يعد التحكيم من الموضوعات التي تشغل مكانة بارزاً في الفكر القانوني والاقتصادي على المستوى العالمي، وقد شهدت الأونة الأخيرة حركة تشريعية وفقهية نشطة في مختلف الدول . وقد أفردت بعض الدول قانوناً مستقلاً للتحكيم ، بينما آثرت دولاً أخرى تنظيمه في إطار قانون المرافعات . وقد نظم المشرع المصرى التحكيم منذ فترة طويلة، وعلى وجه التحديد في قانون المرافعات الصادر في عام 1883 تنظيمياً تفصيلياً، وحرص القانون الصادر في عام 1949 على الإبقاء على ذات التنظيم التفصيلي .وجاء تشريع عام 1998 والمعمول به حاليا لينتقص من عدد النصوص التي تتناول التحكيم لتصل إلى ثلاث عشرة مادة مقابل ثلاثين مادة في القانون السابق، ولعل هذا مرجعه إلى أن اللجوء إلى التحكيم لم يكن شائعاً في هذه الفترة كأسلوب لتسوية المنازعات على نحو يجعل منه نظاماً قانونياً له صدى في الواقع .
وقد أثار هذا المشروع العديد من الاعتراضات لعل أهمها تناوله للتحكيم التجاري الدولي تاركاً التحكيم الداخلي بلا تتظيم، مما اوجد تفاوتاً كبيراً بين نصوص التحكيم الداخلي، وبين الأحكام التي أخذ بها هذا المشروع والتي ستطبق على تحکيمات وإن إتسمت بالدولية إلا أنها تتم في مصر ايضاً. ثم شكلت لجنة أخرى من أساتذة في فروع القانون بصفة عامة والمرافعات بصفة خاصة لتضع مشروعاً يتناول بالتنظيم كلا من التحكيم الداخلي والدولي ليصبح الشريعة العامة للتحكيم سواء أكان داخلياً أم دولياً، مدنياً أم تجارياً، وقد تعسر هذا المشروع أيضاً لوجود العديد من الاعتراضات التي حالت دون الموافقة عليه وخضع مرة ثالثة للتعديل إلى أن خرج المشروع في صورته الأخيرة على نحو حازت أحكامه في مجملها تأييد الفقه، وتداعت الأمني حول خروجه إلى النور في وقت قريب .
رأي هذا الكاتب
ونلاحظ أن
العمل بنصوص التحكيم التي تضمنها قانون المرافعات الحالي في المواد من 501 إلى513قد إستمر ما يناهز ستة وعشرين عاماً، وقد أثارت هذه النصوص العديد من المناقشات الفقهية والقضائية في مصر وخارجها وجاءت أحكام القانون الجديد بتنظيم مغاير سایرت به التشريعات الحديثة ومن هنا تظهر أهمية هذا القانون لما تناوله من مسائل خلا منها قانون المرافعات الحالي فيما تضمنه من تنظيم العملية التحكيم سنتصدى لها بالمناقشة والتعليق في كل مناسبة نتناول فيها موضوع إحدى المواد التي نظمها، خاصة ولكن هذا القانون في صورته الأخيرة ورغم التعديلات الجوهرية التي طرأت عليه في مراحل صياغته وإعداده والتي استمرت على مدى ثماني سنوات، مازال يثير بعض الاعتراضات الفقهية فيما يتعلق بالصياغة وترتيب النصوص ، فضلا عن بعض الاعتراضات الموضوعية والتي سنشير إليها في موضعها من هذا البحث.