مما لا شك فيه تعاظم الدور الذي تلعبه السفن في الحياة الجارية، فالفينة «منشأة عائمة تخصص للملاحة البحرية، حيث أصبحت التجارة البحرية من أهم عناصر الاقتصاد في العالم، حيث إن 70 % من الكرة الأرضية هي سطح المياه الذي يغطيها ، ورغم تطور وسائل النقل في الجولكن بقيت التجارة البحرية العصب الأساسي للتجارة بين الدول في العالم.
ومن البديهي أن تثار مشكلات تتعلق بالتجارة البحرية، سواء أثناء وجود السفينة في البحر، أو تتعلق بنقل الأفراد والبضائع ، ولابد من إيجاد الباث قانونية تتولى الفصل في مختلف تلك المنازعات، وهو ما نهضت إليه غالبية دول العالم حيث أقرت إمكانية فض تلك المنازعات عن طريق التحكيم التجاري، بعيدا عن سلطة المحاكم العادية.
تاريخ التحكيم البحري :
تعد لندن أقدم مركز للتحكيم البحري الحديث في العالم؛ ثم تلا ذلك ظهور مركز للتحكيم التجاري البحري منبثق عن غرفة التجارة بهامبورج بألمانيا، ويحسب لغرفة التجارة بهامبورج تلقي قواعد التحكيم البحري وتطويرها، ثم تلا ذلك إنتشار غرف التجارة البحرية في أوروبا وموسكو ويعتبر التحكيم البحري حديث النشأة في الولايات المتحدة الأمريكية وإن إنتشر حالية بشكل كبير في نيويورك وأصبح الفضاء الأمريكي يشجع التحكيم البحري ويرحب به.
أسباب إنتشار التحكيم البحري:
تبين مفهوم التحكيم البحري إحالة المنازعات الناشئة عن النشاط البحري وذلك بإتفاق أطراف النزاع إلى التحكيم، بعيدا عن القضاء العادي أو الوطني ، كما أن التحكيم البحري إنتشر كوسيلة الحسم المنازعات البحرية في العصر الحديث لعوامل كثيرة يمكن إيجازها في رغية المتعاملين في مجال التجارة البحرية في التحرر من قيود النظم القانونية المختلفة مع عدم إتساق تلك القواعد الداخلية مع مقتضيات التجارة الدولية البحرية، بالإضافة إلى بطء إجراءات التقاضي وتعدد درجاته في الوقت الذي تتطلب فيه التجارة البحرية سرعة الفصل في النزاع كما تتطلب السرية في المعاملات أضف إلى ذلك أن الفصل في المنازعات البحرية يقتضي خبرة خاصة ومعلومات متميزة ومتجددة لا تتوافر للقاضي العادي.
أثار إتفاق التحكيم البحري: إتفاق التحكيم البحري طريق إستثنائي لفض المنازعات البحرية خروجا على إختصاص الولاية العامة لمحاكم الدولة، ومن ثم فإنه يرتب أثرا على الإختصاص سلبية على الدولة وأثرا إيجابية على هيئات التحكيم البحرية ويتضح ذلك فيما يلي:
الأثر السلبي لإتفاق التحكيم البحري:
يترتب على إتفاق التحكيم أثر هام يعرف بالأثر السلبي، الذي بموجبه يتخلى القاضي عن إختصاصه لهينة التحكيم، وهذا لا يعني أن علاقة القاضي بهيئة التحكيم ستنقطع، بل بالعكس يبقى القاضي يمد يد المساعدة للمحكم في عمله كما يبسط رقابته على الحكم التحكيمي عند صدوره، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن تخلي القاضي عن إختصاصه لا يكون آلية بل يجب إثارته من أحد الأطراف، كما أن على القاضي التحقق من عدم البطلان الظاهر الإتفاقية التحكيم
الأثر الإيجابي لإتفاق التحكيم البحري:
ووفقا له يتعين على الأطراف أن تحترم التعهد الصادر عنها، بحيث يتم إحالة المنازعات المتفق عليها إلى فضاء التحكيم، وهذا يعني أن إتفاق التحكيم يتمتع بالقوة الملزمة وهذا يعني أن أي إتفاق تحكيم يجب أن ينفذ عينة، أي إحالة موضوع النزاع إلى هيئة التحكيم للفصل وحسم النزاع موضوع إتفاق التحكيم إعمالا لقاعدة أن العقد شريعة المتعاقدين؛ فلا يجوز الرجوع عن إتفاق التحكيم الا برضاء الطرفين.
طلب التحكيم:
بعد تشكيل هيئة التحكيم البحري وذلك باختيار أعضائها بواسطة أطراف النزاع أو بواسطة الغير وفقا لشروط لا بد من توافرها في المحكم البحري أهمها: تخصص الحكم البحري واستقلاله وحيدته، بعد هذا كله تبدأ إجراءات التحكيم البحري وذلك بتقديم طلب تحكيم بواسطة طالب التحكيم الذي يقوم بدور المدعي في الإجراءات التحكيمية، وتختلف إجراءات تقديم طلب التحكيم تبعا لنوع التحكيم، سواء أكان التحكيم البحري مؤسسيا (Institional) أم حرة (Adhoc) وعادة ما يتضمن الطلب على بيانات مختلفة منها تحديد موضوع النزاع بإيجاز، وتعيين المدعي عليه، ويرفق به كذلك بيان بكافة المستندات التي توضح سبب تقديم الطلب وطلبات المدعي، وذلك في عدد من النسخ مساو لعدد أطراف النزاع، وينبغي على طالب التحكيم أن يقدم طلبه هذا في الميعاد المقرر قانونا أو إتفاقة، وذلك حتى لا يتعرض حقه في تقديم الطلب للإنقضاء يمضي المدة أو التقادم.
أنواع التحكيم البحري؛ التحكيم البحري المؤسسي:
وهو ذلك النوع من التحكيم الذي يتفق فيه أطراف العلاقة البحرية الدولية الخاصة وهم بصدد إبرام اتفاق التحكيم على إحالة المنازعات التي ستنشأ، أو التي نشأت بالفعل إلى التحكيم أمام إحدى مؤسسات التحكيم البحري؛ لتتولى هذه المؤسسة التحكيمية عن طريق أجهزتها الإدارية وطبقا للائحة التحكيم الخاصة بها تنظيم وإدارة العملية التحكيمية منذ تلقي طلب التحكيم وحتى إصدار حكم التحكيم.
التحكيم البحري الحر: والتحكيم الذي يتم بعيدا عن مؤسسات التحكيم البحري، حيث يتفق الأطراف في إتفاق التحكيم على إدارة وتنظيم التحكيم بأنفسهم
أهم مراكز التحكيم البحري
التحكيم البحري يتمركز في بعض البلدان البحرية الكبرى نتيجة لعوامل جغرافية وتاريخية واقتصادية مثل: لندن، ونيويورك، وباريس ومن أهم الجهات المتخصصة بالتحكيم البحري ما يلي غرفة التحكيم البحري بباريس
(Maritime Arbitration Chamber, Paris)
غرفة اللويدز للتحكيم البحري
(Lloydys Chamber of Maritime Arbitration)
جمعية المحكمين البحريين بلندن
(Association of Maritime Arbitrators in London).
جمعية المحكمين البحريين بنيويورك
(Association of Maritime Arbitrators in New York).
وهنا نود أن نشير إلى دور الأمم المتحدة في تأصيل التحكيم البحري؛ حيث أصدرت الجنة الأمم المتحدة للتحكيم التجاري الدولي (اليونسترال 1976) لانحة تحكیم ، وهي تعد بمثابة لائحة نموذجية وإختيارية وشاملة ولا بعد التحكيم بموجبها تحكيمة مؤسسية؛ حيث لم تنشئ لجنة الأمم المتحدة للقانون التجاري الدولي مؤسسة تحكيمية دائمة تشرف على تطبيق هذه اللائحة.
المراكز الإقليمية العربية للتحكيم البحري: تعددت مراكز التحكيم البحري والذي إقتصر وجودها عربية في جمهورية مصر العربية، وخليجية في مملكة البحرين؛ حيث تعتبر هذه المراكز هي الوحيدة العربية التي تتوافر لديها مراکز تحکیم خاصة بالمنازعات البحرية.
مدى أهمية وجود مراكز التحكيم البحري : لا شك أن المجال البحري يعتبر همزة الوصل بين دول العالم؛ وهذا بفضل الملاحة البحرية التي تلعب دورا أساسيا في التجارة الدولية ونموها، وكذلك النقل البحري والذي لا يقل أهمية عنها؛ إذ تشكل نسبة نقل البضائع عن طريق البحر أكثر من 90، وعليه تعد منطقة مليئة بالخلافات والنزاعات بكافة أنواعها ومسمياتها والتي تم الإشارة إليها سابقا.
ومما لا شك فيه أيضا أن التحكيم يعد أداة فنية متخصصة في فض المنازعات، وهذا ينطبق تماما على التحكيم البحري ، الذي يستوجب وجود مركز مهيأ من كافة الجوانب، وعلى رأسها وجود محکمين أكفاء يتمتعون بالخبرة الكافية والإطلاع التام على كافة الأصعدة والمستويات بالنسبة للنشاط البحري .
أهم المنازعات البحرية التي تحل عن طريق التحكيم البحري؛
هناك منازعات بحرية تنشأ عن العقود البحرية، ومنازعات بحرية تنشأ عن الحوادث البحرية، وهناك منازعات أخرى لها علاقة بالأمور الملاحية مثل: الدعاوی ضد مزودي السفينة، أو المنازعات مع سلطات المواني ومن أهم المنازعات البحرية ما يلي: منازعات تملك السفينة عن طريق البناء النزاعات هنا حول مدى مطابقة السفينة عند الإنتهاء من بنائها لمواصفات العقد المتفق عليها مسبقا بين طرفيه.
منازعات تملك السفينة عن طريق الشراء:
هناك عقود نموذجية تستخدم من أجل هذا النوع من البيوع مثل العقود النرويجية ( Norwegian saleform )، وأكثر النزاعات في هذه الحالة تدور حول حالة السفينة عند تسليمها إلى المشتري .
عقود مشارطة إيجار السفن لمدة معينة
(Time Charterparties)
هذه المنازعات تكون حول مسؤولية مالك السفينة أو المستأجر عن خسارة معينة تحققت خلال مدة عقد المشارطة، مثال على ذلك: النزاع حول تحديد مسؤولية المستأجر عن ضرر لحق بالسفينة المستأجرة.
عقود مشارطة إيجار السفن لرحلة معينة
(Voyage Charterparties)
هذه المنازعات التحديد مسؤولية مستأجر السفينة أو مالكها بخصوص خسارة معينة، أو بالنسية المنازعات سلامة المواني والمراسي للشحن والتفريغ، أو حول حالة السفينة عند تسليمها إلى المستأجر، أو المنازعات المتعلقة بغرامات التأخير
عقود التأمين وإعادة التأمين
(Insurance)
عبارة عن منازعات متعلقة بالجوانب التأمينية، لاسيما بين المؤمنين الذين يحملون محل المستفيدين الأصليين عملا بمبدأ الحلول في التأمين.
الإنقاذ البحري أو المساعدة البحرية:
عمليات المساعدة والإنقاذ البحري تتم من خلال عقود نموذجية مخصصة لذلك، إذ | يعد توقيع ريان السفينة على هذا النموذج إقرارا بمسؤولية مالك السفينة عن دفع نفقات هذا الإتفاق دون تحديد قيمة هذه النفقات التي غالبا ما يتم تحديدها عن طريق التحكيم.
التصادم البحري:
تتعرض السفن أثناء تجوالها بالبحار أو أثناء تواجدها في المياه الإقليمية للدول الحوادث تؤثر على وظيفتها في نقل الأفراد والبضائع، ومن ثم تكون في أمس الحاجة إلى من ينقذها من عثرتها، ويقدم لها | مساعدة ما، وقبل ذلك فإنها تكون في أمس الحاجة إلى تفادي أية تصادمات.
القطر البحري:
عقد القطر موضوعه عملية مادية تتمثل في سحب منشأة عائمة بواسطة منشأة عائمة أخرى، والمنشأة المقطورة لا زالت عائمة عند بدء عملية القطر، أما إذا كانت المنشأة المقطورة جانحة فإن العملية قد تأخذ وصف الإنقاذ البحري -
الإرشاد البحري :
عمل المرشد هو تقديم مساعدة للريان؛ ليتفادى بالسفينة الحوادث والأضرار التي قد تحدث نتيجة إصطدامه بالعوائق البحرية وبمنشآت الميناء والإرشاد البحري ويستحق عن ذلك مكافأة مساعدة.
تحديد المسؤولية (Limitation):
رغبة صاحب السفينة بتحديد مسؤوليته الناتجة عن حادث معين المنازعات الخاصة بتسوية الخسارات البحرية المشتركة (Average L053 ).
المنازعات التي تتعلق بنقل البضائع والأفراد
ومن أهم المنازعات التي تتعلق بنقل البضائع والأفراد عن طريق البحر، ما يلي:
منازعات عقد النقل البحري:
بموجب عقد النقل يتعهد الناقل بتنفيذ عدة إرساليات بحرية على سفينة واحدة أو أكثر خلال مدة زمنية متفق عليها ومنها: النزاعات حول عقود مشارطة إجارة السفن الرحلة معينة على سبيل المثال التحكيمات البحرية التي تقع في لندن تتعلق بعمليات النقل البحري بسفن شحن أو بمشارطة إيجار وكل ما يتصل بعملية النقل البحري.
منازعات أوراق الشحن:
بعد سند الشحن أحد وسائل إثبات عقد النقل ذاته بين الناقل وصاحب البضاعة ومن ثم فإن أكثر النزاعات تدور تحت سند الشحن في تلك المتعلقة بالخسائر والأضرار التي تلحق بالبضاعة خلال الرحلة أو التأخير في وصولها أو عدم وصول البضاعة أو التسليم الخطأ للبضاعة على سبيل المثال: مشكلة إحالة سند الشحن الى مشارطة الإيجار الصادر بموجبها والمشتملة على شرط التحكيم وما إذا كانت الإحالة العامة إلى نصوص المشارطة تكفي لإندماج السند في المشارطة أم تلزم الإحالة الخاصة الشرط التحكيم الوارد بها ؟
وللإجابة على هذا التساؤل نقول: إنه إذا كانت الإحالة واضحة وصريحة إلى الوثيقة المتضمنة لشرط التحكيم، فإن شرط التحكيم الموجود في مشارطة إيجار السفينة يسري على سند الشحن، وبموجب هذه الإحالة بعد سند الشحن متضمنا إتفاق التحكيم وقد قضت محكمة النقض المصرية في أكثر من قرار لها بأن الإحالة في سند الشحن إلى شرط التحكيم الوارد في مشارطة الإيجار مفتضاها إلتزام المرسل إليه بشرط التحكيم لعلمه به من سند الشحن؛ إذ أن القانون يجعل من المرسل اليه طرفا ذا شأن في سند الشحن كما أنه يرتبط بسند الشحن كما يرتبط به الشاحن منذ ارتباط الأخير به، أما اذا كان الأمر يتعلق بإشارة عامة وغير صريحة فهذا لا يكفي للإحالة فالقاعدة هي ضرورة توافر نص يشير إشارة واضحة وصريحة إلى الإحالة.
منازعات التأخير في تسليم البضاعة:
على الناقل أن يلتزم بنقل البضاعة من ميناء القيام إلى ميناء الوصول ضمن الميعاد المتفق عليه، أو ضمن الميعاد المعقول. كما يلتزم الناقل بأن يتبع خط السير المعتاد، فإذا إنحرف عن ذلك كان مسؤولا عما يلحق البضاعة من ضرر، سواء كانت بالهلاك أم التلف) نتيجة تأخير وصولها بسبب هذا الإنحراف غير المبرر. هناك منازعات أخرى لها علاقة بالأمور الملاحية مثل: الدعاوى ضد مزودي السفينة أو المنازعات مع سلطات الموانئ..
دولية المنازعات البحرية:
يندر أن يكون أطراف المنازعات البحرية من جنسية واحدة، وغالبا ما يكون أطراف النزاع غرياء عن مكان التحكيم المختار، ففي الناحية العملية تكون السفينة حاملة لعلم دولة غير الدولة التي تتبعها الشركة المالكة للسفينة، وفي الوقت نفسه تقوم السفينة ذاتها ينقل بضائع بين مواني دول أخرى، لهذه الأسباب مجتمعة يمكننا القول : إن التحكيم البحري هو بحق تحكيم دولي.
أطراف النزاع البحرية | في معظم الحالات يكون مالكو السفينة ومستأجريها هم أطراف هذا النوع من التحكيم، وفي بعض الحالات قد يكون بانعو السفن أو مشتروها، وبالمقابل قد تكون نوادي الحماية والتعويض (Protecting ا&and Indemntiy Clubs P) طرفا في التحكيم البحري، حيث تقوم هذه النوادي بتوفير التأمين ضد الغير ومثال على ذلك التأمين ضد الضرر أو الخسارة التي قد تلحق بالبضائع، أو التأمين البحري ضد الحوادث البحرية المختلفة.
شرط التحكيم :
معظم العقود الملاحية قائمة على عقود نموذجية أو عقود سابقة أبرمت أصلا إستنادا إلى هذه العقود النموذجية، ومعظم هذه العقود تحتوي على شروط تحکیم التي تحدد بدورها عدد المحكمين وطريقة تعيينهم، ومكان التحكيم.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، ما شرط التحكيم الأمثل للمنازعات البحرية ؟ للإجابة على هذا التساؤل لا بد من التأكيد بأنه لا شك أن تعيين محكم منفرد للنظر في النزاع البحري يسهم - بدرجة كبيرة - في سرعة الإجراءات والتوفير في النفقات. وهناك بعض شروط التحكيم التي تنص على تعيين محكمين إثنين ورئيس .
مكان التحكيم:
يقصد بمكان التحكيم ذلك المكان الذي يجب أن يصدر فيه حكم التحكيم البحري ، والذي هو عادة مكان إتخاذ الإجراءات التحكيمية. أما إذا تم التحكيم في أماكن متعددة ، فإنه يجب إختيار مكان واحد للتحكيم قانونا وهو مكان إصدار حكم التحكيم. ولإختيار مكان التحكيم أهمية متعددة منها ما يمكن أن يشكله هذا المكان كعامل حاسم في تحديد جنسية حكم التحكيم الصادر، وما يتبع ذلك من نتائج قد تمس عملية تنفيذ حكم التحكيم. كما يشكل مكان التحكيم عاملا مهما في تحديد القانون الواجب التطبيق على عدد من المسائل الهامة التي يثيرها التحكيم؛ حيث قد يعترف القانون مكان التحكيم بالفصل فيما إذا كان إتفاق التحكيم صحيحا، وكيفية تشكيل هيئة يتمتع أطراف المنازعات البحرية بحرية كاملة في تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع
التحكيم، وكيفية إدارته، كذلك يشكل مكان التحكيم عامة هامة في تقدير حجم العلاقة بين المحاكم الوطنية والتحكيم، ومدى تدخل هذه المحاكم في إجراءات التحكيم، سواء بالمساعدة كما هي الحالة في إتخاذ الإجراءات التحفظية أم بالإشراف کا لفصل في صحة العقد الأصلي.
وفي أغلب الحالات في الممارسات التحكيمية البحرية يتم تحديد مكان التحكيم بواسطة الأطراف مباشرة أو بالعهود بالتحكيم إلى مرکز تحکیم بحري مؤسسي يجري التحكيم في مقره ، أو بموجب الاتحة نحكيم مركز تحكيم بحري تحدد هذا المكان، فإرادة الأطراف المشتركة في العامل الأساسي في تحديد مكان التحكيم في الممارسات التحكيمية البحرية.
تحديد مهمة المحكم البحري واختصاصه:
ينبغي على هيئة التحكيم، وقبل النظر في النزاع، أن تحدد مهمتها وإختصاصها من حيث وجود هذا الإختصاص وصحته ونطاقه من حيث الأشخاص والموضوع، وذلك بالإتفاق مع مركز التحكيم المؤسسي أو مع الأطراف أو مستشاريهم، ومن خلال الوثائق والمستندات المقدمة، فإن تم الإتفاق على كل ما سبق ذكره تم البدء في نظر النزاع، وواصلت إجراءات التحكيم سيرها حتى إصدار حكم التحكيم.
سير إجراءات التحكيم البحري :
هناك بعض المبادئ المستقرة التي تحكم سير إجراءات التحكيم البحري، يمكن تلخيصها بما يلي
أولا: حرية الأطراف في الإنفاق على القواعد التي تحكم هذا السير، سواء أكان التحكيم البحري مؤسسيا أم حراء
ثانيا : حرية هينة التحكيم البحري في تسيير هذه الإجراءات عند عدم إتفاق الأطراف، وهي في تسييرها لهذه الإجراءات لا تتقيد أساسا بالإجراءات المعمول بها في المحاكم الوطنية، وذلك لأن مصدر سلطات المحاكم الوطنية هو القانون في حين يجد المحكم مصدر سلطاته في إتفاق الأطراف، ثالثا: قیام علاقة تعاون بين هيئة التحكيم البحري والمحاكم الوطنية، وذلك فيما لا تستطيع هينة التحكيم تنفيذه من إتخاذ إجراءات وقتية أو تحفظية.
القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع البحري :
يتمتع أطراف المنازعات البحرية بحرية كاملة في تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع ، وذلك في إتفاق التحكيم المبرم بينهم. ولعل إختيار الأطراف لهذا القانون هو تطبيق للمبادئ المقررة في معظم التشريعات المقارنة عند معرض تنظيمها القواعد تنازع القوانين في العلاقات التعاقدية ذات العنصر الأجنبي، إذ تقر هذه التشريعات الأولوية إرادة الأطراف المتعاقدة الصريحة أو الضمنية لإختيار القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع طالما لا ينطوي ذلك على مخالفة للقواعد الآمرة والمتعلقة بالنظام العام في الدولة المعنية أو أن يكون هذا الإختيار مشوية بالغش تجاه القانون الذي كان من المفروض تطبيقه على موضوع النزاع. أما إذا لم يحدد أطراف العلاقة البحرية القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع صراحة أو ضمنا ، إنتقلت الحرية التي كانت موكولة إليهم في هذا الشأن إلى هيئة التحكيم البحري حيث تتمتع بحرية تحديد هذا القانون الذي ربما يكون قانون وطنية أو غير وطني طبقا لما تراه هيئة التحكيم مناسبة للفصل في موضوع النزاع.
ويمكن القول في هذا الخصوص : إن مسألة تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع البحري لا تثير مشاكل كبرى كما هي الحالة عند تحديد القانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع التجاري بصفة عامة وذلك للأسباب الاتية:
أولا: أن المجال البحري هو مجال غني بالمعاهدات الدولية البحرية، والتي جاءت موحدة لكثير من القواعد البحرية بين الدول المختلفة في المجالات البحرية المختلفة. كما أن هذه المعاهدات تلبي حاجات أطراف النزاع البحري ليس بإعتبارها قوانین وطنية، بل بإعتبارها تشريعات دولية تعد مصدر من مصادر القانون البحري الدولي .
ثانيا: أن المجال البحري مجال مهني متخصص يتميز بنوع النشاط الذي يدور فيه، وهو نشاط له خصوصيته واستقلاله والذي يفرقه عن غيره من المجالات الأخرى. وهذه الخصوصية أدت بالمجتمعات القائمة على المجال البحري إلى تذليل الصعوبات الناشئة عن الملاحة البحرية بتجميع القواعد الواجب مراعاتها في جميع فروع النشاط البحري .
ثالثا: أن المجتمع البحري مجتمع مغلق ساعدت الظروف التاريخية على سيطرة بعض المراكز التي يتركز فيها هذا النوع من النشاط، وإتخاذها عنوانا لأعمال التحكيم البحري کلندن ونيويورك وباريس.
بناء على ما سبق يتبين أن المجتمع البحري يتمتع بنشاط مهم يؤثر في إقتصادات الدول، وبذلك لابد أن يحظى باهتمام خاص؛ نظرة الدولية هذا القطاع ولتعدد الجنسيات فيه، وهذا لا يحدث إلا بتأسيس مرکز تحکیم بحري يسهم في تكوين قاعدة ملمة بالأعراف البحرية وأيضأ بالتجارة البحرية، والتي تتفرع من القانون التجاري ، كذلك تعتبر محطة لجذب الاستثمارات الدولية من كافة أنحاء العالم وتشجيع وتحفيز أصحاب الأعمال و رؤوس الأموال باستثمار وتشغيل مشروعاتهم وأموالهم في المملكة ، وذلك نظرا لوجود تحكيم مستقل يمثل عامل أمان لهم بالتأكيد.
ولما تشهده دول الخليج من موقع إستراتيجي ممتاز؛ كان من الأولى أن يكون لها مركز للتحكيم البحري مفيد من المنظمة البحرية الدولية، منضم لمحكمين ذي خبرة ومهنية عالية في تسوية المنازعات البحرية، وذلك لإمكانية الفصل في تلك المنازعات والتي تتمتع بطابع خاص مها يجدر بنا الإشارة إلى أهم التوصيات:
1-إنشاء مركز أو هيئة تحكيم معتمدة من المنظمة البحرية الدولية لجذب وإستقطاب أطراف النزاع بكافة مستوياتهم.
2- في إنشاء أكاديميات تحت مظلة المنظمة البحرية الدولية تساعد في إعداد قائمة من المحكمين والمستشارين في التحكيم البحري ذات كفاءة عالية.
3- نشر ثقافة التحكيم البحري وتكثيف التوعية بمدى أهميتها، وذلك عن طريق تفعيل ندوات وعقد مؤتمرات.
4-إعداد وتدريب كوادر أكفاء ذي خبرة ومهنية عالية وبمعايير عالمية؛ بحيث يتم تأهيلهم ليكونوا قادرين على القيام بالتحكيم البحري في شتى مجالاته وتفرعاته.
5-إعداد برامج دورية وساعات تدريبية محددة، تتمحور حول كيفية الفصل في المنازعات البحرية التعاقدية وغير التعاقدية.
وفي الختام نخلص إلى القول: إن التحكيم البحري هو نظام قانوني أساسي لا غنى عنه في تسوية المنازعات البحرية، وقد تم تطويره من أجل دفع عجلة التجارة البحرية الدولية إلى مزيد من التقدم والازدهار. وقد أضحى هذا النوع من التحكيم فرعا هاما من فروع التحكيم التجاري الدولي ؛ لكونه يتمتع بالصفة التجارية غاليا وذلك وفقا للمعايير الضيقة التجارية الأعمال البحرية المستمدة من طبيعة النشاط البحري، وصفة القائمين بممارسته وكونهم تجارا ونتطلع إلى إنشاء مركز تحکیم بحري خليجي، يتولى فض منازعات شركات الملاحة الخليجية، | مع تزايد أعداد السفن الخليجية التي تجوب البحار والمحيطات، وتسهم - بشكل ملحوظ - في إنتقال البضائع من وإلى مختلف الموانئ الخليجية، وتتعرض أثناء تجوالها للعديد من المنازعات التي يتم فضها عن طريق مراکز تحکیم بحرية أجنبية، تتبع قواعد قانونية موضوعية وإجرانية، كما تنوه إلى ضرورة توافر مركز تحکیم بحري معتمد من المنظمة البحرية العالمية بحظى بأهمية كبيرة؛ وذلك نظرا لما تشهده دول الخليج من حضور إقتصادي وموقع إستراتيجي ورؤية واعدة، بالإضافة إلى أن وجود مثل هذه المركز يعد مظهرا من مظاهر الإزدهار والتقدم في عالم الإستثمارات والتجارة الدولية.