الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / تعريف التحكيم / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 8 / الإطار القانوني للتحكيم الالكتروني: رؤية مستقبلية

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 8
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    15

التفاصيل طباعة نسخ

   دخلت التكنولوجيا حياتنا رويداً رويداً وأصبحت تطبيقاتها المختلفة جـزءاً أساسياً لأوجـه نشاطنا اليومي لدرجة جعلتنا نتساءل: كيف كان حالنا؟ وكيف كنا نصرف أمورنا فـي الماضـي وهو ليس بالبعيد؟ وأصبحت ثورة الإتصالات مثالاً يحتذى به للتقدم البشري ولاسيما بعد إقبـال ملايين الأشخاص في العالم أجمع على استخدام الحاسبات الآلية والتواصل بين بعضهم البعض من خلال شبكة الإنترنت.

    ويأخذ هذا التواصل أشكالاً مختلفة مثل التجارة الالكترونية التي تنمو بشكل مذهل عاماً بعد عام متمثلة بتجارة السلع والخدمات نسدد ثمنها بإستخدام بطاقات الائتمان المصرفية أو الوسـائل الأخرى المبتكرة للدفع الاكتروني.

   فكان لابد من وضع إطار قانوني ينظم العمليات التجارية عبر شبكة الانترنت مـن خـلال تطويع الأحكام العامة لنظرية العقد والقواعد المنظمة للتعاقد بصفة عامة واستخدام مصطلحات مستحدثة خاصة بهذه الطائفة من العقود الالكترونية.

   وأصبح أطراف العقد الالكتروني يتبادلون المعلومات والبيانات عبر الانترنت مـن إيجـاب وقبول، والذي ينتهي إلى إبرام العقد من خلال مستند رقمي يتم تحريره وتوقيعه إلكترونياً. كمـا يجوز تخزين تلك المستندات غير الورقية على وسائط الكترونية وإسترجاعها بشكل منظم ويمكن الحصول على صورة ورقية منها لإستخدامها عند الضرورة.

    فالثابت أنه في إستطاعتنا الآن الحصول على تذكرة سـفر الكترونيـة بـدخول الموقـع الالكتروني لشركة طيران عالمية وسداد قيمتها إلكترونياً، أو حجز غرفة في أحد الفنادق بالطريقة نفسها، أو الحصول على خدمات كثيرة متعددة، وقد نتعاقد على شراء سلعة معينة وقع إختيارنـا عليها من خلال التجول المرئي في متجر الكتروني كشراء آلة تصوير أو مجموعة ملابس أو ما شابه ذلك، حيث يضع المتجر شروطه العامة التعاقدية سواء تم ذلك التعاقد بين شركات تجاريـة بغرض إعادة بيعها، أو بين المهنيـين (والـذي يسمىBusiness to Business or B2B) أو التعاقد بين التجار والمستهلكين (والذي يسمى Business to Consumer or B2C).

    ومن هذا المنطلق نخوض في موضوعنا عندما يشير العقد الالكتروني ضمن نصوصه إلـى البند الذي ينظم طريقة حسم المنازعات بين أطرافه بطريق التحكيم، والذي بدوره سـوف يـدار الكترونياً. وعليه أصبح التحكيم الالكتروني يعرف ليس كإحدى الوسائل البديلة لحسم المنازعـات (Alternative Dispute Resolution (ADR فحسب، بل أيضاً كإحدى الوسائل المستحدثة لحسم المنازعات والتي تسمى "على الخط عبر شبكة الاتصال الالكتروني Online Dispute Resolution (ODR).

   ولا نريد أن نقصر إستخدام التحكيم الالكتروني على حسم الخلافات التي تنشأ بسبب تنفيـذ العقود الالكترونية أو ذات الاساس التعاقدي، بل وجب أن تـشمل المنازعـات الالكترونيـة ذات الأساس غير التعاقدي، كما هو الحال في حالة أسماء النطاق الالكترونيـة أو عنـاوين المواق الالكترونية كذلك أصبح التحكيم الالكتروني -بسبب مزاياه التي سوف نستعرضها فيمـا بعـد الوسيلة المثلى لحل المنازعات بين الشركـات خاصة الشركات الصغيرة والمتوسـطة الحجـم Small & Medium Enterprises وغيرها من الكيانات الإقتصادية على الصعيد الـداخلي والدولي، بالاضافة إلى المنازعات التي قد تنشأ بين أحدى الشركات والمستهلكين لمنتجاتها.

    وقد قيل بحق إذا كانت (الوسائل البديلة لحل المنازعات) تنقل النزاع خارج ساحات القضاء فإن (الوسائل المستحدثة لحل المنازعات على الخط عبر شبكة الانترنت) تنقله أبعد ما يكون عن ساحات القضاء، كما يرى البعض أن التحكيم الالكتروني لا يقتصر على فض تلك المنازعات الناشئة عن تنفيذ عقود تمت عبر الانترنت، بل يمكن اللجوء إليه لفض المنازعات التي نشأت خارج البيئة الالكترونية؟.

   وإذا كان التحكيم التقليدي يستند إلى مثلث تتكون أضلاعه من كلا الطرفين والمحكم، إلا أن التحكيم الالكتروني يضيف عنصراً رابعاً هو التكنولوجيا الرقمية التي تستخدم في إدارة التحكيم.

    وقد عرف التحكيم الالكتروني بأنه "التحكيم الذي تتم إجراءاته عبر شبكة إتـصالات دوليـة بطريقة سمعية بصرية ودون الحاجة إلى التواجد المادي لإطراف النزاع والمحكمـيـن فـي مكـان معين"، كذلك يعرفه البعض بأنه "طريقة لتسوية النزاع تتم فيها جميع الإجراءات - بما فيهـا تقـديم طلب التحكيم- عبر الانترنت بواسطة البريد الالكتروني أو غرف المحادثة أو الفيديو كونفرنس".

 أولاً- المزايا الجوهرية والضمانات الاساسية لنجاح التحكيم الالكتروني:

    من الثابت أن التحكيم في ثوبه التقليدي وعلى مدى أكثر من نصف قرن مـن الزمـان قـد ارتكز على العديد من المبادئ المهمة التي من شأنها إعطاء كل الضمانات للاطراف من حيـث الشروط الموضوعية والشكلية الواجب توافرها في اتفاق التحكيم الصحيح المنتج لأثاره والطريقة المثلى في تشكيل هيئة التحكيم من محكمين يتمتعون بكل الصلاحيات للقيام بمهمتهم وفي مباشرة إجراءات التحكيم منذ لحظة تقديم أحد الأطراف طلب التحكيم وحتى صدور الحكـم دون إبطـاء ودون الإخلال بحقوق الاطراف طيلة الوقت في إعطاء كل منهم الفرصة الكاملة فـي عـرض دعواه وفي كيفية حصول الاطراف على حكم للتحكيم متوافق في شكله وفحواه مـع التشريعات الوطنية للتحكيم والاتفاقيات الدولية السارية ولاسيما إتفاقية الأمم المتحدة بشأن الاعتراف و تنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية المعروفة بإسم "إتفاقية نيويورك 1958" وكل هذه القواعد السالف ذكرها ليست ببعيدة عن الضمانات الرئيسية الخاصة بالتقاضي أمام المحاكم الوطنية.

    لذلك كان من الضروري أن نلتفت إلى دراسة تفصيلية للتحكيم الالكتروني بما يشمل إبـرام اتفاق تحكيم غير ورقي ووضع آلية تسمح بإجراء هذا النوع من التحكيم وكيفية الاستفادة مـن المزايا التي توفرها الاتصالات من خلال شبكة الانترنت فيما بين المحكم وأطراف النزاع، وكذلك التواصل بين مركز التحكيم وجميع الأطراف المعنية دون أن يحيد نظرنـا عـن وجـود إطـار تشريعي وتنظيمي دولي خاص بالتحكيم التقليدي، والذي يجب أن يتماشى التحكيم الالكتروني مع إشتراطاته ويخضع لمتطلباته إلى حين إنفراد التحكيم الالكتروني بنظام خاص به في القريب.

    كذلك لن يكون للتحكيم الالكتروني شأن ولن ينتشر بالشكل المأمول، إلا من خـلال تقديمـه جميع الضمانات التي يوفرها التحكيم التقليدي، بالاضافة الى آلية تكنولوجية حديثة تعطيه ميـزة في الاستخدام وأولوية في التطبيق وأستئثاراً كاملاً بأنواع معينة من المنازعات التجارية؟.

1- مزايا التحكيم الالكتروني:

   إذا كانت الوسائل البديلة لحسم المنازعات تتميز بالعديد من المزايا مقارنة بالقضاء الـوطني فإن حسم المنازعات بطريق التحكيم الالكتروني يوفر مزايا أكثر بكثير من تلك التي يوفرها التحكيم التقليدي ومنها:

 أ- تقريب المسافات:

    إذ أن أغلب منازعات التجارة الالكترونية تتم بين أطراف تختلف جنسياتهم وتتباعـد أمـاكن إقامتهم، وفي هذا الصدد يرى البعض أن الوسائل البديلة لتسوية المنازعات عبر الانترنت ولاسيما التحكيم الالكتروني تساعد في تسوية المنازعات بين أشخاص يقيمـون فـي مختلـف المنـاطق الجغرافية دون تكبد مشقة السفر، وكذلك الأمر بالنسبة الى الشهود والخبراء، إذ وجودهم الفعل غير ملزم، وإنما يمكن أن يتم عبر شبكة الانترنت بالإضافة إلى إعتبار شبكة الانترنت مكاناً محايداً للأطراف لعرض النزاع والفصل فيه.

 ب- خفض التكاليف:

    في ظل إزدهار التجارة الالكترونية حيث تبرم ملايين العقود بين التجار والعمـلاء، يـساهم التحكيم الالكتروني في خفض التكاليف المرتبطة بعملية التحكيم، إذ لا يحتـاج أي مـن الاطـراف المتنازعة أو أعضاء هيئة التحكيم أو الشهود إلى التنقل من دولة لأخرى، وبالتالي يمكـن تـوفير مصاريف الانتقال والإقامة، فضلاً عن إسهام التحكيم الالكتروني في حسم النزاع في فترة زمنيـة قصيرة، وبالتالي خفض النفقات.

ج- سرعة الفصل في المنازعات:

    يفوق التحكيم الالكتروني كثيراً التحكيم التقليدي في سرعة الفصل في المنازعات المعروضـة عليه، حيث يحتاج التحكيم التقليدي مدة أطول بكثير مما يتطلبه التحكيم الالكتروني، ويجمع أغلب الفقه أن السرعة هي الميزة الرئيسية لحسم المنازعات عن طريق التحكيم الالكتروني، وخاصة فيما يتعلق بحسم خلافات بين أطراف تجارية يرتبطون فيما بينهم بعلاقات مستمرة ويخشون من تـأثر الأداءات التجارية المتبادلة من طول الإجراءات، وهي فئة من الأشخاص دأبت منذ سنوات عديدة في استخدام جميع وسائل الاتصال المتطورة في تعاقداتها فيكون التفكير فـي حـل منازعـاتهم بإستعمال الوسائط الحديثة نفسها في التعاقد منطقياً تماماً.

 د- الملاءمة:

    خلافاً للمحاكم الوطنية أو هيئات التحكيم التقليدية، فإن التحكيم الالكتروني متاح على مدار أربع وعشرين ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع، هذه الميزة تمكن الأطراف من إرسال الرسائل الالكترونية وتسلمها، وهي قد تشمل المذكرات والمستندات أو الاتصال في أي وقت بمركز التحكيم الاطلاع على بعض التفاصيل المتعلقة بالنزاع على موقعها الالكتروني دون الاضطرار إلـى تكبد عناء السفر لمسافات طويلة، ويمكن أيضاً لأعضاء هيئة التحكيم مباشرة مهمتهم من أي مكان دون أي قيد، حيث يتم ذلك بواسطة جهاز الكمبيوتر في المنزل أو في العمل أو أي مكـان آخـر فأصبح بإمكان أطراف النـزاع والمحكمين التواصل بشكل مباشر دون الوجود فعلياً فـي المـكـان نفسه.

 هـ- الخبرة:

    وإذا كان المحكمون في التحكيم التقليدي هم من الاشخاص المؤهلين والمتخصصين من أهـل الخبرة في المنازعات الخاصة بشتى فروع التجارة وهي خبرات لا تتوافر غالبـاً فـي القاضـي الوطني، فإن المحكمين في التحكيم الالكتروني هم كذلك من أهل الخبرة المتخصصة بالمنازعـات الخاصة بالتجارة الالكترونية، خاصة المتعلقة بمنازعات الملكية الفكرية أو التي يكون موضوعها أسماء النطاق الدالة على المواقع الالكترونية.

 و- الإمكانات التكنولوجية:

    يضاف إلى المزايا المتقدمة ما توفره التكنولوجيا الحديثة مـن تـسهيل تخـزين المعلومـات الضرورية للتحكيم وإمكان إسترجاعها ومراجعتها ومعاودة استخدام تلك المعلومـات المخزنـة، بحيث يمكن البحث عن معلومة معينة في قاعدة بيانات ضخمة بسرعة فائقة وبسهولة مذهلة.

2- توفير الضمانات الأساسية لقيام التحكيم الالكتروني والتغلب على التحديات:

    وعلى الرغم من كل المزايا سابقة الذكر التي يتيحها التحكيم الالكتروني، إلا أنه يبقى في حاجة إلى المزيد من الضمانات القانونية والتقنية، لمواجهة التحديات والسبل للتغلب عليها.

 أ - السرية:

    تعتبر السرية في التحكيم بصفة عامة من أهم الضمانات التي يعتمد عليها المتخاصمون، وإذا تطرقنا إلى التحكيم الالكتروني المعمول به نلاحظ أن مركز التحكيم أو الجهة التي تدير التحكـيم تعطي الأطراف المعنية كلمة مرورpassword تخولهم وبشكل حصري الدخول إلـى الـصفحة الخاصة بقضيتهم على الموقع الالكتروني للمركز ومتابعتها بشكل منتظم والحصول على جميـع المعلومات اللازمة وتبادل الوثائق والحجج إلى حين صدور الحكم.

   وفي الوقت الذي تحول فيه هذه السرية دون إلحاق أية أضرار بسمعة الأطراف في حال نشر حكم التحكيم أو حتى نشر أية وثائق قدمت عند نظر النزاع، تفرض طبيعة الانترنت تحــدياً مهمـاً وهو اختراق المتطفلين والعابثين Hackers and Crackers الأمر الذي يستدعي الاهتمام بشكل فعلي بتحصين المواقع الالكترونية من هجمات هؤلاء الأشخاص، وهو ما يتأمن بواسطة تكنولوجيا "التشفير".

    لكن مع تنامي استخدام الانترنت في شتى المجالات وازدياد قيمة الصفقات التي تبرم باستخدام تلك الوسائط، كان لا بد من زيادة الحماية للمتعاملين بالانترنت ومنهم أطراف التحكيم الالكتروني، عن طريق تطوير تقنية "التشفير" وإبرام معاهدات دولية تمكن من ملاحقة المتطفلين والمخـربين كرادع لهم، بالإضافة إلى ابتكار طرق وقائية تحول دون القيام بأي اختراق.

 ب- الشكلية المطلوبة في إبرام اتفاق التحكيم الالكتروني:

    لا ينكر أحد التقدم النسبي الذي تحقق لسد الفجوة التنظيمية والقانونية التي خلفتها تكنولوجيا الاتصالات والاستخدامات المتنوعة والشاسعة لشبكة الانترنت في العالم، إلا أنه يجب أن نقر" في الوقت نفسه بغياب نظام قانوني دولي موحد يحكم التجارة الالكترونية أو التحكـيم الالكترونـي الأمر الذي يعني إنطباق قوانين وطنية مختلفة وما تؤدي إليه غالباً من حلـول متعارضـة. وإذا تطرقنا إلى الشروط الواجب توافرها لصحة إتفاق التحكيم وجدنا أن معظم التشريعات الوطنيـة تشترط أن يكون الاتفاق مكتوباً كما أن هذا الشرط يبقى صداه مسموعاً إلى حين صـدور حكـم التحكيم والمثول إلى تنفيذه حيث لا يجوز تنفيذ حكم تحكيم استند إلى إتفاق تحكيم باطـل. أي أن معظم القوانين التي تنظم التحكيم كأسلوب لفض المنازعات تشترط شكلية معينـة لإبـرام اتفـاق التحكيم وكذلك شكلية معينة لإصدار حكم التحكيم وتنفيذه، كما هو الحال بالنسبة الى المـادة 2/2 من إتفاقية نيويورك 1958 التي تتطلب أن يكون إتفاق التحكيم مكتوباً وموقعـاً مـن أطرافـه بالاضافة إلى كون حكم التحكيم المطلوب تنفيذه مصدقاً عليه وهو ما يفترض أن يكـون موقعـاً عليه طبقاً للمادة 4/أ من الإتفاقية نفسها.

    ولذلك فرضت طبيعة التعاقد عبر الانترنت تساؤلات عديدة تبحث عن أجابـات واضـحة، بالاضافة إلى التساؤل عن تحديد مكان التحكيم الالكتروني والذي تترتب عليه آثار مهمة في مرحلة الاعتراف بحكم التحكيم وتنفيذه.

    وقد يكون من المتعذر استيفاء التحكيم الالكتروني لكل ما تتطلبه تلك القواعـد مـن شـكليات وشروط كونها قواعد وضعت أصلاً لتنظيم تحكيم تقليدي يتم بوسائل وإجـراءات تقليديـة، إلا إذا أخذنا بتفسير بتفسير موسع للالفاظ والتعبيرات المستخدمة، وأن تطوع لتتماشى مع المعطيـات الجديـدة ولتستوعب التطور الذي لحق بها في عصر ثورة المعلومات.

 تطويع اشتراط الكتابة في إتفاق التحكيم الالكتروني وإنعكاساته على إتفاقية نيويورك:

 1- القانون النموذجي لليونسترال وتعديلاته:

    القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الذي وضعته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (اليونسيترال) عام 1985، كان يذكر صراحة في مادته السابعة أن شرط الكتابة يتحقـق سواء في أي وثيقة موقعة من الطرفين أو في تبادل رسائل أو تلكسات أو برقيات أو غيرها مـن وسائل الاتصال السلكية واللاسلكية بينهم، ما دامت توفر تدويناً أو تسجيلاً للاتفاق.

    وبالرغم من اختلاف تقنية البريد الإلكتروني عن وسائل الاتصال العادية مثل البرقيـات وعن وسائل الإتصال الإلكترونية الأخرى مثل الفاكس والتلكس، إلا أن البعض ذهب إلـى أن تبادل رسائل البريد الالكتروني التي تتضمن اتفاقا للتحكيم تستوفي الشرط الشكلي، قياساً على البرقيات التي ورد النص صراحة على تحقق الشرط الكتابي بموجبها، فهذه وسائل اتصال لا يوجد اختلاف تقني مؤثر بين طرق تشغيلها، وهي جميعاً توفر تسجيلاً أو تدويناً للرسالة التي تنتقل من طرف إلى آخر ويكتفي بتقديم السجل المدون لاتفاق التحكيم كـدليل إثبـات علـى وجوده.

     وإذا اعتبرنا أن نص المادة السابعة من القانون النموذجي لليونسترال كان يتـيح استيعاب صور أخرى لاتفاق التحكيم يتحقق فيها موجب الشرط الكتابي، إلا أن الحاجة الى تطويـع هـذا الشرط بأسلوب واضح ومباشر سوف يكون له مردود ايجابي عند تفسير القوانين الوطنية التـي تتبنى نهج القانون النموذجي، أو غيرها من القوانين ويلبي حاجات الممارسات التعاقدية الدوليـة إضافة الى إمكانية استخدام التطويع في تفسير الشرط المماثل في إتفاقية نيويـورك 1958، فقـد ذهبت اليونسترال الى تشكيل فريق للعمل يهدف إلى البحث عن صياغة منقحة أخرى، وإنتهـت إلى تقديمها اقتراحا يتضمن خيارين لتعديل مضمون الاشتراط الكتابي لاتفاق التحكيم الوارد فـى أصل المادة السابعة، وقد اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة.

أ- تعديل المادة 7 من القانون النموذجي للتحكيم:

 الخيار الاول: إشتراط الشكل الكتابي:

   جاء النص المقترح على النحو الآتي: المادة 7: تعريف إتفاق التحكيم وشكله:

 1- "إتفاق التحكيم" هو أتفاق بين الطرفين على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض النزاعـات التي نشأت أو قد تنشأ بينهما في شأن علاقة قانونية محددة، سواء أكانت تعاقديـة أم غيـر تعاقدية. ويجوز أن يكون اتفاق التحكيم في شكل بند تحكيم وارد في عقد أو في شكل اتفاق منفصل.

2- يتعين أن يكون أتفاق التحكيم مكتوباً.

 3- يكون إتفاق التحكيم مكتوباً إذا كان محتواه مدوناً في أي شكل، سواء أكان أم لم يكن اتفـاق التحكيم أو العقد قد أبرم شفوياً أو بالتصرف أو بوسيلة أخرى.

 4- يستوفي أشتراط التحكيم أن يكون إتفاقاً مكتوبـاً بواسـطة خطـاب الكترونـي، إذا كانـت المعلومات الواردة فيه يمكن الوصول إليها بحيث يمكن استعمالها في الرجوع إليها لاحقـا؛ ويقصد بتعبير "الخطاب الالكتروني" أي خطاب يوجهه الطرف بواسـطة رسـالة بيأنـات؛ ويقصد بتعبير"رسالة بيانات" المعلومات المنشأة أو المرسلة أو المتلقاة أو المخزنة بوسـائل الكترونية أو بصرية أو بوسائل مشابهة تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، التبـادل الالكتروني للبيانات والبريد الالكتروني والبرق والتلكس والنسخ البرقي.

    ويلاحظ على صياغة الخيار الأول أنه اتبع الهيكل التفصيلي للنص الأصلي، ولكنه حـرص على بيان المقصود بمصطلح الكتابة في الفقرات الثالثة والرابعة، كما أوضح أن الشكل الكتـابي مطلوب لاثبات الاتفاق مما جعل بعض الشراح يذهبون إلى القول أن هذا الشكل ليس لازمـاً لوجود ذات الاتفاق أو صحته، وهو ما يعني أنه يكفي تقديم الدليل الكتابي على وجوده .

   وأعتبر الاتفاق -طبقاً للمادة الرابعة- مستوفياً شرط الكتابة حـين يـتم بواسـطة وسـائل الكترونية (خطاب الكتروني) ما دامت توفر سجلاً للإتفاق مما يمكن معه اسـترجاع المعلومـات الواردة فيه لاحقاً. وقد حدد النص المعدل المقصود بالوسائل الالكترونية مثل التبادل الالكترونـي للبيانات والبريد الالكتروني والتلكس والفاكس.

    ومن ناحيتها، أوضحت المذكرة الايضاحية للتعديل أنه أولاً يعترف بأي سجل لمحتوى أتفاق التحكيم في أي شكل باعتباره يعادل أو يكافئ الكتابة التقليدية، وبالتالي يجوز ابرام اتفاق التحكيم بأي شكل (ولو كان شفوياً) ما دام مضمون الاتفاق مسجلاً. وثانياً لم يعد النص المعدل يـشترط توقيع الطرفين أو تبادل رسائل بينهما بخصوص الاتفاق. وتظهر الأهمية الثالثة للتعديل من حيث أنه تبنى الطابع العصري للصيغ الجديدة للتراضي بإستخدام وسائل التجارة الالكترونية، مستوحياً هذا الطابع من قانون اليونسترال النموذجي للتجارة الالكترونية الصادر عام 1996 وأتفاقية الامم المتحدة بشأن استخدام الخطابات الالكترونية في العقود الدولية (2005) .أما الأهمية الرابعـة للتعديل فهي تتمثل في أن الصيغة التي جاء بها الخيار الاول تسمح باستخدام وسـائل اتـصـال أخرى قد تظهر في المستقبل.

 الخيار الثاني: عدم إشتراط الشكل الكتابي:

    جاء النص المقترح على النحو الآتي: المادة 7 : تعريف اتفاق التحكيم.

   "اتفاق التحكيم" هو اتفاق بين الطرفين على أن يحيلا إلى التحكيم أو بعض ما نشأ أو ما قـد ينشأ بينهما من نزاعات في شأن علاقة قانونية محددة، سواء أكانت تعاقدية أم غير تعاقدية".

   فقد أقتصر الخيار الثاني على تعريف اتفاق التحكيم ولم يتناول شكله أو صوره، ولم يرد به أي اشتراط في شأن شكله. ومؤدى أغفال ذكر شكل الاتفاق انه لم يعد هناك محل للتساؤل عن مدى صحة الاتفاق بالوسائل الالكترونية أو بطريقة ضمنية مستمدة مـن سـلوك الاطـراف أو بطريقة الاحالة الى وثيقة أخرى. ومن الواضح أن هذا الخيار يجعل تشريعات الدول التي تتبنـاه غير مقيدة باختيار أي شكل للاتفاق سواء لوجوده أو لاثباته.

    وقد ذكرت المذكرة الايضاحية للتعديل أن لجنة اليونسترال لم تعرب عن تفضيلها لأي مـن الخيارين، وأن الأختيار بينهما متروك للدول المشترعة تبعاً لاحتياجاتها الخاصة والسياق القانوني الذي يتم فيه سن القانون النموذجي في التشريعات الوطنية.

   ونتيجة للارتباط الوثيق بين قوانين التحكيم الوطنية التي تسير على نهج القـانون النمـوذجي لليونسترال في شأن التحكيم وإتفاقية نيويورك 1958 والاتجاه إلى رفض القيام بأية تعديلات على نصوص هذه الاتفاقية، فقد أصدرت لجنة اليونسترال توصية عام 2006 تتضمن اختيارها لبعض مفاهيم التفسير بشأن الفقرة 2 من المادة الثانية والفقرة الأولى من المادة السابعة مـن اتفاقيـة نيويورك تفيد أولاً أن الحالات المذكورة في النص الأول (حالات اعتبار أتفاق التحكيم مكتوبـاً) لیست واردة على سبيل الحصر. وثانياً التوصية بتطبيق النص الثاني فيما يعرف بالقانون الأكثر مواتاة بحيث يستفيد صاحب المصلحة مما هو منصوص عليه في قانون دولة التنفيذ أو المعاهدات النافذة فيه للاعتراف بصحة اتفاق التحكيم.

2- أحكام إتفاقية نيويورك 1958 في شأن إتفاق التحكيم:

    تعتبر اتفاقية نيويورك 1958من أهم وثائق قانون التحكيم الدولي الخاصة بتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية؛ نظراً إلى قدمها واستقرار التعامل بها لمدة طويلة من جهة أولى والتزام عديد كبير مـن الدول يبلغ 142 دولة بإحكامها من جهة ثانية. وتتطلب هذه الاتفاقية الكتابة شرطاً لصحة اتفـاق التحكيم، وذلك في المادة الثانية من الفقرة الأولى، حيث عرفت الاتفاق المكتوب في الفقرة الثانية من ذات المادة بأنه "يشمل اصطلاح اتفاق مكتوب" أي شرط تحكيم يرد في عقد أو أي اتفاق تحكيم وقعه الطرفان أو وارد في رسائل أو برقيات متبادلة.

    ورغم اختلاف تقنية البريد الإلكتروني عن وسائل الاتصال العادية مثل البرقيـات، وعـن وسائل الإتصال الالكترونية الأخرى مثل الفاكس والتلكس، إلا أن البعض ذهب إلـى أن تبـادل رسائل البريد الالكتروني، متضمنة اتفاق تحكيم، يستوفي الشرط الشكلي المطلوب فـي اتفاقيـة نيويورك، قياساً على البرقيات التي ورد النص صراحة على تحقق الشرط الكتابي بموجبها، كذلك قيل أنه لا يوجد ما يمنع من قياس تلك الرسائل على رسائل التلكس والفاكس التي تلبي لدى بعض المحاكم والشراح الشرط الكتابي لاتفاق التحكيم، فهذه وسائل اتصال لا يوجد اختلاف تقني مؤثر بين طرق تشغيلها، وهي جميعاً توفر تسجيلاً أو تدويناً للرسالة التي تنتقل عبرها من طرف إلـى آخر مما يجعلها مقبولة كأداة إثبات. صحيح أنه توجد بعض الاختلافات بين وسائل الاتصال هذه، وبين الكتابة الخطية العادية، غير أنها اختلافات لا تؤثر في أداء تلك الوسـائل لوظيفـة تبــادل البيانات ومن ثم إثباته وهو ما يجعلها صالحة لتوفير الغرض من الشرط الشكلي لاتفاق التحكيم. وينتهي أصحاب هذا الرأي إلى أن قبول رسائل البريد الإلكتروني في الإثبات، حـيـن تـستوفي شروط سلامتها ونسبتها إلى صاحبها، يؤدي منطقياً إلى قبولها كوسيلة لتحرير اتفاق التحكيم.

 ج- تحديد مكان التحكيم الالكتروني:

    إمتداداً إلى حرية الأطراف في اللجوء الى التحكيم كوسيلة بديلة للقضاء العادي وتحديد عدد المحكمين والقواعد الاجرائية المنظمة له والقانون أو القواعد المطبقة علـى موضـوع النـزاع، وكذلك لغة التحكيم فإن للأطراف تحديد مكان التحكيم أو مقره، حيث يكتسب هذا الأخير أهميـة خاصة في مجال التحكيم الالكتروني في ضوء الآثار المترتبة على صدور حكـم التحكـيم فـي باريس أو في لندن أو في دبي... ألخ بالنظر الى الخطوات القانونية التي تلي ذلك كتقديم طلـب إكسائه الصيغة التنفيذية إستعدادا لتنفيذه أو رفع دعوى قضائية ببطلانه حيث تتجـاذب فكرتـان مختلفتان كيفية تحديد مقر التحكيم: أولهما هو التحديد القانوني لمقر التحكيم، وثانيهما هو التحديد الجغرافي له وبإستعراض قوانين التحكيم الوطنية ولوائح مراكز التحكيم المختلفة نجد أن تحديـد مقر التحكيم يتوقف على الأسس الآتية:

 1- يتولى الأطراف تحديد مقر التحكيم بإرادتهم المشتركة.

 2- تتولى هيئة التحكيم تحديد مقر التحكيم في حالة عدم اتفاق الأطراف مع مراعـاة ظـروف التحكيم وملاءمة المقر للأطراف.

 3- حرية هيئة التحكيم في تحديد مكان سماع الشهود أو الخبراء، وعقد اجتماعات المداولة فـي المكان الذي تراه مناسباً مع مراعاة ظروف التحكيم.

4- اعتبار حكم التحكيم كما لو كان قد صدر في مكان التحكيم .

    ويستخلص مما سبق أن الفكرة السائدة في شأن مقر التحكيم ومن ثم مكـان صـدور حكـم التحكيم، هو فكرة التحديد القانوني وهذا يتماشى تماماً مع المنـاخ القـانوني الخــاص بـالتحكيم الالكتروني والتعارض بينه وبين فكرة التحديد الجغرافي حيث أنه من المسلم بـه أنـه لا عبـرة بمكان أو مركز وجود المعول الالكتروني (server center) الذي تتم بواسطته مباشرة اجراءات التحكيم ناهيك عن وجود المحكمين أو أعضاء هيئة التحكيم في دول مختلفة وعدم تمركزهم فـي دولة واحدة أو مقر مشترك مستخدمين الوسائل الالكترونية للإتصال فيما بينهم وفيما بين هيئـة التحكيم وأطراف النزاع وسكرتارية أو أمانة مركز التحكيم.

 ثالثاً- إستعراض تجارب بعض مراكز التحكيم الالكتروني:

 1- القاضي الافتراضي  Virtual Magistrate :

    نشأت هذا الفكرة في الولايات المتحدة الامريكية عام 1996 كأول المراكز المختصة بتسوية المنازعات الناشئة عن استخدام شبكة الإنترنت، وذلك بأشتراك كل من مركز فيلانوفا للمعلومات في القانون والسياسة، ومعهد القانون الخاص بتسوية المنازعات الالكترونيـة والجمعيـة الأمريكيـة للتحكيم، وكان الهدف من إنشاء هذا المركز هو التوصل إلى تسوية ســريعة وقليلـة التكلفـة للمنازعات التي تقوم بين مستخدمي شبكة الانترنت بواسطة محكمين مؤهلين، تم قيدهم على قائمة خاصة أعدتها الجمعية الأمريكية للتحكيم.

    وتتكون محكمة التحكيم وفقاً لنظام القاضي الافتراضي من محكم فرد أو من هيئة مشكلة من ثلاثة محكمين، وتتم إجراءات التحكيم من خلال موقع الكتروني ينـشأ علـى شــبكة الأنترنـت يخصص لكل نزاع على حدة ولا يسمح بالدخول إلى هذا الموقـع سـوى للاطـراف المعنيـة والمحكمين من خلال مفتاح شيفرة خاصة بهم.

   وتبدأ الإجراءات بإرسال طالب التحكيم طلباً لإجراء التحكيم بواسطة البريد الالكتروني على النموذج المعد لذلك إلى القاضي الافتراضي في مركز فيلانوفا، موضحاً فيه إسم وعنوان الطرف الآخر المدعى عليه وموضوع النزاع وطلباته. وعند قبـول هـذا الاخيـر للخـصومة ينعقـد الاختصاص للقاضي الافتراضي والذي يلتزم بالفصل في طلبات الخصوم خلال فترة 72 سـاعة من تاريخ تقديم الطلب، كما يلتزم بإصدار حكم التحكيم في ميعاد أقصاه عشرة أيام ما لم يطلـب من الأطراف مده لفترة أطول.

    وإذا تميز هذا المركز بزيادة الثقة من جانب المتعـاملين بـشبكة الانترنـت وأهميـة حـسم المنازعات بواسطتها، حيث أن هذا المركز وضع قواعد سلوك تحكم التعامل من خلالها، إلا أنها لم تشكل قواعد واضحة بشكل كاف للجميع، مما جعل لجوء المتخاصمين إلى هـذا المركـز لـيس بالدرجة المطلوبة ولم ينجح بشكل واضح في استقطاب ذوي الشأن.

 2- نظام المحكمة الفضائية: Cyber Tribunal:

   أستتبع ظهور القاضي الافتراضي تجربة أخرى أكثر نضجاً أطلق عليهـا اسـم "المحكمـة الفضائية" نسبة إلى الحيز اللامحدود وغير المادي الذي يميز التعاملات التي تـتم علـى شـبكة الانترنت. وقد جاء ذلك من قبل مركز البحوث في القانون العام في مونتريال بكنـدا عـام 1998، وكان الهدف منه وضع نظام أو آلية لتجنب المنازعات التي تنشأ عن استخدام الفضاء المعلومـاتي وحلها من خلال تقديم خدمات التحكيم عبر قنوات ووسائط الكترونية وقد تم التركيز فيهـا على وضع قواعد سلوك لمستخدمي الفضاء الالكتروني، وتفعيل تطبيق هذه القواعد في المنازعات.

    وتقدم المحكمة الفضائية خدماتها باللغتين الانجليزية والفرنسية، وذلك لوجودها فـي مقاطعـة ذات طبيعة لغوية مختلطة من هاتين اللغتين جامعة بين النظامين اللاتيني والانجلوسكسوني، ممـا يؤدي إلى توحيد القواعد القانونية بين أنظمة ذات ثقافات متباينة فيما يتعلق بالتجـارة الالكترونيـة وسبل فض النزاعات المتعلقة بها.

    ولا يختلف النظام المعمول به أمام المحكمة الفضائية عن تلك التي سبق ذكرها بما في ذلك تطويع القواعد الاجرائية تماشياً مع الوتيرة السريعة والوسائط الالكترونية المعدة لذلك حيث يـتم تقديم طلب التحكيم بأستخدام النموذج الالكتروني المعد لهذا الغرض وإرساله بعد إستكماله إلـى سكرتارية المحكمة ويعتبر تاريخ تقديم هذا الطلب هو تاريخ بدء الاجراءات وتخطر سـكرتارية المحكمة المدعى عليه إلكترونياً بعد تقديم المدعي طلبه مدعماً بالمستندات وسداده للمـصروفات المقررة وتباشر هيئة التحكيم مهمتها وتعطي كل الضمانات التي تكفل لكل طرف الفرصة الكاملة في إبداء رأيه ووجهة نظره وحقه في الدفاع.

3- نظام NETCASE الخاص بمحكمة التحكيم التابعة لغرفة التجارة الدولية  (ICC):

    أنشئ هذا النظام عام 2005 بهدف إدارة القضايا التحكيمية الكترونياً على مدى واسع ممـا  يسمح لمحكمة تحكيم غرفة التجارة الدولية من إدارة أكثر من 1000 منازعة في آن واحد.

    ويستند هذا النظام الى شروط خاصة يجب على جميع الأطراف (أعـضاء هيئـة التحكـيم وأطراف النزاع قبولها والتوقيع بذلك حيث لا يسمح باللجوء الى نظام Net Case ما لم يوافـق عليه الجميع.

    ويعطي نظام Net Case لجميع المشاركين فيه (الأطراف وممثلهم- المحامون- سكرتارية محكمة التحكيم- أعضاء هيئة التحكيم) المزايا الآتية:

 أ- الإتصال الفوري والمباشر:

    حيث تكون جميع المكاتبات والمستندات المرسلة الكترونياً متاحة على الفور للإطلاع عليها وتستمـر هكذا حتى نهاية اجراءات التحكيم، يضاف إلى ذلك وجود وسيلة لإبلاغ المـشاركين على هاتفهم المحمول مثلاً- بقدوم رسالـة أو مستنـد في الصندوق الالكتروني الخـاص بكـل منهم.

ب- الإطلاع على جميع المعلومات المتعلقة بالنزاع وتصفحها على مدار الساعة:

    حيث يسمح لجميع المشاركين بالإطلاع والتصفح لجميع المعلومات المتعلقة بـالنزاع علـى مدار 24 ساعة يومياً، وذلك من خلال استخدام أي جهاز كمبيوتر من أي مكان في العالم. وعليه يسهل الإطلاع على مدار الساعة على المعلومات الخاصة بأسماء الأطراف المتنازعة وممثلـيهم إن وجد وأسماء أعضاء هيئة التحكيم وصفاتهم، كذلك المعلومات الخاصـة بمقـدار المطالبـات المالية للأطراف المحتكمة وأخيراً الجدول الزمني المتعلق بإجراءات التحكيم.

 

ج- الأمان العام والسرية المطلقة:

    لا يسمح بالدخول إلى نظام Net Case إلا بإستخدام كلمة سر Password مما يكفل الأمان العام ويتم استخدام تقنية التشفير Encryptography في سبيل التبادل الأمـن للمراسـلات بـين مختلف الأطراف في سرية مطلقة مما يحقق أحد الضمانات الأساسية في التحكيم.

 د- تنظيم تداول وحفظ واسترجاع المستندات المتعلقة بالنزاع:

    حيث يتم تبادل المراسلات الرسمية بين الأطراف بـشكل مـنظم وفقـاً لترتيبهـا الزمنـي ومصدرها وهذا النظام يسمح بلا شك بحفظها واسترجاعها عند الحاجة خاصة للتحكيمات متعددة الطرف وذات الكم الهائل من المستندات- المراسلات- المذكرات- الأوامـر الوقتيـة- أحكـام التحكيم المؤقتة... ألخ.

 4- نظام ملف التحكيم الالكتروني Webfile الخاص بالجمعية الأمريكية للتحكيم AAA:

    حيث أنشأت الجمعية الأمريكية للتحكيم (AAA) نظاماً متكاملاً يسمح بتقديم طلب التحكـيم إلكترونياً دون إرسال أية مستندات بالبريد العادي أو خلافه حيث يتم ايداع طلب التحكـيـم عـن طريق استمارة online تشمل أسماء وبيانات الأطراف وطبيعة النزاع وقيمة الطلبات المقدمـة كما يسمح بطبيعة الحال بتصفح لائحة التحكيم والأطلاع على قواعده واجراءاته والخطوة الثانية تكون حساب مبلغ المصروفات الإدارية للتحكيم في ضوء ما تحدده اللائحة وفقاً للجدول الملحـق بها في شأن أتعاب المحكمين، وهو نسبة مئوية من قيمة طلبات المدعي، ويتم كخطوة ثالثة الدفع الكترونياً للمصروفات بواسطة بطاقات الائتمان وعندئذ ترسل رسالة الكترونيـة e-mail تثبـت إيداعه طلب التحكيم وسداد المصروفات الخاصة به، ويقوم النظام كخطوة رابعة بإتاحة فرصـة اختيار المحكم أو المحكمين بحسب الأحوال إلكترونياً وذلك من خلال قائمة للمحكمين متاحة على الموقع الالكتروني للجمعية الأمريكية للتحكيم مما يسمح لكل طرف بالإطلاع على السيرة الذاتيـة لكل محكم وتخصصه الدقيق ومدى إنطباق تخصصه على طبيعة النزاع وموضوعه.

    وبجانب التبادل الكترونياً أنشأ هذا النظام لوحة للإعلانات والتعليقات بين الأطـراف لكـل نزاع على حدة مما يسمح بالإطلاع على الموقف أولا بأول وإدارته بشكل حيـوي ممـا يخـدم مصالح الأطراف.

 

   ومن الجدير بالذكر، أن إتباع هذا النظام يسمح بتعيين أحد كوادرهـا القـانونيين ويسمى (Case Manager) ليكون هو المنوط بإدارة النزاع بمثابة همزة الوصل بـين مركـز التحكـيم وهيئة التحكيم وأطراف النزاع.

     ويراجع هذا الشخص جميع المستندات المرسلة الكترونياً من جميـع الأطـراف، ويعط الموافقة ببدء اجراءات تشكيل هيئة التحكيم خلال يومين أو ثلاثة كحد أقصى من تـسلمه طلـب التحكيم ويستخدم لوحة التبليغات الالكترونية لإرسال رسائل لأطراف النزاع تتيح وصولها إلـيهم أسرع وقت ممكن.

 5- نظام( Electronic Case Facility (ECAF التابع للمنظمة العالمية للملكية الفكريـة (الويبو WIPO):

    من المعلوم أن للمنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو) نظاماً خاصاً بالوساطة والتحكيم في شأن المنازعات الخاصة بإستغلال حقوق الملكية الفكرية كالعلامات التجارية وحقـوق المؤلـف وأيضاً ما هو مرتبط بأسماء المواقع الالكترونية Domain Names ولعلها أصبحت مـن أكثـر المنازعات غيرالتعاقدية التي يلجأ أطرافها الى التحكيم الالكتروني.

    أنشئ مركز الويبو للتحكيم والوساطة من أجل التشجيع على تسوية المنازعـات المتعلقـة بالملكية الفكرية عام 1994 بجنيف والمركز هو الهيئة الدولية الوحيدة التي تقدم سبلا بديلة لتـسـوية المنازعات المتعلقة بالملكية الفكرية، ويضع في تصرف المتعاملين معه قاعدة بيانات مفصلة. وقد أنشئ نظام خاص بالتحكيم الالكتروني أطلق عليه WIPO ECAF وكـسابقيه مـن الانظمـة المذكورة يسمح هذا النظام بتبادل البيانات والمعلومات والمستندات إلكترونياً، وذلك عند دخـول أصحاب الشأن الى الصفحة الالكترونية المخصصـة للنزاع الذي يديره من الناحيـة التنظيميـة case manager، كما أن هذا النظام يسمح بإرسال مستندات جديدة تضاف إلى حافظة المستندات الالكترونية ويوضح أسماء وعناوين الأطراف وممثليهم القانونيين وأسماء المحكم ومكان التحكيم والقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع والجدول الزمني الخاص بالاجراءات وما إلى ذلك من معلومات متكاملة خاصة بالنزاع.

رابعاً- حكم التحكيم الالكتروني وطريقة تنفيذه:

     يعرف حكم التحكيم سواء أكان تقليدياً أم الكترونياً بأنه القرار الصادرعن هيئة التحكيم والذي يفصل بشكل قطعي، على نحو كلي أو جزئي، في المنازعة أو في مسألة تتصل بـالإجراءات أدت بهيئة التحكيم إلى الحكم بإنهاء الخصومة.

    ويجوز أن يصدر حكم التحكيم الالكتروني بعد مداولات يستخدم فيها وسائل إلكترونية مثـل الفيديو كونفرنس بين المحكمين عند تعددهم، ويتم إصدار الحكم وتبليغه للأطـراف بعـد توقيع وإرساله إليهم إلكترونياً.

    وهذه الحداثة في طريقة إصدار حكم التحكيم الالكتروني وفي تبليغه تثير إشكالية تتعلق بمدى اعتبار الحكم في شكل رقمي أو إلكتروني قادراً على تلبية متطلبات الشكل الكتابي والنسخ الأصلية للقرار التحكيمي في إطار اتفاقية نيويورك 1958، كما سبق ذكره، فما مدى مطابقة حكم التحكـيم الالكتروني لشروط الشكل المنصوص عليها في كل من التشريعات الوطنية والاتفاقيـات الدوليـة الخاصة بالتحكيم؟

1- القانون النموذجي لليونسترال:

    اشترط قانون اليونسترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي لعام 1985 صـراحة ضـرورة كتابة حكم التحكيم في الفقرة الأولى من المادة 31 والتي تنص على أنه: "يصدر قرار التحكيم كتابة ويوقعه المحكم أو المحكمون، ويكفي في إجراءات التحكيم التي يشترك فيها أكثر من محكم واحد أن توقعه أغلبية أعضاء هيئة التحكيم، شريطة بيان سبب غياب أي توقيع".

    وعليه حذا قانون التحكيم المصري حذو القانون النموذجي في الفقرة الأولى مـن المـادة 43 حيث تنص على أنه: "يصدر حكم التحكيم كتابة ويوقعه المحكمون وفي حالة تشكيل هيئة التحكيم من أكثر من محكم واحد يكتفي بتوقيعات أغلبية المحكمين بشرط أن تثبت في الحكم أسباب عدم توقيـع الأقلية".

2- أحكام إتفاقية نيويورك 1958 في شأن حكم التحكيم:

   والذي يلاحظ فيه عدم وجود نص صريح بالاتفاقية على ضرورة كتابة حكم التحكـيم حتـى يكون واجب النفاذ، إلا أن ذلك لا يعني عدم تطلب كتابة حكم التحكيم، وهذا ما يمكن استنتاجه مـن نص المادة الرابعة من الاتفاقية والتي تنص في فقرتها الأولى: "على أن مـن يطلـب الاعتـراف والتنفيذ المنصوص عليهما في المادة السابقة أن يقدم مع الطلب:

أ - أصل الحكم الرسمي أو صورة من الأصل تجمع الشروط المطلوبة لرسمية السند. ب-أصل الاتفاق المنصوص عليه في المادة الثانية أو صورة تجمع الشروط المطلوبـة لرسـمية السند."

    ولا شك أن هذا النص يصعب تطبيقه على الحكم الصادر في شكل وثيقة الكترونيـة، ذلـك أن نظام المعلوماتية لا يميز بين الأصل والصورة، وبيان ذلك أن الكمبيوتر ينشىء وينقل نصوصاً قابلة للنسخ إلى ما لا نهاية، لذلك حرصت القوانين الحديثة على إيجاد حل لهذه المسألة، فـنـص القـانون النموذجي الخاص بالتحكيم التجاري الدولي لعام 1985 في تعديلاته عام 2006 علـى اعتبـار أن النسخ الالكترونية تقوم مقام الاتفاق المكتوب،

    وقبل ذلك التعديل قدم القانون النموذجي الخاص بالتجارة الالكترونية الصادر سنة 1996 حلاً لهذه المشكلة، وأعتبر أن الصورة تقوم مقام النسخة الأصلية وذلك في الفقرة الأولى للمادة الثامنـة والتي تنص على أنه: "عندما يشترط القانون تقديم المعلومات أو الاحتفاظ بها في شكلها الأصـلي، تستوفي رسالة البيانات هذا الشرط إذا:

 أ ـ وجد ما يعول عليه لتأكيد سلامة المعلومات عند الوقت الذي أنشئت فيه للمرة الأولى في شكلها النهائي، بوصفها رسالة بيانات أو غير ذلك.

 ب - كانت تلك المعلومات مما يمكن عرضه على الشخص المقرر أن تقدم إليه، وذلك عندما يشترط تقديم تلك المعلومات."

    كما نصت الاتفاقية المتعلقة باستخدام الخطابات الالكترونية في العقود الدوليـة لـسنة 2005 السابق ذكرها على مساواة الكتابة والرسائل الإلكترونية بالكتابة العادية وإعطائهـا نفـس الحجيـة والإثبات في العقود الدولية، وذلك في الفقرة الثانية من المادة التاسعة والتي تنص على أنه: "حيثمـا يشترط القانون أن يكون الخطاب أو العقد كتابياً، أو ينص على عواقب لعدم وجود الكتابـة، يعتبـر ذلك الاشتراط قد استوفي بالخطاب الإلكتروني، إذا كان الوصول إلى المعلومات الواردة فيه متيسراً على نحو يتيح استخدامها في الرجوع إليها لاحقاً".

   ومن المؤكد أن دورهيئة التحكيم لا ينتهي تماماً بعد صدور حكم التحكيم، بـل تحـتفظ هيئـة التحكيم ببعض صلاحيتها في النزاع المعروض، حيث قد يشوب الحكم الصادر غموضاً أو نقصاً أو قد يحتاج إلى تسبيب. طبقا للمادة 31 من القانون النموذجي للتحكيم التجـاري الـدولـي ويـزال الغموض أو استكمال النقص وما إلى ذلك بإتباع الطريقة نفسها.

    كذلك مما لا شك فيه أن تبليغ الأطراف بحكم التحكيم قد يتم الكترونياً، وذلك عن طريق إرسال بريد الكتروني على العنوان الذي حدده الأطراف عند تقديم طلب التحكيم، بالإضافة إلى نشره على الموقع الخاص بالقضية والذي يمنح الأطراف كلمة مرور خاصة تمكنهم من الدخول إليه والإطلاع عليه.

 تنفيذ حكم التحكيم الإلكتروني:

    الأصل أن يتم تنفيذ حكم التحكيم بشكل رضائي، وهو ما حرص على ذكره القانون النمـوذجي الخاص بالتحكيم ومن بعده كافة القوانين وكذلك الاتفاقيات الخاصة بـالتحكيم التجـاري الـدولي، فالأصل أن يتم تنفيذ الحكم الالكتروني بالآلية نفسها التي يتم فيها تنفيذ حكـم التحكـيم التقليـدي أي طواعية ودون إبطاء تكريساً لمبدأ الرضائية بين الاطراف، ونظراً إلى اعتبارات عديدة عملية قد تظهر عند تقاعس الطرف الذي صدر التحكيم ضده من التنفيذ الارادي لحكـم التحكـيم وتقـدم الطرف الآخر الى المحكمة المختصة بطلب إكساء الحكم بالصيغة التنفيذية، فقد يتم تنفيـذ الحكـم الالكتروني بإتباع طرق غير تقليدية تتماشى مع خصوصياته وتتجانس بقدر الإمكان مـع ـام المعمول به أمام المحاكم الوطنية.

    ففي ظل النظام الحالي والمعمول به أمام المحاكم الوطنية وأخذاً كمثـال الـنـصـوص التـي أوردها قانون التحكيم المصري في هذا الشأن من حيث إيداع حكم التحكيم قلم كتـاب المحكمـة المختصة بالتنفيذ ممن صدر الحكم لصالحه، وكذلك تقديم طلب تنفيذ الحكم مرفقاً به أصل الحكم أو صورة موقعة منه وصورة من إتفاق التحكيم وصورة من المحضر الدال على إيـداع الحكم.

وهنا نصطدم بصعوبات بالغة نتيجة عدم وجود أي وسيلة تقنية في القضاء يسمح بتلق المستندات الالكترونية حال إرسالها إلى قلم الكتاب بالمحكمة وببرمجتها وبتبويبها وبتخزينها، ولا بد من أن نقر بوجود ما يسمى الفجوة الرقمية في استخدام التكنولوجيا بين الدول المتقدمة والدول النامية، وخاصة في النظام القضائي. وقد يأتي اليوم الذي تتم فيه الكترونيـاً جميـع الخطوات في مرحلة ما بعد صدور حكم التحكيم الالكتروني وإنتظاراً لهذا اليوم لا بد مـن اللجوء حالياً الى حلول مبتكرة وخليطة hybrid solutions يحصل بمقتضاها أصـحاب الشأن على نسخة مكتوبة من حكم التحكيم الالكتروني موقعاً من المحكمين لاستخدامها أمـام المحكمة.

 خاتمة:

    أصبح التحكيم الالكتروني حقيقة كأحد أهم الوسائل البديلة لحـسم المنازعـات الالكترونيـة التعاقدية وغير التعاقدية، ويتم اللجوء إليه في المنازعات التي تنسجم مع طبيعته وإمكانياته، ولا شك أن للقوانين النموذجية الخاصة بالتجارة الالكترونية والتوقيع الالكتروني والتحكيم التجاري الـدولي من جهة، ودور مراكز التحكيم الالكتروني وخاصة بعض المراكز الرائدة مثل مركـز المنظمـة العالمية للملكية الفكرية من جهة أخرى، الأثر الأبرز في إنتشار استخدامه. يبقى في النهاية سؤال قد يحتوي في الوقت نفسه على عناصر إجابة حول الرؤية المستقبلية للتحكيم الالكتروني، وهـو أليس واقعاً ملموساً أن ينفرد كل مركز وساطة أو محكمة تحكيم بموقع الكتروني خاص به؟ ومن خلاله يقدم نبذة عن إنشائه والعنوان الالكتروني لأمانة أو سكرتارية المركز وكيفية الاتصال بهـا والطرق المختلفة لتسوية أو حسم المنازعات التي يقدمها، كما يضع الشروط النموذجية للوساطة والتحكيم التي ينصح أصحاب الشأن بإدراجها في العقود، كذلك يحتوي اللائحة الخاصـة بكـل مركز بمختلف اللغات مما يسمح بدراستها بشكل واف، كما يتيح الإطلاع على النماذج المختلفـة لتقديم طلبات التحكيم واستخدامها وتذهب بعض المراكز الى إلحاق برنامج للحاسب الآلي "سوفت وير" يعمل على تقدير النفقات الإدارية للمركز وأتعاب المحكمين إذا قام الشخص بتقـديم الـرقم الدال على قيمة النزاع. فالحاضر هو إبن الماضي والمستقبل هو إبن الحاضر.