من المحامين أو من غيرهم للنيابة عنهم أو لمساعتدهم.

3- تعديل يجيز للمركز، بعد موافقة اللجنة القانونية العليا، وبناء على طلب أحد الأطراف، عزل أحد المحكمين في حالة عدم قيامه بمهمته أو في حالة وجود استحالة قانونية أو فعلية تحول دون القيام بها، أو في حالة تراخيه أو تعمده تعطيل البدء أو السير في اجراءات التحكـيم، وذلك بعد اتاحة الفرصة له وللطرف الآخر لإبداء وجهات نظرهم في طلب العزل.

4- خضوع الإجراءات للقواعد السارية المفعول عند بدء اجراءات التحكيم.

5- تعديل يتعلق بسرية الإجراءات والمستندات.

6- وضع قواعد اضافية لمواجهة المشاكل التي تترتب على التحكيم متعدد الأطراف خاصة فيما يتعلق بتعيين المحكمين.

7- تعديل ينص على امكانية التعقيب على طلبات تفسير وتصحيح أحكام التحكيم.

8- تعديل يجيز للمركز رفض تعيين أي محكم يتم اختياره للنظر في الدعوى اذا قامت دلائـل قوية على عدم استيفاء هذا المحكم للشروط القانونية أو الإتفاقية، أو حال عدم التزامه فـي دعوى سابقة بقواعد السلوك المهني للمحكمين الصـادرة من المركز وذلـك بعـد موا اللجنة القانونية العليا، وبعد اتاحة الفرصة لهذا المحكم واطراف الـدعوى ابـداء وجهـات نظرهم.

القسم الثاني: التعديلات الجديدة

   والمركز الآن بصدد ادخال تعديلات اخرى على القواعد ليواكب التعـديلات التـى سـوف تدخلها لجنة اليونسترال والتي سوف تقرر أثناء دورتها القادمة التي سوف تعقد في نيويورك في شهر يونيو القادم. وفي الواقع فبعض هذه التعديلات لن تؤدي الى تغيير في قواعد المركز حيث ان المركز سبق أن تبنى هذه التعديلات، مثلما أشرت في بداية مداخلتي، ذلك مثـل التعـديلات المتعلقة بالتحكيم متعدد الأطراف والتعديلات المتعلقة ببدء الإجراءات والشروط التـى يجـب توافرها في اخطار التحكيم والرد المبدئي على أخطار التحكيم.

     ومن ناحية أخرى فإنه توجد تعديلات سوف تؤدي الى تغيير في قواعد المركز عند تبنيهـا واهمها التعديلات اللغوية والتعديلات المتعلقة بشرط الكتابة، فالتعديلات سوف تسمح لإخـضاع العلاقات العقدية أو غير العقدية للتحكيم. وايضاً امكانية الإخطار بالوسائل الإلكترونية الحديثة وهناك تعديل آخر محل دراسة في المركز الآن، وهو المتعلق بالهيئة (غيـر المكتملـة) أو المبتورة Truncated Tribunal وهي مشروع المادة 14 فقرة 2 من القواعد المقترحة والـذي ينص على الآتي:

   "اذا رأت سلطة التعيين، بناء على طلب احد الأطراف، أن هناك، بسبب الطابع الإستثنائي لظروف القضية، مسوغاً لحرمان احد الأطراف من حقه في تعيين محكم بديل، يجـوز لـسلطة التعيين، بعد اعطاء الأطراف والمحكمين المتبقين فرصة لإبداء آرائهـم: (أ) ان تعـيـن المحكـم البديل؛ او (ب) اذا حدث الشيء ذاته بعد اختتام جلسات الإستماع، أن تأذن للمحكمين الآخـرين بأن يواصلوا عملية التحكيم ويتخذوا اي قرار أو يصدروا اي قرار تحكيمي".

القسم الثالث: يتعلق ببعض موضوعات هامة قد يرى دراستها بعناية في المستقبل لتطوير قواعد التحكيم بصفة عامة

    هناك ثلاثة موضوعات لها في نظري اهمية، وقد يكون من المناسـب طرحهـا للمناقـشة. ونقطة الإنطلاق في هذه الموضوعات انه في تقديري لا يجوز تناول الإطار العام لفلسفة التحكيم وتطبيقاته للقوانين واجبة التطبيق في مختلف المراحل بمعزل عن تطبيقات هذه القوانين بواسـطة القضاء الوطني في هذه الدول، فالقضاء الوطني والتحكيم وجهان لنفس العملة التي تسعى لتطبيق القواعد القانونية تطبيقاً عادلاً ومنصفاً بغية حسم المنازعات.

    ومن هذا المنطلق أطرح للمناقشة ثلاثة موضوعات:

الموضوع الأول: عدم وجود نظام تدريجي Hierarchy في التحكيم:

    الإلتجاء الى التحكيم يكون بهدف تسوية المنازعات بصدور حكم نهائي وملزم، ولا شك أن هذا الوضع من أكبر مزايا التحكيم حيث ان الهدف من الإلتجاء الى التحكيم هو حـسـم وتـسوية المنازعات، والمحكم يلجأ إلى احكام القانون واجب التطبيق تماماً مثلما يفعل القاضي عند ممارسة صلاحياته، ولكن هناك فارق هام وهو أن الأنظمكة القضائية في جميع الدول تعمل في اطار نظام يوفر جهازاً رئاسياً يسمح بإستئناف الأحكام والإلتجاء في المسائل القانونية الى محكمة النقض.

    اما التحكيم فالأحكام التي تصدر تكون نهائية ولا يمكن استئنافها أو نقـضها او طلـب حـكـم اضافي لم يتطرق اليه حكم التحكيم خارج اطار طلب تفسير الحكم من نفس الهيئة التي اصـدرته. كما انه طبقاً لإتفاقية نيويورك لعام 1858 يمكن الطعن في حكم التحكيم بالبطلان امـام المحـاكم الوطنية، ولكن الطعن بالبطلان يجب أن يؤسس على احد الأسباب الواردة في المادة الخامسة مـن الإتفاقية وجميعها تتعلق بأمور تنظيمية واجرائية بالإضافة الى عدم مخالفة قواعد السياسة العامـة للدولة. وكلها أمور لا تنصب على جوهر الحكم، والهدف منها يكون أبطال الحكم لعدم توافر امور معينة أو لمخالفته لقواعد السياسة العامة للدولة. ولكن الطعن بالبطلان في أحكام التحكيم لا يرقـى الى مستوى طلبات استئناف الأحكام التي تقدم الى القضاء بهدف تعـديل هـذه الأحكـام لأسـباب موضوعية تنصب على تفسيره القانون وتطبيقه ولا شك لدي ان هذا الإعتبار كـان وراء اتفاقيـة واشنطن لعام 1965 التي عالجت هذا الموضوع بأن انشأت نظاماً داخلياً في اطار مركـز تـسوية منازعات الإستثمار ICSID لبطلان الأحكام في حالة توافر شروط محددة ولكن يعيب هذا النظـام ايضاً انه يؤدي الى عرض النزاع على ثلاث هيئات تحكيم لأنه فـي حالـة ابطـال الحكـم الأول بواسطة لجنة من ثلاثة محكمين فإن اتفاقية واشنطن تنص على ان يعرض النزاع بعد ذلـك علـى هيئة تحكيم ثالثة مما يطيل فترة نظر النزاع ويكلف الأطراف أموالاً طائلة. أطرح هذا الموضـوع للمناقشة لأنه يستحق اعادة النظر فيه بأسلوب يعكس اهمية ايجاد توازن دقيق بين هـدف تـسوية سريعة للمنازعات من جهة، وضرورة إيجاد فرصة لمراجعة ما تصدره هيئات التحكيم من احكام.

الموضوع الثاني: أهمية تطوير ودعم ونشر السوابق

   المتفق عليه أن أحكام التحكيم لها سريتها ولا يجوز نشرها الا بموافقة الأطراف. هذه السرية سلاح ذو حدين، فبالرغم من كونها عنصر أساسي من عناصر الجذب للتحكيم ولكنها أيضاً تؤدي الى مشكلة عدم وجود اتساق في أحكام التحكيم وعدم وجود نظام للسوابق يمكن اتباعه.

   ويظهر ذلك بشكل واضح في القضايا جميعها ولكن لصعوبة معالجة هـذه المـشكلة النزاعات التجارية، يحاول المجتمع القانوني معالجة هذه المشكلة على الأقل في قضايا الإستثمار. وقد دار نقاش ممتد في الإجتماعات الأولى لمجموعة العمل  عندما بدأت في مناقشة المقترحات لتعديل قواعد اليونسترال للتحكيم. وقد آثار اثنان من الأعضاء المراقبين وهما المعهـد الـدولي للتنمية المستدامة ومركز القانون البيئي الدولي . - International Institute for Sustainable - Development and the Center for International Environmental Law - اهميـة معالجة مثل هذه المشكلة وأهمية ضمان شفافية اجراءات التحكيم وجعل المذكرات علنية amicus curiae briefs – ونشر أحكام التحكيم للتمكن من وجود نظام سوابق. ولكن تم ارجاء مناقـشة هذه المقترحات لوقت لاحق. هناك بالطبع آراء مختلفة حول موضوع مدى قيمة وحجة السوابق في التحكيم ومدى تأثيرها وهذا موضوع لن اتطرق اليه لأنه يخرج عن اطار هذه المداخلة ولكنه يستحق الإهتمام والدراسة خاصة في ضوء الزيادة المطردة لمراكز التحكيم خاصة فـي الـوطن العربي.

الموضوع الثالث: سلطة هيئات التحكيم في اتخاذ إجراءات تحفظية من تلقاء نفسها

تنص المادة (1) 26 من قواعد اليونسترال على أن:

   "لهيئة التحكيم أن تتخذ بناء على طلب احد الطرفين ما تراه ضرورياً من تدابير مؤقتة بشأن الموضوع محل النزاع بما في ذلك اجراءات المحافظة على البضائع المتنـازع عليهـا كـالامر بإيداعها لدى الغير أو بيع السلع القابلة للتلف".

    بمعنى أن هيئة التحكيم لا تملك صلاحيات الأمر بإجراءات تحفظية الا بناء على طلب أحـد الأطراف. وفي نظري ان مثل هذا النص يعد قيداً يحد من حرية هيئة التحكيم في تناول النزاع. وهذا القصور في صلاحيات هيئات التحكيم طبقاً لقواعد اليونسترال لا يتفق فـي سـلطات المحاكم في القضاء الوطني الذي يملك سلطة اصدار الأمر بإجراءات تحفظية من تلقـاء نفـسها Proprio Moto دون ان يطلب منها ذلك اي من أطراف النزاع.

    وبإلقاء نظرة سريعة على بعض الأنظمة القضائية الدولية للمقارنة مع هذه الأنظمة، نجد أن هناك اتجاها يسمح بأن تتحرك المحاكم وهيئات التحكيم من تلقاء نفسها وتأمر بإتخـاذ اجـراءات تحفظية دون ان يطلب أياً من الأطراف ذلك. وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد:

1- ان النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية ينص صراحة في المادة 41 (1) على:  

   "للمحكمة أن تقرر التدابير المؤقتة التي يجب اتخاذها لحفظ حق كل من الأطراف وذلك متى رأت ان الظروف تقضي بذلك".

2- كما انه تجدر الإشارة في هذا الصدد الى ان لجنة القانون الدولي التابعة للأمم المتحـدة كانت قد اعدت عام 1958 مواد نموذجية لإجراءات التحكيم نصت المادة 20 منها على الآتي:

   "لهيئة التحكيم، وفي حال الإستعجال، لرئيس هيئة التحكيم وبشرط موافقـة بـاقي اعـضاء الهيئة، اذا رأت أن الظروف تقتضي ذلك، سلطة الأمر بأي تدابير مؤقتة والتي يجـب اتخاذهـا للحفاظ على حقوق اي من الاطراف".

3- اما عن قواعد تحكيم الإكسيد فقد سمحت لهيئة التحكيم في الفقرة 3 من المادة 39 والتي تنص على الآتي:

   "يجوز لهيئة التحكيم ان توصي من تلقاء نفسها بإتخاذ تدابير مؤقتة أو ان توصـي بإتخـاذ تدابیر اخرى غير التدابير المحددة في الطلب. ويجوز لها في أي وقت تعديل أو الغاء توصياتها".

4- كما ان بعض مراكز التحكيم مثل مركز الغرفة التجارية في باريس ومركـز تحكـيم ميلانو تضفي على هيئات التحكيم بعض صلاحيات في هذا الإتجاه.

5- كما تنص اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار في المادة 290 على نفس الصلاحيات.

   فالبرغم من وجود اتجاه اعتبر اتجاهاً قوياً لإضفاء صلاحية إصدار أوامر تحفظية لهيئـات ومحاكم تحكيمية، فإن هذا الموضوع الذي يعتبر في نظري جزءاً لا يتجـزأ، وامتداداً طبيعيـاً لصلاحيات هيئات التحكيم، فإن قواعد اليونسترال للتحكيم 1976 لم تتطرق اليـه. وممـا يثيـر دهشتي ان التعديلات التي سوف تقرها لجنة اليونسترال هذا العـام لا تتـضمن اضـفاء هـذه الصلاحية على هيئات التحكيم.

    واختم المداخلة بالتأكيد على أن التعديلات التي اتفق عليها في اليونسترال هامـة، وسـوف تؤدي الى زيادة فعالية القواعد. ولكن في نفس الوقت أود ابراز ضرورة مراجعة هـذه القواعـد بصفة دورية لتواكب الزيادة المطردة للإلتجاء الى التحكيم في عالمنا المعاصر.