الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم والتوفيق والوساطة / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 31-32 / الوساطة لفض منازعات الاستثمار مع الدولة المصرية وبخاصة منازعات التحكيم الاستثماري الدولي

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد رقم 31-32
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    211

التفاصيل طباعة نسخ

   الوساطة هي وسيلة قانونية يلجأ إليها الأطراف لإنهاء منازعاتهم القانونية.

    أضحت الوساطة سبيلاً متعارفاً عليه في عدد من دول العالم لحلّ المنازعات ودياً، ولاسيما أن تراكم القضايا في المحاكم يؤدي عادة إلى تأخير الفصل فيها، وهو الأمر الذي يؤثر سلباً بطبيعة الحال في حسن سير العدالة. وهو الأمر الذي حدا العديد من دول العالم، على اخـتلاف أنظمتها القانونية، على إيجاد وسائل قانونية بديلة للقضاء أو للحد من تلك الأزمة.

- المفهوم القانوني للوساطة كوسيلة بديلة لفض المنازعات:

   يتحدد مفهوم وأهداف الوسائل البديلة لحل المنازعات القانونيـة، بـالرغم مـن اخـتلاف مسمياتها، حيث أنها تسمى الوساطة تارة، والتوفيق طوراً، بالإضافة إلـى أنـهـا تعـرف أيـضاً بالتصالح أو التسوية الودية. تقوم تلك الوسائل البديلة لتسوية المنازعات على مفهوم الرضائية أي أنه لا يمكن اللجوء إليها إلا بموافقة ورضاء أطراف النزاع، كما أنها تهدف إلى الوصول إلى حل ودي بين الأطراف يكون من شأنه وضع حد للنزاع، وهو الأمر الذي لا يمكن للقـضاء العـادي تحقيقه، وذلك بالإضافة إلى سرعة فض النزاعات واستقرار المعاملات التجارية والدولية منهـا بصورة خاصة. أخذ العديد من الدول العربية بصفة عامة، بنظام التوفيق أو الوساطة أو ما يسمى لجان التوفيق ، لما يتميز به من توفير مرفق بديل للعدالة لإنجاز الفصل في النزاعات القانونيـة الخاصة بالمتقاضين، كذلك لمعاونة مرفق القضاء الوطني وتخفيف العبء عليه من تكدس القضايا المعروضة.

   هذا ما يخص الوساطة كوسيلة قانونية بديلة لحل المنازعات المحلية، إلا أن الأمر لا يختلف كثيرا بالنسبة للوساطة لفض المنازعات الدولية، وبخاصة في قضايا التحكيم الدولية التي تهـدف بدورها، بالإضافة إلى ما سبق ذكره، إلى استقرار المعاملات التجاريـة الدوليـة وحمايـة الاستثمارات الدولية وتشجيعها.

- الوساطة التي تمارسها الدولة من خلال الأجهزة الحكومية المعنية

   تقوم الدولة المصرية – من خلال منظومتها القضائية وأجهزتها الحكومية - بـدور فعـال وإيجابي تجاه فض النزاعات القانونية ودياً، والتجارية منها بصفة خاصة سواء أكانت محليـة أم دولية.

   للنزاعات المحلية آليات قانونية متعارف عليها لمحاولة الوصول الـى فـضتها وديـاً، أي بتراضي أطراف النزاع. مثالاً لذلك، لجان التوفيق المنشأة بالقانون رقم 7 لسنة 2000، وهـي لجان تشكل بقرار من وزير العدل لتنشأ في كل وزارة أو محافظة، وهيئة عامة وغيرهـا مـن الأشخاص الاعتبارية العامة لجنة أو أكثر للتوفيق في المنازعات المدنية والتجارية التي تنشأ بين هذه الجهات وبين العاملين فيها أو بينها وبين الأفراد والأشخاص الاعتبارية الخاصة.

   فالوساطة لفض المنازعات التجارية تحظى باهتمام كبير ومتنام من الدولة لتوفير مناخ ملائم للاستثمارات يقوم على احترام القانون وتشجيع الاستثمارات. وكذلك من الأمثلة الحديثـة نـسبياً والدالة على ذلك ما يعرف بـ "هيئة تحضير المنازعـات والـدعاوى" المنـشأة بكـل محكمـة اقتصادية، والمنصوص عليها بالمادة (8) من قانون إنشاء المحاكم الاقتصادية رقـم 120 لـسنة   2008 .

   فإن هيئة التحضير بالمحاكم الاقتصادية تقوم بدور هام في إنهاء المنازعات الاقتصادية التي تختص بها تلك المحاكم، وذلك فيما عدا بعض الحالات الاستثنائية مثـل الـدعاوى الختاميـة والدعاوى المستأنفة. تعد تلك الوساطة القضائية من أبرز الطرق البديلة لفض المنازعات التجارية من خلال منح هيئة التحضير سالفة البيان سلطات واضحة ومحددة بموجب القانون لإنهـاء أيـة منازعة معروضة على المحكمة الاقتصادية قبل البدء في اتخاذ أية إجراءات قضائية. تعمل تلـك الهيئات بكفاءة ملحوظة، ولها نجاحات عملية، ومن أمثلتها الحديثة إنهاء نزاع مقام بـين البنـك الأهلي المصري وإحدى شركات السمسرة في الأوراق المالية في مارس 2016. حيث أن البنك الأهلي كان دائنا لتلك الشركة بمبلغ مالي نتيجة لعمليات بيع وشراء الأوراق المالية المنفذة عـن طريق الشركة، الأمر الذي أنتج مديونية محل المنازعة المعروضة.

   فتلك كانت نظرة عابرة على بعض أمثلة الوساطة لإنهاء النزاعات القانونية والتجارية منهـا، بصفة خاصة التي يمتاز بها القانون المصري، وذلك لأهميتها البالغة ودورهـا الإيجـابي لإنهـاء النزاعات القانونية ورفع الكاهل عن القضاء وتشجيع مواصلة الاستثمارات وتوفير بيئة ممهدة لذلك. إلا أننا سنلقي الضوء تفصيلاً في ما يلي، في إطار الموضوع المطروح في هذا المقام، على الآلية القانونية المتبعة من قبل الدولة المصرية لتسوية المنازعات الناشئة عن عقود الاستثمار.

   فمنازعات الاستثمار الدولية – سواء المعروضة منها بالفعل على هيئات التحكيم الدوليـة أو تلك المنازعات التي لم تصل لمرحلة التحكيم الدولي بعد – لها أهمية خاصة، إذ تخصها الدولـة برعاية قانونية بغرض إنهاء تلك المنازعات بدون اللجوء إلى التقاضي. فالوسـاطة فـي تلـك المنازعات تتم في إطار آلية قانونية خاصة من خلال أجهزة الدولة المعنية بذلك، والتي تهـدف إلى تسوية تلك المنازعات وديا.

   وفي سبيل هذا الغرض، تم تشكيل لجنة وزارية بمجلس الوزراء تعرف بـ "اللجنة الوزارية لتسوية منازعات عقود الاستثمار". تشكل هذه اللجنة بقرار من رئيس مجلس الوزراء، وكذا أيـة قرارات خاصة بتعديلات متعلقة بتشكيل أو اختصاصات تلك اللجنة.

   - تشكل اللجنة الوزارية لتسوية منازعات عقود الاستثمار برئاسة رئيس مجلس الـوزراء، ويتولى رئاسة اللجنة عند غيابه وزير العدل. تشكل اللجنة من عدد من الوزراء المعنيين مثل وزير العدل ووزير الاستثمار ووزير المالية، ولهذه اللجنة أمانة فنية يرأسها مساعد وزير العدل للتحكيم والمنازعات الدولية، بالإضافة لكونه عضواً في اللجنة.

   - تنظر اللجنة في تسوية المنازعات المحالـة إليهـا والناشـئـة عـن عقـود الاستثمار، والتي تكون الدولة أو إحدى الجهات التابعة لها عامة أو خاصة طرفاً فيها. تعتبـر هـذه اللجنة الآلية القانونية المقررة والهادفة لضمان الحيادية والموضوعية للوصول إلى تسوية ودية على أساس من سيادة القانون. وللجنة في سبيل ذلـك الـسلطة التقديريـة لاتخـاذ إجراءات قانونية تمكنها من تفعيل تسوية ودية منصفة، وفقـاً للاختصاصات الموكلـة إليها.

    ولتلك اللجنة أمانة فنية تقوم بعمل بارز من خلال الدراسة الفنية والموضوعية للموضوعات الخاصة بالمنازعات المطروحة على اللجنة وإبداء الرأي القانوني فيها حتى بت تلك المنازعـات بمهنية من خلال أعضاء الأمانة من متخصصين في تلك النوعية من المنازعات الدوليـة، وفـي مسائل التحكيم الدولي برئاسة مساعد وزير العدل للتحكيم والمنازعات الدولية.

   وهو الأمر الذي يمثل ضمانة لإتمام الوساطة في تلك المنازعات الحساسة بكفـاءة ومهنيـة تكفل الوصول إلى تسوية عادلة ومنصفة لأطراف النزاع مع ضمان سيادة القانون، خاصـة أن جميع الموضوعات المطروحة على اللجنة تحظى بامتياز السرية. ولتلك اللجنة وأمانتهـا الفنيـة دور فعال وملموس بصورة عملية لإنهاء منازعات استثمارات دولية غاية في الدقة مع الحكومـة المصرية، الأمر الذي كان له أثر إيجابي في تشجيع استكمال تلك الاستثمارات.

   فالوصول إلى الاتفاق على الحل الودي لتسوية أية منازعة قانونيـة بـين الدولـة وأحـد المستثمرين الأجانب قد يقع قبل إقامة أية منازعة دولية أو بعد إقامة المنازعة الدولية وقبل الفصل فيها. وعليه، سنعرض في ما يلي أبرز الأمثلة العملية لكلا الحالتين.

• أولاً- الوصول إلى حل ودي لبعض المنازعات الاستثمارية مع الدولة المصرية قبل مرحلة التحكيم الدولي:

    نعرض في ما يلي بإيجاز أهم المنازعات التي انهيت صلحاً مع تجنب وصـولها للتقاض أمام التحكيم الدولي.

 - منازعة الفطيم:

    * من أهم تلك النماذج، منازعة الفطيم. شركة الفطيم هي شركة إماراتيـة تعاقـدت مـع الحكومة المصرية لإقامة استثمارات في منطقة التجمع الخـامس بالقاهرة. حيـث أن المستثمر الإماراتي هو مالك مشروع "كايروفستيفال سيتي". وقد توقفت الاستثمارات بهذا المشروع الضخم نتيجة لخلافات تعاقدية بين المستثمر والدولة المصرية إلى أن وصـل الأمر لفرض غرامات على المستثمر نتيجة لوقف تنفيذ الأعمال، وفقاً للعقد المبرم.

إلا أن الأمر لم يصل إلى مرحلة التقاضي ببلوغ اتفاق مرض وعـادل بـيـن المـستثمر الأجنبي والدولة المصرية بفضل عملية الوساطة التي قامت بها أجهزة الدولة لفض تلـك المنازعات والمتمثلة في اللجنة الوزارية لتسوية منازعات عقود الاستثمار سالفة البيـان وبموجب ذلك الاتفاق، سدد المستثمر مبلغاً محددا متفق عليه للحكومة المصرية، فـي مقابل إمكانية استمراره في استكمال استثماراته المتعاقد عليها.

وبمعاودة الاستثمارات والحفاظ على العقد المبرم يكون الاتفاق قد جاء في مصلحة كلا الطرفين، علاوة على تجنب الدخول في دعوى تحكيمية. الأمر الذي كان له عظيم الأثر في تفادي مصاريف تقاض كبيرة علاوة على سرعة الفصل في المنازعـة بالتراضـي وبالتالي توفير وقت هائل بتفادي إجراءات التقاضي الدولي.

- منازعة سوديك:

   * نموذج آخر مهم ويستدعي الوقوف عنده، ألا وهو التصالح في منازعة سوديك، حيث أنه في فبراير 2013 تم الوصول إلى تسوية ودية للمنازعة القائمة بـين شـركة سـوديك العقارية والحكومة المصرية.

يتعلق الموضوع في الأساس بتخصيص قطعة أرض في منطقة القاهرة الجديدة الكائنـة بمدينة القاهرة الكبرى من قبل الحكومة المصرية لصالح شركة الـسادس مـن أكتـوبر للتنمية والمشروعات العقارية "سوريل" وهي الشركة المملوكة لشركة السادس من و أكتوبر للتنمية والاستثمار "سوديك".

وبالرغم من سداد كامل الثمن لقطعة الأرض محل المشروع المزمع إنشاؤه، إلا أنه قـد صدر بشأنها في ما بعد قرار بإلغاء التخصيص من قبل لجنة تابعـة للدولـة، ألا وهـ اللجنة العقارية بهيئة المجتمعات العمرانية.  

كما يجدر التنويه في هذا المقام بأن تلك النوعية من المنازعات بدأت في الظهـور فـ السنوات القليلة الماضية بصفة خاصة في جمهورية مصر العربية. فقد بدأ العديـد مـن كبار المستثمرين في مصر في مواجهة مشاكل تتعلق باستثماراتهم، وذلك نتيجة لحصولهم على أراض بأقل من قيمتها الفعلية لإقامة استثماراتهم عليها، بالإضافة للتحصل على تلك الأراضي بطرق غير قانونية في بعض الأحيان.

وفي هذا الصدد، سلكت الحكومة المصرية طريق الوساطة لفض تلك المنازعـات بنـاءً على منهج متزن، إذ يقوم من جهة، على الحفاظ على الحقوق القانونية للدولة المصرية واحترام سيادة القوانين الداخلية، وذلك مع مراعاة الحقوق العادلـة للمـستثمرين وعـدم الإضرار باستثماراتهم، من جهة أخرى. وبالتالي تشجيع الاستثمارات في الدولة وتحسين مناخ الاستثمار بصفة عامة مع مراعاة عدم الإخلال بقوانين الدولة المضيفة.

وبتطبيق هذا المنهج في الوساطة على الحالة الماثلة، فإن الاتفاق الذي تم بين الحكومـة المصرية والشركة المستثمرة "سوديك" قد قام على محاور ثلاثة: بدايـة بقـرار اللجنـة الوزارية المعنية بالموافقة للشركة على استئناف أعمالها بذات المشروع لمـدة ثـلاث سنوات على ذات قطعة الأرض محل النزاع، والتي كانت قد خصصت للشركة سالفاً لهذا الغرض، وذلك في مقابل أن تقوم الشركة بسداد نسبة معقولة من الفرق بين ثمن الأرض وقت التخصيص وثمنها الفعلي حاليا، والذي وصل إلى مبلـغ تسعمائة مليـون جنيـه مصري، وأخيراً الأخذ في الاعتبار حساب الأعباء المالية التي تكبدتها الشركة بالفعـل، وجميع النفقات التي تم تحملها بغرض إقامة الاستثمارات المتفق عليها.

 تلك كانت أمثلة من الإنجازات التي حققتها الوساطة فـي التجربـة المـصرية لإنهـاء منازعات بعض المستثمرين الأجانب مع الحكومة المصرية قبل الدخول فـي منازعـة تحكيمية. إلا أنه في أحيان أخرى تتدخل الوساطة، بصورتها الواردة بالتفصيل الـسابق بيانه، للوصول إلى حل ودي في ظل منازعة تحكيم دوليـة قائمـة بالفعـل بـيـن أحـد المستثمرين والحكومة المصرية. سنعرض في ما يلي لمثالين بارزين في هذا الصدد.  

• ثانياً- الوصول إلى حل ودي لفض المنازعات الاستثمارية مع الدولة المصرية خلال مرحلة التحكيم الدولي:

   تعمل أجهزة الدولة المصرية المعنية بالوساطة على إنهاء المنازعات الاستثمارية مع الدولة حتى في الحالات التي تكون تلك المنازعات معروضة بالفعل أمام التحكيم الـدولي. فـإن تلـك الأجهزة الحكومية تعمل بذات الآليات، وفي نطاق الموضوعية والحيادية – حتـى فـي إطـار المنازعات الدولية الماثلة أمام التحكيم الدولي بالفعل ضد الحكومة المصرية – طالما أنـه مـن الممكن إيجاد سبيل للتصالح أو للتسوية الودية بين الأطراف في إطار احترام قوانين وتشريعات الدولة بهدف الوصول إلى حل عادل ومنصف لإنهاء الخصومة وتوفير بيئة خصبة للاستثمارات داخل الدولة.

- قضايا الربان أسامة الشريف:

* من أهم النماذج للقضايا التحكيمية التي انهيت بتلك الصورة من الوساطة هـي قـضـايا الربان أسامة الشريف.

 فقد أقام الربان أسامة الشريف، وهو أردني الجنسية ورئيس مجموعة شركات "أميـرال"، ثلاث قضايا تحكيم استثماري أمام المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار "الاكـسيد" ضد الحكومة المصرية على أساس الاتفاقية الثنائية لتشجيع وحماية الاستثمارات الموقعة بين مصر والأردن عام 1996، وقد سجلت تلك الدعاوى التحكيمية جميعها لدى الإكسيد في مارس 2013.

فبالنسبة للتحكيم الأول والمسجل لدى "الإكسيد" برقم 13/3/ARB، فإن موضـوع تلـك المنازعة الاستثمارية يتمثل في إقامة مشروع تطوير ميناء العين السخنة، والتي تتولاهـا إحدى الشركات المملوكة للربان أسامة الشريف في مـصر، بالإضـافة إلـى أن ذلـك المشروع يشمل تخزين المنتجات البترولية، وكذلك تداولها بمحطة الصب السائل بمينـاء السخنة عن طريق شركة أخرى مملوكة للمستثمر "سـونكر"، إحـدى شـركات مجموعة "أميرال".

إلا أنه نتيجة لعدة خلافات حول تنفيذ بنـود العقـد المبـرم وعـدم تمكــن المـستثمر من استكمال المشروعات المتفق عليهـا بـسبب بعـض التعقيـدات الإجرائيـة التـى واجهت المستثمر لدى تعامله مع الجهات الإدارية المعنية بالدولة لجأ الأول إلى التحكـيم الدولي.

وبالنسبة للتحكيم الثاني والمسجل لدى "الإكسيد" برقم 13/4/ARB، فإن المنازعة تتمثـل في عدم إمكانية المستثمر تنفيذ مشروع إنشاء وتطوير نظام جمركي آلي. يهـدف هـذا المشروع إلى إنشاء تسعة عشر مركزاً لوجستياً طبقاً للتعاقد المبرم بين مصلحة الجمارك المصرية والمستثمر. حيث تم الاتفاق بين المستثمر الأجنبـي - ممـثلاً فـي شـركة "أميرال" ووزارة المالية على تأسيس شركة مساهمة لتنفيذ المشروع المتفق عليه، وقـد تم بالفعل تأسيس تلك الشركة تحت أسم "الشركة المصرية للخدمات التكنولوجية". إلا أن المستثمر الأجنبي قد اشتكى من تعرضه للعديد من العراقيل الإدارية التي لم تمكنه أيضاً من تنفيذ مشروعه طبقاً لما هو متفق عليه ببنـود الاتفـاق المبـرم، وبالتـالي تعطيـل استثماراته، بل توقف بعضها بالفعل في إطار هذا المشروع وهو الأمـر الـذي ألحـق الضرر باستثماراته.

وأخيراً، فإن التحكيم الثالث والمسجل لدى "الإكسيد" برقم 13/5/ARB يتمثل موضـوعه في منازعة استثمارية مماثلة، حيث يدعي المستثمر إعاقته مجددا عن استكمال استثماراته والمتمثلة في مشروع الصب السائل بميناء شرق بورسعيد، وهذا المشروع المتفق عليـه عبارة عن إنشاء وتشغيل ونقل محطة صب سائل في الموقع سالف البيان (وهو ما يسمى عقد الـ BOT)، وذلك من خلال شركة "سونكر" وهي إحدى الشركات التابعة لمجموعة "أميرال" التي يمتلكها المستثمر الأجنبي، كما سلف الذكر.

وفي خضم التقاضي أمام التحكيم الدولي في ما يخص التحكيمات الثلاثة، ونظراً لارتباط موضوعاتهما ببعضهما البعض قامت أجهزة الدولة المصرية ولجانها المعنية بالوسـاطة بتولي ذلك الملف لأهميته وحساسيته البالغة، علماً أن إجمالي التعويضات التي طالب بها المستثمر في القضايا الثلاث بلغ ما يقارب مبلغ أربعة مليارات جنيه مصري.

 وقد كللت عملية وإجراءات التسوية الودية لتلك الدعاوى التحكيمية الثلاث بنجاح، حيـث أنه تم الاتفاق في النهاية على استكمال تنفيذ مشروعات الصرف السائل المتفـق عليـه خلال جدول زمني جديد تم الاتفاق عليه. كذلك قيام الشركة "سونكر" بـدفـع مـستحقات الدولة لديها مقابل انتفاعها بالأرض. كما أنه في ما يخص المنازعة الكائنة بين المستثمر ومصلحة الجمارك المصرية، فقد شملتها التسوية أيضاً، وانتهى الاتفاق في هذا الشأن إلى التفاهم لاستكمال إنشاء التسعة عشر مركزاً لوجستياً طبقاً للتعاقد الأصلي. إذ أنه قد تـم بالفعل الانتهاء من إنشاء مركزين بالقاهرة وبورسعيد، وبناء على ذلك تم الاتفـاق علـى استكمال باقي المشروع على مراحل مختلفة، حيث تتضمن المرحلة الأولى منـه إقامـة خمسة مراكز أخرى طبقاً لجدول زمني محدد، وذلك مع أخذ الضمانات اللازمة للدولـة المصرية بخصوص عمليات تأمين تداول وحفظ المعلومات بين المراكز الجمركية.

وعلى أساس إطار متكامل تم التوصل إليه للتسوية الودية للقضايا التحكيمية الثلاث محل النزاع تنازل المستثمر الأجنبي عن تلك التحكيمات المقامة أمـام "الأكـسيد". وقـد تـم التنازل عن كل من تلك الدعاوى التحكيمية – والمسجل التنازل بـشأنها لـدى الأكـسيد رسميا في مايو ويونيو 2015، طبقا لنص المادة 43 فقرة (1) مـن اللائحـة الداخليـة لتحكيم الاكسيد .

* نتعرض في ما يلي لمثال آخر يوضح مدى أهمية وفاعلية الوساطة لحل منازعات التحكيم الدولي التي تكون الدولة المصرية طرفا فيها، ألا وهي دعوى تحكيم "اندوراما".

- دعوى تحكيم "إندوراما":

    تتعلق تلك المنازعة بالاستثمارات بقطاع الغزل والنسيج بمصر، حيث أقدم مستثمر بريطاني الجنسية على الاستثمار في هذا القطاع، وبعد دخول شركته "أندوراما فاينانس ليمتـد" مناقـصة طرحتها الحكومة المصرية لبيع شركة "غزل شبين الكوم" تم إرساء العطاء عليها. وعلـى هـذا الأساس تم التعاقد مع الحكومة المصرية للقيام بالاستثمار في هذا القطاع المهم، ووفقـاً لـشروط التعاقد تم تأسيس شركة "اندوراما تكستايل" عام 2006 علماً أن حصة المستثمر الأجنبي من رأس المال بلغت 70%، وبلغت نسبة الشركة القابضة للقطـن والغـزل والنسيج والملابـس 18%، بالإضافة إلى نسبة اتحاد العاملين المساهمين التي بلغت 12٪

وبعد عدة سنوات من مواصلة شركة "اندوراما "استثماراتها في مصر بدأت تواجه مشاكل متعلقة بإدارة الشركة وتذمر العمال واحتجاجهم على أوضاع العمل والعديد من القرارات المتخذة من قبل إدارة الشركة. إلى أن وصل الأمر إلى تعثر استثمارات الشركة، بل توقفها في ما بعد. فقد أقام اتحاد العاملين المساهمين بشركة "أندوراما شبين تكستايل" دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الاداري المصرية مطالبين ببطلان عملية الخصخصة وعقد بيع كامل الأصول المادية والمعنوية لشركة مصر شبين الكوم للغزل والنسيج من قبل الجهة الإدارية. وبتـاريخ 21 سبتمبر 2011 أصدرت محكمة القضاء الإداري (دائرة المنازعات الاقتصادية والاستثمار) حكمهـا "... بإلغـاء القرار الصادر من اللجنة الوزارية للخصخصة والمجموعة الوزاريـة للـسياسات الاقتصادية ومجلس الوزراء بالموافقة على بيع كافة الأصول الثابتة المادية والمعنوية لشركة مـصـر شـبين الكوم للغزل والنسيج - عدا الأراضي والمباني السكنية – إلى شركة أندوراما شـبين تكـستايل والمساهم فيها كل من أندوراما 70%، الشركة القابضة 18% – واتحـاد المـساهمين 12%، وتأجير الأرض لمدة 25 سنة مقابل حق انتفاع ثابت بواقع 5% من قيمتها سنوياً تجـدد لمــدة مماثلة، وما يترتب على ذلك من آثار أخصها بطلان عقد بيع شركة مصر شبين الكـوم للغـزل والنسيج المبرم بين كل من الشركة القابضة للقطن والغزل والنسيج والملابس كنائبة عن الدولـة بتفويض من وزارة الاستثمار وشركة مصر شبين الكوم للغزل والنسيج كطرف بائع، وبين شركة اندوراما شبين تكستايل كطرف مشتر. وبطلان جميع القرارات والتصرفات التي تقررت وترتبت خلال مراحل إعداد العقد ونفاذه. وبطلان أية قيود أو تسجيلات بالشهر العقاري أو السجل العيني لأية أراض تخص هذا العقد، وبطلان شرط التحكيم الوارد في المادة الحادية والعشرين من العقد المشار إليه، وإعادة المتعاقدين إلى الحالة التي كانا عليها قبل التعاقد واسترداد الدولة جميع أصول الشركة وكافة ممتلكاتها المسلمة للمشتري من أي حقوق عينية تبعية يكون المشتري قد أجراهـا وإعادة العاملين إلى سابق أوضاعهم السابقة مع منحهم كامـل مـستحقاتهم وحقـوقهم وتحمـل المشتري وحده كامل الديون والالتزامات التي رتبها خلال فترة نفاذ العقد، وما يترتب على ذلـك من آثار ...".

   وقد طعنت الحكومة المصرية على الحكم المتقدم أمام المحكمة الإداريـة العليـا (الـدائرة الأولى)، إلا أنه بتاريخ 21 يناير 2013 أصدرت المحكمة حكمها بتأييد حكم محكمـة القـضاء الإداري ببطلان بيع وخصخصة شركة غزل شبين وأمرت بإعادتها للدولة. وبالتـالي أصـبحنا بصدد حكم قضائي نهائي وبأت وواجب النفاذ.

    وقد أشارت المحكمة للعديد من الأمور تأسيساً لحكمها، من بينها مـا شـابه عمليـة البيـع والخصخصة من فساد واضح وإجراءات غير سليمة كان من شأنها استباحة المال العام، ومن أهم مظاهر ذلك بيع الشركة بأقل من ثمنها الحقيقي بالرغم من أن الشركة كانت تحقق أرباحاً حتـى عام 2004، كما أن بيع الشركة أدى إلى الازدياد الملحوظ في معدلات البطالـة نتيجـة سياسـة المعاش المبكر. كما أن محاربة الفساد باتت التزاماً على الدولة المصرية، وبخاصة بعد انضمامها لاتفاقية مكافحة الفساد بقرار رئيس الجمهورية رقم 307 لسنة 2004. ذلك أن شركة اندوراما قد اتخذت إجراءات إعادة هيكلة العمالة بالمخالفة للشروط التي تم على أساسها التعاقـد، وتخفـيض العمالة بنسبة 30% تقريبا عن طريق تطبيق نظام المعاش المبكر.

   إزاء تلك الأحداث التي أضرت باستثمارات شركة "اندوراما" المتفق عليهـا مـع الحكومـة المصرية لجأت الشركة إلى إقامة دعوى تحكيم دولية أمام "الأكسيد" بعد صدور حكم أول درجـة من محكمة القضاء الإداري المصرية، وهي الدعوى المسجلة في 2 ديسمبر 2011 بنـاء علـى الاتفاقية الثنائية لتشجيع وحماية الاستثمارات الموقعة بين جمهورية مصر العربيـة والمملكـة المتحدة في 1975 برقم 11/32/ARB. وقد أستس المستثمر الأجنبي دعواه على عـدة أمـور أهمها مصادرة استثماراته عن طريق أحكام قضائية تابعة لمحـاكم الدولـة المـضيفة، وكـذلك الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بالشركة وأعضاء بمجلس إدارتها أيضاً وبخاصة عقـب أحداث يناير 2011 – والتي وصلت إلى الاعتداءات الشخصية عليهم من قبـل بعـض عمـال الشركة. علاوة على عدم توفير الدولة للحماية اللازمة لاستثمارات الشركة الأجنبية، وبخاصـة إبان التدهور الأمني بعد أحداث يناير 2011. الأمر الذي أدى إلى القضاء علـى اسـتثمارات الشركة والممنوحة لها قانونا بناء على تعاقدات مع الحكومة المصرية.

   الإشارة إلى موضوع النزاع بالتفصيل المتقدم كان من المهم بمكان في هذه الحالـة الماثلـة لبيان مدى صعوبة ودقة عملية الوساطة – والتي تقوم عليها الأجهزة الحكوميـة المعنيـة بتلـك المسألة كما سبق التوضيح – في سبيل الوصول إلى حل عادل ومرض لكلا الطرفين فـي ظـل جميع تلك العناصر المتشابكة. فالنزاع المعروض متعلق بمصالح متصارعة مع بعضها البعض، منها مصلحة المستثمر الذي منحته الدولة الحق في الاستثمار على أراضيها، ومـصلحة العمـال والمطالبة بحقوقهم والحفاظ على أوضاعهم طبقاً للقانون، بالإضافة إلى صدور أحكـام قـضائية مستقلة اعتبرها المحتكم تمثل مصادرة لاستثماراته، إذ أنه بموجبها تم إبطال تعاقده مع الحكومـة المصرية والذي تم برضاء وموافقة، بل بشروط الأخيرة.

   ففي مسار مواز للدعوى التحكيمية بدأت المفاوضات من خلال إجراءات الوساطة من خلال لجنة تسوية منازعات الاستثمار بمجلس الوزراء بين الشركة القابضة للغزل والنسيج، من جهـة، والمستثمر الأجنبي مالك شركة غزل شبين "أندوراما"، من جهة أخرى، وبعد جولات عديدة مـن محاولة الوصول لتقارب وجهات النظر وطرح حل ودي بديل للتقاضي، طالب المستثمر الأجنبي بتعويضه من قبل الحكومة المصرية بمبلغ مائة وستة وخمسين مليون دولار أمريكي وهو المبلغ الذي اعتبره المستثمر أقل بكثير من التعويضات التي سيطالب بها أمام التحكيم الدولي في مقابـل تنازله عن دعوى التحكيم الدولية.

واستمرت المفاوضات على هذا الأساس وعملت اللجنة الحكومية القائمة بعمليـة الوسـاطة على الوصول إلى حل منصف للطرفين والاتفاق على تعويض مناسب ومعقول لتجنب حكم تحكيم "أكسيد" في هذا النزاع. وقد تم الأخذ في الاعتبـار العديـد مـن الأمـور القانونيـة والمحاسبية البالغة في الدقة، والتي تطلبت تعيين مكاتب خبراء لتحديد المبلغ المناسب للتعـويض في تلك الحالة. ومثال على ذلك مسألة تقييم أصول الشركة، والثمن الفعلي الذي دفعه المستثمر لشراء الشركة علما أن حصته تبلغ 70% فقط، وجميع المصاريف والتكاليف التـي تحملهـا المستثمر نظير القيام باستثماراته والنهوض بكفاءة عمل الشركة. بالإضافة إلى حـساب تكـاليف نظام المعاش المبكر، وكذلك المطالبات الضرائبية المستحقة على الشركة. وقد كللت في النهايـة تلك المفاوضات بنجاح، والتي قامت على عودة الشركة إلى ملكية الدولة تنفيذا للأحكام القضائية الصادرة في هذا الشأن، وتعويض المستثمر الأجنبي تعويضاً عادلاً عن الأضرار التـي لحقـت باستثماراته. إذ تم التوصل إلى الاتفاق على تحمل الحكومة المصرية دفع مبلغ 54 مليون دولار أمريكي كتعويض للمستثمر الأجنبي في مقابل تنازله عن الدعوى التحكيمية المقامة من جانبه.

   وقد تم بالفعل وقف إجراءات التحكيم الدولي رسمياً في 2 يوليو 2015 لدى "الأكسيد" طبقـاً للمادة 43 فقرة (أ) من اللائحة الداخلية لتحكيم الأكسيد.

   يمثل هذا الاتفاق نجاحاً مهما لما تضمنه من موازنة بين مصالح الطرفين بصورة معقولـة إلى حد بعيد. فالمستثمر قد خرج من دائرة النزاع مع الدولة بصورة منصفة بعد الاعتراف بحقه في التعويض وحرية تداول رؤوس أمواله واستثماراته في الدولة بدون نزاعات قانونية معلقـة، وعلى الجانب الآخر فإن الدولة المصرية قد تجنبت مقاضاتها دولياً وتعاملت مع موضوع النزاع على نحو يكفل الحفاظ على مصالحها وسيادة قوانينها الداخلية واحترام حجية أحكام قضائها، مع عدم الإضرار بمناخ الاستثمار داخل أراضيها.

- نظرة على التجربة المصرية في الوساطة في المنازعات المتعلقة بالاستثمار، وبخاصة منازعات التحكيم الدولية:

- طبيعة المشاكل التي واجهتها الاستثمارات الأجنبية في الآونة الأخيرة:

    التجربة المصرية في الوساطة عن طريق أجهزة الدولة المعنية لفض المنازعات الاستثمارية وديا تعد نموذجاً مهماً وملفتاً للنظر، بالإضافة الى طبيعته الخاصة. ذلك أن منازعات الاستثمار ومنازعات التحكيم الدولي بصفة خاصة بدأت في الازدياد بصورة ملحوظة عقب أحداث ينـاير 2011. فلم يحدث أن واجهت الحكومة المصرية هذا الكم من التحكيمات الدولية المقامـة ضـد الدولة المصرية قبل ذلك التاريخ. ويرجع هذا الأمر إلى أسباب عديدة من أهمها البعـد الأمنـي. فعقب أحداث يناير 2011 تدهورت الحالة الأمنية نتيجة لعدم الاستقرار والاضطراب الـسياسي. فإن للاستقرار الأمني أثر مباشر على مناخ الاستثمار في أية دولة، وعلى جـذب الاستثمارات الأجنبية إليها، وذلك فضلاً عن إبطال عقود بيع بعض المصانع والشركات الكبرى كجـزء مـن عملية الخصخصة التي قامت بها الدولة في الآونة الأخيرة من خلال أحكام قضائية لهـا حجيـة قانونية وواجبة النفاذ، بالإضافة إلى أن العديد من التعاقدات التي تمت مع الدولة لم يكـن فيهـا توازن مالي وقانوني، الأمر الذي حدا الدولة على القيام بإعادة التفـاوض علـى شـروط تلـك التعاقدات. كما أن المطالب الفئوية بعد أحداث يناير 2011 ازدادت بكثرة إلى أن أصبحت ظاهرة في المجتمع، ومن أهم الأمثلة على ذلك المطالبات العمالية في قطاعات عديدة لتحسين أوضاعهم الوظيفية، وما تبع ذلك من تظاهرات وإضرابات. الأمر الذي أدى الى تعطيل، بل توقف الأعمال في العديد من المصانع والشركات. ونتيجة لجميع هذه المشكلات والأزمات التي واجهتها الدولـة المصرية في السنوات الأخيرة تضررت الاستثمارات الأجنبية بشدة، الأمر الذي حدا المستثمرين الأجانب على إقامة العديد من التحكيمات الدولية للمطالبة بتعويضات كبيرة من الدولة المصرية عن الأضرار التي لحقت باستثماراتهم.

- جدوى الوساطة عن طريق الأجهزة المعنية للدولة:

   تلك النبذة الشارحة لطبيعة المشاكل التي واجهتها الدولة المصرية في الآونة الأخيرة، والتي أثرت ت بشدة على الاستثمارات داخل أراضيها كانت من الأهمية بمكان لفهم مدى ضرورة وجدوى الوساطة التي اتبعتها الحكومة المصرية لمحاولة فض تلك المنازعات وديا.

   فالحاجة لإيجاد طرق بديلة لفض المنازعات التحكيمية التي أقامها العديد مـن المـستثمرين الأجانب تمثلت في إيجاد وسيلة قانونية فعالة لإنهاء تلك المنازعات تقوم علـى أسـاس احتـرام القانون وسيادة الدولة، من جهة، واحترام التعاقدات مع المستثمرين الأجانـب ومواصـلـة تلـك الاستثمارات وتوفير مناخ ملائم للاستثمارات داخل الدولة، من جهة أخرى. حيث تمثلـت تـلـك الوسيلة القانونية في الوساطة التي اتبعتها الدولة عن طريق اللجنة الوزاريـة وأمانتهـا الفنيـة بالتفصيل سابقة البيان.

ومن هنا تتضح جدوى عملية الوساطة وأهميتها في التجربـة المـصرية وتتبلـور أهميـة الوساطة المتبعة في محورين.

   المحور الأول: هو أن الوساطة بهذه الصورة تمثل ضمانة لكلا الطرفين من خلال حياديـة تلك الأجهزة التي تقوم بالوساطة وحرصها في المقام الأول على احترام القوانين وعدم الإضرار بالمستثمرين بدون مسوغ ومبرر، بل إيجاد الحلول القانونية المشروعة التي يمكن مـن خلالهـا تفادي العقبات الفعلية والقانونية في التعاقدات المبرمة بين الدولة والمستثمرين واستكمال تلـك الاستثمارات إن أمكن ذلك، والوصول إلى اتفاق منصف لتعويض المستثمر، إن اقتضى الأمـر، لتجنب التحكيم الدولي توفيراً للوقت وللكثير من المصاريف التي يتوجـب تحملهـا فـي إطـار التقاضي.

   المحور الثاني: يتمثل في أن الوساطة في صورتها تلك تعتبر ضمانة مهمة بصورة أخـرى حيث تكفل تنفيذ التسويات الودية بصورة أكثر فاعلية، ذلك أن الأجهزة الحكومية المعنية المتمثلة في اللجنة الوزارية لتسوية منازعات عقود الاستثمار بمجلس الوزراء تمثل ضمانة قانونية يطمئن إليها المستثمرون لتنفيذ الاتفاقات الودية مع الدولة لإنهاء النزاعات عند الوصول لتلك المرحلـة. حيث أنه عن طريق تلك الآلية للتسوية تطرح اللجنة سالفة البيان التسويات الودية النهائية علـى مجلس الوزراء لكي يقرها ويعتمدها، وبذلك يضحي أمر تنفيذ تلك الاتفاقات الودية فوري وبدون عوائق وإجراءات معقدة أخرى.

- التجربة المصرية: نموذج إيجابي نحو إنهاء النزاعات وديـاً بين الدولة والمستثمرين الأجانب:

   إيجابية الوساطة في منازعات الاستثمار الدولية في التجربة المصرية تعبر عنها في المقـام الأول النتائج والنجاحات في الوصول إلى العديد من التسويات الودية على أرض الواقع.

    فقد سجلت "اللجنة الوزارية لتسوية منازعات عقود الاستثمار" بمجلـس الـوزراء نجاحـاً ملحوظا، حيث تم عرض عدد كبير من المنازعات الاستثمارية عليها، وقد تم بالفعل الوصول إلى حلول ودية لتسوية غالبية تلك الملفات حتى الآن. وهو الأمر الذي يشير كذلك إلى جدوى وأهمية الوساطة في صورتها هذه، والمتمثلة في تلك اللجنة سالفة البيان وأمانتها الفنية، والتي تعمل تحت رئاسة رئيس الوزراء.

    الوجه الآخر الإيجابي لهذا النموذج في الوساطة يتمثل في أثره على تشجيع مناخ الاستثمار داخل الدولة. تلك الصورة للوساطة تعطي إذا مؤشراً إيجابياً للمستثمرين الأجانب علـى القيـام بالاستثمار داخل الدولة وتطمئنهم الى مواصلة استثماراتهم، إذ أن هذا النمـوذج يعكـس أيـضاً حرص الحكومة على حماية الاستثمارات وتعزيزها من خلال تدخلها ومتابعتهـا للمنازعـات الاستثمارية بصورة إيجابية وفعالة. الأمر الذي يمثل ضمانة على حرص الدولة علـى الالتـزام والتفعيل للاتفاقيات الثنائية لحماية وتشجيع الاستثمارات التي أبرمتها مع العديد من دول العالم.