1- منذ ما يقارب الثلاثين عاماً، كانت فرنسا من أولى الدول التي اعتمدت قانوناً حديثاً للتحكيم، سواء على الصعيد الداخلي أو الدولي. وفي الواقع، فإن المرسومين اللذين صدرا بتـاريخ 14 مايو 1980 و12 مأيو 1981، واللذين أُدرجت أحكامهما لاحقاً في قانون المرافعـات المدنية في المواد القديمة 1442 وما يليها، هما اللذان سمحا لفرنسا بمنح الأطراف الراغبين في حل نزاعاتهم عن طريق التحكيم، قانون تحكيم مؤاتياً جداً لهذه المؤسسة القانونيـة.
وهذه المبادرة استتبعت فيما بعد في كل من هولندا في العام 1986، ثم في سويسرا فـي العام 1987 وفي انكلترا في العام 1996 وفي السويد في العام 1999. استوحيت كل هذه القوانين، وإن بدرجات متفاوتة، من الأحكام التي تم اعتمادها أولاً في مرسـومي1980 - 1981. إضافة إلى ذلك، فإن القانون النموذجي حول التحكيم التجاري الدولي الذي اعتمـد في العام 1985 تحت رعاية لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (CNUDCI) قد استعاد بعض أحكام القانون الفرنسي، نظراً إلى طريقة إعداد القانون النموذجي المـذكور، التي تفترض إجماعاً عريضاً بين الأمم، فانه لم يتسم بطابع ليبرالي واسع كالقانون الفرنسي أو كالقوانين الأوروبية الأخرى التي لحقت به. لهذا السبب، فأن القانون الفرنسي كـان لا يزال، حتى في العام 2010، أحد أكثر القوانين المؤيدة للتحكيم والموجودة فـي الـعـالم . والاجتهاد الصادر عن المحاكم الفرنسية سنداً إلى المرسومين الـصادرين خـلال عـامي 1980 – 1981 قد تطور في الاتجاه نفسه. وقد درجت المحاكم الفرنسية على الاعتـراف بالتحكيم كوسيلة لإحقاق العدالة بكل معنى الكلمة، بما في ذلك اعترافها بأنه يشكل علـى الصعيد الدولي الوسيلة الطبيعية لحل النزاعات. وقد ترجم منحى المحاكم الفرنسية هذا فيما يتعلق بالتحكيم، لجهة المنهجية، تخلياً كاملاً عن منهجية تنازع القوانين وتطويراً لعدد مهـم من القواعد الموضوعيـة التي يبرز في مقدمها مبدأ إعطـاء الحظـوة للتحكيم ، واعترافـــاً متزايدأ بالتحكيم ") كنظــام قـانوني مـستقل ordre juridique autonome).
2- على الرغم من النتائج الجيدة نسبياً التي حققها قانون التحكيم الفرنسي منذ العام 1981، إلا أنه من الضروري إعادة صياغة هذا القانون، وذلك لسببين اثنين: يتعلق السبب الأول بواقعة أن المحامين وممارسي التحكيم الأجانب كافة لم يعد بمقدورهم تفهم القانون بعد أن أضحي بشكل أساسي اجتهادياً نتيجة استناده إلى نصوص موجزة. حتى على الصعيد الداخلي، لم يعد الأسلوب التشريعي الذي اعتمد عام 1980 يسمح بجعل مسار تطبيق القانون يتم بطريقة بسيطة يسهل اللجوء إليها. السبب الثاني يكمن في الرغبة في تحديث بعض الأحكام التي بدت بعد مرور ثلاثين عاماً غير متكيفة مع الزمن. لم يكن بالإمكان تعديل بعض هذه الأحكام عن طريق الاجتهاد، لأنها تتعلق بتنظيم طرق الطعن. وهذه الأحكام هي في المقام الأول وفي المجال الداخلي، تلك التي تسمح للطرف الذي لم يقنعه القرار التحكيمي الصادر عن الهيئة التحكيمية باستئناف هذا القرار لجهة الأساس أمام محكمة استئناف نظامية، ما لم يكن الأطراف قد تنازلوا صراحة عن إمكانية الطعن عن طريق الإستئناف. أما على الصعيد الدولي، فالأحكام التي لم يكن بالإمكان تعديلها عن طريق الاجتهاد هي تلك الأحكام التي كانت ذات مفعول موقف بالنسبة الى الطعن بطريق الإبطال، باستثناء القرارات التحكيمية التي يعلن المحكمون أنها معجلة التنفيذ. إن ضرورة تحديث الأحكام الأخرى الواردة في مرسومي عامي 1980 - 1981 كانت أقل إلحاحاً، لكن الفرصة التي سنحت بإعادة صياغة القانون الفرنسي المتعلق بالتحكيم بشكل منهجي، قد سمحت بتحسين عدد كبير من هذه الأحكام بشكل ملحوظ. يتبادر إلى الذهن بشكل خاص صياغة الأسباب التي تسمح بتقديم طعن بطريق الإبطال ضد القرار التحكيمي سواء في المجال الداخلي أو الدولي. كما يتبادر إلى الذهن في المجال الدولي الخيار المتاح للأطراف، بموجب اتفاق خاص، بالتنازل عن كل طعن بطريق الإبطال ضد قرار تحكيمي صادر في فرنسا، وذلك للسماح بإعمال الرقابة النظامية في المكان الذي ينوي الأطراف طلب الاعتراف بالقرار التحكيمي فيه. بالنسبة إلى المصطلحات، فإن مفهوم "القاضي المساند"، المقتبس من تطبيق القانون السويسري للتحكيم، والذي أرساه فيما بعد الفقه والاجتهاد الفرنسيان ، أدخل في صلب النصوص واعطي أهمية خاصة. في الواقع، إن اعتماد هذا المصطلح يماشي على أفضل وجه روحية القانون الفرنسي لجهة تشجيع التحكيم، ذلك أن القاضي، خارج إطار وظيفته المتعلقة بمراقبة نتيجة التحكيم المتمثلة بالقرار التحكيمي، لا يتدخل إلا للمساعدة في تأليف الهيئة التحكيمية ولفصل الطوارئ المتعلقة برد المحكم واستحالة قيامه بمهمته وباستقالته، وبشكل عام كل صعوبة من الممكن أن تنشأ فيما يتعلق بتأليف الهيئة التحكيمية. إن مساندة القاضي للتحكيم قد عززتها الإمكانية الجديدة التي أتيحت للمحكم بطلب المساعدة من القاضي النظامي بغية الحصول على أدلة موجودة في حوزة الغير.
3- إن إعداد النص القانوني الجديد الذي يحتفظ بالطابع المزدوج للقانون الفرنسي الحريص على المحافظة على التمييز بين التحكيم الداخلي والدولي، كان حصيلة عمل سنوات عديدة. وقد قامت بمبادرة التعديل اللجنة الفرنسية للتحكيم والتي يعود لها الفضل إعداد مشروع تمهيدي في العام 2006. نقحت هذا النص وعدلته وزارة العدل ابتداءً من شهر نوفمبر 2009، وقد اختارت تجنب أي تكرار بين الأحكام المتعلقة بالتحكيم الداخلي وتلك المتعلقة بالتحكيم الدولي، واختارت الإحالة، في المجال الدولي، على بعض الأحكام المتعلقة بالتحكيم الداخلي. إن النص الذي أعدته وزارة العدل خضع لدراسة معمقة في الدائرة الداخلية في مجلس الشورى، التي لا بد من التنويه بمساهمتها البناءة والمفيدة. في نهاية المطاف، كان النص موضع استشارات وعمليات صياغة متتالية، بحيث أن أحداً لا يستطيع القول بأبوته في الوقت الحاضر، يعبر النص القانوني الجديد عن إرادة الحكومة، بالتوافق التام مع المحامين وممارسي التحكيم في باريس، بإعطاء نفحة جديدة لقانون التحكيم الفرنسي، ضمن إطار منافسة دولية متزايدة. إن أهمية التعديل بالنسبة الى السلطات العامة الفرنسية ترجمت بشكل خاص عن طريق نشر التقرير المرفوع الى رئيس الوزراء الذي يعرض النص وأسبابه الموجبة، وجعله علنياً، وهو أمر غير اعتيادي. بالمقابل، إن اعتماد قانون التحكيم الجديد، لا يعني أنّ الاجتهاد سيتوقف عن الاضطلاع بدور رئيسي في هذا المجال. إن التقرير المرفوع الى رئيس الوزراء يشير الى أن التعديل لا يهدف الى إعادة النظر في الاجتهاد الذي بموجبه لا تستطيع الدول أو ما ينبثق منها التمسك بقانونها الخاص للتهرب من تطبيق اتفاق تحكيم تمت الموافقة عليه بحرية، وبالاجتهاد الذي بموجبه يتوجب تقدير صحة القرار التحكيمي الدولي، من حيث انه لا يمت بصلة الى أي نظام قانوني نظامي بالنظـر الى القواعـد المطبقة في البلد حيث يطلب الاعتراف بهذا القرار أو تنفيذه.
بشكل عام، في المجال الدولي، اذا كانت مكانة باريس في مجال التحكيم الدولي قد أضحت رئيسية، فان ذلك يعود إلى الثقة الممنوحة للقاضي الفرنسي الذي نعرف أنه لن يتدخل إلا لمساندة التحكيم، وعند الإقتضاء، في نهاية عملية التحكيم لمراقبة القرار التحكيمي. يتحقق هذا الطابع بواقعة أن معظم النزاعات التي تفصل عن طريق التحكيم في باريس لا ترتبط بفرنسا، إلا من زاوية أن الأطراف قد اختاروا حل نزاعاتهم على الأراضي الفرنسية. لهذه الأسباب قال البعض بأن فرنسا تؤدي في مجال التحكيم الدور الذي تؤديه الـ City في لندن في المجال المالي، وكل الدلائل تشير إلى أن المرسوم رقم 2011-48 تاريخ 13 يناير 2011 الذي يتضمن تعديل قانون التحكيم سيساهم بفعالية في المحافظة على هذا الدور البارز وتطويره.
4- إن هدف هذه الدراسة هو عرض تعديل قانون التحكيم سواء على الصعيد الداخلي (I) أو الدولي (II) والتأكيد أن هذا النص، وعلى الرغم من أنه أتى بتغييرات جوهرية في بعض الأحيان، إلا أنه يعتمد على الروحية نفسها التي اعتمد عليها التعديل الذي طاول قانون التحكيم في الثمانينات، وعلى روحية الإجتهاد الليبرالي نفسه الذي تطور فيما بعد.
I-التحكيم الداخلي:
5- يكمل المرسوم الجديد ما باشره التعديل خلال الثمانينات وهو يسعى من أجل ذلك الى ثلاثة أهداف: أولاً، تليين الشروط المطلوبة للجوء الى التحكيم وسبل جعل القرارات التحكيمية نافذة. ثانياً، التأكيد على سلطة الهيئة التحكيمية وتعديل طرق الطعن ضد القرار التحكيمي لضمان فعاليته الكاملة. وثالثا، تكريس دور القاضي النظامي كـ"قاض مساند" للإجراءات التحكيمية.
6- تليين الشروط المطلوبة والمتعلقة بمشارطة التحكيم – كان المرسوم رقم 80-354 تاريخ 14 مايو 1980 لافتاً للنظر، لجهة كونه أكد القوة التي تتمتع بها إرادة الأطراف من خلال الإعتراف بالبند التحكيمي كـ"اتفاق تحكيم"، بكل معنى الكلمة. لكن، وخلافاً لما قبله التحكيم الـدولي، لـم يوافـق المـشرع علـى وجـود بنـود تحكيميـة بيـضاء ( clauses compromisssoires blanches)، أي بنود لا تتضمن أي تحديد حول هوية المحكمين أو طرق تعيينهم (المادة القديمة 1443، الفقرة الثانية).
ينجز المرسوم الجديد العملية الآيلة إلى اعتبار البند التحكيمي بمثابة اتفاق تحكيم بكل معنى الكلمة عبر دمجه بالتعريف الشامل لـ "اتفاق التحكيم" (المادة 1442) وبإخضاعه للنظام نفسه الذي تخضع له مشارطة التحكيم. من خلال عملية توحيد النظام القانوني للبند التحكيمي ولمشارطة التحكيم، أراد واضعو المرسوم، وبخلاف ما اقترحته اللجنة الفرنسية للتحكيم، أن يكون اتفاق التحكيم مكتوباً تحت طائلة البطلان (المادة 1443). وقد اعتبروا، في الواقع، أن إبرام اتفاق تحكيم يشكل عملاً خطيراً كونه يقود الأطراف إلى التنازل عن العدالة النظامية. لذلك، ومن وجهة نظر الحكومة، فإن المحافظة على شرط الكتابة كشرط لصحة اتفاق التحكيم كان لها ما يبررها في المجال الداخلي.
إن النص الجديد أكثر حزماً من النص القديم حول هذه النقطة، نظراً إلى أن النص القديم لم يكن يفرض شرطاً مماثلاً، إلا بالنسبة الى البند التحكيمي (المادة القديمة 1443). إلا أن قسوة هذا الشرط الشكلي يوازنها ما تم النص عليه صراحة بأن اتفاق التحكيم "يمكن أن ينشأ عن تبادل مستندات خطية أو عن مستند تتم الإحالة عليه في الاتفاق الأساسي". بهذا المعنى، رسخ المشرع اجتهاداً ليبراليا ومتطوراً في مجال التحكيم الدولي لم يكن من الصعب بموجبه إثبات صحة البند التحكيمي بالإحالة ( clause d'arbitrage par reference
وقد تقرر أيضاً أن موجب تعيين المحكم أو المحكمين أو تحديد كيفية تعيينهم في الاتفاق نفسه من شأنه إضعاف البند التحكيمي أكثر من حماية الأطراف. ولذا، فإن النص الجديد يعترف بوجود البنود البيضاء (clauses blanches)، وفي الوقت نفسه ينص على أحكام مكملة لإرادة الأطراف في الحالات التي لم يلحظ هؤلاء أحكاماً تتعلق بكيفية تشكيل الهيئة التحكيمية (المواد 1451 الى 1454).
7- من ناحية أخرى، وفي الوقت نفسه الذي لين فيه المشرع القواعد المتعلقة بشروط صحة البند التحكيمي، أكد مجدداً الطابع المستقل لهذا البند بالنسبة الى بقية بنود العقد، مذكراً بأن هذا البند لا يتأثر بعدم فعالية العقد، وبأن عدم الفاعلية هذه تنتج من عدم وجود العقد الأساسي وبطلانه وفسخه أو حله.
8- علاوة على ذلك، وبخلاف ما اقترحته لجنة التحكيم الفرنسية، يعترف القانون الجديد بآثار البند التحكيمي في سياق مجموعة من العقود. في الواقع، يسمح القانون الجديد للأطراف عقد أو عدة عقود" بـ"إخضاع النزاعات التي يمكن أن تنشأ عن هذا العقد أو هذه العقود للتحكيم". إن الحالة المشار إليها في هذا النص هي بشكل أساسي حالة إبرام عقد - إطار يؤدي إلى نشوء عقود أخرى متمادية في الزمن. لقد اعتقد البعض أن الإشارة الى وضع تعدد العقود كانت غير ضرورية، بما أن المادة 1443 التي تنص على أن البند التحكيمي يمكن أن ينتج من تبادل مستندات خطية أو من مستند اشير إليه في الاتفاق الأساسي، تسمح بالوصول إلى النتيجة المرجوة. ولكن، اعتبر واضعو المرسوم أنه طالما أنه يمكن التوصل إلى هذا الحل في كل الحالات، فإنه من الأفضل النص عليه صراحةً لتجنب أي التباس في هذا الموضوع.
نلاحظ من ناحية أخرى أنه قد تم الاعتراف في مجال التحكيم الدولي بصحة وفاعلية البند التحكيمي الوارد في مجموعة من العقود على الأقل بشكل ضمني، منذ تعديل 271981 ولم تؤد مجموعات العقود إلى اجتهادات غزيرة. إن مفعول البند التحكيمي الوارد في عقد إطار contrat-cadre) ) يمتد ليشمل دون أية صعوبات، النزاعات الناشئة عن تنفيذ العقود المبرمة بين الأطراف تنفيذاً للعقد الإطار. إن مفعول هذه البنود الذي مدّ ليشمل أيضاً الأشخاص الثالثين المعنيين بتنفيذ العقد الإطار، والذين يستنتج من دورهم في تنفيذ العقد خضوعهم للبند التحكيمي الوارد في هذا العقد.
إن القبول في مجال التحكيم الداخلي بفاعلية البنود التحكيمية في مجموعات العقود، من شأنها التقريب بين القانون الداخلي والقانون الدولي حول التحكيم في ما يتعلق بهذه النقطة.
9- تليين الشروط المطلوبة بغية الحصول على الصيغة التنفيذية - يمكن أيضاً ملاحظة الاهتمام بتخفيف الشكليات، في ما يتعلق بمنح الصيغة التنفيذية: ففي حين أن الصيغة التنفيذية كان يجب أن تسجل في السابق على أصل القرار التحكيمي (المادة القديمة 1478)، ينص القانون الآن على أن قرار منح الصيغة التنفيذية، يمكن أن يوضع على صورة للقرار التحكيمي في حال لم يقدم الأصل على أن تكون "متمتعة بالشروط الضرورية لتبيان صحتها" (المواد 1487 و1488). ان هكذا أحكام، كان القانون القديم ينص عليها في مجال التحكيم الدولي (المادة القديمة 1499)، سوف لن تؤدي الى تسهيل تنفيذ القرارات التحكيمية فحسب، وإنما أيضاً الى عدم إرهاق الأقلام في المحاكم بمهمة الاحتفاظ بأصل القرارات التحكيمية الأمر الذي من شأنه أن يعرقل عملية تداول القرار وأن يؤدي الى عبء مالي ضخم على الدولة في حال ضياع الأصل. علاوة على ذلك، يشير المرسوم صراحة إلى أن الإجراء المتعلق بطلب الصيغة التنفيذية مجرد من أي طابع وجاهي (المادة 1487، الفقرة 2)، موضحاً بذلك أحكام المادة القديمة 1477، كما فسرها الاجتهاد30. يوضح المرسوم أخيراً أنه من الممكن رفض الصيغة التنفيذية اذا كان القرار التحكيمي مخالفاً بشكل واضح للنظام العام، داعماً بذلك الممارسة الثابتة في هذا المجال.
10- تليين القواعد المتعلقة بتبليغ القرارات التحكيمية – كانت المادة 1486 القديمة تنص على أن الطعن بالاستئناف وبطريق الإبطال يجب أن يرفع خلال شهر من تاريخ تبليغ القـرار التحكيمي المكتسي بالصيغة التنفيذية. وقد اعتمد المرسوم الجديد إعطاء مزيداً من الحريـة للأطراف كما اخذ في الاعتبار ان العدالة التحكيمية لها طابع العدالة الخاصة، فـنـص فـي المادة 1494 على أنه اذا كان تبليغ القرار هو الأصل، إلا أنه يجوز للأطراف الخروج عن هذا المبدأ. وعليه، يجوز للأطراف الاتفاق تعاقدياً على إبلاغ قـراراتهم بموجـب كـتـاب مضمون مع إشعار بالاستلام، أو بطريقة الكترونية. إن رفع القيود عن طرق التبليغ يرتبط بتحسيـن النصوص المتعلقة بالمهل التـي يجـوز للأطـراف خلالهـا الطعـن بـالقرار التحكيمي .
ب- التأكيد على سلطة الهيئة التحكيمية:
11- التأكيد على المبادئ الإجرائية في المحاكمة التحكيمية إن إدراج القواعد المتعلقة بالإجراءات التحكيمية فيما مضى ضمن قانون المرافعات الجديد، سمح للدعوى التحكيمية بالاستفادة من الإحالة على المبادئ التوجيهية (principes directeurs) للإجراءات المدنية، مع الاحتفاظ بخصوصيتها. هكذا، وعبر منح القرار التحكيمي حجية القضية المحكوم بها (المادة 1476 القديمة) وعبر الاعتراف بممارسة المحكم للسلطة القضائية بشكل كامل وعبر التأكيد على مبدأ "الاختصاص بالاختصاص" (المواد 1458 و1466 القديمة)، كرس تعديل الثمانينات السلطة الكاملة للهيئة التحكيمية لجهة الفصل في الدعوى -(jurisdictio).
إن التعديل الجديد يصون هذا المفهوم ويعززه. إن المرسوم الجديد لم يعد يذكر عبارة "المحكم" وإنما عبارة "الهيئة التحكيمية"، لتأكيد الطابع القضائي للإجراءات التحكيمية. وبالطريقة عينها، فإن المادة 1464 الجديدة تذكر بالمبادئ التي تشكل العمود الفقري للإجراءات التحكيمية، وهي مبادئ السرعة والاستقامة التي تفرض على الأطراف والمحكمين خلال سير الإجراءات من جهة، ومبدأ السرية من جهة أخرى.
من ناحية أخرى، فإن تأكيد مبدأ الاستقامة المذكور آنفاً يؤدي الى تكريس مبدأ جديد، ألا وهو الإستوبل (مبدأ عدم التناقض إضراراً بالغير) estoppel (المادة 1466) المكرس أيضاً في الاجتهاد. وتجدر الإشارة الى أنه من أجل تعريف مبدأ الإستوبل، استلهم التقرير المرفوع الى رئيس الوزراء التعريف الذي اعتمده العميد كورنو Cornu والوارد في قاموسه القانوني Dictionnaire juridique، مكرماً بشكل غير مباشر هذا القانوني الفرنسي الكبير. أخيراً، يعيد النص الجديد تأكيد مبدأ "الاختصاص بالاختصاص"، سواء في جانبه السلبي (المادة 1448) أو الإيجابي (المادة 1465 التي أتت صياغتها أكثر وضوحاً من المادة 1466 القديمة). بناء عليه، عندما يكون اختصاص الهيئة التحكيمية منازع فيه، فإنه يعود الى الهيئة التحكيمية أن تفصل في الأمر، على الأقل في مرحلة أولى، بحيث يجب على المحاكم النظامية من جهتها الامتناع عن ذلك معطية الأولوية للهيئة التحكيمية.
12- التأكيد مجدداً على السلطة القضائية الكاملة للهيئة التحكيمية فيما يتعلق بالتدابير الوقتية والتحفظية وتوضيح دور القاضي النظامي في هذا المجال – بما أن المحكم سلطة قضائية كاملة، فقد أجاز للهيئة التحكيمية الحق بأمر أحد الأطراف بإبراز عنصر من عناصر الإثبات الموجودة في حيازته (المادة 1460 القديمة الفقرة 3). وتمشياً منح مرسوم 1980 مع هذا النص، اعترف الاجتهاد للهيئة التحكيمية بسلطة فرض تدابير وقتية وتحفظية تتبعها عند الاقتضاء غرامات إكراهية أو أوامر، على أساس أن هذه الإمكانية تشكل الامتداد الضروري لمهمة المحكمين القضائية، ولا تفسر بالتالي كتجاوز لمهمتهم .
لا يمكن القبول بهذه السلطة عندما تكون الهيئة التحكيمية لم تشكل بعد، وبالتالي غير قادرة على إصدار التدابير الوقتية والتحفظية. آخذاً هذه الصعوبة في الاعتبار، اعترف الاجتهاد للقاضي النظامي بسلطة الأمر بتدابير تحقيقية مستقبلية على أساس المادة 145 من قانون المرافعات المدنية37 أو بتدابير وقتية وتحفظية، طالما أن الهيئة التحكيمية لم تؤلّف بعد شرط إثبات عنصر العجلة.
اعتبر الإجتهاد أنه بمجرد تشكيل الهيئة التحكيمية، لا يعود لتدخل القاضي النظامي أي مبرر، ويكون للهيئة التحكيمية الحق في ممارسة سلطتها القضائية الكاملة حصرياً. إلا أن هذا المبدأ كان يحتمل استثناء، وذلك عندما يتعلق الأمر بالاختصاص الحصري للقاضي النظامي، كما هو الحال بالنسبة الى الحجز الإحتياطي، طالما أن هذا التدخل "لا يعني النظر في الأساس الذي يبقى من اختصاص المحكمين".
13- أخذ مشروع لجنة التحكيم الفرنسية هذه العناصر في الاعتبار واقترح دعم الاجتهاد الساري والمتعلق بسلطة القاضي النظامي قبل تأليف الهيئة التحكيمية. وقد لحظ هذا المشروع أنه يجوز للهيئة التحكيمية فور تأليفها أن تصدر الأمر لأحد الأطراف بإبراز عنصر من عناصر الإثبات الموجودة في حيازته، وعند الحاجة، الطلب من القاضي المساند القيام بذلك. من ناحية أخرى، أعطى هذا المشروع الهيئة التحكيمية سلطة اتخاذ التدابير الوقتية أو التحفظية التي تراها ضرورية، كما لحظ إمكانية قيام الهيئة التحكيمية أو أي طرف بطلب مساعدة السلطات القضائية إذا لزم الأمر.
14- أبقى المرسوم مع بعض التعديلات على اقتراح لجنة التحكيم الفرنسية المتعلق بسلطات القاضي النظامي بالنسبة الى التدابير الوقتية والتحفظية المتخذة قبل تأليف الهيئة التحكيمية. وهذا النص إنما يدعم في الواقع الاجتهاد المشار إليه أعلاه، وعليه تنص المادة 1449 الجديدة، مع مراعاة الأحكام التي ترعى الحجز الاحتياطي والتأمينات القضائية، على أنه يجوز للقاضي النظامي (أي رئيس المحكمة الابتدائية أو محكمة التجارة) حتى بوجود اتفاق تحكيمي، ي، الأمر باتخاذ تدابير تحقيقية سنداً إلى الشروط المنصوص عنها في المادة 145، وفي حالة العجلة التدابير الوقتية أو التحفظية التي يطلبها الأطراف في اتفاق التحكيم.
بالمقابل، يختلف المرسوم الجديد عن اقتراح لجنة التحكيم الفرنسية بدءاً باللحظة التي تؤلف فيها الهيئة التحكيمية. ففيما يتعلق بإبراز الأدلة الموجودة في حيازة أحد الأطراف، اعتبر واضعو المرسوم أن السلطة الممنوحة للهيئة التحكيمية لفرض غرامة إكراهية كافية، وأن تدخل القاضي المساند غير ضروري في هذه الحالة. بالنسبة الى التدابير الوقتية أو التحفظية التي تتخذها الهيئة التحكيمية، اعتبر واضعو المرسوم أن السلطة الممنوحة للهيئة التحكيمية للأمر باتخاذ تدابير وقتية وتحفظية لا يمكنها في أي حال من الأحوال أن تتجاوز الاختصاصات الحصرية الممنوحة بموجب القانون لقاضي التنفيذ. إضافة الى ذلك، اعتبر واضعو المرسوم أن الشروط التي يجوز وفقاً لها طلب تدخل السلطات القضائية من أجل تنفيذ هذه التدابير، كانت غير واضحة، وأنه يتوجب استبعادها.
خلاصة الأمر أن المرسوم يعترف للهيئة التحكيمية بحق إصدار الأمر لأحد الأطراف بإبراز عناصر الإثبات التي بحوزته وفقاً للأصول التي تحددها وتحت طائلة دفع غرامة إكراهية عند الاقتضاء (المادة 1467، الفقرة 3). ويعطي المرسوم الهيئة التحكيمية أيضاً سلطة الأمر باتخاذ تدابير وقتية أو تحفظية تحت طائلة دفع غرامة إكراهية عند الإقتضاء (المادة 1468). وأجاز المرسوم أخيراً للهيئة التحكيمية سماع الشهود، محدداً سماعهم بدون تحليفهم اليمين، آخذاً في الاعتبار الطابع الخاص للقضاء التحكيمي (المادة 1467) على نحو ما كانت تنص عليه المادة 1461 القديمة.
ان المرسوم لا يسمح بتدخل القاضي النظامي، إلا في الحالات التي تكون فيها الهيئة التحكيمية غير قادرة أصلاً على اتخاذ التدابير، كما هو الحال عندما تكون هذه التدابير تتعلق بأشخاص ثالثين لا علاقة لهم بالإجراءات التحكيمية. وعليه، يعطي المرسوم رئيس المحكمة الابتدائية سلطة أمر شخص ثالث بإبراز عناصر الإثبات التي تكون بحوزته، والتي يكون إبرازها ضرورياً لفصل النزاع (المادة 1469). بما أن رئيس المحكمة الابتدائية يتدخل في هذه الحالة في إطار التدابير المطلوب اتخاذها ضد الأشخاص الثالثين الذين لا علاقة لهم بالإجراءات التحكيمية، تقرر عدم منح سلطة مماثلة للقاضي المساند للإجراءات التحكيمية، وإنما لرئيس المحكمة الإبتدائية المختصة مكانياً وفق قواعد القانون العام (الامر الذي يؤدي الى تعارض مع القواعد المنصوص عليها في القانون السويسري المتعلق بالقانون الدولي الخاص في هذا المجال). بالمقابل، تجدر الإشارة إلى أن المحكمة النظامية لا تتدخل هنا أيضاً إلا لدعم التحكيم، حيث لا يصدر الأمر باتخاذ التدبير إلا بموافقة الهيئة التحكيمية.
من الطبيعي جداً أن ينص المرسوم في المادة 1468 منه على أن يكون القاضي النظامي وحده مخولاً إصدار الحجوزات الإحتياطية والتأمينات القضائية، كون هذه التدابير هي من الاختصاص الحصري للسلطات النظامية بموجب القانون.
وعليه، احتراماً لروح التعديل السابق وللحلول الاجتهادية المكرسة، توضح هذه القواعد الجديدة توزيع الاختصاصات بين الهيئة التحكيمية والقاضي النظامي فيما يتعلق بالتدابير الوقتية والتحفظية، في سعي لتعزيز سلطة الهيئة التحكيمية.
ج- تبسيط القواعد المتعلقة برد المحكم واستحالة قيامه بمهمته واستقالته، كما وتوضيح القواعد المتعلقة بمهلة التحكيم:
15- تبسيط القواعد المتعلقة برد المحكم واستحالة قيامه بمهمته واستقالته – في ظل القانون السابق، لم يكن باستطاعة المحكم، الذي يعتبر أن سبب رده موجود وقت تأليف الهيئة التحكيمية، قبول المهمة الموكلة إليه إلا بموافقة الأطراف (المادة 1452 القديمة). إن المرسوم الجديد يعكس هذا المبدأ، إذ ينص على أن المحكم لم يعد بالإمكان عزله إلا بتراضي الأطراف جميعاً، شرط أن يقوم أحد الأطراف عند الإقتضاء برفع الأمر الى الجهة المناط بها تنظيم التحكيم أو، إذا لم يكن التحكيم مناطاً بجهة معينة، إلى القاضي للفصل في هذه المنازعة (المادة 1457 و1458). من ناحية أخرى، وقبل التعديل، كانت الصعوبات المتعلقة برد المحكم أو امتناعه عن القيام بمهمته يحلها مباشرة رئيس المحكمة المختصة. من الآن فصاعداً، وتوخياً لمزيد من الفاعلية، ستحل هذه الصعوبات بواسطة الجهة المناط بها تنظيم التحكيم، وإذا لم يكن التحكيم مناطاً بجهة معينة، بواسطة القاضي النظامي (المادة 1457 و1458).
بالإضافة الى ذلك، يأتي المرسوم بتعديل ملحوظ في حالات امتناع المحكم عن القيام بمهمته ورده واستحالة قيامه بالمهمة الموكلة إليه وعزله أو استقالته، بحيث لم يعد من شأنها أن تؤدي، كما في الماضي، الى إنهاء المحاكمة التحكيمية، وإنما تشكل فقط سبباً لتعليقها. بعبارة أخرى، في تلك الحالات المعددة حصراً في النص، لم يعد يقع على عاتق الأطراف إعادة تأليف الهيئة التحكيمية، وإنما تعلق المحاكمة حتى تعيين محكم بديل من السابق (المادة 1473). إن القاعدة الجديدة من شأنها أن تسمح للأطراف بتوفير الوقت والمال: لا حاجة الى تأليف هيئة جديدة في هذه الحالة، فالمحكمون السابقون مطلعون على القضية، ويمكنهم بالتالي إعطاء المحكم الجديد معلومات عن الملف المرفوع الى الهيئة التحكيمية كاملاً.
16- توضيح القواعد المتعلقة بمهل التحكيم – يستنتج من عطف المادة 1456 والمادة 1463 أن الهيئة التحكيمية تضع يدها على النزاع منذ تأليفها، أي من تاريخ قبول المحكمين جميع الذين يؤلفون الهيئة التحكيمية المهمة الموكلة إليهم. إعتباراً من هذا التاريخ، وإذا لم يرد تحديد آخر في اتفاق التحكيم، تكون للهيئة التحكيمية مهلة ستة أشهر لفصل النزاع المرفوع إليها. إن واضعي المشروع أدركوا أن مهلة الستة أشهر قد تبدو في بعض الحالات قصيرة لفصل نزاع ما، فضلاً عن أن وضع الهيئة التحكيمية نظرياً يدها على النزاع لا يتلاءم بالضرورة مع وضع يدها عليها فعلياً، أي مع الوقت الذي تضع الهيئة يدها على ملفات الأطراف كافة، وتكون نتيجة لذلك قادرة على النظر في القضية. لذلك، تنص المادة 1461 صراحة على أنه لا يجوز للأطراف الخروج عن القواعد التي ترعى تأليف الهيئة التحكيمية وتلك المتعلقة برد المحكمين وعزلهم وامتناعهم عن القيام بمهمتهم، ما خلا حالة تحديد التاريخ الذي تضع فيه الهيئة يدها على الملف. إن التحفظ عن تاريخ وضع الهيئة التحكيمية يدها على النزاع الوارد في المادة 1461 يسمح للأطراف (أو لمركز تحكيم، إذا كان نظام التحكيم ينص على ذلك) بتأخير وضع يد الهيئة لحين حصول الهيئة التحكيمية على ملفات الأطراف مثلاً.
بخصوص المادة 1461، نلاحظ كما يلاحظ التقرير المرفوع إلى رئيس الوزراء أن مفهوم "الاتفاق" لا يستند فقط إلى نصوص اتفاق التحكيم حصراً، وإنما أيضاً إلى أحكام نظام التحكيم. في الواقع، إن قبول الأطراف لاتفاق التحكيم يعطي نظام التحكيم طابعاً تعاقدياً مما يسمح بوصف أحكامه بـ "الاتفاق".
أخيراً، ومن أجل إعطاء استقلالية حقيقية لقانون التحكيم، تحدد المواد 1471 إلى 1475 النظام القانوني لتعليق ووقف المحاكمة، مستلهمة ذلك من المواد 373 وما يليها من قانون المرافعات المدنية المتعلقة بتعليق ووقف المحاكمة في القانون العادي. كما هو مبين أعلاه، إن امتناع قيام المحكم بمهمته واستحالة عزله واستقالته لا تشكل بعد الآن سوى أسباب لتعليق المحاكمة.
د- تحسين نظام طرق الطعن:
17- الطعن بطريق الإبطال، طريق الطعن العادي ضد القرار التحكيمي - عندما حصل التعديل سنة 1980، تم انتقاد المرسوم لإبقائه على مبدأ الإستئناف ضد القرار التحكيمي في مجال التحكيم الداخلي، إذ كان الطعن بطريق الإبطال ضد القرار التحكيمي بمثابة الإستثناء. وقد اعتبر أن هذا الإبقاء غير ملائم نظراً لكون القاضي الذي ينظر في الإستئناف يتمتع بسلطة رقابة على القرار الكامل في الواقع والقانون. غير أن الإستئناف في مجال التحكيم يأتي في غیر محله. فلا حاجة للجوء إلى العدالة التحكيمية، اذا ما أعيد النظر بعد ذلك في النزاع بأكمله من قبل العدالة النظامية. لذلك، فإن التنازل عن الإستئناف كان قد أضحى بندا نمطياً في اتفاق التحكيم بحيث يبقى متاحاً في هذه الحالة للأطراف الطعن ضد القرار التحكيمي عن طريق الطعن بطريق الإبطال.
إن النص الجديد يعكس المبدأ القائل بأن الإستئناف هو طريق الطعن العادي في مجال التحكيم. فالمبدأ من الآن من الآن فصاعداً، هو أن الطعن بطريق الإبطال يكون وحده مقبولا، ما لم يكن الأطراف قد اتفقوا صراحة على العكس (المادة 1489). يشكل هذا التعديل تقدماً ملموساً في مجال التحكيم الداخلي.
18- الإستئناف ضد قرار منح الصيغة التنفيذية – تنص المادة 1499، كالمادة 1488 القديمة، على استحالة استئناف قرار منح الصيغة التنفيذية، حيث يكون الطعن الوحيد المتاح في هذه الحالة هو الاستئناف أو الطعن بطريق الإبطال ضد القرار التحكيمي. بالمقابل، يبقى دائماً من الممكن الطعن عن طريق الاستئناف ضد قرار القاضي النظامي برفض منح الصيغة التنفيذية. في هذه الحالة، شكل التعديل مناسبة، في إطار هذا الاستئناف، للتوضيح بدقة بأنه يجوز للأطراف رفع الاستئناف ضد القرار التحكيمي أو الطعن به بطريق الإبطال اذا كانت مهلة القيام بذلك لم تنقض بعد (المادة 1500).
في الحالة التي لا يعود فيها أحد الأطراف قادراً على رفع استئناف أو الطعن بطريق الإبطال ضد القرار التحكيمي، أو في حال لم يلتمس ذلك، يمكنه دائماً، حسب رأينا، أن يطلب تأكيد رفض إعطاء الصيغة التنفيذية بناء على أحد أسباب الطعن بطريق الإبطال. إن أسباب رفض منح الصيغة التنفيذية ليست في الواقع معددة حصراً في المادة 1488، ولطالما اعتبر الاجتهاد أن رفض الصيغة التنفيذية يمكن إسناده إلى أسباب أخرى غير السبب المبني على مخالفة النظام العام، كالتجاهل الواضح لشروط البند التحكيمي من قبل المحكمين، أو أيضاً في الحالة التي يكون فيها القرار غير متطابق مع حكم فرنسي نهائي أول نفس الموضوع والأطراف.
19- طرق الطعن غير العادية – لقد حسن المرسوم الجديد نظام إعادة المحاكمة ضد القرار التحكيمي بطريقتين. أولا، وبخلاف النص القديم، لا يحيل المرسوم على النظام العام الذي يرعى إعادة المحاكمة ضد الأحكام، وإنما فقط إلى المواد الضرورية بهذا الخصوص. وعليه، فهو لا يحيل على المادة 593 من قانون المرافعات المدنية، مما يسمح بإجراء إعادة محاكمة ضد القرارات التحكيمية، رغم أنها لم تكتسب قوة القضية المقضية.
ثانياً، ينص المرسوم على أن المراجعة بطريق إعادة المحاكمة تتم منذ الآن أمام الهيئة التحكيمية وليس أمام محكمة الاستئناف. ولا تكون محكمة الاستئناف مختصة بالنظر في طلب إعادة المحاكمة، إلا عندما تتعذر إعادة تأليف الهيئة التحكيمية (المادة 1502). وقد تأثر واضعو المرسوم بالانتقادات التي وجهت الى المادة 1491 القديمة44. علاوة على ذلك، اعتبر واضعو النص أن ما من شيء يبرر عدم رفع الطعن بطريق إعادة المحاكمة ضد القرار التحكيمي، التي تشكل طريقة رجوع، أمام الهيئة التحكيمية التي كانت على اطلاع على النزاع كما هو الحال بالنسبة الى أحكام القانون العادي (المادة 593).
20- تحسين مهل الطعن ضد القرار التحكيمي - كانت المادة 1486 القديمة تنص على أن تسري مهلة الاستئناف أو الطعن بطريق الإبطال ضد القرار التحكيمي اعتباراً من يوم تبليغ القرار الممنوح الصيغة التنفيذية. عملياً، كان من شأن هذه المادة أن تؤخر تاريخ اكتساب القرار حجية القضية المحكوم بها، بما أنه كان يتوجب انتظار صدور قرار إعطاء الصيغة التنفيذية لبدء سريان مهلة الطعون ضد القرار التحكيمي. لهذا السبب، نص المرسوم الجديد على أن يبدأ سريان هذه المهلة من تاريخ تبليغ القرار، دون أن يكون الطرف الذي يقوم بالتبليغ في حاجة الى الحصول مسبقا على الصيغة التنفيذية للقرار التحكيمي.
حرصاً منهم على ضمان حصول الأطراف على قرار ذي طابع نهائي وصادر في وقت قصير، اختار واضعو المرسوم الحد من المهلة التي يجوز خلالها للأطراف رفع طلبات تفسير القرار التحكيمي وتصحيح الأخطاء المادية أو إغفال الفصل في أحد الطلبات أمام الهيئة التحكيمية. فمثل هذه الطلبات، سنداً الى المادة 1485، لا يمكن أن تقدم إلا خلال مهلة ثلاثة أشهر تلي تبليغ القرار التحكيمي؛ ويجب على الهيئة التحكيمية إصدار القرار التحكيمي التصحيحي أو التكميلي خلال مهلة ثلاثة أشهر تبدأ بالسريان من تاريخ وضع يدها على الأمر.
هـ – تأييد القاضي النظامي ودعمه بصفته القاضي المساند:
21- إن أبرز ما جاء به تعديل الثمانينات كان إعطاء القاضي النظامي سلطات تقديم المساعدة والتعاون لضمان فعالية الإجراءات التحكيمية، سواء وقت تأليف الهيئة التحكيمية (المواد 1444 و1454 القديمة) أو خلال سير المحاكمة التحكيمية ولتمديد مهلة التحكيم (المادة 1456 القديمة) أو للفصل في طلبات رد المحكمين (المادة 1463 القديمة). وقد أعطى هذا التعديل في مجال التحكيم الداخلي سلطات موازية لرئيس المحكمة الابتدائية من جهة، ولرئيس المحكمة التجارية من جهة أخرى، الذي لم يكن مختصاً إلا في مجال الصعوبات التي تعترض تأليف الهيئة التحكيمية أو تلك المتعلقة بطلبات الرد، وذلك في الحالة التي ينص فيها اتفاق التحكيم على ذلك صراحة (المواد 1444 و1456 القديمة).
إن الشروط الاجرائية التي كانت ترعى تدخل هذا القاضي وترعى قراره، الذي سماه الفقه وفيما بعد الاجتهاد "القاضي المساند"، كانت تضمن للأطراف الحصول بشكل سريع على حكم يتمتع بحجية القضية المحكوم بها في الأساس (رفع الأمر إلى القاضي وفق الاجراءات المستعجلة، أحكام غير قابلة للطعن، ما لم يستنتج القاضي عدم إمكانية تطبيق البند التحكيمي أو بطلانه الواضح).
يكرس المرسوم بشكل واضح مفهوم "القاضي المساند" ووجوده في الاجراءات التحكيمية. وقد سعت لجنة التحكيم الفرنسية بقوة للحصول على هذا الاعتراف. ولا يخفى على أحد، أن وزارة العدل ترتدت في قبول مثل هذا الإقتراح، كونها لم تكن ترغب في أن يسود الاعتقاد أن الموافقة على هذا الاقتراح من شأنه انشاء محكمة جديدة. غير أن هذا الخوف سرعان ما تبدد بواقع أن "القاضي المساند" هو، كما كانت الحال في الماضي، رئيس المحكمة الابتدائية، ولا يشكل بالتالي محكمة جديدة. وبما أن مفهوم القاضي المساند من شأنه بالمقابل أن يؤكد تميز الاجراءات التحكيمية الفرنسية، فقد تم تجاوز التحفظات الأساسية.
22- من جهة أخرى، رغب واضعو المرسوم في إعطاء قاض متخصص مهمة "القاضي المساند". وعليه، اختار المرسوم قاضي المحكمة الابتدائية ليكون القاضي المساند العادي (المادة 1459، الفقرة الأولى).
كما في الماضي، يتدخل القاضي المساند للفصل في الطلبات المتعلقة بالصعوبات التي تعترض تأليف الهيئة التحكيمية (المواد 1451 الى 1454)، وتلك المتعلقة بطلبات ردّ المحكم واستحالة قيامه بمهمته أو امتناعه عن القيام بمهمته (المادتان 1456 و1457) وتلك المتعلقة بطلبات تمديد مهلة المحاكمة التحكيمية (المادة 1463). من جهة أخرى، وبخلاف ما كانت تتمناه لجنة التحكيم الفرنسية، لم يعط واضعو المرسوم القاضي المساند سلطة أمر الغير بالمثول أمام الهيئة التحكيمية. فقد اعتبر، في الواقع، أن سلطة الإكراه التي يتمتع بها القاضي النظامي في هذا المجال ضعيفة بالنسبة الى متطلبات الاجراءات التحكيمية، وأنه يستحسن عدم إيراد أي نص بهذا الخصوص بدل إيراد نص يكون الاستناد اليه واهياً.
وفقاً للتعديل، يبقى رئيس المحكمة التجارية هو القاضي المساند بالنسبة الى الصعوبات التي تعترض تأليف الهيئة التحكيمية وذلك كما في الماضي، عندما ينص اتفاق التحكيم على إمكانية مماثلة (المادة 1459، الفقرة 2).
II - التحكيم الدولي:
23- إن القواعد المتعلقة بالتحكيم الدولي الواردة في مرسوم 12 مايو 1981، كانت تستند الى مبدأين بارزين:
أولاً، مبدأ الحرية التعاقدية: كان يجوز للأطراف واستطراداً للمحكمين، أن يديروا الإجراءات التحكيمية كما يشاؤون، وعند اللزوم من خلال اختيارهم قانوناً إجرائياً آخر غير القانون الفرنسي. وكان يجوز للأطراف أيضاً اختيار القانون الذي بموجبه سيفصل المحكم أو المحكمون في النزاع المرفوع اليهم. إن هذه الحرية الممنوحة للأطراف قد أدت الى نشوء نظام قانوني موضوعي يتعلق بالتحكيم. بعبارة أخرى، سمح المرسوم من خلال استبعاده كل قاعدة تتعلق بتنازع القوانين بتطور التحكيم "في المجال العابر للدول عبر قطع كل رابط مع أي تشريع تابع لدولة ما، وذلك فقط بالاستناد الى الإرادة المستقلة للأطراف" .
ثانياً، إن مرسـوم 12 مايـو 1980 كان يعتمد على مفهـوم عـالمي لقـانون التحكـيم الفرنسي، ذلك أن القواعـد التي كان يطرحهـا كانت عبارة عن مبادئ تطبـق على كل تحكيـم دولـي، بما في ذلك التحكيمـات التـ كانـت تجـري فـي الخارج .
24- إن قراءة القواعد الجديدة تبين أن واضعي المرسوم أرادوا على غرار أسـلافهم جعـل العنوان المتعلق بالتحكيم الدولي، الذي يتراوح ما بين 16 و24 مادة، "بسيطاً وموجز على الرغم من تسجيل تضخم تشريعي طفيف. إن هذا الأسلوب التشريعي المصقل يمكن أن يفسر بواقعة أن النص الجديد لا يستعيد أحكام القانون الداخلي المطبقة على التحكـيم الدولي كالمرسوم القديم، وإنما يكتفي بالإحالة (المادة 1506). باختيارهم طريقة العمـل هذه، لم يتبع واضعو المرسوم ما أوصت به لجنة التحكيم الفرنسية التي اعتبـرت انـه ينبغي أن يكون النظام القانوني للتحكيم الدولي قابلاً للقراءة بشكل مستقل عـن النظـام العائد الى التحكيم الداخلي، وذلك من أجل ضمان انتشار أفضل للنص، وبالأخص لـدى القانونيين الأجانب. إن الإحالة المشار اليها في المادة 1506 تسمح على الرغم من ذلـك بتحديد مجموعـة القواعد المطبقة على التحكيم الـدولي بـسهولة، سـواء مباشـرة أو بالإحالة.
25- لقد أخذ بالأحكام الأساسية للمرسوم القديم: يتعلق الأمر بتعريف التحكيم الدولي الذي اعتبره البعض حشواً، ولكن لهذا التعريف حسناته لجهة أنه قد تم تحديده من قبل اجتهـاد حثيـث (المادة 1504)؛ ويتعلق الأمر أيضاً بالقواعد المتعلقة بطـرق تعيين المحكمـين (المـادة 1508)، كما بتحديد قواعد الإجراءات التي ترعى الإجراءات التحكيميـة (المـادة 1509، الفقرة 1) وبقواعد القانون التي يطبقها المحكمون على أساس النزاع (المادة 1510، الفقرة الأولى). فضلاً عن ذلك، تجدر الإشارة الى أن واضعي المرسوم استفادوا مـن التعـديل للإصرار على واقعة أن التحكيم الدولي يجب أن يحترم المبـادئ الأساسية للإجـراءات المدنية المتعلقة بالنظام العام الدولي مهما كانت قواعد القانون المطبقة. وعليه، تذكر المادة 1510 أنه "مهما كانت الاجراءات المختارة، تضمن الهيئة التحكيمية المساواة بين الأطراف وتحترم مبدأ الوجاهية" مستلهمة قاعدة واردة في القانون السويسري حول القانون الدولي الخاص .
في ضوء هذه الملاحظات، سوف تتم دراسة القواعد التي ترعى القانون الفرنسي الجديد حول التحكيم الدولي.
أ- القواعد التي ترعى الاجراءات التحكيمية: الأخذ في الاعتبار المرونة الضرورية للتحكيم الدولي عبر تخفيف الشكليات:
26- المرونة الضرورية للتحكيم الدولي – كانت المادة 1495 القديمة تنص على تطبيق أحكام التحكيم الداخلي المتعلقة باتفاق التحكيم وبالمحاكمة التحكيمية وبالقرار التحكيمي عندما يكون التحكيم خاضعاً للقانون الفرنسي.
وقد أثارت هذه المادة بعض التساؤلات، خاصة فيما يتعلق بمفهوم "الخضوع للقانون الفرنسي". بالتأكيد، إن مفهوم "القانون" كان يجب أن يفسر وفقاً لمفهوم القانون الدولي الخاص كمرادف لـ "التشريع". إلا أنه بعد طرح هذا المبدأ، بقي السؤال كما هو، لأنه كان يجب تحديد الموضوع الذي ينصب عليه هذا القانون: هل يعني ذلك القانون الذي يطبق على اتفاق التحكيم؟ أم القانون المطبق على أساس النزاع أو على الإجراءات التحكيمية؟.
يمكن الاعتبار أنه باعتماد صياغة مماثلة، ترك واضعو المرسوم القديم طوعاً بعض الغموض فيما يتعلق بخضوع الإجراءات التحكيمية للقانون الفرنسي. وفي الواقع، فإنّ التطبيق العالمي لقواعد القانون الفرنسي حول التحكيم الدولي كان يشكل مبادرة جريئة من المشرع الفرنسي الذي لم يكن بإمكانه أن يقترب من هذه النتيجة إلا بخطى متيقظة. في هذا السياق، فإن الإحالة المصطنعة على القانون الفرنسي كانت تشكل وسيلة للوصول الى النتيجة المتوقعة دون الوقوع في تهمة العالمية، ذلك انه كان بأمكان واضعي المرسوم ان يتوقعوا دون ريب أن الاجتهاد القضائي، المتحرر في هذا المجال، سيعطي تفسيراً مرناً ومنفتحاً في الوقت نفسه لهذه القاعدة في المجال الدولي.
إن الإحالـة بصـورة عامة على أحكام التحكيم الداخلي المتعلقة باتفاق التحكيم وبالمحاكمة التحكيمية وبالقرار التحكيمي، كانت تمثل مساوئ الإحالة على أحكام لن تطبق على التحكيم الدولي، كالمادة 1474 القديمة، ذلك أن المادة 1497 القديمة كانت تنص على الحالات التي يجوز فيها للمحكم أن ينظر في الدعوى كمحكم مطلق في التحكيم الدولي .
27- إن المادة 1506 الجديدة، التي تخلف المادة 1495 القديمة، لم تعد تُحيل على مفهوم القانون الفرنسي أو على مفهوم تطبيق القانون الفرنسي على الإجراءات التحكيمية، لأنه تم التطرق الى هذه المسألة في مادة أخرى رئيسية في التحكيم الدولي، ألا وهي المادة 1505، التي ترعى اختصاص القاضي المساند.
28- لم تعد المادة 1506 تُحيل بشكل عام على النصوص المتعلقة بالتحكيم الداخلي مع الإحتفاظ ببعض الإستثناءات، وإنما فقط على مواد التحكيم الداخلي ذات الصلة الوثيقة بموضوع التحكيم الدولي.
وهكذا، فلا يطبق على التحكيم الدولي:
-التعريف المتعلق باتفاق التحكيم (المادة 1442): إن هذا الإقصاء يستند الى أن بعض أشكال القضايا التحكيمية الدولية، كتلك المرفوعة على أساس المعاهدات الدولية في مجال الاستثمارات، لا تستند لا الى مشارطة تحكيم ولا الى بند تحكيمي: إن رضي الدولة منفصل في الواقع عن رضى المستثمر، فرضى الدولة يندرج في وثيقة حماية الاستثمارات ورضى المستثمر في قبوله اللاحق بالاستفادة من الحماية؛
-القواعد المتعلقة بشروط صحة اتفاق التحكيم ومشارطة التحكيم (المواد 1443 الى 1445)، خاصة وأنه، طبقاً لأحكام المادة 1507، لا يخضع اتفاق التحكيم لأي شرط شكلي؛
-الموجبات التي وفقاً لها يكون المحكم شخصاً طبيعياً (المادة 1450) والهيئة التحكيمية مؤلفة من محكمين يكون عددهم وتراً (المادة 1451). في الواقع يجوز أن يعهد بالتحكيم، في مجال التحكيم الدولي، الى مركز للتحكيم ويجوز أن تؤلف الهيئة التحكيمية من محكمين بعدد زوجي؛
-القواعد المتعلقة بمهلة التحكيم (المادة 1463، الفقرة الأولى) وبتعليق ووقف المحاكمة التحكيمية (المواد 1471-1475). ففي مجال التحكيم الدولي، تعالج المشاكل المتعلقة بمهل التحكيم، إما في اتفاق التحكيم أو في نظام التحكيم أو من قبل المحكمين أنفسهم. وللأسباب نفسها استبعدت الأحكام المتعلقة بوقف المحاكمة، وجزئياً، تلك المتعلقة بتعليق المحاكمة، بما أنها ليست ذات فائدة في هذا السياق. إن القواعد الوحيدة القابلة للتطبيق هي، من جهة، الحق العائد الى الأطراف أو عند الاقتضاء الى القاضي المساند بتمديد مهلة التحكيم المتفق عليها (المادة 1463، الفقرة 2)، ومن جهة أخرى، حق الهيئة التحكيمية في التوقف عن السير في الدعوى (المادة 1472)؛ ،
-المبدأ الذي بموجبه يكون التحكيم سرياً، إلا اذا اتفق الأطراف على خلاف ذلك (المادة 1464، الفقرة 4). ففي مجال التحكيم المتعلق بحماية الاستثمارات، يبرز اهتمام قوي بالشفافية، وبالتالي لم يكن من الملائم النص على مبدأ مماثل في مجال التحكيم الدولي.
وهذا يعني فعلياً في مجال التحكيم الدولي أن الأطراف الذين يرغبون في الاستفادة من نظام السرية عليهم تحديد ذلك صراحة في اتفاق التحكيم؛
- حالات البطلان المتعلقة بعدم احترام بيانات القرار التحكيمي (المادة 1483)
- موجب الهيئة التحكيمية فصل الدعوى بغالبية الأصوات (المادة 1480) ؛
- في مجال تصحيح الأخطاء المادية أو إغفال الفصل في أحد المطالب، الحق في اللجوء الى القضـاء الرسمي في حال استحالة إعادة تأليف الهيئة التحكيمية (المادة 1485، الفقرة 3)؛
- مجموعة الأحكام المتعلقة بالصيغة التنفيذية وبطرق الطعن، التي تخضع لأحكام خاصة تم تطويرها فيما يتعلق حصراً بالتحكيم الدولي .
29- إن المادة 1506 وما يليها تمنح التحكيم الدولي مجموعة كاملة من القواعد، مستكملة بذلك تعديل عام 1981 الذي كان قد أعطى التحكيم الدولي العديد من القواعد الموضوعية. بناءً على ذلك، فإن الصياغة الجديدة من شأنها جعل القانون الفرنسي المتعلق بالتحكيم الدولي أكثر وضوحاً.
على غرار التعديل السابق، يعطي المرسوم الجديد التحكيم الدولي المرونة الضرورية من خلال تخفيف ملموس للشكليات، وفي الوقت نفسه يحتفظ بدعم القاضي المساند عند مواجهة أية صعوبة.
30- تخفيف الشكليات بما أن المادة 1506 الجديدة تستبعد قواعد التحكيم الداخلي التي تطبق في مجال التحكيم الدولي، توصل واضعو المرسوم الى تعريف النظام القانوني لاتفاق التحكيم وللمداولة التحكيمية.
31- فيما يتعلق بالنظام القانوني لاتفاق التحكيم الدولي، يكرس المرسوم الجديد الحالة القانونية التي كانت موجودة في ظل مرسوم 12 مايو 1981، ففي ظل المادة 1495 القديمة، كان من الممكن الخروج اتفاقياً على أحكام التحكيم الداخلي المتعلقة باتفاق التحكيم، إذ لم يكن اتفاق التحكيم خاضعاً لأي شرط شكلي. والأمر نفسه تشير اليه الآن صراحة المادة 1507 .
32- تستبعد المادة 1506 أيضاً تطبيق المادة 1480 التي تفرض بأن يصدر القرار التحكيمي بغالبية أصوات المحكمين. حول هذه المسألة، تجدر الإشارة الى أن اقتراح لجنة التحكيم الفرنسية لحظ إمكانية صدور القرار التحكيمي، اذا لم تتوافر الأغلبية حتى في مجال التحكيم الداخلي، حيث يصدر رئيس الهيئة التحكيمية القرار وحده. ولتبرير هذا الاقتراح، أدلت لجنة التحكيم الفرنسية بأنه في بعض الحالات، يقوم أعضاء الهيئة التحكيمية باعتماد مواقف متناقضة تماماً، مما يؤدي إلى إجبار رئيس الهيئة على قبول أحداها، حتى لو كان يعتقد أنها غير مرضية.
لم يعتمد واضعو النص هذا الاقتراح، إلا في مجال التحكيم الدولي. في الواقع، لقد بدا ضرورياً، في المجال الداخلي، احترام مبدأ تعدد المحكمين بشكل أكثر دقة. بالمقابل، بدا الوضع مختلفاً في مجال التحكيم الدولي، حيث لا يتشارك المحكمون بالضرورة الثقافة القانونية نفسها والمفهوم نفسه حول التحكيم. في هذا السياق الخاص، ولحسن سير المحاكمة التحكيمية، بدا ضرورياً النص على قاعدة تخرج عن مبدأ توافر الأغلبية بالنسبة الى المداولة التحكيمية. هذا ما نصت عليه المادة 1513 في مجال التحكيم الدولي، التي بمقتضاها يصدر القرار التحكيمي بغالبية الأصوات، واذا لم تتوافر هذه الأغلبية، يصدر رئيس الهيئة التحكيمية القرار وحده؛ في هذه الحالة، وفي حالة رفض المحكمين الآخرين التوقيع، يشير رئيس الهيئة الى الأمر في متن القرار ويوقعه وحده، وبالتالي، لم يعد رئيس الهيئة التحكيمية يخضع، حتى في أصعب الحالات، لضرورة الإنضمام الى موقف المحكم أو المحكمين الذي يعتبره الأقل مخالفة للمنطق.
33- لا تنص المادة 1506 على بطلان القرار التحكيمي الذي لا يشتمل على بياناته الجوهرية المنصوص عنها في المادة 1483. كما كان الحال وقت صدور مرسوم 12 مايو 1981، وكما لاحظ كل من Bellet وMezger في ذلك الوقت، فإن هذا النص ليس من شأنه أن يثير صعوبة معينة. في الواقع، بما أن قاضي الصيغة التنفيذية عليه أن يتأكد من أن المستند المقدم اليه يشكل فعلاً قراراً تحكيمياً، وأن هذا القرار يتعلق فعلاً بالنزاع موضوع اتفاق التحكيم سنداً إلى أحكام المادة 1516، فان هنالك بالضرورة حداً للحرية. كما كان الحال في ظل المادة 1498 القديمة، تضع المادة 1514 عبء إثبات وجود القرار التحكيمي على عاتق الطرف الذي يتمسك به.
34- أخيراً، إن تخفيف الشكليات يمتد ليشمل الإجراءات اللاحقة للمحاكمة وللمداولة التحكيمية. من ناحية أولى، وكما في التحكيم الداخلي، يعطي المرسوم الأطراف الحرية لتحديد طرق تبليغ القرارات التحكيمية بالطريقة التي يتوافقون عليها (المواد 1519 و1522 و1525). بخصوص هذه المسألة، يجب على الأطراف إيلاء اهتمام خاص لاحترام المعاهدات والنصوص الدولية التي ترعى التبليغات الدولية، ولاسيما معاهدة لاهاي لسنة 1965 المتعلقة بتبليغ الإجراءات القضائية وغير القضائية في الخارج في المواد المدنية والتجارية والنظام الأوروبي رقم 1393/2007 تاريخ 13 نوفمبر 2007 المتعلق بتبليغ الإجراءات القضائية وغير القضائية في المواد المدنية والتجارية. وعليه، يجب على الأطراف التأكد أن طريقة التبليغ المختارة لا تتعارض وقانون الدولة التي يرسل إليها، وأن هذا التبليغ سيتم وفق الطرق المقبولة في الدولة التي يتم التبليغ فيها. إذا كان لا مجال للشك، في الواقع، في أن تبليغ القرار التحكيمي الممنوح الصيغة التنفيذية يخضع لتطبيق هذه النصوص، طالما أن القرار المذكور مقترن بإجراء ذي طبيعة قضائية، فإن الشك يكون مسموحاً عندما يكون الإجراء المنوي تبليغه ينحصر بالقرار التحكيمي. وتجدر الإشارة إلى أن محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي أعطت تفسيراً واسعاً لمفهوم "الإجراء غير القضائي"، معتبرة أن الصك الرسمي، الذي يرد خارج أي إطار قضائي، يشكل بمفهوم النظام الأوروبي القديم رقم 1348/2000 تاريخ 29 مايو 2000، إجراء غير قضائي يخضع تبليغه لقواعد النظام المذكور آنفاً.
من ناحية ثانية، عندما يكون اتفاق التحكيم والقرار التحكيمي مصوغين بلغة أجنبية فإن المادة 1515، التي تطبق سواء بالنسبة الى الاعتراف بالقرار التحكيمي أو بالنسبة الى الصيغة التنفيذية، لا تلزم الطرف الذي يلتمس هذا الاعتراف أو تلك الصيغة التنفيذية بأن يقدم على الفور مستندا صادق عليه مترجم محلف. في الواقع، في مجال التحكيم الدولي، اعتبر هذا الشرط غير ضروري، ذلك أن مكاتب المحاماة المتخصصة في هذا المجال تضمّ عدداً من القانونيين الذين يجيدون غالباً وبإتقان لغات عدة. إلا أنه يجوز أن يطلب من المستدعي أن يقدم ترجمة صادرة عن مترجم محلف في وقت لاحق. ويجوز المصادقة على هذه الترجمة ليس فقط من مترجم مسجل على قائمة الخبراء القضائيين، كما كان الحال في ما مضى، وإنما أيضاً وإرضاء لمتطلبات قوانين الإتحاد الأوروبي، من مترجم مؤهل للتدخل أمام السلطات القضائية أو الإدارية لدولة أخرى عضو في الإتحاد الأوروبي، أو لدولة طرف في الاتفاق الخاص بالمجال الاقتصادي الأوروبي أو للإتحاد الكونفدرالي السويسري. إن هذه الآلية، التي تقارب في جهات عديدة تلك المنصوص عنها في النظام الأوروبي رقم 44/2001 تاريخ 22 ديسمبر 2000، المعروف بنظام بروكسل I، تهدف الى تسهيل شروط إكتساب ومنح قرار الاعتراف بالقرار التحكيمي أو بقرار الصيغة التنفيذية.
ب- اختصاص القاضي المساند الفرنسي وسلطاته:
35- إن المادة 1493 القديمة أعطت رئيس المحكمة الابتدائية في باريس اختصاص التدخل في حال مواجهة أية صعوبات في تأليف الهيئة التحكيمية، وذلك في الحالة التي يكون فيها التحكيم جارياً في فرنسا أو في الحالة التي يكون فيها الأطراف قد اختاروا تطبيق قانون الإجراءات الفرنسي. إن المادة نفسها أجازت للأطراف الخروج عن هذا الإختصاص.
36- إن المادة 1505 الجديدة من قانون المرافعات المدنية استرجعت جزءاً من صياغة المادة 1493 القديمة، آخذة في عين الاعتبار إضفاء الطابع مؤسساتي على القاضي المساند المعمول به في مجال التحكيم الداخلي. في الواقع، تنص هذه المادة على أنه "ما لم يتفق على خلاف ذلك، يكون رئيس المحكمة الابتدائية في باريس هو القاضي المساند للإجراءات التحكيمية".
من ناحية أخرى، وبخلاف المادة 1493 القديمة، التي كانت تولي القاضي الباريسي الإختصاص للتدخل في حالة واحدة وهي مواجهة صعوبة ما في تأليف الهيئة التحكيمية، تشير المادة 1505 فقط إلى أن رئيس المحكمة الابتدائية في باريس هو القاضي المساند، في ما يتعلق بالإجراءات التحكيمية، دون تحديد الإختصاصات العائدة إليه. لا يتعلق الأمر هنا بسهو أو بخطأ من جانب واضعي المرسوم. وفي الواقع، فقد اعتبر واضعو المرسوم أن مجالات اختصاص القاضي المساند واضحة الى حد كاف في مجال التحكيم الداخلي، ولذلك لم يكن من الضروري تعدادها في مجال التحكيم الدولي. علاوة على ذلك، لا تستبعد المادة 1506 تطبيق المواد 1452 إلى 1458 التي تولي القاضي المساند الإختصاص، في مجال التحكيم الداخلي، للتدخل في مجال الصعاب التي قد تعترض تأليف الهيئة التحكيمية والصعاب المتعلقة بامتناع المحكم عن القيام بمهمته واستحالة القيام بمهمته واستقالته أو كما أنها لا تستبعد تطبيق المادة 1463 الفقرة 2 المتعلقة باختصاص القاضي عزله المساند لإصدار الأمر بتمديد مهلة التحكيم.
بناء على ذلك، إن اختصاصات القاضي المساند في مجال التحكيم الدولي ازدادت بموجب المرسوم الجديد، لأنه لا يجوز له أن يتدخل، كما في الماضي، في الصعاب التي تعترض تأليف الهيئة التحكيمية فحسب، وإنما يجوز له التدخل أيضاً في حالة تمديد مهلة التحكيم وفي حالة المنازعة المتعلقة بامتناع المحكم عن القيام بمهمته واستحالة قيامه بمهمته واستقالته أو عزله. إن ازدياد اختصاصات القاضي المساند تظهر وهي فاعلية هذه التدخلات، فاعلية تساهم في جاذبية مكانة باريس.
37- إضافة إلى ذلك، كانت المادة 1493 القديمة تنص على اختصاص القاضي المساند الباريسي في حالتين: إما عندما يكون التحكيم جارياً في فرنسا، وإما إذا توافق الأطراف على تطبيق قانون الإجراءات الفرنسي. إن هذين الشرطين أبقت عليهما المادة 1505، التي أضافت حالتين جديدتين الى اختصاص القاضي المساند الباريسي، تتمثل الحالة الأولى بتوافق الأطراف على إيلاء المحاكم النظامية الفرنسية الإختصاص بالفصل في النزاعات المتعلقة بالإجراءات التحكيمية، والحالة الثانية عندما يكون أحد الأطراف معرضاً لخطر الاستنكاف عن إحقاق الحق. وكما يبين التقرير المرفوع الى رئيس الوزراء، فإن إضافة هذين الشرطين الجديدين الى اختصاص القاضي المساند في ما يتعلق بالإجراءات التحكيمية تظهر وتعزز فكرة كون القانون الفرنسي المتعلق بالتحكيم الدولي قانوناً منفتحاً على الخارج ومتصفاً بالعالمية. إن إدخال حالة الاستنكاف عن إحقاق الحق تدعم أحد أشهر قرارت محكمة التمييز الفرنسية في مجال التحكيم الدولي، ألا وهو القرار NIOC، الذي اعترف باختصاص القاضي النظامي كقاض مساند في الإجراءات التحكيمية، اذا كان الأطراف يواجهون خطر الاستنكاف عن إحقاق الحق. تمشياً مع الإجتهاد في قضية Putrabali، الذي يكرس استقلال قانون التحكيم الدولي الفرنسي بالنسبة الى قوانين وطنية أخرى، لا يشترط المرسوم لانعقاد اختصاص القاضي الفرنسي، في حال وجود خطر الاستنكاف عن إحقاق الحق، أن يكون النزاع مرتبطاً بفرنسا. بهذا المعنى، يكرس المرسوم الجديد الطابع العالمي لقانون التحكيم الدولي الفرنسي الذي كان حاضراً في مرسوم 12 مايو 1981 دون إعلانه صراحة.
ج- القواعد المتعلقة باعتراف القرارات التحكيمية وتنفيذها:
38- الإعتراف بالقرارات التحكيمية بعد صدور مرسوم 12 مايو 1981، انتقد عدد من المعلقين وجود قواعد خاصة بالاعتراف بالقرارات التحكيمية. وقد اشير، في الواقع، الى أن أحكام مرسوم عام 1981 تؤدي الى جعل القرارات التحكيمية الأجنبية بمنزلة القرارات التحكيمية الفرنسية تماماً، ذلك أن الأحكام المتعلقة بالتحكيم الدولي، وكما هو الحال في مجال التحكيم الداخلي، تنص على أن القرار التحكيمي يتمتع منذ صدوره بحجية القضية المحكوم بها بالنسبة الى النزاع الذي فصل فيه. بناء عليه، ونظراً الى عدم وجود نص يتعلق بالاعتراف بالقرار التحكيمي في مجال التحكيم الداخلي، فإنه لم يكن من داع لنص كهذا في مجال التحكيم الدولي .
على الرغم من هذه الانتقادات، أبقي على الإجراء المتعلق بالاعتراف بالقرارات التحكيمية الدولية في المادة 1514. وفي الواقع، وإضافة إلى أن تطبيق مرسوم 12 مايو 1981 أظهر أن هذا الإجراء لا يثير أية صعوبة خاصة، فقد اعتبر أنه من الممكن إثارة مسألة الاعتراف بالقرار التحكيمي الدولي بشكل طارئ خلال إجراءات قضائية، كما هو الحال بالنسبة الى الأحكام الأجنبية، وأن هذا الاعتراف يجب أن يقنن.
39- تنفيذ القرارات التحكيمية – في ما يتعلق بتنفيذ القرارات التحكيمية، لا يعدل المرسوم في العمق النظام الإجرائي المطبق في هذا المجال. مع ذلك، تجدر الإشارة الى أن الفقرة الأولى من المادة 1516، وبخلاف المرسوم السابق، تنص صراحة على اختصاص المحكمة الإبتدائية في باريس للفصل في طلبات الحصول على الصيغة التنفيذية بالنسبة إلى القرارات التحكيمية الصادرة في الخارج.
وهكذا، دعم واضعو المرسوم الاجتهاد المطبق في هذا المجال ووجهوا في الوقت نفسه الجزء الأكبر من نزاعات التحكيم الدولي نحو القاضي الباريسي. والسبب الرئيسي لذلك هو الرغبة في أن يكون الاجتهاد في مجال التحكيم الدولي موحداً ومترابطاً، وذلك لصون الجاذبية التي تمثلها مكانة باريس في مجال التحكيم الدولي.
د - توضيح القواعد المتعلقة بطرق الطعن في مجال التحكيم الدولي:
40- كانت المواد 1501 وما يليها تعالج طرق الطعن ضد القرارات التحكيمية الدولية دون التمييز بين حالة صدور القرار التحكيمي في الخارج أو على الأراضي الفرنسية. والواقع أن هذه الأحكام لم تكن واضحة، ولم يكن يسهل فهمها، إلا بالنسبة الى فريق ضيق من المتخصصين بقانون التحكيم الفرنسي. أما الآن، فان المرسوم الجديد يفرق بين ما اذا كان القرار التحكيمي الدولي صدر في فرنسا أو في الخارج، مما يوضح بجلاء نظام طرق الطعن في مجال التحكيم الدولي.
هـ - تحسين طرق الطعن:
41- قرارات دولية صادرة في فرنسا – كما كانت الحال في الماضي، فإن طريق الطعن الوحيدة ضد القرار التحكيمي هي طريق الطعن بطريق الإبطال المنصوص عنها في المادة 1518، والتي تستند الى أسباب معددة حصراً في المادة 1520. إلا أن النص الجديد لحظ قاعدة تمنح الأطراف إمكانية التنازل عن الطعن بطريق الإبطال، إذا ما توافقوا على ذلك، مع الملاحظة أنه يجوز للأطراف في هذه الحالة استئناف قرار إعطاء الصيغة التنفيذية سنداً الى احد الأسباب المنصوص عنها فيما يتعلق بالطعن بطريق الإبطال (المادة 1522).
اعتمد هذا النص المستوحى من بعض القوانين الأجنبية، لأنه يشير بوضوح الى أن الرقابة الأساسية على قانونية القرار الدولي تتم في المكان الذي يطلب فيه تنفيذ هذا القرار.
كما كانت عليه الحال سابقاً، فإن القرار الصادر بإعطاء الصيغة التنفيذية لا يقبل أي طعن، مع الإشارة الى أن الطعن بطريق الإبطال ضد القرار التحكيمي يفيد حكماً طعناً بقرار الصيغة التنفيذية أو رفعاً ليد القاضي الذي أصدره (المادة 1524). بالمقابل، وكما في مجال التحكيم الداخلي، تجيز المادة 1523 للأطراف استئناف القرار الصادر برفض الصيغة التنفيذية، مما يسمح لمحكمة الاستئناف بالنظر في حالات بطلان القرار التحكيمي الواردة في المادة 1520.
42- قرارات دولية صادرة في الخارج – لم يحصل أي تعديل على القانون السابق بالنسبة الى طرق الطعن المتعلقة بالقرارات الصادرة في الخارج: وهكذا يجوز للأطراف استئناف القرار المتعلق بالإعتراف بالقرار التحكيمي أو بطلب الصيغة التنفيذية.
43- طرق الطعن غير العادية - تجدر الإشارة إلى أن المرسوم الجديد وبخلاف القديم يقبل الطعن بطريق إعادة المحاكمة في مجال التحكيم الدولي. في الواقع، تُجيز المادة 1506 رفع هذا الطلب الى الهيئة التحكيمية. بالمقابل، فإن المادة نفسها تستبعد تطبيق الفقرة الثالثة من المادة 1502 التي تسمح برفع الطلب الى القاضي النظامي، وهي محكمة الاستئناف في هذه الحالة، في الحالة التي يتعذر فيها إعادة تأليف الهيئة التحكيمية. ويستند هذا الاستثناء إلى أنّ اللجوء إلى القضاء الرسمي في مثل هذه الحالة يكون في غير محله.
44- تعديل المهل والتنفيذ المعجل للقرارات التحكيمية الدولية – على غرار المادة 1494، تنص المادة 1519 على أن الطعن بطريق الإبطال ضد القرار التحكيمي لا يكون مقبولاً بعد مضي شهر من تاريخ تبليغ القرار (وليس كما كانت تنص المادة 1505 القديمة، من تاريخ تبليغ القرار النافذ). ويتعلق الأمر هنا بتطور بالغ الأهمية حيث يقع على عاتق المتمرسين في التحكيم تطبيقه بحذر شديد.
تطور آخر أتى به المرسوم، يرمي الى ضمان تنفيذ سريع للقرارات التحكيمية الدولية، وينص على أن الطعون المرفوعة في مجال التحكيم الدولي لا تعلق التنفيذ (المادة 1526).
وتجدر الإشارة في هذا الصدد، إلى أن خطأ ورد في الإحالة الواردة في المادة 1506، كون المادة المذكورة تحيل على الفقرة الثانية من المادة 1484، التي تنص على حق الهيئة التحكيمية في أن تأمر بالتنفيذ المعجل للقرار التحكيمي. والواقع، إن هذه الإحالة غير ضرورية، لأن التنفيذ معجل بقوة القانون. ولكن الخطأ مجرد من أي أثر، وإشارة المحكمين الى ذلك، عند الإقتضاء، ليست في هذه الظروف، إلا طابعاً تأكيدياً لحالة قانونية موجودة. بالمقابل، أدرك واضعو المرسوم أن التنفيذ المعجل بقوة القانون للقرار التحكيمي من شأنه أن يستتبع في بعض الحالات نتائج من الصعب إصلاحها، لذلك أعطوا الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف الحق في تنظيم أو تعليق تنفيذ القرار عندما يلحق تنفيذ ضرراً بالغاً بحقوق أحد الأطراف. إن هذه القاعدة تمثل بحد ذاتها التعديل المعمول به: فالأمر يتعلق بجعل قانون التحكيم الداخلي أو الدولي أكثر فاعلية، مع الإهتمام بعدم المس بحقوق الأطراف في أقصى الحالات.
45- إن مرسوم 13 يناير 2011 يشكل دون شك تقدماً مهماً بالنسبة الى التحكيم الفرنسي سواء الداخلي أو الدولي، كونه يؤدي الى تحديث النظام القانوني للتحكيم الفرنسي ويجعله أكثر ليبرالية. وبهذا الخصوص، فإن التعديل من شأنه تعزيز جاذبية مكانة باريس في هذا المجال.
ولكن، من المؤكد في مجال التحكيم الدولي أن اللجوء الى بلد معين لإجراء التحكيم فيه لا تبرره فقط الأسباب التي تتعلق بنوعية القانون المطبق في البلد المختار، وإنما أيضاً الفكرة التي يكونها الأطراف عن هذا البلد والقانون المطبق فيه.
من هنا، يجب الا نخفي على انفسنا أن قانون التحكيم الفرنسي مهدد اليوم بطريقتين.
46- التهديد الأول يتعلق بترسيم الحدود بين اختصاص القاضي العدلي والقاضي الإداري في القضايا التحكيمية الدولية المتعلقة بعقود مبرمة مع شخص معنوي من أشخاص القانون العام الفرنسي. نعلم أنه ومنذ قرار Galakis، اعتبرت محكمة التمييز، في مجال التحكيم الدولي، أنه من الواجب التعامل مع الدولة كأي شخص آخر يتعامل بالتجارة الدولية وأن تنفذ إلتزاماتها بحسن نية. بالتالي، لم يكن يتم الاعتراض على اختصاص القاضي العدلي عندما كان يرفع إليه نزاع يتعلق بالتحكيم الدولي حين يكون أحد أطراف الإجراءات التحكيمية شخصاً معنوياً من أشخاص القانون العام.
ولكن محكمة الخلافات اعتبرت أخيراً في قرار INSERM68 تاريخ 17 مايو 2010 في قضية عرضها عليها مجلس شورى الدولة، أنه اذا كانت القضايا التحكيمية الدولية هي في الأساس من اختصاص القاضي العدلي عندما يتعلق التحكيم بنزاع تكون الإدارة طرفاً فيه، يجب على القاضي الإداري، في عدد من القضايا المحددة، الفصل جزئياً في النزاع. حتى ولو لم يكن من شأن هذا القرار ان يطبق حالياً، إلا في عدد محدد من القضايا، فإنه يبقى أن الإزدواجية القضائية الفرنسية يمكن ان تعتبر مصدراً إحتمالياً لنزاعات تضر بقانون التحكيم الدولي الفرنسي، وهذا ما يمكن أن تستغله الدول الأجنبية التي تستقبل التحكيمات.
47- يكمن الخطر الثاني في اقتراح مراجعة النظام الاوروبي (CE) رقم 2001/44 المتعلق بالاختصاص القضائي وبالاعتراف وبتنفيذ القرارات في المجال المدني والتجاري، المعروف بنظام بروكسل 1.
لقد أدخلت اللجنة الاوروبية أحكاماً من شأنها تحسين التواصل بين النظام الاوروبي المذكور والتحكيم، متذرعة بوجود بعض الصعاب التي يتوافق رجال القانون على القول أنها تبقى هامشية. على أي حال، تتمحور المسألة الأساسية على معرفة ما اذا كان يجب معالجة موضوع التحكيم في نظام يهدف الى توزيع الاختصاصات بين المحاكم النظامية، وبالتالي تسهيل تداول قراراتها.
إن هذا الاقتراح يستدعي بالتالي الحيطة، نظراً لأن إدخال هذه الأحكام في نظام بروكسل I ينشئ اختصاصاً لمصلحة الإتحاد الأوروبي في مجال التحكيم الدولي، في ما يتعلق بإعمال مبدأ "الاختصاص – الاختصاص". وهكذا، ولدى إجراء مفاوضات دولية في هذا المجال، فإنه يجب عندها على اللجنة الأوروبية أن تشارك بالضرورة، بحيث يصبح اختصاصها في هذا المجال حصرياً. إن وضع كهذا لا يمكن في نظرنا سوى أن يسيئ الى قوة قوانين التحكيم التابعة للدول الأعضاء، التي يجب أن تسعى الى المحافظة على خصوصيتها وتفردها بدلاً من أن تكون موضوع توحيد متناسية الميزات الوطنية التي تشكل في مجال التحكيم قوة الدول الأوروبية.