التحكيم / التحكيم وقضاء الدولة / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - ملحق العدد الثامن / الرقابة القضائية على أحكام التحكيم المآخذ التي يثيرها الأطراف
أصبحت الدول اليوم تتسابق في تعديل تشريعاتها للدفع نحو مزيد من المرونة والليونة فـى التعامل مع هذه الطريقة الخاصة من طرق فض النزاعات. وساهمت لجنـة اليونـسترال بـدور محوري في ترسيخ هذا التوجه من خلال آليتين وضعتهما في ظرف تسع سنوات وهمـا قواعـد التحكيم لسنة 1976 والقانون النموذجي حول التحكيم التجاري الدولي لسنة 1985. وقـد كـثـر الحديث هذه السنوات عن تطور واقع التحكيم وتطبيقاته والسبق الذي حققته بعـض التشريعات الوطنية على هذين النصين الأمميين مما أدى إلى الإنكباب على تعديلهما وتحيينهما، فوقع بـذلك تعديل القانون النموذجي سنة 2006 كما شرعت اللجنة منذ أكثر من ثلاثة أعوام في تدارس آفاق تعديل قواعد التحكيم.
ومن المسائل الجوهرية في عالم التحكيم عموماً مسألة الرقابة القضائية على حكم التحكـيم. وهذه الرقابة بعدية ex post بالضرورة، إذ أن القاضي، قبل صدور الحكم التحكيم، مدعو إلى مد يد المساعدة للمحكم حتى ينهض بمهمته على أحسن وجه وفي أحسن الظروف. وهو وإن يكـن بإمكانه أن يجري عند تقديم العون للمحكم نوعاً من الرقابة فهي تتسلط على اتفاقية التحكيم، وهي رقابة محدودة جدا يفترض أن تنتهي به في جميع الأحوال إلى اتخاذ إجراء ييسر ســر التحكـيم ويرفع العراقيل من طريقه.
وتجدر الإشارة إلى أنه من الناحية المنهجية، لا تندرج مسائل الرقابة القضائية في قواعـد التحكيم (نظام التحكيم Abitration Rules) سواء منها الصادرة عن اليونـسترال أو عـن أي مؤسسة تحكيمية أو دولية أخرى. فهي من المسائل التي تنظمها القـوانين الوطنيـة والإتفاقيـات الدولية، ولا تدخل في مجال اختصاص واضعي أنظمة التحكيم، التي لها صبغة تعاقدية ولا تنطبق إلا بإرادة أطراف التحكيم.
ومن ناحية ثانية يلاحظ أن اتفاقية نيويورك الصادرة عن منظمة الأمم المتحدة في 10 جوان 1958 والقانون النموذجي لليونسترال لسنة 1985 والقوانين الوطنية التي نحت نحوهما (كالقانون التونسي والقانون المصري والقانون الأردني والقانون الموريطاني...) تميز بـيـن صـنفين مـن أسباب إبطال أحكام المحكمين أو رفض منحها صيغة التنفيذ: أسباب ينبغي أن يثيرها المطلـوب التنفيذ ضده ، (أو طالب الإبطال) – بما يستنتج منه أنه لا يجوز أن يثرها القاضي من تلقاء نفسه - وأسباب يمكن أن تثيرها المحكمة المتعهدة بطلب الرقابة من تلقاء نفسه، بما لا ينفي حق المطلوب التنفيذ ضده في التمسك بها.
ويستتبع ذلك أمران أساسيان:
- نتيجة منطقية: وهي أن أسباب الإبطال تتطابق وينبغي أن تتطابق مع أســباب رفـض مـنـح الصيغة التنفيذية. والإختلاف بينهما يظل أمراً غير منطقي ويؤدي إلى نتائج غير معقولـة، إذ ينتهي إلى إمكانية منح الصيغة التنفيذية لحكم تحكيمي قررت محاكم نفــس البلـد إبطـالـه، أو العكس.
- نتيجة إجرائية: وهي أن إجراءات منح الصيغة التنفيذية، على غرار إجراءات الإبطال، ينبغي أن تتسم بالوجاهية، فلا يعقل أن يسمح قانون ما للمحكوم ضده بأن يتمسك بدفوع معينـة ثـم يحرمه من حق الحضور أمام المحكمة المختصة بمنح الصيغة التنفيذية (ومـن بـاب أولـى وأحرى أمام قاضي الإبطال) لإثارتها والتمسك بها، على أنه يلاحظ أن بعض القوانين كالقانون الفرنسي اختارت أن تكون إجراءات الإكساء بالصيغة التنفيذية أحادية لا مواجهة فيها، على أن يحتفظ المحكوم ضده بحق التظلم من قرار منح الـصيغة التنفيذيـة بعـد صـدوره وذلـك بالإعتراض عليه أمام المحكمة التي أصدرته. وقد توخى الرئيس الأول لمحكمـة الإسـتئناف بتونس المرحوم عبد الوهاب بن عامر في أولى سنوات تطبيـق مجلـة التحكيم التونسية (1996-1993) هذا التوجه، لكن وقع العدول عنه واستقر فقه القضاء التونسي على اعتبار أن الإكساء بالصيغة التنفيذية لا يعطى إلا بعد إجراءات اختصامية يمكن فيها المطلوب التنفيذ ضده من الحضور والرد على طلب التنفيذ بالتمسك بالإخلالات التي سيأتي شرحها.
المآخذ التي لا يمكن أن تثار إلا من قبل الأطراف دون القاضـي ينبغـي أن يثيرها الطرف المتضرر من الإخلال:
فإذا صدر الحكم التحكيمي ضد شركتين وقامت إحداهما بالطعن في حكم التحكيم فليس لهـا أن تتمسك بمطاعن تهم الشركة الأخرى، كأن تتمسك مثلاً بأن الشركة غير الطاعنة حرمت مـن المشاركة في تعيين المحكمين في تحكيم متعدد الأطراف.
كما اعتبرت محكمة التعقيب الفرنسية أن طلب الإبطال لا يجوز القيام به من الغير الذي يكن طرفا في النزاع التحكيمي، وأغلقت بذلك بأب اعتراض الغير.
إرادة الأطراف وتضييق مجال الطعن بالإبطال:
يمكن لإرادة الأطراف أن تتدخل لغاية التضييق أو التوسيع من نطاق الرقابة التي يجريهـا قاضي الإبطال.
* استبعاد الطعن كلياً:
أجاز الفصل 78(6) من مجلة التحكيم استبعاد الطعن بالإبطال نفسه إذا كان التحكـيـم بـين أطراف ليس لهم بتونس مقر ولا محل عمل، أي في صـورة التحكـيم المسمى " off shore arbitration" أو "التحكيم السياحي". وقد أخذت هذه القاعدة عن القانونين السويسري والبلجيكي ومجال تطبيقها محدود وهي لا تمتد إلى التحكيم الداخلي (الفصل 42 من مجلة التحكيم).
* استبعاد التمسك بمطاعن معينة:
يمكن للأطراف الإتفاق على تضييق مجال الطعن بالإبطال وذلك بإستبعاد كل طعن من أجل خرق قواعد الإجراءات أو قواعد تعيين المحكمين. غير أن هذا التنازل يطرح إشكالاً يتعلق بمدى صحته. فالرقابة التي يمارسها قاضي الإبطال رقابة دنيا لا تتسلط إلا على بعض الأمور الأساسية التي يفترض أنه لا يمكن النزول عنها. فالمفروض أن التمسك ببطلان الإجراءات التحكيمية لعدم توفير الضمانات الأساسية للمحاكمة العادلة due process غير جائز إن كان تنازلاً مـسبقاً، أي إن وقع تضمينه في اتفاقية التحكيم، كما إذا تنازل أحد الأطراف مسبقاً عن حقه في الدفاع عـن نفسه، بخلاف ما إذا حصل هذا التنازل بعد صدور حكم التحكيم وكان الخصوم على بينـة مـن أمرهم. أما التنازل عن إمكانية الطعن في حكم التحكيم لخرق النظام العام (الداخلي أو الدولي بحسب التشريع المنطبق في بلد قاضي الإبطال أو التنفيذ) فهو غير جائز من أساسه لأن النظام العام يهم نظام المجتمع ودعائمه الأساسية ولا يمكن أن يترك أمر التنازل عنه إلى الأطراف. دور القاضي: إمكانية إرجاع الحكم إلى المحكم لتلافي ما به من نقص: يجيز الفصل 78 من مجلة التحكيم التونسية على غرار القوانين المستمدة عـن القـانون النموذجي لليونسترال للمحكمة المتعهدة بطلب إبطال أن تأذن بإرجاع حكم التحكيم إلى المحكمين لتلافي ما به من إخلالات (قابلة للتدارك) لتجنب إبطاله، ولا شك أن هذه القاعـدة لا تنطبـق إلا على إخلالات يمكن تداركها بعد الحكم كغياب التعليل أو نقصه في بعض المواضع. أمـا خـرق قواعد الإجراءات مثلاً (كعدم احترام حق الدفاع أو المساواة بين الخصوم) فلا سبيل إلى تداركـه بعد الحكم، وكذلك شأن خرق النظام العام الدولي، إلا في صورة محدودة ترتبط بالتعليـل حيـث
يكون تعليل الحكم على حالته مخالفاً للنظام العام الدولي حال أنه يمكن الإبقاء على منطوق الحكم dispositif مع تعديل تعليله ليكون موافقا للنظام العام الدولي. غير أن الإشكال يتمثل في أن المشرع التونسي على سبيل المثال لم يقر هذه الإمكانيـة إلا بالنسبة لقاضي الإبطال وفي ما يتعلق بأحكام التحكيم الدولي فحسب، بما يطرح التساؤل حـول مدى جواز ذلك حين يتعلق الأمر بطلب إكساء حكم تحكيم بالصيغة التنفيذية. وربما كـان سكوت المشرع عن هذه الفرضية متمثلاً في أن الحكم المقدم للتنفيذ ربما كان صادراً فـي بنـد أجنبي، فإعتبر المشرع أن الصعوبة العملية في إرجاعه إلى المحكمين المتواجدين بالخارج أو في عدة بلدان متفرقة يبرر التغاضي عن هذه الفرضية. المبحث الأول: حق التمسك بتهافت دعائم التحكيم: يقوم التحكيم على دعائم ثلاث: اتفاقية تحكيم يخرج بها الإختصاص من يد القاضي الرسمي إلى يد المحكم، وشخص يقوم بمهمة التحكيم وهو المحكم وإجراءات تسير وفقها الخصومة لتنتهي إلى حكم. ويراقب قاضي الإبطال أو التنفيذ هذه الجوانب الثلاثة، أي أنه يتثبت مـن اخـتـصـاص المحكم (الفرع الأول) ويراجع الإجراءات التحكيمية مراجعة إجمالية تهدف إلى التحقـق مـن احترام المحكم للمبادئ الضامنة لعدالة المحاكمة لا غير (الفرع الثاني). الفرع الأول: مراقبة اختصاص المحكم: إن ما يلاحظ في هذا الشأن هو أن القوانين العصرية تكرس مبدأ الرقابـة الـشكلية علـى التحكيم لكنها تتجاوز ذلك استثنائياً إذ تقر إمتداد الرقابة استثنائياً إلى أمور غير شكلية. فمـع أن رقابة القاضي على التحكيم توصف بأنها شكلية فإنها تمتد مع ذلك إلى صـحة اتفاقيـة التحكـيم وتأويلها والتي هي عماد اختصاص المحكم، كما يجوز للأطراف إثارة الدفع بالنظام العام، كمـا يجوز ذلك لقاضي الإبطال أو التنفيذ. 1. التحقق من صحة اتفاقية التحكيم ووجودها: بالنسبة لإختصاص المحكم، لا يقتصر الأمر على مجرد رقابة شكلية بالمعنى العادي بل هي رقابة على أصل المسألة تشبه رقابة قاضي الدرجة الثانية. فقاضي الإبطال مخول له أن يتثبـت بنفسه من صحة اتفاقية التحكيم وأن لا يعول في ذلك على اجتهاد المحكم. فخلافاً لأصل النـزاع
الذي يتمتع في شأنه المحكم بسلطة تقديرية مطلقة لا تخضع إلى رقابة القاضي، فإن اختـصاص المحكم هو الوجه الثاني لإختصاص القاضي. فالنزاع الذي يدخل في اختصاص المحكم يخـرج عن نظر قاضي الدولة. لذلك لا يتحقق القاضي فقط من أن المحكم علل حكمه لينتهي إلى إقـرار إختصاصه، بل ينظر بنفسه في مدى قابلية النزاع للتحكيم (وهو ما تجيزه له اتفاقيـة نيويورك صراحة) وفي توفر الأهلية في أطراف اتفاقية التحكيم. ومبدئياً تقدر أهلية الأطراف بالرجوع إلى القانون الشخصي لكل واحد منهم، أي قانون البلاد التي يحمل كل طرف جنـسيتها. أمـا قابليـة النزاع للتحكيم فهي مسألة عويصة، إذ يفترض أن يقدرها المحكم بالنظر إلى قانون التحكيم وهو قانون قد لا يكون قانون مكان التحكيم ولا يتطابق حتماً مع قـانون مكـان طـلـب التنفيذ، بينما يقدرها قاضي الرقابة على ضوء قانونه الوطني. ويترتب عـن ذلـك بالـضرورة اختلاف نظرة كل واحد منهما إلى المسألة. فالمحكم يهمه أن يصدر حكماً مطابقاً لقانون التحكـيم الذي اختاره الأطراف صراحة أو ضمنياً أو اختارته هيئة التحكيم، حال أن قاضي الإبطال يهمه ضمان حماية المصالح الحيوية التي يكرسها النظام القانوني الذي ينتمي إليه lex fori. ومنطـق القانون الوطني أن المشرع يعتبر أنه يوجد صنف أو أصناف من النزاعات التي لا يمكن إسـنـاد النظر فيها إلى غير قضائه الوطني، ولو أدى به ذلك إلى التصريح بأنه لا يثق في قدرة المحكـم (تقنياً وأخلاقياً وربما سياسياً) على البت في نزاعات ذات خطورة خاصة أو تتعلق بمصالح على درجة كبرى من الأهمية ومن المساس بإستقرار أوضاع المجتمـع وتحقيـق أهدافـه الوطنيـة (كنزاعات العمل الفردية أو نزاعات الجباية في عديد البلدان كتونس). arbitri lex وجدير بالملاحظة أنه يستنتج من عبارات اتفاقية نيويورك أن القاضي يجوز له أن يثيـر مسألة قابلية النزاع للتحكيم من تلقاء نفسه فيقضي بالبطلان إن ثبت له أن النزاع لا يقبل التحكيم من أساسه ولو غفل الطالب عن ذلك. ويتحقق القاضي أيضاً من أن اتفاقية التحكيم تم إثباتها على وجه صحيح وأنها موجودة قانوناً أي أنه لم يقع فسخاً تعاقدياً بتراضي أطرافها. كما اعتبرت المحاكم أنه يجوز رفض منح الصيغة التنفيذية لحكم التحكيم إن تبين أن النزاع كان موضوع صلح مبرم بعد التحكيم 6
2. حق الأطراف في إثارة الدفع بالنظام العام: مع أن هذه المسألة سيتطرق إليها الأستاذ لطفي الشاذلي فلا بـأس مـن الإشـارة إلـى أن صلاحية المحكم لإثارة الدفع بالنظام العام بصفة تلقائية ex officio من قبل القاضي جائزة فـإن ذلك لا يمنع طالب الإبطال أو الطرف الذي يتصدى لطلب بمنح الصيغة التنفيذية مـن إثارتهـا بدوره. فهي دفوع مشتركة بينهما وبالتالي فعلى القاضي النظر فيها سواء أثيرت أمامه أم لا. الفرع الثاني: رقابة تقتصر على قواعد الإجراءات الأساسية: 1. في ما يتعلق بتشكيل هيئة التحكيم: أ- في رقابة تشكيل هيئة التحكيم بوجه عام: يراقب القاضي صحة إجراءات تشكيل هيئة التحكيم، وما إن تم ذلك طبق أحكـام القـانون المنطبق على التحكيم أو اتفاقية التحكيم. ويجوز له إبطال حكم التحكيم أو رفض تنفيـذه إذا تـم تعيين محكم أو محكمين بإجراءات غير سليمة. كما يبطل حكم التحكيم إذا ثبت أن أحد المحكمين كان فاقدا للحياد أو الإستقلالية ولم يتسن للطرف المتمسك بذلك معرفة هذا المعطى قبـل حك التحكيم أو على الأقل قبل ختم المرافعات وصرف القضية التحكيمية للمرافعة. تتأكد ب- التحكيم المعقد وتعقيداته: آن الأوان لوضع قواعد تنظم كيفية تشكيل هيئة التحكيم: من خلال القضية السالف بسطها" الحاجة إلى وضع أحكام تتعلق بصورة التحكيم متعدد الأطراف، المسمى عن صواب "التحكـيم المعقـد" ( complex arbitration or multiparty arbitration). فعدم وجود نص واضح يضع قاضي المساعدة وهيئة التحكيم ثم قاضي الإبطال أمام حرج كبير لأن المنظومة التشريعية لا تتضمن أي حل لمسألة التحكيم متعدد الأطـراف ولا تكفل بوضوح مبدأ المساواة في تعيين المحكمين الذي اعتبره الفقه المقارن من مبادئ النظام العام الدولي، لكن محكمة الإستئناف بتونس تجاهلته في هذه القضية لأن الشركة المعنية به لم تطعـن في الحكم، لكنها ستجابه المشكل بكامله في قضايا لاحقة.
2. في ما يهم كيفية السير بالإجراءات من قبل المحكم:
يلاحظ الفقه الحديث نزوعا متواصلا في مجال التحكيم إلـى التمـاهي بمحـاكم القـضاء، وخصوصا من حيث كيفية السير بالإجراءات، حيث طغى منطق الإجراءات القضائية على منطق التحكيم (judiciarisation de l'arbitrage) وبالتالي تأثر التحكيم بمنطـق القـانون العـادي وابتعاده عن منطقه الخاص بـه، والـذي كـان طابعا مميزا له judiciarisation de) (l'arbitrage. غير أن هذا التماهي يظل اختياريا إذ أن القوانين الحديثة تمنح المحكم حرية كبيرة في السير بالإجراءات وتضيق من رقابة القاضي على هـذه الإجـراءات إلـى الحـد الأدن الضروري.
فالفقرة 2 من المادة الأولى من القانون النموذجي لليونسترال كما تم تعديلها في 7 جويليـة 2006 تنص على أنه "باستثناء أحكام المواد 8 و9 و 17 (J) 17 (1) 17 (H) و35 و36 من ذات القانون، لا تنطبق أحكام القانون النموذجي إلا إذا كان مكان التحكيم واقعا في تراب الدولـة المعنية، أو إذا وقع إختيار هذه الأحكام من قبل الأطراف أو من قبل هيئة التحكيم. فهذه المـواد تنطبق بقطع النظر عن توفر معياري مقر التحكيم وإرادة الأطراف من عدم ذلك فلا تتقيد بمجال تطبيق محدود في المكان، وهي تتعلق بتوزيع الإختصاص بـيـن القـضاء الـوطني والتحكـيم وبالمبادئ الأساسية للإجراءات المدنية والتجارية وبالإكساء بالصيغة التنفيذية.
وتميز المادة 1056 من القانون الجزائري الجديد بعض القواعد الإجرائية بنظام خاص يسمو بها عن درجة القواعد الإجرائية العادية ويربو بها عن كل إمكانية لخرقها دون تـدخل القـضاء لمجازاة ذلك الخرق بوأد حكم التحكيم وإنهاء وجوده أو مفعوله قانونا. وقد سميت هـذه القواعـد بالقواعد الأساسية للإجراءات المدنية والتجارية وبوأها القضاء التونسي المكانة التـي هـي بهـا جديرة فأكد أنه لا يجوز خرقها في أي ظرف بأي تعلة كانت، لأنها تمثل القواعد التي لا يمكـن دون احترامها تحقيق العدالة أو تصورها 1. أما فقه القضاء الأوروبي فاعتبر أنها تهم النظام العام الإجرائي الدولي بينما اعتبرها الفقه مبادئ كونية أو عبر- دولية principes transnationaux لا تحتاج إلى أن يقع تكريسها بنص تشريعي .
وقد تبنى فقه القضاء في تونس بوجه عام موقفا مرنا وواضحا إزاء ما يسميه المـشرع "المبادئ الأساسية للإجراءات" في التحكيم فاعتبرت محكمة الإستئناف بتونس في أكثر من قرار أن المبادئ الأساسية للإجراءات هي تلك التي لا يمكن تصور محاكمـة عادلـة إن لـم يقـع احترامها، وهي مبادئ احترام حقوق الدفاع والمساواة بين الخصوم والمواجهة بينهم، ومبدأ حياد هيئة الحكم بالمعنى الأخلاقي للحياد (impartialité). أما القواعد الإجرائية الأخرى، فلا تعد من قبيل القواعد الأساسية للإجراءات ولا يترتب عن خرقها البطلان.
ويلتقي هذا التوجه القضائي مع اتجاه عام في قانون التحكيم في العالم. ففي انكلترا، كتب أحد الفقهاء معلقا على أحد الأحكام القضائية، مؤكدا أن المحكم مطالب باحترام "مبـادئ العدالـة التي يستحيل خرقها" مع الاجتهاد في ما عداها، مبررا بذلك بأن المحكم ليس بالضرورة من أهل القانون .
فلا موجب مثلا للتحقق مما إذا كانت هيئة التحكيم قد سوغت لنفسها فعـلا الحكـم لـصـالح دعوى معارضة قام بها المطلوب وتجاوزت من حيث مرماها نطاق الدعوى الأصلية، باعتبار أن قاعدة ارتباط نطاق الدعوى المعارضة بنطاق الطلبات الأصلية ليست مـن القواعـد الأساسـية للإجراءات المدنية والتجارية. أما خرق مبدأ عدم جواز الحكم بأكثر من طلبات الخصوم ultra) (ou extra-petita فهو من الإخلالات التي تبرر الإبطـال الجزئـي annulation partielle باعتبار أن الحكم بما لم يطلب يشكل حتما خرق لحق الدفاع والوجاهية.
وكرس فقه القضاء الصبغة الأخلاقية للإجراءات التحكيمية من خلال توسيع نطاق العمـل بمبدأ عدم جواز التناقض للإضرار بالغير (principe de l'estoppel) الذي أدرجه المشرع في الباب المخصص للتحكيم الدولي، ومع ذلك فقد اعتبرت محكمة التعقيب أنه يجب العمل به أيـضاً في مادة التحكيم الداخلي .
ويتأكد ذلك من مراجعة المادة 1036 من قانون الإجراءات المدنية الهولنـدي والقـانون الإنجليزي للتحكيم لسنة 1996 والمادة من 1019 من قانون الإجـراءات المدنيـة والإداريـة الجزائري لسنة 2008 التي تقر مبدأ حرية اختيار طريقة السير بالإجراءات وتجيـز للأطـراف الإتفاق على تسييرها بطريقة مغايرة لما هو وارد بالمواد الموالية لها، بينما تبـيـن المـواد مـن 1020 إلى 1024 القواعد الإجرائية التي يقع اتباعها إذا لم يختر الأطراف أو المحكمون قواعـد إجرائية أخرى. كما تجيز المادة 1043 ضبط الإجراءات بالإستناد إلى قانون يتم اختيـاره مـن الأطراف أو نظام تحكيم، دون ربط ذلك بطبيعة التحكيم من كونه حرا أو مؤسساتيا.
ورغم ما تقدم من التحاليل فقد شاب الغموض بعض الأحكام القضائية. فمقابل تيار يعتمد في تعریف مفهوم القواعد الأساسية للإجراءات معيارا عاما، يقوم على اعتبار الغاية من الاعتـراف بوجود مؤسسة التحكيم، وهي إقامة العدل، ظهر في زمن ما تحول إلى التشدد في فقـه قـضاء محكمة الإستئناف بتونس، تجلى من خلال تبني مفهوم موسع و"هلامـي" المعـالم (nébuleux) للقواعد الأساسية للإجراءات، حيث اعتبرت في قرار صادر بتاريخ 27 مارس 2001 تحت عدد 1965 أن "هيئة التحكيم لم تحدد موعد جلسة المفاوضة، بل أكثر من ذلك فإنها صـرفت القـضية للمفاوضة وفتحت الباب أمام طرفي النزاع لتبادل التقارير والملحوظات إلى حدود ثلاث مـرات لكل طرف، ومثل هذا الإجراء يشكل خرقا صارخا لمبادئ القواعد الإجرائية ولما جاءت به أحكام الفصل 119 من مجلة المرافعات المدنية والتجارية، إذ تقتضي أحكام هذا الفصل تعيـين موعـد جلسة المفاوضة وتمنع على الهيئة القضائية قبول ملاحظات أو حجج من الخصوم إلا في بعـض الحالات الاستثنائية. و...إن ما قامت به هيئة التحكيم لا يدخل في إطار الحالات الاستثنائية بـل يعد تجاوزا للمبادئ الأساسية الإجرائية..."
فهذا القرار يمنع على المحكم ما يبيحه القانون للمحاكم العدلية ، مع أنه مـن المـستقر أن هيئة التحكيم بإمكانها أن لا تجري أي جلسة مطلقـا وأن تـسمح للأطـراف بتبــادل التقـارير والملحوظات والمؤيدات وتقديم الملف إليها كاملا عند الإنتهاء من ذلك لتقضي فيه دون سماع أي مرافعة.
ويخالف هذا الرأي توجه القانون الجزائري الجديد، حيث تقتضي المادة 1019 أن هيئة التحكيم تطبق قواعد القانون ما لم يتفق الأطراف على خلافها. أما القانون النموذجي فينص على أن هيئة التحكيم تقرر ما إذا كانت ستعقد جلسة أو جلسات تستمع فيها إلى الأطراف أو ستقتصر على النظر في الموضوع استناداً إلى ما يقدم لها من وثائق وأوراق. كما أن القاعدة العامة تقتضي أنه يجوز لهيئة التحكيم أن "تسير في التحكيم حسب الطريقـة التـي تراهـا مناسبة.
فمقصد المشرع هو إلزام المحكم باحترام مجموعة من المبادئ أي القواعد التوجيهية العامة principes directeurs، لا القواعد الإجرائية التفصيلية. فالقواعد الأساسية للإجراءات مبادئ عامة وليست قواعد فنية محددة. فرغم أن المشرع يستعمل مصطلح "قواعد" الإجـراءات فـإن الأصح هو أنها مبادئ عامة. فهي أطر توجيهية لسلوك القاضي والمحكم وتعامله مع الأطـراف ومعطيات القضية وأطوارها، ولكيفية السير بالإجراءات التحكيمية. فالمساواة، مثلا، ليست قاعدة إجرائية، بل هي منهج في تطبيق الإجراءات، وهي قاعدة عامة تسري علـى جميـع مراحـل الإجراءات (تبليغ عريضة الدعوى إلى الخصم والرد عليها وجواب المدعي الأصلي وتلقي حجج الأطراف وسماع الشهود والتداخل والإدخال والترافـع وتقـديم الطلبـات وتحويرهـا وتـأخير الجلسات...). ففي مجال التحكيم، لا يوجد إجراء وجوبي بذاته، بل يمكن السير بالإجراءات على النحو الذي يقرره الأطراف والمحكمون، مع وجوب احترام المبادئ الأساسية في جميع الحـالات ومهما كانت الصيغة الإجرائية المختارة أو المقررة.
المبحث الثاني: الرقابة على حكم التحكيم:
ينبغي أن يتضمن حكم التحكيم على الأقل تلخيصا لمقالات الأطراف، برهانا علـى إطـلاع المحكم عليها ودراسته لها، وتعليلا للموقف الذي انتهت إليه هيئة التحكيم في حكمها.
الفرع الأول: التحقق من أن حكم التحكيم أورد مقالات الخصوم:
يحيل الفصل 30 من مجلة التحكيم التونسية إلى الفصل 123 من مجلة المرافعات المدنيـة والتجارية الذي يوجب أن يورد الحكم ملخصا لمقالات الخصوم. و من الثابت أن ذكـر مقـالات الخصوم بحذافيرها لا يعيب حكم التحكيم ولو تضمنت الكثير من الإسهاب والثرثرة. وقد تطورت هذه الظاهرة في العصر الحديث بفعل التكنولوجيات الحديثة حيث أصبحت هيئة التحكيم تطالـب المحكمين بتقديم ملحوظاتهم وتقاريرهم على سند إلكتروني يسهل نقل محتواه بمجرد نقرتين على لوحة التحكم في الكمبيوتر، إن لم يجر التحكيم باستعمال الوسائل الإلكترونية أصلا.
غير أن المسألة التي تثير الإشكال هي المتعلقة بالإجمال في ذكر مقـالات الخـصوم بـأن يلخصها المحكم تلخيصا مخلاً. وفي رأينا فإن هذه المسألة تخضع إلى رقابة دنيا من قبل محكمة الإبطال أو التنفيذ. غير أن بعض المحكمين ذهبوا إلى أبعد من ذلك. ففي حكم تحكيمي أقتـصر المحكم على ذكر مراجع مذكرات محاميي الخصوم أي بذكر تواريخ تقديم المذكرات دون بيـان مضمونها ولو بإيجاز. وقد اعتقد هذا المحكم أن العملية غير مجدية، غير أن طريقته ليست هـي المثلى ولا الصحيحة، خاصة أن حكمه خاضع لرقابة قضائية لاحقة، وهي رقابة لا تطال أصـل النزاع، وليست رقابة قاضي الدرجة الثانية الذي يراجع النزاع في ذاته، بل هي رقابة شكلية على حكم التحكيم من حيث الشكل لا على اجتهاد المحكم، وهو ما يفترض عدم مد قاضي الإبطال أو التنفيذ بملف التحكيم أصلا. ولذلك فالقاعدة أن حكـم التحكـيم ينبغـي أن يكـون كافيـا بذاتـه (autosuffisante) بحيث يتمكن من يقرؤه من فهم النزاع ومواقف الأطراف ثم موقف المحكـم دون حاجة إلى الرجوع إلى أي وثيقة أخرى. وفي صورة عدم احترام المحكم لهذا الواجب يبطل حكمه (مع الأسف).
الفرع الثاني: الرقابة على تعليل حكم التحكيم:
يعتبر تعليل حكم التحكيم واجبا مهنيا محمولا على المحكم، والمقصود به هو بيان أســبا حكم التحكيم أي العلل التي بني عليها، سواء تعلق الأمر بحجج قانونية أو شرعية أو منطقيـة أو بالعدل والإنصاف. وقد اعتبر فقه القضاء في البلدان التي تقتضي تقاليدها تعليل الأحكام أن فقدان التعليل صنو لخرق حقوق الدفاع إذ أنه ضرب من العشوائية والتحكم. ومن ثمة فإن جزاء غياب التعليل هو إبطال حكم التحكيم .
1. الخطأ في التكييف ليس موجبا لإبطال حكم التحكيم:
على عكس القرارين الصادرين سنتي 2001 و2007، أكد قرار محكمة التعقيب الصادر في 14 جانفي 2008 أن الأحكام التحكيمية كسائر الأحكام تستمد وصفها من ذاتها ومن القـانون لا مما يصرح به المحكمون ومن ثمة يحق للمحكمة أن تراجع التكييف. غير أنه إذا تبين للمحكمـة أن التكييف لم يكن سليما فإنه لا يجوز لها إبطال الحكم التحكيمي لهذا السبب بـل لـهـا تـصحيح التكييف كما هي القاعدة بالنسبة لجميع الأحكام، وهي قاعدة عامة من قواعد الإجـراءات المدنيـة والتجارية. فمحكمة الطعن تقتصر على تصويب الوصف الخاطئ للحكم المطعون فيه لا غير.
2. شمولية التعليل:
هل ينبغي على المحكم تعليل حكمه في جميع النقاط المثارة؟
تحتل هذه المسألة مكانة متميزة اليوم في عمل المحكمين والقضاة. فالخصوم قـد يثيـرون دفوعا غير جدية لا غاية منها سوى تعقيد النزاع، فهل ينبغي على المحكم أن يفسر موقفه بـشأن كل واحدة منها؟ وهل يحق له ضم الدفوع والحجج القانونية والمنطقية لبعضها؟
على الرغم من احتراز جانب من الفقه التونسي"، يمكن القول إن القاضـي والمحكـم لا يلزمان إلا بالرد على الدفوع الجوهرية أو الجدية وله أن يهمل الرد على الدفوع غير الجدية.
ومن جهة أخرى اعتبرت المحكمة الفيدرالية السويسرية أن المحكم لا يكـون قـد أخـل بمهمته إذا فصل موقفه من النقاط الجوهرية ثم اقتصر على صيغة عامة تقتضي رفـض سـائر الطلبات الأخرى، وهي بذلك تتبنى الرأي الذي أوردناه. كما اعتبر فقه القضاء الهولندي في قرار صدر حديثا عن المحكمة العليا الهولندية طعنا في حكم صادر عن محكمة مقاطعة أوترخـت أن غياب التعليل المفضي إلى الإبطال هو الفقدان الكلي .
3. تناقض التعليل:
هل يعادل إنعدام التعليل أو ضعف التعليل؟ هي إشكالية سال حولها حبر كثير. ففي زمن ما، كان القضاء الفرنسي يعتبـر أنـه إذا تعارضت أسباب الحكم تهادمت فأسقط بعضها بعضا فأضحى الحكم فاقدا للتعليل. ثم امتد هذا التحليل إلى مجال الأحكام التحكيمية فاعتبر تناقض التعليل بمثابة انعدام التعليـل، وانعـدام التعليل وجها من أوجه إهدار حق الدفاع ومبدإ المواجهة الذي لا يقتصر على المواجهة بين الخصوم بل يمتد إلى المواجهة بين الأطراف من جهة والمحكمين من جهة ثانية. غيـر أن تيارا فكريا جديا تزعمه الفقيه الفرنسي إيمانويل غايـار E. Gaillard إعتبـر أن تنـاقض التعليل ليس سوى وجها من أوجها ضعف التعليل insuffisance de motifs وهـو أمـر خـرج عـن نـطــاق رقابـة محكمـة النقض الفرنسية، فلا يمكن إبطال حكم التحكي من أجله. وقد انضمت محكمة النقض الفرنسية إلى هذا التيار، بما شكل تحولا هاما فى تاريخ التحكيم بوجه عام.
غير أن محكمة النقض الفرنسية طرح عليها في السنوات الأخيرة إشكال أكثر خصوصية ودقة يتعلق بمراقبة تعليل أحكام التحكيم الصادرة طبق قواعد العدل والإنصاف. فخلافا للتوجـه الليبرالي الأصلي، اضطرب القضاء الفرنسي في السنوات الأخيرة وتصادمت قراءاته، من قـول بأن لا رقابة للقاضي على تعليل هذه الأحكام أصلا لأن القاضـي لا يراقـب تعليـل أي حكـم تحكيمي أصلا ويقتصر على التحقق من وجود التعليل فحسب، والقول بأن القاضي يتحقق فقـط من أن المحكم احترم إرادة الأطراف بأن طبق قواعد العدل والإنصاف فعلا ولم يطبـق قـانون دولة ما، وهو ما أدى أيضا إلى القول إن المحكم لا يكون قد احترم مهمته إلا إذا تبين أن حكمـه مخالف للقانون أو على الأقل "لا يفرض نفسه قانونا" la solution ne s'impose pas en) . droit)
4. من تناقض التعليل إلى تناقض التعليل مع المنطوق: هل هو ضرب مـن ضـروب تنـاقض التعليل؟
طرح في إطار قضية عرضت مؤخرا على محكمة الإستئناف بتونس 3 إشكال مختلف يتعلق بتناقض تعليل حكم التحكيم مع منطوقه. فقد نشأ نزاع بين شركتين تنتميان إلى تجمـع شـركات تونسي مع شركتين تنتميان إلى تجمع شركات إيطالي، حول عملية بيع مساهمات في شـركتين، فرفعت الشركتان الإيطاليتان دعوى مشتركة بينهما وعينتا محكما من جهتهمـا، وأمـام رفـض الطرف التونسي تعيين محكم، لجأتا إلى الرئيس الأول لمحكمة الإستئناف بتونس لطلـب تعيـين محكم عن المطلوبتين فقضى برفض الطلب بناء على أن اتفاقية التحكيم تهم شـركتين فقـط ولا محل لإدخال غيرهما في النزاع فقامت إحدى الشركتين بطلب جديد وتم تعيين محكم فـي حـق المطلوبة، لكن الشركة المدعية الثانية التي تم إخراجها من النزاع في هذا الطور قامت بالتـداخل في النزاع jonction/joinder ثم قامت بإدخال الشركة الأخرى في النـزاع، فاحتـارت هيئـة التحكيم في أمرها وانتهت إلى الحكم بإخراج الدخيلتين من النزاع ثم قضت بإلزام المدعى عليهما معا (بما فيهما الشركة التي تم إخراجها من الخصومة) بدفع مبلغ الدين بالتضامن بينهمـا. فهـذا الحكم بعد أن أخرج شركة من النزاع ألزمها بدفع الدين موضوع الدعوى، وهو تعـارض بـين تعليل motifs الحكم ومنطوقه dispositif، يتجاوز التعارض في تعليل الحكم التحكيمي، و مسألة تختلف نسبيا عن المسألة التي طرحت سابقا والمتعلقة بتعارض حيثيات الحكم التحكيمـي، وليس من المحقق أنه ينبغي تنظيرها بها.
5. حدود واجب التعليل:
أ. الإعفاء من التعليل باتفاق الأطراف:
من الضروري القول إنه إذا كانت مجلة التحكيم التونسية هي المنطبقة على التحكيم، يكـون تعليـل حكم التحكيم ضروريا ما لم يتم إعفاء المحكمين منه. على أن الإعفاء من التعليل لم يرد بـه إلا الفـصل 75 من مجلة التحكيم، فهو لا يهم سوى التحكيم الدولي. ويخلص من ذلك أنه لا عمـل بالإعفـاء مـن التعليل إن كان التحكيم داخليا.
ب. الإعفاء من التعليل بحكم القانون:
إذا كان القانون المنطبق على إجراءات التحكيم قانونا آخر، فيجب الرجوع إلى مقتضياته المتعلقـة بالتعليل. فعلى سبيل المثال، لم يكن القانون الإنكليزي قبل سنة 1996 يوجـب التعليـل، وهـو مـا أدى بمحكمة الإستئناف بتونس إلى قبول إكساء حكم تحكيمي صادر في انقلترا بالصيغة التنفيذية، وأسـست قرارها على أنه "ما دامت إجراءات الحكم (القضائي أو التحكيمي) صحيحة، والأسباب القانونيـة التـي إنبني عليها بينة، وحقوق الدفاع فيه مضمونة، فلا مندوحة من الأمر بتنفيذه سواء كان معلـلا بالطريقـة المنصوص عليها بقانوننا للمرافعات المدنية والتجارية أم لا، لأن عدم سلوك طريقتنا في تعليل الأحكام لا يتعارض مع المبادئ الأساسية لمفهوم النظام العام في قانونا الدولي الخاص، إذا جرى فـي ذلـك علـى قانون أو عرف البلد الذي صدر فيه... وإن [ القول بخلاف ذلك يتعارض مع مقتضيات التعاون الـدولي وحاجيات التجارة الدولية، خاصة أن طائفة كبيرة من البلدان، كالبلاد الأنقلوسكسونية، لا تجري أحكامهـا القضائية والتحكيمية على طريقتنا في التعليل، وعقود التجارة الدولية تنص في أغلبها على فض الخلافات بشأنها بطريق التحكيم.
وحيث إنه علاوة على ذلك فإن قبول المتعاقدين عرض خلافاتهما على الهيئات التحكيمية الدائمة أو غيرها، بلندن أو نحوها من البلاد التي لا تجري على طريقتنا في تعليل القرارات التحكيمية، بدون ܥܘܪܐ في ذلك، يضفي على هذه القرارات الشرعية، وينفي عنها الإختلاف مع النظام العام في قانوننا الدولي الخاص و...يتجه إقرار الحكم الإبتدائي القاضي بالأمر بتنفيذ قرار التحكيم عدد 1199 المؤرخ في 19 ماي 1976.
خاتمة:
إن وصف الرقابة التي يجريها القاضي على حكم التحكيم بأنها "رقابة شكلية" يحتاج إلى توضيح جوهري وهو أنها "رقابة شكلية بالأساس". وإن المراد بذلك لا يتمثل فى أن القاضى يجري مجرد رقابة جوفاء تجعل منه مجرد "شبح" لا يخيف أحدا، بل هي رقابة جدية تهدف إلى التحقق من صحة تعهد المحكم بالنزاع وسلامة تركيبة هيئة التحكيم ثـم مـن احـتـرام المبـادئ الضامنة لعدالة المحاكمة التحكيمية. فما يخرج عن رقابة القاضي هو اجتهاد المحكم فـي تقـدير الوقائع وتنزيل القاعدة القانونية على جوهر النزاع، وهو أمر منطقي لأن اللجوء إلى التحكيم يعبر عن الرغبة في اللجوء إلى "عدالة مغايرة"، لكنها ينبغي أن تظل "عدالة" في كل الأحوال.
المخطط:
مقدمة:
المآخذ التي لا يمكن أن تثار إلا من قبل الأطراف دون القاضي ينبغـي أن يثيرها الطرف المتضرر من الإخلال
إرادة الأطراف وتضييق مجال الطعن بالإبطال
* استبعاد الطعن كليا
* استبعاد التمسك بمطاعن معينة
دور القاضي: إمكانية إرجاع الحكم إلى المحكم لتلافي ما به من نقص
المبحث الأول: حق التمسك بتهافت دعائم التحكيم
الفرع الأول: مراقبة اختصاص المحكم
1. التحقق من صحة اتفاقية التحكيم ووجودها
2. حق الأطراف في إثارة الدفع بالنظام العام
الفرع الثاني: رقابة تقتصر على قواعد الإجراءات الأساسية
1. في ما يتعلق بتشكيل هيئة التحكيم
أ- في رقابة تشكيل هيئة التحكيم بوجه عام
ب. التحكيم المعقد وتعقيداته: آن الأوان لوضع قواعد تنظم كيفية تشكيل هيئـة التحكيم
2. في ما يهم كيفية السير بالإجراءات من قبل المحكم
المبحث الثاني: الرقابة على حكم التحكيم
الفرع الأول: التحقق من أن حكم التحكيم أورد مقالات الخصوم
الفرع الثاني: الرقابة على تعليل حكم التحكيم
1. الخطأ في التكييف ليس موجبا لإبطال حكم التحكيم
2. شمولية التعليل
3. تناقض التعليل: هل يعادل إنعدام التعليل أو ضعف التعليل؟
4. من تناقض التعليل إلى تناقض التعليل مع المنطوق: هل هـو ضـرب مـن ضروب تناقض التعليل؟