التحكيم / الإتجاه القضائي من جواز اللجوء للتحكيم في العقود الإدارية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / دور التحكيم في فض المنازعات الإدارية ( دراسة مقارنة ) / موقف محكمة القضاء الإداري والمحكمة الإدارية العليا
موقف محكمة القضاء الإداري والمحكمة الإدارية العليا
ظهر اتجاهان في قضاء مجلس الدولة إحداهما جاء معارضاً للتحكيم في منازعات العقود الإدارية وآخر جاء مؤيداً له، حيث بات الاتجاه الأول واضحاً في الحكمين التاليين:
أولاً: حكم المحكمة الإدارية العليا بتاریخ ۲۰ /۱۹۹۰/۲
جاء هذا الحكم في القضية المعروفة باسم: "جبل المقطم"، والخاصة بعقد استغلال منطقة قصر المنتزه وتعمير منطقة جبل المقطم، وهو عقد امتیاز صادر بمقتضى القانون رقم 565 لسنة 1954، الذي أصدرته السلطة التشريعية لتخويل وزارة الشئون البلدية والقروية (وزارة الإسكان حاليا) استغلال تلك المنطقة لتتعاقد الوزارة مع الشركة المصرية المساهمة للتعمير والإنشاءات، حيث نص في البند الخامس من هذا العقد على أن أي خلاف بين الطرفين على تفسير أو تنفيذ بنود هذا الاتفاق، أو نصوص عقد الامتياز الذي صدر به القانون رقم 565 لسنة 1954 يحال إلى هيئة تحكيم مكونة من ثلاثة أعضاء، ويختار كل من الطرفين عضواً عنه، ويتولى هذان العضوان اختیار العضو الثالث، وتكون أحكام هيئة التحكيم قابلة للطعن فيها أمام القضاء المصري.
وبعد ذلك ثار نزاع بين الشركة الملتزمة والوزارة مانحة الالتزام بشأن مد مدة العقد، حيث طلبت الشركة من مدة العقد أربعة عشر عاما توازي الفترات التي توقف خط عملها نتيجة لظروف لم تكن متوقعة. ولكن الوزارة رفضت الاستجابة لهذا الطلب فطلبت الشركة إحالة النزاع إلى هيئة التحكيم التي نص عليها الاتفاق المبرم بينهما، وعينت الشركة محكماً عنها كما ينص الاتفاق، ولما رفضت الوزارة تعيين محكم عنها رفعت الشركة دعوى أمام محكمة القضاء الإداري بطلب إلزام الوزارة بتعيين محكم عنها. حيث أجابت محكمة القضاء الإداري الشركة المدعية في طلبها وقف تنفيذ قرار المدعى عليهم السلبي بالامتناع عن إحالة النزاع بينهم وبين الشركة المدعية إلى هيئة التحكيم.
ثانيا: حكم محكمة القضاء الإداري بتاریخ ۱۹۹۱/۱/۲۰
وتعرف هذه قضية ب "نفق الشهيد أحمد حمدي" والخاصة بعقد كان قد أبرم بين وزارة الإسكان والتعمير واتحاد مكون من شركة المقاولون العرب وشركة تارماك الإنجليزية عبر البحار من أجل إنشاء نفق الشهيد أحمد حمدي بما يشمله ذلك من إجراء أبحاث التربة اللازمة والتصميم والتنفيذ والصيانة. وتضمن العقد بنداً تعهدت بمقتضاه أطراف العقد بإحالة المنازعات التي يمكن أن تنشأ عنه إلى التحكيم. وبعد انتهاء تنفيذ العقد وحدوث التسليم النهائي تبين وجود عيوب في جسم النفق تهدد سلامته نتيجة تأثير الأملاح التي تسربت بداخله. وقد أقامت هيئة قناة السويس، التي انتقلت إليها تبعية النفق، دعوی أمام محكمة القضاء الإداري على الاتحاد المكون من شركة المقاولون العرب وشركة تارماك الإنجليزية، وكذلك على الشركات التي تولت أعمال التصميم والإشراف على إنشاء النفق لإلزامهم بتحمل مسؤولية ضمان الأعمال المتعلقة بالنفق. وقد دفع بعض المدعى عليهم بعدم اختصاص القضاء الإداري ولائيا بنظر الدعوى لوجود شرط التحكيم في العقد موضوع الدعوى، ودفع البعض الآخر منهم بعدم قبول الدعوى لوجود شرط التحكيم. ولكن محكمة القضاء الإداري رفضت هذين الدفعین وقضت باختصاصها بالدعوي وبطلان شرط التحكيم الوارد في العقد لمخالفته القانون مجلس الدولة الذي منح للقضاء الإداري دون غيره الاختصاص بنظر المنازعات الناشئة عن العقود الإدارية.
وعلى الرغم من ذلك وإزاء عدم وجود نص صريح ينظم مسالة قابلية جواز اللجوء إلى التحكيم في منازعات العقود الإدارية من عدم جوازه فقد عادت المحكمة الإدارية العليا وأكدت جواز التحكيم في منازعات تلك العقود مؤكدة مشروعية شرط التحكيم الوارد في العقد وبأنه يخضع للقواعد الواردة بقانون المرافعات المدنية والتجارية المنظمة للتحكيم، ومقررة أن وجود شرط التحكيم في العقد، يؤدي إلى منع المحكمة من سماع الدعوى، طالما بقي هذا الشرط قائما، وهو ما يتماشى مع الاتجاه المؤيد لإمكانية اللجوء للتحكيم لحسم منازعات تلك العقود، وذلك في حكمها الصادر بتاريخ 1994/1/18.
حيث صدر هذا الحكم بمناسبة نزاع يتعلق بتفسير عقد التزام أبرمته الحكومة مع إحدى الشركات من أجل تحويل القمامة بمدينة القاهرة وضواحيها، وكذلك تحويل مخلفات المذابح العمومية إلى سماد عضوي، وكان العقد يتضمن شرطاً تعهد الطرفان بموجبه بإحالة أي نزاع ينشأ بينهما إلى التحكيم.
وقد قضت محكمة القضاء الإداري بعدم قبول الدعوى المتعلقة بطلب تفسير العقد المشار إليه، نظراً لوجود شرط تحكيم في هذا العقد، وحينما طعن في هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا أيدت حكم محكمة القضاء الإداري، وأعدت مشروعية شرط التحكيم الوارد في العقد، وبأنه يخضع للقواعد الواردة في قانون المرافعات المدنية والتجارية المنظمة التحكيم، وقررت أن وجود شرط التحكيم في العقد يؤدي إلى منع المحكمة من سماع الدعوى طالما بقي شرط التحكيم قائما. وبناء على ذلك فقد قضت المحكمة الإدارية العليا بتاريخ 18 من يناير 1994 بأن الحكم الصادر من محكمة القضاء الإداري بعدم قبول الدعوى قد صادف صحيح حكم القانون، وأن الطعن عليه غير قائم على أساس سليم من الواقع أو القانون حري بالرفض.