الخدمات

ابواب التحكيم الرئيسية
  • التحكيم / الإتجاه القانوني من جواز اللجوء للتحكيم في العقود الإدارية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / الأختصاص بالتحكيم في عقود التجارة الدولية / موقف مجلس الدولة المصري من جواز التحكيم في العقود الإدارية :- 

  • الاسم

    عاطف بيومي محمد شهاب
  • تاريخ النشر

    2001-01-01
  • اسم دار النشر

    جامعة عين شمس
  • عدد الصفحات

    601
  • رقم الصفحة

    82

التفاصيل طباعة نسخ

موقف مجلس الدولة المصري من جواز التحكيم في العقود الإدارية :- 

- الموقف قبل صدور قانون التحكيم المصري الجديد :- 

   عندها عرض أمر جواز التحكيم في العقود الإدارية علي الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع بمجلس الدولة ، رأت أنه (( أجاز قانون المرافعات المدنية والتجارية الاتفاق علي التحكيم وذلك في المواد ٥٠١ وما بعدهـا ، كما أن المادة ٥٨ من قانون مجلس الدولة ورد بما ما يقطع صراحة بجواز التجاء جهة الإدارة إلى التحكيم في منازعاتها العقدية ( إدارية أو مدنية ) حيث جاءت فقرتها الثالثة بالنص علي إلزام أية وزارة أو هيئة عامة أو مصلحة عامة أو مصلحة من مصالح الدولة بأ لا تبرم أو تقبل أو تجيز أي عقد أو صلح أو تحكيم أو تنفيذ قـــــرار محكمين في مادة تزيد قيمتها علي خمسة آلاف جنية بغير استفتاء إدارة الفتوى المختصة بمجلــــس الدولة ، فلو أن الاتفاق علي التحكيم أمر محظور علي جهة الإدارة ، ما كان المشرع ألزمها أصلا بعرض هذا الاتفاق أو تنفيذ قرار ( حكم ) المحكمين علي مجلس الدولة للمراجعة ، بيد أنه إزاء عدم وجود تشريع خاص ينظم التحكيم في منازعات العقود التي تكون جهة الإدارة طرفا فيها سواء المدنية أو الإدارية ، فإنه يتعين الرجوع في ذلك إلى الشروط العامة للتحكيم وإجراءاته الواردة بقانون المرافعات، والتي لا تتعارض مع طبيعة الروابط الإدارية ولا وجه للقول ، بأن محاكم مجلس الدولة هي المختصة بالفصل في منازعات العقود الإدارية دون غيرها طبقا للمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة ، وبالتالي فإن الاتفاق علي حسم تلك المنازعات بطريق التحكيم مؤداه سلب الولاية المعقودة للقضاء الإداري في هذا الشأن ، ذلك لأن المقصود من نص المادة العاشرة هو بيان الحد الفاصل بين الاختصاص المقرر لمحاكم مجلس الدولة ومحاكم القضاء العادي ولا يجوز أن نتجاوز في تفسير هذا النص قصد المشرع والقول بحظر الالتجاء إلي التحكيم في منازعات العقود الإدارية وانتهت الجمعية إلى جواز الاتفاق علي الالتجاء إلي التحكيم في العقود الإدارية .

   وقد قضت المحكمة الإدارية العليا " في حكما لها بعدم جواز الالتجاء إلي التحكيم في منازعات العقود الإدارية ورأت أنه يتعين تفسير شرط التحكيم في عقد الالتزام بما لا يتعارض مع اختصاص مجلس الدولة حيث قالت أنه (( ينبغي تفسير البند الخامس من الإتفاق المشار إليه بما لا يهدم خصائص العقد الإداري ولا بما يزيل اختصاص مجلس الدولة بنظر المنازعات المتعلقة بذلك العقد ، إذ أن اختصاص المجلس ورد في قانون موضوعي أي كقاعدة عامة ، بينما أن منح التزام المرافق العامة فهو من الأعمال الإدارية التي تقوم بها السلطة التشريعية كنوع من الوصاية علــي السلطة التنفيذية وهذه الأعمال ليست قوانين من حيث الموضوع ، وإن كانت تأخذ شكل قانون ، ويترتب علي ذلك أنه لا يجوز أن يخالف هذا العمل الإداري أحكام القانون ، وإن كانت السلطة التي تصدرها واحدة إذ من القواعد المقررة في القانون العام أن السلطة التي تضع قاعدة عامة لا تملك مخالفتها بأعمال فردية ، وأن كانت تملك تعديلها كقاعدة عامة أخري )).

    وقد قضت ذات المحكمة في حكما آخر لها """ بأنه ((....... وبناء علي ما تقدم فإن شرط التحكيم الوارد في هذا الاتفاق يكون مخالفا لنص المادة العاشرة من قانون مجلس الدولـــــة التي تجعل الاختصاص بنظر المنازعات المتعلقة بعقود الالتزام والأشغال العامة ، وغيرها من العقود الإدارية منوطا بمجلس الدولة بهيئة قضاء إداري دون غيره ولا يجوز الاتفاق علي ما يخالف هـذه القاعدة العامة لأنه كما سبق فإن عقد الالتزام الذي ورد فيه شرط التحكيم المذكور وإن ورد في شكل قانون صدر من السلطة التشريعية إلا أنه جاء مخالفا لقاعدة عامة تضمنها قانون مجلس الدولة ومن ثم ، فلا يعتد به ومن ثم فإن ما انتهي إليه الحكم المطعون فيه من رفض هذا الدفع يكون في محله لاتفاقه مع أحكام القانون .

   وعلي العكس من ذلك أفتت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع "" بجواز الالتجاء إلي التحكيم في المنازعات الإدارية ، حيث قالت (( بيد أنه إزاء عدم وجود تشريع الخاص ينظم التحكيم في منازعات العقود التي تكون الإدارة طرفا فيها سواء المدنية أو الإدارية ، فإنه يتعين الرجوع في ذلك إلى الشروط العامة للتحكيم وإجراءاته الواردة بقانون المرافعات التي لا تتعارض مع طبيعة الروابط الإدارية ، ولا وجه للقول بأن محاكم مجلس الدولـــة هـي المختصة بالفصل في المنازعة الخاصة بالعقود الإدارية دون غيرها ، طبقا للمادة العاشرة من قانون مجلس الدولة وبالتالي فإن الاتفاق علي حسم تلك المنازعات بطريق التحكيم ، مؤداه سلب الولاية المعقودة للقضاء الإداري في هذا الشأن ، وذلك لأن المقصود من نص المادة (١٠) هو بيان الحد الفاصل بين الاختصاص المقرر لمحاكم مجلس الدولة ومحاكم القضاء العادي ولا يجوز أن نتجاوز في تفسير هذا النص قصد المشرع والقول بحظر الالتجاء إلي التحكيم في منازعات العقود الإدارية .

   وقد قضت المحكمة الإدارية العليا في حكما هاما  أجازت فيه الاتفاق علي شرط التحكيم في منازعات العقود ، وفي نفس الوقت أكدت علي أن ذلك ليس معناه النزول عـــن حق الالتجاء إلى القضاء ، وقد انتهت المحكمة إلي أنه (( ومن حيث أن التحكيم طبقا لما أستقر عليه الفقه والقضاء هو اتفاق علي طرح النزاع علي شخص معين أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة ، والمحتكم باتفاقه علي التحكيم - لا ينزل عن حماية القانون ولا ينزل عن حقه في الالتجاء إلي القضاء - وإلا فإن المشرع لا يعتد بهذا النزول ولا يقره ، إذ الحق في الالتجاء إلي القضاء هو من الحقوق المقدسة التي تتعلق بالنظام العام، إنما المحتكم باتفاقه علــي التحكيم يمنح المحكم سلطة الحكم في النزاع ، بدلا من المحكمة المختصة أصلا بنظره ، ومن ثم فإن إرادة المحتكم تقتصر علي مجرد إحلال المحكم محل المحكمة في نظر النزاع، بحيث إذا لم ينفذ عقد التحكيم لأي سبب من الأسباب عادت سلطة الحكم إلي المحكمة.

    ومن حيث أنه من المبادئ الأساسية في العقود - ومنها عقد التحكيم – أنه ينبغي أن تتطابق إرادة الخصوم في شأن المنازعات الخاضعة للتحكيم ومن ثم فإن التحكيم يقتصر علي ما اتفق بصدده من منازعات ، وعلي ذلك فإنه إذا حصل الاتفاق في عقد علي عرض جميــع المنازعات التي تنشأ عن تنفيذه أو تفسيره علي محكمين ، فإن هذا يشمل كل المنازعات التي تقع بين المتعاقدين بشأن التنفيذ أو التفسير سواء وقت قيام العقد او بعد انتهائه )).

 الموقف بعد صدور قانون التحكيم المصري الجديد :- 

   وبعد صدور قانون التحكيم الجديد رقم ٢٧ لسنة ١٩٩٤ ، عرض الأمــر علــي الجمعيــة العمومية لقسمي الفتوى والتشريع ، وذلك بمناسبة مراجعة مشروع العقد المزمع إبرامه بين كل من المجلس الأعلى للآثار وشركة جلتسير سلفرنايت الإنجليزية بشأن الأعمال التكميلية لأعمال تنسيق الموقع الخارجي لمتحف آثار النوبة بأسوان ، وكذلك العقد المزمــــــــع إبرامه بينهما بشأن استكمال أعمال المتحف المذكور ، وعند مراجعة هذين العقدين رأت حذف البندين المذكورين في العقدين المتضمنين نصا يقضي بفض ما قد ينشأ عن العقدين مـــن منازعات بطريق التحكيم أمام مركز القاهرة للتحكيم التجاري الدولي وذلك علي سند من أن الاختصاص إنما ينعقد لمحاكم مجلس الدولة دون غيرها في فض المنازعات التي قد تنشأ عن  العقود الإدارية.

    وبجلسة ١٩٩٦/١٢/١٨ جاءت الجمعية بقولها أن (( لجوء أية جهة عامة للقضاء ذي الولاية في نزاع يتعلق بعقد إداري هو الاستعمال الطبيعي لحق التقاضي ، أما لجوءها في ذلك إلى التحكيم فهو يفيد الاستعاضة عن القضاء بيئة ذات ولاية خاصة وهو تحكيم لجهة خاصة في شأن يتعلق بصميم الأداء العام الذي تقوم عليه الدولة وما يتفرع عنها من أشخاص القانون العام ، وهو تحكيم لجهة خاصة في شأن يتعلق بتسيير المرافق العامة وتنظيمها وإدارتها ، وكل ذلك لا تملكه جهة عامة ولا تملك تقريره هيئة عامة إلا بإجازة صريحة وتخويل صريح يرد من عمل تشريعي .........)) 

   وأنه إذا كان المشرع لم يشأ أن يخضع المنازعات الناشئة عن العقود الإداريــة لاختصاص جهات القضاء المدني ، وحصر منازعاتها بالقضاء الإداري بحسبانه اختصاصا حاجزا لمنازعات هذا النوع من العقود لما تتميز به من أوضاع تتعلق بسلطات الهيئات العامة وشئون المرافق الدامة وتسيرها ، إذا كان هذا هكذا فإن منازعات العقود الإدارية تكون أكثر نأيا عن طبيعة نظام التحكيم وهيئاته ، ويعتبر شرط التحكيم متنافيا مع إدارية العقد )).

   ((وانتهت الجمعية العمومية لقسمي الفتوى والتشريع إلي عدم صحة شرط التحكيم في منازعات العقود الإدارية )).

   وإذا كان شرط التحكيم في منازعات العقود الخاصة لا يصح  لناقصى الأهلية إلا باكتمال أهليته وصيا ومحكما ، فإن في منازعات العقود الإدارية لا هذا الشرط إلا باكتمال الإرادة المعبرة عن كمال الولاية العامة في إجرائه ، ولا تكتمل الولاية هنا إلا بعمل تشريعي يجيز شرط التحكيم في العقد الإداري بضوابط محددة وقواعد منظمة ، أو بتفويض جهة عامة ذات شأن للأذن به في أية حالة مخصوصة وذلك بمراعاة خطر هذا الشرط فلا تقوم مطلق الإباحة لأي هيئة عامة أو وحدة إدارية أو غير ذلك مـــــــن أشخاص القانون العام (( وهذا عن موقف مجلس الدولة المصري من مسألة جواز التحكيم في العقود الإدارية الذي اتضح منه أنه قد مر بمرحلتين قبل وبعد صدور قانون التحكيم المصري الجديد ، وقد وضح أن ما استند إليه مجلس الدولة لتبرير عدم جواز التحكيم في العقود الإدارية ، غير مقنع لغالبية الفقه حيث كان لهم آراء تخالف ما استقر عليه قضاء مجلس الدولة في هذا الشأن .

خضوع العقود الإدارية للتحكيم بالقانون رقم 9 لسنة ۱۹۹۷ :- 

  انتهت الجمعية العمومية لمجلس الدولة إلي عدم جواز التحكيم في العقود الإدارية ، كما قضت محكمة الاستئناف بجواز التحكيم في العقود الإدارية  بينما اتجهت محكمة القضاء الإداري إلي عكس ذلك ، وهذا ما دعا وزارة العدل إلى التدخل وتقدمت بمشـــــــروع القانون رقم 9 لسنة ۱۹۹٧ لإجازة التحكيم في العقود الإدارية بشرط موافقة الوزير المختص 

   وقد أصدر المشرع المصري القانون رقم 9 لسنة ۱۹۹۷ باضافة فقرة ثانية إلي المــادة الأولي من قانون التحكيم رقم ۲۷ لسنة ۱۹۹٤ ، والتي نصت علي أنه :-

   ((وبالنسبة إلي منازعات العقود الإدارية يكون الاتفاق علي التحكيم بموافقة الوزير المختص أو من يتولي اختصاصه بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة ، ولا يجوز التفويض في ذلك )).

    وقد أراد المشرع بالتعديل الذي جاء به بالقانون ۹ لسنة ۱۹۹۷ بإضافته الفقرة الثانية المشار إليها للمادة الأولي من القانون ٢٧ لسنة ١٩٩٤ حسم الخلاف الذي نشأ بشأن جواز التحكيم في العقود الإدارية بعد صدور قانون التحكيم رقم ۲۷ لسنة ١٩٩٤ ، إلا أنه عند عرض النص الذي جاءت به الفترة الثانية علي مجلس الشعب آثار البعض أثناء مناقشته التخوف من اعتبار النص تعديلا لقانون التحكيم ، مما يهدد بانعدام قرارات التحكيم الصادرة في منازعات العقود الإدارية من قبل وقد تدخلت المنصة وشرحت أن هذا النص ليس تعديلا وإنما هو نص تفسيري يؤكد المبدأ الذي أقره قانون التحكيم بجواز التحكيم في جميع العقود أيا كانت طبيعتها ومنها بطبيعة الحال العقود الإدارية وأن التعديل الوحيد أضيف في مسألة اشتراط موافقة الوزير المختص لإجراء التحكيم في العقود الإدارية ، وقد أيد وزيــــر العــــدل وجهة النظر هذه وتم الاتفاق بين المجلس والحكومة علي تعديل صياغة النص بما يؤكد أن إجازة التحكيم في العقود الإدارية هو نص تفسيري وليست تعديلا للقانون السابق ، وأن الإضافة الوحيدة هي في تحديد الجهة المختصة بالموافقة علي مشارطه التحكيم وهي الوزير المختص.

   أن التعديل الذي أضافه المشرع يشترط موافقة الوزير المختص أو من يقوم مقامة بالنسبة للأشخاص الاعتبارية العامة وحرم في الوقت ذاتـه على الوزير أو من يقوم مقامه بالنسبة للأشخاص الاعتباريه العامة أن يفوض غيره في ممارسة  اختصاصه بالموافقة علي التحكيم في العقود الإدارية .

   وإذا كان المشرع بذلك قد حد الاتفاق علي التحكيم في العقود الإدارية وقصره علي الوزير المختص أو من يقوم مقامه في ذلك ، بحيث يمتنع علي من عدا ممارسة هذا الاختصاص القانوني وإلا وقع هذا العمل مخالفا لنص القانون .

  أنه كان يجب علي المشرع أن يجنب المتعاقدين مع الإدارة هذه الخشية أو هذا الخوف بالنص علي مدة معينة يتعين علي جهة الإدارة خلالها الحصول علي قرار صريح بالموافقة من الوزير المختص أو من يقوم مقامه ، فإن انقضت هذه المدة المنصوص عليها دون أن يصدر قرار صريح بالموافقة علي إدراج شرط التحكيم في العقد ، يعتبر بمثابة قرار برفض إدراج شرط التحكيم ، وإن في ذلك ضمانة للطرفين المتعاقدين ، هذا فضلا عن أن هذا من شأنه تشجيع المستثمرين الأجانب علي إبرام عقود الاستثمار ، وجذب الاستثمارات ورؤوس الأموال التي تساهم في دفع عجلة التنمية الاقتصادية هذا فضلا عن أن محاولة التحلل من شرط التحكيم بعد الاتفاق عليه في العقد المبرم مع طرف أجنبي بدعوى عدم الحصول علي موافقــة الوزير المختص أو من يقوم مقامه لإجازة شرط التحكيم في العقود الإدارية من شأنه أن ثقة المتعاملين مع الأشخاص العامة في مصداقيتها ، ويرتب أبلغ الضرر بفرص الاستثمارات يهز الأجنبية ومشروعات التنمية في مصر.

   وقد جاء بحكم محكمة استئناف القاهرة ، أن الدفع ببطلان شرط التحكيم بعــــد الاتفاق عليه في أحد العقود الإدارية - فضلا عن انعدام سنده القانوني – يتنافي مــــع مبــدأ وجوب تنفيذ الالتزامات بحسن نية الذي لا يميز بين عقود مدنية وإدارية ، كما يخالف المستقر عليه في فقه وقضاء التحكيم التجاري الدولي من عدم جواز تحلل الدول أو الأشخاص العامة من شرط التحكيم الذي أدرجته في عقودها استنادا إلي أية قيود. تشريعية حتى ، وإن كانت حقيقية .

موقف القضاء الفرنسي من جواز التحكيم في العقود الإدارية الدولية :-

    تثير مسألة جواز التحكيم في العقود الإدارية الدولية كثيرا من المشــــــاكـل مـــن الناحية العملية ، حيث تقف أمامها عقبات كثيرة مردها إلي سؤ تصرفات الإدارة عندما توقع علي عقد دولي مع تضمينه شرط تحكيم ، في الوقت الذي يكون فيه القانون الداخل يمنع الإدارة من اللجوء إلى التحكيم كوسيلة لفض المنازعات التي تنشأ عن مثل هذه العقود . 

   وبالنسبة لموقف القضاء الفرنسي نجد أن أحكام مجلس الدولة الفرنسي في هذا الشأن قد اتخذت موقفا مناهضا للتحكيم حيث ترفض التحكيم في عقود الإدارة ذات الطابع الدولي ، هذا في حين جاءت أحكام القضاء العادي الفرنسي بموقفا مغايرا سمحت من خلالها وأجازت اللجوء إلي التحكيم حيث رأت أنه أمام ضرورات التجارة الدولية واستنادا لقاعدة موضوعية أنشأتها بتلك الأحكام متعلقة بالتحكيم التجاري الدولي ، تقضي بصحة شرط التحكيم في العقود الدولية المبرمة لحاجات وضرورات التجارة الدولية

موقف القضاء العادي الفرنسي من التحكيم في عقود الإدارة الدولية :-

    فبالنسبة لأهلية الدولة وأشخاص القانون العام لإبرام اتفاقات التحكيم نجد أن المسألة في القانون الفرنسي محكومة بنص المادتين ۱۰۰٤ من القانون المدني القديم والتي تنص علي عدم جواز إبرام هذه الاتفاقات في المنازعات التي يشترط القانون تبليغها إلي النيابة العامة وحضورها في الدعوى ، وكذلك المادة ٨٣ من ذات القانون التي بينت هذه المنازعات ومن ضمنها (( المنازعات التي يكون أحد أطرافها الدولة أو غيرها من أشخاص القانون العــــام أو المؤسسات العامة )).

   وقد أقرت محكمة النقض الفرنسية من خلال هذا الحكم مبدأ جواز التحكيم في العقود الدولية التي تكون الدولة أو أحد أشخاص القانون العام طرفا فيها وذلك دون نص تشريعي ، وذلك بشأن نزاع بين قبطان سفينة San carlo بالمطالبة بالتعويض عن الخسائر التي لحقت بشحنة حبوب قادمة من أثيوبيا إلي مرسيليا وقد دفع قبطان السفينة بعدم اختصاص المحكمة متمسكا بتطبيق المادة ٢٠ من وثيقة الشحن ، لكن المحكمة رفضت هذا الدفع علي أساس أنها مختصة بالنظر في طلب مؤسسة O.N.I.C استنادا لنصوص قانون المرافعات القديم وأوقفت شرط التحكيم الوارد في وثيقة الشحن ، وعندما عرض الأمر علي محكمة الاستئناف ب-Aix -en -provence أقرت المحكمة الطابع العام لمبدأ حظر التحكيم ولكنها نفت القيمة المطلقة له ، وانتهت إلي عدم ملاءمة تطبيق هذا الحظر علي الاتفاقات ذات الطبيعة الدوليــة ، بـل أنـه سيكون ضد مصلحة الدولة نفسها أن تحظر علي ممثليها قبول وسيلة لتسويه المنازعات تتفق وأعراف التجارة الدولية ، لما في ذلك من أبعاد للدولة ومؤسساتها العامة عن أسواق تجاريــــــة هامة ، وأمام محكمة النقض دفعت مؤسسة .N.1.C. طعنا علي حكم الاستئناف ببطلان شرط التحكيم علي أساس أنها مسألة تتعلق بالأهلية وبالتالي يطبق القانون الفرنسي لتحديــــــد أهلية الشخص المعنوي في اللجوء إلى التحكيم سواء أكان هذا العقد دوليا أم محليا .

   وانتهت محكمة النقض الفرنسية من خلال هذا الطعن إلي تقرير ((صحة شرط التحكيم في الاتفاق الذي تبرمه الدولة أو أحد أشخاص القانون العام طالما أن هذا الاتفاق قــد توافرت له سمات العقد الدولي ، مستندة ذلك إلي أن الحظر الوارد في المادتين ١٠٠٤ ، ٨٣ من القانون المدني القديم يتعلق بالنظام العام الداخلي وليس بالنظام العام الدولي وبالتالي فإنه لا يقف عقبة أمام إخضاع الاتفاق الذي دخلت فيه طرفا لقانون أجنبي .

   وبالنسبة لما تثيره المؤسسة الطاعنة .O N.I.C من أن الأهلية للتعاقد تخضـــــــع للقانون الشخصي للأطراف المتعاقدة ، أي أن القانون الفرنسي وحده هو الذي يحدد أهليـــــة المؤسسات العامة الفرنسية للتوقيع علي شرط التحكيم الوارد في العقد ، انتهت المحكمة إلي أن الحظر الوارد في المادتين ۱۰۰٤ ، ۸۳ لا يثير مسألة الأهلية بالمعني الوارد في المادة ٣/٣ مــن القانون المدني الفرنسي ، ومن ثم فإنه لا يقف حياله أن تخضع مؤسسة عامة اتفاقها لقانون أجنبي يسمح بصحة شرط التحكيم

   وقد أكدت محكمة النقض في رفضها للطعن المرفوع أمامها علي أن قضاء الاستئناف وقد أبان عن أن القانون الواجب التطبيق علي العقد ( القانون الإنجليزي ) يقبل بصحة هذا الشرط (( لم يكن له سوي أن يقضي في مسألة ما إذا كانت القاعدة المنصوص عليها بالنسبة للعقود الداخلية من الواجب تطبيقها أيضا علي عقد دولي أبرم لحاجات التجارة البحرية وفي ظروف تتوافق مع أعرافها (( وخلصت المحكمة العليا إلي أن هذا الحظر المنصوص عليه في القانون الداخلي لا يطبق علي مثل هذا العقد .

موقف مجلس الدولة الفرنسي من التحكيم في عقود الإدارة الدولية :-

  أما عن موقف مجلس الدولة الفرنسي من مسألة جواز التحكيم في العقود الإدارية الدولية ، فنجد أن له موقفا مناهضا للحكيم في العقود التي تبرمها الدولة أو أحد أشخاص القانون العام وذلك علي خلاف موقف القضاء العادي الفرنسي ، ويرجع البعض هذا الموقف المتشدد لمجلس الدولة الفرنسي إلى النشأة القضائية للقانون الإداري حيث تعتبر فرنسا هي مهد هذا القانون - ولنظرياته ومنها نظرية العقد الإداري التي تستمد أحكامها وقواعدها مـــــن أحكام القضاء الإداري .

   وبالرغم من موقف القضاء العادي الفرنسي والذي أجاز التحكيم في العقود الإدارية ذات الطابع الدولي التي تكون الدولة أو أحد أشخاص القانون العام طرفا فيها لتوافق ذلــك مــع عادات وحاجات التجارة الدولية وأن الحظر الوارد في القانون المدني الفرنسي لا يشمل العقود الإدارية ذات الطابع الدولي باعتبار أن هذا الحظر وإن كان يتعلق بالنظام العام الداخلي فإنه يقتصر أعماله علي العقود الداخلية وحدها ، ولا يطبق هذا الحظر علي الاتفاقات ذات الطابع الدولي . 

   إلا أن مجلس الدولة الفرنسي ظل متمسكا بهذا الحظر الوارد في القانون المدني الفرنسي القديم والحديث المنصوص عليه بالمواد ١٠٠٤ و ٨٣ و ٢٠٦٠ وأنه يشمل كل المنازعات التي تكون الأشخاص العامة طرفا فيها حتى ولو تعلق الأمر بعقد من عقود الإدارة التي تختص بها المحاكم المدنية أو التجارية واعتبر هذا الحظر متعلقا بالنظام العام ولا يجوز مخالفته ، وظل رافضا للتحكيم في العقود الإدارية ودرج علي بطلان شرط التحكيم في العقود الإدارية استنادا لنصوص القانون المدني وإلي أن اختصاصه بنظر منازعات الأشخاص العامة أمر من النظام العام ولا يمكن مخالفته .

   وأمام هذا الموقف المتشدد لمجلس الدولة الفرنسي وشموله لكافة المنازعات التي تتعلق بأشخاص القانون العام حتى ولو لم تكن ذو طبيعة إدارية ، وهو الموقف المتناقض مع موقـف القضاء العادي الفرنسي كما سبق وأن أوضحنا ، الأمر الذي دفع المشرع الفرنسي إلي التدخل للحد من هذا الأمر بإصدار قانون ۱۷ إبريل عام ۱۹۰٦ بإجازة التحكيم في بعض العقود الإدارية ، وإصدار قانون ۱۹ أغسطس عام ١٩٨٦ بإجازة التحكيم في العقود الدولية .

خضوع العقود الإدارية الدولية في فرنسا للتحكيم بقانون ۱۹ أغسطس ۱۹۸٦: -

وقد نصت المادة التاسعة من قانون ١٩ أغسطس ١٩٨٦ علي أنـــه : (( استثناء من أحكام المادة ۲۰٦٠ من القانون المدني ، يجوز للدولة والمقاطعات والمؤسسات العامة أن تقبل شرط التحكيم في العقود الدولية المبرمة مع الشركات الأجنبية ، لتنفيذ عمليات ذات نفع قومي، وذلك لتسوية المنازعات التي تثور من تطبيق أو تفسير هذه العقود "".

موقف الاتفاقيات الدولية من التحكيم في عقود الإدارة الدولية

    كان من نتائج الاختلاف فيما بين النظم القانونية الوطنية في مجال التحكيم كوسيلة لحل المنازعات التي تنشأ في مجال التجارة الدولية ، وباعتباره وسيلة فعالة وملائمة في هذا المجال ، الأمر الذي أدي إلي إحساس المجتمع الدولي بضرورة التعاون الدولي في مجال التحكيم ، وقـــــد أسفر ذلك عن إبرام مجموعة من الاتفاقيات تتعلق بتنظيم مسائل التحكيم ، بداية من إبـــــــرام اتفاق التحكيم وإجراءاته وتنفيذ الحكم الصادر فيه والاعتراف به ، ومن هذه الاتفاقيات مـــــا تعرض لمسألة قدرة الأشخاص المعنوية العامة علي اللجوء إلي التحكيم كاتفاقيــــــة نيويورك ١٩٥٨ حيث تناولت تلك المسألة بطريقة غير مباشرة ، ومن هذه الاتفاقيات ما تعرض لتللـ المسألة بطريقة مباشرة كالاتفاقية الأوروبية ١٩٦١ ، واتفاقية واشنطن ١٩٦٥ ، الأمر الذي نجد معه من الضروري الوقوف علي كيفية تناول هذه المسألة . من خلال نصوص تلك الاتفاقيات لبيان كيفيه معالجتها لهذه المسألة ، وذلك لما تتضمنه تلك النصوص ذات المصدر الدولي من التعبير عن القواعد المنظمة للمعاملات الدولية ، حيث تطبق هذه الاتفاقيات باعتبارها نصوصا قانونية وطنية عندما يتعلق الأمر بتراع بين أطراف ينتمون إلي دولـة مصدقة علي الاتفاقية .

 الاتفاقية الأوروبية ( جنيف ) ١٩٦١ للتحكيم التجاري الدولي :- 

   وهذه الاتفاقية تتعلق بتنظيم التحكيم في مجال التجارة الدولية ، وقد تعرضت من خلال نصوصها لمشكلة قدرة أشخاص القانون العام علي اللجوء إلى التحكيم وذلك بطريقة مباشرة وصريحة علي عكس ما تناولته اتفاقية نيويورك ١٩٥٨ حيث تعرضت لتلك المسألة بطريقة غير مباشــرة .

   وقد نصت المادة الثانية من هذه الاتفاقية في فقرتها الأولي علي أنه (( في الحالات المشار إليها في الفقرة الأولي من المادة الأولي من هذه الاتفاقية فإن الأشخاص المعنوية التي تعد ، وفقا للقانون المطبق عليها ، من أشخاص القانون العام المعنوية ، لها قدرة إبرام اتفاقات تحكيمية صحيحة .

   وجاءت الفقرة الثانية من المادة الثانية أيضا من ذات الاتفاقية بالنص علي أنه (( عند التوقيع أو التصديق علي هذه الاتفاقية أو عند الانضمام إليها ، فإن كل دولة يمكنها أن تعلن عن تحديدهــــا لهذه القدرة ، وفق الشروط المحددة في الإعلان )) .

١٠ - اتفاقية واشنطن ١٩٦٥ :-

   وهذه الاتفاقية قد أبرمت تحت رعاية البنك الدولي للإنشاء والتعمير ،BIRD وهي تمثل الركيزة الأساسية لبحث قدرة أشخاص القانون العام الاعتبارية علي الدخول طرفا في اتفاقات تحكيميه خاصة بمنازعات الاستثمار التي تثور بين الدول ورعايا الدول الأخرى .

   وقد تضمنت الاتفاقية بين نصوصها قاعدة موضوعية لمواجهة مشكلة قدرة أشخاص القانون العام الاعتبارية علي اللجوء إلي التحكيم عن طريق المركز الدولي لتسوية منازعات الاستثمار عندما تكون طرفا في تلك المنازعات .

   وعلي ذلك يلاحظ أنه في ظل اتفاقية واشنطن ، أن أساس الحق في اللجوء للتحكيم يبدأ بمجرد قبول أو موافقة الدولة علي الخضوع للتحكيم ، وتتميز هذه الاتفاقية بإخضاع المنازعات المتعلقة بالاستثمارات الخاصة الدولية لآليات التحكيم عن طريق المركز الدولي لتسوية منازعـــات الاستثمار ، وليس عن طريق الجهات القضائية الداخلية ، وبالتالي فهي لم تشكل عقبة أو قيدا فيما يتعلق بقدرة الأشخاص المعنوية العامة علي اللجوء للتحكيم ولو كان قانونها يحظر عليها ذلـــك ما دامت أن الدولة الموقعة علي الاتفاقية قد ارتضت اختصاص المركز لتسوية منازعات الاستثمار . 

   ويظهر لنا من كل ما تقدم بشأن موقف الاتفاقيات الدولية ، أنها قد أكــــــدت أسلوب التحكيم في إطار منازعات الاستثمار التي من أبرزها اتفاقية نيويورك سنة ١٩٥٨ الخاصة بالاعتراف وتنفيذ الأحكام الأجنبية والاتفاقية الأوروبية سنة ١٩٦١ ( جنيف ) بشأن التحكيم التجاري الدولي ، واتفاقية واشنطن ١٩٦٥ لتسوية منازعات الاستثمار ، كل تلك الاتفاقيات تنطوي علي قدرة أشخاص القانون العام علي الدخول طرفا في اتفاقات تحكيمية خاصة بمنازعات الاستثمار والمنازعات المتعلقة بأنشطة القانون الخاص وعمليات التجارة الدولية التي تكون  أشخاص القانون العام المعنوية طرفا فيها .