التحكيم / الإتجاه الفقهي من عدم جواز اللجوء للتحكيم في العقود الإدارية / رسائل الدكتوراة والماجسيتير / دور التحكيم في فض المنازعات الإدارية ( دراسة مقارنة ) / موقف الفقه الفرنسي الرافض خضوع و منازعات العقود الإدارية للتحكيم
موقف الفقه الفرنسي الرافض خضوع و منازعات العقود الإدارية للتحكيم
ذهب الفقه الرافض لمسألة التحكيم في العقود الإدارية ولجوء الدولة وأشخاص القانون العام إلى التحكيم في منازعاتهم الإدارية مؤيدا لاتجاه القضاء الإداري في هذا الشأن ومستنداً إلى العديد من الحجج والأسانيد، ومنهم العلامة والفقيه الفرنسي الكبير LAFERRIERE حيث إنه يرى أن الدولة لا تستطيع الاتفاق على التحكيم، نظراً للآثار أو النتائج الاحتمالية أو المشكوك فيها أو التي تعتمد على الصدف التي تترتب عليه ، متسائلاً كيف يقبل خضوع الدولة لمحكم خاص في حين أنه لا يقبل خضوعها للقضاء المدني؟
حيث إنه من غير المنطقي أن تقوم الأشخاص القانونية العامة بمنح هيئة تحكيم سلطة الفصل في المنازعات الإدارية في الوقت الذي لا تملك فيه المحاكم العادية ذاتها - التي تعتبر جزءاً من السلطة القضائية - صلاحية الفصل في هذه المنازعات. بالإضافة إلى أن القضاء الإداري يكفل للجهات الإدارية ضمانات لا تتحقق لها أمام أية جهة أخرى، كما أن إساءة اختيار المحكمين بواسطة أطراف النزاع يمكن أن تؤدي إلى الإضرار بالمصالح العامة للجماعة . حيث قد تهمل الجماعات الإقليمية الدفاع عن تلك المصالح التي تتمتع بضمانات خاصة أمام القضاء الإداري.
أما الفقيه RIVERO فيرى أن الدولة وهي القدوة لا تستطيع أن تتملص بنفسها من قضاة أقامتهم لرعاياها ومن الخضوع لرقابة القضاة الذين قامت بتعيينهم للفصل في المنازعات وأيضا لا تستطيع أن تنكر فكرة سمو ورفعة الشخص العام، فلا يمكن أن يتنازل ذلك الشخص عن مكانته السامية المتميزة أو أن يهبط فيخضع نفسه لهيئة تحكيمية خاصة. على أن تلك الهيئة التحكيمية ملتزمة - بناء على ما يقضي به قانون المرافعات - باحترام المبادئ الأساسية التي تخضع لها الدعاوي أمام القضاء، ولا يجوز لها مخالفة القواعد الآمرة المتعلقة بالنظام العام وفي حالة خروج هيئة التحكيم على هذه الضوابط يجوز للطرف الذي صدر الحكم ضده الطعن في حكم التحكيم بالبطلان.
وفي هذا الصدد يؤكد الفقيه DE LAUBADERE على أنه لا يجوز للدولة وغيرها من أشخاص القانون العام اللجوء للتحكيم لحسم أية منازعة من المنازعات الإدارية دون وجود تشريع يخولها هذا الحق بنص صريح حيث إن اللجوء للتحكيم في مجال أية منازعة من المنازعات الإدارية سوف يترتب عليه استبعاد هذه المنازعة من نطاق ولاية القضاء الإداري الذي يستمد اختصاصه بالفصل في المنازعة الإدارية من نصوص التشريع.
وعليه فلا تستطيع الإدارة تعديل قواعد الاختصاص القضائي عن طريق القرارات الإدارية، حيث إن قواعد الاختصاص نص عليها قانون تشريعي، وبالتالي فإن تعديل هذه القواعد يتعين أن يتم بقانون تشريعي، ولا يجوز أن يكون بأداة قانونية أقل من ذلك كمرسوم مثلا أو عقد من باب أولى.
أما بالنسبة لمفوضي الحكومة وموقفهم بمناسبة الدعاوي التي عرضت على مجلس الدولة والمتصلة بهذا الشأن نلاحظ أيضا موقفهم الثابت في الدفاع عن مجلس الدولة في تبنيه لمبدأ الحظر المشار إليه، فيقول مفوض الحكومة الشهير ROMIERU في مرافعته في قضية سكك حديد المنطقة الشمالية ضد وزارة الحربية: " أيها السادة إنه مبدأ تقليدي مقبول بالإجماع في الفقة والقضاء أن الإدارة العامة - إلا في حالة استثناء خاص - غير مرخص لها الاتفاق على التحكيم. إن الوزراء لا يستطيعون أن يضعوا في أيدي المحكمين حل مسألة متنازع عليها . حيث إن من شأن هذا الاتفاق منح المحكمين سلطة الفصل في نزاع يدخل في اختصاص القضاء بينما لا يملك الوزراء ولا يستطيعون التهرب من اختصاص جهات القضاء الموجودة بالفعل والذي أناط به المشرع مهمة الفصل في هذا النزاع.