الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / تعريف التحكيم ونشأته ومشروعيته ومزاياه وعيوبه وطبيعته وأنواعه وتمييزه عن غيره: / المجلات العلمية / المجلة الجزائرية للتحكيم التجاري الدولي العدد الاول / مبررات اللجوء إلى التحكيم الدولي لتسوية منازعات عقود الاستثمار

  • الاسم

    المجلة الجزائرية للتحكيم التجاري الدولي العدد الاول
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    19

التفاصيل طباعة نسخ

مبررات اللجوء إلى التحكيم الدولي لتسوية منازعات عقود الاستثمار 

The justifications for resorting to international arbitration for the settlement of disputes relating to investment contracts

 الملخص:

تعتبر آلية التحكيم أهم وسيلة تلجأ إليها الأطراف المتنازعة في عقود الاستثمار لتسوية نزاعهم، خاصة العقود التي تكون فيها الدولة طرفا، بحيث أن التحكيم يمكن من تحقيق العدالة لصالح الطرفين خاصة المستثمر الذي تكون جنسيته أجنبية، كما أنه يحقق السرعة في الفصل في النزاع نظرا لكفاءة وتخصص المحكمين. وهذه المميزات المتعلقة بالتحكيم السابقة الذكر تعتبر أهم المبررات التي تدفع أطراف النزاع للجوء إليه لتسوية نزاعهم.

Abstract: The arbitration mechanism is the most important method used by the disputing parties in investment contracts to settle their dispute, particularly those in which the State is a party, so that arbitration enables justice to be done to the parties, especially the investor of foreign nationality, and achieves speed in the adjudication of the dispute due to the competence and specialization og the arbitrators. These characteristics of the abovementioned arbitration are the most important justification for the parties to the dispute to resort to it in order to settle their dispute.. Key words: dispute settlement - arbitration - investment contracts

المقدمة:

تبرم الدولة في بعض الأحيان عقود استثمار مع شركات أجنبية بهدف انجاز مشاريع استثمارية كبرى أو ضخمة، وذلك من أجل النهوض ببعض القطاعات وتحقيق التنمية، لكن في بعض الحالات قد يشوب تنفيذ هذه العقود اخلال أحد الطرفي بالتزاماته، فيثور نزاع بين الطرفين في إطار عقد الاستثمار المبرم، فبالتالي تصبح هناك مشكلة في كيفية تسوية هذا النزاع، فيبقى الطرفان يبحثان عن الوسيلة المثلى التي تفصل في النزاع بشكل يرضي كلاهما، فإن الحل يتمثل في طريقين أساسيين وهما إما بعرض هذا النزاع أمام القضاء الوطني للدولة المضيفة، ولكن ونظرا للطبيعة الخاصة لعقد الاستثمار فإن المستثمر الأجنبي لا يحبذ هذا الطريق خوفا من انحياز القضاء لصالح حكومته. أما الحل الثاني فيتمثل في طريق قد يرضي جميع الأطراف وهو ما يشترطه المستثمر غالبا على الحكومة وقت ابرام العقد، ويتمثل ذلك في عرض النزاع أمام هيئة تحكيمية مستقلة تتصف بالنزاهة والحياد، وهذه الطريقة قوامها الخروج عن طرق التقاضي العادية، وهو يعتمد أساسا على قيام أطراف النزاع على القيام بأنفسهم باختيار قضاء هم، ويكون في حالة ما إذا كان النزاع المعروض يتعلق بعقد ذو طابع استثماري خاصة في الحالة التي يكون فيها المستثمر أجنبي. وبالتالي فإن أحسن طريق لفض النزاع القائم يتمثل في عرضه على هيئة تحكيمة، وهذا ما سنبينه في هذه الورقة البحثية، مقسمين البحث إلى مبحثين، نعالج في الأول ماهية التحكيم، متطرقين إلى مفهوم التحكيم وكذا طبيعته القانونية، أما المبحث الثاني نتناول فيه المبررات التي تدفع أطراف النزاع إلى اللجوء إلى التحكيم لتسوية هذا النزاع.

 

المبحث الأول: ماهية التحكيم 

 ندرس في هذا المبحث مفهوم التحكيم كمطلب أول، وطبيعته القانونية كمطلب ثاني. 

المطلب الأول: مفهوم التحكيم

 نعالج في إطار هذا العنوان كل من تعريف التحكيم متطرقين إلى التعريف اللغوي وكذا التعريف الاصطلاحي الذي ينقسم إلى تعريف فقهي وتعریف تشريعي وتعريف قضائي.

 الفرع الأول: المفهوم اللغوي

 لفظ التحكيم هو إسم، جمعه تحكيمات، مصدره حكم بتشديد الكاف. وجاء في معجم المعاني أن التحكيم يعني احتكام شخصين إلى فلان أي رفعوا خصومتهم إليه ليفضي بينهم (موقع المعاني).

 وكما جاء في لسان العرب لابن منظور على أن التحكيم معناه التفويض في الحكم مأخوذ من كلمة حكم، ويقال أحكمه فاستحكم أي صار محكما. وحكموه بينهم أي أمروه أن يحكم بينهم، أي اجازة حكمه بينهم (ابن منظور، صفحة 952). والمحكم بتشديد الكاف هو الشخص الذي يسند إليه الحكم في الشيء. وجاء في القرآن الكريم قوله عز وجل: " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما " (الآية 65 من سورة النساء)، أي يجعلوك حكما فيما حل بينهم من شجار. 

ويصطلح على التحكيم بالفرنسية ب Arbitrage وبالإنجليزية ب Arbitration. والتحكيم هو عملية يلجأ إليها المتنازعون إلى طرف ثالث يوافقان عليه، أو هو تسوية النزاع من طرف ثالث محايد، وهيئة التحكيم هي لجنة تقوم بالحكم في القضاء وبين الأطراف المتنازعة (موقع المعاني). 

الفرع الثاني: المفهوم الاصطلاحي (القانوني)

 سنحاول من خلال التعريف الاصطلاحي التعرض لأهم التعريفات التشريعية والقضائية وكذا الفقهية.

 أولا: التعريف التشريعي نتطرق في هذا الجانب إلى كل من تعريف المشرع الفرنسي و تعريف المشرع المصري وكذا تعريف المشرع الجزائري، كما سنتطرق في الأخير إلى التعريف الذي وضعته لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي في هذا الصدد. - تعريف المشرع الفرنسي: عرف المشرع الفرنسي التحكيم في المادة 1442 من قانون الإجراءات المدنية الفرنسي، على أنه اتفاق يتعهد بموجبه المتعاقدون على احالة النزاعات التي تنشأ عن العقد إلى التحكيم.

- تعريف المشرع المصري: تطرق المشرع المصري إلى تعريف التحكيم من خلال المادة 10 من القانون رقم 27 لسنة 1994 المتضمن قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية، حيث جاءت كما يلي: " اتفاق التحكيم هو اتفاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي تنشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية " (المادة 10 من قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية المصري ).

• ونجد أن كلا التعريفين المقدمين من المشرع الفرنسي وكذا المشرع المصري متشابهين، ومن خلال هاذين التعريفين نستنتج أن التحكيم يقوم على عنصرين أساسيين وهما اختيار هيئة تحكيمية بإرادة أطراف النزاع الحرة بهدف فض النزاع، وكذا قيام المحكم بإصدار حكم فاصل في النزاع المعروض عليه بحيث يكون هذا الحكم ملزم للطرفين. - تعريف المشرع الجزائري: تطرق المشرع الجزائري بدوره إلى التحكيم في القسم الثاني المتعلق باتفاق التحكيم من الباب الثاني المتعلق بالتحكيم من الكتاب الخامس المتعلق بالطرق البديلة لحل النزاعات من القانون رقم 08-09 المتضمن قانون الإجراءات المدنية والإدارية، وقد عرف المشرع الجزائري التحكيم بموجب المادة 1007 من القانون السابق الذكر والتي جاءت كما يلي: الشرط التحكيم هو الاتفاق الذي يلتزم بموجبه الأطراف في عقد متصل بحقوق متاحة في مفهوم المادة 1006 أعلاه، لعرض النزاعات التي قد تثار بشأن هذا العقد على التحكيم"، وتنص المادة 1006 من نفس القانون على مايلي : " يمكن لكل شخص اللجوء إلى التحكيم في الحقوق التي له مطلق التصرف فيها".

ومن خلال هذا التعريف نجد أن المشرع الجزائري يتوافق مع كل من المشرع الفرنسي وكذا المشرع المصري في تعريف التحكيم، ويرجع تنظيم التحكيم من طرف المشرع الجزائري نظرا للأهمية البالغة التي يكتسيها خاصة في الجانب الاقتصادي الذي يعرف ازدهارا كبيرا في الوقت الحاضر، مما يترتب عنه قيام العديد من النزاعات التي يفضل أطرافها عرضها على هيئات تحكيمية متخصصة تتصف بالحياد والنزاهة.

 - تعريف لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي: عرفت هذه اللجنة التحكيم في المادة 7 فقرة 1 من قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الصادر سنة 1985، بأن اتفاق التحكيم هو اتفاق بين الطرفين على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض ما نشأ أو ما قد تنشأ بينهما من نزاعات بشأن علاقة قانونية محددة، سواء أكانت تعاقدية أم غير تعاقدية.

 - وقد جاءت صياغة هذه المادة كما هي مبينة بعد تعديلها سنة 2006 من لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي، وهذه الأخيرة تعتبر هيئة فرعية تابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة، وهي تؤدي دورا هاما في تحسين الإطار القانوني للتجارة الدولية من خلال اعداد نصوص تشريعية دولية بغية استخدامها من طرف الدول في تحدث قوانينها المتعلقة بالتجارة الدولية. 

ثانيا: التعريف القضائي 

عرفت محكمة النقض المصرية التحكيم بأنه طريق لفض الخصومات، قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية، وعدم التقيد بإجراءات المرافعات أمام المحاكم بالأصول الأساسية بالتقاضي وعدم مخالفة ما نص عليه في باب التحكيم، وذهبت ذات المحكمة في حكم آخر باعتبار التحكيم طريق استثنائي لفض الخصومات وقوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية وما تكلفه من ضمانات، فهو يكون مقصورا حتما على ما تنصرف إليه ارادة المحتكمين إلى عرضه على هيئة التحكيم (رمضان علي عبد الكريم دسوقی عمر، 2011، صفحة 283). اما المحكمة الدستورية العليا المصرية فعرفت التحكيم على انه عرض نزاع معين بين طرفين على محكم من الأغيار، يعين باختيارهما أو بتقويض منهما أو على ضوء شروط يحددونها ليفصل هذا المحكم في ذلك النزاع بقرار يكون نائبا عن شبهة المغالاة، مجردا من التحامل وقاطعا لدابر الخصومة في جوانبها التي أحالها الطرفان إليه بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره تفصيلا من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية (حكم المحكمة الدستورية العليا المصرية بتاريخ 2001/01/06 في قضية رقم 65 للسنة القضائية رقم 18). 

كما عرفت المحكمة الإدارية العليا المصرية التحكيم بأنه اتفاق على طرح النزاع على شخص معين أو اشخاص معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية الصادر بتاريخ 1994/01/18 في الطعن رقم 886 للسنة القضائية رقم 30). ومن خلال هذه التعريفات المقدمة من طرف الهيئات القضائية المصرية نستنتج على أن هناك اتفاق قضائي حول اعتبار التحكيم وسيلة لفض المنازعات، يحل فيها الحكم التحكيمي محل الحكم القضائي لتسوية النزاع المثار بين الطرفين. 

ثالثا: التعريف الفقهي :

تعددت وتنوعت التعاريف التي أعطاها فقهاء القانون التحكيم، فيعرفه فقهاء القانون المصري ومنهم الدكتور رمضان على عبد الكريم دسوقي عامر، على أنه اتفاق أطراف النزاع على تسوية المنازعات التي تنشأ بينهما مستقبلا أو نشئت بالفعل نتيجة وجود علاقة قانونية بين الأطراف، سواء كانت علاقة عقدية أو غير عقدية، وذلك بعرض هذا النزاع على أشخاص يتم اختيارهم بمعرفة الأطراف يتولون العملية التحكيمية (رمضان على عبد الكريم دسوقي عامر، صفحة 287)، كما يعرفه البعض الآخر على أنه اتفاق أطراف العقد على فض منازعاتهم التي تنشأ أو يمكن أن تنشأ بينهما على جهة خاصة بدلا من القضاء، لتفصل بينهما في كل أو بعض منازعاتهم بمقتضى حكم تحكيمي منهي للخصومة بينهما .

 أما البعض من الفقهاء فقد عرفه على أنه اتفاق طرفين قبل نشوء النزاع أو بعده على عرض النزاع على محكم أو محكمين من الغير للفصل في النزاع فصلا حاسما يكون بديلا للقضاء، ويعرفه البعض الآخر على أنه عملية قانونية مركبة تقوم على اتفاق أطراف نزاع معين على عرض خلافهم على محكم أو أكثر للفصل فيه في ضوء قواعد القانون ومبادئه العامة التي تحكم اجراءات التقاضي، أو على ضوء قواعد العدالة وفقا لما ينص عليه الاتفاق، مع تعهد أطراف النزاع بقبول الحكم الذي يصدر عن المحكمين والذي يحوز حجية الأمر المقضي فيه، والبعض الآخر يعرفه على أنه توافق ارادتي عاقدين على حل نزاع معين أو نزاع محتمل بخصوص تنفيذ عقد معين بواسطة محكم بغير طريق السلطة القضائية الرسمية .

اما فقهاء القانون الفرنسي فقد عرفوا التحكيم على أنه مؤسسة خاصة للقضاء يتم بمقتضاها استبعاد المنازعات من اختصاص محاكم القانون العادية من الفصل فيها، ويوكلون مهمة الفصل فيها إلى أفراد محكمين لهم معرفة ودراية بموضوع النزاع ( 3 .Jean Robert, 1993, p) . 

وبدورهم فقهاء القانون الجزائري أعطوا العديد من التعريفات للتحكيم، فقد عرفه الأستاذ لزهر بن سعيد على أنه نظام قضائي خاص، يختار فيه الأطراف وبإرادتهم قضاتهم، ويخولونهم بمقتضى اتفاق مكتوب، مهمة الفصل في المنازعات التي نشأت، أو قد تنشأ بينهم بخصوص علاقتهم العقدية أو غير العقدية، وفقا لمبادئ وأحكام القانون والعدالة، بإصدار حكم ملزم يفصل في النزاع الزهر بن سعيد، صفحة 18)، ويعرفه جانب آخر من الفقه أنه تقنية تهدف إلى إعطاء حل المسائل تتعلق بالعلاقات بين شخصين أو عدة أشخاص، من طرف شخص أو عدة أشخاص آخرين -المحكم أو المحكمين - يستمدون سلطتهم من اتفاق خاص ويحكمون بناء على ذلك الاتفاق دون أن يكونوا مكلفين بتلك المهمة من طرف الدولة (قمر عبد الوهاب، صفحة 20).

 ويجب أن يدرج شرط التحكيم في عقد الاستثمار إما قبل النزاع أي أثناء عملية المفاوضات وإبرام العقد، أي أن يتفق الطرفان على وضع شرط التحكيم كشرط أساسي يتم اللجوء إليه في حالة حدوث نزاع بين الطرفين في المستقبل، كما قد يتم الاتفاق على اللجوء إلى التحكيم بعد نشوء النزاع، ويكون ذلك في حالة اغفال طرفي عقد الاستثمار عن ادراج شرط اللجوء إلى التحكيم أثناء عملية ابرام العقد أي قبل نشوء النزاع. وفي حالة اتفاق الطرفين على التحكيم كطريق التسوية نزاعهما، فقد يتفقان بعدها على مكان اجراء التحكيم واختيار المحكمين ووقت اجراء التحكيم والقانون الواجب التطبيق على عملية التحكيم، كما قد يتفق الطرفان على العمل بأحكام اتفاقية دولية معينة بهدف تطبيقها على العملية التحكيمية. 

المطلب الثاني: الطبيعة القانونية للتحكيم:

 يعتبر التحكيم كنظام لتسوية المنازعات عن طريق الالتجاء إلى شخص أو أكثر من شخص يطلق عليهم صفة المحكمين يختارهم الخصوم، ويكون ذلك بناءا على اتفاق بينهما مما يرجح أن يكون التحكيم ذو طبيعة اتفاقية أو عقدية، ولكن بعد النظر في النزاع المثار بين المتخاصمين من طرف الهيئة المحكمة، فإنها تقوم بإصدار حكم شبيه بالحكم القضائي من حيث الآثار التي يرتبها والذي يعتبر بمثابة الحل والتسوية لهذا النزاع، وهذا ما يرجح أن يكون التحكيم ذو طبيعة قضائية. وقد ثار جدال واسع بين فقهاء القانون حول طبيعة التحكيم فيما إذا كانت عقدية أو قضائية، فهناك من يرجح الرأي الأول وهناك من يرجح الرأي الثاني وهناك من يرجح أن التحكيم ذو طبيعة مختلطة. 

الفرع الأول: التحكيم ذو طبيعة عقدية (اتفاقية)

 يرى أصحاب هذا الاتجاه أن التحكيم يخضع لمبدأ سلطان الارادة، أي الارادة الحرة للأطراف المتخاصمة، وذلك عن طريق اتفاقهم على اختيار الهيئة المحكمة التي يعرض عليها النزاع المثار، بحيث يستمد المحكم فيه ولايته من ارادة الخصوم التي يجد من خلالها حكم التحكيم قوته التنفيذية (لزهر بن سعيد، صفحة 19).

وبالتالي طالما أن التحكيم يقوم على أساس ارادة الأطراف الحرة فإنه يعتبر عملية تعاقدية أي أنه عقدا رضائيا ملزم لجانبين، وبالتالي فإن الطرفين المتخاصمين باتفاقهم على التحكيم فإنهم يتخلون عن بعض الأساليب القانونية والإجرائية الموجودة في النظام القضائي (طه محيميد جاسم الحديدي، صفحة 251)، لأن ارادة الأطراف المتنازعة هي التي تحدد الاجراءات الواجب اتباعها والقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع، كما تحدد أيضا كيفية تعيين المحكم وتحديد ولايته. ويرى البعض أن هذا الاتفاق لابد أن يذكر في بنود العقد، ولا يجوز للدولة التدخل في ذلك إلا لمنع المساس بالنظام العام أو لضمان حسن سير العملية التحكيمية، وذلك بوضع قواعد تسد ثغرات اتفاق الأطراف، ولا تلجأ إلى ذلك إلا في حدود ما يمس بالأسس الاجتماعية والاقتصادية والسياسية (رمضان علي عبد الكريم دسوقي عامر، صفحة 291).

 الفرع الثاني: التحكيم ذو طبيعة قضائية

 يرى أصحاب هذا الاتجاه أن اتفاق الأطراف على اللجوء إلى التحكيم هو بداية العملية التحكيمية وبذرة وجودها، إلا أنه لا ينبغي إهمال الغرض الأساسي الذي وجد من أجله التحكيم ألا وهو الحصول على حماية قضائية وحماية الحقوق المتنازع عليها وحسم النزاع الذي نشب بين الأطراف المتنازعة (لزهر بن سعيد، صفحة 21)، وهي الغاية التي وجد من أجلها أيضا النظام القضائي، كما يستمد أصحاب هذا الاتجاه رأيهم في طبيعة الوظيفة أو المهمة التي يقوم بها المحكم والتي هي ذاتها التي يقوم بها القاضي، أي أنه يفصل في النزاع شأنه شأن القاضي، وبالتالي فإن عمله يكون عملا قضائيا، كما أن حكم التحكيم الذي يصدره المحكم يكتسي نفس الآثار والأهمية التي يكتسيها الحكم القضائي (رمضان علي عبد الكريم دسوقي عامر، صفحة 291)، ويتجلى ذلك من حيث القوة الإلزامية للطرفين المتخاصمين، بحيث أنه على الطرفين الالتزام بحكم التحكيم مهما كان، أو من حيث حجية الشيء المقضي فيه، حيث أنه بعد صدور حكم التحكيم فلا يستطيع أحد الطرفين المتخاصمين في حالة ما إذا لم يرضى بهذا الحكم أن يقوم بإعادة عرض النزاع على هيئة أخرى سواء كانت تحكيمية أو قضائية، وكذلك النظر في النزاع أمام المحكم يمر بنفس الإجراءات التي يمر بها أمام القاضي، كما تنتهي العملية التحكيمية بإصدار المحكم لحكم بتضمن نفس السمات والخصائص التي يتضمنها حكم القاضي سواء من حيث الشكل أو من حيث قابليته للطعن فيه أو من حيث قابليته للتنفيذ، كما أنه يحسم في النزاع مثلما يحسم فيه الحكم القضائي الزهر بن سعيد، الصفحات 21-22).

 الفرع الثالث: التحكيم ذو طبيعة مختلطة (مركبة)

 يرى أصحاب هذا الاتجاه أن التحكيم لا يمكن أن يخرج عن كونه يعتبر ذو طبيعة مركبة يبرز من خلالها وجهان أحدهما تعاقدي والآخر قضائي، ولا يمكن استثناء أحد الأمرين أو استبعاده، لأن التحكيم يقوم على أساس تراضي ارادة الأطراف المتنازعة عن طريق اتفاقهم على اختيار محكم أو عدة محكمين للفصل في النزاع المثار بينهما، كما انه لا يمكن أن ننكر أن التحكيم يمتاز بالصفة القضائية من حيث الإجراءات المتبعة فيه وكذا عمل المحكم الذي يفصل في النزاع عن طريق لجوئه إلى استعمال القوانين الوضعية، وهو نفس العمل الذي يقوم به القاضي حين يعرض عليه النزاع للفصل فيه، وما يمكن استنتاجه هو أن هذه النظرية تسعى إلى التوفيق بين النظريتين السابقتين لتجعل التحكيم يحتل موقعا وسطا بينهما. ويتوافق رأينا الخاص مع هذا الرأي وذلك لكون أن التحكيم تتبع فيه نفس الإجراءات المتبعة أمام الجهات القضائية وكذلك كونه لا يمكن تجاهل ضرورة اتفاق الأطراف المتنازعة على عرض نزاعهما على هيئة محكمة، لأنه في حالة رفض أحدهما فلا يمكن أن يتم ذلك، وعلى هذا الأساس فإنه كما قال الأستاذ لزهر بن سعيد فإن أوله اتفاق ووسطه إجراء وآخره حكم.

المبحث الثاني: مبررات اللجوء إلى التحكيم لتسوية منازعات عقود الاستثمار

 إن السؤال الذي يمكن طرحه في هذا الصدد، هو هل يعتبر التحكيم كأفضل وأحسن طريق لفض المنازعات الناشئة بين طرفي عقد الاستثمار ؟ 

وللإجابة عن هذا اتساؤل، فيرى بعض الفقه على انه على الرغم من أن التحكيم يتعارض مع مبدأ الفصل بين السلطات فيما يتعلق بالسلطتين القضائية والتنفيذية (أحمد سيد أحمد محمود، 2013، صفحة 25)، حيث أن لجوء الدولة إلى التحكيم للفصل في منازعات العقود الإدارية يعتبر تحييدا للسلطة القضائية المختصة أصلا بالفصل في المنازعات كافة، ومنها تلك المتعلقة بالعقود الإدارية بصفة عامة، إلا أن الطبيعة الخاصة لعقد الاستثمار باعتباره من عقود التجارة الدولية وكذا من عقود الاستثمار الدولية خاصة عندما يكون المستثمر من جنسية أجنبية، فإن التحكيم يعتبر الوسيلة الأفضل والطريق الأحسن لفض المنازعات الناشئة عنه، ويرجع ذلك لعدة مبررات. ومن بينها تلك المبررات التي لها علاقة بالمستثمر، أو المتعلقة بالمزايا التي يتميز بها التحكيم. 

المطلب الأول: المبررات المتعلقة بالمستثمر

 تتمثل هذه المبررات في:

 الفرع الأول: خوف المستثمر من عدم حياد القضاء الوطني للدولة المضيفة

 بحيث تعتبر الدولة في حالة تعاقدها وفقا لأي نمط، طرف غير عادي من حيث المزايا خاصة السيادية التي تتمتع بها (قمر عبد الوهاب، صفحة 211)، بحيث يمكن لها أن تخل بحياد القضاء خاصة اذا كان نظام الفصل بين السلطات غير مطبق بالشكل اللازم فيها، أو غياب الشفافية والنزاهة لدى القضاء الوطني، أو حتى ولو كان قضاء الدولة يتصف بالحياد والنزاهة فإنه في نظر المستثمر خاصة الأجنبي يعتبره قضاء غير محايد، خاصة عندما يعرض عليه نزاع يتعلق بالمصالح الاقتصادية لبلده، وبالتالي في حالة اعتياد الدولة باللجوء إلى القضاء لتسوية نزاعاتها التي قد تثور بمناسبة تعاقدها خاصة في إطار الصفقات العمومية، فإن عقد الاستثمار يمتاز بميزة أساسية وهي توفره في العديد من الحالات على العنصر الأجنبي، فالتحكيم وإن كان يعتبر في نظر الدولة كطريق اختياري ثانوي، فإنه بالنسبة للمستثمر يعتبر كشرط أساسي للتعاقد (أحمد سيد أحمد محمود، صفحة 28).

 وعليه فإن المستثمر عند تفاوضه مع الدولة فإنه في غالب الأحيان ما يضع شرط اللجوء إلى التحكيم لتسوية أي نزاع قد يثور في المستقبل بين الطرفين كبند أساسي في البنود التي يتضمنها العقد، ويستبعد اللجوء إلى قضاء الدولة المضيفة خوفا من ميله لصالح دولته، وبالتالي تخوفه من أن تكون هذه الأخيرة خصما وحكما في آن واحد، وأيضا خوفه من طول إجراءات التقاضي التي قد تؤدي إلى الإضرار بمصالحه. 

الفرع الثاني: التحكيم يعتبر كضمانة للتشجيع على الاستثمار

 إن المستثمر يسعى إلى استثمار أمواله في الدولة من خلال بحثه عن الضمانات التي تعطيه أكبر قدر من الأمان والاطمئنان، ومن بين هذه الضمانات هي التحكيم، وبالتالي فإن المستثمر يشترط على الدولة المضيفة أنه في حالة قیام نزاع في المستقبل فإنه يعرض على هيئة تحكيمية، كما أن الدولة المضيفة تهدف إلى جلب الرؤوس الأموال الأجنبية عن طريق التشجيع على الاستثمار سواء كان مباشر أو غير مباشر عن طريق تقديمها للعديد من الضمانات، والتي تعد من بينها ضمانة اللجوء إلى التحكيم لتسوية النزاعات التي تحدث في إطار عملية الاستثمار، أما في حالة غياب هذه الضمانة فقد تؤدي إلى عدم تحمس المستثمرين إلى الاستثمار في الدولة نظرا لعدم قناعتهم بمختلف الضمانات الممنوحة في غياب ضمانة اللجوء إلى التحكيم في حالة نشوء نزاع. وبالتالي فما على الدول خاصة الدول النامية سوى القبول بالتحكيم كضمانة للمستثمرين خاصة الذين يحملون جنسية أجنبية، حتى تشجع على جلب الرؤوس الأموال الأجنبية التي هي في حاجة إليها, و في الجزائر، فإن ما جاء به التشريع في هذا الشأن منصوص عليه في القانون رقم 16-09 المتعلق بترقية الاستثمار، ويظهر ذلك جليا في المادة 24 منه التي تنص على أنه في حالة وجود اتفاق مع المستثمر ينص على بند تسوية يسمح للطرفين بالاتفاق على تحكيم خاص. 

المطلب الثاني: المبررات المتعلقة بالمزايا التي يتميز بها التحكيم وتتمثل هذه المبررات فيما يلي: 

الفرع الأول: بساطة اجراءات التحكيم

 تكمن بساطة اجراءات التحكيم في كون أنها تحدد من قبل الأطراف المتنازعة بهدف ربح الوقت، ويكون ذلك عن طريق اختصار للإجراءات المعروفة أمام الجهات القضائية التي تمتاز بطول مدتها وطول آجال الفصل في النزاع إلى الحد الذي يضر بمصالح الشريك الخاص هذا من جهة، ومن جهة أخرى اختصار لدرجات التقاضي، حيث تصدر هيئة التحكيم حكم بات، الأمر الذي يؤدي إلى سرعة اصدار حكم التحكيم (عبد العزيز عبد المنعم خليفة، صفحة .(21)

الفرع الثاني: حفاظ التحكيم على العلاقة بين الطرفين

يعتبر التحكيم طريقا لتسوية النزاع عن طريق التفاهم بين الطرفين وليس طريقا نزاعيا فظا وعنيفا مثل القضاء الوطني، وبعد تسوية النزاع غالبا ما تستمر العلاقة بين الطرفين المتخاصمين، أما القضاء الوطني غالبا ما ينهي العلاقة بين الطرفين وعدم استمرارهما في التعاون مع بعضهما، ذلك لأن كل منهما يسعى إلى استعمال أساليب الكيد للطرف الأخر حتى يضمن صدور الحكم لصالحه، كما أن هيئة التحكيم تتمتع بحرية أوسع وأكبر من الحرية التي يتمتع بها القاضي في المحكمة، فالتحكيم يتيح للشريكين فرصة واسعة لتقديم وشرح وجهات نظرهم ومناقشتها مع المحكم ومع الطرف الآخر، كما أن للمحكم الوقت الكافي للنظر في النزاع عكس القاضي الذي لا يملك الوقت الكافي للاستماع إلى جميع وجهات نظر الأطراف وحججهم، ذلك بسبب كثرة القضايا المعروضة أمامه (رمضان علي عبد الكريم دسوقی عمر، صفحة 479).

 الفرع الثالث: تحقيق السرعة في الفصل في النزاع :

إن سبب عدم لجوء أطراف عقد الاستثمار إلى القضاء الوطني في حالة قيام نزاع بينهما هو طول اجراءات التقاضي،

عكس التحكيم الذي يمتاز بسرعة اجراءاته، بحيث يمتاز التحكيم من خلال إجراءاته المتمثلة في سماع الأطراف وتطبيق القانون المختار من قبل الأطراف على موضوع النزاع وصولا إلى اصدار حكم التحكيم، بمدته القصيرة التي تعتبر أقصر بكثير من تلك المتعلقة بالقضاء الوطني، بحيث تمتد العملية التحيكيمة التي تختتم بصدور الحكم النهائي فيها من 03 أشهر إلى 06 أشهر، وقد حددها المشرع الجزائري ب 4 أشهر، وجاء ذلك في نص المادة 1018 من قانون الإجراءات المدنية والإدارية التي جاءت كما يلي: " يكون اتفاق التحكيم صحيحا ولو لم يحدد أجلا لإنهائه، وفي هذه الحالة يلزم المحكمون بإتمام مهمتهم في ظرف 4 أشهر تبدأ من تاريخ تعيينهم أو من تاريخ اخطار محكمة التحكيم"، ومع العلم أن المنازعة أمام الهيئة التحكيمية لا توقف عملية تنفيذ العقد، أما في حالة عرض النزاع أمام القضاء الوطني فإنه في غالب القضايا المتعلقة بمجال الاستثمار قد يؤدي إلى طول مدة الفصل فيها، وفي انتظار صدور حكم القضاء يبقى تنفيذ العقد مجمدا مما يؤدي إلى تجميد الاستثمارات وحركة رؤوس الأموال (براغثة آمنة - العقون نریمان، 2013-2014)، وميزة عقود الاستثمار أن المستثمر لا يقبل عرض نزاعاته مع الدولة المضيفة على قضائها، كما أن متطلبات التجارة الدولية تقتضي السرعة، وبالتالي فإن النزاع الذي يثار في العقد التجاري الدولي ومنه عقد الاستثمار فإنه يتطلب الاستعجال أي السرعة في الفصل في نزاعه، لأنه في حالة عرضه على القضاء الوطني فإنه قد يمتد الفصل فيه إلى مدة زمنية طويلة قد تضر بمصلحة الطرفين خاصة المستثمر الذي قد يكون صاحب حق ثابت وبالتالي تصبح الإجراءات أمام المحكمة عقبة حقيقية تحول بينه وبينه اقتضاء حقه (عصام أحمد البهجي، صفحة 50)، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن مدة عقد الاستثمار قد تكون مدة طويلة ممكن أن تصل إلى 10 أو 20 سنة، وبالتالي لا يمكن عرض النزاع على القضاء الوطني نظرا لطول اجراءاته التي قد تزيد في مدة العقد زيادة تضر بمصلحة الدولة بنسبة كبيرة، كما أنه يمكن أن تؤدي طول مدة الفصل في النزاع من قبل القضاء الوطني إلى تغير في الظروف الاقتصادية والسياسية وفي هذه الحالة قد يطلب المستثمر تعويضا من الدولة على ما فاته من ربح الذي كان سيحققه لولا لم يتم عرض النزاع على القضاء الوطني، وهذا ما يميز عقد الاستثمار الذي يتطلب اللجوء إلى التحكيم لتسوية منازعاته عن العقود الأخرى أهمها الصفقات العمومية التي يمكن في حالة قيام نزاع في إطارها بين المتعاقد مع الإدارة والإدارة نفسها من اللجوء إلى القضاء الوطني للدولة المضيفة وتحديدا إلى القضاء الإداري، وذلك لا يشكل أي عائق أمام الطرفين كون أن الإدارة العامة أبرمت العقد مع المتعاقد معها في اطار قواعد القانون العام من خلال شروطها التي تفرضها عليه والتي لا يمكن أن تفرضها على المستثمر في عقد الاستثمار. ومن خلال ذلك كله فإن المستثمر خاصة الأجنبي فإنه يضع في حسبانه كل ذلك ويشترط على الدولة المضيفة منذ البداية اللجوء إلى التحكيم في حالة حدوث نزاع في المستقبل وذلك حتى يفصل فيه في أسرع وقت ممكن.

 الفرع الثاني: التحكيم يفصل في النزاع بطريقة سرية ويحقق العدالة:

 يعتبر مبدأ العلانية في الفصل في النزاعات والقضايا من المبادئ العامة التي يقوم عليها أي نظام قضائي في العالم، وهي تعني الفصل في القضايا في جلسة علنية يسمح فيها بالحضور لكل شحص، لكن في التحكيم فإن النظر في النزاعات التي يعرضها الخصوم على هيئة تحكيمية فإنها تتم بطريقة سرية، بحيث يحرص أطراف النزاع في عقد الاستثمار على سرية الإجراءات وسرية سير العملية التحكيمية حتى يتم الحفاظ على سرية ما تتضمنه هذه العقود من شروط ومن عمليات تم الاتفاق عليها، بحيث يؤدي الكشف عنها فقدانها لقيمتها الإقتصادية، لأن المستثمر يفضل خسارة دعواه على الكشف عن أسراره التجارية أو الصناعية خاصة فيما يتعلق بنقل التكنولوجيا والتي تمثل في نظره قيمة أعلى من قيمة الحق الذي يناضل من أجله (رمضان علي عبد الكريم دسوقی عمر، صفحة 481)، فجلسات التحكيم تجرى سرا بحضور الأطراف فقط، ونتائجها لا تعلن للجمهور ولا تنشر بواسطة وسائل الإعلام المختلفة، كما أن أسرار طرفي النزاع لا يعلم بها سوى هيئة التحكيم المختارة (قمر عبد الوهاب، صفحة 41). وهكذا فتعتبر أسرار التجارة العالمية ذات أهمية بالغة لأن إنشاء السر قد يكون له أثر سلبي على الشخص مقدم المعلومة وكذا على طرفي النزاع، كما انه لا يمكن الإفشاء عن أسرار العملية التحكيمية إلا بترخيص من صاحب هذه المعلومة السرية عصام احمد البهجي، صفحة 60)، ومثاله أنه لا يمكن الترخيص لمحامي أحد الأطراف بتزويد الإعلام عن نتائج العملية التحكيمية إلا بموافقة الأطراف كليهما. 

كما أن التحكيم يحقق العدالة وذلك بما يوفره من ضمانات، عكس القضاء الوطني الذي قد لا يحقق القدر الكافي من العدالة لصالح الأطراف، والذي قد يضر بمصلحة أحد الأطراف دون الآخر عن طريق تحقيق مصلحة ما لطرف على حساب الآخر والذي غالبا ما يكون الدولة. فالتحكيم يعطي للأطراف حرية اختيار المحكم الذي يثقون فيه والذي يكون متحررا من أي نصوص قانونية والذي يستطيع أن يقود العملية التحكيمية إلى الحل الأوسط وبطريقة عادلة، كما يمكن للمحكم أن يقود طرفي النزاع إلى التصالح الذي يمكن أن يتحقق بموجبه مصلحة كلا الطرفين، وبالتالي يخرج كلاهما من العملية التحكيمية بدون خسارة. 

الفرع الثالث: كفاءة المحكمين:

 يعتبر المحكم خبيرا في مجال اختصاصه، وفي حالة قيام نزاع بين طرفي عقد الاستثمار في مجال ما، فإنهما يقومان بعرض هذا النزاع على محكم خبير مختص في موضوع النزاع المعروض امامه، بحيث يتيح نظام التحكيم للطرفين المتنازعين اختيار من يشاءون من خبراء مختصين ليفصلوا في النزاع في أسرع وقت، كما أن تعدد المحكمين يتيح الفرصة لوجود اكثر من خبير في الهيئة التحكيمية الأمر الذي يؤدي إلى الفصل في النزاع على نحو أفضل الزهر بن سعید، صفحة 38).

 كما انه لا يشترط في المحكم أن يكون رجل قانون فقط، وإنما أن يكون متمتعا بالإضافة إلى المجال القانوني بالكفاءة والدراية بالأمور التجارية والاقتصادية على حسب اختصاصه، والأهم من ذلك أن تكون له مؤهلات تمكنه من فهم طبيعة النزاع المعروض أمامه.

 الخاتمة: 

يعتبر التحكيم وسيلة أساسية ومهمة لفض النزاعات التي قد تحدث بين طرفي عقد الاستثمار، خاصة بالنسبة إلى المستثمر الأجنبي الذي قد يشترط في حالة حدوث نزاع بعرضه على هيئة محكمة، وذلك نظرا للأهمية البالغة للتحكيم كونه يتضمن على العديد من المزايا كما رأينا سابقا. وفي ختام هذا البحث ارتأينا أن نعطي بعض التوصيات هي كالآتي: - إن تمسط الدولة بضرورة عرض نزاع الاستثمار على قضائها قد يكون عائقا أمام جذب رؤوس الأموال الأجنبية إليها وعامل طرد للاستثمارات، لذلك ينبغي عليها أن تسمح بتسوية هذه النزاعات من خلال وسيلة قانونية تساهم في اعطاء ضمانات أكبر للمستثمرين لحماية أوالهم واستثماراتهم، والتحكيم التجاري الدولي يعتبر الوسيلة الأمثل واأكثر فعالية لتسوية هذه النزاعات المتعلقة بالاستثمار. - تشجيع اقامة مراكز تحكيم وطنية وإقليمية ومنحها الاستقلالية الكاملة في مهامها عن دولتها، وذلك بهدف نشر ثقافة الاستثمار وثقافة تسوية النزاعات عن طريق التحكيم بواسطة مراكز متخصصة في هذا المجال.

- اقامة دورات تدريبية للكوادر في مجال التحكيم التجاري الدولي وعقد المؤتمرات والندوات.

 - السعي لوضع تشريع مستقل متعلق بالتحكيم في الجزائر، يطبق في كل النزاعات المتعلق بالتجارة الدولية والاستثمار، وأن يتلاءم هذا التشريع الخاص مع ما جاء في أحكام التحكيم في قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي الصادر عن لجنة الأمم المتحدة لقانون التجاري الدولي.