الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / الإتجاه القضائي من جواز اللجوء للتحكيم في العقود الإدارية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / دور التحكيم في فض المنازعات الإدارية ( دراسة مقارنة ) / موقف القضاء العادي 

  • الاسم

    محمد عبدالتواب عبدالحسيب
  • تاريخ النشر

    2021-01-01
  • عدد الصفحات

    732
  • رقم الصفحة

    214

التفاصيل طباعة نسخ

موقف القضاء العادي 

    من المعلوم أن القضاء العادي يطبق قواعد القانون الخاص فيما يثور أمامه من نزاعات تحدث بين الأفراد بعضهم البعض، وبين الأفراد والإدارة عندما تتنازل عن امتيازاتها بوصفها سلطة عامة؛ وتتعامل مع الأفراد كأي فرد عادي، وفي هذه الحالة يطبق عليها ما يطبق على الأفراد، وعلى الرغم من ذلك وبتاريخ 1997/3/19 أصدرت محكمة استئناف القاهرة حكما بصحة شرط التحكيم الوارد في العقد رغم أن أحد أطراف ذلك العقد شخص من أشخاص القانون العام حيث تتلخص وقائع القضية في نزاع ثار بين المجلس الأعلى للآثار وإحدى شركات المقاولات الإنجليزية، حيث أبرمت الأخيرة عقدا مع المجلس المذكور للقيام ببعض الأعمال والإنشاءات في متحف آثار النوبة بأسوان، وكان الطرفان قد اتفقا على اللجوء إلى التحكيم في حالة وقوع أي نزاع حول العقد، ولما حدث نزاع بينهما، رفعت الشركة الأمر إلى هيئة التحكيم المتفق عليها في العقد، وأصدرت هذه الهيئة حكما لصالح الشركة، فطعن المجلس الأعلى للآثار في هذا الحكم بدعوى بطلان أقامها أمام المحكمة المختصة.

    ثم أصدرت المحكمة حكمها برفض دعوى البطلان التي أقامها المجلس الأعلى للآثار، بل وقد وضعت مبدأ عاما في ذلك، وهو صحة شرط التحكيم الذي تدرجه الدولة أو الأشخاص العامة سواء في عقودها المدنية أم الإدارية.

وقد بنيت محكمة الاستئناف حكمها على الآتي :

 أ- أن الدفع ببطلان شرط التحكيم يتنافى مع مبدأ وجوب تنفيذ الالتزامات بحسن نية، وهو المبدأ الذي لا يميز بين عقود مدنية وإدارية، كما يخالف المستقر عليه في فقه وقضاء التحكيم التجاري الدولي من عدم جواز تحلل الدول أو الأشخاص العامة من شرط التحكيم الذي أدرجته في عقودها استنادا إلى أية قيود تشريعية حتى إن كانت حقيقية.

 ب- أن الدفع ببطلان شرط التحكيم بعد الاتفاق عليه في العقد المبرم مع طرف أجنبي من شأنه أن يهز ثقة المتعاملين مع الأشخاص العامة في مصداقيتها، ويرتب أبلغ الأضرار بفرض الاستثمارات الأجنبية ومشروعات التنمية.

ج- استندت المحكمة إلى نص المادة الأولى من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994، التي تقضي صراحة بجواز التحكيم سواء كان الأطراف من أشخاص القانون العام أم الخاص، وأيا كانت طبيعة العلاقة القانونية محل النزاع، وإن ما جاء في المذكرة الإيضاحية للقانون ومذكرة اللجنة المشتركة من الشئون الدستورية والتشريعية والاقتصادية يقطع في الدلالة على قصد المشرع جواز اشتراط التحكيم في العقود الإدارية، وإن ذلك يتفق مع حكمة التشريع، وهي مواكبة الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة من أجل تهيئة مناخ صالح للاستثمار وجذب رؤوس الأموال المستثمرة وإعادة الثقة إلى رجال الأعمال والمستثمرين العرب والأجانب، عن طريق تنظيم قواعد التحكيم على نحو يتلاءم مع طبيعة المنازعات التجارية الدولية ومتطلبات فضها.

     وقد أثار هذا الحكم نقاشاً كبيراً بعد صدوره، نظراً لأن هذا الحكم كان معارضاً لما انتهى إليه كل من القضاء الإداري والجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع في مجلس الدولة خاصة الفتوى الصادرة عنها في الشهر السابق مباشرة على صدور هذا الحكم، وهي الفتوى الصادرة في 22 فبراير 1997 ، والتي انتهت فيها الجمعية إلى بطلان شرط التحكيم في العقود الإدارية اتساقا مع قضاء المحكمة الإدارية العليا في هذا الشأن.

   وفيما له صلة بالموضوع ذاته أصدرت اللجنة الثانية لقسم الفتوى بمجلس الدولة في الشهر التالي الذي صدر فيه هذا الحكم أي في شهر أبريل من عام 1997 فتوى أكدت بمقتضاها أن "محاكم مجلس الدولة هي المختصة بنظر أي نزاع ينشأ عن تنفيذ العقود الإدارية، وأنه لا يسوغ الاحتكام إلى محكمة غير مختصة بنظر المنازعات التي تنشب في مجال العقود الإدارية، حيث إن هذا الاختصاص يعد اختصاصاً أصيلاً لمجلس الدولة دون غيره. وليست هناك جهة قضائية أخرى لها ولاية الفصل في شيء شيء من هذه المنازعات، كما أنه من المقرر قانوناً أن حجية الأمر المقضي لا تثبت إلا أن يكون لجهة القضاء الولاية في الحكم الذي تصدره، فإن انتفت ولايتها لم يحز حكمها تلك الحجية، وانتهت اللجنة إلى وجوب تبصير الجهات الإدارية بفتوى الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع الذي صدر مؤخراً بعدم صحة اشتراط التحكيم في العقود الإدارية، وضرورة التنبيه بعدم إدراج شرط التحكيم الاختياري في العقود أو الالتجاء إلى جهات غير مختصة لفض المنازعات التي تنشب عن العقود الإدارية ".

    كما ذهب البعض إلى أن هذا الحكم يخالف صریح نص المادة (10) من قانون مجلس

الدولة رقم 47 لسنة 1972 التي التي تحدد اختصاصات مجلس الدولة، حيث نصت على أن: "تختص محاکم مجلس الدولة دون غيرها بالفصل في المسائل الآتية " - الفقرة الحادية عشر - "المنازعات الخاصة بعقود الالتزام أو الأشغال العامة أو التوريد أو بأي عقد إداري آخر". 

توثيق هذا الباحث

    يرى الباحث أن الاحتجاج بنص المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 للتنصل من شرط التحكيم بعد الاتفاق عليه في العقد المبرم غير مبرر، لأن تلك المادة لم تنص على حظر شرط التحكيم في العقود الإدارية، وإن كانت قد أسندت للقضاء الإداري دون غيره الاختصاص بمنازعات العقود الإدارية، فإن المقصود من هذا النص هو حماية اختصاص القضاء الإداري في مواجهة القضاء العادي، وتأكيداً للمبدأ المهم والمستقر في الفقه والقضاء وهو مبدأ الفصل بين السلطات. 

    كما أن قانون مجلس الدولة ذاته نص في المادة (58 ) على أن " يتكون قسم الفتوى من إدارات مختصة لرياسة الجمهورية ورئاسة مجلس الوزراء والوزارات والهيئات العامة، ويرأس كل إدارة منها مستشار أو مستشار مساعد، ويعين عدد الإدارات وتحدد دوائر اختصاصها بقرار من الجمعية العمومية للمجلس وتختص الإدارات المذكورة بإبداء الرأي في المسائل التي يطلب الرأي فيها من الجهات المبينة في الفقرة الأولى وبفحص التظلمات الإدارية.

    ولا يجوز لأية وزارة أو هيئة عامة أو مصلحة من مصالح الدولة أن تبرم أو تقبل أو تجيز أي عقد أو صلح أو تحكيم أو تنفيذ قرار محكمين في مادة تزيد قيمتها على خمسة آلاف جنيه بغير استفتاء الإدارة المختصة".

    وفي هذا النص اعتراف صریح بمبدأ التحكيم والصلح في العقود الإدارية ولكن هذا لا يعني أن تستند المحكمة وهي في سبيل إجازتها للتحكيم إلى نص المادة الأولى من قانون التحكيم رقم 27 لسنة 1994، ذلك لأن نص المادة الأولى قد أثار جدلاً كبيراً حول جواز اللجوء للتحكيم من عدمه في المسألة محل الدراسة، فالنص جاء غير قاطع، وذلك على النحو الذي عرضناه في رأي الفقه الرافض لجواز اللجوء للتحكيم. .

     ولهذا كان يجب على محكمة استئناف القاهرة وهي في سبيل الاعتراف بشرط التحكيم في العقد المبرم أن تكتفي بالسند الأول والثاني السابق ذكرهم والخاصين بأن الدفع ببطلان شرط التحكيم يصطدم بمبدأ وجوب تنفيذ الالتزامات بحسن نية، فطالما تم الاتفاق على اللجوء للتحكيم في حالة نشوء أي نزاع حول العقد وقبلت الجهة الإدارية المتمثلة في المجلس الأعلى للآثار - ذلك فلا يجوز لها التنصل من شرط التحكيم أو أن تدفع ببطلانه دون وجود أسباب لبطلانه وفقا لحكم القانون، وبالنسبة للسند الآخر الخاص باهتزاز ثقة المتعاملين مع الأشخاص العامة في مصداقيتها بسبب الدفع ببطلان شرط التحكيم فهو استناد أيضا في محله فمن المعروف أن التحكيم يشكل ضمانة قوية للأطراف المتعاقدة، فهو يعمل على تقوية وتوطيد أواصر الروابط التجارية والاستثمارية ويفضي إلى زيادة الحركة والنشاط الاقتصادي والتجاري على الأصعدة المحلية والدولية كافة.