الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / تعريف التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 10 / عرض قواعد التحكيم الجديدة لغرفة التجارة الفرنسية العربية

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 10
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    115

التفاصيل طباعة نسخ

      كانت هناك حاجة إلى عملية طويلة من التطوير للتوصل إلى قواعد التحكيم الجديدة لغرفة التجارة الفرنسية العربية والتي دخلت حيز التنفيذ في تاريخ الأول من يناير عام 2010. عملية طويلة مستقاة من قائمة جرد واسعة لأحكام موجودة، يدعمها انعكاس جماعي غني وشامل ومعزز بإرادة سياسية قوية. وفي الواقع كانت هناك حاجة لفترة سنتين من الزمن لجعل هذه الوسيلة التحكيمية تبرز الى حيز الوجود، التي كان من الصعب تصورها كما صياغتها، كونها جريئة لناحية صياغتها وطموحة بالنظر لما تصبو إليه.

  إن اللجنة، أو فلنسمها خريطة الطريق، المولجة بتحضير القواعد الجديدة تتمتع بطبيعة مزدوجة. الأولى تتمثل بنفض الغبار عن القواعد السابقة، والتي فضلاً عن أنها ليست قديمة كونها تعود لسنة 2004- 2005، ولكنها وكما هو واضح تنتمي إلى عصر تحكيمي مختلف. لقد كان النص كثير التفاصيل، صعب الفهم يحتوي على عدد معين من الإمتيازات التي كانت بحد ذاتها كافية لإضعاف الثقة به، وهي قواعد قد جمعت فوق كل شيء بين أنواع عديدة وخلطت بين التحكيم، الوساطة والخبرة. إن بعض الصيغ كانت تتسم بسيم الماضي، كالإشارة مثلاً إلى كاتب الأمانة العامة للمحكمة التحكيمية المشار إليه في المادة العاشرة. أما الطبيعة الثانية فتتمثل بوضع قواعد موجودة في الوقت نفسه في أغلبية النصوص الحديثة لقواعد التحكيم، والتي تم تكييفها لهدف معين ألا وهو مهمة غرفة التجارة الفرنسية العربية، وبعبارة أخرى كل العلاقات الفرنسية العربية عامة.

   إن من يقرأ ويستعمل هذه القواعد سيحكم ما اذا كانت خريطة الطريق تم احترامها، أو حتى تجاوزها، لأن النص الجديد دمج القواعد الحديثة للتحكيم المؤسساتي وفي الوقت نفسه كان خلاقاً في عدد معين من النصوص، أتت أكثر حداثة. هذه هي الأحكام "الأكثر حداثة" التي تستحوذ أكبر قدر من الإهتمام، أما بالنسبة الى الباقي فينصح القارىء بالرجوع الى نص الأحكام الجديدة المراد منها أن تكون مفهومة بما فيه الكفاية دون الحاجة إلى أي شرح. سنرى أيضاً أن السمتين الأساسيتين لأكثر النصوص المبتكرة للقواعد الجديدة هي تكيفها مع العلاقات الفرنسية العربية (I) وحداثتها (II).

I- القواعد التي تم تكييفها مع العلاقات الفرنسية العربية:

   تهدف القواعد الجديدة لغرفة التجارة الفرنسية العربية إلى التكيف تماماً صفات العلاقات مع الفرنسية العربية عبر الاحترام الكلي للثقافتين الفرنسية والعربية، وهي أمنية تم استيعابها كلياً. إن هذا التوكيد يظهر على الأقل في المستويات الستة التي من الممكن دراستها واحداً تلو الآخر.

   في المقام الأول، إن الإرتكاز على الثقافة الفرنسية العربية المزدوجة تظهر في مقدمة القواعد حيث تم التأكيد عليها رسمياً. في الواقع، إن الجزء الثالث من المقدمة يفيد ما يلي:

   "إن قواعد تحكيم غرفة التجارة الفرنسية العربية تهدف الى تزويد أي شخص طبيعي أو كيان قانوني، بغض النظر عن الجنسية، طريقة لحل النزاعات من خلال التحكيم الذي يرتكز على الثقافة الفرنسية العربية المزدوجة لغرفة التجارة المذكورة. إنها مسألة تأمين نظام يعكس هذا المصدر المزدوج".

   بالتالي، إن هذا التأكيد يظهر بشكل قوي هنا ويستمر من خلال بعض النصوص الملموسة لهذه القواعد.

   في الدرجة الثانية، إن قواعد التحكيم تم نشرها في ثلاث لغات: الفرنسية، العربية والإنكليزية وتتمتع النسخ الثلاث بوضع قانوني مماثل. ولا تعتبر النسخة العربية، بأي شكل من الأشكال، أدنى من النسخ الأخرى. على العكس، إن اللغة العربية هي لغة قواعد التحكيم، لا أكثر ولا أقل، وقد أخذت في الإعتبار خصائصها المميزة لدى صياغة هذه القواعد.

   في الدرجة الثالثة، وهذا هو العنصر الملموس الأول من عناصر التطبيق، تشكيل كل أجهزة الغرفة، وهو في الأساس أن لجنة التحكيم واللجنة العلمية سواسية، مما يعني أنهما يعكسان في عضويتهما هذه الثقافة الفرنسية العربية المزدوجة. إنها نقطة علقت عليها الغرفة بشكل خاص ألا الأجهزة التي تتمحور عليها الاجراءات أو التي تعتبر أن القواعد تعكس تأثر الأطراف بهذه وهي التحكيمات. فتكون الثقافة المزدوجة موضوعة في قلب اللعبة الفرنسية العربية.

   في الدرجة الرابعة، إن الملف الشخصي للمحكمين الذين تم اختيارهم ليكونوا على قائمة المحكمين للغرفة التجارية الفرنسية العربية تعكس أيضاً الثقافة المزدوجة للغرفة. مرة أخرى، إنه عنصر مهم جداً، وبالأخص لعدد معين من البلدان العربية التي تعلق أهمية خاصة على واقعة انتماء المحكمين الذين يختارونهم الى نظامها الفكري والثقافي والقانوني. إن هذا المزيج يسمح بنقل العناصر المميزة لكل من الثقافات من خلال المحاكم التحكيمية، وهذا ما تضمنه القواعد.

   في الدرجة الخامسة، إن التشكيل الفعلي لكل محكمة تحكيمية يجب أن يأخذ أيضاً في الاعتبارهذه الثقافة المزدوجة. تنص المادة السابعة على ما يلي: "في جميع الحالات، وفي غياب الإتفاق بين الأطراف، يباشر مركز الوساطة والتحكيم التعيينات آخذا بعين الاعتبار التنوع الثقافي للأطراف".

   بالنسبة إلى محاكم الغرفة التجارية الفرنسية العربية، وبصرف النظر ما اذا كان المحكمون اختارهم مباشرة الأطراف أو عينهم المركز، فإن التشكيل النهائي للمحكمة يجب أن يعكس الثقافة المزدوجة للنظام الفرنسي العربي. و يعتبر ذلك من مزاياه التنافسية الخاصة.

   في الدرجة السادسة والأخيرة، تظهر مجدداً ضرورة أخذ هذه الثقافة المزدوجة في الاعتبار في نص حيث سيكون من الخطأ الالتزام بمعناه الرمزي، نظراً إلى أهميته الكبرى من الناحية العملية. هذا النص هو المادة 18 - الفقرة 2 من القواعد التي تنص على ما يلي: "لا تعقد أية اجتماعات أو جلسات في أيام العطل الرسمية أو في أيام العطل الدينية الخاصة بأي من الأطراف إلا بموافقة الطرف المعني بذلك".

   وما يظهر أنه مجرد تفصيل هو في الواقع مهم جداً ويشدد على أن متطلبات بعض العوامل العربية قد أخذت في الاعتبار في صلب القواعد التحكيمية. في الواقع، نعلم أن التقويم ليس متشابهاً في البلاد العربية والغربية وبالأخص أن الأعياد، أيام العطل والإجازات لا تتطابق دائماً. وبالتالي، سيكون من غير المنصف وحتى من غير اللائق تفضيل تقويم على آخر. إن هذه الفقرة هي وليدة تجربة سيئة أثارت في الماضي بعض المشاكل نتيجة قيام محكمة تحكيمية بتحديد موعد جلسة يصادف يوم عطلة بالنسبة الى الطرف العربي. رفض عندها الطرف العربي حضور الجلسة مما سبب بعض الصعوبات. أيضاً ومن أجل الأخذ مرة أخرى في الاعتبار الخصوصية الثقافية وحتى الدينية، فإن قواعد التحكيم الجديدة لا تفضل التقويم الكاثوليكي الغربي على التقويم العربي الإسلامي، على العكس، هناك تكافؤ ولا يمكن إجبار أي طرف على حضور جلسة أو المرافعة في يوم يصادف يوم عطلة بحسب التقويم الخاص به. لذلك، فإن ذلك يعتبر بمثابة إشارة قوية مرسلة الى كلا المجتمعين لإظهار أن الثقافات قد تم التعامل معها بطريقة متساوية ولضمان أن كل طرف يمكن أن يجد نفسه ضمن هذا النظام المختلط، وبموجب هذه المراعاة المعطاة للجميع، تسهيل حل النزاع.

   بناء على ذلك، من الممكن أن نشير في كل من البيانات التمهيدية التي أعطت النص الجديد طابعه وفي قلب النصوص التي كونت القواعد الجديدة، إلى أن العنصر الفرنسي العربي المزدوج للغرفة هو مدموج في قلب النظام بحيث يكون ممكناً لأي طرف التطابق معه كلياً، ويعتبر ذلك من قبيل الحداثة. ولكنه ليس العنصر الوحيد، لأنه وما عدا الخصوصيات الفرنسية العربية، تقترح القواعد الجديدة نصوصاً جديدة ومبتكرة تجعل منها في نواح عديدة مجموعة من القواعد الحديثة والجديدة.

 II- قواعد حديثة:

    إن هذه القواعد الجديدة هي قواعد حديثة بطريقتين: فمن جهة أولى، تضم أغلبية التقدم الذي يمكن ايجاده في معظم النسخ الجديدة لأهم القواعد التحكيمية؛ وهي مستوحاة بشكل خاص من ثلاثة مصادر رئيسية ألا وهي: قواعد تحكيم غرفة التجارة الدولية (ICC)، محكمة لندن للتحكيم الدولي (LCIA) ومركز باريس للوساطة والتحكيم (PCMA). ولكن القواعد الجديدة لغرفة التجارة الفرنسية العربية هي أيضاً حديثة، لأنها من جهة أخرى، تذهب أبعد من النصوص الموجودة ولا تتردد في الابتكار في موضوع يعتبر، فضلاً عن ذلك، أنه قد وصل أصلاً الى مرحلة النضوج.

     بعبارة أخرى، إن هذه القواعد الجديدة تعانق الحداثة التي هي أصلاً شبه تقليدية، لأنها تقتبس من قواعد تحكيمية أخرى وتحتفظ بمفهوم متطور للتحكيم، كما تعانق حداثة أكثر ابتكاراً مع نصوص فريدة من نوعها تعطي القواعد طابعها المميز. قد نسمح لأنفسنا أيضاً بأن نجمع بين لفظتين متناقضتين وبأن نكرر المعنى لكي نتصور أولاً الحداثة التقليدية للقواعد (أ) وثانياً حداثتها الجديدة (ب).

أ- الحداثة التقليدية:

    نستشف من هذه الألفاظ المتناقضة تقدماً تمت ملاحظته في قواعد تحكيمية عديدة وهو بالطبع مدرج في النسخة الجديدة لقواعد تحكيم غرفة التجارة الفرنسية العربية. سنكتفي بذكر سبع قواعد من دون أن نحللها كلها.

   أولا، إن النقطة الأكثر رمزية تتعلق بقائمة المحكمين. إن أي مركز تحكيمي لا يتمتع بالمصداقية إذا ما قدم قائمة بأسماء محكمين غير موثوق بها، كيف يمكن لقائمة تحتوي على أسماء محكمين أن تخسر مصداقيتها؟ ببساطة عن طريق عدم منح الأطراف إمكانية اختيار محكمين من خارج هذه القائمة. كما نعلم إن هذه النقطة هي أساسية خصوصاً أنها تغير اتجاه مقارنة بالنسخة السابقة للقواعد نفسها، من الآن فصاعداً، وبالرغم من وجود قائمة تحتوي على أسماء محكمين، إلا أنها تعتبر مجرد اقتراح من أجل مساعدة الأطراف في خيارهم دون مراقبتهم أو الحد من عملية الخيار. يتم اقتراح قائمة المحكمين، ويكون للأطراف الحرية في اختيار محكمين من خارج هذه القائمة. إن حرية الأطراف المطلقة أصبحت من أبرز العناصر الأساسية لإعمال قواعد التحكيم الفرنسية العربية وهي تسمح بالانتقادات التي لم تكن دائماً غير مبنية على أساس في التحكيم الدولي، بالنسبة الى التعيين الذاتي للمحكمين ورد الخدمات حتى في المجتمعات الصغيرة حيث الجميع يعلم الجميع، من أجل مواجهة ذلك. من الآن فصاعداً، يمكن للأطراف اختيار من يريدون ويعتبر ذلك أمراً حاسماً.

   وأيضاً في دائرة القواعد المتعلقة بالأخلاق والمشمولة في قواعد التحكيم، تم ثانياً تثبيت عدم التوافق بين عدد من الوظائف ومهمة المحكم، وذلك في نطاق الغرفة الفرنسية العربية. إنها بالأخص حالة أعضاء اللجنة التحكيمية الذين لا يمكن أن يعينوا كمحكمين بما أنها الكيان الذي يدير الاجراءات التحكيمية. إن المدقق والمدقق فيه لا يعقل أن يكونوا الشخص نفسه. إنها إشارة لتبيان أن الوظائف هي مختلفة وأن الشخص لا يمكنه أن يتحمل خطر اتهامه من خلال تعيين نفسه.

   ثالثاً، ومن بين النقاط المهمة التي يجب ذكرها إعادة التأكيد الواضح على موجب إستقلالية المحكمين وحيادهم؛ ويجب فوق كل شيء ذكر استنتاجاتهم الاستنادية التي تتمثل بموجب الشفافية. من خلال التحديد بنص صريح في القواعد الجديدة بأنه يقع على المحكمين موجب الكشف عن كل الصلات التي تربطهم بمتخاصمي الدعوى بمن فيهم المحامون والمحكمون أعضاء المحكمة التحكيمية، تكون الأوضاع غير السليمة تم التخلص منها و يكون القرار التحكيمي محصناً ضد أي إبطال محتمل قد يبنى على هذا السبب. بخصوص هذه النقطة، تذهب المادة الثامنة من قواعد غرفة التجارة الفرنسية العربية إلى أبعد من ذلك بشكل غير منازع فيه عن طريق اشتراط موجب الكشف الذي يطال أيضاً العلاقات مع المحامين والمحكمين أعضاء المحكمة التحكيمية. تبعاً لذلك، لا تكون القواعد متلائمة فقط مع موجب الشفافية الذي ينال حيزاً كبيراً في مجتمعاتنا المعاصرة، وإنما أيضاً مع الإتجاه الحالي والملح للاجتهاد. إن مسألة الكشف هذه من شأنها أن تخلق الثقة بين الأطراف والمحكمين، وأن تجعل القرار التحكيمي بأمان فيما يتعلق بهذه النقطة. بناء عليه، يعتبر ذلك تقدماً عظيماً، حتى ولو لم يرض الجميع، بالأخص المحكمين المحترفين الذين يفضلون إبقاء العلاقات التي يقيمونها مع الغير مسألة خاصة بهم.

   رابعاً، لقد تم تغيير الإجراء الغيابي لمواجهة المناورات الضارة. في الواقع، إن المادة الثالثة من القواعد تم تصورها بشكل أن الطرف الذي يتصرف بمفرده بطريقة ضارة يحاكم غيابياً، وذلك طبعاً بعد إبلاغه أصولاً. إن هذه المادة الجديدة مهمة لأنها تعزز فعالية القواعد التحكيمية وتضمنها. بالفعل، إن خصم الطرف الذي يدخل اتفاقاً تحكيمياً مستنداً إلى قواعد غرفة التجارة الفرنسية العربية، يجب أن يكون متأكداً عند نشوء نزاع ما، أن هذه القواعد ستطبق وأن التحكيم سوف يباشر دون الحاجة الى تأكيد قبول بدء الاجراءات التحكيمية. بالتالي، يضمن هذا النص الجديد فعالية التحكيم الفرنسي العربي.

   خامساً، قد يكون الإخفاق معزواً إلى المحكم وليس الى أي طرف. إن متابعة فعالية التحكيم هي مصدر النص الجديد حول هذا الموضوع، بما أن المادة العاشرة تنص على أنه عند وقوع المحكم في الخطأ، يستبدل في الوقت الذي توقفت فيه الاجراءات، دون الحاجة الى تكرار الاجراءات بكاملها، مما يوفر الوقت.

   سادساً، إن القواعد الجديدة تنطوي أيضاً على الابتكار في المادة الرابعة بخصوص المسألة الدقيقة المتعلقة بضم الطلبات. إن النص الجديد يعرض الشروط اللازمة لتركيز النزاع أمام هيئة تحكيم واحدة، بصرف النظر عن عدد الأطراف، عندما يتمتع النزاع بعناصر كافية ومشتركة بين الدعاوى المختلفة. إن الفكرة تكمن هنا في تجنب مسألة تعدد الإجراءات وحصر النزاع سواء في البدء عند تقديم الطلب التحكيمي أو فيما بعد خلال الإجراءات اذا ما رغب طرف جديد في الإنضمام إلى التحكيم. لم هذا النظام؟ أولاً لمواجهة صدور أحكام متناقضة في النزاعات الموازية، ومن ثم كما هو جلي، لتوفير تكاليف التحكيم وتخفيفها.

   سابعاً، وبالنظر إلى التكاليف، إن المستويات المقترحة تبدو معقولة خاصة عند مقارنتها بما تقترحه مراكز التحكيم الأخرى. إن الهدف من ذلك هو تقديم نظام فعال من شأنه أن يجد توازنه واستدامته في تعدد الإجراءات أكثر من تكاليف كل من تلك الإجراءات. لقد نظر الى هذه المسألة بالأخص في حال كان أحد الاطراف غير قادر، تنص المادة الخامسة من القواعد الجديدة على في حال كان أحد الأطراف غير قادر على دفع ما يصيبه من تكاليف التحكيم، فلا يكون ذلك كافياً للحؤول دون مباشرة أو تكملة الإجراءات التحكيمية؛ ولا يتم النظر بأية دعاوى مقابلة ما دام الطرف الذي أقامها غير قادر على تحمل النفقات المتعلقة بها. إذا، إن النظام هو حقاً فعال، لأنه يتجنب شل التحكيم الناجم عن عدم يسر أحد الأطراف، عن طريق عدم السماح لذلك الطرف بإقامة دعوى غير قادر على تحمل نفقاتها، من الواضح بأن ذلك الحل هو حل عادل.

   سبعة أحكام جديدة تكاد تكون حلولاً تقليدية لمسائل التحكيم، ولكنها لا تظهر في النسخة الحالية للقواعد الفرنسية العربية والتي تسبغ عليها صبغة من الحداثة والفعالية. ولكن القواعد الجديدة قد ذهبت إلى أبعد من ذلك واقترحت عدداً معيناً من النصوص والتي هي حتى أكثر حداثة مقارنة مع هذه النصوص التي هي أصلاً حديثة.

ب- الحداثة الجديدة:

   نستشف من تكرار المعنى ابتكارات عديدة في القواعد الجديدة لغرفة التجارة الفرنسية العربية وسنكتفي بذكر أربعة ابتكارات أساسية:

   أولاً، فيما يتعلق بمسألة تمت الإشارة إليها سابقاً، وهي عجز أحد الأطراف عن تحمل النفقات التحكيمية، تصور الفقرة الخامسة من المادة الخامسة حالة عدم موافقة طرف ما على الإنسحاب من الإتفاق التحكيمي، بينما يكون الطرف الآخر جاهزاً لذلك. مما يسبب جموداً في النظام، حيث يطلب طرف من الأطراف الإلتزام بالاتفاق التحكيمي، ولكنه لا يكون في وضع يسمح له بتمويله، بينما الطرف الآخر يكون جاهزاً للانسحاب من هذا الاتفاق في حين يكون قادرا على دفع تكاليف التحكيم. في مواجهة هذه الحالة، تنص الفقرة الخامسة من المادة الخامسة من القواعد الجديدة على أن ترسل القضية الى محاكم الدولة. إن الهدف من هذه المادة، والتي ندرك أنها لا مثيل لها في أي من القواعد، هو تجنب أي مناورة مضرة من شأنها أن تؤدي الى إنكار للعدالة كما وحض الأطراف العاجزين، على التفكير ملياً قبل رفضهم دفع مصاريف التحكيم، لأنه من الممكن أن تتم مقاضاتهم أمام محاكم الدولة. إن ذلك ينم عن شكل من أشكال المكافأة للسلوك الجيد.

ثانياً، هنالك تجديد آخر يتمثل في عدد المحكمين الذين يؤلفون المحكمة التحكيمية. نحن نعلم أن معظم قواعد التحكيم تسمح للأطراف باختيار عدد المحكمين، وفي حال عدم قيامهم بهذا الاختيار تنص إحدى المواد، وبحسب القواعد، على أن يكون عدد المحكمين إما اثنين أو ثلاثة. بطريقة ما، عندما لا يقوم الأطراف بعملية الاختيار، يحدد عدد المحكمين نهائياً وعلى نحو حاسم، دون الأخذ في الاعتبار خصائص النزاع. إن المادة السادسة الجديدة من قواعد تحكيم غرفة التجارة الفرنسية العربية اعتمدت موقفاً مغايراً الى حد ما بترك أمر تحديد عدد المحكمين مفتوحاً في حال لم يحدد الأطراف ذلك أو في حال لم يتوصلوا الى أي اتفاق. يقوم عندها مركز التحكيم بتحديد عدد المحكمين ܟܪ في الاعتبار وبشكل صريح "طبيعة النزاع". إن الهدف من وراء هذا النص هو تكييف عدد المحكمين مع خصائص النزاع الى أكبر حد ممكن دون الركون الى الاتفاق التحكيمي الذي بقي صامتاً بخصوص هذه النقطة، أو على قواعد التحكيم التي تحدد أصلاً مع عدداً ثابتاً بشكل تلقائي.

ثالثاً، ابتكار آخر لقواعد تحكيم غرفة التجارة الفرنسية العربية يتمثل في تعيين أمين سر التحكيم. بالتأكيد، إن أمين سر التحكيم هو موجود في عدد من قواعد التحكيم ويتطابق مع ممارسة متطورة ومقدرة بشكل جيد، ولكن الابتكار يكمن في التحديد الصريح لأمين السر في الفقرة 3 من المادة 20 كما وفي أتعاب امين السر التي من الممكن إضافتها إلى أتعاب المحكمين. في الواقع، ليس هناك من سبب يمنع أن تكون أتعاب أمين سر التحكيم، الذي يقوم أصلاً ببعض مهمات المحكمة التحكيمية، وغالباً الأقل إثارة للاهتمام، على حساب الأطراف. كان لا بد من إضفاء الطابع الرسمي على هذا النظام الحساس على أمل ايجاد من يحذو حذوه.

   أخيراً وفوق كل شيء، لاشك أن الإبتكار الأكثر إبداعاً في القواعد الجديدة هو خلق نظام من الخيارات ليكون قريباً قدر الإمكان من رغبات الأطراف في التحكيم، لأنها مجموعة من القواعد تتجه بشكل كلي نحو الأطراف. هذا هو هدف الفصل الرابع من القواعد. إن الفكرة تكمن في أن الأطراف يمكنهم وضع اجراءاتهم التحكيمية الخاصة وفقاً لما يرغبون فيه. إن نظام الخيارات هذا يخلق ما يسمى "à la arbitration بدلاً من "menu arbitration"، وهنالك أربعة carte خيارات معروضة أمام الأطراف.

   أولاً، يمكن للأطراف الإعتماد على نظام قائم على إصدار قرار تحكيمي مؤقت (المادة 22)، يتولاه محكم مؤقت يمكنه اتخاذ قرارات في حالات العجلة القصوى. والقرارات الصادرة بهذه الطريقة لا تتمتع بنفس سلطة الحكم الصادر في الأساس؛ إن القرارات المماثلة تؤمن فقط حلاً سريعاً ومؤقتاً، مثلاً في حال كان يخشى ضياع دليل ما أو تبديد مقومات النزاع الأساسية. إن القواعد الجديدة تذهب أبعد من ذلك لأنها تنص على أن التدبير المؤقت الذي يمكن أن يأمر به محكم مؤقت يمكن أن يأمر به سواء بطريقة متناقضة أو غير متناقضة، خاصة اذا كان الطرف الآخر لم يكن على علم بهذا الإجراء. بما أن هذا القرار التحكيمي المؤقت صادر عن محكم ليس هو بالمحكم النهائي، فإنه لا يتحمل خطر ضرر ما أو حكم مسبق. إضافة إلى فعاليته الواضحة، إن هدف هذا الإجراء السريع هو الإجابة عن الإنتقاد القوي لبطء بعض التحكيمات الدولية التي تنتهي بأن تكون أطول من الاجراءات أمام محاكم الدولة. ويكون بذلك القرار التحكيمي المؤقت قد تطابق مع حاجات الجهات الدولية التجارية.  

   مجدداً وفي محاولة لتوفير الوقت، تعرض قواعد التحكيم الجديدة خياراً ثانياً وهو التحكيم المعجل (المادة 23). إنه نوع من تحكيم سريع المسار متاح للأطراف بغية استعماله. يمكنهم في الواقع اتخاذ القرار بأن تسير اجراءاتهم بشكل أسرع بكثير من الاجراءات التقليدية عبر فرضهم مهلة من ثلاثة أشهر مع تبادل واحد للوائح. ويكمن الابتكار هنا في إمكانية اختيار الأطراف تحكيماً سريع المسار ليس فقط في بدء النزاع، وإنما حال توقيع الاتفاق التحكيمي، الأمر الذي يغيّر كل شيء.

    خیار ثالث صار متوافراً للأطراف وهو الخبرة (المادة 24). إن القواعد الجديدة تنص على استمرارية منسقة بين الخبرة والتحكيم اذا ما رغب الأطراف في ذلك. فيتولى عندها مركز التحكيم تنظيم الخبرة ويفعل ذلك بطريقة أقرب ما تكون لتقدم الإجراءات التحكيمية.

    أخيراً، فيما يتعلق بالخيار الرابع والأخير الذي يظهر في بعض القواعد الأخرى كقواعد مركز باريس للوساطة والتحكيم (CMAP) والمستوحى منها، فيتمثل بالطريق الذي يمكن للأطراف سلوكه خلال التحكيم في اتجاه الوساطة (المادة 25). في الواقع، غالباً ما يتوصل الأطراف الى تسوية بطريقة مستقلة الى حد ما فيما يتعلق بالاجراءات التحكيمية وهذا ما ينبغي التشجيع عليه. تنص القواعد الجديدة على أنه في حال رغب الأطراف، ينظم الوساطة شخص غير المحكم. إن مفعول هذه الوساطة هو تعليق الإجراءات التحكيمية، وهو أمر متاح للأطراف حتی أنه من الممكن أن يحصل ذلك بموازاة التحكيم.

   من خلال جملة الخيارات هذه، يمكن للأطراف اعتماد التحكيم الذي يريدون، الأقرب إلى رغباتهم وخصوصيات نزاعهم وللطريقة التي يعتقدون أنه من الواجب اعتمادها لحل النزاع. بالتالي، كلما استطاع الأطراف التأثير في طريقة حل النزاع، كلما كان النزاع أكثر قابلية للحل. إن تراصف عملية التحكيم مع النزاع هو قوة قواعد التحكيم الجديدة التي يهدف منطقها الداخلي الى تلبية حاجات الجهات الفرنسية العربية في التجارة الدولية. إن هذه القواعد، وكما يبدو لي، تستجيب لخارطة الطريق التي وضعت في البداية. إنها قواعد تم تكييفها لتلاقي هدفها؛ إنها قواعد حديثة، مبسطة ومفهومة تقدم ضمانة قانونية أساسية. قواعد يمكن ان يستعملها الجميع وتنتظر استعمالها. إذاً، يجب أن تكون هذه القواعد الأداة الفضلي لعلانيتها.