الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم والصلح / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 26 / مبدأ عـدم تضارب المصالح في التحكيم( بين الفقه والقانون)

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 26
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    245

التفاصيل طباعة نسخ

تمهيد :

    إن تعارض مصلحة صاحب القرار أو المسؤولية الشخصية أو من تربطه بهم صلات قربی أو عمل أو منفعة متبادلة مع مسؤولياته وواجباته العملية، وما تقتضيه العدالة والنزاهة من الناحية الشرعية والأخلاقية، يحتم ويوجب على كل من يمكن أن تتعارض مصلحته الشخصية، هو أو من تمت الإشارة إليهم أعلاه، مع عمله؛ سواء كان ذلك في المجال الشرعي أو الوظيفي أو القضاء... الخ، فإنه ومن باب دفع الشبهة والاتهام بعدم الحياد والنزاهة، يجب على من يحتمل تعرضـه أو وقوعه في مغبة تعارض المصالح أن يتجنب أي عمل أو تصرف قد ينال من نزاهتـه ويوقعـه في مخالفة شرعية وأخلاقيـة ووظيفيـة بتعـارض المـصالح. وإن مبـدأ عـدم تعـارض أو تضارب المصالح يتجلى من خلال عدة مجالات كالقـضاء والمحامـاة والوكالـة، والمحاسـبة والتحكيم.... الخ.

    وفي هذا البحث سيتم تناول صور تعارض المصالح في ما ذكر أعلاه على وجه الإجمـال وسبيل الذكر لا الحصر، وسيتم التركيز بشكل أوفى وأوسع على مبدأ عدم تعارض المصالح في التحكيم كون التحكيم في النزاعات التجارية وغيرها يعتمد علـى مهنيـة المحكمـيـن ونـزاهتهم وحياديتهم في الفصل بين أطراف النزاع، مما يوجب على كل منهم الامتناع عن قبول التحكيم في أي نزاع يكون أحد أطرافه أو المستفيدين من الحكم فيه أياً ممن تربطه بأحد المحكمين صلة قربى أو عمل أو منفعة أو أية مصلحة يمكن أن تؤثر في حياديته في عمله كمحكم؛ ممـا يطـعـن فـى نزاهته وحياديته، وبالتالي الطعن في صحة الحكم برمته سواء كان ذلك الحكم صادراً عنه كمحكم وحيد أو كان صادراً عن هيئة تحكيم هو أحد أعضائها.

مفهوم تضارب المصالح:

     يمكن تعريف تضارب المصالح بأنه: الحالة التي يكون فيها طرف معـين شخـصاً طبيعياً أو معنوياً في مركز أو وظيفة، تكون له القدرة فيه على اتخاذ قرار أو إصدار حكم سواء بشكل فردي أو بالاشتراك مع غيره، على أو لأطراف أخرى تربطه بهم مصلحة أو قرابة أو صلة من أي شكل كان يمكن أن يجلب لهم منفعة أو يدفع عنهم مضرة على حساب مصلحة المركز أو الوظيفة التي يمثلها.

    وبناء عليه، فإن أي شخص يستشعـر وجود حالة من تضارب المصالح عليه أن يتخلى من تلقاء نفسه مؤقتاً لوجود تلك الحالة من التضارب ولحين انتهاء حالة التضارب المؤقتة أو يتخلـى نهائياً إذا كانت إحدى الوظيفتين أو المركزين متناقضتين، من جهة، ولهما صفة الثبات والديمومة بالنسبة له من جهة أخرى. ويضاف إلى الشبهة أو الشك الـذي يـشـوب أحـد المراكـز أو الصـفات الوظيفية أنه في حالات أخرى قـد يعـتري البـطـلان تلك القرارات التي يـشوبها تضارب بالمصالح، ولو في وقت لاحق.

أهمية مبدأ عدم تضارب المصالح:

    إن أهمية مبدأ عدم تضارب المصالح تتجلى في أنه يقوم على ركيزتين رئيسيتين: الأولـى وهي وجوب تحقيق العدالة من خلال تطبيق مبدأ تكافؤ الفرص للجميع، بحيث لا يتميـز أحـدهم عن الآخرين بأي معلومة أو نفوذ له تأثير لا يملكه الآخرون ، والركيزة الثانية تتمثل بـضرورة الحرص والحفاظ على المراكز القانونية أو الوظيفية أو الإدارية أو القضائية من أن ينالها الـشك أو الشبهة باحتمالية الميل لصالح أحـد الأطراف على حساب طرف أو أطراف أخرى، بحيث لا تتحقق العـدالة في القرارات الإدارية أو الأحكام القضائية التي تصدر عن تلك المراكز القانونية؛ ولذا ينسحب أصحاب هذه المراكز لمجرد وجود حالة التضارب بالمصالح وقبل اتخاذ أي قرار أو حكم، وعليه فهو مبدأ احترازي يقوم على قاعـدة الأحوط دفعـاً للشبهة.

   ويعتبر مبدأ تضارب المصالح من أهم المبادئ القانونية في الحياة المعاصرة، وذلك بـسبب ارتباطه بجميع الأنشطة الاقتصادية والإدارية والقضائية والقانونية، وغيرها من مناحي الحياة.

التأصيل الشرعي لمبدأ عـدم تضارب المصالح

     إن من جوانب العدالة في أحكام الشريعة الإسلامية وأصولها هـو التـوازن والإنـصاف، ويتجلى ذلك في مراعاة وحفظ حق الفرد ومصلحته من جهة، ومن جهة أخرى، الحرص على ألا يتعدى ذلك الى التعدي على مصالح الآخرين بشكل أو بآخر. وإن حساسية ودقة هذا الأمر جعل من الشريعة الإسلامية ضابطاً ومحدداً له بشكل واضح وجلي، بحيث حظرت على الفرد أن يجمع في التزاماته أو تعاملاته المختلفة بين صفته الشخصية، وأي صفة أخرى لها بما يحقق مـصلحته على حساب مصالح الآخرين، أو أن يستغل منصباً وظيفياً إدارياً أو تجارياً أو قضائياً له بحيـث يمكنه موقعه هذا من تغليب مصلحته هو أو قرابته على مصالح الآخرين بما يناقض مبدأ العدالة وحفظ المصالح للجميع، وقد نهى القرآن الكريم عن ذلك، ومن الشواهد المتضمنة لمبدأ عــدم جواز تضارب المصالح ما يلي:

أولاً- السنة النبوية:

    وردت أحاديث عن النبي ﷺ تدلل بوضوح على عدم جواز تضارب المصالح، وتحض على الحرص على تجنب الوقوع فيه ودفع الشبهة في ذلك، ومن تلك الأحاديث النبوية:

     1- ورد أن النبي ﷺ استعمل رجلاً من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فجاء فقـال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فقام النبي ﷺ على المنبر، فحمد الله وأثنى عليه، وقال: (ما بال العامل نبعثه فيجيء فيقول:هذا لكم وهذا أهدي لي، ألا جلس في بيت أمه أو أبيه فينظر أيهدى له أم لا، لا يأتي أحد منكم بشيء من ذلك إلا جاء به يوم القيامة إن كان بعيـراً فله رغاء، أو بقرة فلها خوار، أو شاة تيعر)، ثم رفع يديه حتى رأينا عفرة إبطيه، ثـم قال: (اللهم هل بلغت اللهم هل بلغت). .

لقد بين هذا الحديث الشريف أن ما أعطي لعامل الرسول ﷺ هدية، إنمـا أعطـي لـه بصفته الاعتبارية والعملية كجاب للصدقة، وليس بصفته الشخصية، وإلا لما أُهدي لـه شيء، كما قال ﷺ، وفي هذا الحديث إشارة إلى مبدأ تعارض المصالح وعـدم استغلال صفة مهنية لتحقيق مصلحة شخصية

2- قول النبي ﷺ: (من طلب القضاء واستعان عليه وكل إليه، ومن لم يطلب القضاء ولـم يستعن عليه أنزل الله عليه ملكاً يستده) رواه أهل السنن.

وبعد ذكره هذا الحديث الشريف، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:

]فإن عدل (القاضي) عن الأحق الأصلح إلى غـيره لأجـل قـرابة بـــــينهما أو ولاء عـتـاقـة أو صداقـة أو مرافـقة في بـلـد أو مـذهـب أو طــريقة أو جـنس: كالعربية والفارسية والتـركية والرومية أو لرشــــوة يأخذها منه من مال أو منفعة أو غير ذلك من الأسباب أو لضغن في قلبه على الأحق أو عداوة بينهمـا فقـد خـان الله ورسوله والمؤمنين ودخل فيما نهى عنه في قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون»، ثم قال: «واعـــلموا أنمـا أمـوالكم وأولادكم فتنة وإن الله عـنـده أجـر عـظيم»، فإن الرجل لحبه لولـده أو لعـتيــقه قـد يؤثـره في بعض الولايات أو يعطيه ما لا يستحقه فيكون قد خان أمانته وكـذلك يؤثره في ماله أو حفظه بأخذ ما لا يستحقه أو محاباة من يداهنه في بعـض الولايـات فيكون قد خان الله ورسوله وخان أمانته..إلخ[.

ثانياً- أقوال الصحابة:

    ومن ذلك قول الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضى الله عنه: (من ولي من أمر المسلمين شيئاً فـولى رجلاً لمودة أو قرابة بينهما فقد خان الله ورسوله والمسلمين).

    وهذا من باب دفع التهمة وإبعاد الشبهة التي قد تعتبر تعيين القريب رحمـاً أو مـودة فـي مركز أو منصب هو استغلال لصفة السلطة لتحقيق مصلحة شخصية علـى حـساب المصلحة العامة.

مبدأ عدم تضارب المصالح في الفقه والقوانين المعاصرة:

   إن التأصيل الشرعي - السابق تناوله السابق تناوله – لمبدأ عـدم تضارب المصالح، عـدم تضارب المصالح، قـد تـم ترسيخه كأصل من أصول القوانين المعاصرة في ما يتعلق بالشراكة والقضاء والوكالة والوظائف والولاية والشهادة وغيرها، وتضمنت القوانين والأنظمة نصوصاً متعلقة بهذا المبـدأ وتمنـع أي إمكانيـة لحدوث تضارب المصالح.

    وفي ما يلي نسـتـعـرض بعـضاً من المجالات التي تتضمن صــوراً مـن تـضـارب المصالح في القوانين المعاصرة وأثر التشريع الإسلامي على هذه القوانين المعاصرة، فـي يتعلق بهذه المجالات المتضمنة صوراً من تضارب المصالح، وذلك على سبيل المثـال ولـيـس الحصر، ثم نخص بالذكر والتفصيل ما يتعلق بمبدأ عدم تضارب المصالح في مسألة التحكـيم، وذلك على النحو التالي:

1- القضاء:

   يعتبر القضاء أحد أهم المجالات التي يتم فيها مراعاة وتطبيـق مبـدأ تـضارب المصالح سواء كان ذلك بطريقة مباشرة أو غير مباشـرة أو بـشكل سـابق أو لاحـق. وممـا يلاحـظ علـى مبـدأ تضـارب المصالح عند تطبيقه على مرفق القضاء هو الأخـذ بـالأحوط دفعـاً للشبهة.

مبدأ عدم تضارب المصالح في القضاء في النصوص الفقهية:

    جاءت نصوص عـديدة تتناول مبدأ تضارب المصالح في القضاء، نذكر منها على سبيل المثال ما ورد في مجلة الأحكام الشرعية، حيث ورد فيها بأنه لا يجوز حكم القاضي على عـدوه ولا حكمه لنفسه ولا لمن لا تقبل شهادته لهم. وأنه لا يجوز للقاضي قبول هدية إلا ممـن كـان يهاديه قبل ولايته إذا لم تكن له خصومة. كما أنه، من جهة أخرى، أوجبـت تلـك النـصـوص الشرعية على القاضي اجتناب الأفعال والحركات التي توجب تهمة أو كسر قلب أحد الخـصمين فلا يجوز له أن يساير أحدهما أو يكلمه بكلام لا يفهمه الآخر أو يضيفه أو يلقنه حجته أو يعلمـه كيف يدعي، إلا إذا ترك المدعي ما يلزم ذكره فله أن يسأله عنه).

   وقد ورد في كتاب "شرح المجلة" لـ سليم رستم باز، وهو من أعـضاء شـورى الدولـة العـثمانية سابقاً بأنه: [ يشترط أن لا يكون المحكوم له من أصول الحاكم وفروعه، وأن لا يكون زوجته أو شـريكه في المال الذي سيحكم به، وأجيره الخاص، وممن يتعيـش بنـف بناء عليه ليس للحاكم أن يسمع دعوى واحد من هؤلاء ويحكم به].

مبدأ عدم تضارب المصالح في القضاء في القوانين والأنظمة المعاصرة:

   إن هناك تركيزاً واضحاً في القوانين والأنظمة المعاصرة على مبدأ عدم تضارب المصالح في ما يتعلق بالقضاء، سواء في ما يخص القضاة أو أعوانهم من كتاب العدل والمحاكم وغيـرهم من العاملين في المحاكم، ففي المملكة العربية السعودية مثلاً، نصت المادة (54) نظام المرافعات الشرعية على أنه: [لا يجوز للقاضي ولا لعضو هيئة التحقيق والادعاء العـام ولا لأحـد مـن العاملين في المحاكم، أن يكون وكيلاً عن الخصوم في الدعوى ولو كانت مقامة أمام محكمة غير المحكمة التابع لها، ولكن يجوز لهم ذلك عن أزواجهم وأصولهم وفروعهم ومن كان تحت ولايتهم شرعا].

   كما ذكرت المادة (الرابعة والتسعون) من النظام المذكور الأحوال التي يكون فيها القاض ممنوعاً من نظر الدعوى وسماعها، ولو لم يطلب ذلك أحد الخصوم، وهي أحوال ترتبط بتضارب المصالح، مثل: إذا كان القاضي زوجاً لأحد الخصوم أو كان قريباً أو صهراً لـه إلـى الدرجـة الرابعة، أو إذا كان له أو لزوجته خصومة قائمة مع أحد الخصوم في الدعوى أو مع زوجته ، أو إذا كان وكيلاً لأحد الخصوم أو وصياً أو قيماً عليه.... ، أو إذا كانت له مصلحة فـي الـدعوى القائمة أو لزوجته أو لأحد أقاربه أو أصهاره على عمود النسب....، أو إذا كان قد أفتى أو ترافع عن أحد الخصوم في الدعوى أو كتب فيها... الخ.

    وقد اعتبرت المادة (الخامسة والتسعون) أنه: يقع باطلاً عمل القاضي أو قضاؤه في الأحوال المتقدمة أعلاه ولو تم باتفاق الخصوم .

    أما المادة (السادسة والتسعون)، فقد أجازت رد القاضـي لأحـد الأسباب التـي ذكرتهـا بالتفصيل، وهي متعلقة بحالات تضارب المصالح كأن يكون له أو لزوجته دعوى مماثلة للدعوى التي ينظرها، أو إذا حدث له أو لزوجته خصومة مع أحد الخصوم أو مع زوجته بعد قيام الدعوى المنظورة أمام القاضي...، أو كان لمطلقته التي له منها ولد أو لأحد أقاربـه أو أصـهاره إلـى الدرجة الرابعة خصومة قائمة أمام القضاء مع أحد الخصوم في الـدعوى... أو إذا كـان أحـد خادماً له، أو كان القاضي معتاداً مؤاكلة أحد الخصوم أو مساكنته، أو كان بين القاضي الخصوم أو أحد الخصوم عداوة أو مودة تؤثر عليه فيتحيز في حكمه .

2- المحاماة:

    تعتبر مهنة المحاماة أكثر المجالات التي يتجلى فيها تطبيق مبدأ تضارب المصالح. ويرجـع السبب في ذلك إلى كون المحامي أو شركة المحاماة يقدمان مساعدات قانونية لعـدد كبيـر مـن الأفراد والشركات مقابل أتعاب يتلقونها، وبالتالي تنشأ علاقات إيجابية تسودها المنفعة والمصالح المشتركة بين الطرفين. وفي المقابل، فإن عدداً كبيراً من الأفراد أو الشركات الذين سبق وأن كان لهم تعامل مع محام معين أو شركة محاماة معينة – قد تكـون لهم خصومة مـع أفـراد أو مؤسسات أو شركات أخرى – وفي هذه الحالة يحظر على المحامي أو شركة المحاماة من حيث المبدأ إعطاء رأي أو الترافع في قضية تتضمن بشكل أو بآخر خصومة مع عملاء هذا المحـامي أو شركة المحاماة.

وبناء عليه، فإنه في المملكة العربية السعودية مثلا، تضمنت مواد نظام المحاماة أحكاماً تمنع بشكل صريح حصول أي تضارب للمصالح عند ممارسة المحامي مهنته، فقد نصت المادة (15) من النظام المذكور على أنه: [لا يجوز للمحامي بنفسه أو بوساطة محام آخر أن يقبل الوكالة عن خصم موكله أو أن يبدي له أي معونة، ولو على سبيل الرأي، في دعوى سبق له أن قبل الوكالة فيها أو في دعوى ذات علاقة بها ولو بعد انتهاء وكالته].

   أما المادة (16) من نظام المحاماة السعودي، فقد نصت على أنه: [ لا يجوز لمن كان قاضياً قبل مزاولة مهنة المحاماة أن يقبل الوكالة بنفسه أو بوساطة محام آخر في دعوى كانت معروضة عليه].

    وهذا نص صريح على منع الاستفادة من أي معلومة كانت لدى المحامي بسبب كونه قاضياً سابقاً أطلع بحكم عمله على مجريات القضية.

    أما المادة (17) من نظام المحاماة السعودي، فقد كانت أكثر تـشدداً حيـث وضـعت قيـداً احترازياً أكثر شمولية من المادة السابقة، والتي قيدت المنع لمن كان قاضياً سابقاً، وعليـه فمـن أطلع بسبب وظيفته إما كموظف عام أو خبير أو محكم، فإنه أيضاً لا يحق له الترافع نيابة عـن الغير، حيث نصت المادة المشار إليها على أنه: [لا يجوز لمن أبدى رأيه في قضية بصفته موظفاً أو محكماً أو خبيراً أن يقبل الوكالة في تلك القضية].

3- الوكالة:

   إن التفويض الذي يعطى بموجب الوكالة يؤسس لمركز قانوني يكون للوكيل صفة النيابة عن الأصيل الذي وكله حسب مضمون تلك الوكالة من كونها عامة أو خاصة، وبالتالي فإن تـصرف الوكيل بالبيع والشراء أو التزويج أو خلافه يأخذ حكم الأصيل، ويكون ملزماً له طالما أن الوكيل لم يخرج عن إطار الوكالة. وبناء عليه، فإن للوكيل صفتين: الأولى كونه ممـثلاً ونائبـاً عـن الموكل، وصفة أخرى هي صفته الشخصية، وبالتالي أي تصرف يقوم به نيابة عن الموكل يجب فيه أن يفصح عن صفته باعتباره وكيلاً وليس متصرفاً من تلقاء نفسه.

    إن هذه الازدواجية في صفة الوكيل تجعل منه محلاً وسبباً لاحتمال ظهور حالـة تـضارب المصالح؛ ولذلك وردت في كتب الفقه الإسلامي نصوص عديدة حول هذه المسألة، وقد استمدت من تلك النصوص نصوص في تشريعات وقوانين معاصرة تمنع حصول تضارب المصالح فـى أعمال الوكالات والعلاقة بين الوكيل والموكل.

مبدأ عدم تضارب المصالح في الوكالة في النصوص الفقهية:

    هناك الكثير من الشواهد والأسانيد الشرعية والفقهية التي تركز على مبدأ عـدم تـضارب المصالح في ما يتعلق بالوكالة والعلاقة بين الموكل والوكيل، والتي منها على سبيل المثال وليس الحصر:

    ما ورد في المغني بأن: (شراء الوكيل من نفسه غير جائز وكذلك الوصي) ، كما ورد في الموسوعة الفقهية الكويتية أنه لا يجوز بيع الوكيل لنفسه ، وفي مجلة الأحكام الشرعية ورد أنه: (لا يصح بيع الوكيل لنفسه ولا شراؤه من نفسه لموكله، لكن لو أذن له الموكل في ذلـك صــح ويتولى طرفي العقد). وقد ورد مثل ذلك في كتاب شرح المجلة.

مبدأ عدم تضارب المصالح في الوكالة في القوانين والأنظمة المعاصرة:

    أما في القوانين والأنظمة، فهناك نصوص واضحة بخصوص مبدأ عدم تضارب المصالح في شؤون الوكالة وأعمالها، أخذا بالمبادىء والأسس الشرعية والفقهية أعلاه، ومثال ذلك: ما ورد في المادة (141) من النظام التجاري السعودي (نظام المحكمة التجارية)، بأنه: [لا يسوغ للوكيل بالعموم ولا للدلال أن يشتري من نفسه لنفسه مال موكله ما لم يكن بإذن المالـك أو اطلاعـه... وإذا فعل ذلك...يعد مختلساً].

4- محاسبون قانونيون:

يعتبر المحاسب القانوني ومراجع الحسابات بمثابة الخبيـر الفنى فى الأمـور الماليـة  والحسابات، فبالإضافة إلى عمله في مراجعة الحسابات الداخلية للشركات والمؤسسات وإعـداد الميزانية السنوية الختامية في نهاية السنة المالية، يمكن تكليفه إعداد تقرير محاسبي ورأي فني في المسائل المالية في موضوع معين أو قضية تكون منظورة لدى المحاكم؛ ولـذلك فـإن طبيعـة المحاسب القانوني تتسم بالأهمية والخطورة لأنه بمثابة قاض، حيث في كثير من الأحوال يكـون رأيه هو الفاصل بالحقوق بين المتنازعين، وتجنباً لحدوث حالات من تضارب المصالح في عمل المحاسبين القانونيين ومراجعي الحسابات، فهناك نصوص وأحكام واضحة وصريحة في القوانين والأنظمة المعاصرة تشير إلى إمكانية حدوث حالات من تضارب المصالح، وتمنـع مراجـع الحسابات أو المحاسب القانوني من ممارستها، ومن ذلك وفي المملكة العربية السعودية علـى سبيل المثال:

1- نظام المرافعات الشرعية:

    نصت المادة (الثالثة والثلاثون بعد المائة) منه على أنه: يجوز رد الخبراء للأسباب التـي تجیز رد القضاة ... الخ].

   وقد سبقت الإشارة إلى حالات جواز رد القضاة، وهـي مرتبطـة بتعـارض أو تـضارب المصالح.

2- نظام الشركات:

    المادة (130) بعد أن أشارت إلى تعيين مراجع الحسابات في الشركة المساهمة، نصت على أنه: [... ولا يجوز الجمع بين عمل مراقب الحسابات والاشتراك في تأسيس الشركة أو عضوية مجلس الإدارة أو القيام بعمل فني أو اداري في الشركة، ولو على سبيل الاستشارة، كما لا يجوز أن يكون المراقب شريكاً لأحد مؤسسي الشركة أو لأحد أعضاء مجلس إدارتها أو موظفاً لديه أو قريباً له إلى الدرجة الرابعة بدخول الغاية، ويقع باطلاً لعمل مخالف لحكم هـذه الفقـرة ويلـزم المخالف بأن يرد إلى وزارة المالية والاقتصاد الوطني ما قبضه من الشركة].

3- نظام المحاسبين القانونيين:

    هذا النظام منع المحاسب القانوني من القيام بمراجعة حسابات الشركات التـي تكـون لـه مصلحة مباشرة أو غير مباشرة فيها، حيث نصت المادة (13) من النظام المـذكور علـى أنـه لا يجوز للمحاسب القانوني أن يراجع حسابات الشركات أو المؤسسات التي يكون له مـصلحة مباشرة أو غير مباشرة فيها، وذلك طبقاً لما تحدده اللائحة التنفيذية].

التحكيم

 مقدمة:

    إن سماحة الدين الإسلامي الحنيف وعدالة شريعته الغراء تتجليان بالأحكام والتشريعات في كافة نواحي الحياة المتعلقة بمعاملات البشر، ومن التجليات البارزة والجـديرة بالاهتمـام لـذلك هو الحرص على حل نزاعات المتخاصمين بشكل ودي يـضمن مـصالح طرفـي النـزاع أو المخاصمة مما يغنيهما عن اللجوء إلى الجهة القضائية شرط أن يكون ذلك الصلح مبنيـا علـى العدل والقسط ولا ينال من حق أي من طرفي الخصومة، إلا إن كان برضا منه في سبيل حـل النزاع والخلاف.

    وقد عرف "قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الـدولي"، الـذي اعتمدتـه لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي (الأونسيترال) UNCITRAL عـام 1985م، وأجرت عليه تعديلات في عام 2006م، عرف هذا القانون فـي مادتـه (الـسابعة) اتفـاق التحكيم بأنه: [هو اتفاق بين الطرفين على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض النزاعـات التي نشأت أو قد تنشأ بينهما بشأن علاقة قانونية محددة، سواء أكانت تعاقدية أم غير تعاقدية. ويجوز أن يكون اتفاق التحكيم في شكل بند تحكيم وارد فـي عقـد أو فـي شـكل اتفـاق منفصل].

http://www.uncitral.org/uncitral/ar/uncitral_texts/arbitration/1985Model arbitration.html.

    وعلى هذا المنوال جاء تعريف نظام التحكيم في المملكة العربية السعودية لاتفـاق التحكـيم بأنه: [اتفاق بين طرفين أو أكثر على أن يحيلا إلى التحكيم جميع أو بعض المنازعات المحـددة نشأت أو قد تنشأ بينهما في شأن علاقة نظامية محددة، تعاقدية كانت أم غير تعاقدية، سـواء أكان اتفاق التحكيم في صورة شرط تحكيم وارد في عقـد، أم فـي صـورة مـشارطة تحكـيم التي مستقلة].

    أما قانون التحكيم المصري مثلاً، فقد عرف في مادته العاشرة اتفاق التحكيم بأنـه: [اتفـاق الطرفين على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنـشأ بينهما بمناسبة علاقة قانونية معينة، عقدية كانت أو غير عقدية].

دوافع اللجوء إلى التحكيم:

    إن ما يدفع المتخاصمين إلى اللجوء إلى حل نزاعاتهم عن طريق التحكيم وحرصهم علـى تضمين شرط التحكيم في العقود، في ما بينهم، يرجع لأكثر من أمر واعتبار، ولكن أهمها:

    1- اختصار الوقت وسرعة بت وفصل تلك النزاعات مقارنة بما يحدث في المحاكم وتأخر فصلها في القضايا لعدة أسباب وعوامل، ومنها مثلا: كثرة القضايا المعروضة عليهـا، والتأجيل المتكرر للجلـسات، وإشـكالات حـضور أطـراف النـزاع مـن عـدمـه والبيروقراطية في الإجراءات والمعاملات، وتعدد درجات الحكم حتى يكتسب الدرجـة النهائية والقطعية ويكتسب حجية الأمر المقضي به، وإشكالات التنفيـذ وتعقيـداتها ... وغيرها من العوامل والأسباب التي تؤدي إلى إطالة أمد النزاع قبل الفصل فيه من قبل الجهة القضائية، وما يسبب ذلك من خسائر مالية وفوات وقت، كان يمكـن اسـتثماره والاستفادة منه في العمل التجاري أو غيره.

    2- قلة تكاليف التحكيم مقارنة بتكاليف إقامة الدعاوى وأتعـاب المحامـاة وغيرهـا مـن المصاريف والتكاليف التي تزداد تبعا لطول الفترة الزمنية التي يستغرقها النظـر فـي الدعوى حتى يبتها القضاء ويفصل فيها.

     3- أن حكم التحكيم نهائي وملزم لطرفي النزاع، ولا مجال للطعن فيه أو الاستئناف ضده.

مراكز تحكيم متخصصة:

    جدير بالذكر أنه، فضلاً عن الأشخاص الذين يتم تكليفهم كمحكمين أفـراد أو علـى شـكل هيئات تحكيم يتم اعتمادها رسمياً لدى وزارة التجارة في البلد الذي يكون فيه النزاع، فإن هنـاك مراكز وهيئات مهنية متخصصة في توفير خدمات التحكيم وتسوية النزاعات التجارية وغيرهـا عن طريق التحكيم، ومن الهيئات والمراكز التحكيمية العربية، على سبيل المثال وليس الحـصر: مركز دبي للتحكيم الدولي، مركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية المركز اللبناني للتحكيم .

التحكيم بين الفقه والقانون .

أولا- التأصيل الشرعي والفقهي للتحكيم:

    أن يهدف في كثير من الأحيان إلى الصلح بين المتخاصمين والمتنازعين، وهناك شواهد من التشريع الإسلامي الذي ورد فيه النص على الصلح والتحكيم، وهي:

1- القرآن الكريم:

    أ- قوله تعالى: ( وإن خفتم شقاق بينهما فابعثوا حكماً من أهله وحكماً من أهلها إن يريـدا إصلاحاً يوفق الله بينهما إن الله كان عليما خبيرا) [النساء: 35].

    ولا شك في أن مبدأ اختيار كل طرف حكماً أو محكماً من جانبه يتضمن تأسيساً لمبـدأ (التحكيم) كوسيلة من وسائل حل النزاعات، وذلك بقوله تعالى: «حكماً من أهله وحكمـاً من أهلها .

    ب-قوله تعالى: «لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصـلاح بين الناس، ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضاة الله فسوف نؤتيه أجـراً عظيمـاً [النساء: 114[ .

    وهذا التنزيل المحكم يدلل على أهمية الإصلاح بين الناس وتسوية نزاعاتهم دون اللجوء إلى القضاء.

2- السنة النبوية:

    من الشواهد على وجود فكرة ومبدأ التحكيم في السنة النبوية ما ورد فـي صـحيح الإمـام البخاري من توافق الرسول ﷺ مع بعض مناوئيه على فكرة ومبدأ التحكيم من جهـة، والتوافـق على اختيار الصحابي سعد بن معاذ أمير الأوس محكماً للفصل في النزاع بين الطرفين.

3- عمل الصحابة رضي الله عنهم:

    الصحابة رضي الله تعالى عنهم أخذوا بمبدأ التحكيم، وتمثل ذلك في ما جرى بين الخليفـة علي بن أبي طالب رضى الله عنه والصحابي معاوية بن أبي سفيان رضى الله عنه  .

ثانياً- التحكيم في القانون:

    استناداً إلى التشريع الإسلامي في الحرص على الصلح والحلول عن طريق المحكمين دون اللجوء الى القضاء، فقد حظي التحكيم منذ القرن الماضي وإلى الآن باهتمام بالغ من ناحية الكتابة عنه، ومن ناحية إنشاء الهيئات والمنظمات الدولية والمحاكم التي تنظر فيه، بالإضافة إلى صدور قوانين تنظم أحكامه. ونظراً لكونه وسيلة من وسائل التقاضي وكون أحكامه ملزمـة، فقـد تـم اعتماده كصورة من صور المرجعيات القضائية التي يلجأ إليها لحل النزاعات، وتم اعتماده فـي القوانين والأنظمة المعاصرة، ومنها على سبيل المثال قوانين التحكيم الصادرة في عـدة بـلـدان عربية، مثل: المملكة العربية السعودية، واليمن والإمارات العربية المتحدة، وتونس، والجزائر، والسودان، والعراق، وسلطنة عمان، وقطر، والكويت ومصر، والمغرب، والأردن، وسوريا.

مبدأ عدم تضارب المصالح في التحكيم

    لا شك في أن كافة التشريعات الحديثة تمنع وتسعى لعدم وجود أيـة حـالـة مـن حـالات التضارب في المصالح حيث يمنع منعا باتا على المحكمين الذين في الحقيقة تم تعييـنهم كقـضـاة للفصل في النزاعات أن يكون لأي من أطراف هيئة التحكيم أية مصلحة أو خصومة مع الأطراف المتنازعة وذلك أسوة بالقضاة، بل الأمر يتعدى ذلك، حيث يجب على كل محكم إن كان غـرض عليه نزاع في مسألة ما ودرسها وأعطى فيها رأياً استشارياً، فإن عليه أن يمتنع عـن أن يكـون و محكماً لهذه المسألة.

    ومن الأمثلة والتطبيقات العملية لمبدأ عدم تضارب المصالح فـي التحكـيم فـي القـوانين والأنظمة المعاصرة والاتفاقيات العربية والدولية، ما يلي:

أولاً- نظام التحكيم السعودي:

    فقد نصت المادة (السادسة عشرة) من النظام المذكور على أنه: [1- يجب ألا يكون للمحكم مصلحة في النزاع، وعليه منذ تعيينه وطوال إجراءات التحكيم – أن يصرح كتابـة لطرفـي التحكيم بكل الظروف التي من شأنها أن تثير شكوكا لها ما يسوغها حول حياده واستقلاله، إلا إذا كان قد سبق له أن أحاطهم علماً بها]. كما نصت المادة ذاتها على أنـه: [ 2- يكـون المحكـم ممنوعاً من النظر في الدعوى وسماعها – ولو لم يطلب ذلك أحد طرفي التحكيم – في الحـالات نفسها التي يمنع فيها القاضي].

ثانياً- قانون التحكيم اليمني:

   صدر هذا النظام بالقرار الجمهوري رقم (22) لسنة 1992، وقد نصت المادة (11) علـى أنه: [لا يجوز للقاضي أن يكون محكماً في قضية منظورة أمامه حتى ولو طلب منـه الـخـصوم أنفسهم ذلك ولا يحق للقضاة أن يتفقوا على إحالة القضايا إلى بعضهم البعض للتحكيم فيها سـواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة].

    كما نصت المادة (23) على أنه: يجوز رد المحكم للأسباب التي يرد بها القاضي أو يعتبر بسببها غير صالح للحكم وفي كل الأحوال يجب على الشخص حين يفاتح بقـصد احتمـال تعيينه محكماً أن يصرح لمن ولاه الثقة بكل الظروف التي من شأنها أن تثير شكوكاً حول حيدته واستقلاله].

ثالثاً- قانون التحكيم الأردني:

     وهو المسمى (قانون التحكيم رقم 31 لسنة 2001)، وقد نصت المادة (15) فقرة (ج) مـن هذا القانون على أن: [يكون قبول المحكم القيام بمهمته كتابة، ويجب عليه أن يفصح عند قبولـه عن أي ظروف من شأنها إثارة شكوك حول حيدته واستقلاله].

    كما نصت المادة (17) من النظام المذكور في فقرة (أ) على أنه: [لا يجوز رد المحكـم إلا إذا قامت ظروف تثير شكوكاً حول حيدته واستقلاله]. وهو ما يعني ضمناً جـواز رد المحكـم إذا قامت ظروف تثير شكوكا حول حيدته واستقلاله في النظر والحكـم في النـزاع المعـروض عليه.

رابعاً- قانون التحكيم التونسي:

   وهو قانون عدد 42 لسنة 1993، مؤرخ في 26 أبريل1993، وقد نص الفصل (10) مـن هذا القانون على أنه: يجب أن يكون المحكم شخصاً طبيعياً رشيداً كفاً ومتمتعاً بكامـل حقوقـه المدنية وبالاستقلالية والحياد إزاء الأطراف وإذا عينت اتفاقية التحكيم شخصاً اعتبارياً، فإن هـذا الشخص الاعتباري ينحصر دوره في تعيين هيئة التحكيم].

   كما نص الفصل (57) على الآتي:

  1- على الشخص - حين يعرض عليه احتمال تعيينه محكماً – أن يصرح بكـل الأسـباب التي من شأنها أن تثير شكوكاً لها ما يبررها حول حياده أو استقلاليته وعليـه - منـذ تعيينه وما دامت إجراءات التحكيم سارية – ألا يتأخر عن إعلام أطراف النزاع بوجود أي سبب من هذا القبيل إلا إذا كان قد سبق له أن أحاطهم علما بها.

   2- لا يجوز التجريح في المحكم إلا إذا وجدت أسباب من شأنها أن تثير شكوكاً لهـا مـا يبررها حول حياده أو استقلاليته أو إذا لم تتوافر فيه المـؤهلات التـي اتفـق عليهـا الأطراف الخ.

خامساً- قانون التحكيم المصري:

    وهو القانون رقم (27) لسنة 1994م، وهو قانون في شأن التحكـيم فـي المـواد المدنيـة والتجارية، وقد تضمن نصوصاً تتعلق بمبدأ عدم تضارب المصالح، ومن ذلك مثلاً:

    1- المادة (16)، نصت في الفقرة (3) على أن: [يكون قبول المحكم القيام بمهمتـه كتابـة ويجب عليه أن يفصح عند قبوله عن أية ظروف من شأنها إثارة شكوك حول استقلاله أو حيدته].

    2- المادة (18)، نصت في الفقرة (1) على أنه: [لا يجوز رد المحكم إلا إذا قامت ظروف تثير شكوكا جدية حول حيدته أو استقلاله].

    إن مما يلاحظ على التشريعات والقوانين العربية أعلاه – الخاصة بـالتحكيم – وغيرهـا عموماً، أنها تركز على أهمية استقلالية المحكم ونزاهته وحياديته؛ وذلك حرصاً على تطبيق مبدأ عدم تضارب المصالح وعدم حصول ذلك التضارب في عمل المحكم؛ ولذلك فإنها توجب عليـه عند قبوله التحكيم الافصاح عن أي ظروف من شانها إثارة شكوك حول حياده واستقلاله، وأن تلك التشريعات والقوانين عموماً تنص على إمكانية وجواز طلب رد المحكمين لذات الأسباب التي يرد بها القاضي أو يعتبر بسببها غير صالح للحكم، وكما هو معلوم، فإن أسباب رد القضاة تشمل مسائل تتعلق بتعارض المصالح وارتباط القاضي أو ذوي الصلة به بالدعوى التي ينظرها؛ مما قد يجعله واقعاً تحت تأثير تلك العلاقة والمصلحة ويتحيز في حكمه لصالح طرف من أطراف النزاع على حساب الطرف الآخر.

خامساً- اتفاقية عمان العربية للتحكيم التجاري 1987:

    وهي اتفاقية بين عدة دول عربية، أقرت بأهمية ايجاد نظام عربي موحد للتحكيم التجاري يأخذ مكانه بين أنظمة التحكيم العالمية والاقليمية. وقد جرى توقيع الاتفاقية في مدينة عمـان بالمملكـة الأردنية الهاشمية. وقد وردت في تلك الاتفاقية نصوص تتعلق بمبدأ تضارب المصالح، وهي:

    • المادة (18): نصت الفقرة (4) منها على أنه: [لا يجوز أن يكون المحكمون الذين يعينهم المكتب من مواطني أحد الطرفين].

    • المادة (34) نصت الفقرة (4) منها على أنه: [لا يجوز أن يكون أحد أعضاء اللجنة مـن المحكمين الذين أصدروا القرار أو من مواطني أحد طرفي النزاع].

    إن النصوص أعلاه تظهر الحرص على تطبيق مبدأ عدم تضارب المصالح في عمل المحكمين.

سادساً- النظام الأساسي لمركز التحكيم التجاري لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية:

   تضمنت المادة (11) من النظام الأساسي للمركز المذكور النص الآتـي: [ ... ... ويشترط فـي المحكم أن يكون من رجال القانون أو القضاء أو من ذوي الخبرة العالية والاطلاع الواسع في التجارة أو الصناعة أو المال، وأن يكون متمتعاً بالأخلاق العالية والسمعة الحسنة، والاستقلال في الرأي].

    إن النص الوارد أعلاه بضرورة ووجوب استقلال المحكم في الرأي مستمد من مبـدأ عـدم تضارب المصالح، وهو يدلل بوضوح على شدة الحرص على منع حصول مثل ذلك التـضارب في عمل المحكمين.

سابعاً- قواعد التحكيم لدى مركز دبي للتحكيم الدولي:

   صدرت هذه القواعد بموجب المرسوم رقم 11 لسنة 2007 الخاص بالمصادقة على قواعـد التحكيم الدولي، وذلك بموافقة سمو حاكم دبي في 6 مـايو 2007 الموافـق 19 ربيـع الثـاني 1428هـ، وقد تضمنت هذه القواعد نصوصاً متعلقة بمبدأ عدم تضارب المصالح، ومنها:

   • المادة (9) المتعلقة بتعيين هيئة التحكيم، من جملة ما نصت عليه فقرات تناولت مـسألة تضارب المصالح والحرص على منع حدوث التضارب في المصالح في عمل المحكمين، وتلك الفقرات هي (1) (7) (8)، وفيما يلي نص كل منها:

     1- على المحكمين المعينين لإجراء التحكيم، وفقاً لهذه القواعد، أن يكونـوا، ويبقـوا، محايدين ومستقلين عن الأطراف، وعليهم أن لا يتصرفوا كمحامين عن أي طرف من أطراف التحكيم.

     2- يجوز للمركز أن يمتنع عن تعيين أي محكم تمت تسميته من قبـل أي طـرف إذا وجد أن المحكم المسمى يفتقر إلى الاستقلالية والحياد أو أنه غير ملائم. وفي هـذه الحالة يطلب المركز من ذلك الطرف تسمية جديدة خلال 21 يوماً من تاريخ تسلمه قرار المركز. وإذا لم يقم ذلك الطرف بتسمية محكم أو إذا لم يقبل المركز بالمحكم البديل، يقوم المركز بتعيين المحكم.

     3- قبل أن يقوم المركز بالتعيين، على كل محكم أن يقدم إلى المركز سيرة ذاتية كاملة وتصريحاً باستقلاليته، وفقاً للصيغة التي يحددها المركز. وبتوقيع هذا التـصريح، يتعهد كل محكم الالتزام الدائم بالإفصاح للمركـز ولأعـضاء الهيئـة الأخـرين والأطراف عن أية ظروف قد تظهر أثناء التحكيم من شأنها، في نظر الأطـراف، أن تجلب شكوكاً حول حيدته واستقلاله.

    • المادة (13) الخاصة بإلغاء تعيين المحكم، نصت الفقرة (3) منها على أنه:

]    يجوز لأي طرف أن يعترض على أي محكم إذا توافرت ظروف تثير شكوكاً مبـررة حول حيدته أو استقلاله. ويجوز لأي طرف أن يعترض على أي محكم قام بتـسميته أو شارك في إجراءات تعيينه، على أن يكون ذلك لأسباب علم بها بعد تمام التعيين].

ثامناً- قانون الأونسيترال النموذجي للتحكيم التجاري الدولي:

    في هذا القانون المعتمد من قبل لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي حـسبما ذكرنـا سابقاً، نصت المادة (11) منه المتعلقة بتعيين المحكمين، أنه: [5- ويتعين على المحكمة أو السلطة الأخرى، لدى قيامها بتعيين محكم، أن تولي الاعتبار الواجب إلى المؤهلات المطلوب توافرها في المحكم، وفقاً لاتفاق الطرفين، وإلى الاعتبارات التي من شأنها ضمان تعيين محكـم مستقل ومحايد، وفي حالة تعيين محكم فرد أو محكم ثالث، يتعين عليها أن تأخذ فـي الاعتبـار، كذلك استصواب تعيين محكم من جنسية غير جنسية الطرفين].

الخاتمة

   مما تقدم يظهر بوضوح أن مبدأ تعارض أو تضارب المصالح هو أحد أهم المبادئ القانونية الحديثة، والذي كثيراً ما يسمع عن تطبيقه في أغلـب منـاحي الحيـاة الاقتصادية والإداريـة والأكاديمية وغيرها.

    وهذا المبدأ على أهميته حسب ما ظهر لي بعد البحث والدراسة أن منـشأه هـو الـشريعة الإسلامية الغراء، حيث إن كتب الفقه الإسلامي القديمة تذخر بنصوص محكمـة تـحـد حـالات تضارب المصالح في جوانب كثيرة منها: الإدارة – البيـع – التحكـيم – الحلـف - الحلـف – الزكـاة - لشراكة – الشفعة – الشهادة – القرض – القضاء – مهنة مراجعة وتدقيق الحـسابات – مهنـة المحاماة – الوكالة – الوقف - (وصاية- ولاية). –

    ثم بعد أن حددت تلك الحالات السلبية من تضارب المصالح، وردت النصوص الفقهيـة الكثيرة التي تشير إلى منع ظاهرة تضارب المصالح وعدم جوازها؛ بل إلى إبطـال التـصرفات التي تتم بناء على حالة تضارب المصالح.

    وقد تم في هذا البحث إلقاء الضوء على بعض الصور التي يتجلى فيها تعارض المـصالح ومبدأ عدم جواز هذا التعارض، وهي (القضاء، المحاماة، الوكالة، المحاسبون القانونيون)، ونظراً الى خصوصية وأهمية التحكيم باعتباره أحد الطرق القديمة والمعاصرة بشكل أوسع التـي يـتم اللجوء إليها لحل النزاعات والخصومات بين الأطراف بدلاً من اللجوء إلى القضاء؛ وذلك بسبب عدة عوامل. ونظراً الى العلاقة الوثيقة بين مبدأ عدم تضارب المصالح والتحكيم، فإننـا تناولنـا بشكل خاص ومفصل أكثر، تلك العلاقة وصور وتجليات مبدأ عدم تضارب المصالح في التحكيم من خلال نصوص ومواد التشريعات والقوانين المعاصرة والاتفاقيات العربية والدولية الخاصـة بالتحكيم. ونتمنى أن نكون قد وفقنا من خلال هذه النافذة من بيان وإيضاح أهميـة مبـدأ عـدم تضارب المصالح والحرص على تطبيقه وتجنب حصول تضارب المصالح في كافة المجـالات الشرعية والقانونية والتجارية وغيرها.