ان انهاء عقود الإمتيازات النفطية لدواعي المصلحة العامة بإرادة الإدارة المنفـردة تمثـل خطورة كبيرة تكمن في أن الإدارة – كما هو المعتاد – تلجأ الى الإمتياز في المشاريع الـضخمة التي يتعذر ادارتها بالإستغلال المباشر، وان تنفيذها يأخذ مدة طويلـة مـن الـزمن وخبـرات متخصصة وتنفق فيه المبالغ الطائلة، ومن ثم فإن الإنهاء يلحق بالملتزم اضراراً فادحـة، كمـا تتضرر الإدارة بتحملها عبء التعويض، وتتضاعف الخطورة اذا كان المتعاقد مستثمراً اجنبياً، اذ يواجه الإنهاء عادة بوسائل دفاع اجنبية سواء من حيث القانون أو بتدخل الهيئات والمنظمات غير الوطنية. وللتجربة الليبية في انهاء عقود الإمتيازات النفطية ، اثرها البـالـغ فـي اثـارة الجـدل القانوني على المستوى الدولي، اذ يتمحور هذا الجدل حول التكييف القانوني لعقد الإمتياز النفطي والقانون الواجب التطبيق وشرط الثبات التشريعي والأساس القانوني للتأميم والآثار الناشئة عنه، ومن ثم تتمحـور دراسة هذا الموضوع (التحكيم في عقود الإمتيازات النفطيـة) حـول النقـاط التالية:
التكييف القانوني لعقد الإمتياز النفطي.
الأساس القانوني للتأميم.
آثار التأميم.
التكييف القانوني لعقد الإمتياز النفطي:
في شأن الإمتيازات المتعلقة بعقود الإمتيازات النفطية، صدر عدد من أحكام التحكيم تتطلب بحث ما اثارته من اشكاليات، اذ يتبين من هذه الأحكام انها ابتعدت عن تطبيق فكرة العقد الإداري، فبعد أن حدد ديبوي القانون الواجب التطبيق بإستعداد القانون الليبي، واخضاع عقد الإمتياز لأحكام القانون الدولي، وبعد مواجهته بالرأي الذي يكيف هذا العقد بأنه عقد إداري، حاول ايجاد مبرر لموقفه بإستبعاد فكرة العقد الإداري التي لو اخذ بها لكان لزاماً عليه تطبيق القانون الليبي الذي يعترف للإدارة بالإنهاء لدواعي المصلحة العامة، وخروجاً من هذا المأزق رأى أن شروط العقد الإداري في القانون الليبي غير متوافرة في عقد الإمتياز النفطي، لعدم تعلق العقد بمرفق عام، اذ اعتبر الثروة النفطية في ليبيا لا تمثل مرفقاً عاماً، وان العقد لا يحتوي على شروط استثنائية، كما استدل بوجود شرط الثبات التشريعي على وجود الرغبة في التعامل على قدم المساواة، كما يرى ان نظرية العقود الإدارية فرنسية الأصل، لا تشكل جزءاً من المبادئ العامة للقانون.
لقد تعرض تكييف ديبوي هذا الى عدة انتقادات من بينها انه: عقد بين دولة وشخص خاص، وان العقد الذي لم يكن بين اشخاص القانون الدولي يجد اساسه في قانون وطني، والمحكم يرى ان العقود بين الدولة والشخص الخاص يمكن ارجاعها الى شخص خاص في القانون الدولي وهو القانون الدولي للعقود}.
وأما بصدد تطبيق القواعد العامة لنظرية العقد الإداري، فإن المعايير المميزة للعقد الإداري ثلاثة، وهي:
1- ان تكون الإدارة طرفاً في العقد.
2- تعلق العقد بمرفق عام.
3- احتواء العقد على شروط استثنائية غير مألوفة في القانون الخاص.
وقد نفى ديبوي توافر هذه المعايير في عقود الإمتياز، الا ان العديد من الفقهاء اكدوا توافر هذه المعايير في عقد الدولة المبرم بين الدولة والمستثمر الأجنبي، وعقد الإمتياز النفطي من أبرز صور هذه العقود، اذ تظهر فيه هذه المعايير على النحو التالي:
اولاً- الإدارة أحد أطراف العقد:
والمقصود بالإدارة هنا هي احد اشخاص القانون العام، أي الدولة أو أحد الأشخاص الإعتبارية التابعة لها.
وفي عقود الإمتيازات النفطية تكون الدولة دائماً طرفاً في العقد، ومن ثم فإن الشرط متحقق.
ثانياً- اتصال العقد بمرفق عام:
والمرفق هو كل مشروع يستهدف الوفاء بحاجات ذات نفع عام تتولاه الدولة أو أحدى الجهات التابعة لها، وتديره مباشرة أو تعهد به الى الغير تحت اشرافها.
والإدارة بواسطة العقد الإداري تستعين بالنشاط الخاص في تنظيم المرفق العام او تسييره او ادارته او استغلاله بقصد تحقيق المصلحة العامة.
ومن ثم فإن ارتباط العقد بالمرفق العام ضروري لإضفاء الصفة الإدارية على العقد، الا ان المرفق العام هنا يؤخذ بمفهومه الواسع فهو يشمل المرافق العامة الإدارية والإقتصادية معاً، واتصال العقد به يكون على اية صورة سواء من حيث التنظيم أو الإستغلال أو التسيير أو الإدارة أو المساهمة.
اما القول بخلاف ذلك فهو تقييد بغير مقيد، اذ ان المعيار المحدد لإستظهار قيام المرفق العام هو قصد السلطة العامة، أما بالنص صراحة، واما من استجلاء الوقائع والظروف المحيطة بالمشروع والصورة الواضحة في الثروة النفطية عو اعتبارها مرفقاً عاماً، فهو المرفق الأساسي الذي يغذي جميع المرافق العامة الأخرى، وهي منظمة بقانون، كما لا يجوز للغير استغلاله الا بترخيص من الدولة وخضوعه لمراقبتها واشرافها، كما يكون للملتزم بعض امتيازات السلطة العامة، والتي لا تمنح الا لتسيير المرفق العام.
ثالثا- احتواء العقد على شروط استثنائية:
ان عقود الإمتيازات النفطية تحتوي على طائفتين من الشروط غير المألوفة في عقود القانون الخاص.
الطائفة الأولى: وهي الشروط التي تخول الملتزم الحق في ممارسة بعض مظاهر السلطة العامة التي تمارسها جهة الإدارة بالقدر الذي يفرضه سير المرفق العام بإنتظام واطراد؛ كإستعمال الدومين (الملك) العام، ونزع الملكية، وشغل الأراضي دون رضا ملاكها لغرض تنفيذ العقد، وإقامة وسائل المواصلات بمختلف أنواعها.
اما الطائفة الثانية: فهي الشروط التي تتناول الإمتيازات التي تحتفظ الإدارة بممارستها دون ان تمنحها للملتزم، ومن بينها حقها في مصادرة التأمين، وتوقيع العقوبات، والتفتيش، على نشاطات الملتزم، وفحص دفاتره، وسجلاته، والمشاركة في حضور مجالس الشركات، والعضوية فيها، وحظر التنازل عن الإلتزام للغير، الا بموافقة الإدارة.
وإحتواء عقد الإمتياز النفطي على بعض هذه الشروط، جعله من ضمن العقود الإدارية، اذ ان هذه الشروط تدل على ان الإدارة ارادت الأخذ بأسلوب القانون العام، الذي يتضح جلياً في الطائفة الثانية من الشروط، اما شروط الطائفة الأولى فبالرغم من وجود الإعتراض القائل بأنها تنزل الإدارة منزلة اشخاص القانون الخاص، فهذا قول مردود، فهي لا تتنازل عن مكانتها، بل تمنح الملتزم بعضاً من امتيازاتها لضمان حسن سير المرفق بإنتظام واطراد، ولو انها نزلت لمستوى الأشخاص الخاصة، لتجردت من الإمتيازات التي منح بعضها للمتزم الذي ينوب عن الادارة في ادارة المرفق موضوع عقد الإمتياز، واذا منع الأصيل من هذه الإمتيازات فمن باب أولى أن يمنع النائب عنه، ومن ثم فإن الشروط الإستثنائية متوافرة في عقد الإمتياز النفطي، وهي احد المعايير المميزة للعقد الإداري.
الا ان عقد الإمتياز النفطي اختلف عن غيره من العقود الإدارية بإحتوائه على شرط الثبات التشريعي، فما هو الوضع القانوني لهذا الشرط؟
نص عقد الإمتياز النموذجي الملحق بقانون النفط رقم 25 لسنة 1955 على شرط الثبات التشريعي، أو ما يسمى شرط الضمان أو عدم المساس، اذ نص البند 16 في صورته النهائية على: (1- تتخذ الحكومة الليبية جميع التدابير اللازمة لضمان تمتع الشركة بجميع الحقوق المخولة لها بمقتضى هذا العقد، ولا يجوز المساس بالحقوق التعاقدية المنصوص عليها صراحة في هذا العقد ما لم يكن ذلك بإتفاق الطرفين. 2- يكون تفسير هذا العقد خلال مدة نفاذه طبقا لأحكام قانون النفط واللوائح الصادرة بموجبه وقت ابرام اتفاق التعديل الذي بموجبه أدمجت هذه الفقرة 2 في عقد الإمتياز، وأي تعديل أو الغاء لتلك اللوائح لا يسري على العقود التعاقدية للشركة الا بموافقتها).
قد احتوت جميع عقود الإمتيازات النفطية على هذا النص حماية للمستثمر الأجنبي مما قد يتعرض له من مخاطر، وفعلاً كان هو السند الأساسي الذي استندت اليه أحكام التحكيم المشار اليها في استبعاد نظرية العقد الإداري على عقد الإمتياز، بغية استبعاد القانون الوطني، والقضاء بعدم شرعية التأميم.
لقد فسر ديبوي هذا الشرط انه يبرهن على رغبة الدولة في التعامل مع المتعاقد على قدم المساواة، في حين أن الفقيه G. Jonatham يرى انه شرط غير مألوف في القانون الخاص .
وقد رأى عدد من الفقهاء أن الشروط غير المألوفة تفرض في العقد لصالح الدولة، كما تفرض أيضاً لصالح المتعاقد معها، وليس من الضرورة ان تكون لصالح الدولة دوماً، وان التساؤل الذي يثار، ما هو الهدف من شرط الثبات التشريعي؟ ان الهدف من هذا الشرط واضح، هو حماية المتعاقد من استعمال الإدارة لسلطات التعديل أو الإنهاء، وهذه السلطات لا تكون الا في العقد الإداري، لأن العقد المدني تحكمه قاعدة العقد شريعة المتعاقدين .
وبما أن التكييف القانوني لسلطة الإدارة في انهاء العقد الإداري لدواعي المصلحة العامة من النظام العام، فإن الأثر المترتب على ذلك هو بطلان التنازل عن ممارسة هذه السلطة أو تقييد استعمالها.
وبما ان شرط الثبات التشريعي وهو عبارة عن اتفاق استهدف الحد من ممارسة الدولة لسلطتها في انهاء عقد الإمتياز، فهذا الشرط باطل لمخالفته النظام العام، فالدولة لا تملك التنازل عن سيادتها.
ومما يرتبط بذلك وله علاقة مباشرة بسيادة الدولة (القانون الواجب التطبيق في عقود الإمتيازات النفطية) فكيف تناولته أحكام التحكيم؟
نص البند 28 من عقد الإمتياز الملحق بقانون النفط رقم 25 لسنة 1955 على ان: (يخضع العقد ويفسر بمقتضى المبادئ القانونية في ليبيا المتمشية مع مبادئ القانون الدولي، وفي حالة عدم وجود مثل هذه المبادئ فعندئذ طبقا للمبادئ القانونية العامة بما في ذلك تلك المبادئ التي طبقت في المحاكم الدولية).
يفهم من هذا النص أن عقد الإمتياز يخضع في الأساس لمبادئ القانون الليبي التي لا تتعارض مع مبادئ القانون الدولي، وعندما لا تتوافر هذه المبادئ يخضع احتياطياً للمبادئ العامة للقانون.
ان ما تم التوصل اليه من أن عقد الإمتياز عقد اداري، وان القانون الليبي قد اسس للعقد الإداري احكامه ومبادئه، فإن النتيجة المنطقية لذلك هو خضوع عقد الإمتياز للقانون الليبي.
أما المبرر الذي جاء به ديبوي لتدويله هذا العقد، من أن نظرية العقد الإداري فرنسية الأصل لا تشكل جزءاً من المبادئ العامة للقانون، فهو مبرر مردود، اذ ان اغلب نظم العالم تفرق بين هذه العقود. وقد عرف النظام الإنجلوسكسوني بما يعرف بعقود الدولة (StateContract، ثم ان الواضح من نص البند 28 انه لا يشترط أن تشكل مبادئ القانون الليبي جزءاً من القانون الدولي بل اشترط عدم وجود التعارض بينهما بعبارة (المتمشية مع مبادئ القانون الدولي)، ولا اجتهاد مع صراحة النص.
الأساس القانوني للتأميم:
ان معيار السلطة العامة هو الأساس القانوني لسلطة انهاء الإدارة للعقد الإداري لدواعي المصلحة العامة، وقد نازعه في هذا الأساس معيار المصلحة العامة، اما الأساس القانوني للتأميم فيكاد ينعقد الإجماع على مبدأ سيادة الدولة على ثرواتها؟.
ولسيادة الدولة جانبان؛ سيادة خارجية وهي عدم خضوعها لأي دولة أخرى، وتعني (الإستقلال)، وسيادة داخلية وهي سلطة الدولة على الإقليم، فهذه السلطة هي الأساس القانوني لسلطة انهاء العقد الإداري، وأن التأميم من ضمن صور هذا الإنهاء.
وما ذهب اليه ديبوي من أن الدولة تتنازل عن جزء من سيادتها بتجميد هذا الشرط من السيادة فيما يخص الإنهاء فإنه لا يستقيم مع المنطق والقانون، لأن كيان الدولة هو سيادتها التي لا تخضع للإنتقاص أو التجميد، ولذا كانت السيادة من القانون العام، فلا يجوز التنازل عنها، وان وقع شيء من ذلك فهو باطل لمخالفته النظام العام.
ويؤيد هذا الأساس، ما انتهى اليه د. المحمصاني في تحكيم ليامكو، من ان للدولة السيادة على ثروتها الطبيعية وليس للمدعية الا التعويض، وهو الذي اكده الواقع العملي، اذ ان الذي قرره ديبوي في حكمه بالتنفيذ العيني لم يجد مجالاً للتطبيق، مما اضطره إلى التسوية صلحاً.
ويلاحظ انه قد برز دور السلطة العامة في تحكيم ليامكو، بإعتبارها أساساً لسلطة الإنهاء استناداً الى مبدأ سيادة الدولة على ثرواتها، مما يثبت ان معيار السلطة العامة هو الأساس القانوني لسلطة الإنهاء، في حين يلاحظ أن فكرة المصلحة العامة لم تظهر في هذا المحك بإعتبارها اساسا لسلطة الإنهاء بالرغم من أن الهدف من انشاء المرفق العام واستخدامه بإنتظام واطراد هو تحقيق المصلحة العامة، وهي تلعب دوراً أساسياً في استمرارية المرفق العام وانهائه وهي تتمتع بأهمية عالية الى درجة انها نازعت السلطة العامة في الأساس القانوني للإنهاء.
وقد برزت أهميتها في عقد الإمتياز النفطي، اذ لا شك ان من مصلحة الشعوب ان تستعيد ثرواتها، وليس الإستمرار في تنفيذ عقود طويلة المدة لا تجني منها الا القليل، فيكون من مصلحتها إنهاء هذه العقود، ومن ثم فإن الإستمرار في تنفيذ عقود طويلة المدة لا تجنى منها الا القليل، فيكون من مصلحتها انهاء هذه العقود، ومن ثم فإن شرط المصلحة العامة في التأميم النفطي متوافر دون شك.
وقد أقر بتوافرها في انهاء عقد الإمتياز النفطي د. المحمصاني في تحكيم ليامكو بينما لم يتناوله ديبوي في تحكيم تكساكو، وقد ركز دفاع الشركة البريطانية للنفط (ب ب) على انتفائها بإعتبار ان التأميم لم يكن الهدف منه تحقيق المصلحة العامة، بل كان لأهداف سياسية أخرى، تميزية وانتقامية، والهيئة انتهت الى غير ذلك، اذ لو استطاعت الشركة المدعية اثبات انتفاء المصلحة العامة في التأميم لتغير وجه الرأي في الحكم الذي انتهى الى رفض طلب التنفيذ العيني، والإكتفاء بالتعويض والاثر المباشر للتأميم.
يستخلص مما تقدم ان السلطة العامة هي الأساس القانوني للتأميم وان المصلحة العامة شرط جوهري لشرعيته.
آثار التأميم:
في ضوء ما تقدم يعتبر التأميم احد صور انهاء العقد الإداري، وان أهم الآثار المترتبة على هذا الإنهاء امران هما: حق المتعاقد في التعويض ومصير الإلتزامات المالية المتبادلة والأدوات المستخدمة.
فيما يتعلق بتعويض المتعاقد في تأميم عقود الإمتياز النفطية يكاد لا يخلو تأميم منه بإعتباره الحق الذي يقره القانون الإداري للمتعاقد في مواجهة حق الإدارة في الإنهاء.
وما يتضح من وقائع القضايا السابقة انه اعتبر من ضمن شروط التأميم، اذ كان من بين دفوع الشركة البريطانية للنفط (ب ب) في عدم شرعية التأميم عدم ذكر التعويض، والدكتور المحمصاني قرن صحة التأميم بالتعويض وهو اتجاه يقره اغلب الفقهاء.
ولكن يبدو ان التعويض لا يتعدى كونه اثراً من آثار التأميم، طبقاً لمبادئ العقد الإداري التي لا تعتبره أكثر من ذلك بالرغم من اهميته، اذ تتحدد هويته بإنتمائه الى طائفة حقوق المتعاقد، وعلاقته بالتأميم علاقة مقابلة او مواجهة، وبالتالي يكون له كيانه المستقل عن التأميم الذي ينتمي الى سلطات جهة الإدارة.
والنتيجة العملية المترتبة على ذلك انه اذا اعتبر التعويض شرطاً للتأميم فإنه لا يقع الا من تاریخ تحديد قيمة التعويض، ويعتبر المتعاقد مالكاً للإمتياز طيلة المدة السابقة، اما اذا لم يعتبر شرطاً للتأميم فإنه يتحقق من تاريخ صدوره أو من التاريخ الذي تحدده جهة الإدارة الذي تنتهي به ملكية المتعاقد للإمتياز.
ويتأكد هذا الإمتياز الأخير بالتطبيق العملي للتعويض في قضايا التأميم محل الدراسة، اذ تم تقدير التعويض لاحقاً بعد وقوع التأميم، ومن ثم يكون التطبيق العملي قد كشف غموض الجانب النظري في هذه المعضلة.
اما فيما يتعلق بمصير المصالح المالية المتبادلة والأدوات والمواد المستخدمة فإن الذي يترتب على انهاء العقد الإداري هو تسوية الإلتزامات المالية المتبادلة بين المتعاقد وجهة الإدارة مع امكانية اجراء مقاصة بين هذه الإلتزامات، كما تشمل حصر كافة الأدوات والمواد المستخدمة، وابقاء ما يلزم منها للعمل وتعويض المتعاقد عنها.
وبالرجوع الى قوانين التأميم المشار اليها يلاحظ ان احكامها تتفق مع هذه المبادئ، فهي تنص على ان تؤدي الدولة إلى المتعاقد تعويضاً عما آل اليها من أموال وحقوق وموجودات وتتولى تقدير قيمة التعويض لجنة مكلفة بالخصوص، وعلى أن تخصم (تحسم) من قيمة التعويض المبالغ اللازمة للوفاء بديون الخزانة العامة والديون المتعلقة بموضوع الحقوق المؤممة في حدود قيمة التعويض.
كما نصت على نقل ملكية الأدوات والمواد المستخدمة في عقد الإمتياز الى ملكية الدولة، ويشمل ذلك على وجه الخصوص جميع الحقوق المتعلقة بمنشآت ومراكز الإستطلاع والحفر واستخراج النفط الخام والغاز الطبيعي والإستعمال والتقنية والتخزين والتصدير وغيرها من الموجودات المتعلقة بعقد الإمتياز.
كما ان ذلك لم يثر اشكاليات تطبيقية تذكر عند التنفيذ، الأمر الذي يمكن معه القول ان تأميم عقد الإمتياز النفطي يتفق مع مبادئ نظرية العقد الإداري.
الخلاصـة:
يتضح من هذه الدراسة المتواضعة النتائج الآتية:
1- احتواء عقود الإمتيازات النفطية على المعايير المميزة للعقد الإداري.
2- ان التكييف القانوني الذي انتهت اليه ان عقد الإمتياز النفطي هو عقد اداري.
3- أوضحت هذه الدراسة ان سند انهاء عقد الإمتياز النفطي يكمن في مبدأ سيادة الدولة على ثرواتها.
4- أن ضرورة توافر المصلحة العامة شرط جوهري في استعمال الدولة لسلطتها في انهاء هذا العقد، وان الأساس القانوني لإستعمال هذه الوسيلة يكمن في السلطة العامة. 5- ان السلطة العامة هي من النظام العام الذي لا يقبل الإنتقاص، ومن ثم يقع باطلاً اي اتفاق مخالف للنظام العام.
6- ان من اهم الآثار المترتبة على انهاء عقد الإمتياز النفطي، هو حق الملتزم في التعويض القيمي.