ما هي الاعتبارات الثقافية التي يجب أن يراعيها التحكيم الدولي؟
هل التغيير ضروري؟ إذا كان الأمر كذلك، كيف يمكن إجراء التغيير؟
الخلفية
يعتبر التحكيم الدولي من وجهة نظر العديد من الأطراف الدولية والتجارية على أنه خيار إجراء لحل النزاعات، سواء تم التحكيم عبر قواعد هيئة (كغرفة التجارة الدولية أو LCIA (غرفة التحكيم الدولي في لندن) أوDIAC (مركز دبي للتحكيم الدولي) أو على أساس عرض معين، تعتبر الكلفة والسرعة والغائية والسرية والحيادية والإجراءات غير الرسمية الميزات الرئيسية للتحكيم الدولي".
وقد سجلت المؤتمرات في نيويورك وديان أخيراً العيد السنوي الخمسين لاتفاقية نيويورك 1958 ("اتفاقية نيويورك) التي تهدف إلى تضييق نطاق قرارات التحكيم، لتصبح بالتالي موضوع صراعات قانونية طويلة في المحاكم المحلية عند مرحلة التطبيق/ التنفيذ. بالنسبة إلى الأطراف في بعض أقطار العالم (حيث لم تطبق باعتقاد الكثيرين التفاقية نيويورك كما يجب)، تعتبر "نهاية اللعبة" الجزء الأكثر إحباطا في الإجراء.
ففي النهاية، لن ينفع المضي في إجراء تحكيمي (الذي يراه الكثيرون في هذه الأيام على أنه عرضة لأن يصبح مجرد إجراء بديل أكثر بطئاً وكلفة وتعباً) إذا كان الاسترداد المالي بعيد الاحتمال. بالتالي يتم حالياً إيلاء أهمية كبيرة لمسألة الكلفة والتأخير وتضييق نطاق المحاكم المحلية لغرض توجيه إجراء التحكيم ونتائجه.
وربما، وعلى نحو غير مفاجئ، لم تتلق مسألة الثقافة في سياق التحكيم الدولي العناية اللازمة.
ما هي ثقافة التحكيم الدولي؟
تتم عامة صباغة هذه المسألة من حيث بنود الاختلاف بين القانون المدني (نهج تحقيقي) والقانون العام (نهج خصومة). ففي غالبية الأوقات، يمكن أن يؤدي التحليل الإضافي لهذه المسألة (على النحو الأفضل) إلى توضيح النهج، كنهج الأطراف الأمريكية الذي يبدو عدائياً (باعتماد وسائل كالأسلوب الشفهي المباشر)، الذي تمت مقارنته ومقابلته على سبيل المثال مع نهج الأطراف الصينية التي تميل إلى تفضيل التواصل غير الشفهي وغير المباشر. فلما تتطور المحلاثات لتتجاوز هذا المستوى في ما يتعلق بهذه المسألة.
غير أن من يمارسون التحكيم الدولي سيدركون الأثر المتزايد للمعايير الدولية على ممارسات التحكيم في كافة أنحاء العالم، على سبيل المثال، سيؤدي اعتماد قانون اليونسيترال UNCITRAL النموذجي الواسع الانتشار حول التحكيم التجاري الدولي (على المدى الطويل بأي معدل) إلى تجانس أكبر في نهج الإجراء التحكيمي بين مختلف الولايات، حتى عندما يعتمدون ثقافات قانونية مختلفة، إضافة إلى ذلك، سوف تعزز أيضاً الجهود التي بذلت لإضفاء التناغم على الإجراء التحكيمي (كقواعد IBA حول الإثبات وحول تضارب مصالح المحكمين)، مع الوقت تكين النهج وتجانسه – وتعتبر كافة هذه العوامل حيوية لمن يعتمدون التحكيم الدولي.
على الرغم من ذلك، مهما كانت قوة المنازعات في ما يتعلق بالتدخل المتزايد للمحكمة المحلية أو عدم دعمها الكافي أو الكلفة أو التأخير في إجراء التحكيم الدولي، وبغض النظر عن الخطوات التي تتخذ تجاه تزايد تجانس النهج في الإجراء التحكيمي، فقد تزايدت المخاوف التي عبرت عنها عدة أطراف بما في ذلك (في يونيو 2008 في ما يتعلق بالغياب المزعوم للتمثيل العربي الرسمي عن مؤتمر ICCA الرابطة العربية للتحكيم الدولي)، إلى المدى الذي يفتقر فيه مجال التحكيم الدولي الحساسية الثقافية.
تتضمن الاتهامات المرفوعة، الفشل المزعوم لمؤسسات التحكيم الدولي في ترقية وتعيين أفراد من مناطق الشرق الأوسط بصفة محكمين. ويقول البعض، تشير النتيجة إلى أن التحكيم الدولي كإجراء يسيطر عليه أنجلو ساكسون محامون من شمال أوروبا، حيث تعتبر نقاط مرجعيتهم على أنها ثقافتهم وتقليدهم القانوني الخاص.
وبالفعل، تجدر الملاحظة إلى أنه منذ اكثر من 10 سنوات (في مؤتمر 1996 ICCA في سيوول)، طرح الخبير العربي المتميز في مجال التحكيم الدولي السيد أحمد القشيري مذكرة تحذير على النحو التالي:
"بشكل عام، ما زال المجتمع القانوني في العالم العربي يظهر عدوانيته تجاه التحكيم الدولي - سلوك مستمر لبعض المحكمين الغربيين الذين تميزوا بقلة إدراكهم الحسي تجاه القانون الوطني للبلدان النامية وتطبيقها الإلزامي، إما بسبب الجهل أو قلة الاهتمام أو مركب الاستعلاء النفسي غير المبرر، الذي يؤثر سلبا على البيئة القانونية المطلوبة لتعزيز مفهوم التحكيم في مجال علاقات الأعمال الدولية" .
وفي حين أن الشكوى الخاصة (التي تتجاوز كما يزعم، القانون المنطبق على أساس التغاضي عن ذلك) يمكن أن تكون أقل حدة (لأن المحكمين على بيئة تامة ومتزايدة من هذه المسألة و/أو يدركون أن المشاكل يمكن أن تطرأ على مستوى التطبيق)، وهي بعيدة كل البعد عن الشكوى العامة في هذا السياق في ما يتعلق بالتحكيم الدولي والتي تتماشى مع دائرة اختصاص أو أكثر من دوائر الاختصاص الثانية (وتعكس شكوى رفعها أخيراً محام من المكتب لمستخدم دولي معروف جداً متمركز في الشرق الأوسط):
"لا يدرك المحكمون كيف تقوم بالأمور في هذا الجزء من العالم، وبالكاد لدى أي منهم ارتباطاً أو إدراكاً لنظامنا القانوني وعاداتنا أو ثقافتنا، لا تشعر أنهم ينظرون في المشاكل ليفهموا وجهة نظرنا، نود حقا لو كان هناك بديل أفضل."
يمكن أن تكون هذه الملاحظات ببساطة انعكاساً للتغاضي عما هو مرغوب به - أطراف تجد سبباً لانتقاد أي إجراء يشعرون أنه خارج نطاق سيطرتهم أو يقدم نتائج لا تعكس ما يفكرون فيه أو يرغبون به. لو كان هذا هو الأساس الوحيد (أو السائد) لهذه الملاحظات، سيكون من السهل التوضيح وإيجاد المبررات.
على الرغم من ذلك، يدعي البعض أن التحكيم الدولي كإجراء يجب أن يكون لديه ثقافته الخاصة المتميزة، وقد تبين أن التحكيم الدولي كإجراء كان نتاج ممارسة عملية نقل حيث يتم الرجوع إلى الأنظمة القانونية لمحكمة القانون العام والقانون المدني . ولهذا الغرض أساساً (كما بقال) يعتبر "المتاع الثقافي" ومجموعة الافتراضات السائدة في إجراء التحكيم الدولي متجانساً.
يوجد سبب آخر (بحسب ما يقال) يدعو إلى جعل التحكيم الدولي يتمتع بحس ثقافي بقدر ما يجب صراحة للتخفيف من شدة المخاوف في هذا المجال، وهو أنه يتم الاستخفاف بالعوامل الثقافية "غير القانونية" ويصار إلى القول بأنه لا تتمتع هذه الثقافات بأي مركز يذكر في مجال حل النزاع الدولي. يتم إساءة فهم وجهة النظر هذه بشكل مثير للقلق. وقد لاحظ كونفوسيوس أن البشر متقربون من بعضهم البعض بطبيعتهم المشتركة، ولكن التقاليد والعادات تعرقهم"، وذلك يعود تحديداً إلى أن السياق الثقافي مهم وإلى أن مركز التحكيم مثل IKIAC (هونغ كونغ) و SIAC (سنغافورة) لقي النجاح، وبالفعل، ربما أيضاً لأنه يعود جزئياً إلى إقرار الحاجة إلى مقر ثقافي، حيث قامت غرفة لندن للتحكيم الدولي (LCIA) للمرة الأولى خلال 100 عام، بالمجازفة خارج المملكة المتحدة واشتركت مع DIFC لإنشاء مركز التحكيم DIFC LCIA في دبي.
ما هي الاعتبارات الثقافية التي يجب أن يراعيها التحكيم الدولي؟
يسعى معظم الأطراف في إجراء التحكيم الدولي للتوصل إلى نتيجة عادلة ومنصفة (ما لم تكن قضيتهم بالطبع مينوساً منها!) غير أنه، غالباً ما يذكر أنه يجب أن تطبق العدالة بالفعل وليس بالقول فصل"، يعني تلك في ممارسة سياق التحكيم أنه يجب أن يشعر الأطراف قدر ما يمكن وبما يتماشى مع مبدأ العدالة /التساوي) بأنه تم سماع أقوالهم وفهمها بما يتناسب مع السباق الثقافي الخاص بهم.
تكمن الصعوبة في كيفية ترجمة مفهوم العدالة والإنصاف (الذي يجب أن يكون غير جدلي) في ممارسة الإجراء التحكيمي. من السهل جداً توقع الأحداث التي تصبح فيها محاكم التحكيم حساسة جداً لمثل هذه المسائل، وبالتالي تجد أن الإجراء قد تم التلاعب به لمنفعة تكتيكية.
من الصعب إيجاد التوازن - حيث أن المحكمين/ المحامين لا يملكون في ترجيح للصوت في ما يتعلق بالسياق الثقافي للأطراف .
تتضمن بعض الاعتبارات الثقافية الرئيسية التي يجب أن يكون الإجراء التحكيمي مراعياً لها، ما يلي:
• التحيز الثقافي والنماذج النمطية – سواء أقررنا بذلك أم لا، إن الأشخاص من مختلف الخلفيات (الأخلاقية والوطنية والعرقية) غالباً ما يضرون مواقف حساسة في ما يتعلق بثقافات وعادات وسلوك الآخر. ليس من الصعب ملاحظة كيف تتم ترجمة الله على نمو غير صحيح إلى موقف انحياذ تجاه محكمة التحكيم التي لا تعكس ثقافة طرف أو أكثر، يجب ان يدرك كافة المحكمون هذه الاعتبارات ويعدلون نهجهم وفقاً لذلك .
• السياسة والدين - سوء الحظ يمكن أن تؤدي أيضاً هذه العوامل جزءاً في العنصر الديناميكي، أي العلاقة بين المحكمة والأطراف. يجب أن يتحسن دور محكمة التحكيم الإدراك التام للمشاكل المحتملة واستخدام الإجراء بفعالية لتفادي هذه المشاكل التي تؤثر سلباً على الإجراء (توضيح بسيط لذلك يمكن أن يقنع الأطراف بالمصالحة عند بداية جلسة الاستماع و اتخاذ خطوات أخرى لكسر الجليد" وإضفاء جو أقل مواجهة).
• سوء التواصل (شفهي وغير شفهي) - يمكن أن تكتب الكلمات المنطوقة في غالبية الأوقات دلالة مختلفة عند ترجمتها، يمكن أحياناً للغة الجسد وتعبير الوجه والإيماءات إرسال إشارات غير صحيحة.
• المدرك الحسي الثقافي للتفاوض والوساطة – كيفية ممارسة العمل في مختلف الثقافات يمكن أن يعكس اختلافات مطلقة في الماضي القريب، كانت مجرد نقطة لقاء ومصافحة يد الإثبات الوحيد للإشارة إلى أنه تم التوصل إلى اتفاق، حتى الآن، كشفت بعض الاختصاصات القضائية عن نماذج سلوكية واضحة للغاية في طريقة ممارسة الأعمال (مثلاً، معظم أوروبا الغربية- لديها وثائق داعمة أما نواحي أخرى من العالم - نسبة قليلة من الوثائق الداعمة). وبالفعل، حصلت تغييرات ملحوظة خلال السنوات العشر الماضية في ما يتعلق بالعقود في الهند والشرق الأوسط وأفريقيا والتي أصبحت أكثر تفصيلاً وتداولاً مما كانت عليه في الماضي، غير انه، تحتاج المحكمة إلى أن تكون على بينة من الاختلافات المحتملة في النهج، التي يمكن خلافاً لذلك تفسيرها بسهولة كنقص في الإثبات لإقامة الدليل على موقف معين .
هل التغيير ضروري؟ إذا كان الأمر كذلك، كيف يمكن إجراء التغيير؟
إذا تم النظر في المخاوف المشار إليها أعلاه بجدية (وهناك حجج قوية تشير إلى وجوب ذلك)، من الضروري إجراء التغيير، إن غياب التغيير يهدد بزعزعة المواقف بين بعض مستخدمي التحكيم الدولي كإجراء "علال ومنصف"
يمكن أن تتضمن الخطوات التي ستتخذ لتنفيذ التغيير ما يلي:
• يحب أن تتمتع مؤسسات التحكيم بحس ثقافي، يجب أن يكون لديها موظفون مسلمون مختلف اللغات، ويجب أن تحرص على إمكانية الوصول إلى قواعدها ومنشوراتها بمختلف اللغات .
• يجب دعم مركز التحكيم الإقليمي والترويج له. ولكي ينجح هذا المركز، يجب أن يكون على قدم المساواة مع مؤسسات التحكيم الدولي من حيث المصداقية وسهولة الاستخدام والاحتراف والخدمة، يجب أن يحتفظ هذا المركز بقوائم أسماء المحكمين المحتملين من المنطقة الذين يتقنون مختلف اللغات، وآخرين يتمتعون بخلفيات دولية إضافية.
• يعتبر الاصلاح والمعرفة الثقافية للمحكمين أمريـن ضـروريين. في المملكة المتحدة على سبيل المثال، يتعين على كافة القضاة الاطلاع على ثقافات وعادات الأشخاص الذين يمثلون أمامهم، لا يوجد أي سبب يدعو إلى عدم طلب إجراء أي تدريب مشابه للمحكمين الدوليين
• زيادة نسبة الوعي والإدراك تجاه للتحكيم الدولي واعتباره كإجراء متبع في المجتمعات القانونية والمهنية. تسعى المؤسسات مثل غرفة التجارة الدولية إلى الاشتراك في هذا الإجراء، ولكن يجب اتخاذ إجراءات إضافية كثيرة.
ملاحظات ختامية
تقدم التحكيم الدولي كإجراء بخطى واسعة وسريعة خلال السنوات العشر الماضية، من حيث إدراك مجتمع المستخدم الدولي له وقبوله، تتضمن التحديات القادمة معالجة المشاكل كالكلفة والتأخير وتعزيز دعم المحكمة العطية (وتحفيض تدخل المحكمة المحلية)، إذا كان التحكيم الدولي سيصبح بحق خيار إجراء لحل النزاع، عليه أيضاً أن يتجاوز المخاوف من جهة البعض على أنه يقتصر على فئة معينة على الصعيد الثقافي. هناك إشارات إلى بده مؤسسات التحكيم والمحكمين اتخاذ هذه المخاوف بعين الاهتمام.