الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم وقضاء الدولة / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 8 / دور القضاء في التحكيم إطلالة على الأوامر الصادرة عن محاكم الدولة في شأن التحكيم Anti-suit Injunctions

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 8
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    37

التفاصيل طباعة نسخ

مقـدمـة:

 1- التحكيم هو نظام خاص للتقاضي، ينشأ من الاتفاق بين الأطراف المعنية على العهـدة إلـى شخص أو أشخاص من الغير بمهمة الفصل في المنازعة القائمة بينهم بحكم يتمتع بحجيـة الأمر المقضي .

2- وإقرار الدولة للتحكيم كنظام خاص للتقاضي، سواء كان نظاماً استثنائياً منافساً لقـضائها أو نظاماً قريناً مصاحباً له أو نظاماً بديلاً في بعض الأحيان للقضاء الرسمي، كما هو الحال في المنازعات الناشئة في إطار العلاقات التجارية الدولية، يحمل في طياته أن التحكيم كقـضاء خاص لا يمكن أن يعمل بمعزل عن قضاء الدولة.

3- وتفيد دراسة التشريعات الحديثة الخاصة بالتحكيم وأيضاً المعاهدات الدولية المنظمة للتحكيم، وكذلك القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي، أن هناك العديد مـن روابـط التعـاون والرقابة التي يساهم فيها قضاء الدولة في مسائل التحكيم على نحو يؤكد أن كل من التحكيم كقضاء خاص والقضاء الرسمي نظامان لا يعيشان في جزر منعزلة بعضها عـن الـبعض الآخر.

4- ويعتبر مبدأ تحقيق فعالية التحكيم من المبادئ الأساسية التي تحاول جميع القوانين المنظمـة للتحكيم احترامه لما في هذا الأمر من ضمان قيام التحكيم بتحقيق الأهداف المرجوة منه.

5- ولقد ترجم القانون المصري والقانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي مبدأ تحقيق الفعالية القصوى للتحكيم من خلال عدة نصوص حاول بعضها إدراك هذه الغاية من خلال احتـرام التحكيم كاتفاق والبعض الآخر من خلال احترام التحكيم كإجراء وأخيراً احتـرام التحكـيم كحكم.

    وسوف نعرض في هذه المقدمة لبعض الصور التي تؤكد أن كل من القانونين المشار إليهما قد حققا من خلال النصوص التي تبنياها تحقيق فعالية التحكيم كاتفاق وإجراء وحكـم فـي الفقرات التالية كنوع من التمهيد قبل التطرق إلى موضوع أوامر الزجر.

 أ- تحقق فعالية التحكيم من خلال احترام القوة الملزمة لاتفاق التحكيم:

 6- اتفاق التحكيم عقد بمقتضاه يتفق الطرفان على الالتجاء إلى التحكيم لتسوية كـل أو بعـض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما.

   ويرتب اتفاق التحكيم أثرين: الأثر الأول هو الأثر الايجابي ووفقاً له تلتزم الأطـراف بالعهـدة إلى هيئة التحكيم بالمنازعة المتفق على حلها بواسطة التحكيم. فمبدأ أن العقد شريعة المتعاقدين واحترام القوة الملزمة للعقود يؤدي إلى ترتيب هذا الأثر. ولذلك فإنه إذا لجأ أحد الأطراف إلـى المحاكم الوطنية على الرغم من وجود اتفاق على التحكيم، فإن احترام الأثر الايجـابي لاتفـاق التحكيم من شأنه أن يؤدي إلى ضرورة إجبار هذا الطرف على اللجـوء علـى التحكـيم، أي ضرورة التنفيذ العيني للالتزام الواقع على الأطراف في اتفاق التحكيم باللجوء إلى التحكيم.

7- وتظهر فكرة التنفيذ العيني للالتزام الواقع على الأطراف باللجوء إلى التحكـيم فـي حالـة الاتفاق عليه احتراما للقوة الملزمة لاتفاق التحكيم ولمبدأ أن العقد شريعة المتعاقدين فـي الحكم الوارد في المادة الثانية فقرة 3 من معاهدة نيويورك في شأن الاعتراف وتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية. إذ تنص هذه المادة على ما يلي "على محكمة الدول المتعاقدة التي يطـرح أمامها نزاع حول موضوع كان محل اتفاق من الأطراف بالمعنى الوارد في هذه المـادة أن تحيل الخصوم بناء على طلب أحدهم إلى التحكيم، وذلك ما لم يتبين للمحكمة أن هذا الاتفاق باطل ولا أثر له أو غير قابل للتطبيق".

 8- واحترام الأثـر الإيجابي لاتفاق التحكيم المتمثل في ضرورة التنفيذ العيني لهـذا الاتفـاق، وهـو الأمـر الـذي كرسته معاهدة نيويورك على النحو المتقدم، كرسـه أيـضاً بـشكل صريح القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي بموجب نص المادة الثامنة والتي تقـضي بأنه "على المحكمة التي ترفع أمامها دعوى في مسألة أبرم بشأنها اتفاق تحكـيم أن تحيـل الطرفين إذا طلب منها ذلك احد الطرفين إلى التحكيم، في موعد أقصاه تاريخ تقــديم بيانـه الأول في موضوع النزاع ما لم يتضح لها أن الاتفاق باطل أو لاغ أو عـديم الأثـر أو لا يمكن تنفيذه".

 9- وإلزام المحكمة الوطنية التي ترفع أمامها الدعوى المتفق بعرضها علـى التحكيم بإحالـة الأطراف إلى التحكيم إذا طلب أحد الطرفين ذلك – وبالقيود الواردة فيها – وإن كان يفيـد احترام الأثر الايجابي لاتفاق التحكيم وضرورة التنفيذ العيني له، فإنه في الوقت عينه يعبر عن احترام أثر آخر يرتبه اتفاق التحكيم ألا وهو الأثر السلبي له والمتمثل بعدم اختـصاص المحاكم الوطنية بنظر المنازعة المتفق بشأنها على التحكيم.

10- فالتزام المحكمة الوطنية بإحالة النزاع إلى التحكيم نظراً لوجود اتفاق تحكـــم بـشـأنـه بـين الأطراف، هو ترجمة للاحترام الواجب مراعاته لكل من الأثر الايجابي والـسلبي لاتفـاق التحكيم.

 11- ولقد عبرت المادة الثالثة عشرة فقرة أولى من القانون المصري للتحكيم عن احترامها للأثر السلبي لاتفاق التحكيم بنصها "يجب على المحكمة التي يرفع إليها نزاع يوجد بشأنه اتفـاق تحكيمي أن تحكم بعدم قبول الدعوى إذا دفع المدعى عليه بذلك قبل إبدائه أي طلب للـدفاع في الدعوى".

 وإذا كان تحقيق الفعالية القصوى للتحكيم كاتفاق يتبلور أساساً من خلال احتـرام الأثـرين الايجابي والسلبي لاتفاق التحكيم، فإنها تترجم أيضا من خلال مقاومـة جميـع الأساليب التسويفية التي قد يلجأ إليها أحد أطراف التحكيم للحيلولة دون السير في إجراءات التحك على النحو المتفق عليه.

 12- وتحقق الفعالية القصوى للتحكيم كاتفاق يبرز أيضاً من خلال تقريـر مبـدأ الاختصاص بالاختصاص وأيضاً من خلال تقرير مبدأ آخر هو مبدأ استقلالية اتفاق التحكيم عن العقـد الذي يتضمنه.

 13- ولقد تبنى القانون المصري للتحكيم هذين المبدأين اللذين يـساهمان فـي تحقيـق الفعاليـة القصوى لاتفاق التحكيم فذكر في المادة 22-1 على انه "تفصل هيئة التحكيم فـي الـدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها بما في ذلك الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق تحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله لموضوع النزاع".

    ونص أيضاً في المادة 23 على أن "شرط التحكيم يعد اتفاقاً مستقلاً عـن شـروط العقـد الأخرى ولا يترتب على بطلان العقد أو فسخه أو إنهائه أي أثر على شرط التحكيم الـذي يتضمنه، إذا كان هذا الشرط صحيحاً في ذاته".

 ب- احترام التحكيم كإجراء من خلال مقاومة جميع الأساليب التسويفية التي قد يلجأ إليها أحـد الأطراف في التحكيم للحيلولة دون السير في إجراءات التحكيم:

 14- تتعدد الأساليب التسويفية التي يلجأ إليها بعض الأطراف لمنع بدء إجراءات التحكيم أو لمنع السير فيها، ومن بين هذه الأساليب الامتناع عن تعيين المحكم، ولقد واجه هذا الأمر كل من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي وأيضاً القانون المصري.

 ففي هذا الإطار، تناولت المادة 11 من القانون النموذجي للتحكيم هذا الفرض بنصها علـى  انه :

15- فإذا كان التحكيم بثلاثة محكمين، ولم يقم أحد الطرفين بتعيين المحكم في خلال ثلاثين يوماً من تسلمه طلباً بذلك من الطرف الآخر، أو إذا لم يتفق المحكمان على المحكم الثالث خلال ثلاثين يوماً من تعيينهما، وجب أن تقوم بتعيينه بناء على طلب أحد الطرفين المحكمـة أو السلطة الأخرى المسماة في المادة 6. وهو أيضاً الحل المتبع إذا كان التحكيم بمحكم ولـم يستطع الطرفان الاتفاق على المحكم وجب أن تقوم بتعيينه بناء على طلب أحـد الطـرفين المحكمة أو السلطة الأخرى المسماة في المادة 6".

   وهذا الحل الذي كرسته المادة الحادية عشرة، كرس النص الوارد في المادة 7 في فقراتهـا الأولى والثانية .

16 - ومن بين الأساليب التسويفية الأخرى القيام برد المحكم ويلعب قضاء الدولة دوراً مهماً في موضوع الرد على النحو المحدد في المادة 19 من قانون التحكيم المصري؟.

17- وإذا كان قضاء الدولة يلعب هذا الدور الحيوي من أجل مقاومة الأعمال التسويفية، فإنـه أيضاً يسعى إلى تحقيق نوع من التكامل بينه وبين قضاء التحكيم من أجل تدعيم إجـراءات التحكيم.

جـ- التكامل بين قضاء التحكيم وقضاء الدولة لتدعيم إجراءات التحكيم:

 18- من المعروف أن المحكم كشخص خاص لا يتمتع بقوة القهر والإلزام أو مـا يعـرف بـ Imperium، ولذلك كان من الطبيعي أن ينشأ نوع من التعاون بين قضاء الدولة وقـضاء التحكيم من أجل إضفاء المزيد من الفعالية على هذا الأخير. ولقد ترجم ذلك الأمر من خلال أوجه عديدة من التعاون لعل أبرزها على صعيد تدعيم التحكيم كإجراء، الاعتراف بانعقـاد الاختصاص للقضاء الوطني بنظر المنازعات المتعلقة باتخاذ الإجراءات الوقتية والتحفظيـة التي تحتاج إلى سلطة القهر والإجبار.

 وتحقيقاً لذلك الهدف نصت المادة التاسعة من القانون النموذجي للتحكيم على انه "لا يعتبـر مناقضاً لاتفاق التحكيم أن يطلب أحد الطرفين، قبل بدء إجراءات التحكيم أو في أثنائها مـن إحدى المحاكم أن تتخذ اجراء وقائياً مؤقتاً وان تتخذ المحكمة إجراء بناء على هذا الطلب".

 ولقد كرس القانون المصري للتحكيم هذا الاتجاه في المادة 14 منه بنصه على أنه "يجـوز للمحكمة المشار إليها في المادة (9) من هذا القانون أن تأمر بناء على طلب طرفي التحكيم، باتخاذ تدابير مؤقتة أو تحفظية سواء قبل بدء إجراءات التحكيم أو أثناء سيرها.

 د- تحقق الفعالية القصوى للتحكيم كحكم:

 18- من المتفق عليه على نحو ما ذكر أستاذ التحكيم العظيم الأستاذ الدكتور محـسـن شـفيق أن التحكيم أوله اتفاق أوسطه إجراء وأخره قضاء، فالهدف الأساسي من لجوء الأطراف إلـى التحكيم هو إصدار حكم لا يختلف عن الحكم القضائي التقليدي.

 19- وتسعى الأنظمة القانونية المختلفة إلى التأكيد على ضرورة احترام الفعالية القصوى للتحكيم من خلال التركيز على الطبيعة القضائية لحكم التحكيم.

 فنص القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي على أن يكون قرار التحكيم ملزماً (مـادة 35).

  كما نص القانون المصري للتحكيم على أن "تحوز أحكام المحكمين الـصـادرة طبقـاً لهـذا القانون حجية الأمر المقضي وتكون واجبة النفاذ بمراعاة الأحكام المنصوص عليها في هذا القانون" (مادة 55).

 20- ولم يكتف القانون النموذجي للتحكيم بالتأكيد على هذه الطبيعة القضائية لحكم التحكيم، بـل أنه احتراماً منه للفعالية القصوى لحكم التحكيم قرر عدم إمكانية الطعن على هذا الحكـم إلا من خلال طريق واحد هو طريق الطعن بالإلغاء هذا من جهة. ومن جهـة أخـرى، حـدد القانون النموذجي للتحكيم حالات الطعن بالبطلان تحديداً حصرياً، فلا يجوز الطعن عليـه بالإلغاء لأسباب أخرى غير الواردة حصراً فيه (المادة 34 فقرة 1،2).

 ولم يتخلف القانون المصري للتحكيم عن إدراك غاية الفعالية القصوى للتحكيم كحكم، وذلك عن طريق النص بأن أحكام التحكيم التي تصدر طبقاً لأحكام هذا القانون لا تقبل الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المنصوص عليها في قانون المرافعات المدنية والتجاريـة (م 52) وان الطريق الوحيد المسموح به للطعن على حكم الطعن هو طريق الطعن بـالبطلان وللأسباب الواردة حصراً في هذا القانون (مادة 53 -1).

21- وعلى صعيد آخر، هو صعيد الاعتراف وتنفيذ حكم التحكيم، فإن القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي قرر إجراءات مبسطة من أجل تنفيذ حكم التحكيم تتمثل في طلـب تقـديم للتنفيذ يكون مشفوعاً بالقرار الاصلي أو صورة مصدقة منه واتفاق التحكيم الأصلي المشار إليه في المادة 7 أو صورة له مصدقة حسب الأصول (المادة 35-2).

 ولقد سمح القانون النموذجي بإمكانية الاعتراض على تنفيذ حكم التحكيم لأسباب لا تختلـف عن الأسباب الواردة في معاهدة نيويورك 1958.

 22- ويقرر القانون المصري للتحكيم كذلك إجراءات مبسطة لإصدار الأمر بتنفيذ حكم المحكمين لا تختلف عن تلك المقررة في القانون النموذجي. إذ تنص المادة 56 علـى انـه "يخـتص رئيس المحكمة المشار إليها في المادة 9 من هذا القانون أو من يندبه من قضائها بإصـدار الأمر بتنفيذ حكم المحكمين ويقدم طلباً بتنفيذ الحكم مرفقاً به ما يلي:

 1- أصل الحكم أو صورة موقعة منه.

 2- صورة من اتفاق التحكيم.

3- ترجمة مصدق عليها من جهة معتمدة إلى اللغة العربية لحكم التحكيم إذا لم يكن صادرا بها.

 

4- صورة من المحضر الدال على إيداع الحكم وفقا للمادة (47) من هذا القانون.

وحرصاً من من المشرع المصري على تحقيق الفاعلية القصوى لحكم التحكيم قيد عدم جـواز تنفيذه بحالات واردة على سبيل الحصر.

 إذ نصت المادة 58-2 على أنه "لا يجوز الأمر بتنفيذ حكم التحكيم وفقاً لهذا القـانون إلا بعد التحقق مما يأتى:

 1- انه لا يتعارض مع حكم سبق صدوره من المحاكم المصرية في موضوع النزاع. 2- أنه لا يتضمن ما يخالف النظام العام في جمهورية مصر العربية.

 3- انه قد تم إعلانه للمحكوم عليه إعلاناً صحيحاً.

 وترتيباً على ذلك، فإنه إذا لم توجد أية حالة من هذه الحالات الثلاث الواردة على ســبيل الحصر، جاز إصدار الأمر بالتنفيذ.

 23- وبمقارنة النصوص الواردة في معاهدة نيويورك المتعلقة بالاعتراف وتنفيذ الإحكام الأجنبية وتلك الواردة في القانون المصري للتحكيم يتضح أن هذا الأخير يكفل تنفيذ أحكام التحكـيم على نحو أيسر من ذلك الذي تكفله المعاهدة، وهو الأمر الذي سمح لنا بأن نقرر في مؤلف سابق لنا - إمكانية إصدار الأمر بتنفيذ حكم تحكيم أجنبي قضى ببطلانه في الخارج، فـي مصر بسبب القواعد الميسرة للتنفيذ الواردة في القانون المصري واستناداً إلى المادة السابعة من معاهدة نيويورك التي تقرر أن أحكام هذه المعاهدة لا تمنع من تطبيق نصوص قانونيـة أو معاهدة ثنائية أو جماعية أكبر تشجيعاً لتنفيذ أحكام التحكيم الأجنبية .

 24- وتنفيذ الأحكام التحكيمية على الرغم من بطلانها في دولة المقر يعد ترجمة للرغبـة ضمان الاحترام الكامل لحكم التحكيم الدولي، وذلك بغض النظر عن مصير هذا الحكم فـ دولة المقر.

 25- وإذا كانت جميع الآليات السالف بيانها والتي حرصنا على ذكرها في مقدمة هـذا البحـث تسعى إلى ضمان تحقق الفعالية القصوى للتحكيم كأتفاق وإجراء وحكم وتستخدم على نطاق واسع في جميع الأنظمة القانونية ذات النزعة اللاتينية، فإن هناك آليات أخرى يجري العمل القضائي على استخدامها في الدولة ذات النزعة الانجلوسكسونية المتأثرة بالنظام القـانوني الانجليزي لتحقق ذات الغاية أي لضمان تحقق الفعالية للتحكيم.

 هـ- أوامر الزجر كآلية لضمان فعالية التحكيم:

 26- من أجل مقاومة رغبة الأطراف التي على الرغم من اتفاقها على التحكـيم، تـسعى إلـى التنصل منه عن طريق لجوئها مباشرة إلى قضاء الدولة، طبق النظام الانجليزي والأنظمـة القانونية التي تحذو حذوه النظام المعروف anti-suit injunctions.

 27- ووفقاً لهذا النظام يحق للطرف في اتفاق التحكيم الذي يحاول الطرف الآخر فيه المـساس بأثره الايجابي، أن يطلب من المحكمة الوطنية أن تأمر هذا الطرف الأخير بالامتناع عـن السير في المنازعة التي أقامها أمام القضاء الرسمي، وذلك لأن في الاستمرار فـي هـذه المنازعة مخالفة لاتفاق تعاقدي سابق تم بين الأطراف وهو الاتفاق على التحكيم.

 29- وأياً يكن حظ هذه الوسيلة من النجاح الآن ولاسيما في دول الاتحاد الأوروبي بعد صـدور حكم محكمة العدل الأوروبية في قضية West Tankers، فإن الأمر الذي يعنينا في هـذا الصدد هو أن هذه الوسيلة التي كانت تهدف إلى حماية الأثر الايجـابي لاتفـاق التحكـيم والحيلولة دون قيام أحد الأطراف بالمساس به، تم استخدامها أيضاً بشكل مخالف للمبـادئ التي قامت عليها، في محاولة للنيل من فعالية التحكيم ليس فقط كاتفاق وإجراء، بل وكحكـم أيضاً.

 و- أوامر الزجر كآلية للنيل من فعالية التحكيم:

 فإلى جانب الآلية المعروفة باسم anti-suit injunctions ظهر ما يمكن أن نطلـق عليـه .anti-arbitration injunctions

إذ قد يلجأ بعض الأطراف إلى القضاء من أجل إجبار الطرف الآخر على عدم اللجوء إلى التحكيم أو بطلب إصدار الأمر بوقف إجراءات التحكيم التي قد تم الشروع فيهـا أو بعـدم الاعتداد بالحكم التحكيمي الصادر عن هيئة التحكيم.

30- ولما كان التطرق لآلية أوامر الزجر المستخدمة للحيلولة دون اللجوء إلى التحكيم أو وقـف إجراءاته أو عدم الاعتداد بالحكم التحكيمي تستوجب لسبر أغوارها فهم هذه الآلية بـشكل عام وكيفية استخدامها في الإطار التقليدي الذي استعملت فيه أصلاً، فإننا سوف نعرض لهذه الآلية على صعيد استخدامها من أجل ضمان فعالية اتفاق التحكيم (مبحث أول) وأيضاً على صعيد استخدامها للنيل من فعالية التحكيم كاتفاق وإجراء وحكم (مبحث ثان).

المبحث الأول

أوامر الزجر كآلية لضمان فعالية التحكيم

1- التعريف بأوامر الزجر ووظائفها:

31- لجأت الأنظمة القانونية المعروفة باسم common law (النظـام الانجلوسكسوني) إلـى استخدام آلية خاصة تعرف باسم anti-suit injunctions والتي يمكـن ترجمتهـا بأنهـا الأوامر الصادرة لأحد الأطراف في التحكيم بالامتناع عن الاستمرار في دعوى قضائية أو إقامة دعوى قضائية على الرغم من وجود اتفاق سابق على التحكيم.

وبعبارة أخرى يقصد بأمر الزجر anti-suit injunctions الإجراء الذي بموجبه يحظـر القاضي الوطني في دولة ما على المدعي أن يرفع دعواه أو يستمر فيها أمام قضاء أجنبي.

32- وتبدو أهمية آلية الأوامر التي تصدر من القاضي الوطني بمنع المدعي من رفع دعـواه أو الاستمرار فيها أمام قضاء أجنبي بالنسبة الى التحكيم في الحالات التي يظهر فيهـا لأحـد أطراف التحكيم أن الطرف الآخر في هذا الاتفاق لا ينوي أن يعرض المنازعة على التحكيم أو انه فعلاً قد رفع دعواه أمام محاكم الدولة منتهكاً بذلك القوة الملزمة لاتفاق التحكيم.

ففي مثل هذه الحالات يستطيع الطرف المعني أن يلتمس من القضاء الوطني أن يصدر أمراً بالنهي أو بالزجر anti-suit injunction في مواجهة الطرف الذي انتهك اتفاق التحكـيم، يحظر عليه الاستمرار في الإجراءات التي بدأها أمام القضاء الأجنبي.

33- والنظام المذكور والمعروف بـ anti-suit injunction نظام متبع في كل مـن انجلتـرا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا وبصفة عامة في الغالبية العظمى من الـدول المتـأثرة بالقانون الانجليزي.

34- وتؤدي أوامر الزجر وظائف متباينة في النظام القانوني الانجليزي ومن بين هذه الوظـائف اتخاذها كوسيلة لتوقيع الجزاء بسبب انتهاك التزام تعاقدي قائم.

ويصدر الأمر بالزجر عادة إذا رفع أحد الأطراف الدعوى أمـام قـضاء أجنبـي، وذلـك بالمخالفة لالتزام تعاقدي، ويتحقق ذلك الأمر في حالتين: الحالة الأولى إذا قام المدعى عليه في الدعوى المطلوب إصدار أمر الزجر فيها برفـع دعـواه أمـام القـضاء الأجنبـي أو الاستمرار فيها إذا كان قد رفعها بالمخالفة للاتفاق التحكيمي المبرم بينه وبين المدعي فـي دعوى الأمر بالزجر.

أما الحالة الثانية فهي تتعلق بالفرض الذي يقوم فيه المدعى عليه في دعوى الزجـر برفـع دعواه بالمخالفة لاتفاق مانح للاختصاص والـذي بموجبـه اتفقـت أطرافـه علـى مـنـح الاختصاص بشكل استئثاري لمحكمة غير تلك التي قام المدعى عليه فـي دعـوى الأمـر بالزجر برفع دعواه أمامها.

35- وتهدف أوامر الزجر في الحالتين السالفتين إلى تحقيق كفالة احترام اتفاق الأطراف، وذلـك دون الاهتمام بالتطرق إلى بحث مسألة الاختصاص الدولي للمحاكم الأجنبية المرفوع أمامها النزاع بالمخالفة للاتفاق التعاقدي.

حيث يرى البعض أنه لا يوجد سبب معقول يؤدي إلى التردد في إصدار الأمر بالمنع مـن السير في الإجراءات أمام المحاكم الأجنبية، وذلك أخذا بعين الاعتبار أن المدعي في هـذه الدعاوى المقامة أمام المحاكم الأجنبية قد خالف التزاماً واقعاً عليه بعدم الشروع فيها مـن مبدأ الأمر أي بعدم رفع الدعوى أمام المحاكم الأجنبية.

2- الانتقادات الموجهة إلى أوامر الزجر:

36- وعلى الرغم من أن أوامر الزجر المتقدمة تهدف في الحالة الأولى إلـى تحقيـق ضـمـان الفعالية لاتفاق التحكيم، فإن الفلسفة التي تقوم عليها هذه الأوامر لا تخلـو، وبحـق، مـن الانتقاد، سواء على صعيد قواعد القانون الدولي العام الحاكمة لحق كل دولة في أن تحـدد بحرية شبه مطلقة القواعد المنظمة للاختصاص القضائي الدولي لمحاكمه، وأيـضاً القواعد الواردة في معاهدة نيويورك الموقعة في 10 يونيه 1958، وكـذلك علـى صـعيد التشريعات الأوروبية المنظمة للاختصاص القضائي الدولي لدول المجموعة الأوروبية وفي مقدمتها معاهدة بروكسل 1968، والتشريع الأوروبي رقم 44 لسنة 2001.

أ- مساس أوامر الزجر بقواعد القانون الدولي العام الحاكمـة للاختصاص القـضاء الـدولي للمحاكم الوطنية:

37- فعلى صعيد مساس أوامر الزجر الصادر عن القاضي الانجليزي بمبادئ القانون الدولي ي العام، فإن هذا المساس يبدو فيما تؤدي إليه هذه الأوامر من وضع إلزام علـى عـاتق المحاكم الأجنبية المرفوعة أمامها المنازعة بالمخالفة لاتفاق التحكيم في أن تقضي بعدم اختصاصها بنظر الدعوى. وهو الحل الذي يكون مفروضاً عليها بشكل غير مباشر عن طريق إلزام المدعي أمام هذه المحاكم بعدم رفع دعواه أو بتركها. وبهذه المثابـة فـإن القاضي الانجليزي الذي يصدر الأمر يخالف قاعدة من قواعد القانون الدولي العـام بموجبها تتمتع كل دولة بحرية مطلقة فـي تحديـد الاختصاص القضائي الـدولي لمحاكمها.

38- وإذا كان القرار الصادر عن القاضي بالمنع في رفع الدعوى أو السير بالإجراءات المقامة يخالف هذا المبدأ الرئيسي من مبادئ القانون الدولي العام فإنه يخالف أيضاً معاهدة نيويورك الموقعة في 10 يونيه 1958، وذلك في الأحوال التي تكون فيها الدولة التي رفعت الدعوى أمام محاكمها بالمخالفة لاتفاق تحكيم قائم طرفاً في هذه المعاهدة.

ب- مخالفة أوامر الزجر لمعاهدة نيويورك 1958:

39- تنص المادة الثانية فقرة 3 من معاهدة نيويورك على أنه "على محكمة الدول المتعاقدة التي يطرح أمامها نزاع حول موضوع كان محل اتفاق من الأطراف بالمعنى الوارد فـي هـذه المادة أن تحيل الخصوم بناء على طلب أحدهم إلى التحكيم، وذلك ما لم يتبين للمحكمـة أن هذا الاتفاق باطل ولا أثر له أو غير قابل للتطبيق".

والتفسير الراجح لهذا النص يؤدي إلى رفض أوامر الزجر. إذ يقرر هذا النص اختـصاصاً استئثارياً لمحاكم الدول الأطراف في المعاهدة لكي تقضي بعدم اختصاصها أو بعدم قبولهـا للمنازعات المقامة أمامها والتي تم رفعها على الرغم من وجود اتفاق تحكيم صحيح ومرتب لآثاره طالما تمسك الطرف المعني بوجود هذا الاتفاق.

 وعلى الرغم من أهمية هذا الانتقاد لأوامر الزجر الصادرة من القضاء الانجليزي، فإن هذا القضاء لم يجد فيه ما يحول بينه وبين إصداره لهذه الأوامر. والجدير بالذكر في هذا الصدد أن هذا القضاء ارتأى أن في إصداره لهذه الأوامر ما يتمشى مع نص المادة الثانية فقرة 3 من معاهدة نيويورك، إذ انه يؤدي إلى تحقيق ذات الأثر الذي تسعى هذه المادة إلى تحقيقه.

40- ومهما يكن من أمر هذا التقدير من قبل القضاء الانجليزي للنقد المشار إليه، فإن هذا التقدير قد أغفل أن القضاء الأجنبي الذي تعرض عليه المنازعة بالمخالفة للاتفاق علـى التحكـيم، يملك سلطة تقديرية، قبل أن يحيل الأطراف إلى التحكيم، وهي سلطة بحـث مـا إذا كـان الاتفاق على التحكيم باطل ولا أثر له أو غير قابل للتطبيق، وهو تقدير قـد يختلـف مـن محكمة لأخرى نظراً للاختلافات القائمة بين الدول الأطراف في المعاهدة، وبالتالي فإن مـا ينتهي إليه الأمر بالزجر الصادر عن القاضي الانجليزي لن يؤدي إلى ذات النتيجـة التـي تتطلبها المادة 2/3 من معاهدة نيويورك.

إذ سوف تؤدي أوامر الزجر الصادرة عن القاضي الانجليزي إلى أن يحل تقديره الخـاص فيما يخص صحة اتفاق التحكيم أو بطلانه أو قابليته للتطبيق محل التقدير الذي يتوجـب أن يجريه القاضي الأجنبي، وهو تقدير قد يختلف بطبيعة الحال من القاضي الانجليـزي إلـى قاض آخر.

41- وترتيباً على ما تقدم فإن كل دولة طرف في معاهدة نيويورك يحق لها الاحتجاج على مـا يقوم به القضاء الانجليزي بإصداره لأوامر الزجر من إغفال لنصوص هذه المعاهدة، المادة 2/3 والتي تكرس لكل دولة وحدها الحق في أن تراقب محاكمها صحة اتفاق التحكيم، وذلك قبل أن تقضي بتخليها عن نظر الدعوى المرفوعة أمامها بالمخالفة لاتفاق التحكيم، وإحالـة الأطراف في هذا الاتفاق الى التحكيم.

42- أما الانتقاد الأخير الذي تواجهه أوامر الزجر الصادرة من القضاء الـوطني (الانجليـزي) بمنع الطرف من الاستمرار في الدعوى المقامة من قبله أمام القضاء الأجنبي مخالفة بـذلك الاتفاق على التحكيم المبرم بينه وبين المدعي في دعوى الأمر بالزجر، فهو يتعلق بالقواعد القانونية المعمول بها في النطاق الأوروبي ولاسيما معاهدة بروكسل الموقعـة 1968 ومـا طرأ عليها من تعديل بموجب التشريع الأوروبي رقم 44/2001.

جـ- عدم تمشي أوامر الزجر مع التشريع الأوروبي رقم 44 لسنة 2001:

43- انطلقت معاهدة بروكسل و التشريع الأوروبي رقم 44/2001 من مبدأ رئيس هو المساواة الأجهزة القضائية في الدول الأطراف فيها، تلك المساواة المؤسسة علـى التامة بين جميع الثقة الكاملة في الأجهزة القضائية للدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

وفي ظل هذه الفلسفة يبدو من الصعوبة بمكان قبول آلية أوامر الزجر داخل النظام القانوني الأوروبي.

فهذه الأوامر تشكل على نحو أو آخر نوعاً من عدم الثقة في الأنظمة القضائية الأخـرى الغريبة عن النظام القضائي الانجليزي وهو ما يتعارض مع الفكـر الـذي انطلقـت منـه المعاهدة والتشريع الأوروبي رقم 44/2001.

44- ولقد اتيحت الفرصة لمحكمة العدل الأوروبية في حكمها الصادر في 10 فبراير 2009 في القضية (07/185 -Case C) في أن تحسم مسألة مدى إمكانية اللجوء إلى أوامر الزجر في نطاق الاتحاد الأوروبي. فقضت في هذه القضية بأنه "يتعارض مع التشريع الأوروبي رقـم 44/2001 الصادر في 22 ديسمبر 2000 والخاص بتحديد الاختصاص والاعتراف وتنفيذ الأحكام الصادرة في المسائل المدنية والتجارية أن تقوم محكمة دولة طرف بإصـدار أمـر لمنع شخص من أن يشرع أو يستمر في الإجراءات المقامة أمام محاكم دولة أخرى طرف تأسيساً على أن هذه الإجراءات تتعارض مع اتفاق التحكيم". ونظراً لأهمية هـذه القضية سوف نعرض لوقائعها والمبدأ الذي أرسته ونطاقه.

جـ-1- عرض قضية West Tankers:

 45- تتعلق الوقائع التي صدر فيها الحكم المتقدم بأنه في أغسطس 2000 اصـطدمت الـسفينة Front Comor المملوكة لشركة West Tankers والمستأجرة مـن قبـل شـركة Erg Petroli في سيراكوز في ايطاليا مع Jetty مملوك لشركة Erg وألحقت به أضراراً. ولقد  نص في عقد إيجار السفينة على انه يخضع للقانون الانجليزي كما انه يوجد فيه شرط تحكيم في لندن.

ولقد طالبت شركة Erg بالتعويض من قبل شركات التأمين Allianz و General في حدود التأمين، وبدأت في إجراءات التحكيم في لندن ضد West Tankers لتغطية الجزء الباقي من الإضرار الحادثة لها وغير المغطى بالتأمين. ولقد أنكرت شركة Tankers أية مسؤولية في جانبها عن الأضرار الناتجة من التصادم.

وبعد أن قامت شركة Allianz وشركة General بدفع التعويض المستحق وفقـاً لـوثـائق التأمين فإنهما رفعتا دعوى في 30 يوليو 2003 ضـد West Tankers أمـام القـضاء الايطالي، وذلك من أجل استرجاع المبالغ التي دفعتاها لشركة Erg، وأسستا الدعوى علـى حلول الشركتين المذكورتين محل شركة Erg التي لحقت بها الأضرار، وذلك وفقاً لـنص المادة 1916 من القانون المدني الايطالي.

,

 ولقد دفعت شركة West Tankers بعدم اختصاص القضاء الايطالي بسبب وجود اتفـاق على التحكيم.

وفي نفس الوقت قامت شركة West Tankers في 10 سبتمبر 2004 برفع دعوى أمـام المحكمة العليا في المملكة المتحدة، "المحكمة التجارية"، ملتمسة إصدار أمر بأن المنازعـة بينها من جهة، وبين شركات التأمين Allianz وشركة General من جهة أخرى، يجب أن تحسم عن طريق التحكيم وفقاً لاتفاق التحكيم. وطلبت شركة West Tankers أيضاً إصدار أمر بالزجر ضد شركتي Allianz و General لمنعهما من إقامة دعاوى وإجراءات غيـر التحكيم وطلبت أيضاً منهما أن يوقفا الإجراءات التي بدءا فيها أمام القضاء الايطالي.

وفي 21 مارس 2005 أصدرت المحكمة التجارية المشار إليها أعلاه حكماً أيدت فيه طلبات شركة West Tankers وتـم منحهـا anti-suit injuction مـن Allianz " و General

ولقد استأنفت شركة General الحكم المذكور أمام مجلس اللوردات House of Lords وتمسكت بمنح مثل ذلك الأمر بالزجر، وهذا يعد مخالفاً للتشريع الاوروبي رقم 44- 2001."Regulation No 44/2001.

ولقد أوقف مجلس اللوردات نظر الدعوى وارسل السؤال التالي إلى محكمة العدل الأوروبية "هل يعد متمشياً مع التشريع الأوروبي أن تقوم محاكم دولة طرف بإصدار أمر يمنع شخصاً من الشروع أو الاستمرار في الإجراءات أمام محاكم دولة أخرى طرف تأسيـساً علـى أن هذه الإجراءات تتعارض مع اتفاق التحكيم؟"

ولقد أصدرت محكمة العدل الأوروبية حكمها الذي قضى بأنـه "يتعـارض مـع التـشريع الأوروبي رقم 44/2001 الصادر في 22 ديسمبر 2000 والخاص بتحديـد الاختـصاص والاعتراف وتنفيذ الأحكام الصادرة في المسائل المدنية والتجارية أن تقوم محكمـة دولـة طرف بإصدار أمر لمنع شخص من أن يشرع أو يستمر في الإجراءات المقامة أمام محاكم دولة أخرى طرف تأسيساً على أن هذه الإجراءات تتعارض مع اتفاق التحكيم".

جـ-2- تقدير المبدأ الذي أرسته محكمة العدل الأوروبية ونطاق تطبيقه وأثره علـى ضـمـان فعالية التحكيم:

 

46- يعد الحكم الصادر من محكمة العدل الأوروبية وفقاً لتقدير البعض بمثابة مسمار آخر فـي تابوت أوامر الزجر على الصعيد الأوروبي.

وعلى الرغم من قسوة التعبير المتقدم فإن الأمر الذي يتوجب التوقف عنده يتعلق من ناحية أولى بنطاق هذا الحكم وأثره. وهو ما سوف نعرض له الآن.

جـ-2-1 نطاق تطبيق الحكم:

47- مما لا شك فيه أن حظر إصدار أمر بالزجر من محكمة دولة طرف في الاتحاد الاوروبـ للحيلولة دون أن تنظر محكمة دولة أخرى طرف في الاتحاد الاوروبي في دعـوى نظـراً لوجود اتفاق بين الأطراف في الدعوى المنظورة أمامها على التحكيم يظل نطـاق إعمالـه قاصراً على دول الاتحاد الاوروبي.

بمعنى آخر يستطيع القضاء الانجليزي أن يصدر أوامر زجر ضـد الطـرف فـي اتفـاق التحكيم، والذي على الرغم من موافقته عليه، يرفع دعواه أمام قضاء دولـة أجنبيـة غيـر طرف في الاتحاد الأوروبي. فأوامر الزجر لضمان فعالية التحكيم تظل جائزة خارج نطاق الاتحاد الأوروبي.

ولعل هذه النتيجة التي نقول بها تتمشى مع الحكم الصادر من محكمة النقض الفرنسية فـي 14 أكتوبر 2009 والذي ذهبت فيه المحكمة العليا الفرنسية إلى القـضاء بـصحة أوامـر الزجر الصادرة عن القضاء الأمريكي بشأن اتفاق مانح للإختصاص، حيث قيدت محكمـة النقض الفرنسية بهذا الحكم من نطاق إعمال الحكم الصادر عن محكمة العدل الأوروبيـة وهو الأمر الذي يفهم من منطوق الحكم. حيث ذهبت المحكمة إلى القضاء بأنه "لما كانـت الشركة الأمريكية In Zone Brands International Inc أبرمت مع الشركة الفرنسية In Zon Brands Europe والتي أصبحت تسمىIn Beverage Inter عقد توزيع حصري للمشروبات في أوروبا، وأتفق على إخضاع العقد للقوانين السارية في ولاية جورجيا فـي أمريكا، كما تضمن هذا العقد شرطاً مانحاً للاختصاص بموجبه اتفقت الأطراف على مـنـح الاختصاص القضائي لمحاكم ولاية جورجيا، ولما كانت الشركة الأمريكية فسخت العقـد، فإن الشركة الفرنسية رفعت دعوى أمام المحكمة التجارية الفرنسية بمدينـة Nanterre والتي قامت الشركة الأمريكية بالدفع بعدم اختصاصها بالاستناد إلـى الـشرط المـانح للاختصاص الوارد في العقد المشار إليه، وبالمقابل أقامت الشركة الأمريكية دعـوى أمـام القضاء الأمريكي، وبموجب حكم صادر في 3 مارس 2006 فإن Superior Court du Comté de Colb أصدرت أمراً دائماً ونهائياً بمنع الأطراف الفرنسية من الاستمرار فـي الإجراءات المقامة أمام المحكمة التجارية في Nanterre هذا من جهة، ومن جهة أخـرى أقرت بحق الشركة الأمريكية في الدين.

واستناداً إلى ذلك طلبت الشركة الأمريكية تذييل هذا الحكم بالصيغة التنفيذية أمام القـضاء الفرنسي؛ وحيث أن الحكم المستأنف المطعون عليه (حكم محكمة Versailles الصادر في 17 أبريل 2008) برفضه الأخذ بعين الاعتبار مخالفة الحكم الصادر عن القضاء الأجنبـي للنظام العام الدولي الفرنسي بإصداره أمراً بالزجر anti-suit، وينصرف إلى منـع أحـد الأطراف من أن يرفع أو يستمر في دعوى أمام القضاء الفرنسي، ودون أن يكـون فـي مقدور هذا الأخير أن يفصل في مسألة اختصاصه، فإن هذا الأمر الصادر بالزجر يـشكل اعتداء على سيادة الدولة الفرنسية، ويشكل أيضاً اعتداء على حق الطرف المعني في اللجوء إلى القضاء الفرنسي، وبهذه المثابة فإن محكمة الاستئناف تكون قد خالفت المادة 509 مـن قانون المرافعات المدنية وأيضاً المادة السادسة من معاهدة حماية حقوق الإنسان والحريـات الأساسية.

لما كان ذلك وحيث أن الحكم الطعين سبب في المقام الأول ما انتهى إليه من قضاء إلى انه بالنسبة للاتفاق المائح للاختصاص المتفق عليه من قبل الأطراف، فإنه لا يوجـد أي غـش بسبب قيام الشركة الأمريكية برفع دعواها أمام الجهات القضائية المتفق على تعيينها كجهة قضائية مختصة، وفي المقام الثاني فإن الحكم الطعين استند في قضائه إلى انه لا يوجد منع من اللجوء إلى القضاء، طالما كان الحكم الصادر عن قاضي ولاية جورجيا انصب علـى الفصل في مسألة اختصاصه ويهدف إلى احترام الاتفاق المانح للاختصاص المتفق عليه بين الأطراف، ولا يعد مخالفاً للنظام العـام الـدولي أوامـر الزجـر anti-suit injunction المعمول بها خارج نطاق تطبيق المعاهدات أو القانون الأوروبي والتي تنحصر وظيفتها فقط كما هو الأمر في واقعة الحال في توقيع الجزاء على مخالفة التزام تعاقدي قائم، فإن الحكم الطعين يكون قد استند إلى صحيح القانون.

ويتضح مما تقدم أن الحكم الصادر عن محكمة النقض الفرنسية قد أكد على جواز إصـدار أوامر الزجر في إطار الاتفاق المانح للاختصاص طالما أنه كان خارج نطاق تطبيق القانون الأوروبي والمعاهدات الدولية وهو ما يفيد أيضا جواز إصدار هذه الأوامر في ذات النطاق إذا تعلق الأمر باتفاق تحكيم، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، فان الحكم الصادر عن محكمة العدل الأوروبية لا ينبغي تفسيره على أنه سوف يؤثر على ضمان فعالية التحكيم وهو الأمر الذي سوف نعرض له الآن.

جـ-2-2- أثر حكم محكمة العدل الأوروبية في ضمان فعالية التحكيم:

48- تركت محكمة العدل الأوروبية بحكمها الصادر في قضية West Tankers لكـل محكمـة وطنية من محاكم الدول الأطراف الاختصاص في أن تقدر ما إذا كانت الدعوى المرفوعـة أمامها في ظل وجود اتفاق سابق على التحكيم، وذلك في ظل بحثها في مدى صحة الاتفاق على التحكيم أو بطلانه وما إذا كان هذا الاتفاق ملزماً لأطرافه أو انـه يغطـي المنازعـة المعروضة أمام المحكمة المعنية من عدمه.

ويتضح من العرض السابق الذي كرسنا له المبحث الأول من هذه الدراسة أن أوامر الزجر منشور على الموقع الالكتروني لمحكمة النقض الفرنسية.

آلية استخدمت من أجل ضمان فعالية التحكيم، وذلك على الرغم مما لحق بهذه الآليـة مـن انتقادات سواء على صعيد مساسها بمبادئ القانون الدولي العـام أو معاهـدة نيويورك للاعتراف وتنفيذ الأحكام الأجنبية أو التشريع الأوروبي رقم 44/2001، وهو ما أدى إلـى صدور حكم محكمة العدل الأوروبية القاضي بعدم تمشي هذه الأوامر مع التشريع المذكور.

ومهما يكن من أمر فإن الحظر المشار إليه باللجوء إلى استخدام هذه الآلية علـى صـعيد العلاقات الأوروبية القضائية لن يمنع على ما يبدو من استخدامها خارج النطاق الأوروبي.

وإذا كانت أوامر الزجر قد استخدمت أصلاً كآلية لضمان فعالية التحكيم فإنهـا اسـتخدمت أيضا كوسيلة للنيل من فعالية التحكيم وهو ما سنعرض له في المبحث التالي.

المبحث الثاني

أوامر الزجر كوسيلة للنيل من التحكيم

Anti - Arbitration Injunctions

1- التعريف بأوامر الزجر التي تستهدف النيل من التحكيم ووظائفها:

49- يقصد بأوامر الزجر التي تهدف إلى النيل من التحكيم الأوامر التي يقوم القـضاء الـوطني (سواء كان قضاء دولة المقر أو القضاء الوطني لأحد الأطراف المعنية أو القضاء الأجنبي) بإصدارها للحيلولة دون السير في إجراءات التحكيم أو لمنع البدء فيها أصلاً وذلك بناء على طلب أحد الأطراف المعنية.

ويتم استخدام أوامر الزجر للنيل من التحكيم، أما قبل البدء في إجراءات التحكيم وذلك من أجل الحيلولة دون تشكيل هيئة التحكيم، أو بعد البدء في إجراءات التحكـيم وذلـك لمنـع استمرار هذه الإجراءات.

50- وفيما يتعلق بإصدار هذه الأوامر فإنه تتم عادة التفرقة بين دول القانون العام Law Common والدول اللاتينية.

فالمشاهد أن الدول التي تتبع النظام الانجلوسكسوني تقبل محاكمها علـى إصـدار أوامـر الزجـر للحيلولة دون الشروع في إجراءات التحكيم أو لمنع سير هذه الإجـراءات بينمـا هناك إحجام عن إصدار هذه الأوامر في الدول التي تتبع النظام اللاتيني أو نظـام القـانون المدني.

 ولعل هذا الاختلاف القائم بين هذه الأنظمة القانونية يفسره الاتجاه العام السائد في الأنظمـة القضائية بشأن مسألة أخرى وهي مسألة موقف هذه الأنظمة من الدعاوى المتعددة والمتصلة بذات المنازعة والمرفوعة في ذات الوقت. إذ يذهب الاتجـاه الـسائد فـي الأنظمـة الانجلوسكسونية إلى حل التنازع الايجابي على أساس فكرة القاضي غير الملائـم Forum non conveniens بينما في الأنظمة المتأثرة بالنزعة اللاتينية فإن حل التنازع الايجـابي في إطار قواعد الاختصاص تحكمه إحالة المنازعة إلى المحكمة التي رفعت أمامها الدعوى أولاً .

ولقد استخدمت أوامر الزجر كوسيلة للنيل من التحكيم وإجراءاته منذ وقت ليس بالقريب من قبل المحاكم الانجليزية ومحاكم الولايات المتحدة الأمريكية، وذلك في الأحوال التي تكـون المنازعة المعروضة على المحكمين لا يغطيها اتفاق التحكيم.

2- مقارنة أوامر الزجر التي تهدف إلى النيل من التحكيم بأوامر الزجـر التـي تهدف إلى تحقيق فعالية التحكيم:

51- اللافت للنظر أن الأوامر التي تهدف إلى منع أحد الأطراف من إقامة دعواه أمام التحكيم أو الاستمرار فيها لا تواجهها نفس الصعوبات التي تواجه الحالة الأخرى والمتـصلة بـأوامر الزجر التي يصدرها قضاء دولة إلى طرف رفع دعواه أمام قضاء أجنبي بهـدف ضـمـان الفعالية لاتفاق التحكيم.

إذ أن أوامر الزجر في الفرض المعروض عن نطاق البحث أي أوامر الزجر الموجهة إلى الطرف بسبب لجوئه إلى التحكيم لا تشكل بأي حال من الأحوال اعتداء على الاختصاص المنعقد للمحاكم الأجنبية ولا تشكل انتهاكا للسيادة الوطنية للدولة. ومع ذلك فإن هذه الأوامر ليست بمنأى عن كل نقد، إذ أنها في بعض الأحيان تتجاهل بعض المبادئ الرئيسة الحاكمة لقانون التحكيم الدولي وهو الأمر الذي سنعرض له الآن.

أ- مدى مساس أوامر الزجر الصادرة للنيل من فعالية التحكيم بقواعد القانون الدولي العام:

52- على صعيد مدى احترام أوامر الزجر لقواعد القانون الدولي العام والسيادة الوطنية للدولة، فـإن الشرط الأساسي المتطلب من أجل أن يصدر القاضي أمراً بالزجر للحيلولة بين الطرف فـي أن يلجأ إلى هيئة التحكيم، يستند أساساً إلى أن هيئة التحكيم تفتقد للاختصاص. فمن وجهـة نظـ القاضي الذي يصدر الأمر بمنع هيئة التحكيم في أن تنظر المنازعة المعروضة عليها، فإن عدم اختصاص هيئة التحكيم بنظر المنازعة تم استخلاصه من نطاق شرط التحكيم أو اتفاق التحكـيم والذي لا يغطي وفقا للتفسير الذي اعتمده القاضي، للمنازعة المعنيـة. كمـا انـه يبـو مـن المتصور إصدار القاضي هذه الأوامر في فروض أخرى في الأحوال التي يقدر فيها القاضـي أن شرط التحكيم معدوم أو غير صحيح، على نحو يسلب من هيئة التحكيم، وفقـا لتقـدير هـذا القاضي، كل اختصاص أو ولاية للهيئة التحكيمية. وفي الحالتين، فإن الإجراء الصادر بـالزجر لا يشكل تدخلاً فعلياً في الاختصاص المنعقد للمحاكم الأجنبية لا من قريب أو من بعيد.

فالقاضي الأمر بالزجر لم يقدر ما إذا كان القاضي الأجنبي يعد القاضي الملائم للفصل فـي المنازعة.

إذ يقتصر دوره في هذه الأحوال على تقدير تفسير اتفاق التحكيم، وفقـاً للقـانون الواجـب التطبيق عليه. وبهذه المثابة فالأوامر الصادرة بالمنع من اللجوء إلى التحكـيم لا تـصطدم بالمبادئ المستقرة في إطار القانون الدولي العام والحاكمة للاختصاص القضائي الـدولي للمحاكم، إذ إنها لا تنكر سيادة الدول في هذا الإطار.

وإذا كانت أوامر الزجر الصادرة عن القضاء بالمنع من اللجوء للتحكيم أو الاستمرار فيه لا تتعارض مع سيادة الدولة ولا تشكل مـساساً بمبـادئ القـانون الدولي العـام المتـصلة بالاختصاص القضائي الدولي، فهل تتفق هذه الأوامر مع المبادئ الحاكمة للتحكيم الدولي أم أنها تتعارض معها ؟ هذه هي المسألة القانونية سوف نعرض لها الآن.

ب- مدى احترام أوامر الزجر لمبادئ التحكيم الدولي:

53- إذا كانت أوامر الزجر لا تتداخل مع الاختصاص الذي يكرسه القـانـون الـدولي للمحـاكم الوطنية، فإن الأوامر الصادرة بالمنع من اللجوء إلى التحكيم تشكل على العكس اعتداء على السلطات الممنوحة كأصل عام للمحكم.

فهذه الأوامر تتعارض مع الأثر السلبي لمبدأ الاختصاص بالاختصاص.

فمبدأ الاختصاص بالاختصاص يعني أن المحكمين يختصون كأصل عـام بالفـصـل فـي اختصاصهم، ولهم أن يقدروا وهم بمعرض الفصل في هذا الاختصاص، مسألة صحة اتفاق التحكيم ونطاقه. ولئن كان صحيحا أن مبدأ الاختصاص بالاختصاص لا يستبعد إمكانيـة تعرض المحاكم الوطنية لهذه المسألة، إلا أن المحاكم الوطنية لن تتدخل في هذه المسألة إلا بعد أن تكون هيئة التحكيم قد فصلت في اختصاصها.

وكأصل عام فإن المحاكم الوطنية لن تتطرق إلى مسألة صحة اتفاق التحكيم ونطاقه إلا أثناء قيامها بفرض رقابتها على الأحكام التحكيمية أثناء طلب الاعتراف بها أو تنفيذها.

وبهذه المثابة فإن الأثر السلبي لمبدأ الاختصاص بالاختصاص يؤدي إلـى عـدم إمكانيـة إصدار أوامر الزجر التي تهدف إلى منع الأطراف من التوجه إلى التحكيم، وذلك استناداً إلى عدم وجود اختصاص للمحاكم الوطنية بنظر الطلب الموجه إليها.

وهذه النتيجة تتحقق على الأقل في الحالات التي تصدر فيها أمر الزجر بينما لم تكن هيئـة التحكيم قد تعرضت بعد لمسألة اختصاصها، إذ أنه في هذه الحالة، يظهـر عـدم احتـرام القاضي الأمر، لمبدأ الأولوية المعترف بها لهيئة التحكيم في الفصل في اختصاصها.

إلا أنه يتوجب الإشارة في هذا الصدد إلى أن الأثر السلبي لمبدأ الاختصاص بالاختـصاص لا يتمتع بأعتراف واسع كمثل ذلك الذي يتمتع به الأثر الايجابي لهذا المبدأ.

فمعاهدة نيويورك على سبيل المثال، لا يبدو أنها كرست ذلك المبدأ، إذ انه وفقاً لنص المادة 3/2 فإن المحاكم الوطنية يمكنها أن تفصل في موضوع المنازعة وذلك إذا قضت بأن اتفاق التحكيم باطل ولا أثر له وغير قابل للتطبيق.

وأيضا نفس النتيجة يمكن ملاحظتها بشأن المعاهدة الأوروبية للتحكيم الموقعة 1961، وفقاً لنص المادة 6 فقرة 3.

وإذا كانت أوامر الزجر التي تصدر للنيل من فعالية التحكيم لا تتفق كأصل عام مع الأثـر السلبي للاختصاص بالاختصاص، وذلك في الأنظمة التي تتبنى هذا المبدأ وما يترتب عليه من نتائج فإن أوامر الزجر لا يمكن اتخاذها من محاكم الدول التي تبنـت قواعـد القـانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي في صيغته المعتمدة في 21 يونيه 1985.

جـ- مدى تمشي أوامر الزجر مع قواعد القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي:

54- تنص المادة الخامسة من القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي علـى أنـه "لا يجـوز للمحاكم الوطنية أن تتدخل في المسائل الخاضعة لهذا القانون، إلا إذا تم النص على ذلك في هذا القانون" ودون الدخول في تفاصيل الموضوعات الخاضعة للقانون فإنه يمكن الإشـارة إلى أن هذه الموضوعات أما أن تكون موضوعات تخص المعاونة القضائية من قبل المحاكم الوطنية للتحكيم أو أن يكون الأمر متعلقاً بالرقابة على إجراءات التحكيم.

ومما لا شك فيه أن طلب إصدار أمر بالزجر لمنع السير في إجراءات التحكيم يشكل نوعـاً من الرقابة على مشروعية إجراءات التحكيم، وبهذه المثابة فإنها تخضع للمادة الخامسة من القانون النموذجي للتحكيم وذلك في الأحوال التي تكون هذه الأوامر موجهة إلى المحكمين.

أما بالنسبة إلى الأوامر الموجهة إلى المدعي في الإجراءات التحكيمية فإن البعض قد يرى أنها لا تدخل في نطاق المادة الخامسة من القانون النموذجي استناداً إلى أن الهـدف منهـا معاقبة المدعي الذي لجأ إلى استخدام التحكيم على نحو غير صحيح، وليس الهـدف فيهـا التدخل في إجراءات التحكيم والواقع من الأمر أن هذه الحجة، التي اقتنعت بها على ما يبدو محكمة الاستئناف في Quebec في قضية Lac d'amiante لا يمكن الارتكاز إليها.

فسواء كان الأمر المطلوب اتخاذه بالزجر موجها إلى هيئة التحكيم أو إلى المـدعي، فإنـه يمس شرعية إجراءات التحكيم ذاتها.

إذ أنه من الصعوبة إجراء تفرقة ذات معنى بين الطلب الموجه إلى المدعي في الاستمرار في الدعوى التحكيمية تأسيساً على أن هيئة التحكيم لا اختصاص لها في صدد هذه الدعوى، وبين الطلب الموجه إلى هيئة التحكيم من الاستمرار في الإجراءات بسبب عدم اختصاصها بالدعوى التحكيمية، إذ أنه في كلتي الحالتين، فإن المحكمة المعروض عليها إصدار الأمـر سوف ينصب انشغالها بموضوع واحد وهو موضوع شرعية الإجراءات التحكيمية أو بمعنى آخر اختصاص هيئة التحكيم.

55- وعلاوة على ما تقدم، فإن القول بعكس الرأي المتقدم من شأنه أن يؤدي إلـى المـساس بمبـدأ رئيسي يقوم عليه القانون النموذجي للتحكيم التجاري الدولي والـذي وفقـا لـه تـتم مراجعـة الإجراءات التحكيمية في مرحلة لاحقة على صدور الحكم التحكيمي. ومن المعـروف أن هـذا المبدأ يهدف إلى محاربة الأعمال التسويفية التي تهدف إلى النيل من فعالية التحكـيم كمـا أنـه يسمح بأن تكون المراقبة القضائية التي تتم بعد صدور الحكم وفي مرحلة تنفيذه أو الطعن عليه رقابة جادة وفعالة، وذلك في ظل إحاطة المحاكم الوطنية بوجهـة نظـر الأطـراف والهيئـة التحكيمية في أوجه الدفاع والدفوع المتصلة بالمخالفات والإجراءات المتصلة بالعملية التحكيمية.

وبهذه المثابة فإن جميع أوامر الزجر الموجهة للنيل من التحكيم بما في ذلك الأوامر الموجهة إلى المدعي في الدعوى التحكيمية والتي تهدف إلى الحيلولة دون سيره فيها تعد اشكالا مـن رقابة القضاء تدخل بهذه المثابة في نطاق المادة الخامسة من القانون النموذجي للتحكيم.

56- والرأي المتقدم لا ينتصر له الفقه، بل هناك بعض الأحكام القضائية التي تبنت الدفاع عنه. ولعل في الحكم الصادر عن محكمة استئناف Quebec في قضية Air France ما يؤكـد ذلك المعنى.

ففي هذه القضية طلبت شركة Air France من المحاكم في Quebec وهي المدينة التـى كانت مقراً للتحكيم، أن تصدر أمراً بإنهاء إجراءات التحكيم المقامـة والـتـي كـانـت أحـد أطرافها الخطوط الجوية الليبية، وذلك لأسباب عديدة من بينها أن محكمـة مختصة بالمنازعة المعروضة عليها.

ولقد رأت محكمة الاستئناف، أن هذا الطلب بإصدار أمر بالزجر المقدم مـن شـركة Air France، يعد في حقيقته مشكلاً لشكل من إشكال التدخل القضائي غير منصوص عليه في الفصل الوارد في قانون الإجراءات المدنية والخاص بإنفاذ القانون النمـوذجي للتحكـيم وترتيباً على ذلك فإن هذا الطلب يعد متعارضاً مع نص القانون الخـاص بــــــQuebec والمماثل لنص المادة 5 من القانون النموذجي.

بل أن الحكم المشار إليه قد حرص على أن يدرج بصفة عامة أن الرقابة علـى إجـراءات التحكيم لابد وأن تكون رقابة لاحقة فالهدف الأساسي الذي يسعى المـشرع إلـى بلوغـه ينحصر في ضرورة استنفاد إجراءات التحكيم قبل اللجوء إلى المحاكم القضائية.

وبمعنى آخر، فإنه في جميع الأحوال التي يثار فيها الدفع بعدم الاختصاص أو بدفع يتـصل بتشكيل هيئة التحكيم، فإن محاكم الدولة لا تتدخل إلا بعد صدور الحكم التحكيمى النهائي.

وبهذه المثابة فإن قاضي أول درجة أصاب الحقيقة بقضائه بأن الاستئناف قـد رفـع قبـل الأوان.

وترتيباً على ذلك فإن المادة الخامسة من القانون النموذجي للتحكيم من شأنها أن تؤدي إلى إنكار أي أثر لجميع القواعد القانونية الوطنية التي تبيح إصدار أوامر بالزجر فـي إطـار التحكيم التجاري الدولي. فأوامر الزجر لا يوجد لها مكان في إطار التحكيم التجاري الدولي.

57- وإذا كانت أوامر الزجر التي تهدف إلى النيل من التحكيم تـصادفها العقبـات المـذكورة وخاصة فكرة الرقابة القضائية على إجراءات التحكيم والتي تمارس عادة بعد صدور حكـم التحكيم النهائي، فإن التساؤل يثور حول هل يمكن للقضاء الوطني أن يصدر الأمر بالامتناع عن السير في إجراءات التحكيم بعد قيام هيئة التحكيم بالفصل في مسألة اختصاصها؟

يرى البعض أن ذلك المسلك قد يكون مقبولا في ظل ما هو معروف من كـون مـصاريف التحكيم باهظة، وأنه ليس من مصلحة الأطراف أن تستمر في إجـراءات التحكــم حتـى نهايتها، إذا كان من المتيقن أن الحكم الذي سوف يصدر لا يمكن الاعتراف به أو تنفيذه، بل أنه قد يكون من المأمول فيه أن تتدخل المحاكم الوطنية مباشرة من أجل أن تمنع أن تستمر الإجراءات، صحيح أن الحكم في الموضوع لم يصدر، ولكن فكرة الأثـر الـسلبي لمبـدأ الاختصاص للاختصاص لا مجال لإعمالها، إذ أن المحكمة أتيحت لها الفرصـة للتـصدي لاختصاصهم. ويتقيد قبول أوامر الزجر في هذا الفرض بضرورة إبراز القاضي الأمـر أن هيئة التحكيم لا ولاية لها في الفصل في المنازعة المعروضة عليها، وهو ما يقتضي منه أن يقوم بتفسير اتفاق التحكيم وتحديد نطاقه، وذلك بالإعمال للقانون الذي يخضع له هذا الاتفاق وإنه بعدم إصداره للأمر سوف يؤدي إلى إلحاق ضرر بأحد الأطراف بإخضاعه للتحكـيم على الرغم من أنه ليس طرفا في اتفاق التحكيم.

د- مدي تمشي أوامر الزجر المتخذة للنيل من التحكيم مع مبادئ العدالة:

58- يرى البعض أن أوامر الزجر التي تتخذ ضد إجراءات التحكيم قد تهدف إلى تحقيق العدالة. ذلك فإن وجهة النظر هذه قد تكون في مقابل إجراءات طويلة وباهظة بـسبب تعـدد ومع الإجراءات أمام العديد من الجهات القضائية في نفس الوقت.

ولعل قضية General Electric Co ضد Deutz تبرز هذا الأمر.

ففي هذه القضية أصدرت المحاكم الأمريكية أمراً بوقف إجراءات التحكيم التي كانت تجري خارج الولايات المتحدة الأمريكية.

وتتعلق المنازعة القائمة بين الطرفين بالدولية، بين شـركة General Electric وشـركة أخرى، وكان العقد المذكور قد نص فيه على التحكيم وفقا لقواعد غرفة التجـارة الدوليـة، ويتم إجراء التحكيم في لندن. ولقد انضمت شركة Deutz إلى هذا العقد لاحقاً.

وعلى أثر نشوء المنازعة بين أطراف العقد المذكور لجأت شركة General Electric إلى القضاء الأمريكي رافعة دعواها ضد شركة Deutz بسبب الإخلال بالعقد.

ورداً على ذلك تقدمت شركة Deutz بطلب من أجل أمر شركة General Electric بـأن تتصرف وفقاً لمقتضى العقد وأمرها بالمثول للتحكيم وفقاً لشرط التحكـيم وشـرعت التحكيم وفقا لقواعد ICC.

وعلى أثر ذلك تقدمت شركة General Electric بطلب إلى القضاء الأمريكي لمنع شركة Deutz من الشروع في التحكيم وفقا لقواعد ICC في لندن. وأصدرت المحكمة هذا الأمر مستندة في ذلك إلى سلطتها في إصدار injunctive relief. ووفقاً للحكم فـإن الـشرطين المطلوبين لإصدار الأمر بالمنع من الاستمرار في التحكيم متحققان في واقعة الحال: فمـن ناحية تشكل إجراءات التحكيم التي شرعت فيها شركة Deutz أمام غرفة التجارة الدوليـة تهديدا للاختصاص المنعقد للقاضي الأمريكي، ويشروع Deutz في اتخاذ هذه الإجـراءات فإنها تمس بشدة النظام العام الأمريكي.

وعلى أية حال، فإن محكمة الاستئناف ألغت هذا الأمر القاضي بمنع الاستمرار في التحكيم المنعقد في لندن وفقاً لقواعد غرفة التجارة الدولية، معتبرة أن الأمر الصادر عجـز عـن مسايرة النظرة الضيقة في منع أوامر الزجر الصادرة للحيلولة دون التحكيم، وانتـصرت محكمة الاستئناف للمبادئ المتصلة بالمجاملة الدولية. وهكذا فإن الأطراف في هذه المنازعة أنفقوا الكثير من المال والوقت في إجراءات قضائية لم تؤد إلى حل المنازعة القائمة بينهما.

هـ- أوامر الزجر والتعسف في إستعمال الحق:

59- من المآخذ التي تثور في شأن أوامر الزجر التي تطلب لمنع التحكيم ما تنسم به هذه الطلبات من التعسف، من قبل الطرف الملتمس، في استعمال الحق. وهذا التعسف يترجم من خـلال لجوء الطرف المذكور إلى قضائه الوطني لطلب إصدار الأمر، وذلك على الرغم مـن أن التحكيم يكون منعقداً خارج إقليم هذه الدولة.

فوفقا لغرفة التجارة الدولية في باريس، فإنه في عام 2006، من القضايا التي صدرت فيها أوامر بمنع الاستمرار في التحكيم، تم منح هذه الأوامر في 25 قضية منها من قبل المحاكم الوطنية لأحد الأطراف المعنية.

 وتظهر خطورة هذا الأمر عندما يكون الطرف الذي طلب إصدار الأمر بمنع الاستمرار في إجراءات التحكيم من قبل المحاكم الوطنية دولة أو شخصاً اعتبارياً عاماً يتبع هذه الدولـة، وذلك في إطار ما يعرف بعقود الدولة وهو الأمر الذي سنعرض له الآن.

3- اللجوء إلى استخدام أوامر الزجر للنيل من التحكيم في إطار عقود الدولة:

60- تلجأ الدولة أو الشخص الاعتباري العام المتعاقد مع الطرف الأجنبي من أجل الحيلولة دون تفعيل الاتفاق على التحكيم السابق قبوله بين الأطراف في عقود الدولة إلـى التوجـه إلـى القضاء الوطني من أجل حرمان الطرف الأجنبي المتعاقد من تحريك إجراءات التحكيم ضد الدولة أو بطلب منعه من الاستمرار في إجراءات التحكيم إذا كان هذا الطرف قد شرع فيها.

ففي العديد من القضايا قامت الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة التابعة لها باللجوء إلـى محاكمها الوطنية من اجل تعطيل الاتفاق على التحكيم من مبدأ الأمر أو وقف ترتيبه لآثاره عن طريق منع السير في إجراءات التحكيم أو حتى اللجوء إلى القضاء الاجنبي من اجـل ترتيب الأثر المتقدم.

ولا يتوقف إصدار أوامر الزجر بشأن عقود الدولة من محـاكم الدولـة المتـأثرة بالنظـام الانجلوسكسوني، بل أن بعد الدول المتأثرة بالنظام اللاتيني أيضا لم تتوان عن إصدار أوامر زجر للحيلولة دون ترتيب الاتفاق على التحكيم لآثاره. وسوف نعرض لهذه المسائل.

أ- أوامر الزجر الصادرة عن القضاء الوطني المتأثر بالنظام الانجلوسكسوني:

61- فعلى صعيد الدول المتأثرة بالنظام الانجلوسكسوني تعد المنازعة القائمة بين كل من شركة Hubco  وهيئة تنمية المياه والقـوة فـي باكستان Water and Power Authority of {Pakistan (WAPDA، حول مشروع بناء واستغلال محطة طاقة كهربائية في باكستان قيمته 1.8 مليار دولار أمريكي، حالة تم إصدار أمر بالزجر لمنـع هيئـة التحكـيـم مـن الاستمرار في المنازعة، من قبل القضاء الوطني المتأثر بالنظام الانجلوسكسوني.

ولقد تضمنت العقود المبرمة أن يتم حسم المنازعات الناشئة عن هذه العقود المبرمـة بـين أطرافها عن طريق التحكيم الذي يتم في لندن وفقا لقواعد غرفة التجارة الدولية ICC.

ولقد شرع في اتخاذ إجراءات التحكيم في يوليو 1998 بشأن المنازعة الخاصـة بطريقـة حساب ثمن الكهرباء المنتجة. ونظراً لأن هيئة تنمية المياه والقوة في باكستان WAPDA قدرت أن بعض العقود مخالفة للقانون، وأنها قد أبرمت عن طريق الغـش والفساد فإنهـا رفعت الأمر بشأن هذه المسائل أمام المحاكم الباكستانية، وطلبت منها أن تصدر أمراً موجهاً إلى شركة Hubco المدعية في الدعوى التحكيمية المقامة وفقا لقواعد ICC ف لنـدن، بوقف إجراءات التحكيم.

ولقد استجابت المحاكم الباكستانية لهذا الطلب، وفي 14 يونيه 2000 أصـدرت المحكمـة العليا في باكستان حكماً أيد القضاء الصادر عن المحكمة الباكستانية مستنداً في ذلك إلى أن الفساد المدعى به الذي لحق العقود المبرمة بين الطرفين جعل موضـوع المنازعـة بـين الطرفين غير قابل للتسوية عن طريق التحكيم.

ولقد سارت المحكمة العليا في باكستان على ذات الاتجاه في قضية أخرى متعلقة بالمنازعة القائمة بين الشركة السويسرية SGS ضد حكومة باكستان.

حيث تقدمت الشركة السويسرية بطلب للتحكيم أمام المركـز الـدولي لفـض المنازعـات الناشئة عن الاستثمار، مؤسسة طلبها على المعاهدة الثنائية لحماية الاستثمار الموقعة بـين سويسرا وباكستان، وطلبت في دعواها إثبات مخالفة دولة باكستان تعهداتها الناشـئـة عـن المعاهدة.

ورفعت حكومة باكستان دعوى أمام المحاكم الباكستانية مطالبة الشركة السويسرية بوقـف إجراءات التحكيم، وفي 3 يوليه 2002 أصدرت المحكمة العليا في باكستان حكماً في هـذا الاتجاه معللة قرارها بإلزام الشركة السويسرية، بوقف إجـراءات التحكـيم، أن المعاهـدة الثنائية غير ملزمة لباكستان.

وعلى الرغم من أن الإجراءات الصادرة عن القـضاء الباكستاني لـم توقـف التحكـيم  وإجراءاته، فإنها أدت بأحد المحكمين الذي له بعض المصالح في باكستان إلى التنحي عـن نظر الدعوى التحكيمية أمام المركز.

 وإذا كانت القضيتان السابقتان تشكلان حالتين لأوامر الزجر الصادرة عن الأنظمة القانونية المتأثرة بالنظام الانجلوسكسوني، يبدو أمراً مفهوماً، فإن المشاهد أن أوامر الزجر للنيل من التحكيم قد تم إصدارها أيضاً عن طريق محاكم الدولة غير المتأثرة بالنظام الانجلوسكسوني، بل أيضا يتم تصنيفها بأنها أنظمة متأثرة بالنظام اللاتيني، وهو الأمر الذي سنعالجه الآن.

ب - أوامر الزجر الصادرة عن محاكم الدول المتأثرة بالنظام اللاتيني:

62- سوف نعرض في هذا الإطار لبعض القضايا التي صدرت فيها أوامر ببطلان شرط التحكيم بما يترتب على ذلك من آثار أخصها وقف إجراءات التحكيم، أو القضاء بـبطلان شـرط التحكيم بسبب وروده في عقد اداري في ظل حظر التحكيم في العقود الإدارية أو في ظـل عدم أهلية الأشخاص الاعتبارية العامة بشكل عام في قبول شرط التحكيم.

1- قضية شركة Malicorp ضد الهيئة المصرية العامة للطيران:

63- تعد قضية الشركة الانجليزية Malicorp ضد الهيئة المصرية العامة للطيران في مـه نموذجاً لأوامر الزجر التي تصدر عن القضاء الوطني في دولة المقر بإنهـاء إجـراءات التحكيم. وتتعلق هذه القضية بالوقائع الآتية:

بتاريخ 4/11/2000 تم توقيع عقد امتياز لإنشاء وتشغيل واستغلال وإعادة مطار رأس سدر وفقاً لنظام B.O.T بين الهيئة المصرية العامة للطيران المـدنـي والـشركة الانجليزيـة ماليكورب.

ولقد تضمن البند 21-3-3 من العقد أن أي نزاع يتعذر حله ودياً تتم تسويته عـن طـريـق التحكيم التجاري الدولي بواسطة مركز القاهرة الاقليمي للتحكيم التجـاري الـدولي طبقـاً للقواعد السارية في تاريخ عقد الامتياز هذا، وذلك لإصدار قرار نهائي وملزم ويجري ذلك التحكيم في القاهرة وقانون التحكيم هو القانون المصري.

وبتاريخ 17/1/2000 تقدمت الشركة الانجليزية ماليكورب بطلب تأسيس شركة مساهمة مصرية لإنشاء وتشغيل وإدارة المطار تنفيذاً لأحكام البند 23-1-6 من العقد المشار إليـه ، ونظراً لكون طالب التأسيس من غير المصريين فقد تم إخطار جهات الأمن المختصة والتي أفادت بعدم الموافقة على تأسيس الشركة.

ولقد تكشف لوزير الطيران بصفته والذي حل محل الهيئة المصرية العامة للطيران المدني أن الشركة الانجليزية قد أدخلت الغش على الهيئة المذكورة حال تعاقدها معها والمتمثل في القدرة المالية للشركة والتي كانت وقت التعاقد لا تتعدى جنيهين استرلينيين، مما دفع بهيئـة الطيران إلى فسخ العقد ومصادرة التأمين. ورداً على فسخ العقد أقامت الشركة الانجليزيـة ماليكورب بالأعمال للبند الخاص بالتحكيم الدعوى التحكيمية رقم 382 لسنة 2004 أمـام مركز القاهرة الاقليمي للتحكيم التجاري الدولي مطالبة بإلزام الحكومة المصرية بتعـويض مقداره 508 مليون دولار عن الإضرار التي لحقت بها من جراء فسخ التعاقـد. وبتـاريخ 23/3/2005 أقام السيد وزير الطيران المدني بصفته الدعوى رقم 18628 لسنة 59ق أمام محكمة القضاء الاداري بالقاهرة الدائرة السادسة عقود وتعويضات وطلـب فيهـا وقـف إجراءات التحكيم في القضية التحكيمية المقيدة برقم 382 لسنة 2004 أمام مركز القاهرة الاقليمي للتحكيم التجاري الدولي بصفة مستعجلة، وفي الموضوع ببطلان شـرط التحكـيم الوارد بعقد الامتياز المبرم مع الشركة الانجليزية ماليكورب.

وبتاريخ 19/2/2006 أصدرت محكمة القضاء الاداري حكمها القاضـي بـبطلان شـرط التحكيم الوارد بعقد الامتياز المبرم مع الشركة الانجليزية ماليكورب بتـاريخ 4/11/2000 مع ما يترتب على ذلك من آثار اخصها وقف إجراءات التحكيم في القضية التحكيمية رقـم 382 لسنة 2004 المقامة من الشركة أمام مركز القاهرة الاقليمي للتحكيم التجاري الدولي.

والحكم المتقدم الصادر عن محكمة القضاء الاداري بوقف إجراءات التحكيم لم يمنع هيئـة التحكيم من مواصلة إجراءاتها وإصدار حكمها في 7 مارس 2006 بإلزام الجانب المصري بتعويض شركة ماليكورب بالمبالغ الواردة في الحكم التحكيمي.

ولقد طعن السيد وزير الطيران بصفته وأيضاً وزير النقل بـصفته علـى الحـكـم بالبطلان أمام المحكمة الإدارية العليا بموجب الدعوى رقم 17464 لسنة 52 قضائية عليا. وبجلسة 30/5/2006 أصدرت دائرة فحص الطعون بالمحكمة الإدارية العليا حكمها بوقف تنفيذ حكم التحكيم المطعون عليه وإحالة الطعن إلى هيئة مفوضي الدولة لتحضيره وإعـداد تقرير بالرأي القانوني.

وفي نفس الوقت أقاما الدعوى رقم 48 لسنة 123 قضائية أمام محكمة استئناف القاهرة بطلب الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ حكم التحكيم وفي الموضوع ببطلانه.

ولقد أدى هذا الأمر إلى قيام شركة ماليكورب برفع القضية رقم 24 لسنة 28 قضائية أمـام المحكمة الدستورية العليا في 27/8/2006 وطلبت فيها تعيين جهة القضاء المختصة بنظر دعوى بطلان حكم التحكيم التجاري الدولي الصادر بتاريخ 7/3/2000.

وبتاريخ 10 يونيه 2007 قضت المحكمة الدستورية العليا بعدم قبول الدعوى.

 وأصدر القضاء المصري حكماً ببطلان حكم التحكيم المذكور.

ولقد تقدمت الشركة الانجليزية بطلب إلى القضاء الفرنسي لتنفيذ الحكم التحكيمي الـصـادر لصالحها.

ولقد سمح القضاء الفرنسي للشركة الانجليزية بالحجز على أموال الحكومـة المـصرية لدى البنوك الفرنسية ضماناً لتنفيذ الحكم التحكيمي مما دفع بالحكومة المصرية إلى تقديم خطاب ضمان بقيمة المبلغ المحكوم به لصالح الشركة الانجليزية، وهو حـوالي أربعـة عشر مليون دولار مما أدى إلى الإفراج عن الأموال المصرية المحتجزة لـدى البنـوك الفرنسية.

ولقد طعنت الحكومة المصرية أيضاً بالاستئناف على القرار الصادر بمنح الحكم التحكيمـي الصيغة التنفيذية.

 وبتاريخ 19/6/2008 أصدرت محكمة استئناف باريس حكمها ببطلان الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم رقم 382 لسنة 2004 وعدم جواز تنفيذ الحكم التحكيمي المـشار إليـه فـي فرنسا، وإلزام شركة ماليكورب بأن تدفع لحكومة جمهورية مصر العربية مبلغاً مقدراه مائة ألف يورو طبقاً لنص المادة 700 من قانون المرافعات المدنية الفرنسي الجديد، ورفض أي طلب آخر وإلزام شركة ماليكورب بسداد أتعاب المحاماة طبقا لنص المادة 699 من قـانون المرافعات المدنية الفرنسي.

ولقد طعنت الشركة الانجليزية على الحكم المتقدم أمام محكمة النقض الفرنسية. وعلى صعيد آخر، فإن الشركة الانجليزية رفعت دعوى على الحكومة المصرية أمـام المركز الدولي لفض المنازعات الناشئة عن الاستثمار، وذلك استناداً إلـى المعاهـدة ،الثنائية المشجعة للاستثمار الموقعة بين كل من جمهورية مـصر العربيـة والمملكـة المتحدة .

2- قضية شركة فرانس تلكوم ضد الدولة اللبنانية:

64- تعد قضية شركة فرانس تلكوم ضد الدولة اللبنانية نموذجاً لأوامر الزجر الصادرة عـن القضاء الوطني ببطلان شرط التحكيم. ففي عام 1993 صدر القانون رقم 218/93 الـذي أجاز لوزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية استدراج عـروض عالميـة لتحقيـق مشروع نظام الراديو الخليوي الرقمي المتطور (G.S.M) وتلزم به لمدة لا تتجاوز الاثني عشر عاما، وانه نتيجة استدراج العروض وبناء على قرار لمجلس الوزراء وقـع وزيـر البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية عقدين مع شركتين أجنبيتين أحداهما شركة فـرانس تلكوم انترناشيونال بتاريخ 28/6/1994.

ولقد نصت المادة التاسعة من العقد المذكور على أن المسئولية عن الأداء والتنفيـذ يجـب تحويلها إلى شركة لبنانية فرنسية تدعى F.T.M.L (فرانس تلكوم اللبنانية)، ولقـد نـصت المادة 13 من العقد على التزام الشركة بالأنظمة والقوانين التي تصدرها السلطة العامـة، ونصت المادة 30 على تسوية النزاعات عبر المشاورات، وإلا طبقـاً لقواعـد المـصالحة والتحكيم لغرفة التجارة الدولية.

ونظراً لأن وزارة البريد والمواصلات السلكية واللاسلكية ارتأت أن الشركة قـد ارتكبـت مخالفات جسيمة أثناء تنفيذ المشروع فإنها وجهت تعليمات خطية بشأن هذه المخالفات إلـى الشركة، وبناء على قرار مجلس الوزراء أصدر الوزير المختص أمر التحـصيل رقـم 2578/1/د تاريخ 22/6/2000 والموجـه إلى الشركة والذي يطالبها فيه بوجوب دفع مبلغ ثلاثمائة مليون دولار أمريكي كتعويضات للخزينة. ولقد تقدمت الشركة باعتراض على أمر التحصيل ثم رفعت دعوى تحكيمية أمام غرفة التجارة الدولية في باريس استناداً إلى المادة 30 من العقد المشار إليه.

ورداً على ذلك قدمت الدولة اللبنانية مراجعة أمام مجلس شورى الدولة بطلب تفسير أحكام المادتين 13 و30 من العقد الموقع مع الشركة المذكورة.

وبتاريخ 17/7/2000 أصدر مجلس شورى الدولة قراره بإبطال البند التحكيمي الوارد في المادة 30 من العقد موضوع المراجعة، واعتبار النزاع الناشئ بين الفريقين خاضعاً للتحكيم المرسوم الآلية في الاتفاقية المبرمة بالقانون رقم 60/1999 إذا توافرت الشروط اللازمـة لإعمال التحكيم" .

وعلى أثر ذلك القرار وفي يناير 2002 اتفقت الأطراف على وقف إجراءات التحكيم أمـام غرفة التجارة الدولية في باريس. ونظراً لأن الشركة الفرنسية تلكوم وأيضا الشركة اللبنانية للاتصالات ارتأتا أن ما تقوم به الحكومة اللبنانية من تصرفات تجاه الشركة الأخيرة والتي تهدف من خلالها الى نقل استغلال قطاع الاتصالات إلى الدولة، يشكل انتهاكـاً لمعاهـدة الاستثمار الثنائية الموقعة بين فرنسا ولبنان، فإنها قامت بتحريك إجراءات التحكـيم وفقـاً لقواعد تحكيم اليونسترال، وذلك بالإعمال لنصوص المعاهدة المذكورة.

وفي 14 ديسمبر 2002 وقعت الأطراف المعنية والدولة اللبنانية اتفاقاً أطلق عليه Master Transfer Deed وبموجبه اتفقت الأطراف على ضم إجراءات التحكيم الأولى المقامة أمام غرفة التجارة الدولية بباريس والمتعلقة بالمسائل ذات الطابع العقـدي والثانيـة والمتعلقـة بحماية الاستثمارات، وإنهاء إجراءات التحكيم أمام غرفة التجارة الدولية بباريس.

ولقد نصت المادة 14-2 من الاتفاق المشار إليه على أن الأطراف تتعهـد بموجـب هـذا الاتفاق على إنها لن تثير أو تقوم برفع منازعة ذات طابع عقدي أمام أية محكمة أو أية هيئة تحكيم سوى هيئة التحكيم العاملة وفقاً لقواعد تحكيم اليونسترال.

وفي 31 يناير 2005 أصدرت هيئة التحكيم حكمها بإلزام الدولة اللبنانية بدفع المبلغ الوارد في الحكم.

ولقد طعنت الدولة اللبنانية بالبطلان على هذا الحكم التحكيمي في 31 يناير 2005 أمـام المحكمة الفيدرالية السويسرية، والتي قضت في 10 نوفمبر 2005 برفض الطعن، وذلـك بالإعمال لنص المادة 192 فقرة 2 من القانون الدولي الخاص السويسري والتـي تبـيح للأطراف إذا لم يكن لأيهما موطن أو محل إقامة معتادة أو مؤسسة في سويسرا أن تتنــازل عن الطعن بالبطلان فيما يخص أحد أسباب الرجوع بالبطلان شريطة أن يكون هذا التنازل قد تم الاتفاق عليه بشكل صريح ويستوي في هذا الشأن أن يكون هذا الاتفاق قد ورد فـي اتفاق التحكيم ذاته أو في اتفاق مكتوب لاحق عليه.

إذ قدرت المحكمة الفيدرالية السويسرية أن نص المادة 14-4 من الاتفاق الموقـع فـي 14 والمسمى Master Transfer Deed يعد تـنازلاً صـريحاً عـن الطـعـن ديسمبر 2002 بالبطلان على الحكم التحكيمي فيما يتعلق بالاختصاص المنعقد لهيئة التحكيم .

إذ تنص المادة المذكورة على أنه:

"The parties undertake that they will not challenge the jurisdiction of the UNCITRAL Tribunal whether before the UNCITRAL Tribunal itself or before any national courts. For the avoidance of doubt, the Parties and FTMI do not hereby waive their right to challenge any award in the UNCITRAL Arbitration in the place where the award is made or to resist enforcement thereof in the country or countries where enforcement is sought on the grounds contained in the applicable arbitration laws of those countries, save that the Parties will not do so on the ground that the UNCITRAL Tribunal lacked jurisdiction to consider one or more of the issues before it."

ولقد رأت المحكمة الفيدرالية النص المشار إليه أعلاه يفيد أن:

"Les parties se sont engagées à ne pas contester la compétence du Tribunal arbitral devant les tribunaux étatiques. Afin de lever toute ambiguïté, il a encore été précisé que les parties ne renonçaient pas, de manière générale, à recourir contre une éventuelle sentence rendue dans le cadre de l'arbitrage CNUDCI, excepté s'agissant de la compétence. Le texte de l'art. 14.4 de l'accord MTD est donc parfaitement clair et rien ne permet d'en conclure qu'il ne correspondrait pas à la volonté des parties. Le fait que l'art. 190 al. 2 let. b LDIP ne soit pas mentionné n'est pas déterminant, dès lors que la clause exprime clairement la volonté des parties de renoncer à recourir pour le motif expressément désigné par cette disposition, à savoir la compétence."

وإذا كانت القضايا السابقة تعكس أوامر بالزجر للحيلولة دون تفعيـل الاتفـاق التحكيمـي المقبول سلفاً من الأطراف فإن هناك أوامر للزجر تم إصدارها للحيلولة دون تحقيق الحكـم التحكيمي لآثاره.

4- اللجوء إلى أوامر الزجر ضد الحكم التحكيمي:

65- ويعبر عن هذه الحالة المنازعة بين الشركة الاندونيسية وشركة KBC بشأن إنشاء محطة Centrale Geothermique في اندونيسيا.

فنظراً لإيقاف الحكومة الاندونيسية المشروع، فإن شركة KBC شرعت في اتخاذ إجراءات التحكيم بالاستناد إلى الشروط التحكيمية المدرجة في العقود محل المنازعة المبرمـة بينهـا وبين الحكومة الاندونيسية. وكانت شروط التحكيم المذكورة تنص على إجراء التحكيم فـي سويسرا وفقا لقواعد تحكيم اليونسترال.

 وفي ديسمبـر عـام 2000 أصدرت محكمة التحكيم حكمـا تحكيميـاً بـإلزام الشركة الاندونيسية Petramina بأن تدفع للشركة السويسرية تعويضاً يقدر بـ260 مليون دولار أمريكي.

ولقد طعـن الطرف الاندونيسي على هذا الحكم بالبطلان، إلا أن هذا الطعن رفـض فـي ابريل 2001، وفي مارس 2002 تقدمت الشركة الاندونيسية Petramina بطلب بطـلان الحكم التحكيمي أمام المحاكم الاندونيسية. وأضافت إلى هذا الطلب طلباً آخر بإصدار أمـر من القضـاء الاندونيسي يأمر الشركة السويسرية KBC بالامتنـاع عـن تنفيـذ الحكـم التحكيمي.

ولقد كانت الشركة السويسرية قد تحصلت بالفعل على أمر بتنفيذ الحكـم التحكيمـي فـي ديسمبر 2001 في الولايات المتحدة الأمريكية.

ولقد أصدرت المحاكم الاندونيسية أمراً لصالح الجانب الاندونيسي يأمر الشركة السويسرية بعدم محاولة تنفيذ الحكم التحكيمي.

خاتمة

66- أظهرت الدراسة الماثلة الدور الفعال للقضاء في إطار التحكيم التجاري الدولي، وذلك من خلال اللجوء إلى العديد من الوسائل التي تهدف إلى تحقيق فعالية التحكيم اتفاقا وإجـراء وحكماً.

ولئن كان صحيحاً أن أوامر الزجر تعد في نظر البعض احدى الآليـات الممكنـة لـدعم التحكيم من خلال احترام القوة الملزمة لاتفاق التحكيم، وذلك عن طريق منع الأطراف من الالتجاء إلى القضاء الرسمي بالمخالفة لاتفاق التحكيم السابق إبرامه، فإن هـذه الدراسـة أظهرت أن هذه الآلية حتى في ظل هذه الفلسفة الرامية إلى ضمان فعالية التحكيم لا تخلو من الانتقاد على الصعيدين النظري وأيضاً العملي وذلك على الأقل بين الدول الأوروبيـة خاصة بعد صدور حكم محكمة العدل الأوروبية.

وعلى الرغم من أن أوامر الزجر التي تهدف إلى النيل من فعالية التحكيم استطاعت أن تتجاوز أهم انتقاد وجه إلى أوامر الزجر التي تهدف إلى ضمان فعالية التحكيم، خاصة عدم مساسها بمبادئ القانون الدولي العام، فإن هذه الصورة من صور أوامر الزجر لا تخلو من الانتقاد وهو الأمر الذي حرصنا على إبرازه في هذه الدراسة.

 67- وإذا كان الثابت أن أوامر الزجر التي تهدف إلى النيل من فعالية التحكيم يصعب تجـاوز الانتقادات الموجهة إليها على الصعيد النظري، فإن المشاهد على الصعيد العملي أن هيئات التحكيم سواء تلك التي تعمل تحت مظلة المركز الدولي لفض المنازعـات الناشـئـة عـن الاستثمار أو تحت مظلة المؤسسات التحكيمية الأخرى كغرفة التجارة الدولية في باريس أو مركز القاهرة الاقليمي للتحكيم التجاري الدولي لا تميل إلى الانصياع إلى هذه الأوامر.

68- ولعل الأمر الجدير بالذكر في هذا الصدد أن هيئات التحكيم العاملة وفقا لقواعـد المركـز الدولي لفض المنازعات الناشئة عن الاستثمار قد تجاوزت مرحلة عدم الانصياع إلى هذه الأوامر الصادرة عن القضاء الوطني بوقف إجراءات التحكيم المقامة أمامها وقامت هـذه الهيئات التحكيمية بإصدار أوامر بالزجر إلى الأطراف المعنية بالامتناع عن الاستمـرار في السيـر في الدعاوى المقامة أمام المحاكم الوطنية.

ويثير هذا الموقف الذي اتخذته هيئات التحكيم العاملة وفقاً لقواعد المركز الـدولي لفـض المنازعات الناشئة عن الاستثمار التساؤل عن مدى صلاحية هيئات التحكيم الأخرى العاملة خارج نطاق المركز في إصدار أوامر إلى الأطراف بالمنع من الاستمرار فـي الـدعاوى المقامة أمام القضاء الوطني والمتصلة بمنازعات خاضعة لاتفاق التحكيم؟ وهـو التـساؤل الذي سوف نحاول الإجابة عنه في دراسة لاحقة إن شاء الله.