وبتطبيق هذه المعايير الثلاثة على التحكيم الإلكتروني نجد أنها تنطبق عليه فالمحكم في هيئة التحكيم الإلكتروني يقوم بعمل قضائي عن طريق تحقیق فاعلية القواعد القانونية التي تحكم العلاقة محل النزاع، هذا فضلاً عن أن قضاء الدولة يشارك في إصدار هذا العمل، واستبعاد الطبيعة القضائية للحكم التحكيمي يؤدي إلى إنكار التحكيم ذاته.
فخصومة التحكيم عمل قضائي يحسم مركزاً قانونياً منتازعاً بشأنه بتطبيق حكم القانون في إطار إجراءات قضائية تكفل للأطراف الضمانات القانونية، بالإضافة إلى ذلك فإن القضاء ليس مؤهلاً لحسم المنازعات المتعلقة بالتجارة الإلكترونية وهو ما أدى إلى اتجاه الأطراف إلى الالتجاء التحكيم الإلكتروني لحسم تلك المنازعات القائمة بينهم وهذا من شأنه تفادي المشكلات الخاصة بالقضاء الوطني من حيث الشكلية والتكلفة والوقت والخبرة التي يتطلبها هذا المجال وهو ما يتميز به التحكيم الإلكتروني عن القضاء الوطني.
ونرى من خلال ذلك أن التحكيم الإلكتروني يتفق مع القضاء من حيث أن كليهما وسيلة لتسوية المنازعات، وأن كليهما يفصل في النزاع بحكم ملزم ومع ذلك يختلف التحكيم الإلكتروني عن القضاء إختلافاً جوهرياً من حيث الآتي :
- يتطلب التحكيم الإلكتروني وجود اتفاق بين الخصوم في منازعات التجارة الإلكترونية وهم في الغالب من دول وجنسيات مختلفة، على أن تقوم هيئة تحكيمية إلكترونية مختارة من قبل الخصوم بنظر النزاع والفصل فيه واختيار القانون الواجب التطبيق، أما القضاء العادي فهو حق يستعمله الخصم تلقائياً دون الحاجة إلى الحصول على موافقة خصمه أو الاستناد إلى نص خاص ولكن حينما يتم تسوية منازعات التجارة الإلكترونية بواسطة القضاء الوطني فإنهم يصطدمون بصعوبة كبيرة تتمثل فيما هو معروف بتنازع الاختصاص وتنازع القوانين، بمعنى وجود خلاف حول تحديد المحكمة المختصة بنظر النزاع والقانون الواجب التطبيق على هذا النزاع.
- يقوم التحكيم الإلكتروني على مبدأ سلطان الإرادة فلإرادة الخصوم شأن فيه فاذا انعدمت هذه الإرادة فلا يعتبر تحكيمة بل هو قضاء دولة. .
- في التحكيم الإلكتروني يختار الخصوم الهيئة التحكيمية التي تقوم على تسوية النزاع إلكترونياً، أما في القضاء فإن القاضي مقلد بشكل رسمی ومباشر من الدولة.
توثيق هذا الباحث
ونخلص من ذلك إلى أن التحكيم الإلكتروني مختلف تماماً عن الوسائل التقليدية لتسوية النزاع لما يتسم به من طابع اختياري وليس إجباری، بمعنی أن الأطراف هم الذين يتفقون فيما بينهم بإرادتهم المنفردة على اختيار هيئة التحكيم الإلكتروني التي تتولى تسوية النزاع إلكترونياً، وأيضاً القانون الذي تحدده الهيئة التحكيمية يتم تحديده بواسطة إرادة الأطراف، بمعنى أن الإرادة هي التي تتخير القانون الذي تراه مناسباً للمنازعات القائمة بينهم بغض النظر عما إذا كان القانون ينتمي إلى دولة معينة أو قانون دولي معين).
ويتم تحديدها الإجراءات في الغالب بواسطة الأطراف أنفسهم فهم يتخيرون أكثر الإجراءات سهولة في مباشرة العملية التحكيمية الإلكترونية، بالإضافة إلى أن الإجراءات تتم بطريقة إلكترونية عبر الوسائل الإلكترونية مما يوفر الكثير من الوقت والمصروفات أكثر من إجراءات التقاضي وتكون الإجراءات أكثر مرونة، ولا توجد فترة استقصاء رسمي، ويتم تبادل المستندات في مرونة ويسر من خلال البريد الإلكتروني وأيضا يمكن الأطراف النزاع إختيار محكم ذي خبرة في مجال محدد وهو اختيار غير متاح في القضاء العادي والوسائل التقليدية، كما أن إجراءات التحكيم الإلكتروني تقضي على كل وسائل المماطلة التي يستغلها الخصوم في إهدار الوقت لأنه لا يسمح بتعدد الإجراءات أو استعمال أي طرف لأية وسيلة بهدف إطالة أمد العملية التحكيمية.