التحكيم / الإتجاه القضائي من جواز اللجوء للتحكيم في العقود الإدارية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / دور التحكيم في فض المنازعات الإدارية ( دراسة مقارنة ) / موقف القضاء الإدارى
هذا وقد اسست محكمة القضاء الإداري حكمها على أساس القاعدة العامة المستقرة في الفقه والقضاء والمؤكدة تشريعيا بنص المادة 212 من قانون المرافعات المصري، والتي تقضي بعدم جواز الطعن على استقلال في الأحكام الصادرة أثناء سير الخصومة قبل الحكم الختامي المنهي لها، وذلك فيما عدا الاستثناءات التي نصت عليها المادة المذكورة. كما نص المشرع المصري في المادة 22 من قانون التحكيم الجديد رقم 24 لسنة 1994 على أن: " تفصل هيئة التحكيم في الدفوع المتعلقة بعدم اختصاصها بما في ذلك الدفوع المبنية على عدم وجود اتفاق تحكيم أو سقوطه أو بطلانه أو عدم شموله لموضوع النزاع .
ولقد انتهت المحكمة إلى أنه متى كان الحكم الصادر برفض الدفع بعدم اختصاص هيئة التحكيم لا تنتهي به الخصومة، كما أنه من غير الحالات التي يجوز الطعن فيها استثناء من القاعدة العامة أثناء سير الدعوى فمن ثم يكون من المتعين الحكم بعدم قبول الدعوي.
وعليه لم تلتفت المحكمة للدفع بعدم جواز التحكيم في العقود الإدارية، بل أهملت هذه المسألة مما يدل على جواز التحكيم في هذه العقود.
ولما كان هذا الرأي الذي انتهت إليه إدارة الفتوى يخالف الفتويين الصادرتين عن الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بجلسة 17 من مايو وجلسة 7 فبراير 1993 بصحة شرط التحكيم في العقود الإدارية، وقد كان الزاماً على إدارة الفتوى أن تحيل الموضوع إلى الجمعية العمومية القسمي الفتوى والتشريع.
بيد أن الجمعية العمومية قد بنت فتواها السابقة مستندة إلى عدة أسانيد؛
منها ما يلى :
أ- عدم توافر أهلية الأشخاص العامة في اللجوء إلى التحكيم.
حيث إن هذه الأهلية لا تتوافر للأشخاص العامة إلا بوجود نص تشريعي يجيز لها اللجوء إلى التحكيم، ويلزم أن يكون ذلك في حدود ما هو مسموح به، وذلك على أساس أن التحكيم طريق استثنائي يستعاض به عن قضاء الدولة المختص أصلا بنظر النزاع.
إلا أن ثمة نقداً يمكن توجيهه إلى الجمعية العمومية في استنادها لهذه الحجة، حيث إن أشخاص القانون العام وفقا للمادتين 52، 53 من القانون المدني تتمتع من حيث المبدأ بجميع الحقوق ولها ذمة مالية مستقلة وأهلية في الحدود التي يعينها سند إنشائها، كما أن لها حق التقاضي، وفضلاً عن ذلك ليس هناك أي نص في الدستور يقيد من أهلية الجهات الإدارية في مجال العقود الإدارية، وعليه فلا يمكن أن يقال أن الأشخاص الاعتبارية العامة - رغم تمتعها بحق التقاضي - لا تملك حق اللجوء إلى التحكيم، فالأهلية اللازمة للتحكيم هي أهلية التقاضي والتصرف، خاصة وأن الحق في التقاضي هو من حقوق التصرف
ب - تعارض نظام التحكيم مع الطبيعة القانونية للعقد الإداري
ويرجع ذلك إلى أن العقد الإداري يتضمن بطبيعته شروطاً استثنائية تقيم لجهة الإدارة المتعاقدة وجه سطوة ونفوذ في العلاقة العقدية القائمة مع الطرف الآخر وبما يتلاءم مع موضوع عقد يتعلق بتسيير المرافق العامة، وإنه مما يتعارض مع هذه الطبيعة أن يرد شرط التحكيم في المنازعات التي تقوم بين أطراف هذه العقود وما تفترضه من مشاركة طرفي العقد في تشكيل هيئة التحكيم تشكيلا اتفاقيا؛ وبالتالي فإن القضاء الإداري وحده هو المختص بالمنازعات الناشئة عن العقود الإدارية وهو الأمر الذي يتفق وطبيعة هذه العقود.
وهو الأمر نفسه الذي ذهبت إليه المحكمة الإدارية العليا في عدم جواز الاتفاق على التحكيم في العقود الإدارية.