التحكيم / الشروط الموضوعية اللازمة لصحة اتفاق التحكيم الالكتروني / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / أثر النظام العام عل اتفاق التحكيم ( دراسة مقارنة ) / ماهية وأحكام القبول الإلكتروني في اتفاق التحكيم
الغصن الأول مضمون القبول الإلكتروني في اتفاق التحكيم
يعرف القبول الإلكتروني بأنه التعبير البات عن إرادة الطرف الـذي وجـه إليه الإيجاب الذي يفيد موافقته على الإيجاب الذي ما يزال قائمـاً ، والقبـول التقليدي هو الإرادة الثابتة في العقد بصرف النظر عن الذي صدرت منه ، فقـد تصدر من البائع كموافقة للإيجاب الذي صدر من المشترى ، والقبول الإلكتروني يتوافق مضمونه مع المعنى السابق ، ولكنه يتم من خلال وسيط إلكترونـي ، ويصدر في الغالب الراجح – من المستهلك ، ويتم عـن بعـد ويكـون مطابقـاً للإيجاب .
ومن أوضح الأمثلة على ذلك قانون 12 يوليو سنـــة 1971 الـصـادر في فرنسا والخاص بالبيوع في المنازل والذي نصت المادة التاسعة منه على إعطاء المشترى مهلة يمكن أن نسميها مهلة التدبر أو التفكير قبل نهائية التعاقـد فللمشتري 6 أيام بعد تسلمه السلعة يتدبر فيها أموره قبل أن يوقع العقد وإلا وقع التعاقد باطلاً .
وبالتالي فإنـه لا يمكـن الاعتراف بالقبول بناء على إرسال رسالة تفيد وصول الإيجاب أو إرسال قبـول مقترن بشرط أو تحفظ وإنما يجب أن تكون الرسالة وفقاً لما تم الاتفاق عليها وأن لا تكون معقبة على أي أمر آخر .
وباستعراض ما سبق يتضح أنه يشترط في القبول الإلكتروني الذي يتم به انعقاد اتفاق التحكيم الإلكتروني عدة شروط وهي :
أولاً: أن يكون هذا القبول قد صدر من الشخص الموجه إليه الإيجاب .
ثانياً: أن يكون هذا القبول متطابق كل التطابق مع الإيجاب ، وهذا ما أقره المشرع المصري في المادة 89 من القانون المدني حيث نص على أن : "يتم العقد بمجرد أن يتبادل طرفان التعبير عن إرادتين متطابقتين ، مع مراعاة ما يقرره القانون فوق ذلك من أوضاع معينة لانعقاد العقد"، وكـذا المادة 96 والتي تنص على أنه " إذا اقترن القبول بما يزيد في الإيجاب أو يقيـد منه أو يعدل فيه ، اعتبر رفضاً يتضمن إيجاباً جديداً " .
والخلاصة أنه إذا كان التعبير عن إرادة القبول قد يكـون صـريحاً أو ضمنياً فإن التعبير عن إرادة القبول الالكتروني في اتفاق التحكــم لا يـكـون إلا صريحاً سواء باستعمال اللفظ الذي يدل مباشرة على المعنى المقصود منه بإجراء اتصال تليفوني عبر الإنترنت أو من طريق الاتصال بقنوات المحادثة ، أو كتابة البريد الالكتروني وقت أن يعد المستهلك قبوله في شكل رسالة بريدية من خلال أحد برامج البريد الالكتروني ، ثم كتابة مضمون القبول في سطر الموضـوع ، ثم مجرد الضغط على زر الإرسال لتوجيـه الرسـالة إلـى القائمـة البريديـة الالكترونية الخاصة بالمحترف ( المهني ).
ونحن من جانبنا نرى ضرورة أن يكون قبول اتفاق التحكيم الإلكتروني صريحاً لأنه يتسم بالدقة ولا يمكن استخلاص ذلك القبول من مجـرد تصرفات تصدر من أحد الأطراف إلكترونياً عبر شبكة الإنترنت ، حيث لا يمكـن إحالـة النزاع القائم بين الأطراف إلى التحكيم الإلكتروني بعيداً عن سـاحات القـضـاء الوطني بناء على إرادة ضمنية وإنما يجب أن تكون صريحة وواضحة ولا تحمل بين طياتها لبساً أو غموضاً ، خاصة أن ذلك يتم عبر وسيط إلكتروني أي أنه لا يكون هناك تقابل مادى بين الأطراف إبان الموافقة على اتفاق التحكيم ، ، الأمـر الذي يتعين معه والحال كذلك أن يكون هذا القبول صريحاً وليس ضمنياً .
الغصن الثاني
مدي صلاحية السكوت للتعبير عن القبول الإلكتروني فى اتفاق التحكيم
وينبغي أن يأتي القبول بمختلف صوره ه صريحاً وبدون شروط ويتضمن قبول كل ما ورد بالإيجاب .
وقد نصت المادة 98 من القانون المدني المصري على أنه :
1- إذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف التجاري وغير ذلك من الظروف تـدل على أن الموجب لم يكن ينتظر تصريحاً بالقبول ، فإن العقد يعتبر قد تم ، إذا لم يرفض الإيجاب في وقت مناسب.
2- ويعتبر السكوت عن الرد قبولا إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الإيجاب بهذا التعامل أو إذا تمخض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه " .
ويقابل نص المادة سالفة الذكر ، المادة (73) مـن القـانون المـدني القطرى رقم 22 لسنة 2004 والتي تنص في فقرتها الثانية على أنه : "ويعتبر السكوت قبولاً بوجه بوجه خاص إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتـصل الإيجاب بهذا التعامل أو إذا تمخض الإيجاب لمنفعة من وجه اليه".
ويمكننا تفصيل ذلك على النحو التالي :
الحالة الأولى : (1) طبيعة المعاملة أو العرف :
تنص المادة 98 من القانون المدنى المصرى على الإطار الذي يمكـن من خلاله التعامل مع السكوت على أنه بمثابة قبول فبينت :
1- إذا كانت طبيعة المعاملة أو العرف التجاري أو غير ذلك من الظروف تدل على أن الموجب لم يكن ينتظر تصريحاً بالقبول ، فإن العقد يعتبر قد تم ، إذا لم يرفض الإيجاب في وقت مناسب ... " .
ومن ثم فإن التعامل الذي يتم وفقاً لخطوات محددة ومعتادة في مثيله ، وبمـا لا يفترض دائماً وحتماً موقفاً إيجابياً من جانب المتعاد المحتمل يؤكد به قبوله التعاقد ، فإن سكوته ، أي اتخاذه موقفاً سلبياً ، يفيد عدم اعتراضه ، ويعني قبوله للتعاقد.
وفي إطار التعامل مع الدعوة إلى التعاقد الصادرة من الشبكة الدوليـة فإنها لابد وأن تلتقى بموقف إيجابي يعكس رغبة من اتخذه في التعاقد ، فالسكوت هنا ، أو حالة السكون إزائها ، لا يمكن أن تسفر عن تعاقد ، خاصة إذا كنا أمام إيجاب موجه للجميع ولا يستهدف طرفاً محدداً .
(2) السكوت الملابس ووجود تعامل سابق :
كذلك تعتبر المادة 98 من القانون المدنى المصرى أن السكوت عن الرد يعد قبولاً إذا كان هناك تعامل سابق بين المتعاقدين واتصل الإيجاب بهذا التعامل أو إذا تمخض الإيجاب لمنفعة من وجه إليه "
وهنا لا يعد السكوت بذاته قبولاً ، ولكنه يعد كذلك منظـوراً إلـى مـا يصاحبه من ظروف وملابسات تحيط به وترجح كونه يفيد القبول بالتعاقد .
وعادة ما تكون هناك تعاملات سابقة بين الأطراف ، ويفيد استمرار أحد الأطراف - المتعاقدين في التعامل وفقاً لذات الأطر السابقة ، أو تكرار تقديمـه لما سبق أن أداه تنفيذاً لعقد سابق ، وذلك دون أن يواجه باعتراض صريح مـن الطرف الآخر ، الذي هو ذاته المتعاقد معه في علاقات سابقة ، وهنا يبدو مقبولاً اعتبار سكوت الأخير قبولاً بالتعاقد . ويحتفظ قاضي الموضوع بكامـل سـلطته التقديرية في تقييم ما إذا كان الإطار العام للتعامل ، في دعوة للتعاقد سكوت المتعامل معها- وجود معاملات سابقة بين الأطراف ، هـذا الإطـار العـام والسكوت الملازم للاتصال الأخير بين الأطراف يمكن اعتباره قبولاً يتم به العقد أم أنه ليس كذلك .
ورغم أن السكوت الذي يعد تعبيراً ضمنياً عن اتجاه الإرادة لقبول التعاقد لا يعكس سيطرة الموجب الكاملة على الموقف العقـدى ، إلا أنـه يلعـب دوراً يصعب الالتفات عنه ، حيث أنه هو الذي يفسر رد فعل الموجب له بما يتفق مع مصالحه ، حيث يفسر صمته ، سكوته ، على أنه قبول بالتعاقد .
وبالانتقال لعالم التجارة الإلكترونية فيما يتعلق بمجـال الاتفـاق علـى التحكيم ، قد يبدو أكثر اتفاقاً مع والتفسير الأقرب إلى المنطق ، اعتبـار العدالة السكوت تعبيرا عن إرادة رفض التعاقد في عديد من الفروض ورغـم حـدوث اتصال بالفعل بين الأطراف عبر الشبكة ، إلا أن عدم الاستمرار فيه ، ، وأياً كان السبب ، يجب أن يحمل على كونه يعكس إرادة الساكت عـن الاسـتمرار في الاتصال وفي رفض التعاقد وليس بقبوله إياه .
(3) إذا نتج عن الإيجاب منفعة لمن وجه إليه :
وقد يعد سكوت من وجه إليه الإيجاب المتضمن لمنفعة له ، بمثابة قبول يعكس إرادته في الدخول في علاقة عقدية ، ونحن هنا أمام حالة نصت عليهـا صراحة المادة 98 من القانون المدنى المصرى .
وهذه الحالة تعكس تفسيراً خاصاً لحالة السكوت وما الذي يستفاد منـه ، فني كل موقف لا يعكس الاعتراض الصريح ، حيث يبدو غيـر مـتـصـور مـن جانب المعنى بالإيجاب ، الموجب له ، فإن حالة السكون ، السكوت التي يلتزمها الأخير تعد قرينة على إرادته وتعبيراً عنها في القبول بمضمون الإيجاب ، وقد يرسل الشئ للعميل لتجربته خلال مدة محددة قبل تحديد موقفه. وهو ما لا يسفر عن أي تعاقد ملزم للموجب له وتتشدد التشريعات المختلفة بشأن مواجهـة هذا الموقف حيث أن الأصل هو انتفاء التعاقد ، ويمكن النظـر فى ظـروف وملابسات هذا الإرسال وفي ضوء وجود أو عدم وجـود تعامـل سـابـق بـين الأطراف للقول بوجود تعاقد من عدمه فالاستعلام في ذاته لا يعكس قبولاً .
وفي إطار علاقات متصورة عبر الشبكة الدولية ، فإن الإيجـاب الـذي يسفر عن مصلحة من وجه إليه ، وهو هنا المتصفح الذي سبق أن دخـل فـي اتصال أحد المواقع وأصبح معروفاً لديه من خلال بريده الإلكترونـى الـذي يتلقى عروضاً محددة تنشد التعامل بما يفيد القبول بها ، يصعب تصور أن الموجب يوجه إيجاباً لا يستهدف من وراءه سوى قبول بسيط لمحتـواه ، غيـر مقترن بأي التزام على عاتق القابل . فالموجب لابد وأن تكون لـه مـصلحة ، ويفترض في إطار ما يوصف بالمعاملات الإلكترونية عموماً وتحديداً في التجارة الإلكترونية أنها مالية . وهذه المصلحة المالية سيتحصل عليها صاحب الموقـع من خلال موقف يتخذه الموجب له يعكس إرادته في القبول بالتعاقد وفي تحمـل الآثار المختلفة له ، ومنها تبعات مالية ، الناشئة عن هذا الاتصال العقدي . وكل ما سبق غير متصور بمجرد السكوت في مواجهة الإيجـاب المـدعى بتحقيقـه مصلحة أو فائدة للموجب له .
وهكذا نخلص مما سبق إلى أن القبول الإلكتروني وإن كـان لا يختلـف كثيراً عن القبول بصفة عامة إلا أنه يختلف عنه من حيث طريقة إصداره حيـث يتم إصداره عن طريق الأجهزة الإلكترونية وبين أفراد لا مكان واحد ، يجمعهم وإن كانوا مجتمعين من حيث الزمان ، وبالتالي فإن هذا القبول الإلكتروني يـتم عن طريق الضغط على أيقونة القبول على الحاسب الآلى ، والـذي سبق وأن استقبل الإيجاب الإلكتروني ، ويشترط في هذا القبول الإلكتروني أن يكـون قـد صدر من الشخص الذي وجه إليه الإيجاب ، وأن يكون هذا القبول متطابقاً كـل التطابق مع الإيجاب بحيث لا يتضمن ما يزيد أو ينقص أو يعدل أو يقيد من هذا الإيجاب ، وإلا أصبح هذا القبول إيجاباً جديداً ، مثال ذلك أن يعرض الموجـب تسوية بعض المنازعات عن طريق التحكيم فيقوم القابل بزيادة الموضوعات التي يتم تسويتها أو ينقصها أو يعدلها ففي هذه الحالة يكون القبول بمثابة إيجاباً جديداً . وإذا كان القبول الإلكتروني يتم في الغالب عن طريق الضغط علـى أيقونـة القبول في الحاسب الآلى كما ذكرنا سابقاً ، إلا أن بعض الفقه يشترط للتأكد مـن صدور القبول الضغط على هذه الأيقونة أكثر من مرة وفي هذه الحالة لا يكـون القبول قد صدر إلا بصدور آخر ضغطة على الأيقونة المتفق عليه ، كما يتضح أيضاً أن القبول الإلكتروني يجب أن يتم صراحة وذلك لصعوبة أن يكون ضمنياً أو السكوت لكونه يتم عن طريق أجهزة وبرامج إلكترونية تعمل آليـاً وبالتـالي يصعب معها استنتاج إرادة الموجه إليه الإيجاب الخاص باتفاق التحكيم.