الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / التحكيم وقضاء الدولة / المجلات العلمية / مجلة التحكيم العالمية - العدد 4 / الاجتهاد القضائي المصري في التحكيم وتعليق الفقه الأوروبي عليه

  • الاسم

    مجلة التحكيم العالمية - العدد 4
  • تاريخ النشر

  • عدد الصفحات

  • رقم الصفحة

    19

التفاصيل طباعة نسخ


   تعودنا في "مجلة التحكيم" أن يكون هناك تعليق على الاحكام القضائية المتعلقة بالتحكيم في كل بلد عربي بقلم قانوني من البلد نفسه له مكانته في التحكيم الداخلي والدولي. 

  وقد وقفنا وقفة تأمل واعجاب امام الاجتهاد القضائي المصري الحديث في حقل التحكيم. فالإجتهاد القضائي منه ما هو مناوئ للتحكيم يبطل الاحكام التحكيمية مثلاً لأنها لم تصدر بإسم الشعب ...!!!

   ومنه ما هو مؤيد للتحكيم يعطف على العقود التحكيمية وعلى الاحكام التحكيمية ويحميها ويحترم ارادة الاطراف في اللجوء إلى التحكيم. 

   ولكن الاجتهاد القضائي العربي المؤيد للتحكيم كثيراً ما اعتمد على الفكر القانوني الغربي ولاسيما اجتهاد محكمة النقض الفرنسية التي منها انطلق الفكر القانوني الذي بني صروح التحكيم في أواخر القرن الماضي. 

   وكان فكرها القانوني ساطعاً أضاء الطريق أمام رجال القانون في العالم ولاسيما في عالم القوانين المدنية... والذين سرعان ما تجاوب معهم رجال القانون في عالم اعراف القوانين الانكلو أميركية فلاقوا مسيرتهم وكانت النهضة الفكرية القانونية العظيمة التي يشهدها التحكيم. 

   وفي العالم العربي اغلب الاجتهاد القضائي، ان لم يكن معظمه، رفيق بالتحكيم يحترم ارادة الطرفين في العقد التحكيمي ويحمي الحكم ويراقب تقيده بإرادة الطرفين وبقواعد الدعوى التحكيمية الأساسية في حق الدفاع والمساواة والوجاهي. 

   وكلما حلق الاجتهاد القضائي في التحكيم، اعتمد على اجنحة محكمة النقض الفرنسية.. وقد حلق الاجتهاد القضائي في كثير من البلدان العربية عالياً... وهو ممزوج بالفكر القانوني الفرنسي... وجاء الوقت الذي يحلق فيه الفكر القانوني في الاجتهاد القضائي معتمداً على نفسه وعلى أصالته... حتى يتابع الطريق ولا يكون التحكيم عدالة غريبة عن أي بلد ولا غريبة عن أي ثقافة ولا غريبة عن اي حضارة! 

   فالتحكيم ليس وسيلة بديلة من القضاء لحسم المنازعات فحسب، بل هو وسيلة بديلة من الحزب لحسم المنازعات.. وكم جرى تفادي الحروب بحسم الخلافات عن طريق التحكيم... لهذا فإن التحكيم يجب أن يمارس في أجواء السلام والتسامح والتفاهم لينجح في دوره الدولي. وفي الاسلام كان التحكيم وسيلة بديلة للحرب التي حصلت بعد مبايعة الامام علي بن ابي طالب بالخلافة وتمرد معاوية على هذه البيعة, فحين احتدمت المعارك رفعت رايات "التحكيم" فتوقفت المعارك . 

   ونعود الى الاجتهاد القضائي المصري في التحكيم الذي حلق عالياً بقضاة مثل القاضي برهان امرالله ولاقاه القاضيان صبحي موريس واسماعيل ابراهيم الزيادي الرئيس في محكمة استئناف القاهرة وكان التيار الفكري الذي لاقاه هو أيضاً محلقاً بفكر محسن شفيق وفتحي والي واكثم الخولي وعكاشة عبد العال واحمد القشيري وسمير شرقاوي وسميحة القليوبي وغيرهم وغيرهم كثيرون.

   واطل اجتهاد قضائي مصري لا يمكن عند الاطلاع عليه الا ان نقف وقفة اجلال فهو اجتهاد رفيق بالتحكيم على مستوى علمي وفكري رائع محلقا بجناحين مصريين... وهو فكر منفتح على العالم وليس منغلقا على نفسه. 

   وقد اخترنا من هذا الاجتهاد حكماً صادراً عن محكمة استئناف القاهرة برئاسة القاضي صبحي موريس وعضوية القاضي اسماعيل ابراهيم الزيادي رئيس بمحكمة الاستئناف أيضاً حول حياد المحكم وحياد القاضي ومفهوم الحياد في التحكيم ومفهوم الحياد في القضاء. 

   ولم تطلب من علماء القانون المصريين أن يعلقوا عليه بل ترجمنا الحكم وطلبنا من أربعة من رجال القانون الاوروبيين الكبار أن يعلقوا عليه وهم:

   1- البروفسور جورجيو برنيني Giorgio Bernini رئيس المجلس الدولي للتحكيم التجاري سابقاً والوزير الايطالي السابق.

    2- المحامي سيرج لازاريف Serge Lazareff رئيس الهيئة الوطنية الفرنسية للتحكيم في غرفة التجارة الدولية في باريس.

    3- المحامي الالماني الدكتور مايكل بوهلر Michael Bihler ممثل المانيا لدى محكمة تحكيم غرفة التجارة الدولية. 

    وكتب علماء القانون التحكيمي الثلاثة ثلاثة تعليقات ننشر ترجمتها إلى العربية مع الحكم في اطار حوار وتفاهم الحضارات والثقافات الذي اذا بدأ بالقانون وبالحق وبالتحكيم فإنه خير البدايات. 

   والتحكيم الدولي يحتاج الى أن يتفاهم أعلامه ويتفهمون فكر بعضهم البعض... فكرهم القانوني الذي تقف خلفه مفاهيم ثقافية وخلقية وحضارية. 

   هكذا يؤدي التحكيم الدولي دوره العظيم في حسم منازعات الاستثمار والتجارة الدوليين في جو التفاهم الثقافي الذي يفضي إلى اجواء التسامح والتفهم التي هي وحدها التي كتبت الحق والعدالة.

محكمة استئناف القاهرة 

الدائرة السابعة التجارية - جلسة 9 يونيو 2009

   أسباب ومنطوق الحكم في الدعوى رقم 102 لسنة 123 قضائية تجاري القاهرة.

      بعد سماع المرافعة والإطلاع على الأوراق والمداولة: 

    من حيث أن الوقائع تتحصل بالقدر الكافي لحمل المنطوق في أن شركة صـبحي حـسين أحمد للمقاولات (توصية بسيطة) تعاقدت مع الجمعية التعاونية للبناء والإسكان للعاملين بشركة بترول خليج السويس في خصوص مقاولة مشروع إنشاء المرحلتين الأولى والثانية لقرية سياحية بالساحل الشمالي الغربي قرية المرجان"، ثم أسندت إليها الجمعية أعمال امتداد مقاولة المرحلـة الثانية، وبسبب توقف الجمعية عن سداد مستحقات الشركة عن مقاولة الامتداد هذه، فقد التجـات الشركة إلى التحكيم إلى عرض النزاع على التحكيم في نطاق نظام التحكيم بالاتحـاد التعـاوني الإسكاني المركزي، وقيد التحكيم فيه تحت رقم 2 لسنة 2002، وتشكلت هيئة تحكــم ونظـرت النزاع وأصدرت في 2004/8/3 حكما قطعيا بإلزام الجمعية بأن تدفع للشركة المحتكمـة مبـلـغ 1136596 جنيه، وطعنت الجمعية المحتكم ضدها على ذلك الحكم بالبطلان بالدعويين رقمي 87 و 90 لسنة 120 في القاهرة، وفي 2004/2/28 قضي برفضهما. وإذ امتنعت الجمعية عن تنفيـذ الحكم التحكيمي دون مبرر، فقد أقامت الشركة الدعوى التحكيمية رقم 12 لسنة 2005 - تحكيم الاتحاد التعاوني الإسكاني المركزي - بطلب فسخ المتبقي من المقاولة والتعويض، وأمام هيئـة التحكيم عرض كلا من الطرفين طلباته ودفاعه ومستنداته، وبتاريخ 2006/6/22 وبعـد نـدب خبير من الاتحاد التعاوني الإسكاني، صدر القرار أو الحكم التحكيمي بفسخ المقاولـة وبرفض إدعاءات الجمعية وبإلزامها بمبالغ مالية وبرد خطاب الضمان النهائي وكـذا خطابـات الدفعـة المقدمة.

   ومن حيث لم يصادف الحكم التحكيمي الأخير قبولا لدى المحتكم ضدهما (الجمعية السالكـة للمشروع) فطعنت فيه أمام هذه المحكمة بالدعوى الراهنة وذلك بصحيفة أودعت قلم الكتاب فـي 2006/9/4 بطلب الحكم ببطلانه. وأسست الطاعنة طعنهما حجج مفادها: عدم وجود على مشارطة تحكيم، بطلان تشكيل هيئة التحكيم، وبطلان الإجراءات التي تمت في التحكيم، ويسبب بطلان العقد المطلوب فسخه ... فلا يوجد تعاقد يلزم فسخه، ولأنه سبق الفصل في التـزاع فـي الدعوى التحكيمية رقم 23 لسنة 2000 الاتحاد التعاوني الإسكاني، ولأن طلب التعويض سابق لأوانه، ولأن الخبير استند في تقريره إلى صور ضوئية للمستندات المقدمة من المحتكمـة رغـم جدها، وإن الأخيرة هي التي أخلت بالتزاماتها في المقاولة.

   وحيث إن الدعوى نظرت على نحو ما هو مسطر بمحاضر الجلسات وضمت أوراق التحكيم المطعون عليه، حيث قدم الطاعنان مذكرة صمما فيها على دفاعهما وطلباتهمـا وقـدم المركز المدعي عليه مذكرة برفض الدعوى، وقررت المحكمة النطق بالحكم بجلسة اليوم.

   وحيث أن الطعن أقيم في الميعاد وقد استوفى أوضاعه الشكلية المقررة فـي القـانون، فالمحكمة تقبله شكلا,

   ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن عقدي المقاولة المبرم بين الجمعية الطاعنة والشركة المطعون ضدها في 1994/8/1 و 1996/2/27 عن المرحلتين الأولى والثانية من مقاولة النزاع  تضمنا شرطاً تحكيمياً، وأن الجمعية أسندت بتاريخ 1998/3/1 إلى الشركة أعمـال مقاولـة امتداد المرحلة الثانية – موضوع النزاع التحكيمي - بشروط المرحلتين الأولى والثانية ذاتها بما في ذلك شرط اللجوء إلى تحكيم الاتحاد التعاوني الإسكاني المركزي بشأن المنازعات التي قد تنشأ بينهما، ومن ثم فأن إدعاء الطاعنة بالبطلان بحجة عدم وجود شرط التحكيم يكون ظـاهر الفساد.

   أما بالنسبة لما تنعاه الطاعنة ببطلان تشكيل هيئة التحكيم بسبب قيام الاتحـاد التعـاونـي الإسكاني المركزي بتعيين محكم عنها دون إرادتها بعد عزل المحكم الذي سمته لعدم حضوره جلسات التحكيم رغم إنها تقدمت بشهادة طبية تفيد أن هناك عذر مبرر منعه من عدم الحضور، فالثابت أن الطاعنة لم تثر هذا الموضوع بعد مباشرة المحكم البديل - الذي عينه رئيس الاتحـاد لميمته، وتقضي القاعدة التحكيمية بأن الطرف الذي لا يدلي أمام المحكمة التحكيميـة بمخالفـة تعترض سير التحكيم، ولاسيما إذ كانت الفرصة متاحة له، لا يستطيع الإدلاء بهذه المخالفة أسـام قضاء الإبطال، والمادة الثامنة من قانون التحكيم المصري تبنت هذه القاعدة وجرى نصها علـى له: "إذا استمر أحد طرفي النزاع في إجراءات التحكيم مع علمه بوقوع مخالفة لشرط في اتفـاق التحكيم أو لحكم من أحكام هذا القانون مما يجوز الاتفاق على مخالفته، ولم يقدم اعتراضاً علـى هذه المخالفة في الميعاد المتفق عليه أو في وقت معقول، عند عدم الاتفاق، اعتبر ذلك نزولاً منه عن حقه في الاعتراض"، فعدم الاعتراض دلالة على الرضا وهو يزيل المخالفـة التـي شـابت الإجراء ويصححها، طالما كانت المخالفة أو كان العيب يرسي إلى مصلحة الخصم الذي سكت في حينه عن أثارتها، وليس لهذا الأخير والحال هذه أن يعود أمام محكمة البطلان ويثير ما سبق أن نزل عن حتى الاعتراض عليه أمام هيئة التحكيم، فالساقط لا يعود، فضلاً عن أن المحكمة ترى أن مجرد رفض هيئة التحكيم عند نظرها النزاع التحكيمي التأجيل لحضور محكماً بالـذات مـا يشكل بطلاناً. 

   ومن حيث أن عن ما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون عليه بطلان إجراءاته لمخالفتـه الأعراف القضائية والقواعد القانونية لعدم توقيع المحامين الحاضرين علـى محـاضـر جـلـسـات التحكيم ورفض إعطائهم صور من هذه المحاضر وعدم وجود إعلانات رسمية لطرفي التحكيم فهو نعي غير مديد لعدم تمسكها أمام هيئة التحكيم بذلك في الوقت المناسب، فضلاً عن أن التحكيم يتميز بذاتيته وبتطبيقاته المستقلة عن القضاء وصياغته الفنية المغايرة وكذلك قواعـده الخاصة التي تفرضها العملية التحكيمية ومقاصدها الاتفاقية، فلا يشترط في التحكيم وجـود سكرتير لتدوين محاضر الجلسات أو تدوين هذه الجلسات أصلاً، كما لا يوجد شكل معين لإعلان الأطراف بالإجراءات، طالما لم يتفق على خلاف ذلك، فالقاعدة في التحكيم هي حرية الشكل وليس تقيده بقواعد قانونية جامدة، المهم في الأمر أن يمكن المحكم الأطراف العلم بالإجراءات بطريقة متساوية مبدأ المواجهة، فالأمر في الخصومة التحكيمية مختلـف عـن الحال في الخصومة القضائية لأن التحكيم غير القضاء

    ومن حيث مما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه من أسباب تمحورت في القول ببطلان العقد المطلوب فسخه لعدم اعتماده من جهة إدارية وسبق الفصل في النزاع بحكم تحكيم ســـابق على الحكم المطعون فيه ولعدم أحقية المحتكمة لأي تعويض وفساد تقرير الخبير الذي ندبته الهيئة التحكيمية، وهو ما يعيب الحكم المطعون فيه ويستوجب بطلائه، ومن حيث إن هذا النعـي غيـر سديد، ذلك أن محكمة بطلان حكم التحكيم لا تتمتع بالاختصاص للنظر في أساس الحكم التحكيمي أو نظر النزاع موضوع التحكيم، فنظام البطلان هذا يهدف إلى حماية الإجراءات التحكيمية التـي تمت، لا حماية نتيجة هذه الإجراءات أو القول بتحديد أي من الطرفين يملك حجة أفضل فلا تملك المحاكم في نطاق دعوى البطلان التعرض لما أثارته الطاعنة في شأن ما تقدم. 

   ومن حيث إنه لكل ما تقدم جميعه يتعين رفض دعوى الطعن وإلزام المدعيين المصروفات القضائية شاملة مقابل أتعاب المحاماة عملا بالمادتين 184 و240 من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب

   حكمت المحكمة: بقبوله الطعن شكلاً وفي الموضوع برفضه وألزمت الجمعيـة المدعيـة بالمصاريف ومائة جنية مقابل أتعاب محاماة.

أمين السر                                                                   رئيس المحكمة 

                                                                            إسماعيل إبراهيم الزيادي

 

تعليق البروفسور جورجيو برنيني (Giorgio Bernini)

   يمكن إيجاز الوقائع الواردة في موجز الدعوى باللغة الإنكليزية بما يلي:

     تعاقدت شركة صبحي حسين أحمد للمقاولات (يشار إليها فيما بعد بالـ "شركة") مع الجمعية التعاونية للبناء والإسكان للعاملين بشركة بترول خليج السويس (يشار إليها فيما بعد بالـ "جمعية") بغية إنشاء مشروع في قرية سياحية بالساحل الشمالي الغربي (قرية "المرجان ). ونشأ نزاع بين الطرفين يتمحور على عدد من المسائل تتعلق بالتنفيذ الصحيح للأعمال وبسداد المستحقات المتوجبة عنها. وكان الطرفان قد اتفقا على أنه في حال نشوء نزاع، سيحيلاته إلى التحكيم في نطاق نظام التحكيم بالاتحاد التعاوني الإسكاني المركزي، وبعد عدد من التغييرات في الإجراءات وفي الموضوع، تم إصدار حكمين تحكيميين في آخر الأمر. ومع مرور الوقت، تم الطعن في كلا الحكمين، فصدر الحكم في جلسة 9 يونيو 2009 عن محكمة استئناف القاهرة، الدائرة السابعة التجارية (12/ب). 

   يبين موجز الوقائع المقدمة أمام محكمة الإستئناف أن أسباب الإبطال التي رفعتها الجمعية تتضمن، إذا ما استخدمنا عبارة معروفة جداً في عالم التحكيم، كل وسائل الدفاع المتوفرة في كتاب الشكاوى". ولا يمكن لأي حكم أن يقرر صحة هذه الأسباب إذا لم يتم الاطلاع على ملقي الدعويين، إن التعليق الحالي يهدف إلى البحث في حدود الصلاحية الخاصة بكل من هيئتي التحكيم ومحكمة الاستئناف التي رفع إليها طلب الإبطال ويشدد على أهمية المباديء التي وضعتها محكمة الاستئناف. 

   ان حكم محكمة الاستئناف الذي رد مطالب الجمعية لإبطال الحكمين التحكيميين جدير بالاهتمام للأسباب الموضوعية والإجرائية على السواء. ادعت الجمعية، في طلب الإبطال، عدم وجود مشارطة التحكيم وبطلان تشكيل هيئة التحكيم وبطلان الإجراءات التي تمت في التحكيم. كما ادعت أيضاً أن العقدين المبرمين بين الجمعية والشركة قد أبطلا بصورة غير شرعية وأن النزاعات بين الطرفين قد فصل فيها سابقاً برعاية الجمعية التعاونية للبناء والإسكان بحيث أن طلب التعويض كان يعتبر سابقاً لأوانه. كما تساءلت الجمعية عن استناد الخبيرة في تقريره، إلى صور عن مستندات قدمتها الشركة خلال إجراءات التحكيم وكشكوي شاملة أخيرة، نسبت إلى الشركة المذكورة مخالفتها لإلتزاماتها بموجب عقد الإنشاء. أعادت محكمة الاستئناف نظر الدعوى أخذة بالاعتبار محضر جلسات التحكيم وأعطت الطرفين فرصة المشاركة الكاملة في الإجراءات من خلال تقديم الطلبات والدفاعات الخاصة بكل منهما وفقاً لمبدأ الوجاهية ولحقهما في الدفاع. 

   يمثل الحكم الذي أصدرته محكمة الاستئناف ويؤيد تماماً طبيعة التحكيم المتأصلة والغرض الأساسي منه في المرحلة الحالية والمتقدمة من تطوره على المستوى الوطني والدولي على السواء. كما أن المباديء التي وضعتها محكمة الاستئناف، والتي وردت في حكمها، من شأنها أن تعزز صورة هذه الطريقة البديلة لحل النزاعات في البلدان العربية وسحرها. حالت محكمة الإستئناف بدقة، في الاستنتاج الذي أدى إلى رد طلب الجمعية لإبطال الحكمين التحكيميين، طبيعة التحكيم الباطنية وآثاره الملزمة على أنها التعبير الرئيسي لاستقلالية الطرفين في اختبار طريقة بديلة لحل نزاعاتهما، كل مبدأ وضعته محكمة الإستئناف يستحق موافقة فردية وخاصة. 

   أولاً- أعادت محكمة الإستئناف إقرار صحة الفقه الدقيقة التي غالباً ما يشار إليها بعبارة "الإختصاص بالاختصاص" (Kompetenz-Kompetenz). يجب أن يفصل المحكمون أنفسهم في كل المطالب المتعلقة بصحة اتفاقية التحكيم التي بنيت عليها صلاحيتهم وذلك في أدائهم للمهمة التي أوكلها إليهم الطرفان اللذان وقعا اتفاقية التحكيم. هذه نقطة الوصول لفقه تطور، من بين أمور أخرى، بقصد تجذب أن ينجح الطرف المعارض في منع البدء الفوري للتحكيم من خلال الطعن في صحة اتفاقية التحكيم برفع دعوى أمام المحكمة القضائية. من خلال إعطاء المحكمين صلاحية الفصل في صلاحيتهم، تكون الوسائل التأخيرية هذه عديمة الجدوى على نحو بين .

   ثانياً- ردت المحكمة طلب الطعن في صحة تشكيل هيئة التحكيم من خلال التصريح بأن المحكم لا يمكنه إعاقة تطبيق الإجراءات بالتغيب عن الحضور و/أو رفض القيام بالواجبات المتعلقة بمهمته، وبغية تصحيح مثل سوء التطابق هذا، تسمح الأنظمة القانونية التي تسلم بما تعرف بفقه المحاكم المنقوص بإكمال التحكيم تحت توجيه أغلبية المحكمين. في كل الأحوال، يمكن للطرف ذي المصلحة، كقاعدة عامة، أن يطلب من السلطة المختصة بالتعيين أن تعين محكماً جديداً، حكمت محكمة الاستئناف في الدعوى التي فصلت فيها على أنه كان من المتوجب الطلب من الجمعية التعاونية للبناء والإسكان، بصفتها السلطة المختصة بالتعيين، أن تعين محكماً بديلاً.

   ثالثاً- طبقت محكمة الإستئناف بدقة المادة 8 من قانون التحكيم المصري التي تنص على أن الطرف الذي لا يقدم دفاعه أمام هيئة التحكيم يعتبر أنه تنازل عن حقه في ذلك ولا يمكنه أن يقدم ذلك الدفاع عند الطعن في الحكم التحكيمي، يمثل هذا الاستنتاج تطبيقاً أساسياً لفقه معروف في البلدان التي تطبق القانون المدني والقانون العام على حد سواء. يشار إلى هذا الفقه في البلدان التي تطبق القانون المدني بعبارة "لا يمكن لأحد أن يخالف أو يناقض فعله ( nemo venire contra factum proprium potest). أما في البلدان التي تطبق القانون العام، فيعرف هذا الفقه من خلال كلمة "إغلاق" (estoppel). في الجوهر، لا يمكن لأحد، بموجب هذا الفقه، أن يناقض نفسه باتخاذ، أو بعدم اتخلا، مسار معين ثم الادعاء بإمكانية القيام بالعكس، وبالتالي، إن حكم محكمة الاستئناف ليس خالياً من الأخطاء من وجهة نظر قانونية فحسب، بل أيضاً جدير بالثناء في ظل معايير الإنصاف . 

    رابعاً- ردت محكمة الاستئناف إدعاءات الجمعية بأن إجراءات التحكيم تخلتها مخالفات لـ الأعراف القضائية والقواعد القانونية لأن المحاميين رفضا توقيع محاضر الجلسات وتوفير نسخ عنها إضافة إلى عدم تلقى الطرفين تعليمات رسمية خلال التحكيم. حكمت المحكمة تمهيديا بأن هذه الشكاوي قد رفعت خلال التحكيم ولا يمكن أن يعاد رفعها في دعوى بطلان، أضف أن اتفاقية التحكيم هي التي يجب أن تحدد سلوك الطرفين وقواعد السلوك المتوجب اتباعها خلال الإجراءات وأن الشكليات في التحكيم يجب أن تبلغ حداً أدنى من التقيد بدقة بحق الأطراف في الدفاع وبمبدأ الوجاهية. يجب أن يكون اللجوء إلي التحكيم مبنياً، من بين أمور أخرى، على البحث عن إجراء أكثر سهولة وليونة من الإجراء القضائي.

   خامساً- حسمت محكمة الاستئناف مطالب الجمعية المتعلقة بموضوع النزاع بإصدار الحكم القضائي الثاني القائل بأن قرار المحكمين برد طعون الجمعية المتعلقة بإبطال العقد ويفصل النزاع ويمنح التعويض، صحيح. وبالتالي وضع المبدأ الذي لا يمكن لمحكمة قضائية بموجبه أن تعيد فتح دعوى من خلال إعادة نظر في موضوع حكم تحكيمي يسعى طرف متظلم إلى بطلانه.

    في الختام، ردت محكمة الاستئناف، في قرارها الصادر كما هو مبين أعلاه، كل مطالب الجمعية التي تهدف إلى إبطال الحكمين التحكيميين اللذين اصدرا مسبقاً في النزاعات نفسها وألزمت الجمعية بدفع تكاليف الإجراءات القضائية. 

     لم يسمح الموجز البليغ للدعوى باللغة الإنكليزية باطلاع شامل أكثر على حكم محكمة الاستئناف الذي تم التعليق عليه هنا في الجوهر والتأييد الكامل لتحليله والنتيجة التي تم التوصل إليها. يجب أن يعتبر هذا الحكم سابقة جوهرية يحتذى بها كتعبير عن المباديء المتعارف عليها التي تميز قانون التحكيم الحديث المتجسد في المعاهدات الدولية والقوانين النموذجية والقوانين الداخلية لأهم بلدان العالم.

تعليق المحامي سيرج لازاريف (Serge Lazareft) '

   لقد قرأ كل مؤيدي التحكيم قرار محكمة استئناف القاهرة الوارد آنفاً والصادر في دعوى داخلية بسرور واستحباب. فهو بالفعل قرار موجز وواضح يذكر بالمباديء الأساسية للتحكيم الداخلي والدولي ويثبت تقيد مصر بروح ومباديء الأونسيترال واتفاقية نيويورك. 

    فمنذ العام 1959، أصبحت مصر عضواً في اتفاقية نيويورك. وقد تم سن القانون المصري بشأن التحكيم"، بتوافق تام مع قانون الأونسيترال النموذجي، في 18 ابريل 1994. كما أن الأسباب المعددة في المادة 53 منه والتي بموجبها يمكن إبطال الحكم التحكيمي تتوافق تماماً مع  الأسباب الواردة في المادة 7 من اتفاقية نيويورك. إنه لمن الضروري الإشارة إلى أن المادة 53 لا تميز بين الأحكام التحكيمية الداخلية والدولية. بشكل عام، يتعلق القانون بالتحكيم التجاري الدولي.

   هذا يبين مدى اقتراب مصر من الميل الحديث إلى التحكيم الدولي واتخاذها منهجاً مماثلاً بشأن التحكيم الداخلي بما يعزز التعويل على اختبار مصر كمكان تحكيم (situs). 

   في قرارها الصادر في 09 يونيو 2009، اتخذت محكمة استئناف القاهرة بوضوح الموقف القائل بأن الطعن بالإبطال ليس استثنافاً. وهذا مقاربة جوهرية تتوافق مع محكمة التمييز الفرنسية ومحكمة استئناف باريس. 

    راجعت محكمة الاستئناف الأسباب التي بني عليها طلب البطلان بدقة. وإنه لمن اللافت للنظر أن تأخذ المحكمـة لائحـة الأسبـاب الواردة في المادة 53 بالاعتبار، بناء على وقائع الدعوى، لتبين وجود اتفاق تحكيم صحيـح وهيئة تحكيمية مشكلة بشكل صحيح.

   حكمت المحكمة بعدم وجود مخالفة لمبدأ الوجاهية أو، بدقة أكثر، بأن عدم الاعتراض من قبل طرف ما خلال الإجراءات التحكيمية هو دليل قبول وهذا يقترب جدا من مبدأ الإغلاق .(estoppel).

    ثم اتخذت المحكمة منهجاً أكثر شمولية وصرحت، لسرور مؤيدي التحكيم، المبدأ الأساسي ألا وهو أن عملية التحكيم مستقلة عن المحاكم. في الدعوى الحالية، تشير المحكمة بطريقة حكيمة إلى أن الإدعاءات الإجرائية الشكلية جداً الواردة في طلب البطلان لم تتمكن من أن تؤدي إلى إبطال الحكم التحكيمي كونها أسباب شكلية لا يتعمق فيها قانون التحكيم. وأخيراً، ذكرت المحكمة بشدة وبدقة بالمبدأ الأساسي القائل بأن إجراءات الإبطال ليست إستئنافاً، وبالتالي، اعتمدت المحكمة تفسيراً حصرياً لأسباب الإبطال مبينة أفضل تحكيم لها .(favor arbitri) .

   إنه لمن المرضي جداً أن تظهر محكمة مصرية، مرة جديدة، كيفية احترام الأحكام التحكيمية وتنفيذها وأن تضع مباديء تطبق على الأحكام التحكيمية الداخلية والدولية على حد سواء.

 

تعليق الدكتور مايكل و. بوهلر (Micheal W. Bihler) 

بطلان الأحكام التحكيمية – مبدأ الإغلاق (estoppel) - تنازل -

مراجعة قضائية محدودة من قبل محكمة الإبطال

  1. أصدرت الدائرة السابعة التجارية في محكمة استئناف القاهرة ("محكمة القاهرة") في 09 يونيو 2009 قراراً يجب أن يسر ممارسي التحكيم والملتجئين إليه من مصر وكافة بلدان العالم على السواء. وكانت الوقائع التي ستنظر فيها محكمة القاهرة، بإيجاز كلي، كالتالي: نشأ النزاع عن عقدي بناء ميرمين بين شركة بناء خاصة (للـ "مقاول") والجمعية التعاونية للبناء والإسكان للعاملين بشركة بترول في مصر (الــ "مالك"). 

   نظراً الى توقف المالك عن سداد مستحقات المقاول عن الأعمال التي قام بها بموجب العقد الأول، إلتجأ المقاول في العام 2002 إلى التحكيم بناء على نظام التحكيم بالإتحاد التعاوني الإسكاني المركزي (نظام التحكيم") الذي انتهى في العام 2004 بصدور حكم تحكيمي نهائي يلزم المالك بدفع مبلغ معين من المال إلى المقاول. إلا أن المقاول لم يتقيد بالحكم التحكيمي وبالتالي لم يدفع للمقاول. 

   ونتيجة لذلك، باشر المقاول في العام 2005 تحكيماً ثانياً بموجب نظام التحكيم مطالباً هذه المرة بفسخ عقد البناء الثاني فيما يتعلق بالقسم للمتبقي من الأعمال وبأن يدفع له المالك تعويضاً. وفي العام 2006، صدر حكم تحكيمي نهائي لصالح المقاول. وبعد ذلك بفترة قصيرة، طعن المالك في الحكم التحكيمي أمام محكمة القاهرة محتجاً بعدة أسباب بما في ذلك، عدم وجود مشارطة التحكيم وبطلان تشكيل هيئة التحكيم.

    2. ردت محكمة القاهرة طلب البطلان لعدم توفر أسباب صحيحة وفقاً للمادة 53 من القانون المصري رقم 27 لسنة 1994 بشأن التحكيم في المواد المدنية والتجارية (الـ قانون رقم 27). رفضت محكمة القاهرة، من دون التعمق في التفسير، إدعاء عدم وجود مشارطة التحكيم مشيرة إلى أن كل عقد من عقدي البناء كان يتضمن شرطاً تحكيمياً. استندت محكمة القاهرة إلى مبدأ الإغلاق "estoppel"، من دون أن تعبر عن ذلك صراحة، الذي استندت إليه مثلاً محكمة التمييز الفرنسية (Cour de Cassation) في دعوى مشابهة في 06 يوليو 2005 تعرف بدعوى "غولشاني" (Golshani).

   3. أما فيما يتعلق بإدعاء بطلان تشكيل هيئة التحكيم، كانت محكمة القاهرة أكثر دقة بالرجوع إلى المادة 8 من القانون رقم 27 المتعلقة بتنازل طرف ما عن حقه. فبموجب المادة 8 من القانون رقم 27 "إذا استمر أحد طرفي النزاع في إجراءات التحكيم مع علمه بوقوع مخالفة لشرط في اتفاق التحكيم أو لحكم من أحكام هذا القانون مما يجوز الاتفاق على مخالفته، ولم يقدم اعتراضاً على هذه المخالفة في الميعاد المتفق عليه أو في وقت معقول، عند عدم الاتفاق، اعتبر ذلك نزولاً منه عن حقه في الإعتراض." بناء على حكم المادة هذا، منع المالك الآن من الاعتراض على تعيين محكم بديل، وهو ما لم يعترض عليه خلال التحكيم.

   4. بالتالي، طبقت محكمة القاهرة في قرارها مبدئين مهمين من قانون التحكيم الدولي ألا وهما مبدأ الإغلاق "estoppel" ومبدأ التنازل عن الحق، وعلى الرغم من أنه يتم استخدام هذين المبدئين بشكل متبادل في بعض الأحيان، إلا أنهما في الواقع متميزان. ففي حين يترتب على التنازل عقوبات على التصرف الأحادي الجانب الطرف ماء يحمي الدفع بالإغلاق (estopped) تمويل طرف ما على تصرف الطرف الآخر. بالطبع تختلـف شـروط وأثـار هذين المبدئيـن من بلد إلى آخر إلا أنهما يهدفـان، في نطاق التحكيم، إلى إلزام الأطراف والتقيد بالولاء والاستقامة خلال الإجراءات ويسعيان إلى منع طرف ما، من خلال اعتبـارات حسن النية والإنصاف، من التصرف بطريقة متعارضة مع تصرفه السابق. بشكل عام، تؤيد المحاكم في مكان تنفيذ الحكم التحكيمي الأحكام المتعلقة بالتنازل في نظام التحكيـم وفي قوانين التحكيم . بمعنـى آخر، يمنع طرف ما من التمسك بدفاع كان من الممكن أن يقدمه في التحكيم إلا أنه لم يقدمه."

   5. بشكل عام، أعادت محكمة القاهرة أيضاً إقرار المدي المحدود للمراجعة القضائية للأحكام التحكيمية في نطاق إجراءات البطلان. فأسباب بطلان الحكم التحكيمي محصورة ولا يسمح لمحكمة رفع إليها طلب بطلان أن تعيد النظر في الدعوى وأن تنقض ما توصلت إليه هيئة التحكيم في الواقع والقانون. يمكن للمحكمة فقط إما أن ترد الطلب أو أن تعلن الحكم التحكيمي لاغياً وباطلاً بناء على الأسباب المحددة والمنصوص عنها في القانون. لا يمكن للمالك غير الراضي مثلاً، في الدعوى الحالية، أن يسعى إلى طلب إعادة نظر في الدعوى بالاحتجاج بأن العقد كان لاغياً بسبب عدم الموافقة. وقد جاء حكم محكمة القاهرة صحيحاً عندما قالت أن نظام البطلان هنا يهدف إلى حماية الإجراءات التي تمت، لا حماية نتيجة هذه الإجراءات أو القول بتحديد أي من الطرفين يملك حجة أفضل." وتابعت محكمة القاهرة قائلة أن الطرفين، باختيارهما للتحكيم، قرراً استبعاد المقاضاة أمام محاكم الدولة لفصل نزاعاتهما. وبالتالي، لن يكون منطقياً، وبالفعل متعارضاً مع نية الأطراف، أن يسمح للطرف الذي خسر الدعوى بأن يطلب إعادة نظر فيها من قبل محاكم الدولة التي يجب أن تكبح نفسها عندما يتعلق الأمر بدعاوى بطلان الأحكام التحكيمية.

   6. يظهر قرار محكمة القاهرة موقفاً مؤيداً للتحكيم ونأمل أن يصبح موقفاً تعتمده المحاكم المصرية. كما أن لقرار محكمة القاهرة تأثير مهم على احتمال اختيار القاهرة مكاناً لتحكيم محايد لأطراف من مصر ومن خارجها. وتبقى اجتهادات المحاكم المؤيدة للتحكيم في مكان التحكيم معياراً لا غنى عنه لمكان اتفق عليه الأطراف أولاً.