الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم وقضاء الدولة / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / حكم التحكيم بين الإنعدام والبطلان / التحكيم وقضاء الدولة

  • الاسم

    ناصر شحاته حسن صالح
  • تاريخ النشر

    2019-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    650
  • رقم الصفحة

    76

التفاصيل طباعة نسخ

والقضاء أحد أهم مظاهر سيادة الدولة، تمارس من خلاله دورها في تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع، من خلال منظومة متكاملة من النصوص القانونية في مختلف شئونهم الإجتماعية والإقتصادية والتجارية والإنسانية...إلخ. فتهتم تلك النصوص بتنظيم هذه الأمور بإعتبارها الأداة التي بمقتضاها يتولى القاضي إقامة العدل والحق بين هؤلاء الأفراد، على مختلف طوائفهم ومن ثم التوصل إلى تحقيق الأمن والإستقرار الإجتماعي. ولا يقف دور الدولة عند حد تحقيق العدالة بين أفراد المجتمع بيد القضاء، وإنما تكفل الدولة بجانب ذلك توفير الضمانة القانونية لنفاذه، والتي يضحى الحكم مع إنعدامها خالياً من مضمونه عاجزاً عن أداء وظيفته.

فلا يكفي الحصول على الحكم القضائي الذي يقر الحق ويؤكده، وإنما يتعين مع قيامه أن توجد الآلية أو الأداة التي يضمن بمقتضاها من صدر الحكم لصالحه الحصول على هذا الحق وممارسة سلطاته عليه.

ولقد دفع ذلك الدولة إلى وضع القواعد القانونية الإجرائية التي يكون من شأنها مساعدة القاضي على إستكمال دوره في تحقيق العدالة، في حالة تخاذل الملتزم بالحق عن أدائه والوفاء به، بحيث يمكن للقاضي وبمقتضى السلطة المخولة له إجبار الملتزم بالحق على الوفاء به، وهو ما عنيت بتنظيمه القوانين المتعلقة بالإجراءات وعلي رأسها قانون المرافعات.

وإزاء ذلك، أضحى القضاء هو الأساس في تسوية المنازعات التي تثور بشأن المعاملات المختلفة بين الأفراد، سواء أكانوا أشخاصاً طبيعيين أم إعتباريين، وأصبحت محاكم الدولة هي المنوطة بهذا الدور، الذي يستهدف المحافظة على أركان الأمن الإجتماعي واستقرار المجتمع، لا ينازعها فيه أحد، وأضحي مع قيام ذلك كل خروج على هذا الإختصاص شطط مآله الانعدام، لصدوره من غير السلطة صاحبة الولاية العامة، فلم يكن مقبولاً القيام بهذا الدور من غير محاكم الدولة.

فإستقر القضاء على أن اللجوء إلى محاكم الدولة هو الأصل، أما اللجوء إلى غيره وعلى وجه الخصوص التحكيم فهو إستثناء من هذا الأصل، قوامه الخروج عن طرق التقاضي العادية وما تكفله من ضمانات أساسية، فهو يكون مقصوراً حتماً على ما تنصرف إليه إرادة المحتكمين إلى عرضه على هيئة التحكيم . والأصل في التحكيم هو عرض نزاع معين بين طرفين على محكم أو محكمين من الأغيار يعينون بإختيارهما أو وفقاً لشروط يحددانها ليفصلوا في النزاع بقرار يقطع دابر الخصومة، بعد أن يدلي كل منهما بوجهة نظره من خلال ضمانات التقاضي الرئيسية، وبذلك يكون التحكيم عملا إرادياً ركيزته إتفاق خاص. والإتفاق على التحكيم معناه أن إرادة المحتكم تقتصر على إحلال المحكم محل المحكمة في نظر النزاع، ومن ثم فإن الإتفاق على التحكيم ليس معناه النزول عن حق الإلتجاء إلى القضاء ذلك أن حق التقاضي من الحقوق المقدسة التي تتعلق بالنظام العام، فإذا لم ينفذ عقد التحكيم لأي سبب من الأسباب عادت سلطة الحكم إلى المحكمة المختصة أصلاً بالنزاع.

فالإتفاق على التحكيم لا ينزع الإختصاص من المحكمة وإنما يمنعها من نظر الدعوى طالما بقي شرط التحكيم قائماً صحيحاً غير مشوب بالبطلان .

ونظراً لتطور المعاملات والعلاقات التجارية الدولية التي تتسم بالإنتشار والتوسع، أصبح التحكيم ضرورة يفرضها واقع التجارة الدولية، فقد كان التحكيم وليد الحاجة العملية لعلاقات التجارة الدولية عبر الحدود وعدم ملائمة التنظيمات القضائية الخاصة بتسوية ما ينشأ عنها من منازعات، فكان على الفكر القانوني البحث عن أداة فنية متخصصة، تتولى الفصل فيما تثيره هذه العلاقات من منازعات بعيداً عن قضاء الدولة، فكان التحكيم هو البديل المناسب.

ولقد دعا الإهتمام بالتحكيم كوسيلة لتسوية المنازعات إلى تنظيم التشريعات وإبرام الإتفاقيات الدولية المنظمة له، فعلى الصعيد الوطني لم يكن المشرع المصرى بعيداً عن فكرة الإهتمام بالتحكيم بإعتباره إحدى وسائل تسوية المنازعات، حيث نظم المشرع المصرى التحكيم منذ القرن التاسع عشر في قانون المرافعات المدنية والتجارية المختلط الصادر بالأمر العالي رقم 14 في6 ديسمبر سنة 1883(۹)، الذي إحتوى ضمن فصوله على فصل أفرده لتنظيم التحكيم، ثم بعد ذلك في قانون المرافعات المدنية والتجارية السابق رقم 77 لسنة ١٩٤٩(١٠)، الذي ألغى هذا الفصل، وأفرد بدوره باباً خاصاً للتحكيم في الباب الثالث من الكتاب الثالث منه، ثم ألغى هذا القانون وصدر قانون المرافعات الحالي رقم 13 لسنة 1968 الذي نظم مسائل التحكيم في المواد من 501 إلى 513 منه .

وقد ساير المشرع التشريعات المختلفة التي إتجهت إلى أن تفرد للتحكيم نصوصاً قانونية خاصة، فأصدر قانون التحكيم الحالي رقم ٢٧ لسنة 1994 الذي ألغى المواد من 501 إلى 513 من قانون المرافعات، ووضع تنظيماً كاملاً للتحكيم ، وتولى التأكيد على أن نظام التحكيم نظام إتفاقي يقوم على إحترام إرادة طرفي التحكيم، وله ذاتيته واستقلاليته الخاصة.

ولقد حرص المشرع علي أن يكون التحكيم قائماً مبدأ سلطان إرادة طرفيه وجعله الإطار الذي يحكم الإتفاق عليه والإجراءات المتعلقة به، لذلك جاءت نصوص قانون التحكيم الحالي في غالبيتها مكملة لإرادة أطراف التحكيم لا تطبق إلا عند عدم الإتفاق عليها، مع إيراد نصوص محددة تتصل بضمانات التقاضي الأساسية التي يتعين إتباعها إقتضتها المصلحة العامة بإعتبار أن حكم التحكيم يعد فصلاً في خصومة كانت في الأصل من إختصاص القضاء .

ويمنح المشرع حكم التحكيم القوة التنفيذية المقررة للأحكام الإنتهائية بمجرد صدوره، فيكون له حجية الأمر المقضي من تاريخ صدوره (م 55 من قانون التحكيم)، ولكن هذه القوة التنفيذية تبقي كامنة إلي أن يصدر أمر التنفيذ من القاضي المختص علي النحو الذي قرره القانون (م 58 من قانون التحكيم).

فحكم التحكيم عمل إجرائي ضمن إجراءات الخصومة التحكيمية وهو نهاية المطاف لسلسة من الإجراءات فيها ، له طبيعته الخاصة التي تختلف عن الحكم القضائي، وهي طبيعة تتسق مع هذا النظام القضائي الإستثنائي الخاص ، الذي يقوم علي السماح لأشخاص عاديين بتقديم العدالة في مسألة هي في الأصل من إختصاص القضاء صاحب الولاية العامة، فالتحكيم لا يخرج المسألة من إختصاص القضاء ولكنه يسمح لأطراف التحكيم بتحييد هذا الإختصاص بضوابط وشروط معينة يعترف بها القانون.

هي ولعل تلك الخصوصية التي جعلت المشرع ينص علي نموذج قانوني معين لحكم التحكيم أوجب علي هيئة التحكيم إحترامه، فأخضعه للقانون الواجب التطبيق علي الإجراءات ، فإذا كان التحكيم داخلياً أو تجارياً دولياً جري في مصر أو خارجها، وجب علي هيئة التحكيم أن تلتزم حدود الأحكام الواردة في المادة 43 من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ والنصوص المكملة لها في هذا القانون، وما تعلق منها بالنظام العام ، والقواعد الإجرائية التي إتفق عليها الطرفان، أما إذا كان حكم التحكيم أجنبياً فإنه يخضع في صحته وبطلانه لقانون القاضي الذي أصدره أو القواعد القانونية الإجرائية التي إتفق الأطراف على تطبيقها، ولا يخضع في بطلانه للقواعد القانونية المقررة في قانون التحكيم المصري المنصوص عليها في المواد (٥٢، 53، 54) منه ولا تختص المحاكم المصرية بنظر دعوي بطلانه، وإن كان يخضع في تنفيذه للقواعد المقررة لتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية المنصوص عليها في إتفاقية نيويورك لعام 1958 الخاصة بإعتراف وتنفيذ أحكام المحكمين الأجنبية ، وتقضي تلك القواعد بوجوب إعتراف كل دولة متعاقدة بحجية أحكام التحكيم الأجنبية والتزامها بتنفيذها طبقاً لقواعد المرافعات المتبعة فيها والتي يحددها قانونها الداخلي ما لم يثبت المحكوم ضده في دعوي تنفيذ حكم التحكيم توافر إحدي الحالات الخمس الواردة علي سبيل الحصر في المادة الخامسة فقرة أولي من الإتفاقية .

كما إعتمد قاعدة أصولية تتعلق بعدم قابلية أحكام التحكيم للطعن عليها بأي من طرق الطعن المقررة في قانون المرافعات، فلم يجز الطعن علي حكم التحكيم بطريق الإستئناف علي عكس ما كان عليه الوضع في قانون المرافعات الملغي رقم 77 لسنة 1949 ، ووضع نظاماً قانونياً خاصاً للطعن في حكم التحكيم بدعوي البطلان لأسباب حددها في المادة 53 من قانون التحكيم رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤.

وقد حرص المشرع في تنظيمه لنظام بطلان حكم التحكيم بمفهومه الوارد في قانون التحكيم والأسباب التي حددها حصراً في المادة 53 منه، علي تأكيد مفهوم محدد لنطاق دعوي بطلان حكم التحكيم، فهي دعوي عينية ونقصد بعينية تلك الدعوي إقتصارها علي محاكمة حكم التحكيم ذاته، فسلطة المحكمة المختصة بنظرها لها نطاقها الذي يقف عند حد بحث مدي إتفاق حكم التحكيم المطعون فيه مع النموذج القانوني الذي نص عليه القانون، دون أن تمتد إلى إعادة النظر في قضاء هيئة التحكيم في المسألة التي فصل فيها حكم التحكيم ، لأن دعوي البطلان ليست إستئنافاً لحكم التحكيم كما أن المحكمة المختصة بنظرها ليست محكمة الدرجة الثانية لهيئة التحكيم .

إلا أنه لم يميز في تنظيمه لحالات البطلان بين ما يؤدي منها إلى إنعدام حكم التحكيم وتلك التي تؤدي إلي بطلانه، فنظام البطلان الذي نص عليه قانون التحكيم عوضاً عما كان عليه الأمر في قانون المرافعات الملغي رقم 77 لسنة 1949 الذي كان يجيز الطعن في حكم التحكيم بطريق الإستئناف(م 847 منه) وبإلتماس إعادة النظر (م848 منه)، وأجاز رفع دعوي بطلب بطلان حكم التحكيم الصادر إنتهائياً في حالات حددها (م849منه) ، أو في المواد من 501 : 5013 الملغاة من قانون المرافعات الحالي رقم 13 لسنة 1968 التي كانت تجيز الطعن في حكم التحكيم بطريق التماس إعادة النظر (م 511 مرافعات) ، وطلب الحكم ببطلان حكم التحكيم في أحوال نص عليها بالمادة (٥١٢ مرافعات)، فاقتصر التنظيم القانوني الحالي علي دعوي البطلان منفردة، وألغي ما كان يجيزه بالتماس إعادة النظر في المواد الملغاة وأفرد تنظيماً للطعن في حكم التحكيم إستثناء من الحجية التي يكتسبها من تاريخ صدوره(م 55 من قانون التحكيم).

وهو تنظيم قانوني لطريق طعن خاص في حكم التحكيم يتفق مع الطبيعة الخاصة لنظام التحكيم ، وهو نظام قانوني لو لم ينص عليه قانون التحكيم لم يكن في مقدور المتضرر من حكم التحكيم الطعن فيه، وهو سبيل إستثنائي لمعالجة عمل اجرائي ناتج عن نظام قضائي إستثنائي، يجب أن يتم التعامل معه في نطاقه وحدوده، الا أنه إنه ينطوي علي عدم تمييز في أنواع العيوب التي من الممكن أن تنال من حكم التحكيم، وخصوصاً تلك التي تبلغ درجة من الجسامة تنحدر بالحكم إلي درجة الإنعدام، وهو ما لم يواجهة المشرع المصري في التنظيم الخاص لبطلان حكم التحكيم .

والمقرر أن الإنعدام يوجد كلما إفتقد العمل الإجرائي لأركانه الأساسية اذا أصابه عيب جوهري جسيم ينحدر به إلي درجة الإنعدام، والحكم كعمل إجرائي ليس بعيداً عن تلك القاعدة فله أركانه الأساسية التي لا قيام له بدونها إذ قد يلحق به عيب شكلي أو موضوعي يعلمه سواء تمثل ذلك العوار في عدم صحة إنعقاد الخصومة في  الدعوى التي صدر فيها الحكم المطلوب إبطاله، أو عدم ولاية المحكمة التي أصدرته، وإختصاصها بنظر الخصومة فيه، أو عدم إشتمال هذا الحكم على الأركان الأساسية المتطلبة لإكتسابه وصف الأحكام القضائية .

فالبطلان لا يكون إلا بمقتضي نص في القانون، أما الإنعدام، فهو علي خلاف ذلك تماماً، لا يحتاج إلي نص يقرره، وهو ما يميزه عن البطلان، لأن الحكم المتعلم يكون غير موجود قانوناً، وليس له حجية ولا يستأهل الحماية القانونية المقررة للصحيح من الأحكام ولو شابها البطلان، فلا يحتاج إلي دعوي مبتدأة ويكفي إنكاره عند التمسك بما إشتمل عليه من قضاء، كما أنه لا يقبل التصحيح او التحول إلي إجراء آخر صحيح، فالمنعدم لا يمكن رأب صدعه .

والقاعدة العامة في قانون المرافعات المدنية والتجارية- باعتباره القانون الإجرائي العام- أنه ليس من شأن أي نص يحظر أو يقيد حق الطعن الأحكام، الحيلولة دون الطعن عليها بدعوى البطلان الأصلية، إذا لحق بها عيب شكلي أو موضوعي يصمها بالبطلان، بإعتبار أن دعوى البطلان الأصلية لا تعتبر طريقاً من طرق الطعن في الأحكام، وإنما هي أداة لرد الأحكام التي أصابها عوار في مقوماتها من إنفاذ آثارها القضائية .