إن مسألة ايفاء الديون المحررة بالعملة الأجنبية مطروحة في نوعين من العقود: العقود الدولية والعقود الداخلية.
إن حل هذه المسألة في العقود الدولية لا يطرح أية إشكالية جدية، وذلك لأن الإجتهاد اللبناني مستقر على إعتبار أن المدين ملزم بايفاء الدين الناشئ عن عقد دولي بالعملة الأجنبية المنصوص عليها في هذا العقد.
وبالمقابل إن حل هذه المسألة في العقود الداخلية يطرح ثلاث اشكاليات أدت إلى تضارب بين قرارات المحاكم اللبنانية.
إن هذه الإشكاليات هي الآتية:
الإشكالية الأولى: هي مسألة صحة البنود المحررة بعملة أجنبية.
وفي ما يتعلق بهذه الإشكالية يمكن تصنيف القرارات القضائية إلى فئتين:
- الفئة الأولى هي فئة القرارات القضائية التي إستندت إلى التفريق المعتمد في القانون الفرنسي الحديث بين البنود المحررة بالعملة الأجنبية كوسيلة حساب (Monnaie de compte)، أي تلك التي تلحظ اعتماد احدى العملات الأجنبية كعملة أو وسيلة إحتساب للتعهدات التي تتناولها هذه البنود فيما يبقى الدفع الفعلي واجبة بالعملة الوطنية، والتي تعتبر صحيحة، وبين البنود المحررة بالعملة الأجنبية كوسيلة دفع (Monnaiede paiement)، أي تلك التي تعتمد فيها إحدى العملات الأجنبية كوسيلة فعلية للدفع، والتي تعتبر باطلة بطلانا مطلق. - الفئة الثانية هي فئة القرارات التي إعتبرت أن الفرقاء أحرار في اشتراط الايفاء بالعملة الأجنبية وكرست صحة البنود المحررة بالعملة الأجنبية كوسيلة دفع.
الإشكالية الثانية: هي مسألة ما إذا كان يحق للمدين أن يبرئ ذمته بالعملة الوطنية.
وفي ما يتعلق بهذه الإشكالية يمكن تصنيف القرارات القضائية إلى ثلاث فئات:
- الفئة الأولى هي فئة القرارات التي قضت بأنه لا يمكن فرض الإيفاء بالعملة الأجنبية "لأن قاعدة الإيفاء بالعملة الوطنية تتعلق بالنظام العام المالي الذي لا يجوز للأطراف مخالفته في العقد الموقع بينهم وبالتالي لا يمكن إلزام المدين بإيفاء دينه بعملة أجنبية وان كان العقد محررة بهذه العملة".
- الفئة الثانية هي فئة القرارات التي قضت بإعطاء حق الخيار للمدين بإبراء ذمته بالعملة الوطنية أو بالعملة الأجنبية على الرغم من صحة البنود المحررة بالعملة الأجنبية كوسيلة دفع.
- الفئة الثالثة هي فئة القرارات التي ألزمت المدين بالإيفاء بالعملة الأجنبية".
الإشكالية الثالثة: هي تحديد سعر الصرف الذي يقتضي إعتماده في حال تبين أنه يحق للمدين إبراء ذمته بالعملة الوطنية.
وفي ما يتعلق بهذه الاشكالية يمكن تصنيف القرارات القضائية إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى هي فئة القرارات التي إعتمدت سعر صرف 1507.50 ليرة لبنانية مقابل الدولار الأميركي الواحد باعتباره سعر صرف رسمي.
الفئة الثانية هي فئة القرارات التي اعتمدت سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي الواحد المحدد على المنصات الالكترونية التي أنشأها مصرف لبنان .
الفئة الثالثة هي فئة القرارات التي اعتمدت سعر الصرف المتداول في السوق بتاريخ الإيفاء، مع الإشارة إلى أن المدين يتحمل مخاطر تدني قيمة العملة الوطنية بالنسبة للعملة الأجنبية.
إن تضارب القرارات القضائية وعدم وضوح الحل الذي يقتضي إعتماده يستدعي إبداء ملاحظات على الإشكاليات التي يطرحها إيفاء الديون المحررة بالعملة الأجنبية في العقود الداخلية، وذلك وفقا للتصميم الآتي:
- في صحة البنود المحررة بالعملة الأجنبية كوسيلة إيفاء (Monnaie de Paiement).
- في مدى جواز الإيفاء بالعملة الوطنية.
- في تحديد سعر الصرف الواجب إعتماده.
. في صحة البنود المحررة بالعملة الأجنبية كوسيلة ايفاء Monnaie de)
:Paiement)
برأينا، يحق للفرقاء إشتراط الإيفاء بعملة أجنبية في العقود الداخلية، وذلك للأسباب الآتية:
1- لا يمكن إعتماد الحل المعمول به في القانون الفرنسي الحديث الذي يقضي بالتفريق بين البنود المحررة بالعملة الأجنبية كوسيلة حساب (Monnaie de compte)، التي تعتبر صحيحة، والبنود المحررة بالعملة الأجنبية كوسيلة دفع (Monnaie de paiement)، التي تعتبر باطلة، وذلك بسبب اختلاف النصوص والأعراف والمفاهيم القانونية بين النظام القانوني الفرنسي والنظام القانوني اللبناني.
وبالفعل، إن القانون اللبناني عالج مسألة الإيفاء بالعملة الأجنبية في الفقرة الثانية من المادة 301 من قانون الموجبات والعقود التي لا يقابلها أي نص مماثل في القانون الفرنسي الحديث. المادة 301 من قانون الموجبات والعقود تنص على أنه عندما يكون الدين مبلغا من النقود، يجب ايفاؤه من عملة البلاد.
وفي الزمن العادي، حين لا يكون التعامل إجبارية بعملة الورق، يظل المتعاقدون أحرارا في اشتراط الايفاء نقود معدنية معينة أو عملة أجنبية.
"Lorsque la dette est d'une somme d'argent, elle doit être acquittée dans la monnaie du pays.
En période normale et lorsque le cours forcé n'a pas été établi pour la monnaie fiduciaire, les parties sont libres de stipuler que le paiement aura lieu en espèces métalliques déterminées ou en monnaie étrangère".
لذلك، يجب التقيد بالنصوص والأعراف والمفاهيم القانونية المعمول بها في القانون اللبناني، ولا سیما بأحكام المادة 301 من قانون الموجبات والعقود المذكورة.
2- إن المادة 301 من قانون الموجبات والعقود تجيز اشتراط الايفاء بالعملة الأجنبية:
إن الفقرة الأولى من المادة 301 من قانون الموجبات والعقود المذكورة أعلاه هي قاعدة تكميلية (Supplétive) لا تتعلق بالنظام العامة، بدليل أن الفقرة الثانية من المادة 301 من قانون الموجبات والعقود أجازت إشتراط الإيفاء بالعملة الأجنبية عند توافر الشروط المنصوص عليها في هذه الفقرة.
ويقتضي العودة للأصل الفرنسي للمادة المذكورة لتحديد معنى الشروط المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة 301 م.ع.
"Lorsque la dette est d'une somme d'argent, elle doit être acquittée dans la monnaie du pays.
En période normale et lorsque le cours forcé n'a pas été établi pour la monnaie fiduciaire, les parties sont libres de stipuler que le paiement aura lieu en espèces métalliques déterminées ou en monnaie étrangère".
يستفاد من حرفية نص الفقرة المذكورة بأنه يحق للفرقاء إشتراط الإيفاء بعملة أجنبية طالما أن هذا الإتفاق نشأ في الزمن العادي (En periode normale) وعندما لا يكون نظام التداول الجبري أو الCours force للنقود الورقية قد وضع موضع التنفيذ.
إن توضيح مفهومي الزمن العادي (En periode normale) والتداول الجبري أو ال Cours force يستوجب إجراء مراجعة تاريخية تمهيدا لوضع هذه العبارات المذكورة في سياقها التاريخي مع الأخذ بعين الإعتبار صدور قانون الموجبات والعقود في العام 1932 ودخوله حيز التنفيذ في العام 1934 في ظل الإجتهاد الفرنسي الذي كان سائدة في ذلك التاريخ والذي شكل مصدر إلهام للمشترع اللبناني.
خلال الفترة التي تزامنت مع صدور قانون الموجبات والعقود، كان الاجتهاد الفرنسي يفرق بين الوضع النقدي الفرنسي في الزمن العادي والوضع النقدي الفرنسي في الزمن الغير عادي.
في الزمن العادي، كانت الأوراق النقدية قابلة للتحويل إلى نقود معدنية convertibles en) (monnaie metallique، وبالتالي كان يحق لحامل الاوراق النقدية طلب تحويلها إلى نقود معدنية بمجرد عرضها على المصرف، وذلك لأن الأوراق المصرفية لم تكن، في ذلك الزمان، لها صفة النقد بحد ذاتها، بل كانت "تمثل ديونا لحاملها على مؤسسة إصدار النقد التي تلتزم عند تقديم هذه الأوراق إليها بأن تدفع ما يقابلها نقود معدنية التي كانت وحدها تتمتع بصفة النقد". بمعنی آخر، كان الوضع العادي للنقد الفرنسي يتميز بإمكانية تحويل الأوراق النقدية إلى معادن (convertibilité de la monnaie)
وفي الزمن الغير عادي، كانت الدولة الفرنسية تصدر قوانين إستثنائية تمنع المصارف، مؤقتاً، من تحويل الأوراق النقدية إلى معادن، وذلك بهدف حماية إحتياط المعادن لدى المصارف خلال الأزمات وهذه القوانين إستعملت عبارة ال Cours force للإشارة إلى حالة إستثنائية هي عدم قابلية الأوراق النقدية للتحويل إلى معادن (inconvertibilité de la monnaie papier).
إن الإجتهاد الفرنسي السائد بتاريخ صدور قانون الموجبات والعقود إستند على هذا التفريق لتحديد ما إذا كان يحق للفريقين اشتراط الايفاء بالذهب أو بالعملة الأجنبية. وبالفعل، إعتبرت محكمة التمييز الفرنسية، في متن قرارين شهيرين صدرا بتاريخ
1873/2/11و1927/5/17 بأنه يحق للفريقين إشتراط الإيفاء بالذهب أو بالعملة الأجنبية في الزمن العادي، أما في الزمن غير العادي، الذي يتخلله صدور قوانين إستثنائية ومؤقتة فرضت الـ Cours force خلال الأزمات، فيقتضى إعتبار أن هذه البنود هي باطلة. بمعنى أخر، إن المبدأ هو صحة إشتراط الإيفاء بالعملة الأجنبية، والإستثناء، المحصور بفترة نفاذ قوانين إستثنائية ومؤقتة فرضت التداول الجبري أو الCours force، هو بطلانه.
إن المشترع اللبناني، الذي إعتمد مشروع قانون الموجبات والعقود المنقح من لجنة إشتراعية إستشارية ضمت عميد كلية الحقوق في جامعة ليون الفرنسية البروفسور لويس جوسران ورئيس محكمة السين الفرنسية روبرس، قن الإجتهاد الفرنسي المذكور أعلاه في الفقرة الثانية من المادة 301 من قانون الموجبات والعقود.
بتاريخ صدور قانون الموجبات والعقود، كان نظام التداول الجبري أو الـ Cours force"لا يزال استثنائية وليد الثورات والحروب... التي إذا ما انقضت كان يعمد المشرع إلى إلغائه ليعود إلى الوضع العادي الذي فيه يمكن لحامل النقود الورقية إستبدالها بالنقود المعدنية. بمعنى آخر، إن الاوراق المصرفية، كانت، بتاريخ صدور قانون الموجبات والعقود، قابلة للتحويل إلى معدن (convertible en monnaie metallique) وكان التداول الجبري أو الCours force لا يأتلف مع الزمن العادي بحيث كان المبدأ هو صحة إشتراط الإيفاء بالعملة الأجنبية.
وبالعودة إلى الوقت الحاضر، يتبين أن الأوراق المصرفية غير قابلة للتحويل إلى معادن بحكم تطور الأنظمة المصرفية العالمية بحيث أصبحت عدم قابلية الأوراق المصرفية للتحويل (inconvertibilite) هي الحالة العامة المعتمدة في الزمن العاديا وليس الإستثناء المعتمد بموجب قوانين إستثنائية ومؤقتة في زمن الأزمات.
وفي ضوء التطور المذكور أعلاه، باتت الفقرة الثانية من المادة 301 من قانون الموجبات والعقود تحتمل تفسیرین.
التفسير الأول: يستند إلى المعنى التقليدي لعبارة ال Cours force ويعتبر أن المادة 301 من قانون الموجبات والعقود لا تجيز اشتراط الايفاء بالعملة الأجنبية طالما أن التداول الجبري أو الCours force وضع موضع التنفيذ، وذلك بغض النظر عما إذا كان معمولا به في الزمن العادي أو فرضه المشترع في الزمن الغير عادي لأن "عبارة الزمن العادي الواردة في صدر الفقرة الثانية من المادة 301 م.ع. لا تشكل شرطة مستقلا من شروط تلك المادة بل تعني فقط الزمن الذي لا يكون فيه معمولا بنظام التداول الجبري ، وأن المشترع اللبناني وضع التداول الجبري أو ال Cours force موضع التنفيذ بموجب أحكام قانون النقد والتسليف ولاسيما المادة الرابعة من هذا القانون التي تنص على أنه يمكن أيضا إصدار قطع ذهبية، عندما يجيز القانون إعادة قيمة الأوراق النقدية بالذهب يحدد مميزات القطع الذهبية وشروط إصدارها بمرسوم يتخذ في مجلس الوزراء" بحيث لا يمكن إلزام المدين بالإيفاء بعملة أجنبية في ظل النظام الحالي.
التفسير الثاني: هو تفسير يأخذ بعين الإعتبار تطور معنى المادة 301 من قانون الموجبات والعقود (Interpretation evolutive) بحيث يعتبر أن هذا النص لا يعني تحريم التعامل بالعملات الأجنبية، على العكس إنه يكرس مبدأ حرية التعامل بالنقد الأجنبي، ولا ينبغي فهم أو تفسير عبارة وفي الزمن العادي بأنها تعني الظروف الغير إستثنائية اقتصادياً أو أمنياً أو سياسياً، وفقاً لتقدير الناس، بل ربط ذلك بالنصوص القانونية التي يعود لها وحدها تقرير ما إذا كان الزمن هو عادي أو لا، ولا يعتبر الزمن غير عادي إلا إذا جاء نص قانوني يلزم التعامل بالعملة الوطنية دون سواها" .
برأينا، يقتضي إعتماد التفسير الثاني لنص المادة 301 من قانون الموجبات والعقود، وذلك للأسباب الآتية:
- إن التفسير الأول يستند إلى مفهوم تجاوزه الزمن (Tombé en désuetude) وهو مفهوم غياب التداول الجبري أو الCours force في الزمن العادي، وذلك لأن عدم قابلية الأوراق النقدية للتحويل (inconvertibilité en monnaie metallique) هي الحالة العامة المعتمدة في جميع الأزمنة، وليس الإستثناء المعتمد بموجب قوانين إستثنائية في زمن الأزمات.
- إن التفسير الأول مخالف لنية المشترع اللبناني الذي كرس، بتاريخ صدور قانون الموجبات والعقود، مبدأ صحة إشتراط الإيفاء بالعملة الأجنبية في الزمن العادي، وحصر الإستثناء، أي عدم جواز هذا الإشتراط، بحالة إستثنائية ومؤقتة ناتجة عن صدور قوانين إستثنائية ومؤقتة في زمن الأزمات. وبالتالي، يقتضي إعتماد مبدأ صحة إشتراط الإيفاء بالعملة الأجنبية.
- إن إعتماد التفسير الأول يؤدي إلى نتيجة عملية غير مقبولة وهي بطلان جميع العقود التي تتضمن موجب الإيفاء بالعملة الأجنبية، مع الإشارة إلى أن هذا البطلان يطال العقد بكامله إذا كان الإيفاء بالعملة الأجنبية السبب الدافع والحامل على إنشاء الموجب (Cause impulsive et déterminante). إن هذه النتيجة الخطيرة، التي تطال معظم العقود التجارية، تكفي لإستبعاد التفسير الأول.
- في حال غموض النص، يقتضي تفسيره بالمعنى الذي يطابق روحية النص - L'esprit de la loi - دون التوقف عند حرفيته. إن روحية الفقرة الثانية من المادة 301 من قانون الموجبات تفيد بصحة إشتراط الإيفاء بالعملة الأجنبية في الزمن العادي إلا إذا قام المشترع بفرض حالة استثنائية ومؤقتة تمنع التداول بالذهب أو بالعملة الأجنبية.
- يقتضي تفسير أحكام قانون الموجبات والعقود عملا بمبدأ حرية التعاقد المنصوص عليه في المادة 166 من قانون الموجبات والعقود التي تنص على أن "قانون العقود خاضع المبدأ حرية الإرادة"، مع الإشارة إلى أن النص الفرنسي الأصلي للمادة المذكورة يستعمل عبارة le droit des contrats est dominé par le principe de la" liberté contractuelle". وبالتالي، يقتضي تفسير أحكام المادة 301 من قانون الموجبات والعقود بمعنی مؤات للحرية التعاقدية بحيث يكون إشتراط الإيفاء بالعملة الأجنبية صحيحاً .
- إن التفسير الثاني مطابق للأعراف التجارية (Usages commerciaux) والممارسات العقدية (Pratiques contractuelles المعمول بها في لبنان منذ تاريخ انتهاء الحرب الأهلية من قبل الأطراف، ولا سيما بين التجار، الذين اعتادوا اشتراط الايفاء بالعملة الأجنبية في عقودهم، وذلك بهدف تجنب تدني قيمة الليرة اللبنانية.
- إن مبدأ صحة إشتراط الإيفاء بالعملة الأجنبية مكرس في قرارات صادرة عن محكمة التمييز وعن محاكم الإستئناف .
وبالتالي، إن المادة 301 من قانون الموجبات والعقود تجيز إشتراط الإيفاء بالعملة الأجنبية.
3- لا يوجد أي نص صريح يمنع التعامل بالعملة الأجنبية:
خلافاً للمادة الأولى من القرار رقم 18/ ل.ر. تاریخ 1940/1/16 التي منعت التداول بالذهب، لا يوجد أي نص في القانون اللبناني يمنع اشتراط الايفاء بالعملة الأجنبية. وفي ما يتعلق بالمادة الأولى من القرار رقم 18/ ل.ر. تاریخ 1940/1/16
المذكورة، لا يمكن التوسع في تفسير هذا النص الخاص واعتبار أنه يمنع التداول بالعملة الأجنبية عملا بقاعدة التفسير الحصري للإستثناءات.
وبالتالي، يكون القانون اللبناني قد أجاز إشتراط الإيفاء بالعملة الأجنبية في جميع العقود الداخلية.
II-في مدى جواز الايفاء بالعملة الوطنية:
مبدئياً، يتوجب على المدين ايفاء الدين بالعملة الأجنبية . إستثنائية، يحق للمدين إبراء ذمته بالعملة الوطنية .
1- مبدأ وجوب الإيفاء بالعملة الأجنبية:
إن القانون اللبناني كرس مبدأ الإيفاء بالعملة المنصوص عليها في العقد، وذلك لأن النصوص القانونية لا تفرض على الدائن قبول أي إيفاء مخالف للبنود العقدية (أ) ولأن الإيفاء بالعملة الوطنية ليس قاعدة تتعلق بالنظام العام (ب).
أ- النصوص القانونية التي تفرض الإيفاء بالعملة المنصوص عليها في العقد:
إن مبدأ الايفاء بالعملة المنصوص عليها في العقد يستند إلى نصوص واردة في القسم العام من قانون الموجبات وإلى أحكام قانونية واردة في نصوص خاصة.
1- الأحكام الواردة في القسم العام من قانون الموجبات والعقود:
إن النصوص الآتية تلزم المدين بالإيفاء بالعملة المنصوص عليها في العقد:
أولا، إن الفقرة الثانية من المادة 301 من قانون الموجبات أجازت للأطراف إشتراط الإيفاء بالعملة الأجنبية. إن البند المدرج في العقد بناء على الفقرة الثانية من المادة 301 من قانون الموجبات والعقود يلزم المدين بالإيفاء بالعملة المنصوص عليها في العقد، وذلك عملا بالمادة 166 من قانون الموجبات والعقود التي تنص على أن القانون العقود خاضع لمبدأ حرية التعاقد، فللأفراد أن يرتبوا علاقاتهم القانونية كما يشاؤون بشرط أن يراعوا مقتضى النظام العام والآداب العامة والأحكام القانونية التي لها صفة إلزامية"، وبالفقرة الأولى من المادة 221 من قانون الموجبات والعقود التي تنص على أن العقود المنشأة على الوجه القانوني تلزم المتعاقدين"، والمادة 249 من قانون الموجبات والعقود التي تنص على أنه "يجب على قدر المستطاع أن توفي الموجبات عينا اذ إن اللدائن حق مكتسبا في إستيفاء موضوع الموجب بالذات".
ثانياً، إن الفقرة الأولى من المادة 299 من قانون الموجبات والعقود تنص على أنه "يجب إيفاء الشيء المستحق نفسه. ولا يجبر الدائن على قبول غيره وإن كان أعلى قيمة منه". وبالتالي، لا يحق للمدين إلزام الدائن بقبول الإيفاء بعملة غير منصوص عليها في العقد.
2-الأحكام الواردة في نصوص خاصة:
إن القانون اللبناني لحظ نصوصاً خاصة تلزم المدين بالإيفاء بالعملة المنصوص عليها في العقد. نذكر منها على سبيل المثال النصين الآتيين:
النص الأول: هو المادة 711 من قانون الموجبات والعقود التي تنص على أنه يجب على الوديع أن يرد الوديعة عينها والملحقات التي تمت إليه معها بالحالة التي تكون عليها مع الإحتفاظ بتطبيق أحكام المادة 714".
« Le dépositaire doit restituer identiquement la chose même qu'il ae, ainsi que les accessoires qui lui ont été remis avec elle, dans l'état où elle se trouve, sauf application des dispositions de l'article 714 ».
إن عبارة "عينها" (Identiquement) تلزم الوديع بإعادة المبالغ المودعة لديه بالعملة الأجنبية في العملة نفسها.
تجدر الإشارة إلى أن الفقرة الأولى من المادة 307 من قانون التجارة تنص على أن المصرف الذي يتلقى على سبيل الوديعة مبلغا من النقود يصبح مالكا له ويجب عليه ان يرده بقيمة تعادله دفعة واحدة او عدة دفعات عند أول طلب من المودع أو بحسب شروط المهل أو الإعلان المسبق المعينة في العقد". وإذا كانت هذه المادة لا تلزم المصرف بإعادة الوديعة " عينها"، فإن المادة 307 من قانون التجارة هي قاعدة تكميلية يجوز استبعادها بموجب البنود العقدية. وبالتالي، إذا كان العقد الموقع بين المصرف والمودع يتضمن بندا يلزم المصرف بإعادة الوديعة بالعملة الأجنبية، فلا يحق للمصرف إعادتها بالعملة الوطنية إلا إذا وافق المودع على هذا الإيفاء. وفي جميع الأحوال، يقتضي على المصرف إعادة الودائع بقيمة تعادلها"، ولا يجوز للمصرف إعادة المبالغ المودعة بالعملة الأجنبية وفقا لسعر صرف لا يوازي قيمتها الحقيقية.
النص الثاني: هو الفقرة الثانية من المادة 356 من قانون التجارة التي تنص على أنه يجب الايفاء بالعملة المنصوص عليها في السند إذا اشترط الساحب أن الإيفاء يجب أن يتم بعملة معينة شرط الايفاء الفعلي بعملة أجنبية).
تجدر الإشارة إلى أن الفقرة الأولى من المادة 356 من قانون التجارة تنص على أنه اذا كتب في سند السحب أنه قابل للإيفاء بعملة غير متداولة في محل الايفاء فيجوز أن تدفع قيمته بعملة البلاد حسب سعرها في يوم الاستحقاق واذا تأخر المديون فيجوز لحامل السند أن يطلب حسب إختياره دفع قيمة السند بعملة البلاد أما بحسب سعرها في يوم الاستحقاق وإما بحسب سعرها في يوم الدفع. إن أحكام هذه المادة، المتعلقة بسند السحب، تشكل تطبيقا لمبدأ صحة إشتراط الإيفاء بالعملة الأجنبية. وبالفعل، إن هذه المادة كرست صحة إشتراط الإيفاء بالعملة الأجنبية وأجازت الإيفاء بالعملة الوطنية فقط في الحالة التي يكون فيها السند کتب بعملة غير متداولة في محل الإيفاء. إن عبارة "فيجوز" تدل على أن الإيفاء بالعملة الأجنبية هو الأصل وأنه لا يحق للمسحوب عليه الإيفاء بالعملة الوطنية إلا إذا أثبت بأن العملة الأجنبية غير متداولة في محل الإيفاء، وذلك بموجب نص خاص سمح له بإبراء ذمته بعملة مختلفة عن العملة المنصوص عليها في السند. بمعنى آخر، إن الأصل هو الإيفاء بالعملة المنصوص عليها في السند، أما الإيفاء بالعملة الوطنية فهو ليس بديهية (Ne va pas de soi) بدليل أن إجازة الإيفاء بالعملة الوطنية إستوجبت تدخل المشترع اللبناني الوضع نص خاص في قانون التجارة يتعلق بإيفاء سندات السحب، مع الإشارة إلى أن هذا الإيفاء هو مشروط بعدم التداول بالعملة الأجنبية في محل الإيفاء.
أما الفقرة الثانية من المادة 356 من قانون التجارة، فهي تشكل عودة إلى الأصل إذ أنها تستبعد إمكانية الإيفاء بالعملة الوطنية في حال إشترط الساحب الإيفاء بالعملة الأجنبية.
ب- الايفاء بالعملة الوطنية ليس قاعدة تتعلق بالنظام العام:
إن الإيفاء بالعملة الوطنية ليس قاعدة تتعلق بالنظام العام، وذلك للأسباب الآتية:
السبب الأول: إن الفقرة الأولى من المادة 301 من قانون الموجبات والعقود هي قاعدة تكميلية (Supplétive) لا تتعلق بالنظام العام بحيث يحق للفرقاء إستبعادها بموجب العقد، وذلك وفقا الأحكام الفقرة الثانية من المادة نفسها.
السبب الثاني: إن قانون النقد والتسليف لا يفرض قبول الإيفاء بالعملة الوطنية. وبالفعل، إذا كانت المادة 7 من قانون النقد والتسليف تنص على أن "للأوراق النقدية التي تساوي قيمتها الخمسماية ليرة وما فوق قوة إبرائية غير محدودة في أراضي الجمهورية اللبنانية"، فإن هذه المادة لا تلزم الدائن بقبول الإيفاء بالعملة الوطنية.
إن المادة 7 من قانون النقد والتسليف تتعلق بالقوة الإبرائية للأوراق النقدية التي تساوي قيمتها الأسمية الخمسماية ليرة وما فوق في أراضي الجمهورية اللبنانية، ولا علاقة لها بالقوة الإبرائية للعملة الوطنية في العلاقات التعاقدية أو بحق المدين بإبراء ذمته بالعملة الوطنية.
إن عبارة "قيمتها" المنصوص عليها في المادة المذكورة تشير إلى القيمة الإسمية للأوراق النقدية أي القيمة المذكورة على وجه هذه الأوراق. وبالتالي، إن القوة الإبرائية غير المحدودة للأوراق النقدية المنصوص عليها في المادة 7 من قانون النقد والتسليف تعني أن القيمة الحقيقية للأوراق النقدية المذكورة في المادة 7 من قانون النقد والتسليف مطابقة لقيمتها الإسمية المذكورة على وجه هذه الأوراق بحيث أنه لا يحق لأي شخص إعتبار أن قيمة هذه الأوراق النقدية هي أعلى أو أقل من القيمة المذكورة على وجهها. والدليل على ذلك، هو أن قانون النقد والتسليف فرق بين القوة الإبرائية للأوراق النقدية التي تساوي قيمتها الخمسماية ليرة وما فوق، المنصوص عليها في المادة 7 من قانون النقد والتسليف، والقوة الأبرائية للنقود الصغيرة، المنصوص عليها في المادة 8 من قانون النقد والتسليف. خلافا للأوراق النقدية التي تساوي قيمتها الخمسماية ليرة وما فوق، إن القيمة الفعلية للنقود الصغيرة لا تساوي قيمتها الإسمية. وبالفعل، تنص المادة 8 من قانون النقد والتسليف على ما يلي:
"القوة الإبرائية للنقود الصغيرة هي الأتية:
أ: ليرتان للقطع التي تساوي قيمتها الاسمية 10 قروش أو أقل من 10 قروش.
ب: عشر ليرات لأوراق او قطع ال 25 قرشا .
ج: عشرون ليرة لأوراق او قطع ال 50 قرشا .
د: ألف ليرة للأوراق والقطع التي تساوي قيمتها ليرة واحدة، خمس ليرات، عشر ليرات، خمس وعشرين ليرة، وخمسين ليرة.
هـ: خمسة آلاف ليرة للأوراق وللقطع التي تساوي قيمتها مائتين وخمسين ليرة .
وبالتالي، إن المادتين 7 و8 من قانون النقد والتسليف تفرضان على المتعاملين بالليرة اللبنانية التقيد بالقيمة المنصوص عليها في متن هاتين المادتين بحيث لا يجوز إحتساب هذه النقود بقيمة أعلى أو أقل مما هو منصوص عليه. والتالي، إن أحكام هاتين المادتين لا تلزم الدائن بقبول الإيفاء بالعملة الوطنية ويقتصر نطاقها على منع التعامل بالليرة اللبنانية خلافا للقيمة المنصوص عليها في هاتين المادتين.
وإذا كانت المادة 192 من قانون النقد والتسليف تنص على أن تطبق على من يمتنع عن قبول العملة اللبنانية بالشروط المحددة في المادتين 7 و8 العقوبات المنصوص عليها بالمادة 319 من قانون العقوبات"، فإن ذلك لا يعني عدم جواز التعامل بالعملات الأجنبية، لأن المقصود بالحظر المنصوص عليه في هذا النص هو عدم قبول العملة اللبنانية بقيمتها المحددة وفقا للمادتين 7 و8 من قانون النقد والتسليف .
السبب الثالث:
لا يوجد أي سند قانوني بفيد بأن القاعدة المنصوص عليها في الفقرة الأولى من المادة 301 من قانون الموجبات والعقود تتعلق بالنظام العام أو أنها من القواعد الآمرة (Loi de police). بل على العكس، إن القانون اللبناني أجاز إستبعادها بشكل صريح في الفقرة الثانية من المادة 301 من قانون الموجبات والعقود وفي الفقرة الثانية من المادة 356 من قانون التجارة 33، ولو كانت هذه القاعدة تتعلق بالنظام العام لما كان المشترع سمح للأطراف باستبعادها بأي شكل من الأشكال.
إن إلزام المدين بالإيفاء بالعملة الأجنبية لا يتعارض مع سيادة العملة الوطنية، بدليل أن الفقرة الثانية من المادة 356 من قانون التجارة إعتبرت بأن إشتراط الإيفاء بالعملة الأجنبية يمنع المدين من الإيفاء بالعملة الوطنية، وذلك على الرغم من كون العملة الأجنبية المحرر بها السند غیر متداولة في محل الإيفاء.
وإذا كانت المادة 356 من قانون التجارة تتعلق بالسند لأمر، فإن الفقرة الثانية من هذه المادة تشكل تطبيقا للمبادئ العامة المنصوص عليها في قانون الموجبات والعقود وتؤكد على أن اشتراط الايفاء بالعملة الأجنبية على الأراضي اللبنانية لا يشكل مخالفة السيادة العملة الوطنية وأن سيادة العملة الوطنية لا تستتبع إعطاء الحق للمدين بإبراء ذمته بالعملة الوطنية خلافا لأحكام العقد.
مبدئياً، لا يحق للمدين إبراء ذمته بالعملة الوطنية في حال تضمن العقد بندا يلزمه بالإيفاء بعملة أجنبية. إستثنائية، يحق للمدين الإيفاء بالعملة الوطنية في الحالتين الآتيتين:
الحالة الأولى: هي الحالة التي أجاز فيها القانون هذا الإيفاء بنص خاص. وهذا ما نص عليه، مثلاً، التعميم الوسيط رقم 568 تاریخ 2020/8/26 ، الذي فرض على المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان قبول تسديد العملاء الأقساط والدفعات المستحقة بالعملات الأجنبية الناتجة عن قروض التجزئة كافة بالليرة اللبنانية على أساس سعر الصرف المحدد التعاملات مصرف لبنان مع المصارف (حالية بقيمة 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد).
تجدر الإشارة إلى أنه إذا كانت تعاميم مصرف لبنان لا تلزم المتعاملين مع المصارف، بمعنی أنه لا يمكنها أن تفرض أية موجبات عليهم أو أن تحرمهم من أي حق كرسته العقد أو القانون کی فيبقى أن هذه التعاميم ملزمة للمصارف بحيث أنه يحق للمتعاملين مع المصرف إلزام هذا الأخير بالتقيد بتعاميم مصرف لبنان 36، وذلك على الرغم من أن العكس غير صحيح، بمعنى أنه لا يحق للمصارف إلزام المتعاملين معهم بالتقيد بهذه التعاميم في حال تضمنت أية موجبات عليهم أو أية تعديلات تطال حقوقهم.
وبالعودة إلى التعميم الوسيط رقم 568 تاريخ 2020/8/26 ، يتبين أن هذا التعميم أجاز للمتعاملين مع المصارف إيفاء قروض التجزئة كافة بالليرة اللبنانية، وذلك على الرغم من أي بند تعاقدي مخالف بحيث أنه لا يحق للمصارف رفض إيفاء قروض التجزئة بالليرة اللبنانية على أساس سعر الصرف المحدد لتعاملات مصرف لبنان مع المصارف (حالية بقيمة 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد).
تجدر الإشارة إلى أن هذا التعميم أبقى القروض التجارية خاضعة لشروط عقد القرض الموقع بين المصرف والعميل سيما لجهة الإلتزام بالتسديد بعملة القرض . وبالتالي، يكون التعميم الوسيط رقم 568 تاریخ 2020/8/26 قد أحال صراحة إلى أحكام العقد دون إلزام المصارف بقبول الإيفاء المعروض بالليرة اللبنانية في القروض التجارية.
الحالة الثانية: هي الحالة التي يكون وافق فيها الدائن على الإيفاء بالعملة الوطنية.
يمكن إعطاء قبول الإيفاء بالعملة الوطنية في العقد، وذلك بموجب بند تعاقدي يجيز للمدين إيفاء الدين بالعملة الأجنبية أو بما يوازي قيمتها بالعملة الوطنية. وفي هذه الحالة، يكون للمدين وحده حق الخيار بين العملتين، ولا يحق للدائن أن يرفض الإيفاء بالعملة التي إختارها المدين.
ويمكن إعطاء القبول في مرحلة لاحقة للعقد. وفي هذه الحالة، يمكن أن يكون القبول صريحاً، كأن يصرح الدائن خطية أو شفهية بأنه يقبل الإيفاء بالعملة الوطنية، أو ضمنية، كأن يقبل الدائن الإيفاء بالعملة الوطنية دون تحفظ أو إعتراض، مع الإشارة إلى أن قبول التسديد بالعملة الوطنية لا يعتبر تجديدة للموجب عملاً بالمادة 324 من قانون الموجبات والعقود التي تنص على أنه "لا يستنتج التجديد من تغيير صيغة الموجب أو تغيير محل الإيفاء ولا من وضع سند قابل للقطع ولا من إنضمام أشخاص آخرين الى الموجب عليهم، ما لم يكن هناك اتفاق صريح على العكس .
تجدر الإشارة إلى أنه يجب أن يكون قبول الدائن خالية من أي عيب، ولا سيما أن لا يكون قد نشأ تحت ضغط الخوف الصادر عن أحد المتعاقدين أو عن شخص ثالث أو عن أحوال خارجة عن دائرة التعاقد ، أو عن الاستعمال التعسفي وغير المشروع للوسائل القانونية.
III. في تحديد سعر الصرف الواجب إعتماده:
في الحالة التي يحق فيها للمدين الإيفاء بالعملة الوطنية، يقتضي تحديد سعر الصرف الواجب إعتماده. برأينا، إن الإيفاء بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف قيمته 1507.50 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد لا يبرئ ذمة المدين إلا في حالات إستثنائية ويقتضي، مبدئياً، إعتماد السعر المتداول به في السوق .
1- في وجوب إستبعاد الحل الذي يعتمد سعر صرف قيمته 1507.50 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد:
مبدئياً، إن الإيفاء بالعملة اللبنانية على أساس سعر صرف قيمته 1507.50 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد لا يبرئ ذمة المدين (أ). وبالتالي، إن الإيفاء بالعملة الوطنية على أساس هذا السعر لا يبرئ ذمة المدين إلا في حالات إستثنائية (ب).
أ- مبدأ إستبعاد الإيفاء على أساس سعر صرف قيمته 1507.50 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد:
مبدئياً، إن الإيفاء بالعملة اللبنانية على أساس سعر صرف قيمته 1507.50 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد لا يبرئ ذمة المدين، وذلك للأسباب الآتية:
السبب الأول: هو أن هذا الإيفاء ليس مضارعة للمبلغ المتوجب بالدولار الأميركي.
إن الإجتهاد مستقر على إعتبار أن تحديد سعر صرف العملة الأجنبية، حين يكون العقد قد إشترط الإيفاء بهذه العملة، يكون بتاريخ الإيفاء، وليس بتاريخ إنشاء العقد أو بتاريخ الإستحقاق، وهذا ما إستقر عليه إجتهاد المحاكم اللبنانية، وذلك لأن "تاريخ الإيفاء هو التاريخ الذي يستوفي فيه الدائن دينه، وأن القول بعكس ذلك يعطي مكافأة للمدين ويدفعه للمماطلة بدفع دينه، إذا كان يترقب ارتفاع سعر العملة الأجنبية بعد تاريخ الإستحقاق، وهذا الأمر لا ينسجم مع المنطق القانوني السليم ولا مع روح العدالة".
وبالتالي، لا يحق للمدين الإستناد إلى سعر الصرف الذي كان معمولا بتاريخ إنشاء العقد لإيفاء الدين المتوجب عليه بالعملة الأجنبية، مع الإشارة إلى أن تحديد سعر صرف العملة الأجنبية بتاريخ الإيفاء لا يشكل تعديلا لقيمة الدين المحرر بهذه العملة، لاسيما إذا كان العقد لم يحدد سعر الصرف الواجب إعتماده.
وإذا كان يحق للمدين الإيفاء بالليرة اللبنانية، فإن هذا المبلغ يجب أن يكون قابلاً للتحويل إلى الدولار الأميركي وأن يوازي، بعد إجراء عملية التحويل، المبلغ الذي يتوجب إيفاؤه بالدولار الأميركي.
وبالعودة إلى الوضع الحالي، يتبين أن الإيفاء بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف قيمته 1507.50 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد، لا يوازي المبلغ الذي يتوجب بالدولار الأميركي على المدين، وذلك بسبب عدم قابلية العملية للتحويل إلى الدولار الأميركي وفقاً لسعر الصرف المذكور.
السبب الثاني: هو أن هذا الإيفاء مخالف لموجب حسن النية في تنفيذ العقد.
إن المادة 221 من قانون الموجبات والعقود تنص على أن "العقود المنشأة على الوجه القانوني تلزم المتعاقدين. ويجب أن تفهم وتفسر وتنفذ وفقا لحسن النية والإنصاف والعرف".
إن المادة 221 من قانون الموجبات والعقود تفرض على المدين أن ينفذ موجباته بحسن نية، بحيث يتوجب عليه إيفاء المبلغ المتوجب عليه دون أن يجتني کسبأ غير مشروع على حساب الدائن أو أن يلحق بالدائن خسارة مقابل هذا الكسب.
السبب الثالث: لا يوجد أي نص قانوني عام يلزم الدائن بقبول الإيفاء بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف قيمته 1507.50 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد.
إن المادة 2 من قانون النقد والتسليف تنص على أن "يحدد القانون قيمة الليرة اللبنانية بالذهب الخالص". أما المادة 229 من القانون نفسه، فهي تنص على أنه "ريثما يحدد بالذهب سعر جديد الليرة اللبنانية بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي وريثما يثبت هذا السعر بموجب قانون وفقا للمادة الثانية، يتخذ وزير المالية الإجراءات الإنتفالية التالية التي تدخل حيز التنفيذ بالتواريخ التي سيحددها:
1: يعتمد لليرة اللبنانية، بالنسبة للدولار الأميركي المحدد بـ 0،888671 غرام ذهب خالص، سعر قطع حقيقي أقرب ما يكون من سعر السوق الحرة يكون هو السعر الإنتقالي القانوني لليرة اللبنانية."
يتبين من نص المادتين المذكورتين بأن سعر صرف الليرة اللبنانية يحدد بقانون يصدر عن مجلس النواب وأن المادة 229 من قانون النقد والتسليف المذكورة منحت وزير المالية صلاحية تحديد سعر رسمي انتقالي لليرة على أن يكون أقرب ما يمكن من سعر الدولار في السوق الحرة في بيروت.
بتاريخ 1964/12/30، صدر عن وزير المالية القرار رقم 4800 الذي نص في مادته الأولى على تحديد السعر الإنتقالي القانوني لليرة اللبنانية نسبة إلى الدولار الأميركي "بمعدل ثلاث ليرات لبنانية وثمانية قروش لكل دولار أميركي، في حين نصت المادة الثانية منه على أن تحدد أسعار العملات الأجنبية بالعملة اللبنانية من أجل إستيفاء الضرائب والرسوم على أساس السعر الإنتقالي القانوني المذكور في المادة الأولى بعد تحويل هذه العملات إلى دولارات أميركية على أساس معادلاتها بالذهب المعلن عنها لصندوق النقد الدولي .
إن القرار 4800 تاریخ 1964/12/30 سقط في العام 1973 بعدما قررت الحكومة الأميركية تخفيض قيمة الدولار الأميركي نسبة إلى الذهب 46، واتخذ مجلس الوزراء في 21 آذار 1973 قرارة بتكليف وزير المالية تحديد سعر إنتقالي جديد، أصدر بنتيجته وزير المالية القرار الرقم 883 في 28 آذار 1973 الذي نص على أن الضرائب والرسوم التي تستوفيها الدولة وسائر مصالح القطاع العام عن المبالغ المحررة بالعملات الأجنبية تحسب على أساس متوسط أسعار القطع الفعلية في سوق بيروت التي تكون قد تحققت خلال الفترة المتراوحة ما بين الخامس والعشرين من كل شهر والخامس والعشرين من الشهر الذي يليه وتم تصديق هذه الإجراءات بموجب القانون الموضوع موضع التنفيذ بموجب المرسوم الرقم 6104 تاريخ 1973/10/5 .
وبتاريخ 5 تشرين الثاني 1973، صدر المرسوم رقم 6105 الذي وضع موضع التنفيذ مشروع القانون المعجل المحال على مجلس النواب بموجب المرسوم رقم 4919 تاريخ 22-2-1973 ألرامي إلى إعطاء الحكومة صلاحية تحديد سعر إنتقالي قانوني جديد لليرة اللبنانية منح الحكومة بموجب القانون الموضوع موضع التنفيذ صلاحية تحديد سعر إنتقالي جديد للذهب، إذ نصت المادة الأولى منه على التالي: «ريثما يصبح بالإمكان تطبيق أحكام المادة الثانية من قانون النقد والتسليف تعطي الحكومة لمدة ستة أشهر من تاريخ نشر هذا القانون، صلاحية تحديد سعر إنتقالي قانوني جديد الليرة اللبنانية بعد إستشارة مصرف لبنان وصندوق النقد الدولي». .
ولم يصدر لتاريخه أي نص قانوني جديد يحدد سعرة إنتقالية جديدة لليرة اللبنانية، إضافة إلى عدم صدور أي نص تشريعي يتضمن تحديد قيمة الليرة اللبنانية بالنسبة للذهب وفق ما أوجبته المادة 2 من قانون النقد والتسليف.
السبب الرابع: لا يحق لمصرف لبنان تحديد سعر صرف رسمي للدولار الأميركي مقابل الليرة اللبنانية. وإذا كان قانون النقد والتسليف قد منح مصرف لبنان دون سواه إمتياز الدولة بإصدار النقد49 وأناط به مهمة المحافظة على هذا النقد، فإن قانون النقد والتسليف لم يمنح مصرف لبنان الحق بتحديد قيمة هذا النقد المحصور بالسلطة التشريعية وفقاً لأحكام المادة 2 من قانون النقد والتسليف. وبالتالي، لا يحق لمصرف لبنان تحديد سعر صرف رسمي لليرة اللبنانية مقابل الدولار الأميركي الواحد أو أن يفرض أي سعر صرف على الأطراف في العقد الذي يتضمن إشتراط الإيفاء بالعملة الأجنبية.
وبالفعل، إن مصرف لبنان لم يحدد سعر صرف رسمي لليرة اللبنانية، بدليل أن مصرف لبنان قام بالإشارة إلى عدة أسعار صرف الليرة اللبنانية ولا سيما الأسعار الآتية: - السعر المحدد لتعاملات مصرف لبنان مع المصارف والبالغ 1507.5 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد.
- السعر البالغ 8000 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحدة.
- السعر البالغ 3900 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد.
- السعر البالغ 12000 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد.
- السعر المتداول على منصة Sayrafa.
- سعر السوق المعتمد في المنصة الإلكترونية لعمليات الصرافة.
- سعر السوق المعتمد لدى المصارف.
إن التعاميم الصادرة عن مصرف لبنان منذ العام 2020 لا تشير إلى وجود أي سعر صرف رسمي، مع الإشارة إلى أن التعاميم المذكورة تشير إلى أن سعر الصرف البالغ 1507.5 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد هو "سعر الصرف المحدد لتعاملات مصرف لبنان مع المصارف" دون وصفه "بالسعر الرسمي .
السبب الخامس: لا يجوز التوسع في تفسير النصوص التي إعتمدت سعر الصرف البالغ 1507.5 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد.
وفي هذا السياق، يقتضي التفريق بين القوانين التي إعتمدت سعر الصرف البالغ
1507.5 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد والتعاميم التي اعتمدت هذا السعر.
- في ما يتعلق بالقوانين التي إعتمدت سعر الصرف البالغ 1507.5 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد، يقتضي الإشارة إلى ما يلي:
أولا، وإذا كانت المادة الأولى من القانون الرقم 193 تاریخ 2020/10/16 ألزمت المصارف العاملة في لبنان "بإجراء تحويل مالي لا تتجاوز قيمته عشرة آلاف دولار أميركي لمرة واحدة لكل طالب من الطلاب اللبنانيين الجامعيين المسجلين في الجامعات او المعاهد التقنية العليا خارج لبنان قبل العام 2020-2021، من حساباتهم أو حسابات أولياء أمورهم او ممن لم يكن لديهم حسابات في المصارف، بالعملة الأجنبية اوالعملة الوطنية اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي للدولار 1515 ل.ل."، فإن نطاق تطبيق هذا القانون محصور بإجراء التحاويل المالية إلى الطلاب اللبنانيين الجامعيين المسجلين في الجامعات او المعاهد التقنية العليا خارج لبنان قبل العام 2020-2021، ولا يمكن التوسع في تفسيره. تجدر الإشارة إلى أن صدور قانون خاص يلزم المصارف بإجراء التحويل على أساس سعر صرف قيمته 1515 ليرة لبنانية يشكل دلية، بالحجة المعاكسة Para) (contrario، على أن المصارف غير ملزمة بهذا السعر خارج الحالة المنصوص عليها في هذا القانون. .
ثانياً، وإذا كانت المادة 35 من قانون الموازنة العامة والموازنات الملحقة للعام 2020 تاريخ 2020/3/5 تنص على أنه "إذا اقتضت الضرورة معادلة الليرة اللبنانية بأي عملة أجنبية بالنسبة الأجور بعض الخدمات، فيكون ذلك الزامياً وفقاً للتسعيرة الرسمية التي يفرضها المصرف المركزي"، فإن نطاق تطبيق هذا النص محصور باستيفاء الضرائب والرسوم عن أجور بعض الخدمات ولا يمكن التوسع في تفسيره. تجدر الإشارة إلى أن هذا النص لا يشير إلى أنه يقتضي اعتماد سعر صرف قيمته 1507.5 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد في جميع الأحوال. تجدر الاشارة أيضا إلى أن عبارة "التسعيرة الرسمية التي يفرضها المصرف المركزي" غير دقيقة وأن التعاميم الصادرة عن المصرف المركزي في العامين الأخيرين لا تشير إلى وجود أي تسعيرة رسمية.
ثالثاً، وإذا كان القانون رقم 240 تاريخ 2021/7/16 الذي يرمي إلى إخضاع كل المستفيدين من دعم الحكومة للدولار الأميركي أو ما يوازيه بالعملات الأجنبية للتدقيق الجنائي تنص على أن يخضع للتدقيق المالي والتدقيق الجنائي الخارجي كل المستفيدين (التجار، المؤسسات، الشركات، الجمعيات) من دعم الحكومة للسلع المشتراة بالدولار الأميركي أو ما يوازيه بالعملات الأجنبية بعد تاریخ 2019/10/17 ولغاية وقف هذا الدعم أي وقف مصرف لبنان تأمين العملات الأجنبية تلبية الحاجات المستوردين كما والمصنعين من المواد الأساسية وفقا لسعر الصرف الرسمي، فإن هذا النص يشير إلى أن سعر الصرف المنصوص عليه في متنه هو سعر صرف الدولار المدعوم وليس سعر صرف الدولار بشكل عام وأن مصرف لبنان أوقف الدعم أي أوقف تأمين العملات الأجنبية تلبية لحاجات المستوردين كما والمصنعين من المواد الأساسية وفقا لهذا السعر. وبالتالي، بات هذا السعر ساقطة (Caduc) أي أنه لا يمكن الإستناد عليه في عمليات تحويل الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي في أي مجال ولا سيما في العقود التجارية التي لم تنشأ على أساس الدولار المدعوم .
رابعاً، وإذا كانت القوانين المذكورة إستعملت عبارة "سعر الصرف الرسمي"، فإن هذه القوانين لم تفرض إجراء تحويل الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي على أساس سعر صرف قيمته 1507.50 ليرة لبنانية للدولار الواحد، بدليل أن الدولار الأميركي غير متوافر في الأسواق اللبنانية بسعر صرف قيمته 1507.50 ليرة لبنانية للدولار الواحد.
- وفي ما يتعلق بتعاميم مصرف لبنان، يقتضي الإشارة إلى ما يلي:
أولا، إن أسعار الصرف المنصوص عليها في تعاميم مصرف لبنان لا تلزم إلا المصارف التي لا يحق لها إلزام دائنيها بقبول أي ايفاء على أساس هذه الأسعار.
إن نطاق تطبيق تعاميم مصرف لبنان يقتضي التفريق بين حالتين:
الحالة الأولى، هي الحالة التي يكون فيها المصرف هو دائن لمبلغ محرر بالعملة الأجنبية. وفي هذه الحالة، يقتضي على المصرف التقيد بالسعر المنصوص عليه في التعميم، ولا يحق له رفض الإيفاء بالعملة الوطنية على أساس سعر الصرف المنصوص عليه في تعاميم مصرف لبنان.
وهذا ما قضت به محكمة الإستئناف في بيروت التي ألزمت المصارف بالتقيد بالتعميم الوسيط رقم 568 تاریخ 2020/8/26 الذي فرض على المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان قبول تسديد العملاء الأقساط والدفعات المستحقة بالعملات الأجنبية الناتجة عن قروض التجزئة كافة بالليرة اللبنانية على أساس سعر الصرف المحدد لتعاملات مصرف لبنان مع المصارف (حالياً بقيمة 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد)، مع الإشارة إلى أن هذا التعميم أبقى القروض التجارية خاضعة لشروط عقد القرض الموقع بين المصرف والعميل ولم يفرض على المصارف قبول تسديد أقساط القروض التجارية المحررة بالدولار الأميركي بالليرة اللبنانية على أساس سعر الصرف المشار إليه أعلاه.
الحالة الثانية هي الحالة التي يكون فيها المصرف هو مدين لمبلغ محرر بالعملة الأجنبية. وفي هذه الحالة، لا يحق للمصرف إلزام الدائن بقبول أي إيفاء وفقا لسعر الصرف المنصوص عليه في التعميم، لأن تعاميم مصرف لبنان لا يمكنها أن تفرض أية موجبات على المتعاملين مع المصارف أو أن تحرمهم من أي حق كرسه العقد أو القانون.
ثانياً، وإذا كانت تعاميم مصرف لبنان قد فرضت على المصارف التقيد بأسعار صرف معينة في بعض الحالات، فإن هذه التعاميم تتعلق بمواضيع وسلع معينة بحيث لا يمكن التوسع في تفسيرها وإعتبار أنها إعتمدت سعر صرف عام يلزم المصارف في جميع الحالات.
ب- الإستثناءات لمبدأ إستبعاد الإيفاء على أساس سعر صرف قيمته 1507.50 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد:
إستثنائياً، يحق للمدين ايفاء الدين بالعملة الوطنية على أساس سعر صرف قيمته 1507.50 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد في الحالتين الآتيتين:
الحالة الأولى:
هي الحالة التي أجاز فيها القانون هذا الإيفاء بنص خاص. وهذا ما نصت عليه المادة الأولى من القانون الرقم 193 تاريخ 2020/10/16 التي ألزمت المصارف العاملة في لبنان "بإجراء تحويل مالي لا تتجاوز قيمته عشرة آلاف دولار أميركي لمرة واحدة لكل طالب من الطلاب اللبنانيين الجامعيين المسجلين في الجامعات أو المعاهد التقنية العليا خارج لبنان قبل العام 2020-2021، من حساباتهم أو حسابات أولياء أمورهم أو ممن لم يكن لديهم حسابات في المصارف، بالعملة الأجنبية أو العملة الوطنية اللبنانية وفق سعر الصرف الرسمي للدولار 1515 ل.ل.".
وهذا ما نص عليه، أيضا، التعميم الوسيط رقم 568 تاریخ 2020/8/26، الذي فرض على المصارف والمؤسسات المالية العاملة في لبنان قبول تسديد العملاء الأقساط والدفعات المستحقة بالعملات الأجنبية الناتجة عن قروض التجزئة كافة بالليرة اللبنانية على أساس سعر الصرف المحدد التعاملات مصرف لبنان مع المصارف (حالية بقيمة 1507.5 ليرة لبنانية للدولار الأميركي الواحد).
الحالة الثانية:
هي الحالة التي يكون الدائن وافق فيها على الإيفاء بالعملة الوطنية على أساس سعر صرف قيمته 1507.50 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد.
يمكن إعطاء هذا القبول في العقد، وذلك بموجب بند تعاقدي يحدد سعر الصرف الواجب إعتماده لإيفاء الدين المحرر بالعملة الأجنبية. وفي هذه الحالة، يقتضي إعمال البنود التعاقدية لأن القانون اللبناني لا يفرض أي سعر صرف ثابت في العلاقات التجارية، بدليل أن المادة 356 من قانون التجارة أجازت للساحب إشتراط أن قيمة سند السحب تحسب وفاقا لسعر معين في السند.
ويمكن إعطاء القبول في مرحلة لاحقة للعقد. وفي هذه الحالة، يمكن أن يكون القبول صريحاً كأن يصرح الدائن خطية أو شفهية بأنه يقبل الإيفاء بالعملة الوطنية على أساس سعر صرف قيمته 1507.50 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد، أو ضمنياً، كأن يقبل الدائن هذا الإيفاء دون تحفظ أو إعتراض، مع الإشارة إلى أن قبول التسديد بالعملة الوطنية على أساس سعر صرف قيمته 1507.50 ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد لا يعتبر تجديدة للموجب عملاً بالمادة 324 من قانون الموجبات والعقود، وذلك لأن محكمة التمييز قضت بأن "مجرد تغيير قيمة الدين والإقرار به واثباته بمستند جديد دون أن يتناول هذا التغيير عنصراً هاماً من عناصر الإلتزام القديم لا يكفي لإستخلاص نية التجديد"
إن القبول المشار إليه أعلاه والصادر في مرحلة لاحقة للعقد يستدعي إبداء ملاحظتين:
الملاحظة الأولى:
في الحالة التي يكون فيها الدائن قد وافق، بتاريخ سابق لتدهور قيمة العملة الوطنية، على أن يسدد المدين دينه بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف قيمته /1507.50/ ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد، لا يمكن الإستناد على هذا القبول لاعتبار أنه يحق للمدين ابراء ذمته بالليرة اللبنانية على أساس هذا السعر بعد تدهور قيمة العملة الوطنية، لا سيما إذا كان هذا القبول مشروطة بقابلية تحويل المبالغ المسددة بالليرة اللبنانية على أساس هذا السعر إلى مبلغ يوازي المبلغ المتوجب على المدين بالدولار الأميركي. بمعنى آخر، إن هذا القبول لا يعني أن الدائن ملزم بقبول الايفاء بالعملة الوطنية على أساس هذا السعر عندما لا يكون المبلغ المعروض للإيفاء قابلا للتحويل إلى مبلغ يوازي المبلغ المتوجب على المدين بالدولار الأميركي.
الملاحظة الثانية:
يجب أن يكون قبول الدائن خالية من أي عيب، ولا سيما أن لا يكون قد نشأ تحت ضغط الخوف الصادر عن أحد المتعاقدين أو عن شخص ثالث أو عن أحوال خارجة عن دائرة التعاقد أو عن الإستعمال التعسفي وغير المشروع للوسائل القانونية". وبالتالي، إذا تبين أن قبول الإيفاء بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف قيمته /1507.50/ ليرة لبنانية مقابل الدولار الواحد، في ظل الأزمة الإقتصادية الحالية، قد نشأ تحت ضغط الخوف الصادر عن أحوال خارجة عن دائرة التعاقد، أو عن الإستعمال التعسفي وغير المشروع للوسائل القانونية من قبل بعض المصارف التي تعمد إلى إقفال حسابات زبائنها بهدف حملهم على العدول عن مقاضاتها، يقتضي إبطال القبول.
2- في وجوب إعتماد سعر صرف الليرة اللبنانية وفقا للأسعار المتداولة في السوق الحرة:
في غياب أي نص تشريعي عام يحدد سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار الواحد في العقود المدنية والتجارية، يقتضي التسليم بأن سعر الصرف يحدد وفقاً للأسعار المتداولة في السوق الحرة بإعتبار أن العملة هي سلعة تخضع لمنطق العرض والطلب.
وأشرنا أعلاه إلى أن القانون اللبناني لا يفرض أي سعر صرف ثابت في العلاقات التجارية، بدليل أن المادة 356 من قانون التجارة أجازت للساحب إشتراط أن قيمة سند السحب تحسب وفاق السعر معين في السند.
أما الأحكام القضائية التي ذكرناها في المقدمة، فلا ينطبق عليها وصف الإجتهاد المستقر (Jurisprudence constante) لأنها ليست صادرة عن محكمة التمييز ولأنها تتناقض مع أحكام سابقة أو متزامنة صادرة عن محاكم أخرى من الدرجة نفسها أو من درجة أعلى.
لذلك، يتوجب إعتماد سعر صرف العملة الأجنبية في السوق اللبناني، حين يكون العقد قد إشترط الإيفاء بهذه العملة، بتاريخ الإيفاء. وإذا كان سعر صرف العملة في السوق يتعرض لتقلبات عديدة، فإن المدين الذي تعهد بالايفاء بالعملة الأجنبية يتحمل مخاطر تدني قيمة العملة الوطنية بالنسبة لعملة العقد وعليه اتخاذ كل إحتياط من شأنه حمايته ضد تقلبات هذه العملة علما بأن الوجهة المعاكسة تؤدي من ناحيتها إلى ظلم الدائن وهذا غير جائز لاسيما بعد أن يكون المدين قد استفاد من المبلغ الذي افترضه منه بكامل قيمته الاسمية والفعلية.
خلاصة:
يقتضي إعتماد الحلول الآتية في العقود الداخلية:
أولا، إن الأطراف أحرار في إشتراط الإيفاء بالعملة الأجنبية، والبند الذي يلزم المدين بالإيفاء بهذه العملة يعتبر صحيحة عملا بالفقرة الثانية من المادة 301 من قانون الموجبات والعقود.
ثانياً، لا يحق للمدين إلزام الدائن بقبول الايفاء بالعملة الوطنية إلا إذا أجاز القانون هذا الإيفاء بنص خاص، أو إذا وافق الدائن على هذا الإيفاء.
ثالثاً، وفي الحالة التي يحق فيها للمدين الإيفاء بالعملة الوطنية، يقتضي إعتماد سعر الصرف المحدد وفقاً للأسعار المتداولة في السوق الحرة بإعتبار أن العملة هي سلعة تخضع لمنطق العرض والطلب وأنه لا يوجد في القانون اللبناني أي نص عام يفرض سعر صرف رسمي للعملة الوطنية مقابل العملات الأجنبية في العقود المدنية والتجارية. وبالتالي، لا يحق للمدين إبراء ذمته بالعملة الوطنية على أساس سعر صرف غیر متداول في السوق إلا إذا فرض القانون إعتماد سعر صرف معين بموجب نص خاص، أو إذا إتفق الأطراف على سعر الصرف الواجب اعتماده.
في الختام، وإذا كانت الحلول المعروضة أعلاه تتعلق بإيفاء الديون المحررة بالعملة الأجنبية في العقود الداخلية، فيبقى أنه يمكن اعتماد الحلول نفسها في الحالة التي ينشأ فيها الدين خارج أية علاقة تعاقدية، كالتعويض الناشئ عن مسؤولية جرمية عندما يكون هذا التعويض محدداً بالعملة الأجنبية في الفقرة الكمية من القرار القضائي الذي حكم به.
بمعنى آخر، وعندما يكون الدين مبلغاً من النقود، يجب ايفاؤه من العملة المحددة في النص القانوني أو في القرار الإداري أو في العقد أو في العمل القانوني المنفرد أو في القرار القضائي الذي يلزم المدين بإيفاء هذا الدين.