يرتكز كل من التحكيم والصلح على إرادة الأطراف، ورغبتهم في حل النزاع المثار بينهم بعيداً عن ساحات القضاء العادي، غير أن ذلك لا يعني التطابق التام بينهما، إذ إن هناك فروقا جوهرية وهنالك أوجه اتفاق.
أوجه الشبه والاختلاف بين التحكيم والصلح:
هنالك أوجه تشابه بين كل من التحكيم والصلح، وكذلك أوجه خلاف بينهما ونبين ذلك فيما يلي
أولا: أوجه الشبه بين التحكيم والصلح:
يتشابه الصلح مع التحكيم في بعض الأوجه، منها:
1 – أن كليهما يعتبران وسيلتين لحسم المنازعات بدلاً من طريق القضاء العام في الدولة، ويحققان بذلك غاية يحرص عليها المشرعون جميعا وهي عودة الوئام والود بين الأطراف المتنازعة والبعد عن اللدد في الخصومة.
2- أن كلا من الصلح والتحكيم يرتكزان على توافق إرادة الأطراف، فإذا انعدمت هذه الإرادة فلا تحكيم ولا صلح، فضلاً عن أن اتفاق التحكيم كاتفاق الصلح قد يكون سابقاً على نشوب النزاع أو لاحقاً عليه، علاوة على أن كـل مـن اتفاق الصلح واتفاق التحكيم لا يثبت إلا بالكتابة.
3- تطابق النطاق الموضوعي لكل من التحكيم والصلح، حيث لا يجوز التحكيم في المسائل التي لا يجوز فيها الصلح، كالمسائل المتعلقة بالحالة الشخصية أو الناشئة عن ارتكاب إحدى الجرائم مع أجازتهما في الحقوق المالية المترتبة عليهما.
4- إن وجود كل من التحكيم والصلح يعني عدم جواز عرض النزاع على القضاء والدفع بحجية الشيء المقضي به، فمـا فـصـل فيـه بالتحكيم أو اتفق عليه صلحاً يصلح لإثارة الدفع بحجيـة الشـيء المحكوم به عند إثارة ذات النزاع أمام القضاء .
ثانيا: أوجه الاختلاف بين التحكيم والصلح:
يتميز التحكيم عن الصلح في عدة نواح نوجزها على النحو التالي:
1 - إن تسوية النزاع عن طريق الصلح يتم بتنازل كل طرف من الأطراف المتنازعة عن كل أو بعض ما يتمسكون به، وقد يقتضي التنازل عن جزء من الحق الموضوعي محل النزاع مقابل الجزء الذي يتنازل عنه الطرف الآخر، أما التحكيم فهو وسيلة فحسب لحل النزاع دون أن يتضمن تنازل الخصوم عن جزء من الحق الموضوعي محل النزاع، حيث يقتصر دور الأطراف على اختيار محكم يتولى حسم النزاع بحكم ملزم وقد يقضي بكل الحق لخصم واحد دون الآخر.
2- الصلح يتم حل النزاع بإرادة الطرفين من بداية سلوك الصلح حتى نهايته، في حين أن التحكيم يبدأ باتفاق الأطراف على حل النزاع ولكن لا سيطرة لهما عليه بعد البدء في إجراءاته وحتى صدور حكم التحكيم، وعلة ذلك أنه في الصلح يتم حل النزاع بعمل تعاقدي بين طرفيه أما : في التحكيم فيتم حل النزاع بعمـل قـضـائي يصدر من المحكـم ولـيـس مـن الطرفين، ففي الصلح يتنازل كل من الطرفين عن جزء من ادعاءاته، أما في التحكيم فإن المحكم يمكن أن يحكم لطرف بكل ما يدعيه ولو كان المحكـم مفوضا بالصلح . والتحكيم يختلف عن الصلح في أن حل النزاع في التحكيم يتم بقرار ملزم من المحكم (الغير) لأطراف النزاع بالتسوية الودية بواسطة الغير، أما حل النزاع في الصلح فيتم باتفاق إرادي محض بين ذوي الشأن، أي تسوية ودية ذاتية.
ومن أوجه الاختلاف أيضا أن المحكم في حكم التحكيم كالقاضي يحسم النزاع لصالح الطرف صاحب الحق دون أن يلزمه بتقديم تضحية معينة أو بالتنازل ولو عن جزء من حقه، أما في الصلح فإن مضمون ما يتفق عليه الطرفان هو تنازل كل منهما عن جزء من ادعائه ولو كان هو صاحب الحق الذي تنازل عنه .
كذلك يختلف التحكيم عن الصلح إذ إن الصلح لا يخول كل ما يحققه التحكيم، فحكم المحكمين يحوز حجية الأمر المقضي به، بينما الصلح يمكن مهاجمته كأي عقد بدعوى بطلان أصلية لعيب من العيوب التي تلحق العقد، أما حكم المحكمين فلا يجوز المساس بحجيته إلا بطرق الطعن التي يقررها القانون بالنسبة له.
وأخيراً فإن حكم التحكيم الذي يحوز حجية الأمر المقضي به يمنع من رفع الدعوى التي فصل فيها الحكم مرة أخرى، في حين أن الصلح لا يمنع أحد الأطراف من الالتجاء إلى قضاء الدولة أو حتى للتحكيم للمطالبة بما قرره عقد الصلح من حقوق.